حسنى مبارك

مستقبل العمل السياسى للحركات الإسلامية في مصر

قاطع الإخوان المسلمون انتخابات اتحاد طلاب الجامعات بسبب الضغوط الأمنية، و قبل ذلك قاطعوا انتخابات المحليات.

و من قبل ومن بعد فإن كثيرا من النقابات المهنية المصرية تقبع منذ سنوات تحت ما يسمى بالحراسة القضائية ومن ثم السيطرة الحكومية عليها، وهي النقابات التي يمارس الإخوان المسلمون العمل السياسي من خلال خوض انتخابات مجالس إدارتها والتحرك من خلالها.

هذا عن الإخوان، أما السلفيون، فإن غالبية مجموعاتهم لا تمارس العمل السياسي، و المجموعات القليلة التي كانت تمارس شيئا من العمل السياسي عبر انتخابات اتحادات الطلبة وكذا النقابات المهنية تراجعت تماما عن المحاولة في هذا المجال بعد أن رأت انسداد الأفق السياسي بالدرجة التي دفعت الإخوان – وهم الأقوى والأكثر خبرة- للانسحاب من هذه العملية.

و لم يبق لهذه المجموعات السلفية المسيسة من العمل السياسي سوى الكلام في شئون سياسية عامة من منظورها الإسلامي عبر دروسهم المسجدية المحدودة، ومواقعهم على شبكة الانترنت وشرائط الكاسيت، لاسيما و أن هذه المجموعات السلفية المسيسة ليس لها موضع قدم على الفضائيات الإسلامية المصنفة على أنها سلفية.

بقى التيار الجهادي و الذي خرج من الساحة السياسية في مصر منذ سنوات لعدة أسباب، فتنظيم الجهاد المصري ابتعد منذ سنوات طويلة عن أي ممارسة للعمل السياسي السلمي و التصق أكثر فأكثر بالعمل المسلح، و صاحب ذلك تدهور قوته تنظيميا وانحسار ما كان قد تمتع به من شعبية وجماهيرية إثر نجاحه في اغتيال السادات، ومن ثم انزوى تنظيم الجهاد ولم يعد له أي وجود حقيقي في الساحة السياسية أو الإسلامية المصرية.

تنظيم القاعدة الذي ربما صار له موضع قدم في مصر – على حساب تنظيم الجهاد المصري- ليس لديه رغبة و لا إمكانات لخوض غمار العمل السياسي في مصر ولا غيرها حتى الآن.

أما تنظيم الجماعة الإسلامية فقد حزم أمره بعدما طرح ما أسماه مبادرة وقف العنف منذ أكثر من عشر سنوات بالبعد عن العمل السياسي، بل أجهز على كل التكهنات والظنون مؤخرا بإصداره بيانا في أول أيام العيد الفائت طالب فيه كل فصائل الحركة الإسلامية بترك العمل في المجال السياسي للحكومة فقط، وطالب الحكومة في مقابل ذلك أن تطلق للحركات الإسلامية فرصة العمل الدعوي الديني.

صحيح أن الإخوان وعددا من الإسلاميين المستقلين قد رفضوا دعوة الجماعة الإسلامية، و صحيح أن الكثيرين قد اعتبروا أن ما تفعله الجماعة الإسلامية هذا هو من صميم العمل السياسي لكنه يصب لصالح الحكومة أو على الأقل لا ينطلق من خندق المعارضة، وأيا كان الأمر فإن ذلك كله يشير لانزواء الجماعة الإسلامية بعيدا عن العمل السياسي المعارض أو المنافس للحكومة.

و استقراء خريطة موقف القوى الإسلامية من العمل السياسي الإسلامي على هذا النحو يطرح علينا سؤالا هاما بقوة وهو: ما هو مستقبل العمل السياسي الإسلامي في مصر؟

الواقع أن توقع هذا المستقبل لا يتوقف على واقع الحركات الإسلامية فقط لأن الحركة الإسلامية ليست هي اللاعب الوحيد بل هناك لاعبون آخرون.

منهم المحليون: مثل الحكومة بأجنحتها المختلفة، ومثل القوى العلمانية المعارضة (رغم ضعفها البين و أفول نجمها)، ومثل الإسلاميين المستقلين لاسيما الأجيال الشابة التي تنشط على شبكة الإنترنت.

كما أنه يوجد اللاعبون الدوليون وهم: الغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) و إسرائيل وإيران والمنظمات الغربية غير الحكومية.

و يمكن استشراف مستقبل العمل السياسي الإسلامي من خلال تفحص مواقف كل لاعب من هؤلاء اللاعبين على حدة:

أولا- اللاعبون الدوليون:

1- الغرب: من المنتظر أن تؤدي نتائج الأزمة المالية العالمية و نتائج الهزائم الأمريكية و الغربية وهزائم حلفائهم في أفغانستان والعراق والصومال إلى تغير النظام الدولي بدرجة ستؤدي لتخفيف الضغط عن الحركات الإسلامية بعامة والحركات الإسلامية غير المسلحة بشكل خاص وهذا سيصب في مصلحة حركة هذه التيارات سياسيا كل في محيطه، كما أن هزائم الغرب وحلفائهم ستستخدم دعويا لضم مزيد من الأنصار للحركات الإسلامية بكافة اتجاهاتها.

2- إسرائيل: بعد الهزائم و الأزمات المذكورة التي مني بها الغرب و حلفاؤه ستتعلم إسرائيل أنها يجب أن تتعامل مع الحركات الإسلامية و بالتالي ستفضل التعامل مع التيارات ذات الطبيعة السلمية، كما أنها ستتعامل مع التيارات المسلحة التي لن تجد بدا من التعامل معها كحماس، كما أنها لن تمانع من التفاهم و التعاون مع جهات لديها نمط من البرجماتية يدفعها للتفاهم مع إسرائيل و أبرز مثال على ذلك هو إيران وحزب الله والقوى الشيعية العراقية ونحوها، ولن تتفاهم إسرائيل (و لا الغرب بطبيعة الحال) مع القاعدة أو الجهاد المصري أو السلفية الجهادية في أي مكان لأنها غير مضطرة لذلك لا الآن و لا في المدى المنظور، لكنها (هي و الغرب) قد تضطر للتفاهم مع طالبان و شباب المجاهدين في الصومال إذا انتصرتا و سيطرتا، لاسيما و أن طالبان و شباب المجاهدين أكثر عقلانية ورغبة في التفاهم.

3- إيران: ستستمر إيران في غض الطرف عن الحركات الجهادية السنية ما دامت تستنزف الغرب وحلفاءه في المنطقة بما لا يهدد مصالح إيران ولا أتباعها و لا مناطق نفوذها، كما ستستمر إيران بنجاح في السعي لتقسيم المصالح ومناطق النفوذ في المنطقة بينها وبين الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، ولن تألوا إيران وأتباعها جهدا في التضحية بالحركات الإسلامية السنية التي تساعد التضحية بها على تحقيق الأهداف الإيرانية.

4- المنظمات الغربية غير الحكومية: ستستمر هذه المنظمات في دعم قضايا الحريات و حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة ومكافحة العولمة بما يخدم أهدافها التي قامت من أجلها و التي تؤمن بها، وسيستمر وجود هذه المنظمات في إتاحة ميادين للعمل السياسي الإسلامي دفعا لقدر من المظالم التي تتعرض لها الحركات الإسلامية في شتى بقاع الأرض.

ثانيا- اللاعبون المحليون:

1- الحكومة المصرية: من الطبيعي أن تزداد استقلالية الحكومة المصرية في القرار بعدما يترسخ النظام الدولي الجديد والذي ستتوزع فيه القوة بين عواصم دول عدة كروسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي بجانب الولايات المتحدة بعدما كانت محصورة في الولايات المتحدة فقط طوال الـ 18 عاما الماضية، وتعطي هذه الاستقلالية للحكومة قدرات أكبر قي البطش بمعارضيها، لكن هناك عامل آخر مضاد و لكنه أقل تأثيرا وهو انتعاش الاتجاهات الدولية المدافعة عن الحريات و حقوق الإنسان لا سيما في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية لكن توزع القوة الدولية على عدد من العواصم سيعطي للحكومة مزيدا من القدرات في مجال مقاومة الضغوط الدولية الداعية للحفاظ على حقوق الإنسان، و لكن نظرا لأن كل واقع جديد غالبا ما يحمل قدرا من الفرص بنفس القدر الذي يحمله من المخاطر فإن توزع القوة الدولية بين عدد من الأقطاب الدولية و الإقليمية يحمل بين طياته العديد من الفرص للحركة الإسلامية بنفس القدر الذي يحمله من المخاطر.

2- القوى العلمانية المعارضة: و هي رغم ضعفها البين و أفول نجمها إلا أن صوتها العالي بسبب ما تتمتع به من نفوذ في وسائل الإعلام غالبا ما يؤدى لأضرار جسيمة منها التشويش على الدعوة الإسلامية من الناحية الفكرية بسبب عدم اهتمام الحركة الإسلامية بوسائل الإعلام، و بسبب السيطرة العلمانية شبه الكاملة على وسائل الإعلام، كما أن هذا النفوذ الإعلامي العلماني كثيرا ما هيأ الأجواء السياسية لتوجيه ضربات أمنية خطيرة لفصائل الحركة الإسلامية، كما لعب دور المحرض على مثل هذه الضربات، ولعل من أبرز الأمثلة القريبة على ذلك ما فعلته جريدة المصري اليوم القاهرية اليومية منذ عامين تقريبا عبر حملتها الصحفية على ما أسمته بالعرض العسكري لطلبة الإخوان المسلمين في جامعة الأزهر، وسوف يستمر العلمانيون على هذا النمط في المستقبل.

لكن هناك علمانيين متعاطفين مع الحركة الإسلامية أو على الأقل منصفون معها وهؤلاء يحسن بالحركة الإسلامية مد جسور التفاهم معهم والاستفادة من خبراتهم ونفوذهم لخدمة العمل الإسلامي.

3- الإسلاميون المستقلون: و نقصد بهم الذين لا ينتمون لأي من الجماعات الإسلامية المشهورة لاسيما الأجيال الشابة التي تنشط على شبكة الانترنت بشكل كبير، وهؤلاء سيكون لهم دور كبير ومؤثر في مستقبل الحركة الإسلامية بعامة وفي مجال العمل السياسي الإسلامي بخاصة، لأن هذه الأجيال يغلب عليها الاهتمام بالسياسة كما أنهم نشيطون جدا ولديهم حماس كبير كما أن شبكة الانترنت تمثل مؤثرًا كبيرًا في مستقبل العالم الإسلامي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني والثقافي، وهؤلاء الشباب هم الأكثر قدرة على استعمال الإنترنت حتى الآن ولا شك أن قدراتهم و خبراتهم سوف تتطور جدا بمرور الوقت و سيصبحون أكثر تأثيرًا مع ملاحظة أنهم متمردون في كثير من الأحيان على الجماعات الإسلامية التقليدية القائمة.

و في ضوء كل ما سبق يمكننا أن نستشرف مستقبل السلوك السياسي للحركات الإسلامية المصرية بسهولة في ضوء التفاعل بين ذلك كله.

الشريعة الاسلامية - صورة تعبيرية

أغلبية الأقباط يؤيدون تطبيق الشريعة الاسلامية في مصر

يؤيد 96.2% من المصريين تطبيق الشريعة الاسلامية في الحكم خاصة الحدود بينما يعارض تطبيقها 3.2%، و يطالب 64% من المصريين أن تكون الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد للتشريع.

هذا ما أكده استطلاعان للرأي أجريا على عينة متنوعة من الشعب المصري.

استطلاع المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بالقاهرة 

ففي استطلاع للرأي أجراه المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بالقاهرة، واعتمد على عينة تم انتقائها بدقة كي تكون ممثلة لكافة فئات و طبقات الشعب المصري، حول موقف الشعب المصري من تطبيق الشريعة الإسلامية و تحديدا الموقف من “الحدود”.

و قد بلغ حجم العينة التي أجريت عليها عملية استطلاع الرأي 2427 شخصا، منهم %93.3من المسلمين و6.3 % من الأقباط ، على اعتبار أن هذه هي نسبة الأقباط في اجمالي تعداد السكان الذي أجري عام 1976م، و قد تنوعت العينة لتشمل كافة الفئات من حيث الطبقة و العمر و التعليم و المهنة و الحالة الإجتماعية و محال الإقامة التي شملت القاهرة و الإسكندرية و بور سعيد و عواصم حضر بحري و عواصم حضر قبلي إلى جانب مواطن النشأة التي شملت ما سبق، بالإضافة إلى ريف بحري و ريف قبلي.

و رغم وجود جوانب عديدة للشريعة الإسلامية غير عقوبات الحدود، إلا أن هيئة البحث اختارت لسبب ما أن يدور بحثها حول الرأي في عقوبات الحدود الشرعية التي تتمثل في:

1- الزنا

2- القذف

3- شرب الخمر

4- السرقة

5- قطع الطريق

6- الردة (أي خروج المسلم من الدين الإسلامي).

 و قد طبع المركز القومي للبحوث نتيجة الإستطلاع في كتاب مكون من نحو 400 صفحة، و لكننا هنا لن نطيل على القارئ بذكر المؤشرات و الأرقام الكثيرة التي احتوتها هذه الدراسة القيمة، بل سنقتصر على ذكر أهم المؤشرات و الإتجاهات التي حوتها الدراسة و ما يدعمها من أرقام.

 ما هوالموقف من تطبيق الشريعة الإسلامية؟

وافقت أغلبية العينة الكلية على تطبيق الحدود و ذلك بنسبة 96.2% و عارض تطبيقها 3.2%، و في عينة المسلمين على حدة ترتفع نسبة الموافقين إلى 98% في مقابل 1.3% معارضون و 0.3% محايدون، أما عينة المسيحيين على حدة فإن نسبة الموافقة فيها تنخفض إلى 63% و ترتفع نسبة المعارضين إلى 31% و كذلك المحايدين حيث بلغت نسبتهم 6%.هل نطبق الشريعة فوريا أم تدريجيا؟

31% من العينة الإجمالية تقف مع التطبيق الفوري، بينما رأى 69% أن التطبيق يجب أن يكون تدريجيا.أما عينة المسلمين منفردة فنسبة المؤيديين للتدرج 69%، و نفس الشئ في عينة المسيحيين منفردة حيث أيد 68% منهم التدرج، لكن عينة المسلمين رأى 75% منهم أن هذا التدرج لا ينبغي أن يتجاوز 5 سنوات كحد أقصى للمرحلة الإنتقالية بينما أيد فكرة الخمس سنوات 69% فقط من العينة المسيحية.

الطبقة الإجتماعية و تطبيق الشريعة

 أيدت أغلبية الطبقة العاملة تطبيق الحدود بنسبة 90% أما أغلبية الكتابيين و الطلاب فايدت بنسبة 83% أما الإداريين و المهنيين فنزلت النسبة إلى 77%.لكن لماذا تطبيق الشريعة ؟ رأى البحث أن دوافع الموافقة لدى كل من المسحيين و المسلمين مختلفة فعلى سبيل المثال رأى 43% من المسلمين وجوب تطبيقها لأنها شريعة الله بينما رأى 23% من المسيحيين أنها شريعة الله.

هل يتم تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها أم مع غيرها من القوانين؟

رأى 65% من المسلمين تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها بينما رأى الباقون (35%) تطبيقها مع بعض القوانين الحالية بينما رأى 27% من المسيحين تطبيقها وحدها و إختار 73% من عينة المسيحيين تطبيقها مع بعض القوانين الحالية.

أما مبررات تطبيق الشريعة مع بعض القوانين الحالية فإن المسيحيين كانوا أميل لتقديم مبررات ذات طبيعة علمانية فكان ترتيب المبررات لديه كالآتي:

1- لأن بعض أفراد من الديانات الأخرى سيرفضون هذا التطبيق

2- لأن بعض القوانين الحالية تتفق مع الشريعة الإسلامية

3- لأنه من الصعب التخلي عن بعض القوانين المطبقة حاليا

4- حتى التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل للشريعة

5- حتى تتم معالجة أوجه القصور.و نذكر القارئ ان هذه هي آراء المسيحيين و ليس المسلمين.

كما يرصد البحث أن أول المبررات لدى المسيحيين كان يمثل أخرها لدى المسلمين، بينما كان أول المبررات لدى المسلمين (و هو: حتى يتم التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل) هو رابع المبررات لدى المسيحيين.لكن هل تطبيق الشريعة على كل جرائم الحدود أم على بعضها فقط؟؟

أيد 92.4% من المسلمين تطبيقها على كل الجرائم بينما انخفضت نسبة هذا التأييد لدى المسيحيين إلى 72%. وإذا طبقنا الشريعة فهل يتم تطبيقها على الجميع مسلمين و مسيحيين أم على المسلمين فقط؟

رأى 69% من المسلمين تطبيقها على الجميع، بينما رأى 31% تطبيقها على المسلمين فقط.كان هذا رأى الشعب المصري وفق استطلاع المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر.

استطلاع مؤسسة غالوب الأمريكية

أما مؤسسة غالوب الأمريكية فقد أجرت هي الأخرى استطلاعا أخر خلال لقاءات مباشرة مع عينة ضمت أكثر من 1800 من المصريين البالغين، وذلك خلال شهري مايو ويوليو 2007، كما شملت أكثر من 1000 تركي، خلال شهري مايو ويوليو 2007 أيضاً.

و أظهر الإستطلاع أن أكثر من 90% من الشعب المصري يؤيد تحكيم الشريعة الإسلامية، بينما يطالب ثُلثا المصريين تقريباً بجعلها المصدر الوحيد للتشريع.وبحسب الاستطلاع الواسع الذي أُجري في مصر وتركيا ومناطق أخرى، فقد جاء الشعب المصري في المقدمة من حيث المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية، حيث قال 91% من المصريين: إن الشريعة ينبغي أن يكون لها دور في تشريع القوانين، وهو رأي وافقهم فيه 90% من الأتراك.

وبحسب الاستطلاع الذي نشرت نتائجه وكالة أنباء “أمريكا إن أرابيك” فإن حوالي ثلثي المصريين (64 %) يعتقدون أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المصدر الوحيد للتشريع، وهو الرأي الذي عبّر عنه 7% فقط من الأتراك.لكن حوالي ثلث الأتراك (32 % فقط) رأوا أن الشريعة ينبغي أن تكون “أحد” مصادر التشريع، وهو ما أشار إليه أكثر من ثلث المصريين (35%).

كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع في هاتين الدولتين لديهم أفكار إيجابية عن الشريعة.

ومن بين المطالبين بأن تكون الشريعة أحد مصادر التشريع، رأى 97% من المصريين أن الشريعة توفر العدالة للمرأة، في مقابل 69% من الأتراك.

كما قال 85 % من المصريين المطالبين بأن تكون الشريعة مصدرًا من مصادر التشريع: إنها تحمي الأقليات، وهو ما دعمه 51% من الأتراك.

واعتبر 96% من المصريين من هذه الشريحة أن الشريعة الإسلامية تعزز من وجود نظام قضائي عادل، في مقابل 63% من الأتراك.وعبّر 97% من المصريين في هذه الفئة عن اعتقادهم بأن الشريعة تحمي حقوق الإنسان، وهو ما أشار إليه 62% من الأتراك.

كما قال 94% من المصريين المؤيدين للشريعة كأحد مصادر التشريع: إنها تعزز العدالة الاقتصادية، في حين انخفضت هذه النسبة إلى 55% بين الأتراك.

واعتبر 94% من المصريين في هذه المجموعة أن الشريعة من شأنها أن تقلل الجريمة في المجتمع، وهو نفس الرأي الذي عبر عنه 68% من الأتراك.

وأظهر الاستطلاع أن هؤلاء الذين يؤيدون تطبيق الشريعة كمصدر من مصادر التشريع لا يميلون إلى ربط الشريعة بأفكار سلبية.هذه هي ارادة أغلبية الشعب المصري و فق استطلاعات الرأي.

وهي ارادة ينبغي الإذعان لها إن كنا نتحدث عن أسلوب حكم ديمقراطي، و لكن دائما نجد من يزعم انه يتكلم باسم الشعب مدعيا تحقيقه لإرادة الأغلبية، لكنه في حقيقة الأمر لا يتحدث الا بلسان نفسه فقط.

إن رأي الشعب في تطبيق الشريعة قضية مغيبة عن النقاش الدائر حول تطبيق الشريعة، بل في بعض الأحيان زعم علمانيون أن الشعب لا يريد الشريعة.

النقاش حول تطبيق الشريعة في مصر والعالم الإسلامي

و في هذا الإطار نتابع دائما في مصر و في سائر أنحاء العالم الإسلامي نقاشا لا ينتهي و جدالا لا ينقطع بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع في الدول الإسلامية.

و إن كان الإسلاميون و العلمانيون هما طرفا النقاش فإن كلا الطرفين يدعي أنه يبتغي تحقيق مصلحة الشعوب العربية و الإسلامية و حمايتها من الديكتاتورية و حكم الإستبداد.الإسلاميون ألصقوا كل الشرور بالعلمانين بصفتهم استلموا الحكم في العالم الإسلامي منذ أتم تحرره من الإحتلال العسكري الغربي، و بالتالي فهم مسئولون عما آل إليه أمر الأمة منذئذ و حتى الآن.أما العلمانيون فظلوا يحذرون الأمة العربية و الإسلامية من شرور ما أسموه بالحكم الديني و الديكتاتورية و الإستبداد باسم الدين و الحكم الإلهي، لكن الاسلاميين ردوا عليهم بأن الحكم بالحق الالهي و الحكم الكهنوتي المرتكز على رجال الدين منافي لتعاليم الدين الاسلامي في نظام الحكم بل الحاكم في الاسلام مسئول أمام الشعب حتى قال قائل من الشعب لأفضل رجل في الأمة الاسلامية بعد رسول الله و هو أبو بكر الصديق “لو اعوججت لقومناك بسيوفنا” فامتدحه أبو بكر، كما لم يوجد أبدا في التاريخ الاسلامي نظام حكم قائم على الحق الالهي أو رجال الدين باستثناء نظرية المذهب الشيعي في الحكم و أتباعه أقل من 10% من تعداد كل مسلمي العالم، كما أنه لم يطبق في أرض الواقع الا في حالات قليلة.

كما أعلن الإخوان المسلمون أن الشريعة الإسلامية لا تتنافى مع الديمقراطية و أكدوا أنهم عندما يصلون للحكم بالإنتخاب فإنهم سيحكمون وفق قواعد الديمقراطية في اطار المرجعية الإسلامية.لكن العلمانيين قالوا أن الإسلاميين غير صادقين في توجههم الديموقراطي، و أن طرحهم للديمقراطية كأسلوب حكم مجرد ذريعة للإستيلاء على الحكم و بعدها سيمارسون الديكتاتورية الدينية و ينقلبوا على الديمقراطية.

و اعتبر العلمانيون أن معارضتهم لتطبيق الشريعة الإسلامية هو دفاع عن الديمقراطية و حقوق الشعب، و قالوا أيضا أنه دفاع عن العقل و العلم و حقوق الإنسان و حقوق الأقباط.وطالب الإسلاميون بالإحتكام لرأي الشعب في تحديد من يحكم البلاد و ذلك عبر صناديق الإقتراع في انتحابات حرة.

و رد العلمانيون بأنه من غير المنطقي أن نعطي فرصة لأعداء الديمقراطية للوصول للحكم عبر الديمقراطية لينقلبوا عليها بعد ذلك.

فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات

قلة نادرة من العلمانيين وافقوا على فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات، مثل نجيب محفوظ الذي أيد انشاء حزب اسلامي و رأى أن السماح بحزب للإسلاميين لا يمثل خطرا لأنهم لن يصلوا عبره للحكم لأن كل الأحزاب الأخرى ستتوحد في جبهة واحدة دفاعا عن العلمانية (عدم تطبيق الشريعة) لمنع وصول الإسلاميين للحكم و منع تطبيق الشريعة، و سينجح العلمانيون في منع تطبيق الشريعة، بينما سيفشل الإسلاميون في الإنتخابات حسب رأيه.و من العلمانيين من صرح بأن الشريعة غير مناسبة للعصر الحديث لأنها حسب رأيهم خاصة بزمان محدد و هو زمن النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم و مكان محدد هو شبه الجزيرة العربية و بيئتها القبلية و الصحراوية، و رد عليهم الاسلاميون بأن الاسلام صالح لكل زمان و مكان حسب نص القرآن {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107، و قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28، فكافة للناس تشمل جميع البشر في كل زمان ومكان، و كذلك رحمة للعالمين، فالعالمين تشمل كل البشر في كل زمان و مكان.كما كان بعض العلمانيين أكثر صراحة عندما انتقدوا أحكام الحدود في الشريعة الاسلامية و اعتبروها مهينة وغير انسانية، لكنهم لم يصغوا لردود الاسلاميين على هذا الاتهام، رغم أن الردود الاسلامية كانت واضحة و قوية حيث رأى الاسلاميون أن الحدود ليست هي كل الشريعة بل هي مجرد جزء من منظومة كبيرة ومتكاملة، و هذه المنظومة تعتمد على التربية النفسية و التنشئة الاجتماعية أكثر من اعتمادها على الحدود، بدليل أن الحدود لم تطبق في عصر النبي صلى الله عليه و آله وسلم الا نادرا، كما أن تطبيق كل حد له شروط تكاد تكون مستحيلة التحقيق في كثير من الأحيان، هذا كله فضلا عن القاعدة العامة و الأساسية في تطبيق الحدود و هو قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم “ادرأوا الحدود بالشبهات” بمعنى أن أي ظن يرد ببراءة المتهم في حد ما فانه يفسر لصالح براءته، و هذا كله يعزز فكرة أن الحدود هي أحد أدوات الشريعة لتقويم المجتمع و ليست هي الوسيلة الوحيدة، بل إن الوسائل الأخرى تحتل مكانة أكبر و أوسع من وسيلة اقامة الحدود، و ان كان هذا لا يقلل من اهمية الحدود كعقاب رادع يتم التلويح به وإن لم يطبق إلا قليلا، كما اعتبر الاسلاميون أن اتهام الحدود بأنها مهينة و غير انسانية هو طعن في ثوابت الدين الاسلامي الثابتة في القرآن الكريم، بل طعن في الدين نفسه لأن الله هو الذي شرعها والله نعالى يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك14، و يقول {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} فاطر31، فالله هو خبير بصير بعباده يعلم ما يصلحهم و قد أنزل شريعته وفق ما يصلحهم لا ما يهينهم أو ينتهك انسانيتهم، فما دام الأمر كذلك فالحدود لابد أنها غير مهينة و غير منافية لحقوق الانسان، لاسيما و أن الذين يعتبرونها مهينة انما ينظرون لمصلحة الشخص الذي سيقام عليه الحد و يهملون مصلحة المجتمع التي تضررت من جريمة هذا الجاني، خاصة أن إقامة الحد هي أخر المطاف في تقويم الجاني و ليس أوله.

الشريعة و استقلال القضاء

و ركز الاسلاميون في شرحهم لمنظومة الشريعة على جوانب متعددة مغايرة للحدود مثل استقلال القضاء و عدالته، و مثل العدالة الاجتماعية، و مثل الاقتصاد الاسلامي، و مثل التربية الاسلامية، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و مكافحة ظلم الحكام و الجهر بالحق في وجوههم، و قد اهتم الاسلاميون بذلك كثيرا حتى ان الدكتور على جريشة خصص جزءا من رسالته للدكتوراه لذلك تحت عنوان “شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها”، فضلا عن كتب كثيرة عامة في ذلك مثل “بينات الحل الاسلامي” للقرضاوي، و كتب اخرى كثيرة خاصة بأحد هذه الجزئيات مثل العدالة الاجتماعية أو الاقتصاد الاسلامي أو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و غيرها كثير.

لكن يبدو أن العلمانيين وجدوا أنهم سيخسرون لو أنهم استمروا في مناقشة أمر تطبيق الشريعة على هذا النحو فلجأوا لأسلوبين آخرين لمنازلة دعاة تطبيق الشريعة:

الأسلوب الأول- و قد تبناه العلمانيون ذوو الثقافة الدينية، و يتلخص هذا الأسلوب في التشكيك في العديد من مصادر الأحاديث النبوية و أقوال الصحابة لا سيما التي تفسر القرآن، و لم يكن غريبا أن ينصب الطعن على صحيح البخاري الذي يعتبر أهم و أصح كتاب لدى المسلمين بعد كتاب الله، لأنه لو انهدم أقوى كتاب سنة فلن يصمد أي كتاب سنة غيره، و لم ينزعج الاسلاميون و علماء الدين من رد حديث هنا أو هناك حتى لو كان صحيحا، لأن هذا الأمر رغم عدم موافقته للمعايير العلمية و الأسس الموضوعية للبحث في الدراسات الاسلامية فإنه ليس طريقا لهدم سائر الشريعة، لكن مكمن الخطورة الذي لاحظوه يرجع إلى أن هؤلاء الطاعنين يطعنون بلا قواعد و لا منهج محدد سوى موافقة الأمر لعقولهم كل حسب منطقه العقلي الخاص به، و من ثم فلو انتشر هذا المسلك فسيحكم كل شخص عقله في نصوص الشرع بلا مناهج بحث و بلا قواعد علمية موضوعية.. فقط وفق رأي الشخص الخاص و الذي يسميه العقلانية، و طبعا هذا الكلام غير موجود في أي علم في العالم فكل علم له قواعده و مناهج بحثه المتكاملة.. فكيف يكون الأمر في دين يتمتع بأرقى و أقوى مناهج بحث شهدها التاريخ.

ومن هنا فان الاسلاميين قالوا ان هؤلاء يريدون تقييم و نقد الاسلام وفق معايير لادينية، و الأجدر بهم بدل هذا التخفي بعباءة العقلانية أن يعلنوا أنهم يريدون تطويع الاسلام للعلمانية أو اللادينية.

الأسلوب الثاني- يقوم على المقارنة بين أقوال و برامج دعاة تطبيق الشريعة و بين المواثيق الدولية لحقوق الانسان و المعايير الديمقراطية الغربية، و الخروج من هذه المقارنة بالقول أن الدعوة لتطبيق الشريعة تقود إلى مخالفة للديمقراطية و حقوق الانسان بالمعايير الغربية و من ثم فينبغي رفض دعوة تطبيق الشريعة هذه.

و قد اهتم الاسلاميون بالرد على أهل الأسلوب الأول بينما أهملوا الرد على أهل الأسلوب الثاني.

و على كل حال فهذا الجدل المحتدم وصل لحد التراشق اللفظي الحاد بل وصل أحيانا لحد التكفير و القتل أو محاولة القتل (كما حدث مع فرج فودة الكاتب العلماني المشهور و مكرم محمد أحمد الكاتب الصحفي المعروف)، و لكن رغم سخونة هذا الجدل فإن رأي الشعب المصري بمسلميه و أقباطه ظل غائبا أو مغيبا عن ساحة الصراع الفكري حول هذه القضية خاصة من قبل العلمانيين الذين زعموا دائما حرصهم على المصلحة العامة و حقوق الإنسان و مع ذلك لم يسعوا يوما للإستماع إلى صوت الشعب الذي يزعمون الدفاع عنه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الموضوع نشرته في جريدة الدستور المصرية (العدد الأسبوعى) ثم فى موقع لواء الشريعة و مدونتي القديمة.