أسامة بن لادن

رسالة أسامة بن لادن حول الرسوم المسيئة .. ما أهميتها؟؟

أطلقت مؤسسة سحاب (الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة) بالأمس تسجيلا صوتيا لأسامة بن لادن استغرق خمس دقائق و صحبته صورة حديثة لبن لادن يمسك ببندقية هجومية حديثة, و قد هاجم بن لادن في رسالته الصوتية الاتحاد الأوروبي بسبب الرسوم المسيئة للرسول الكريم, وخاطب بن لادن من وصفهم بالعقلاء في الاتحاد الأوروبي، قائلا “إن نشر تلك الرسوم هدفه اختبار المسلمين في دينهم، والجواب هو ما ترون لا ما تسمعون فلتثكلنا أمهاتنا إن لم ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
وانتقد أسامة بن لادن التذرع بحرية التعبير لنشر الرسوم قائلا: “لا داعي إلى التحجج بقدسية حرية التعبير عندكم وقداسة قوانينكم وأنكم لن تغيروها، وإلا فعلى ما تم إعفاء الجنود الأمريكيين من الخضوع إلى قوانينكم فوق أرضكم، وعلى ما تقمعون حرية من يشكك في أرقام حادثة تاريخية”, مشيرا بذلك للمحرقة النازية لليهود.
وانتقل بن لادن بعد ذلك للهجوم على العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز قائلاً: “ثم إنكم تعلمون أن هناك رجلا واحدا يستطيع أن يوقف هذه الرسوم لو كان الأمر يعنيه وهو الملك غير المتوج في الرياض، والذي كان أمر بإيقاف هيئاتكم القانونية عن العمل بشأن التحقيق باختلاس المليارات من صفقة اليمامة.”
وأضاف زعيم القاعدة في تسجيله الصوتي أن “العداء بين البشر قديم ولكن عقلاء الأمم حرصوا في جميع العصور على الالتزام بآداب الخلاف وأخلاق القتال، إلا أنكم في صراعكم معنا تخليتم عن كثير من أخلاق القتال عمليا وإن كنتم ترفعون شعاراتها نظريا”.
وتابع قائلا إن أوروبا تستهدف عن عمد النساء والأطفال المسلمين “مجاراة لحليفها الذي أوشك هو وسياساته العدوانية على الرحيل من البيت الأبيض”، في إشارة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش.
كما شن بن لادن هجوما على بابا الفاتيكان بسبب ما اعتبره بن لادن دورا له رئيسي في حملة الرسوم المسيئة, ولذلك هاجم الذين يسعون للحوار مع الفاتيكان و اعتبر أنه لاجدوى من أي حوار معه.
و كالمعتاد اختلفت و تعددت أراء المراقبين بشأن الأهداف و المعاني التي تتضمنها هذه الرسالة المسجلة, فالبعض اعتبروها تشير إلى الإعداد لهجوم وشيك من القاعدة على أى من أقطار الإتحاد الأوروبي خاصة الدانمارك صاحبة الرسوم المسيئة, و البعض رأى أنها تتضمن أيضا رفضا للحوار مع الفاتيكان الذي يقوم به عدد من القيادات الإسلامية, و دعوة لهذه القيادات بمواجهة ما يعتبرهم أعداء للإسلام بدلا من محاورتهم.
و البعض قال إن الهجوم المرتقب على أوروبا ليس وشيكا فالرسالة في رأي هذا الفريق من المراقبين لا تشير لأي إطار زمني رغم أن التهديد فيها واضح, و اعتبروا أن الرسالة مجرد تحفيز لأنصاره ليضربوا أوروبا خاصة في الدانمارك.
و مما لاشك فيه أن هذه التحليلات تعبر في معظمها عن سوء الفهم السائد لدى دوائر تحليل الحركات الإسلامية لاسيما المراكز الغربية منها, ومما لا شك فيه أيضا أن بن لادن لا يأمل في أي استجابة من القيادات الإسلامية التي يهاجمها بسبب سكوتها على الرسومات المسيئة للرسول وبسبب حوارها مع الفاتيكان, لكنه يريد بذلك أن يحرج هذه القيادات أمام الجماهير كي تمتنع عن تأيد هؤلاء القادة و تتوجه لتأييد القاعدة.
كما أن رسائله الموجهة لأوروبا ليس الغرض منها إقناع الإدارات الأوروبية بتغيير سياساتها بقدر ما هو الغرض منها مخاطبة اليسار الأوروبي و القوى المناهضة للعولمة وللحروب الأمريكية على العراق و أفغانستان و نحوها من القوى المحبة للسلام و حوار الحضارات و هو ما يعد تطورا هاما في خطاب القاعدة و رغم أنه بدأ من فترة إلا أن مساحة الاهتمام بمخاطبة هذه القوى زادت في هذه الرسالة.
أما عن توقيت أي عملية مرتقبة للقاعدة ضد الدانمارك أو مصالحها في أي مكان في العالم فأنا أرى أنه وشيكا جدا ما لم يحدث ما يعطلها في لحظتها الأخيرة, بل ربما تقع هذه العملية يوم ميلاد النبي محمد (ص) أو قريبا منه, كتعبير رمزي من تنظيم القاعدة عن الوفاء للنبي محمد بلغة تنظيم القاعدة, و هذا ليس رجما بالغيب إنما فهما دقيقا من قولة بن لادن في رسالته “و الجواب ما ترون لا ما تسمعون” و هي كلمة قالها الخليفة العباسي المعتصم بن هارون الرشيد عندما حرك جيوشه ضد الإمبراطورية الرومانية نصرة لأسيرة مسلمة لديهم استغاثت بالمعتصم و عندما كتب المعتصم هذه المقولة للروم حرك قواته فورا و حرر الأسيرة واحتل بلاد شاسعة تابعة للروم, و هذه الواقعة مشهورة و محبوبة لدى الحركات الإسلامية بكافة اتجاهاتها الفكرية و تعبر لديهم عن اقتران الأقوال بالأفعال لدى القادة السياسيين في العصر الذهبي لتاريخ الإسلام حسب تصورهم.
يشار إلى أن آخر رسالة لبن لادن الذي يشتبه بأنه مختبئ في مكان ما على الحدود بين أفغانستان وباكستان تعود إلى 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي حذر فيها المسلمين من تقديم أي دعم للحكومة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة ووعد بـ”تحرير فلسطين”.

محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم

عبقرية محمد صلى الله عليه و آله و سلم لعباس العقاد

طعن شاب مولع بالحضارة و الفلسفة الغربية في شخص النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم ) قائلا أن بطولة محمد إنما هي بطولة سيف و دماء، و كان هذا الشاب يحسب أن التطاول على الأنبياء من لوازم الإطلاع على الفلسفة و العلوم الحديثة، وكان ذلك في بيت محمود عباس العقاد في إحدى الجلسات التي جمعت بين العقاد و عدد من الأدباء و المثقفين.

و قد تزامنت هذه الجلسة مع ذكرى المولد النبوي الشريف في إحدى السنوات ، و قد رد الحضور ردا شديدا على هذا الشاب مما دعاه للاعتذار عن مقولته ثم انصرف من الجلسة، لكن أحد الحضور اقترح على العقاد أن يكتب كتابا عن النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) وفق المناهج الحديثة بدلا من تلقي المسلمين معلوماتهم عن عظمة النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) من كتابات المستشرقين.

و قد عزم العقاد على هذا لكنه لم يكتب هذا الكتاب المنشود إلا بعد ثلاثين عاما من هذا العزم، و قد كتب أخر سطر منه في يوم مولد النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) أيضا.

واعتبر العقاد أن الثلاثين عاما هذه كانت لازمة كي يتهيأ علميا و فكريا و نفسيا لمثل هذا العمل الهام..”عبقرية محمد” صلى الله عليه و آله و سلم.

و في مقدمة الكتاب أشار العقاد إلى أن كتابه هذا ليس كتابة للسيرة النبوية و لا شرحا للإسلام أو دفاعا عنه أو مجادلة لخصومه “إنما الكتاب تقدير لعبقرية محمد بالمقدار الذي يدين به كل إنسان و لا يدين به المسلم فقط، و بالحق الذي يثبت له الحب في قلب كل إنسان و ليس في قلب كل مسلم فقط”.

واعتبر العقاد أن هذا الزمان يحتاج من يخلصه من أزماته و لن يصلح لمصلح أن يهدي قومه و هو مغموط الحق معرض للجفوة و هو يقصد بذلك النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم)، كما أشار العقاد إلى أن الناس قد اجترأوا على العظمة في زماننا لأن شيوع الحقوق العامة قد أغرى أناسا من صغار النفوس على إنكار الحقوق الخاصة حقوق العلية النادرين الذين ينصفهم التميز و تظلمهم المساواة، و قد ظلم هذا الفهم الخاطئ للمساواة حقوق العظماء السابقين، و قد أغرى الناس بهذا الظلم غرورهم بتقدم العصر الحديث، و اعتقادهم أنه قد أتى بالجديد الناسخ للقديم في كل شئ.. حتى في ملكات النفوس و الأذهان، و هي مزية خالدة لا ينسخ فيها الجديد القديم حسب تعبير العقاد.

العالم كان ملائما للبعثة النبوية

أول فصل في كتاب العقاد يثبت أن العالم كان ملائما للبعثة النبوية فيه و قد جاءت في الوقت المناسب من حيث أحوال الفرس و الروم و العرب و قريش فخلاصة الحال حسب تعبير العقاد “عالم يتطلع إلى نبي و مدينة تتطلع إلى نبي و قبيلة و بيت و أبوان بأصلح ما يكونون لإنجاب ذلك النبي”.

عبقرية الداعي

أما الفصل التالي “عبقرية الداعي” فهو لا يقل في روعته عن روعة العقاد المعهودة و من أبرز ما فيه إبرازه أن المؤمنين لم يؤمنوا ابتغاء لذة الجنة و إلا لكان المترفون من صناديد الكفر أحرص على مثل هذه اللذة فلم يكن أبو لهب أزهد في اللذة من عمر، لكن هناك فارق واحد بين من سبق للإيمان ومن تخلف عنه حسب رأي العقاد ذلك هو الفارق بين الأخيار و الأشرار.. بين من يعقلون و يصغون للقول و من يستكبرون و لا يصغون للقول.

و في نفس الفصل يبرز أن المؤمنين هم من كان يجرد عليهم المشركون السيف فالمؤمنون كانوا مطاردين و مضطهدين تحت وطأة سيوف الكفار فكيف يكونوا آمنوا خوفا من السيف و يضرب مثالا بإسلام عمر عندما ذهب للنبي صلى الله عليه و آله و سلم متوشحا سيفه فخافه المسلمون لكن حمزة قال ائذنوا له إلى أخر القصة المشهورة فعمر الذي جاء ليسلم هو من كان يحمل السيف و ليس داعيه هو الذى حمل عليه السيف.

عبقرية محمد العسكرية

و في فصل “عبقرية محمد العسكرية” يسعى بنجاح إلى إقناع القارئ بعدالة السلوك العسكري للنبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) و مبرراته، كما يعقد مقارنات هامة بين القتال عند المسلمين و اليهود و المسيحيين، كما يعقد مقارنات بين الإنجازات في فنون الحرب لدى هتلر و نابليون و بين النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) ليقول في نهاية الفصل:

“إن عبقرية محمد في قيادته لعبقرية ترضاها فنون الحرب و المروءة و شريعة الله و الناس و الحضارة في أحدث عصورها و المنصفون من الأصدقاء و الأعداء”.

ويتابع: “قد سمعنا كثيرا فى العصور الحديثة عن المقاومة التى تتجنب العنف ولا تعتمد على غير وجه الحق والحجة .. سمعنا بها فى الحركة الهندية التى قام على رأسها غاندى وقد استبعد البعض أن يتفق المسلمون مع تلك المقاومة السلبية لاعتقادهم أن الإسلام قد شرع للقتال، ولكن المثل الذى قدمه النبى محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم فى رحلة الحديبية يبين أن الإسلام قد أخذ من كل وسائل الدعوة بنصيب يجرى فى حينه مع مناسباته وأسبابه، وقد خرج النبي محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى مكة فى رحلة الحديبية حاجاً لا غازياً” .. بمثل هذه العبارات برهن العقاد على عبقرية النبي السياسية.

محمد في التاريخ

و هكذا إلى أخر الكتاب حيث يثبت عبقرية النبي الإدارية و في الفصاحة و في الصداقة و في الرئاسة و في الحياة الزوجية و الأسرية و كذا في عبوديته لله تعالى.

و يختم الكتاب بفصل “محمد في التاريخ” و فيه يشير إلى أن الإيجاز يغني في هذا الفصل “لأن العالم كله صفحات تنبئنا بمكان النبي محمد فيه. محمد في نفسه بالغ في العظمة وفقا لكل مقياس صحيح في عصور الحضارة….فالتاريخ كله بعد محمد متصل به مرهون بعمله، و إن حادثا واحدا من أحداثه الباقية لم يكن ليقع في الدنيا كما وقع لولا ظهور محمد و ظهور عمله”. بحسب تعبير عملاق الأدب العربى الحديث محمود عباس العقاد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت هذا الموضوع في جريدة الدستور المصرية بالعدد الأسبوعى، وفي مدونتى القديمة.