تفتيت الدول العربية

تفتيت الدول العربية سيناريو رسمه الاستعمار فإلى أين يصل؟

تفتيت الدول العربية سيناريو رسمه الاستعمار منذ فترة طويلة فإلى أين يصل؟، لاسيما أنه في الشهور القليلة القادمة يتحدَّد مستقبل أكبر دولة عربية وإفريقية -من حيث المساحة- عندما تتمُّ (أو لا تتمّ) عملية الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان, وهذه المناسبة تذكِّرُنا بأن هناك مخططًا قديمًا بشأن تفتيت الأقطار العربية لمزيدٍ من الدول بغرض دفعها جميعًا لمزيد من الضعف والتحالف مع الغرب وتسهيل أمر السيطرة على المنطقة لصالح الغرب وإسرائيل.

مخطط استعماري قديم

لقد شكَّك كثيرون في وجود هذا المخطط أصلًا رغم إثبات العديد من الباحثين السياسيين البارزين لوجود هذا المخطط, كما أن العديدين وإن صدَّقوا بوجود هذا المخطط برعاية إسرائيلية وغربية فإنهم قد شكَّكوا في إمكانية تحقيقِه, كان هذا في بداية الثمانينيات أو حتى أواخر السبعينيات من القرن العشرين, لكن الآن أصبحت عملية تفتيت أقطار عربية أمرًا واضحًا لكل ذي عينين, ورغم أن الأمر بدأ بمؤامرة التمَرُّد في جنوب السودان منذ بداية الثمانينيات إلا أننا الآن -وبعد مرور ثلاثة عقود- نرى التفتيت يسير في العالم العربي على قدَمٍ وساق على الأقل في كل من العراق واليمن والصومال والسودان ولبنان، وحتى دولة كمصر عريقة في الوحدة والمركزية نرى الآن تصاعد النزعات الانفصاليَّة فيها من قِبل الأقباط بتحريض وزعامة الكنيسة القبطِيَّة.

استدعاء النزعات الانفصالية

ويمكنُنا الآن بعد مرور ثلاثة عقود على بداية محاولات التفتيت في العالم العربي أن نَلْمَح العوامل الرئيسة التي اعتَادَ أعداء الأمة على استغلالها لإجراء عملية التفتيت، بدايةً من استدعاء النزعات الانفصالية وحتى تفعيلها وتطويرها, وعبر الإطلال على هذه العوامل يمكننا أن نفكِّر بموضوعية في أساليب جادة لإفشال عمليات التفتيت الحالية والمستقبلية في كل أرجاء العالم العربي والإسلامي.

وأول العوامل التي استغلَّها أعداؤنا في التفتيت هي وجود أقلِّيَّة عرقيَّة أو دينية، وهذه الأقلية عادةً ما يتمُّ استغلالُها من أجل التفتيت عبر تغذية روح التعصُّب الديني أو العِرقي لديها وإشعارها بالظلم حتى لو لم تكنْ مظلومةً كما يتمُّ تغذية روح الاستقلال لديها وتعبئتها حول زعامات إما مصنوعة في الغرب وإما مصنوعة محلِّيًّا عبر دعم ومساندة الغرب وإسرائيل.

ظلم الأقليات العِرقية

وكي تنجحَ هذه العمليات لا بدَّ من وجود عامل آخر مهِمّ في تسريع عملية التفتيت، ألا وهو ظلم الأقليات العِرقية أو الدينية أو اللغوية, وطبعًا هذا الظلم موجود أحيانًا على نطاق واسع، وفي أحيان أخرى يكون موجودًا بقدر ضئيل لكن قوى سياسية طائفية داخليَّة تقوم بتضخيمه في نفوس الأقلية العرقية أو الدينية لاستغلال الموقف لصالح فكْرِها الانفصالي ويدعمها في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل وقوى إقليمية متعدِّدَة لأهداف متنوِّعة.

ويأتي ضعف الجيش والقوى الأمنية كعامل أساسي بارز في نجاح عمليات التفتيت؛ إذ إن هذا الضعف هو أهمّ عامل لتنفيذ التفتيت عمليًّا على أرض الواقع وإقامة الكيانات الجديدة المنبثِقَة من الكيان الأم، كما حدث فيما يسمى بجمهورية أرض الصومال وبلاد بونت في الصومال ودولة الأكراد في العراق ودولة الجبهة الشعبية في جنوب السودان ونحوها.

المزج بين القوة الصلبة والقوة الناعمة

وهناك عاملٌ آخر وهو عامل فكري، لكنه مهم جدًّا، وهو عاملٌ يتعلَّق بطبيعة التفكير السياسي والاستراتيجي, ففي بعض الحالات كانت القوى الأمنيَّة في الدولة قوية إزاء قوى التمرُّد، ولكنها فشلت في إخماد التمَرُّد كما حدث في العراق والسودان في فترات مختلفة، لكن الفشل هنا يرجع لخَلَل في الفكر السياسي والاستراتيجي؛ حيث ارتكزت الدولة على القوة الغاشمة وحدها في محاولة إخضاع التمَرُّد، وهي وصفة أكيدة للفشل الذَّريع في القضاء على أي تمرُّد؛ إذ إن معالجة أي تمرُّد تقتضي المزج بين القوة الصلبة والقوة الناعمة بنِسَب يتمُّ تحديدُها بذكاء وحنكة وإدراك واعٍ جدًّا بواقع هذا التمرُّد وبطبيعة قيادته العليا والوسطى وقواعده الشعبية, القوة الناعمة نقصد بها هنا أمورًا كثيرةً من ضمنها الدبلوماسية والإعلام والمساعدات الاقتصادية والثقافة والفكر والأدب والفن، فضلًا عن الأعمال السياسية المختلفة، وعلى رأْسِها عزلُ قواعد التمرد عن قيادته وتعرية حقيقة قيادَتِه وعمالتها للغرب أمام الجميع مع محاولة استمالة أطياف من القادة والتفريق بين الباقين، فضلًا عن استمالة القواعد بطرق مختلفة, ومن ضمن الأعمال السياسية أيضًا، وطبعا عزل التمرد عن مسانديه الخارجيين بطرق مختلفة وبأقصى درجة ممكنة.

القبلية تربة خصبة لعمليات التمرُّد

ومن ناحيةٍ أخرى لعبت القبلية دور التربة الخصبة لعمليات التمرُّد, وهذا ينبِّهُنا لأهمية الاهتمام بربط القبيلة بالانتماء العام للأمة، لئلَّا تظلَّ هكذا عاملًا سلبيًّا يعمل ضد الوحدة في العديد من البلدان العربية والإسلامية.

ومما يؤسَف له أن التناحُرَ والحرب الباردة بين الدول العربية لعبا دورًا بارِزًا في مساندة وتمويل عمليات التفتيت، وهذا عاملٌ سلبي آخر في عملية التفتيت, ولبنان نموذج واضح في هذا المجال كما لا ننسى أن العديد من الدول الإسلامية موَّلت ودعمت عسكريًّا تمرُّدات السودان في الشرق والغرب والجنوب.

الأزمة الإسلامية والعربية العامة

عمليات التفتيت التي جرتْ وتجري في العالم الإسلامي، وبخاصة في العالم العربي، نجحتْ حتى الآن وتسير قُدُمًا بمعدل ملموس ومطَّرِد, وهي جزء أو لون من ألوان أو أجزاء الأزمة الإسلامية والعربية العامة التي لا فَكَاك منها إلا بصحوة إسلامية فكرية وعلمية وحركية, ولكن حل هذه الأزمة يحتاج:

أولًا- مضمون عام يندرِج تحته ويتفرَّع عنه دراسة كل حالة من حالات الواقع السياسي ومشكلاتِه من أجل مواجهتِها وحلِّها بشكلٍ موضوعي وعملي بشكل دقيق.

ثانيًا- محاولة للمساعدة في الحلّ الجزئي لهذه المشكلة, إذ لا مانع من إجراء حلول محدودة زمانًا ومكانًا ونوعًا للتقليل والحدّ من حَجْم التدهوُر الذي تنحدرُ فيه الأمة الإسلامية عبر أعمال جزئيَّة تحقِّق ذلك, إذ ليس من الحكمة في شيء الوقوف مكتوفي الأيدي أمام المشكلات والأزمات التي تلمُّ بالأمة بدعوى انتظار الحل الكامل والشامل والمثالي كالوحدة الإسلامية الشاملة أو عودة الخلافة الإسلامية بينما الأمة تئِنُّ بل تنزف دمًا من وطأة مشكلاتِها وأزماتِها.

ثالثًا- التوعية بجانب من جوانب واقع عملية التفتيت التي تجري في العالم الإسلامي بغَرَض لفْتِ أنظار الاستراتيجيين الإسلاميين لوضع هذه الجوانب التي ذكرناها في حساباتهم عند التفكُّر والعمل وتحديد الأولويات في مجال العمل السياسي والدعويّ الإسلامي.

وعلى كلِّ حالٍ فلفتنا الانتباه لكثير من جزئيات المشكلة لا ينفي أهمية امتلاك الطرف الإسلامي للقوة الشاملة بمعناها الاستراتيجي الشامل للقيام بحلّ هذه المشكلة؛ لأنها مشكلةٌ قديمة طالما اعترت العالم الإسلامي كلما أصاب حُكَّامَه الضعف وكلَّمَا أصاب فكره السياسي والاستراتيجي الركود والجمود كما حصل في فترات من عصور الدول الأموية والعباسية والعثمانية وغيرها, “وَاللّه غَالِبٌ عَلَى أَمْرِه وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ” (يوسف21).

محمد البرادعي

المعارضة المصرية فرص ضائعة و 4 أخطاء .. البرادعى و كفاية يحرثون في البحر

المعارضة المصرية صارت أكثر تجسدا في حركة كفاية، ومنذ أيام تردد أن حركة كفاية ستدعو لمقاطعة الانتخابات البرلمانية إن لم تستجب الحكومة لمطالبها بإرساء قواعد ونظم تكفل نزاهة الانتخابات القادمة وصيانتها عن أي تزوير، ورددت الأخبار أيضا أن حركة كفاية قد تدعو إلي إقامة برلمان بديل ومواز للبرلمان الرسمي وكذلك رئيس جمهورية مواز، ومنذ فترة قليلة انتشرت أنباء عن خلافات في الرأي بين الدكتور محمد البرادعي وعدد من شركائه وحلفائه السياسيين حول تكتيكات العمل السياسي الهادف للتغيير ودعوة البعض للدكتور البرادعي كي يتزعم المظاهرات، ويشير ذلك كله إلي جانب مهم من جوانب أزمة قوي المعارضة المصرية، فالمعارضة الجادة والصادقة في مصر ليست أزمتها أنها قليلة العدد وضعيفة القوي، لكن أزمتها الحقيقية تكمن في الخلل الذي يكتنف طريقة تفكيرها السياسي مع ضعف رؤيتها الاستراتيجية، فالمعارضة المصرية الحقيقية من أمثال حركة كفاية والجمعية المصرية للتغيير و6 أبريل وغيرها كلها تتشبث بطموح أكبر من إمكاناتها ولا تملك أساليب مناسبة لتحقيق هذا الطموح.

المظاهرات

إن تغيير نظام الحكم الحالي عبر المظاهرات أو تشكيل برلمان مواز أو تنصيب رئيس مواز أو القيام بإضراب عام علي مستوي كل المحافظات المصرية كلها طموحات جميلة ومشروعة لكن أيا من قوي المعارضة لا تملك القدرة علي القيام بذلك بشكل حقيقي وناجح… ممكن بشكل رمزي فقط لكن بشكل حقيقي لا يمكن.

قوي المعارضة تريد أن تقفز إلي سطح المبني دون أن تمر بدرجات السلم المختلفة من أولها، فهي تريد أن تغير النظام قبل أن تنجح في تعبئة أغلبية الشعب ضمن أنشطة وفاعليات التغيير ودون تجنيد مئات الألوف من أبناء الشعب الذين لديهم الرغبة والإرادة للنضال والتضحية من أجل التغيير، في السابق ظنت كفاية وغيرها من قوي المعارضة أن أبناء المناطق الشعبية هم الأكثر تضررا من نظام الحكم القائم، ومن ثم فهم أولي الناس بالمشاركة في فاعليات وأنشطة النضال من أجل التغيير فقاموا بتحريك المظاهرات في حي إمبابة وحي شبرا فيما بدا أنه توصيل المظاهرات للمنازل تشجيعا للمواطنين علي المشاركة، كما أنهم قد مارسوا جانبا من الخرافات الشعبية مثل مظاهرة كنس أعتاب السيدة زينب علي الحكومة فيما بدا أنه مغازلة للتواكل الذي غرق فيه كثير من قوي الشعب خاصة الطبقات الفقيرة منهم وكأن مغازلة الأغلبية الشعبية بتأييدها في خطأ التواكل سيجذبها للإيجابية والفاعلية.

ومع ذلك لا أهالي إمبابة ولا شبرا ولا السيدة ولا الصوفية خرجوا في هذه المظاهرات ولا شاركوا في أي من فاعليات الحركة السياسية المعارضة فيما بعد.

بداية الطريق

و بذا يتبين أن من أهم مشكلات المعارضة وعلي رأسها كفاية أنهم لم يسلكوا الطريق من أوله أو لم يطلعوا السلم من أول درجة، فكفاية بدأت عبر مؤتمرات جماهرية ومظاهرات، ولم تقم فروعها المحلية (إن جاز التعبير) بأعمال تجنيد وتثقيف وتعبئة شعبية، كفاية اكتفت أو قنعت بتوظيف الناشطين الجاهزين فكريا ونفسيا ،بينما لم تكلف نفسها عناء صناعة ناشطين جدد عبر إقناعهم وتجنيدهم وتجهيزهم نفسيا للنضال والتضحية، كما أن كفاية وغيرها من القوي المعارضة (بما في ذلك الإخوان المسلمين) لم تبلور لنفسها أساليب وقدرات مناسبة لتعبئة الجماهير وتوجيهها في أعمال شعبية هادفة، فالنظام لن يتغير بمظاهرة أو إضراب يشارك فيه خمسمائة شخص بينما يمثل ربع أو نصف مليون من المتظاهرين ضغطا حقيقيا علي النظام.

تجزئة أهدافهم 

كما أن من أهم مشكلات المعارضة وعلي رأسها كفاية أنهم لايقبلون تجزئة أهدافهم بحيث يحققون جزءا من الهدف هذا العام وجزءا ثانيًا في العام التالي وجزءا آخر بعد خمسة أعوام، كما أنهم يتعجلون تحقيق التغيير الكامل والشامل في ضربة واحدة، ورغم ذلك فمع مرور خمس سنوات علي نشأة العديد من حركات التغيير الجديدة وعلي رأسها كفاية لم يحققوا شيئا ذا بال.

الولع بالشعارات 

و من مشكلات المعارضة المصرية أيضا ولعها بالشعارات من قبيل المقاطعة سواء كانت مقاطعة الانتخابات أو مقاطعة دول معينة أو أشخاص محددين رغم أنه ليس من الحنكة السياسية أن تضيق حركة سياسية ما من خياراتها السياسية، وفي هذا الإطار تأتي مواقف العديد من رموز المعارضة من الولايات المتحدة أو الرقابة الدولية علي الانتخابات ونحو ذلك، فمعارضتنا لسياسات دولة ما كالولايات المتحدة لا تعني ألا أتحدث معها، فالحديث شئ والتأييد أو حتي التحالف شئ آخر مختلف ولكل من ذلك مقتضياته، كما أن المشاركة في الانتخابات تتيح مجالا واسعا من التعبئة والتجنيد والتثقيف السياسي بأكثر مما تتيحه عملية المقاطعة، فالمقاطعة في حالة مصر الآن هي مدخل قانوني للتغيير بينما المشاركة هي مدخل سياسي للتغيير، ولا شك أنه ما من شئ أضر بالممارسة السياسية المصرية والعربية داخليا وخارجيا بقدر ما أضرها الاعتماد علي المدخل القانوني، في عالم ليس فيه ثَمَّ قانون إنما التعويل كله علي فرض الأمر الواقع عبر المبادأة والمبادرة والمجازفة.

وفي هذا الإطار القانوني تأتي التحركات الأخيرة لكفاية والعديد من قوي المعارضة المحترمة والجادة، من قبيل دعوات مقاطعة الانتخابات ودعوات البرلمان الموازي والرئيس الموازي وحملة التوقيعات التي يشنها البرادعي وأنصاره وغير ذلك من الدعاوي التي تبدو في ظاهرها جميلة لكنها في حقيقتها أشبه ما تكون بالحرث في البحر.

جمال مبارك و علاء مبارك

خلافة مبارك و رجاله

عاد الحديث من جديد هذا الأسبوع عن مستقبل نظام حكم الرئيس مبارك و عن من سيخلف الرئيس في حكم البلاد لاسيما و أن صحفا أجنبية على رأسها مجلة الاكونوميست البريطانية و موقع قناة cnn الأمريكية قد تكلموا عن شائعات تتعلق بصحة الرئيس, و أيا كان الأمر فالله تعالى جعل لكل حي نهاية طال عمر صاحبها أم قصر, و لكن أنظمة الحكم لا تتحدد وفق شخص واحد فقط, فكلنا لاحظنا أن رجال حُكْم الرئيس أنور السادات هم رجال حُكْم الرئيس حسني مبارك, بل إن الكثير من رجال حُكْم الرئيس جمال عبد الناصر صاروا رجالا ل أنور السادات و من عاش منهم لعصر حسني مبارك استمر كجزء من منظومة الحكم في عهده.

رجال حُكْم حسني مبارك 

و ايا من كان سيخلف الرئيس حسني مبارك في الحكم فإن رجال حُكْم حسني مبارك سيستمرون ضمن منظومة الحكم بشكل أو بآخر, لأن الرئيس الجديد لابد له من منظومة يعمل من خلالها و المنظومة الحالية موجودة و جاهزة و لا مبرر للتخلص منها اللهم إلا إذا كان القادم الجديد لديه مشروع تغييري و جاء مقتنعا بحتمية اجتثاث رجال الحكم الحالي و احلال آخرين من غيرهم, أما لو أراد تغييرهم لمجرد عدم ثقته بهم فقط من جهة مدى ولائهم له فهذا لن يؤدي للتغيير لأنهم جميعا سرعان ما سيغيرون جلدهم و يبذلون الولاء له لأن دينهم هو كرسي الحكم فهو مصدر ثروتهم و ولي نعمتهم, و حتى لو اجتث القادم الجديد رجال الحكم الحالي و أحل مكانهم آخرين فلا توجد أي ضمانة تضمن لنا أن الفساد لن يتسلل لقلوب و سلوك القادمين الجدد لمنظومة الحكم, صحيح أن طول المكث في الحكم دون رقابة و لا محاسبة يولد الفساد, لكن الفساد عندنا عشش في منظومة الحكم من اول البواب و حتى أعلى مستوى و مستحيل أن يغير القادم الجديد كل الموظفين من أول البواب و حتى الوزير مهما كانت نيته حسنة و مهما كان يريد التغيير, و الأهم من ذلك كله أن الأوضاع التي خلقت الفساد المالي و الاداري و الترهل و عدم الفاعلية الادارية و تقديم أهل الواسطة على أهل الخبرة و التخصص كل هذه الأوضاع ستظل سائدة و تفرخ الشياطين ما لم يتم الغائها و اقامة قواعد و اسس جديدة تقوم على العدل و الشفافية و تقديم و تقدير أهل العلم و الخبرة و إلغاء الوساطة و المحسوبية و تدعيم أليات الرقابة الشعبية و الادارية و المالية.

التغيير والشعب

القادم الجديد مهما كان لديه الدافع القوى للتغيير إلى الأحسن فهو لن يتمكن من احداث هذا التغيير في الآليات مالم يكن له سند شعبي قوي لا ليسانده فقط ضد قوى الظلام و الفساد التي تعشش في أروقة الحكم و لكن أيضا كي تستفزه دائما للتغيير و لإتمام مشروع التغيير بكل آلياته بدلا من الركون لراحة ابقاء الوضع على ما هو عليه, التغيير بهذا المعنى هو تغيير دستوري يؤدى لدعم الحريات العامة و اتاحة و دعم انتخابات حرة لنواب الشعب على كل المستويات سواء في النقابات و النوادي المهنية و الجامعات و المجالس الجامعية و المحلية أو على مستوى مجلس النواب أو على مستوى الرئاسة, و كذلك لابد ان يتيح الدستور و القانون مراقبة و محاسبة كل السلطات سواء التنفيذية أو القضائية فلا أحد فوق المسائلة بما في ذلك الرئيس.

التغيير لا ينبغي فقط أن يكون في الآليات التي تحكم و تسير منظومة الحكم بل هناك تغيير الواقع الاقتصادي و الاجتماعي الذي صنعه الحكم الفاسد الآن, فاموال الدولة التي تم نهبها لابد أن تعود للدولة سواء كانت شركات أو مصانع أو أراض بيعت في صفقات مشبوهة أو سواء كانت تسهيلات بأشكال مختلفة تم تمريرها لرموز المنظومة الحاكمة الحالية ليبنون بها ثرواتهم المشبوهة و يعلون بها على رقاب العباد و يصيحون هل من مزيد, و تغيير الواقع الاجتماعي و الاقتصادي لابد أن يشمل اشباع حاجات الطبقات الفقيرة التي طحنها الجوع و المرض في ظل النظام الحالي كما لابد و أن يعوض الطبقة الوسطى التي كاد النظام الحالي أن يدفعها للتسول من شدة الحاجة بعدما اعتصرها حتى آخر قرش لديها.

بدون تغيير آليات الحكم و الرجال الذين يمثلون منظومة الحكم و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية التي صنعها الحكم بدون ذلك كله فلا كلام عن أي تغيير الا من باب الخداع و تبييض وجه القادم الجديد أيا كان.

القوي الشعبية المعارضة الفاعلة

أما القوي الشعبية المعارضة الفاعلة فإن مسئوليتها تتلخص في الوعي بذلك و نشر هذا الوعي و تعميمه على كل طوائف الشعب و النضال من أجله, ففرصة التغيير لن تأتي من السماء على طبق من ذهب للحالمين و للكتاب السطحيين الذي يبسطون الأمور, لابد من الوعي بحقيقة التغيير المنشود و كذلك الوعي بحقيقة التغيير الذي ربما يحدث اليوم أو غدا.

لاشك انه لو تغير الحاكم غدا و سعى لتبييض وجهه في بداية حكمه ببعض التغييرات الشكلية فإن كوكبة الكتاب و السياسيين المعارضين سيدركون بعد وهلة بسيطة أن هذا مجرد دجل سياسي و لا يمثل تغييرا حقيقيا لكنه سيكون من المفيد جدا لحركة المعارضة و مشروعها التغييري أن تدرك حقيقة و مدى التغيير من أول دقيقة حتى تبني موقفا سياسيا جماهيريا سليما من القادم الجديد من أول لحظة يضيع عليه فرصة أن ينعم و لو لساعة بتبييض وجهه.

لو جاء جمال مبارك للحكم خلفا لأبيه أو حتى لو جاء غيره و استمرت منظومة الحكم بنفس الآليات الحالية لن يتغير شئ لكن على المعارضة أن تستخدم ذلك لتكتسب زخما جديدا و مصداقية أكبر و أرضية جماهيرية أوسع و هذا حديث يطول و من ثم فله مجال آخر ان شاء الله لأن المساحة انتهت الآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 نشر هذا الموضوع في جريدة الدستور المصرية.

مصر

مصر أبيض و أسود و ألوان .. 3 أصناف مجتمعية

في مصر وزراء يتحايلون بأساليب شتى و يبيعون بطرق مختلفة أراض و أشياء عديدة ملك للدولة, يبيعونها لمحاسيبهم أرخص من التراب, و الدولة بأجهزتها الرقابية العديدة التي تعد الأنفاس على معارضيها تغط في نوم عميق ازاء ما يقوم به السادة الوزراء و غيرهم من كبراء الحزب الوطني من التربح من مناصبهم عبر أملاك الدولة, إذ بعد مهزلة بيع القطاع العام و المشروعات الانتاجية التي كانت تمتلكها الدولة أرخص من التراب, اتجه الكبراء إلى بيع أراضي الدولة بنفس الطرق المشبوهة أو لنقل الموصومة, حكى لي بعض العاملين السابقين بمصنع منتجات زيوت القطن بالقناطر الخيرية أن الشركة كان لها فرعان و كان مكسب الفرعين سنويا يزيد على 30 مليون جنيها صافيا, فتم بيع الفرعين لمستثمر بمبلغ 70 مليون جنيه فقط, كما أعطوا المشترى حرية تصفية المصنع إذا وجد انه غير مربح و بيعه كأرض سكنية, و لينظر القارئ الكريم لهذا البند الاعجازي, فالمفروض نبيع مصنع و نشترط على المشتري أن يضخ استثمارات جديدة و يشغل عمال اضافيين, لكننا بالعكس نعطيه حق تصفية المصنع و بيعه أرض كأرض سكنية رغم ما نعرفه عن ارتفاع سعر الأرض السكنية لا سيما عندما تكون على كورنيش النيل في القناطر كما هو حال هذا المصنع البائس, وفعلا لم يكذب المستثمر المزعوم الخبر, فأوقف انتاج المصنع لسنة, فخسر المصنع فباع ماكينات خطوط انتاجه بعشرات الملايين, و سرح عماله, و باع الأرض كأرض سكنية بسعر للمتر لا يقل عن 4 آلاف جنيه و يقال أن مجموع سعرها بلغ أكثر من مائة مليون, هل نرى أن هذه صفقة مشبوهة؟ طبعا مشبوهة جدا.. فأين أجهزتنا الرقابية.. أين الجهاز المركزي للمحاسبات و أين النيابة الادارية و أين الأجهزة الأمنية و أين النيابة العامة.. بل أين الضمير العام و الخاص في مصر كلها؟

و أيا كان الأمر:

لقد أسمعت إذ ناديت حيا .. و لكن لا حياة لمن تنادي

مصر ليست هي فقط رجال الأعمال الطفيليين

و من ناحية اخرى فمصر ليست هي فقط رجال الأعمال الطفيليين الذين كونوا ثرواتهم عبر نهب الثروات المصرية العامة دون أن يتحملوا مشقة العمل الجاد المنتج و المفيد, فمصر فيها رجال آخرون بذلوا و مازالوا يبذلون الغالي و النفيس من أجل عزة هذا الوطن و تقدمه و رفعته, و يأتي على رأس هؤلاء العلماء الأجلاء في أروقة الجامعات و غرفات المعامل و مراكز البحوث المحترمة المتعددة, فمن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر العلماء الذين توصلوا لاستنباط سلالات من القمح و الأرز و الذرة يمكن زراعتها بالماء المالح، وفي أي نوع من التربة مهما كانت قاحلة، من أجل إنتاج سلالات أكثر تحملا للملوحة والجفاف، وذلك بغرض توفير المصادر المائية لاستخدامها لري محاصيل أخري، وكذلك إمكانية استخدام مصادر أخري للري مثل مياه الصرف الزراعي ومياه الآبار و مياه البحر ذات الملوحة المرتفعة، و من هنا يمكن زراعة ملايين الأفدنة في الصحراء المصرية القاحلة عبر ريها بماء البحر (و هي كثيرة لا تنفد بإذن الله), و للقارئ الكريم أن يتصور حجم وفرة الانتاج الزراعي التي سوف تحدث لو زرعنا الصحراء بماء البحر من هذه المحاصيل الثلاثة لا سيما أنه باستمرار البحوث ممكن استنباط أنواع من المحاصيل الأخرى كالخضروات مثلا يمكن أن تروى أيضا بالماء المالح.

و هناك العالم المصري الآخر بالمركز القومي للبحوث الذي ابتكر فكرة تنقية مياه الصرف باستخدام ورد النيل الذي عادة ما يمتص الرصاص من الماء و يتغذى عليه, كما ابتكر طريقة لصناعة الطوب من ورد النيل الذي من المنتظر أن يتكاثر و يُنْتَج بوفرة من الأحواض التي سوف تُسْتخدم في تنقية مياه الصرف.

آلاف المخلصين الجادين

و هناك آلاف العلماء و الفنيين المتخصصين في الطاقة النووية الذين يعانون من المرتبات الهزيلة و الأدوات و المعدات و المعامل الأكثر هزالا و مع ذلك مازالوا يعملون بدأب و مثابرة من أجل خدمة هذا الوطن لا يبتغون سوى الخير لهذا البلد حتى و لو على حساب راحتهم الشخصية هم و أسرهم في زمن أصبح أجر الراقصة أو لاعب الكرة في شهر أكبر من أجر ألف عالم نووى مصري في أعوام.

ليس هدفي من ذكر هذه النماذج أن اطالب الحكومة بالالتفات لهذه الأبحاث و هؤلاء العلماء و العمل بمقتضى أفكارهم الخلاقة, لأنني فقدت أي أمل في أي حكومة يشكلها الحزب الحاكم, و أيقنت أن قادة و كبراء هذا الحزب لا يبغون غير مصالحهم الشخصية الضيقة التي تخصهم هم و اسرهم, فكبراء الحزب الحاكم لا تحركهم فقط شهواتهم الشخصية بل يكمن وراء هذه الشهوات عقل ضيق يتسم بالجمود و التقليدية و هذه التقليدية محكومة بطريقة تفكير أسيرة للفكر الرأسمالي الغربي الكلاسيكي أو لنقل لا تعرف سوى التبعية الفكرية للفكر الاقتصادي الذي يسوقه لهم سادتهم في البنك و صندوق النقد الدولي و المؤسسات الاقتصادية الأوروبية و الأمريكية, فكل طموحهم هو ترويج اقتصاد الخدمات و على رأسها السياحة و الترفيه, و هو اقتصاد غير مستقر و غير مضمون لأنه عرضة للتقلبات الدولية, أما الاقتصاد المنتج الحقيقي من زراعة و صناعة و توطين التكنولوجيا المتقدمة فهذا ليس فقط بعيد عن عقول سادة و كبراء الحزب الحاكم بل هو بالأحرى بعيد عن ذقونهم.

إن هدفي من ذكر كل هذه النماذج المشبوهة و المخلصة هو ان أنبه ان مصر ليست كلها ظلام لكن فيها هذا و ذاك, صحيح أن الغلبة أو الظهور الآن للشر لكن لاشك ان لكل شر نهاية, كما أن نماذج الخير الموجودة في البلد لا بد أن تشجع عامة الشعب و خاصة الشباب على اتخاذ هذه النماذج الخيرة كقدوة لها و أن لا يفتتنوا بسادة و كبراء الحزب الحاكم حتى لا يأتوا يوم القيامة فيقولوا: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}الأحزاب67.

مصطفى أبو اليزيد

قيادة منظمة القاعدة هل يتولاها سعودي أو باكستاني بعد مصرع أبي اليزيد؟

ما مصير قيادة منظمة القاعدة بعد مصرع مصطفى أبو اليزيد؟؟، إذ عندما تولى مصطفى أبو اليزيد القيادة العامة في منظمة القاعدة في أفغانستان اعتبرت كثير من المصادر الجهادية المطلعة ان هذا دليل على افلاس القاعدة عسكريا، نظرا لأن معظم أنشطة مصطفى أبو اليزيد انحصرت في السابق في المجال الاقتصادي حتى أنه اشتهر بين قادة و أعضاء القاعدة طوال الـ 15 عاما الأخيرة باسم الشيخ سعيد المحاسب بصفته كان يتولى أعمال الحسابات لأموال تابعة للقاعدة و لابن لادن شخصيا.

و الآن عندما أعلنت القاعدة نبأ استشهاد أبو اليزيد و زوجته و ثلاثة من بناته و حفيدته و عدد من جيرانه, فإن المسئوليين الأمريكيين أعلنوا بدورهم أن هذا نصر و انجاز أمريكي كبير في اطار الحرب على الارهاب, نفس الشئ لاحظناه سابقا بشأن أبي أيوب المصري عندما تولى القيادة العسكرية للقاعدة في العراق إذ سخرت بعض المصادر مما اعتبروه قلة خبرة أبي أيوب باعتباره مجاهدا شابا لم يكن ذا شأن هام في معسكرات جماعة الجهاد المصري في أفغانستان في التسعينات, فكيف به يصير على رأس قيادة القاعدة في العراق؟

و لكن عندما لقي مصرعه مؤخرا اعتبرت الولايات المتحدة و حلفائها العراقيين أن هذا نصر كبير لهم على القاعدة, و هذا كله دليل على أن الصراع بين القاعدة و بين الولايات المتحدة هو صراع ممتد لكنه يتكون من حلقات متوالية أو مسلسلة تسلم كل حلقة منها الاخرى في استمرارية واضحة.

الصراع بين القاعدة و الولايات المتحدة

الصراع بين القاعدة و الولايات المتحدة هو حرب طويلة و أي حرب لابد فيها من سقوط قتلى, و لكن الحادث حتى الان في هذه الحرب أن سقوط القتلي لا يؤثر في نتيجة أو مجريات الحرب بدرجة ملموسة فهي أشبه بحرب استنزاف صمد كل طرف من اطرافها ازاء الأخر و أظهر الجلد فلا يتراجع لمقتل قائد هنا أو هناك, فقد تم قتل أحد أعظم القادة العسكريين للقاعدة صبحي أبو ستة (المشهور بأبي حفص المصري) في القتال مع الناتو في افغانستان عام 2001 و تولي بدلا منه مصطفى أبو اليزيد و لم يؤثر ذلك في أداء القاعدة العسكري في أفغانستان و لا في العراق في مواجهة الناتو و حلفائه, و قتل أبو عمر البغدادي و أبو ايوب المصري و لم يؤثر ذلك على قدرات القاعدة في العراق و نفس الشئ حدث الآن حيث قتل مصطفي ابو اليزيد المعروف بأبي اليزيد المصري و الموجود على لائحة مجلس الأمن للجهات المحظور التعامل معها ماليا لصلتها بتمويل الارهاب و الموجود على قائمة المطلوبين الدوليين الأمريكية و قائمة المطلوبين لجهاز الامن المصري و مع ذلك فغدا أو بعد غد ستولي القاعدة مسئولا جديدا كقائد عام للقادة في أفغانستان ومن المتوقع أن تعلن عن ذلك خلال أيام او أسابيع فالقاعدة حتى الان نجحت في افراز و استنساخ قادتها, و كما عهدنا من سوابق تاريخ القاعدة فإن أدائها لن يتأثر بذلك و سيصير القائد القادم هو القائد الرابع منذ تأسيس القاعدة.

أبو عبيدة البنشيري

و كان القائد الأول هو أبو عبيدة البنشيري (غرق عام 1994 و اسمه الحقيقي علي الرشيدى مصري الجنسية) و خلفه ابو حفص المصري ثم خلفه أبو اليزيد المصري, لكن هل يكون القائد الرابع للقاعدة مصري ايضا أم ستذهب القيادة هذه المرة لسعودي أو يمني و هما الجنسيتان اللتان تمثلان العدد الأكبر بين مقاتلي القاعدة في افغانستان أم تغازل القاعدة الباكستانيين و تولي باكستانيا و تخرج القيادة العسكرية لأول مرة ليس عن المصريين فحسب بل عن العرب بعامة؟! تولية باكستاني أمر مستبعد باعتبار ان العرب لهم احترام غير عادي في قلوب الأفغان و الباكستانيين و هو أحترام سيحتاجه حتما القائد الجديد للمحافظة على استمرار العلاقات المتميزة بين القاعدة و حركة طالبان في كل من أفغانستان و باكستان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا التقرير  بجريدة الدستور المصرية.

مصاب اسرائيلي صورة أرشيفية

هزائم إسرائيل بين 8 دروس مستفادة و 3 سنن كونية

كانت اسرائيل في السابق توقع الهزائم بالعرب سواء بشكل حاسم كما في 1948 و 1967و 1982 أو بشكل محدود لكنه مؤثر كما في 1956 و 1973, لكن الدولة الصهيونية تكبدت في العقدين الأخيرين العديد من الهزائم الكبرى على أيدى قوى عربية فمن هزائمها على أيدى حزب الله و المقاومة اللبنانية في لبنان إلى هزائمها على أيدي المقاومة الفلسطينية في فلسطين و في قلبها المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس و الجهاد الاسلامي), و لانتصار اسرائيل في هذه السنوات أسباب سياسية و استراتيجية و لانهزامها في العقدين الأخيرين أسباب أيضا سياسية و استراتيجية سنحاول الاطلال عليها في السطور التالية:

أسباب انتصارات اسرائيل

– اعتمدت اسرائيل على الخيانات في الصف العربي و التي ضمنت لاسرائيل تفوقات عسكرية لا تستحقها كما في حرب 1948 و1967.

– كما استفادت اسرائيل من الفساد المالي و الاداري الذي يعم العالم العربي بحكوماته و جيوشه و هو الأمر الذي أدى إلى تخلف في التسليح و التصنيع العسكري لدى العرب كما أدى لصدور العديد من القرارات العربية الخاطئة السياسية و العسكرية مثل قرارات ايقاف القتال أو قبول الهدنة أو حتى دخول الحرب دون اعداد كاف و ذلك في حرب 1948 و مثل كل قرارات حرب 1967 خاصة قرار الانسحاب من سيناء, و مثل القرار السلبي المتمثل في السكوت على بناء اسرائيل لخط بارليف و للساتر الترابي على الضفة الشرقية لقناة السويس في الفترة من 1967 و حتى 1970.

– اعتمدت اسرائيل على دعم أوروبي و أمريكي غير متناه في مجال التسليح متفوقة بذلك تكنولوجيا و كميا على كل الجيوش العربية مجتمعة.

– دأبت اسرائيل على استخدام أسلوب الحرب الخاطفة و استخدام استراتيجية الاقتراب غير المباشر أثناء العمليات العسكرية مما أدى لنجاحها في احداث اختراقات ناجحة لخطوط الدفاع العربية و الالتفاف حول مؤخرات الجيوش و ضرب قواعدها الخلفية و من ثم ايقاع الهزيمة بها في النهاية, كما نجحت في الاستخدام الواسع و الفعال لسلاح طيارانها المتفوق لتدمير القوى العربية و ضرب عمقها الاستراتيجي دون قدرة عربية على الرد.

و كان على القوى العربية للرد على هذا التحدي الصهيوني أن تطور قدراتها العسكرية عبر تسليح متطور و بكميات كافية كي تشل فاعلية القوات الجوية الاسرائيلية و تتتمكن من الرد في العمق الصهيوني و كي تكشف التحركات الاسرائيلية في مسرح العمليات كي تمنعها من اختراق خطوط الدفاع و الالتفاف على مؤخرات الجيوش العربية, لكن تعنت الدول المالكة للسلاح المتطور ازاء العرب منع العرب من التفوق على اسرائيل في التسليح و بالطبع منعهم أيضا من الحصول على أسرار تكنولوجيا التسليح المتقدم, و ليس من الانصاف القاء تبعة ذلك على هذه الدول فقط, بل الحقيقة أن الحكومات العربية لم تكن صادقة و لا ذات عزيمة قوية في الحصول على التكنولوجيا المتطورة بصفة عامة و في صناعة السلاح بصفة خاصة, بدليل أن دولا كانت متخلفة و حازت استقلالها بالقرب من الوقت الذي حازت فيه الدول العربية الكبرى استقلالها كالهند و الصين و مع ذلك تقدمت و حازت التكنولوجيا المتطورة في السلاح بينما نحن محلك سر, بل لم نلحق في هذا المجال بدول حازت استقلالها بعدنا ككوريا الشمالية التي منذ زمن و هي تصنع صواريخها و دباباتها و طائرتها و ان كانت طائرتها نسخ سوفيتية قديمة متواضعة لكنها تضمن الدفاع عنها.

4 من أسباب انتصارنا على اسرائيل

لكن رغم هذا كله كيف بدأنا نوقع الهزائم باسرائيل رغم أننا لم نتطور تكنولوجيا؟

بدأت انتصاراتنا على اسرائيل بسبب عدة عوامل كان من أبرزها:

– امتلاك قوى عربية زمام القرار و هي صادقة في منازلتها الدولة الصهيونية عسكريا, فهي تحارب اسرائيل بجدية لا مجال فيها للفساد الاداري أو التهريج أو الميوعة, هذه القوى موجودة و كامنة دائما في جسد الامة العربية لكنها كانت مهمشة في الصراعات السابقة لكنها الآن أخذت زمام المبادرة في كل من لبنان و فلسطين فكانت لها بصمتها في الصراع و كانت ذروة هذه البصمة هزيمتان اسرائيليتان في حرب لبنان 2006 و حرب غزة 2009.

– استخدام هذه القوى العربية استراتيجية حرب العصابات و حرب التحرير الشعبية بتكتيكاتهما المتعددة المعتمدة على الكر و الفر و الشراك الخداعية و الكمائن و التمويه و التخفي و الدفاع العميق و استطاعت عبر ذلك و عبر التحصن بالأنفاق و الخنادق من تحييد ضربات الطيران الصهيوني.

– انتشار تكنولوجيا صناعة الصواريخ القصيرة و المتوسطة المدى عبر العالم مكن دولا عديدة كسوريا و ايران من صناعة و حيازة عشرات الآلاف من هذه الصواريخ مما مكنها من ردع الصهاينة و منعهم من قصف العمق الاستراتيجي لهذه الدول رغم دعمها الاستراتيجي للمقاومة اللبنانية و الفلسطينية.

– حيازة المقاومة العربية للصواريخ قصيرة المدى مع قرب موطن هذه المقاومة من خاصرة اسرائيل الرخوة مكن المقاومة من ردع اسرائيل تارة و تكبيدها خسائر فادحة تارة أخرى, لأنه في السابق كانت اسرائل قد نجحت في دحر القوات العربية و ارجاعها لمسافات بعيدة أبعدت هذه القوات عن خاصرتها الرخوة لمسافات تكفل الحماية لها من القصف الصاروخي قصير المدى والمدفعي بعيد المدى و الذي لم يكن العرب يملكون سواه وقتها بينما عجز الطيران العربي (و مازال) عن الوصول لاسرائيل.

لقد مكنت هذه العوامل قوى المقاومة من ايقاع الهزائم المتتالية باسرائيل مما دفعها للانسحاب المذل من كل من لبنان و غزة تحت وطاة هذه الهزيمة لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي .. و لكن هذا التدهور في بنيان القوة الاسرائيلية رغم أنه يرجع لعوامل تتعلق بتطور الفكر الاستراتيجي للمقاومة و انتشار تكنولوجيا صناعة الصواريخ إلا انها أيضا تدين في التحليل النهائي لدورة التاريخ أو دوران عجلة التاريخ, فالمقاومون العرب قبل ستين عاما لم يجدوا مناخا دوليا و اقليميا مواتيا كما هو الآن كما لم يتمكنوا من حيازة صواريخ الكاتيوشا (رغم كونها كانت موجودة في روسيا وقتها) كما هو الآن, فدوران عجلة التاريخ هو الذي اتاح فرصة الهزائم الاسرائيلية كما هي الآن, و صدق الله تعالى إذ قال: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران140.

و كما هو واضح لقد انتظرنا عقودا حتى يدور التاريخ دورته و يسهل علينا ايقاع الهزيمة باسرائيل.

3 من سنن الله الكونية في حركة التاريخ

و لكن لابد أن نتعلم و نعى العبر و الدروس من دورة التاريخ هذه حتى نحقق النجاحات في مستقبلنا و لا نظل ننتظر أملا في أن يسقط النصر في حجورنا و نحن قاعدون, و بصيغة أخرى ينبغي أن نفهم سنن الله الكونية تعالى التي لا تتبدل بشأن حركة التاريخ حتى نسير وفقها.

و من أبرز هذه السنن التي لعبت دورا في الحدث الذي نحن بصدد تحليله و التعلم منه هي:

– وجوب الأخذ بالأسباب لدفع القدر بالقدر و هذه سنة النبي صلى الله عليه و سلم و خلفائه الراشدين.

– و ثاني هذه السنن هي وجوب الاعداد بأقصى ما نستطيع قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60, فدفع قدر العدوان بقدر الجهاد يلزمه أيضا الاعداد بأقصى ما نستطيع و ليس بفضول ما نستطيع.

– وثالث هذه السنن التي هي سنن الله في النصر هو التطوير الدائم مع حيازة أسبابه سواء في الفكر الاستراتيجي أو وسائل و أدوات القتال, فالنبي صلى الله عليه وآله و سلم حوَّل جيش المدينة من مشاة إلى فرسان مدرعين, ففي غزوة بدر كان الفرسان ثلاثة أفراد و الباقي مشاة معظمهم حاسرون أما في فتح مكة فكان المهاجرون و الأنصار كلهم فرسان مدرعون لا يُرَى منهم سوى الحدق من الحديد, كما استخدم النبي صلى الله عليه وآله و سلم الخندق كتكيك دفاعي لأول مرة في الجزيرة العربية كلها, كما أرسل نفرا من الصحابة ليتعلموا صناعة المنجنيق في الشام و عادوا ليستخدم آلة الحرب الجديدة على العرب لأول مرة في الجزيرة العربية في غزواته.

و كما هو واضح فهذه السنن هي أيضا من أبرز محاور السياسة الشرعية لأن السياسة الشرعية من وظائفها أن توافق و تتوائم مع سنن الله تعالي الثابتة في الكون لا أن تعاندها أو تتجاهلها أو حتى تغفل عنها, و إذا كان الأمر هكذا فهي من أعظم جوانب الهدي النبوي لأنه صلى الله عليه وآله و سلم أفضل من توافق مع سنن الله تعالى في خلقه و هو أعظم من مارس السياسة الشرعية.

الدمار في قطاع غزة صورة أرشيفية

من يحاصر قطاع غزة و من يكسر الحصار؟

من يحاصر قطاع غزة و من يكسر الحصار؟، لقد رددت بعض وسائل الاعلام مؤخرا أن عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية سوف يزور غزة قريبا, و لو صحت هذه الأخبار ستكون هذه هي الزيارة الثانية له في غضون أسبوعين، و الأمين العام للجامعة العربية كان قد زار غزة في منتصف يونيو 2010 و دعا لكسر الحصار عن قطاع غزة, و السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو : من يحاصر قطاع غزة حتى نقوم بكسر ذلك الحصار؟

معلوم أن اسرائيل لها حدود مع غزة من جهتين بريتين فقط هما الشمال و الشرق أما الغرب فبحر و مياه دولية وأما الجنوب فحدود الشقيقة مصر التي تتربع على معبر رفح الشهير, فلمن يوجه السيد عمرو موسى ندائه لكسر الحصار لاسرائيل أم لمصر؟

حدود غزة البحرية محاصرة من قبل القوات البحرية الاسرائيلية, و ليس لدى العرب و لا غيرهم ارادة سياسية لمواجهة عسكرية بحرية مع اسرائيل لكسر حصارها لشاطئ غزة على البحر المتوسط, و كلنا رأينا ما حدث مع محاولة الاختراق السلمي لهذا الحصار الاسرائيلي في موقعة أسطول الحرية.

أما حدود غزة البرية مع اسرائيل فلا أمل في فتحها عبر نداء السيد عمرو موسى فلمن يوجه موسى ندائه إذن؟

لم يبق سوى مصر التي تزعم زورا منذ 15 يوما أن معبر رفح مفتوح لأجل غير مسمى, فهل وجه موسى ندائه لمصر؟

لفهم ألاعيب السياسة العربية عامة و المصرية خاصة الكامنة وراء زيارة الأمين العام للجامعة العربية لقطاع غزة المحاصر منذ ثلاث سنوات لا بد من الرجوع بالذاكرة قليلا للخلف.

حيث سنلاحظ أن زيارة موسى جاءت متأخرة جدا إذ سبقته سلسلة طويلة من الزيارات لمسؤولين غربيين ودوليين سلطت الضوء على حصار غزة

– قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة غزة في 20 يناير 2009

– وأتبع بان كي مون هذه الزيارة بأخرى في 21مارس من العام الحالي.

– وفي أوائل فبراير 2009 زار قطاع غزة وفد من مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة السيناتور جون كيري.

– وفي 28 فبراير 2009 قام المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا يرافقه وزير خارجية النرويج يوناس غار شتور بزيارة قطاع غزة.

– و في أواخر أبريل 2009 اجتمع وفد برلماني إسكتلندي مع نواب من كتلة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) البرلمانية في زيارة للقطاع.

– وفي منتصف يونيو 2009، زار الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر غزة والتقى رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية.

– وفي منتصف يناير 2010، وصل قطاع غزة وفد من البرلمان الأوروبي ضم 56 نائبا ووزيرا يمثلون 12 دولة.

– وفي فبراير 2010، وصل وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن إلى قطاع غزة على رأس وفد مكون من عشرة أشخاص.

– وفي 18 مارس 2010 قامت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون بزيارة قطاع غزة بعد أن تراجعت إسرائيل عن منعها من هذه الزيارة عن طريق المعابر الإسرائيلية.

– وفي مطلع مايوالماضي وصل وفد حكومي من جنوب أفريقيا يرأسه إبراهيم إبراهيم نائب وزير خارجية جنوب أفريقيا إلى غزة و شملت الزيارة لقاء مع إسماعيل هنية.

و زيارة عمرو موسى هذه لم تأت في سياق تداعيات أسطول الحرية فقط بل إنها تاتي في سياق احساس العرب برسوخ قدم حماس في غزة بقدر لا يمكن اقتلاعها معه إذ سبق و زار وفد برلماني عربي يضم 47 برلمانياً قطاع غزة في يونيو أيضا, و من هنا يأتي التساؤل عن دلالات تحرك العرب “الرسميين” بعد ثلاث سنوات من حصار غزة؟ بالقطع هو ليس مجرد تقليد لخواجات و عرب و أتراك أسطول الحرية.

في واقع الأمر هناك عدة امور تدفع لتغيير موقف العالم الغربي (أوروبا و الولايات المتحدة) من حصار قطاع غزة

الأمر الأول- الزخم الواسع الذي طال تحركات العديد من قوى المجتمع المدني في أوروبا و العديد من دول العالم المساندة للحق الفلسطيني و خاصة حق قطاع غزة في الحياة, الأمر الذي دفع تحركات هذه القوى لدفع الأمور بالشكل الذي فضح القمع الغاشم الصهيوني كما حدث في كارثة أسطول الحرية مما كشف الوجه القبيح لاسرائيل الأمر الذي سبب احراجا لمناصريها في الغرب و خاصة الولايات المتحدة.

الأمر الثاني- ترسيخ حماس لوجودها القوي سياسيا و اجتماعيا بعدما كانت رسخت وجودها أمنيا و عسكريا عبر نجاحها في منع اسرائيل من اقتحام غزة في يناير 2009, و من هنا علم العالم اجمع بما في ذلك اسرائيل أنه لا مناص من التعامل مع حماس كأحد مفرادات الأمر الواقع على الأرض.

الأمر الثالث- اتجاه أوباما في استراتيجيته الجديدة الى عزل متطرفي القاعدة عن بقية المسلمين بما فيهم الاسلاميين الأمر الذي يحتم ابعاد حماس عن الانجذاب لمعسكر القاعدة الذي بدأ يتحرك على استحياء داخل قطاع غزة, و رغم أن حماس تسوق خطابا معتدلا يتجافى مع خطاب القاعدة إلا أن محاولات الاستمرار بعزل حماس قد تضعها في الزاوية الأمر الذي يحمل معه مخاطر دفعها لتغيير اتجاهها و لو بالتدريج.

الأمر الرابع- السعي لاحتواء ايران يلزم معه تفكيك محور تحالفاتها الاقليمية و لو بتحييد بعض الحلفاء و إذا كانت حماس اضعف حلفاء ايران في المنطقة فهي ليست أقلهم خطورة خاصة ازاء اسرائيل.

و من هنا نفهم أبعاد زيارة موسى لغزة , و لذلك نجد صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية تقول قبل زيارة عمرو موسى بيوم واحد “إن محمود عباس أبلغ الرئيس الأمريكي أوباما أنه يعارض رفع الحصار البحري عن غزة لأن ذلك “يقوي حماس”

و أنه “يوافق على فتح المعابر الحدودية في قطاع غزة وتخفيف الحصار ولكن بالطرق التي لا تؤدي إلى تقوية حماس”.

وقالت الصحيفة أن ” عباس شدد على رفع الحصار بالتدريج وبحرص شديد بحيث لا يظهر وكأنه نصر لحركة حماس”, و لم تنس الصحيفة العبرية بالطبع أن تقول أن مصر تؤيد موقف عباس بالكامل.

و لذلك كله نجد أن اسرائيل بدأت تتحرك تحت مسمى تخفيف الحصار عن قطاع غزة, و يركزون في ذلك على الجانب البري بينما ستستمر الحدود البحرية لغزة محاصرة لضمان السيطرة عل نوعية السلع التي ستسمح اسرائيل بدخولها للقطاع, و من المنتظر أن تسعى اسرائيل لتعزيز الحصار البحرى على غزة بقوات أوروبية تحت راية قوات دولية بذريعة الخطر الارهابي الناتج عن امكانية تهريب سلاح لما يسمى بالارهابيين الفلسطينيين في قطاع غزة عبر البحر, و تهدف اجراءات السماح بمزيد من السلع الغذائسة لغزة مع تدويل الحصار البحري إلى تبييض وجه اسرائيل الدولي بعدما أساءت له وقائع تصديها لأساطيل الحرية, أما الرسميون العرب فبسبب معرفتهم بهذا السيناريو الاسرائيلي فإنهم باتوا يهاجمون الحصار و يزعمون سعيهم لفكه بهدف تبييض وجوههم لدى شعوبهم و هم آمنون أن هذا لن يغضب اسرائيل و لا أتباعها في الولايات المتحدة و أوروبا بسبب سياسة اسرائيل الجديدة تجاه هذا الأمر, و في نفس الاطار يمكننا فهم التصريحات الأوروبية و تصريحات البيت الأبيض و تصريحات المبعوث الأمريكي ميتشل بشأن عدم قبول حصار غزة, في اطار تمثيلي عجيب و كأن حصار غزة لم يبدأ قبل ثلاث سنوات و إنما بدأ قبل يوم فقط, أم ترى هل كان القوم نائمون طوال ثلاث سنوات و لم يستيقظوا إلا الآن فقط.

مظاهرة احتجاجا على مقتل خالد سعيد

خالد سعيد و الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي

قضية خالد سعيد تتجسد فيها كل معاني السياسة المصرية القائمة على ديكتاتورية يحرسها قمع و تعذيب المواطنين و تتوازن في ذلك بشكل عجيب مع علاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة بكل ما يجسداه من نفاق بشأن قضايا الحكم الديمقراطي و الحريات و حقوق الانسان, فالاحتجاجات الشعبية بشأن مقتل خالد سعيد على يد الشرطة ممتدة منذ مقتله و حتى الآن, و مع ذلك لم تبادر الحكومة للاعتراف بدور للشرطة في الحادث إلا بعد صدور بيان من الاتحاد الأوروبي و تصريح رسمي أمريكي يطالبان الحكومة المصرية بمحاكمة المسئولين عن مقتل خالد سعيد, و من هنا تأتي خطوة النظام في تقديم شرطيين للمحاكمة أحدهما رقيب و الأخر أمين شرطة, فالنظام ليس من عادته و أسسه التي يسير عليها أن يعاقب حراسه على تعذيب أو قسوة أو حتى قتل, و أتحدى أن يذكر لي أحد أن أيا من حراس النظام صدر ضده حكم بسجن طويل نافذ جراء تعذيب أو قتل المتهمين أو المسجونين في سجون و معتقلات النظام طوال الثلاثين عاما الماضية, كما أن النظام ليس من عادته أن يستجيب لضغوط الشعب لأن الاستجابة لضغوط الشعب ضرب من ضروب الديمقراطية التي يأباها النظام و يستكبر عنها و يستعلي عليها لأن الشعب من وجهة نظره لم يبلغ مبلغ الرشد بعد فليس فيه من هو في حكمة الرئيس أو الوزير أو المدير و من ثم فلا يجوز الاستماع لصوت الشعب ولا الاستجابة لمطالبه و أمانيه لأنه ليس مؤهلا للحكم, و كلنا يعرف من هو المؤهل فقط للاستئثار بالحكم دون الشعب و قواه السياسية المعارضة للنظام.

النظام فقط يستجيب للضغوط الخارجية ليس فقط لأنها مرهونة بالمساعدات الخارجية الاقتصادية و السياسية و الأمنية و لكن لأنها أيضا قصيرة النفس قصيرة الهدف فهدفها تبييض وجه النظام أمام الرأي العام الأوروبي و الأمريكي المخدوع بأن حكامه يراعون قواعد الديمقراطية و الحرية و حقوق الانسان في علاقاتهم مع حلفائهم الخارجيين و لا يقدمون مساعداتهم إلا لمن يراعي هذه المعايير, و بالتالي فالنظام لا يخسر شيئا عندما يستجيب للضغوط الغربية في هذا المجال, و العملية سهلة..عدة تصريحات مصرية رسمية تندد بالتعذيب و تقيد الطوارئ بالارهاب و المخدرات و تنفي وجود اعتقالات و تمجد في الحرية و الديمقراطية و حقوق الانسان..صناعة مجلس تزعم أنه لحقوق الانسان..تقديم شرطي أو اثنان او حتى ثلاثة من الرتب الدنيا للمحاكمة ثم صدور حكم مخفف عنهم أو حكم مع ايقاف التنفيذ ثم رجوعهم للخدمة بعد انفاذ الحكم المخفف و القصير ليقوموا بحماية النظام عبر القمع و التعذيب مرة أخرى مع ما يتخلل ذلك من مكافاءات و حوافز (راجع قصة الضابط رشاد نبيه في قضية تعذيب عماد الكبير), أما لو استجاب النظام لمطالب الشعب و قواه المعارضة فالنتيجة غير مضمونة لأن الشعب يطالب بتداول السلطة و محاسبة المسئولين عن الخراب الذي عاشته و تعيشه البلاد من جراء النظام الحاكم و حزبه, و من ثم فنتيجة الاستجابة لضغوط الشعب عواقبها وخيمة على النظام الحاكم لذا فمستحيل أن يستجيب للشعب.

تقديم الشرطيان للمحاكمة جاء بقرار من النائب العام و النائب العام رغم أنه ممثل الشعب و أحد أركان السلطة القضائية إلا أنه يتم تعيينه من قبل رئيس الدولة رأس السلطة التنفيذية, و لا يصح أن نطالب بتعيين النائب العام بقرار من أغليبة مجلس الشعب لأن أغليبة مجلس الشعب لا تمثل الشعب لأنها اغلبية جاءت عبر انتخابات شهد القاصي و الداني بتزويرها, فهي أغلبية مزيفة.

و هناك مئات بل ربما آلاف البلاغات بالتعذيب و اساءة المعاملة و الاعتقال خارج نطاق القانون مركونة في أدراج النيابة, لكن القانون لا يتيح لأحد تقديمها للمحاكم غير النائب العام و سيادته لم يقدم أيا منها منذ ثلاثين عاما و حتى الآن سوى ثلاث أو أربع قضايا لها ظروفها و جاءت كلها بالبراءة أو الحكم المخفف أو مع إيقاف التنفيذ و كان أشهرها محاكمة أربعين من ضباط الشرطة في منتصف الثمانينات بشان اتهامهم بتعذيب متهمي قضية الجهاد الكبرى عام 1981, و جاءت الأحكام بالبراءة و تبوأ جميع الضباط المشمولين فيها أكبر المناصب في وزارة الداخلية و في الدولة و مازال كثير منهم حتى الآن في بعض هذه المناصب حتى كتابة هذه السطور, بل لو تتبع احد الأسماء التي اتهمت بالتعذيب سواء قضائيا أو اعلاميا في الثلاثين عاما الأخيرة لوجد أن مناصب هامة عديدة ظلت حكرا على هؤلاء.

و من هنا فأتوقع أن يصدر حكما مخففا أو مع ايقاف التنفيذ ضد الشرطيين الذين تمت احالتهما للمحاكمة في قضية خالد سعيد ليس لأني أتهم القضاء بالتسيس و لكن لأن عقوبة التعذيب في القانون المصري تتراوح بين يوم حبس و ثلاث سنوات كحد أقصى, فالتعذيب ليس جناية بل هو مجرد جنحة, كما أنهما لم يحالا بتهمة التعذيب لكن بتهمة القسوة فقط, أما القبض بدون وجه حق و هي تهمتهم الثانية فرغم أنها جناية لكن هناك ما سيدعو قانونيا لتخفيفها لحسن نيتهما لأن القتيل عليه حكم غيابي و كان بحوزته بانجو بل ربما أثبتا أحقيتهما في القبض عليه لأن وجود البانجو معه قد يمثل حالة تلبس, و هكذا تنتهي القصة, لكن على كل حال سيتوجب على القاضي الذي سيحاكمهما الاجابة على سؤالين مهمين هو: كيف ابتلع خالد سعيد لفافة البانجو تو محاولتهما القبض عليه و مع ذلك لم يمت حتى تم القبض عليه و تعذيبه؟ أم أنه مات تو البلع و مع ذلك أصاباه بما به من اصابات و هو ميت؟ أم أنهما سيطرا عليه و مع ذلك تركا له البانجو ليبلعه؟

و السؤال الثاني: هل هذان الشرطيان كانا يمشيان هكذا دون ضابط يرأسهما و يتصرفان هكذا دون الرجوع لضابط المباحث و لو عبر اللاسلكي أو التليفون المحمول؟ و هل هذه هي قواعد العمل في الشرطة.. كل بمفرده؟

من حكام العرب

فلسفة التعذيب هي حراسة الديكتاتورية

في حادثة مقتل خالد سعيد بأحد أقسام الشرطة بالاسكندرية مؤخرا تسائل كثيرون عن سبب تعنت حكومة الحزب الحاكم بشأن التحقيق مع المتهمين بالمسئولية عن مقتله و تقديمهم لمحاكمة عادلة, و قال المتسائلون: “حتى لو كان بعض المخبرين مدانين في هذه القضية فلماذا امتنعت الحكومة حتى الآن عن التضحية بهم من أجل تبييض وجهها اعلاميا، و لن تخسر شيئا فإنها ستجد بسهولة بدلاء عن الجلادين الذين ستضحي بهم” على حد تعبير هؤلاء المتسائلين المتعجبين من موقف الحكومة, و في الواقع فإن موقف الحكومة يبدو غريبا بالنسبة للنظرة العابرة لكنه ليس غريبا إذا نظرنا له في اطار فهم سليم في إطار فلسفة التعذيب وفلسفة الديكتاتورية لأن حكومة الحزب الحاكم هي نموذج صادق لكل معاني الديكتاتورية و الاستبداد.

تحتاج الديكتاتورية لمن يحميها من المعارضة و من كل ضحاياها, و لابد أن يكون حراس الديكتاتورية و الاستبداد ذوي ولاء شديد للحكومة الديكتاتورية ويدينون لها بطاعة عمياء لا نهاية لها, حتى لو كان القرار الصادر لهم بقتل أو تعذيب او اهانة أخا الحارس أو أباه, و كي يصنع الديكتاتور هذا الولاء و هذه الطاعة لدى حراس النظام الديكتاتوري لابد أن يخلق لديهم المصلحة في حراسة النظام الديكتاتوري و من ثم العمل على استمراره و بقاءه، وخلق هذه المصلحة عبر العقيدة ممكن إن كان للديكتاتوية الحاكمة عقيدة أو اطار فكري واضح و مقنع لا سيما لو تم تدعيم ذلك بمنح هؤلاء الحراس جانبا من المال و النفوذ، لكن لو لم يكن لدى الديكتاتورية اطارا فكريا فلن يكفى منح المال و النفوذ لكسب ولاء الحراس, إذ قد يعارض الديكتاتورية من يمكنه بذل مال أكثر أو من يمكنه تقديم فكر يتغلب به على الرغبة في المال, و من هنا فلابد أن تغذي الديكتاتورية في نفوس حراسها شهوة التسلط و الاستبداد و الديكتاتورية و الاستكبار و حب الانتقام و التلذذ بقهر الأخرين ممن هم خارج منظومة السلطة الديكتاتورية لأن هذه الشهوات أقوى من أي شئ اخر و لا يمكن لأحد أن يتيحها سوى الحكومة كما ان هذه الشهوات يمكنها معارضة أي فكر أو عقيدة، و لنا عبرة في فرعون الذي عارض هو و قومه نبي الله موسى لا لشئ الا لشهوة الاستكبار، بل إن ابليس عارض الله تعالى ذاته بكل وقاحة لمجرد الاستكبار.

و لذلك كله فإن حكومتنا الديكتاتورية لا يمكنها ايقاف ممارسات القمع و الاستكبار و التعذيب الوحشي التي يقوم بها جزء من منظومة حراستها لأنها لو اوقفتها فإنها توقف الدم الذي تضخه في عروق منظومة القمع التي تنفذ اوامر الديكتاتورية و تحميها، و من ثم ستضمر هذه المنظومة و تنزوي و تصير حكومة الحزب الحاكم ديكتاتورية بلا أنياب, فاستكبار و استبداد منظومة حراسة الديكتاتورية في بلدنا و حبها لقمع الآخرين و إهانتهم و تعذيبهم هي ضمانة ولائها للحزب الحاكم.

و من هنا فالتساؤل “لماذا لا تضحي الحكومة ببعض صغار الحراس من رجالها في هذه القضية التي أخذت حيزا كبيرا من اهتمام الرأى العام كي لا تورط نفسها اعلاميا على الأقل؟” اجابته بسيطة جدا و هو أنها لو فعلت ذلك لقيدت الوحش الموجود داخل كل حارس للديكتاتورية و الذي لا بد أن يكون مطلقا من كل قيد.. و حش الاستكبار و الاستبداد و التلذذ بقهر الآخرين, إذا عاقبت الحكومة قتلة “خالد سعيد” العقوبة العادلة و المناسبة لحجم و طبيعة جرمهم فإن كل واحد من حراس الديكتاتورية بعد ذلك سيتردد مليون مرة قبل أن يرفع يده ليصفع متظاهر أو معارض سياسي, و هذا ما لا يمكن أن يحدث في ظل نظام حكم ديكتاتوري.

البعض يتخيل أن خالد سعيد تم قتله بسبب نشره فيديو يفضح قسم الشرطة, لكنني أتخيل شيئا آخر, لقد تم قتل خالد سعيد لمجرد انه عارض المخبرين الذين جاءوا للنت كافيه الذي جلس فيه و أخذوا يتحققون من هوية الجالسين فيه بقدر لا بأس به من الاستكبار على الموجودين و اهانتهم و تحقيرهم , خالد سعيد رفض الاهانة و طالب بحقه كانسان , كان الأمر غريبا على مخبرين و ضباط اعتادوا اهانة الشعب دون أن يفتح احد فاه معترضا, كان لابد ان يصبح خالد سعيد عبرة لكل الموجودين لئلا تنتقل عدوى الكرامة الانسانية لأفراد الشعب الموجودين في هذه الواقعة فتم الامعان في اهانة خالد سعيد في النت كافيه لكي يعلم هو و الجميع أن المطالبة بالكرامة الانسانية تأتي بنتيجة عكسية فلا يطالبن بها أحد مرة أخرى, لكن خالد سعيد أصر على حقه, فانفلتت أعصاب السادة الحراس من فرط هذا التصميم على الكرامة الذي لم يألفوه في بلدنا المحترم فانطلقوا يعذبون خالد سعيد بلا أدني عقل فلقى الرجل مصرعه فأفاق السادة الحراس على حقيقة أنه من المهم اخفاء معالم الجريمة فتم تلفيق تمثلية لفافة البانجو و تلفيق التهم لشهيد الكرامة الانسانية.

و هنا تسائل البعض عن الغرض من محاولة تلويث سمعة قتيل الشرطة خالد سعيد بكونه مجرم سابق و نحو ذلك, و هذا مرتبط بفلسفة المجتمع الظالمة و هي فلسفة العقاب بالأساليب الهمجية فمن اتهم بجريمة صار في عرف الكثيرين مدانا و يجوز عقابه بلا قانون و لا محاكمة و لا فرصة للدفاع عن نفسه.

و ما جري في قضية قتيل الشرطة يتسق مع فلسفة التعذيب الموجودة في بلادنا التي هى حراسة الديكتاتورية تلك الحراسة التي لا تنطبق فقط على حراستها ضد الأعمال المادية المعارضة من مظاهرة أو اضراب أو نحوه بل و حراستها من الأفكار التي تخصم من رصيد الاستبداد و الديكتاتورية كفكرة الكرامة الانسانية أو حرية التعبير أو حتى مجرد أن تقول “لا” للحاكم أو حراسه.