المسلمون يدعون الله -صورة أرشيفية

المسلمون و إبادة غزة … بين العجز و الدعاء والجهاد

عندما تسلط الجيش الإسرائيلي بآلته الحربية الطاغية على أهالي غزة بالقتل و الحرق و الدمار انقسم العالم الاسلامي إلى معسكرين معسكر الحكام و معسكر الشعوب, و تخاذل الحكام و وقفوا موقفا متواطئا مع إسرائيل و من تعاطف منهم مع الفلسطينين تعاطف بالقول فقط, و نظرا لأن الشعوب لا تملك شيئا في صنع قرار بلادها ولا تملك أن تعمل أي عمل حقيقي يمثل مساندة إيجابية فعالة لأهالي غزة كتحريك الجيوش أو قطع البترول عن الدول التي تساند إسرائيل أو إمداد المقاومة بالسلاح, فإن ذلك كان حافزا لأن يجتهد المسلمون بالمساجد في الدعاء على إسرائيل.

و الدعاء على الأعداء و المعتدين أمر مشروع في الإسلام و فعله النبي صلى الله عليه و آله و سلم كما فعله الأنبياء من قبله. فنبي الله نوح عليه السلام أخبر عنه القرآن أنه دعا على الكافرين من قومه فقال تعالى ” وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً{26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً{27}” (سورة نوح)و دعا موسى على فرعون و قومه قال تعالى ” وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ” (يونس88) كما دعا النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم على أعدائه في العديد من المواقف ففي مرة دعا على قريش بأن تحيق بها ازمة إقتصادية كالتي حاقت بأهل مصر في عصر يوسف عليه السلام فقد روى البخاري عن عبدالله بن مسعود قال: ” إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مِنْ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنْ الْجُوعِ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ”.

كما دعا النبي صلى الله عليه و آله و سلم على قبائل عربية أخرى حاربته أو ناصبته العداء و قتلت أصحابه و دعا على قبائل يهودية لنفس الأسباب, لكن العلماء حددوا إطارا و ادابا للدعاء و ذلك جمعا بين ألفاظ و مناسبات الأحاديث الخاصة بأمور الدعاء فقال إبن حجر في تعليقه على الحديث المذكور في الدعاء بالقحط و الأزمة الإقتصادية على قريش: ” الدُّعَاء عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالْقَحْطِ يَنْبَغِي أَنْ يُخَصّ بِمَنْ كَانَ مُحَارِبًا دُون مَنْ كَانَ مُسَالِمًا” (فتح الباري شرح صحيح البخاري جـ3 ص 439).

و ذلك لأن هناك روايات في دعاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم على قبائل مضر دعا فيها لبعض قبائلها مثل حديث أبي هريرة : “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الصُّبْحِ” (البخاري حديث 951)، و لذلك اورده البخاري في نفس الباب ليضع الدعاء على الأعداء في إطاره الصحيح, فالدعاء هنا ليس على كل الكفار لكفرهم و إنما هو دعاء على الكفار المحاربين اما المسالم منهم فهذا ليس مجال الدعاء عليه.

و من هنا فقد ثارت بعض المشكلات في صيغ الدعاء في بعض المساجد, فالمعتاد ان يدعو الإمام بالهلاك على ما يسميهم بـ “اليهود المعتدين” أو “اليهود المغتصبين”, و لكن في قليل من الحالات ربما يقول الإمام “اللهم عليك باليهود الضالين أعداءك اعداء الدين” مثلا و في الواقع فهو لا يقصد في قلبه أن يدعو على كل يهودي في الأرض و إنما يقصد هؤلاء الذين يعتدون على الفلسطينين لكنه سبقه لسانه دون تركيز منه في مرامي اللفظ, و لكن بعض المصلين ذوي الثقافة السياسية ربما طمحوا أن يدعوا أئمة المساجد على الصهاينة فقط بإعتبار أن الصهيونية هي سبب ذلك العدوان و الإحتلال و ليس مجرد اليهودية و ان هناك يهود غير صهاينة, و لكن من الصعب أن يلم كل أئمة المساجد بهذا التفصيل لكن أكثرهم إن لم يكن جميعهم يدركون و يقصدون بدعائهم “اليهود المحتلين و من ساندهم في أي مكان في العالم” و لذلك يكثر على لسانهم لفظ “اليهود المعتدين” أو “اليهود المغتصبين”, احترازا من اليهود المسالمين إن وجدوا.

و المسلمون هم دعاة بناء و ليسوا دعاة هدم لذلك فهم يأملون في هداية الخلائق جميعا و لذلك لما كان للنبي صلى الله عليه و آله و سلم راجعا من الطائف حزينا من سوء موقفهم من الإسلام و قبلها كان حزينا من موقف قريش المعاند “أرسل إليه ربه ملك الجبال فسأله أن يطبق على قومه الأخشبين فقال : بل استأني لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده” (رواه الطبراني عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب), فالمسلمون يميلون للتعاون و الحوار أملا في أن يفضي ذلك للإيمان أكثر من ميلهم للقتل و الصراع و الدعاء بهلاك الأعداء, لكن في أزمة غزة هذه وجد المسلمون أنفسهم بين نارين.. نار الحكم المستبد في بلادهم الذي يمنعهم من نصرة أهل غزة و نار الإسرائيلين الذين يصلون أهل غزة نار الفسفور الأبيض و لا يملكون لها دفعا و لا دفاعا فلجأوا إلى الله يضجون إليه بالدعاء في المساجد كل صلاة، و هذا ليس عيبا إلا إذا ظنوا أنهم بمجرد قيامهم بهذا الدعاء قد فعلوا ما عليهم و تحللوا مما يجب عليهم من نصرة إخوانهم و نجدتهم من نار الإحتلال.

فالنبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يكن يركن للدعاء فقط، بل كان يتخذ تدابير عديدة من أجل تحقيق أهداف الدعوة فهو كان يتحرك بين الناس في مكة يدعوهم للإسلام، و كان يعرض نفسه على قبائل العرب و سافر للطائف ليعرض على قادتها الإسلام، و لما لم يأت ذلك كله بالنتيجة المرجوة هاجر للمدينة المنورة و أحدث فيها تنمية إقتصادية، و بنى بها جيشه و أعاد تأسيس قواعد التكتيك القتالي بما لم يكن قد عرفه العرب في المدينة أو حتى في كل الجزيرة العربية، وحتى في غزوة بدر الذي إشتهر دعاؤه و إلحاحه في الدعاء فيها لم يقم بهذا الدعاء إلا بعد ان رتب الجيش و حدد لكل شخص موقعه و عمله في القتال، و حدد خطة القتال و قطع الماء عن قريش و حصرهم في ارض غير مناسبة و بعد ذلك كله جلس يدعو الله أن ينصر جنوده.

و في غزوة الخندق حفر الخندق و حصن المدينة و وضع أهالي المدينة من النساء و الأطفال في قلاع و حصون المدينة، و رتب لهم السلاح و الحراسات و حشد كل القادرين على حمل السلاح لحماية المدينة، و حماية الخندق الذي يحميها ومع و بعد ذلك أخذ يدعو.

فالدعاء ليس وسيلة وحيدة و لا هو يخرج صاحبه من دائرة المسئولية العملية بمجرد أن دعا بل الدعاء وسيلة من الوسائل.

و النبي صلى الله عليه و آله و سلم هو خير من دعا، و هو أفضل من دعا، و هو الأقرب إلى الله، و مع ذلك لم يمت إلا و قد تحرك كثيرا، و أوذي كثيرا بسبب حركته في الدعوة إلى الله، و حوصر في شعب ابي طالب وفي المدينة إبان غزوة الخندق، و كاد يقتل بسبب عمله لله، كما حرك هجرتين للحبشة، و هاجر إلى المدينة، و عاد و فتح مكة، و غزا و أرسل عشرات الغزوات في كل أنحاء الجزيرة العربية، بل و غزا الروم.

و من المشهور (كما جاء في البخاري و غيره) أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم رد عسكريا بسرعة على نقض قريش لمعاهدة الحديبية عندما ساندوا قبيلة بكر الكافرة في قتل اعدادا من قبيلة خزاعة المسلمة و لقد جاء عمرو بن سالم سيد خزاعة للنبي صلى الله عليه و آله و سلم بالمسجد النبوي فقال له:

يَا رَبّ إِنِّي نَاشِـد مُحَمَّـدًا حِلْـف أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا

*****فَانْصُرْ هَدَاك اللَّه نَصْرًا أَيَّـدَا وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأْتُوا مَدَدًا

إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِـدَا وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُـؤَكَّـدَا

*****هُمْ بَيَّتُونَا بَالْوَتِيرِ هُجَّـدًا وَقَـتَلُونَـا رُكَّـعًا وَ سُـجَّـدًا

وَزَعَمُوا أَنْ لَسْت أَدْعُوأَحَدًا وَهُـمْ أَذَلُّ وَأَقَـلُّ عَـدَدًا

فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردا على هذه الإستغاثة كلمة و احدة: “نُصِرَتْ يَا عَمْرو بْن سَالِم “، و جهز الحيش من عشرة آلاف مقاتل و فتح مكة، فكان نصره لقتلى مسلمي خزاعة بيد حلفاء قريش هو سحق قريش نفسها هي و حلفائها، و لم يكتف بالدعاء لخزاعة أو التبرع لها بالمال و الغذاء أو حتى السلاح.

و عندما صعدت روحه صلى الله عليه و آله و سلم إلى بارئها كان جيشا مجهزا مستعدا يقف على أطراف المدينة ينتظر أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم لينطلق ليغزو الروم، إنتقاما لخسائر المسلمين في معركة مؤته مع الروم, فحتى و هو صلى الله عليه و آله و سلم في نزع الموت الأخير كانت جيوشه جاهزة للتحرك، و لم يكتف بالدعاء و هو على فراش الموت، بل كان مصمما و هو على فراش الموت على الإنتقام لقتلى المسلمين، و كان كلما أفاق من سكرة من سكرات الموت يقول أنفذوا بعث أسامة، و لكن الصحابة لم يطاوعهم قلبهم بأن يغادروا المدينة و النبي  صلى الله عليه و آله و سلم في مرض شديد، فتأخروا في حركتهم، و كان الصديق رضي الله عنه واعيا بهدي النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فأصر على إنفاذ أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بإرسال الجيش ليغزو الروم بعيد موت النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وذلك رغم ردة كل الجزيرة العربية و تآمرها على دولة الإسلام و قال الصديق قولته المشهورة: “و الله لو لعبت الكلاب بخلاخيل أمهات المؤمنين بالمدينة ما حللت لواء عقده النبي صلى الله عليه و آله وسلم “.

فهكذا لم يكتف النبي صلى الله عليه و آله و سلم و خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم بالدعاء في مواطن الجهاد، بل كان جهادهم قتالا بجانب الدعاء حتى و هم على فراش الموت.

مجلس الشعب المصري صورة أرشيفية

تأميم الفتوى لصالح رئيس الجمهورية في مصر

وافقت لجنة الاقتراحات بمجلس الشعب المصري على مشروع بقانون يعاقب من يفتي بدون أن يحمل ترخيصا رسميا خاصا و قد أثار ذلك جدلا واسعا ، فأيد البعض هذا القانون المقترح و طالبوا بحتمية قصر الإفتاء على الأزهريين فقط معتبرين أنهم المؤهلون دون غيرهم لتلك العملية، بينما عارض آخرون القانون المقترح؛ و رأوا أنه مجرد وسيلة قمعية لتكميم الأفواه.

مشروع القانون الجديد تقدم به النائب عن الحزب الوطني د. مصطفي الجندي، وتضمن حبس من يفتي في الشئون الدينية عبر وسائل الإعلام بدون رخصة رسمية من سنة إلى ثلاث سنوات.وفي تصريحات صحفية أوضح الجندي أنه سيتم إضافة مادة لقانون العقوبات في جرائم اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها دون حق، وتنص المادة المقترحة على أن: “كل من أفتى فتوى في أمور دينية عبر أي وسيلة من وسائل الإعلام سواء المسموعة أو المقروءة أو المرئية، بدون أن تكون له صفة رسمية كجهة اختصاص، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث”.وأشار إلى أن “عقوبة الحبس تكون وجوبا على كل من يدلي بفتوى عبر أي وسيلة إعلامية، أو أي طريق آخر دون أن يكون حاصلا على شهادة معتمدة من دار الإفتاء، وموقعة من فضيلة المفتي نفسه بالترخيص لحاملها بالفتوى”.وكان د.مصطفى الجندي قد ذكر دوافعه للتقدم بمشروع ذلك القانون في تصريحات صحفية فقال: إن تحريض حسن نصر الله للمصريين أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، ضد قيادتهم السياسية وحكومتهم، وتحريضه للجيش، متسترا بخطاب ديني ومدعوما بدعاة فضائيات موالين لفكره بحماس، أطلق موجة من الفتاوى الدينية التي لم تجد من يتصدى لها ويقوم بتفنيدها.و أضاف: إن “من أهم أسباب مشروع القانون الذي تقدمت به لمنع فوضى الفتاوى في الفضائيات الدينية، هو مقاومة مد الفتاوى الشيعية الذي استشرى خلال الحرب الإسرائيلية على غزة وجعل شعوبنا فريسة للخطب الشيعية الحمساوية”و إعتبر أن “حزب الله حاول خلال حرب إسرائيل على غزة تحت ستار فتاوى الجهاد، أن يشعل الثورة في مصر بدعوى مساندة حماس في حربها ضد إسرائيل”.و قد ذكر الدكتور مصطفى الجندي آلية ضبط من يفتي بدون ترخيص، فقال إن لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب حددت لجنة لاختبار كل من يريد الإفتاء، يتكون أعضاؤها من مفتى الجمهورية وشيخ الأزهر ورئيس مجمع البحوث الإسلامية ورئيس محكمة النقض”.وأشار إلى أن : ” مهمة هذه اللجنة ستكون اختبار كل من يريد الإفتاء للناس في الفضائيات وتقدير مدى صلاحيته للإفتاء”جدير بالذكر أن كل من مفتي الجمهورية و رئيس مجمع البحوث الاسلامية و شيخ الأزهر و رئيس محكمة النقض الذين تتكون منهم اللجنة كلهم يتم تعينهم بقرار منفرد من رئيس الجمهورية دون أي قيد أو شرط, و بالتالي فنحن أمام لجنة معينة من رئيس الجمهورية شخصيا تملك منع أو منح المواطن حق الإعلان عن رأيه بدعوى أنه مؤهل أو غير مؤهل, إذن نحن أمام لجنة تشبه لجنة الأحزاب تلك اللجنة التي منعت نشوء أي حزب جديد بدعاوى عدم أهلية البرامج الحزبية المقدمة فلم تسمح بنشوء أي حزب جديد, أو أننا أمام تصاريح جديدة تصدر ظاهريا من مؤسسة دينية بينما أن قرارها الأساسي يصدر من مباحث أمن الدولة كما يحدث في تصريحات الخطابة بالمساجد التي منعت أي أحد لا ترضى عنه أمن الدولة من القاء أي كلمة في مسجد حتى لو كان من كبار الفقهاء الأكاديميين خريجي الأزهر.و قد اعتبر البعض أن المشروع الحالي هو امتداد لمطالبة سابقة من الدكتور علي جمعة مفتي مصر بأن يتم إنشاء مجلس أعلى للإفتاء؛ لمراقبة فتاوى الفضائيات، والدعوة إلى استبعاد غير المؤهلين.و قد رددت مصادر صحفية أن الدافع لتحريك هذا القانون الآن هو مواقف الدعاة المستقلين في الفضائيات أيام أزمة غزة تلك المواقف التي كانت معارضة للموقف الحكومي من الأزمة.وانقسم الأزهريون أنفسهم إزاء القانون المقترح فأيده بعضهم و من أشهر المؤيدين مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة ووزير الأوقاف الدكتور محمود زقزوق الذي قال: “كل من هب ودب أصبح يصدر فتوى، ومنهم علماء الفضائيات، ولابد من سرعة إصدار ذلك القانون لردع هؤلاء الذين يصدرون فتاوى تصرف المسلمين عن قضاياهم الأساسية، وتأخذهم للانشغال بقضايا تافهة وفرعية”و في نفس الوقت رفض القانون المقترح العديد من الأزهرين و على رأسهم الدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر الذي قال في تصريحات صحفية: “لا أستطيع أن أكمم الأفواه، وكل من يريد كلمة حق من فتواه يتحمل حسنتها أو وزرها، ومن يقل فتوى سليمة أشكره ومن يخطئ أنصحه، ولا يمكننى أن أصدر قانوناً يحرم شخصاً من إبداء رأيه، وكل عالم من حقه الاجتهاد، ولكن علينا كمؤسسات دينية، وكعلماء، أن نقدم النصح لمن يصدر الفتوى وأن نرده إلى الدين الصحيح”, كما رفضه الشيخ “السيّد عسكر” عضو مجلس الشعب والأمين العام المساعد السابق لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر مؤكداً أنه وزملاءه أعضاء الكتلة البرلمانية للإخوان، والنواب المستقلين سيقومون بالطعن في دستورية ما وصفه بـ”القانون المشبوه”.وشكّك “عسكر” في نوايا الحكومة من وراء تمرير مشروع القانون، وقال في تصريحات صحفية: “إنها تسعى من وراء إقراره إلى تحقيق أهداف سياسية، وإنه لا يهمها ولا يشغلها على الإطلاق حماية الدين أو الدفاع عنه”.وأضاف: “إن الهدف من ذلك هو تأميم الفتوى، وحصرها في مشايخ السلطة والعلماء الذين يدورون في فلكها ويتقرّبون إليها، بعدما ضاق صدر الحكومة من آراء الفقهاء أو الفتاوى التي تخالف سياستها”.و يثير القانون المقترح العديد من الاشكاليات الواقعية و القانونية و السياسية و الفقهية. فعلى صعيد الإشكاليات الواقعية كانت أبرز الفتاوى التي أثارت استياء الرأي العام في العامين الآخيرين هي:1- “فتوى تحريم الخروج في المظاهرات” و التي أفتت بها الدكتورة سعاد صالح عميدة إحدي كليات جامعة الازهر. 2- “فتوي ارضاع المرأة زميلها في العمل” أفتى بها الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر.3- “فتوي التبرك ببول النبي صلى الله عليه و آله و سلم” أفتى بها مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة.4- “فتوي جواز افتتاح الفنادق لحمامات سباحة تخصص لاستحمام المرأة باللبن” أفتى بها مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة أيضا.و كلها مصدرها علماء من كبار الأكاديميين في الأزهر الشريف و ليس دعاة الفضائيات الذين يسن القانون الجديد لإسكاتهم.أما على صعيد الإشكاليات القانونية فإن القانون المقترح يخالف الدستور المصري, فالدستور المصري يؤكد على حرية التعبير عن الرأي وعدم جواز تقييد هذه الحرية مهما كانت الأسباب؛ حيث تنص المادة 47 من الباب الثالث من الدستور تحت عنوان “الحريات والحقوق والواجبات العامة” على أن “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالأقوال أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون؛ لأن النقد الذاتي والنقد البناء ضمانة لسلامة البناء الوطني”.كما يخالف هذا القانون المواثيق الدولية لحقوق الانسان و هي مواثيق ملزمة لكل دول العالم بما فيها مصر, حيث تنص المادة 18 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنها بالتعليم أو الممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها، سواء أكان ذلك سرا أو مع جماعة.أكما تنص المادة 19 منه على أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق آراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، ودون تقيد بالحدود الجغرافية”.و بناء على ذلك فيمكن لأي متضرر من هذا القانون أن يطعن بعدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية العليا في حال صدوره لمخالفته للدستور و للمواثيق الدولية لحقوق الانسان التي وقعت عليها مصر فصارت في قوة الدستور.أما الإشكاليات السياسية التي يثيرها القانون فهي كثيرة فمنها أن كل المعارضين للقانون سينظرون له على أنه تكميم للأفواه لمصلحة الحكومة مما سيعني معارضة شديدة للقانون على أرض الواقع عبر كسر الدعاة و العلماء الذين يستهدفهم القانون للحظر الذي تريد الحكومة فرضه, فهذا القانون في حال السعي لتطبيقه سيصطدم بواقع مستقر على نطاق واسع جدا واقع إجتماعي و سياسي و ديني, ففئات إجتماعية واسعة ترتبط بمئات الدعاة و العلماء من غير الأزهريين و تتواصل معهم عبر الإنترنت و الفضائيات و شرائط الكاسيت بعدما أغلقت أجهزة الأمن المساجد في وجوههم بدعوى عدم الحصول على تصريح وزارة الأوقاف, و هذه الفئات تصم آذانها إزاء كل ما هو حكومي في مجال الفتوى و شئون الدين و لن تستسلم لأي حظر حكومي إزاء من يثقون فيهم من الدعاة, فماذا ستفعل الحكومة لو أصدرت القانون؟؟من المرجح أن هذا القانون ستصدره الحكومة و من المرجح أيضا أنها لن تطبقه حرفيا خاصة في البداية بل سينضم إلى ترسانة القوانين سيئة السمعة كقانون الإشتباه و قانون العيب و غيرهما, و تظل الحكومة محتفظة به في غمده مع سائر القوانين القمعية لتشهره من حين لآخر بشكل انتقائي ضد الحالات الأخطر بالنسبة لها من الدعاة المعارضين لها, و من ثم يتحسس بقية الدعاة رقابهم أثناء إصدارهم الفتاوى خشية أن تطالها صولة هذا القانون, فيتم تدجينهم (لا قدر الله) بالتدريج فينحسر بالتالي الواقع الاجتماعي الحالي المرتبط بالدعاة و يضعف فتتمكن الحكومة حينئذ من السيطرة عليه, و هكذا ستلتف الحكومة على فورة حماس المعارضين حاليا للقانون و الذين هدد بعضهم بالإعتصام أمام مجلس الشعب بينما هدد أكثرهم بكسر الحظر الذي سيفرضه هذا القانون و لو أدى بهم ذلك إلى السجن.أما الإشكاليات الفقهية أمام هذا القانون فهي كثيرة جدا و جوهرية, و منها أن الاسلام دين فيه قدر كبير من الحرية الدينية و التسامح مع الخلاف الديني و الفقهي فلم يحدد جهة واحدة تحتكر هي الكلام في الدين و الفقه و تحجر على غيرها ذلك, صحيح أن هناك مقومات و شروط للفتوى و المفتي لكن هذه الشروط و المقومات ليست بالضيق و الحجر الإحتكار الذي تهدف إليه الحكومة من سن هذا القانون.و لابد أولا أن نفرق بين الفتوى و بين مطلق الكلام في الدين أو في الشئون العامة انطلاقا من الدين, فالفتوى هي رأي فقهي في واقعة جديدة ليس لها مثيل في نصوص القرآن أو نصوص السنة, و هذا ما يسمى إجتهادا في الفقه أو في الدين و هو له شروطه و مقوماته العلمية الي ينبغي توافرها في المجتهد أو الفقيه الذي يقوم بعملية الإفتاء هذه و سنأتي لتفصيل ذلك فيما بعد.أما لو أن للواقعة مثيل في القرآن أو في الحديث فإن المتكلم أو المبلغ لحكم الدين فيها لا يعتبر مفتيا لأنه مجرد ناقل لآية قرآنية أو حديث نبوي, و هذا ليس له شروط ذات بال لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال “بلغوا عني و لو آية” و قال صلى الله عليه و آله و سلم أيضا: “نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا ، سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ”, فتبليغ شئون الدين الثابتة في الكتاب و السنة لا شروط لها إلا جودة الذاكرة أي القدرة على الحفظ فقط, فهل يحتاج أحد لتصريح ليعمل بهذين الحديثين اللذين يأمران بتبليغ تعاليم الاسلام؟؟و كذلك الكلام في الشئون العامة كأزمة غزة و فلسطين أو حقوق الإنسان و الحريات وغيرها من القضايا العامة السياسية, و كذلك القضايا الاقتصادية كأزمة إحتكار رجال الأعمال للعديد من السلع, أو القضايا الثقافية كهبوط مستوى العديد من الأعمال الفنية و إسفافها أو تدني مستوى التعليم و غير ذلك من القضايا العامة لا يمكن القول أن على من يتعرض للكلام بشأنها من منطلق ديني لابد أن يكون مستجمعا شروط المفتي و حاصلا على إجازة الإفتاء أو تصريح وزارة الأوقاف الذي هو تصريح مباحث أمن الدولة, فهذا شئ لم يحدث أبدا عبر التاريخ الاسلامي بكل عصوره سواء منها العصور المزدهرة أو العصور المظلمة على حد سواء. وحتى الإفتاء في الأمور التي لم يرد فيها نص من قرآن أو سنة فهذا فيه نوع من النقل أيضا, ذلك أن كتب الفقه القديمة و الحديثة فيها ملايين الفاتوى الجاهزة بشأن العديد من الأمور التي حدثت منذ موت النبي صلى الله عليه و آله و سلم و حتى الآن, و كل الفقهاء مجمعين منذ القدم و حتى الآن (بما في ذلك الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية) على أنه يجوز لكل أحد عنده القدرة على قراءة هذه الفتاوى و نقلها أن يقرأها و ينقلها لمن سأل عن حكم أمر تتعلق به هذه الفتوى الموجودة في كتاب, و لا يشترط في هذا الذي ينقل أن يكون مفتيا مستجمعا شروط المفتي و لا مقومات المجتهد.و بذا تنحصر الفتيا التي تستلزم شخصا ذا سمات معينة و شروط محددة في مجالات ضيقة, و لا تستلزم إصدار قانون قمعي بوليسي لحصرها, ليس فقط لأنها مجالات محدودة و لكن أيضا لأن الحكام في العالم الاسلامي منذ عصر الخلفاء الراشدين و مرورا بعصور الأمويين و العباسيين و المماليك و العثمانيين و الطوائف و الأيوبيين و جميع الملوك و الأمراء و الحكام الذين حكموا العالم الإسلامي على مر العصور لم يجرؤ أحد منهم على العصف بحرية التعبير الفقهي و الديني عبر آلية محكمة مثل هذا القانون المزمع إصداره.و لابد أن نلاحظ أن التسامح مع التنوع و الحرية الفقهية التي تمثل الفتوى أبرز صورها لا تعني الفوضى, و إصدار الفتوى من قبل كل من هب و دب, و لكن الضابط الذي حدده أكثر الفقهاء لضبط إيقاع الفتوى هو ضابط الرأي العام …. الرأي العام لدى الفقهاء الذين يلفظون بأرائهم كل من أفتى بغير علم أو كثر خطأه أو غفلته و سوء تقديره للأمور….. و الرأي العام للمجتمع ككل الذي يترقب رأى الفقهاء العام و يتلقفه ليتمكن من تمييز الطيب من الخبيث من بين المتكلمين في الفقه و الدين.أما الآلية التي يريد أن يحددها القانون المزمع إصداره فهي آلية لا تتفق مع جوهر و و مقصد الفقهاء من إطلاق حرية التعبير و البحث الفقهي, لأن الفقهاء عندما ذكروا ضابط الرأي العام ذكروا أن هناك طريق آخر لتحديد الفقيه الذي تتوفر فيه شروط الإفتاء و هو طريق إمتحان المفتي و إجازته من قبل العلماء الأقدم منه, و لكنهم مع ذلك حددوا طريق الرأي العام بين مجتمع العلماء كطريق أخر, فلو قال أنصار القانون المزمع أن العصر تقدم و لابد من الإمتحان و الإجازة فيقال لهم لقد كان الإمتحان و الإجازة موجودان في الماضي و مع ذلك أباح الفقهاء ظهور المفتي عبر قبول الرأي العام لمجتمع العلماء له و ذلك حفاظا على حرية البحث الفقهي و حرية التعبير عن الرأي الفقهي لئلا يصبح الفقه فقه حاكم أو صاحب سطوة. صحيح أن بعض الفقهاء الأحناف قد نصوا قديما على جواز منع إفتاء من أسموه بالفقيه الماجن أي الذي يفتي بغير علم, و لكن هذا رأي فريق محدود أولا, و ثانيا ما هي الضمانات التي تكفل سلامة التطبيق في ظل الإتجاه القمعي البوليسي الذي يسير وفقه نظامنا الحاكم و الكثير من النظم الحاكمة في العالم الاسلامي و التي تريد عبره مصادرة الدين و احتكاره لصالحها و تكميم أفواه كل معارضيها بدعاوى متعددة.ثم إذا حجر نظامنا الحاكم على الفقيه الماجن فمن يحجر على مجون نظامنا الحاكم الذي ولى نفسه هذا الحكم بالقمع و التزوير؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في العدد الأسبوعي من جريدة الدستور بالقاهرة 18 فبراير 2009 .