القمة العربية صورة أرشيفية

القمة العربية بالدوحة.. مصر من «الدولة الزعيمة» إلي «الدولة المقموصة»

تابع الجميع مؤتمر القمة العربية في الدوحة، ومحاولات قادة العرب قبل وأثناء القمة في مجال لم الشمل وإعادة الاعتبار للتضامن العربي المفقود وللجامعة العربية المأسوف عليها، فعلا لقد سعي حكام الدول العربية لذلك لسبب أو لآخر.

وفي هذا الوقت العصيب الذي تتعلق فيه قلوب الشعوب العربية بهذه المحاولات كما يتعلق الغريق بقشة، سارع العديد من القادة العرب للقيام بدور ما لإنقاذ ما تبقي من آمال بشأن الجامعة العربية أو علي الأقل لصناعة دور لبلادهم علي الساحة العربية،

وبينما سعت دولة صغيرة كقطر للعب دور كبير في المنطقة فقد اضطلعت دولة كبيرة كالسعودية بإنجاح قدر ما من المصالحة العربية فبدأت بنفسها فصالحت بشار الأسد ـ رئيس سورياـ ودعاه ملك السعودية لزيارة الرياض قبل القمة لتدشين هذه المصالحة، كما تمت مصالحة مماثلة بين الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز والزعيم الليبي معمر القذافي في الدوحة لدرجة أن تعانقا وطلب القذافي من العاهل السعودي نسيان الماضي ودعاه لزيارة ليبيا.

حضرت السعودية وتصالحت مع سوريا رغم أن كلا منهما يمثل رأسا لمحور مناوئ للآخر، فسوريا رأس محور الممانعة والتشدد العربي بينما السعودية هي رأس محور الاعتدال العربي مع مصر والأردن وغيرهما.

وحضرت السعودية وتصالحت مع القذافي الذي كان متهما بتحريك مؤامرة لاغتيال العاهل السعودي نفسه.

ورتبت وحضرت قطر لذلك كله لتحقق لنفسها دورا سياسيا عربيا رائدا، بعدما حققت لنفسها دورا إعلاميا عربيا بارزا عبر قناة الجزيرة، قطر فعلت هذا وهي الدولة العربية صغيرة المساحة قليلة السكان حديثة التاريخ.

لكن في خضم كل محاولات القادة العرب لرأب الصدع العربي المتفاقم غابت مصر ولم يشاهد أحد لها دوراً لا كبيراً ولا صغيراً، مصر زعيمة الوطن العربي (سابقا) غابت عن قمة الدوحة وهي التي كانت قد أسست فكرة القمم العربية قديما وفكرة دورية هذه القمم حديثا، وليس هذا هو الأمر الغريب الوحيد بشأن غياب مصر بل هناك ما هو أغرب منه وهو سبب هذا الغياب الغريب.. الرسميون المصريون صرحوا بأن غياب مصر جاء بسبب قناة الجزيرة الفضائية القطرية، وأخبار أخري تشير إلي أن الغيرة والعناد المصريين إزاء قطر ليسا بسبب فضائية الجزيرة فقط بل بسبب الأدوار التي تسعي قطر للعبها في الساحة الفلسطينية خاصة بشأن ملف الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، وكذلك الأدوار التي تلعبها في الساحة السودانية بشأن ملف دارفور.

ما ذكرته المصادر الحكومية التي أشارت لدور الجزيرة في توتر العلاقات مع دولة قطر أيده بقدر ما الاتهام الذي وجهته قناة الجزيرة- يوم الاثنين الماضي- من أن إدارة النايل سات 101 شوشت علي بث القناة لوقائع القمة العربية بالدوحة مما أدي لانقطاع الإرسال نحو عشر مرات، ورغم نفي إدارة النايل سات لذلك (نفت التهمة في التشويش لكن التشويش كان واقعاً أمام الجميع) فإن غضب مصر الرسمية من قناة الجزيرة لا يخفي علي أحد وكذلك غضبها من الدور المتنامي والمتزايد لدولة قطر في الساحة السياسية العربية.

والنتيجة النهائية للتوتر المصري الرسمي من مواقف قناة الجزيرة ودور دولة قطر هو غياب مصر عن قمة المصالحات العربية، وهكذا لم تعد المسألة علي ساحة الخلافات العربية هي بين محور التشدد والممانعة من ناحية ومحور الاعتدال من ناحية أخري بل صار الجو العام متصالحاً ولو شكلا علي الأقل مع بروز أدوار سياسية متنامية للعديد من الدول العربية علي مسرح المنطقة العربية والشرق أوسطية ككل، بينما مصر تقاطع القمم والاجتماعات والفعاليات العربية، و تقف منفردة غاضبة بجانب الحائط محاولة إثارة المشاكل لتثبت وجودها الذي هو غير موجود أصلا، فمصر كانت توالي وتعادي كبري الدول العربية (كالعراق والسعودية) في الماضي من أجل قضايا ومواقف سياسية كبري هي اليوم تغضب من قناة فضائية (الجزيرة) وتعادي دولة صغيرة كقطر لأنها حاولت أن تحل جانبا من المشاكل العربية التي تخلت مصر عن حلها، فتحولت مصر من «الدولة الزعيمة» إلي «الدولة المقموصة».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر بالعدد الأسبوعي لجريدة الدستور.

عمر حسن البشير

مذكرة توقيف البشير..الأبعاد والمشاهد والنتائج

عند التأمل في المذكرة الدولية بتوقيف الفريق عمر البشير رئيس الجمهورية السودانية والتي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هذا الشهر؛ لابد وأن يتوقف العقل عند ثلاث محطات، محطة أبعاد هذا القرار القضائي الدولي، ثم المشاهد المتوقعة بناءً على هذا القرار، وأخيرًا النتائج التي قد تتمخض عنها العملية برمتها.

أولًا ـ أبعاد قرار توقيف البشير

نظرًا لسيطرة المفاهيم الغربية على التحليل السياسي في العالم كله؛ فإن هذه الأبعاد سوف تنقسم إلى البعد الدولي والبعد الإقليمي والبعد المحلي، سنجد أن البعد الدولي يشير إلى الأمم المتحدة وتحديدًا مجلس الأمن، الذي وقف خلف هذا القرار بهدف تحقيق أهداف معينة للغرب إزاء السودان، والبعد الإقليمي سيشير إلى العامل “الإسرائيلي” والإثيوبي في المنطقة، أما البعد المحلي فسيشير إلى المنافع المتحققة لمتمردي جنوب السودان “الحركة الشعبية” وغرب السودان “متمردي دارفور”.

لكن لو أردنا أن نشير لإطار إسلامي في التحليل السياسي فسوف تنقسم الأبعاد إلى بعدين فقط:1- الهيمنة الاستغلالية للغرب على العالم بصفة عامة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة، وتقودها حاليًا الولايات المتحدة.2- العالم الإسلامي ككتلة مستهدفة ومتأثرة بقرار توقيف البشير.

وإذا تأملنا في البعد الأول وهو الهيمنة الاستغلالية للغرب؛ سنجد أن هذه الهيمنة فرضها الغرب على معظم أنحاء العالم الإسلامي منذ عصر الاستعمار الغربي في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، ولكنها صارت هيمنة محكمة ومطلقة على كل أنحاء العالم الإسلامي منذ تم القضاء تمامًا على الدولة العثمانية، التي كانت آخر معاقل العالم الإسلامي سقوطًا في براثن الهيمنة الغربية بشكل كامل.

والغرب بوقوفه وراء مذكرة اعتقال البشير إنما يهدف إلى دعم مسارات إضعاف السودان عبر تفكيكه لعدة دويلات يهيمن الغرب على أغناها ويستغل ثرواتها جميعًا، ويمنع قيام دولة إسلامية بحجم وثروة السودان؛ فالسودان أكبر دولة أفريقية، ومن أكثر دول العالم الإسلامي ثراءً في مجالات الموارد الزراعية وموارد المياه والثروة المعدنية والثروة الحيوانية، ونظام حكم عمر البشير_ رغم ما عليه من تحفظات_ فإنه سار ويسير في التنمية بكل مجالاتها بخطى لا بأس بها، ففي عهده دخل التصنيع على نطاق واسع للسودان بما في ذلك تصنيع السلاح والدواء والمواد الغذائية وغيرها، كما تحسنت البنية التحتية والأداء الاقتصادي بشكل عام، فضلًا عن ازدياد قوة الجيش وأجهزة الأمن بشكل مكَّن هذا النظام من الصمود في وجه موجات طاغية من التآمر الدولي آتية من العديد من الأجهزة الأمنية الدولية العاتية؛ كأجهزة “إسرائيل” والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها، فضلًا عن أذرعهم الداخلية من المتمردين في الجنوب والشرق والغرب.وتأتي هذه المذكرة لتؤدي عملها بمساندة القوى الغربية و”إسرائيل”، وبأذرع ربما محلية من خلال المتمردين المعروفين أو غير المعروفين.

أما البعد الثاني وهو المتعلق بالعالم الإسلامي، فهو لا يشمل فقط إضعاف السودان في المدى القريب والبعيد، ولكن يشمل حرمان العالم الإسلامي من ثروات السودان التي قد تصبح في يوم من الأيام عونًا لأيٍّ من دول العالم الإسلامي ـ وفي قلبه مصر ـ على النهضة والقوة الاقتصادية، ليس هذا فقط بل ونقل هذه الثروات لأعداء العالم الإسلامي؛ “كإسرائيل” أو الغرب من خلال عملائهم في السودان ـ الحركة المتمردة في دارفور وفي جنوب السودان ـ هذا كله فضلًا عن تطويق دولة قوية كمصر ليس من جنوبها فقط، بل أيضًا من عنقها حيث أن نهر النيل شريان الحياة في مصر، وبتفكيك السودان وسيطرة “إسرائيل” والغرب على حكوماته تصبح كل دول حوض النيل تقريبًا واقعة تحت هيمنة الولايات المتحدة و”إسرائيل” بطريقة أو بأخرى.وإذا كانت السودان تمثل جسرًا عربيًّا إسلاميًّا بين مسلمي وعرب شمال أفريقيا، وبين أفريقيا السوداء، فإن من شأن الهيمنة الغربية عليها أن تقيم سدًا منيعًا أمام تواصل عرب شمال أفريقيا مع مسلمي أفريقيا السوداء.

ثانيًا ـ المشاهد المتوقعة

كثر اللغط حول المشاهد المتوقعة بشأن السودان والبشير معًا بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله، وفي الواقع فإن المشاهد كلها مطروحة على مسرح الأحداث الدولية بشأن السودان.

فتدويل حكم السودان ككل عبر تقدم قوات المتمردين من الجنوب ومن دارفور إلى العاصمة، واحتلالها عبر دعم أمريكي غربي عسكري وسياسي أمر وارد في الفترة القادمة، قد لا تقدر بالأيام أو الأسابيع لكنها لن تزيد عن سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر.

وفي حالة استمرار قدرة الأجهزة الأمنية والجيش على حفظ استقرار الحكم في الخرطوم، فخنق نظام الخرطوم سياسيًّا واقتصاديًّا عبر الولايات المتحدة وحلفائها أمر وارد بقوة، يصحبه تقطيع أوصال السودان عبر استقلال دارفور بعدما تحصل على حكم ذاتي، واستقلال الجنوب في الاستفتاء المزمع بعد سنتين، كما أن قبائل شرق السودان قد لا تمانع من أن تحظى بالدعم الأمريكي والغربي والإسرائيلي الذي تحظى به دارفور وجنوب السودان مقابل التمرد وإحياء جبهة الشرق ومن ثَمَّ الاستقلال، وحينئذٍ لن يكون هناك مانع لدى الولايات المتحدة وحلفائها من ترك البشير يهنأ مع أجهزته الأمنية القوية بحكم ولاية الخرطوم المخنوقة باسم سودان لا وجود له، إلى أن يركع أو تطلق عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها رصاصة الرحمة كما أطلقتها على عراق صدام حسين.

ثالثًا ـ نتائج العملية كلها

طبعًا النتائج كلها واضحة، وأبرزها ضياع السودان من جعبة العالم الإسلامي في هذه الفترة، وذهاب مواردها الضخمة لخدمة أعداء الأمة الإسلامية، وخنق أكبر دولة عربية وهي مصر تمهيدًا لتقطيع أوصالها هي الأخرى.

ولكن هناك نتائج جزئية خاصة بالتحليل السياسي أظهرتها هذه الأزمة؛ منها أن الصين وروسيا تواطأتا مع الولايات المتحدة وحلفائها في مجلس الأمن إذ كان وما زال في إمكانهما عرقلة صدور القرار أو تجميده بعد صدوره ولم يفعلا.

وكذلك أظهرت العملية برمتها تصميم الغرب على استمرار إضعاف العالم الإسلامي دون كلل ولا ملل؛ للحفاظ على استمرار هيمنتهم عليه واستغلاله لصالحهم، في الوقت الذي ما زال يتغنى فيه المستغربون عندنا بصداقتهم للغرب، ونقصد هنا الحكومات الغربية لأن للشعوب الغربية شأنًا آخر لا مجال لتفصيله هنا.وعلى كل حال، فإننا لا نصاب باليأس بسبب تقطيع أوصال العالم الإسلامي المتواصل من قِبل الجيوش الغربية وحلفائهم في الداخل والخارج، لأننا ننظر للمستقبل في ضوء تاريخنا التليد إذ مر بالعالم الإسلامي أوقات حالكة الظلمة مثل هذه لكنه نهض بعدها من كبوته، وثاب إلى رشده، واسترد انتصاراته {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا الموضوع في موقع الاسلام اليوم.