الفتنة الطائفية في مصر صورة أرشيفية

بيشوي و العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر

التصريحات الأخيرة عن القرآن الكريم والتي صدرت عن الأنبا بيشوي أثارت الكثير من ردود الأفعال وربما تركزت معظم ردود الأفعال هذه علي دحض الشبهات التي أثارتها هذه التصريحات من الناحية الموضوعية. ولكن هناك بعداً نريد أن نركز عليه في هذه التصريحات يتمثل في مدي ضرر هذه التصريحات علي العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر.

قد يظن البعض أنه لا ينبغي أن يعتقد الأنبا بيشوي أو غيره من المسيحيين أن القرآن مزيف، وأن عليه أن يعتقد أن القرآن منزل من عند الله حقا وصدقا، و في الواقع أنه لو اعتقد أي مسيحي ذلك فإنه سوف يسلم، وسيترك مسيحيته، ومن هنا فنحن المسلمين لا شأن لنا بما يعتقده المسيحيون ويتعلمونه داخل جدران الكنائس وداخل تجمعاتهم، فكل عقيدة دينية لا شك أنها تري بطلان ما سواها من عقائد وإلا لو نظر اليهود إلي المسيحية علي أنها حق لتنصروا ولو نظر المسيحيون إلي اليهودية علي أنها غير ملغية برسالة السيد المسيح عليه السلام لتحولوا لليهودية (إن كان ذلك ممكنا)، أما الإسلام فهو وإن صدَّق وآمن بجميع الرسل السابقين بمن فيهم موسي وعيسي عليهما السلام إلا أن الإسلام يري أن رسالة الإسلام التي جاء بها النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم هي خاتمة الرسالات السماوية وأن النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم هو خاتم الرسل فلا نبي بعده ولا رسالة بعده كما أن الدين الإسلامي ناسخ لكل الأديان التي قبله، وهذا كله شيء ثابت، فليس من حرية العقيدة التي أقرها الإسلام بقوله تعالي «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي» البقرة 256 أن نجبر المسيحيين علي أن يقروا بصحة الإسلام في كنائسهم ومجامعهم الخاصة، بالضبط كما ينبغي أن يتمتع المسلمون بحرية الدين والعقيدة فيذكرون في أدبياتهم وجوامعهم ومجامعهم أن الإسلام هو وحده الدين الحق قال تعالي «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» آل عمران 85، وأنكر الإسلام صلب المسيح عليه السلام فقال تعالي «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما» النساء 156-157. كما أنكر القرآن الكريم ألوهية المسيح عليه السلام وأنكر بنوته لله قال تعالي «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار، لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم» المائدة 72-73.

القضية المهمة هي كيف يمكن أن يحدث التعايش وحوار الأديان والحالة هكذا؟!

لا شك أن التعايش سهل إذا صدقت النيات لأن الإسلام يحض ليس فقط علي التعايش مع الآخر الديني ولكن علي البر به والعدل معه قال تعالي «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين أو يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين » الممتحنة 8، أما الحوار مع الآخر الديني بأسلوب حسن فقد ذكره القرآن قال تعالي « ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» العنكبوت 46، و الحوار سينصب لا شك علي تحسين حالة التعايش بين المسلمين وغير المسلمين تعايشا يسوده البر والعدل دون أن يفتش كل شخص في عقيدة الآخر ويحاكمه عليها ويوجه سهام النقد العلني للعقيدة الراسخة للآخر، علما أن علي الأغلبية واجبات أكبر بسبب ثقلها فالثقل والكبر يزيد من حجم المسئوليات الملقاة علي عاتق ذلك الكبير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت هذه المقالة في جريدة الدستور المصرية.

الانتخابات المصرية بين العلمانية والإسلام

الانتخابات المصرية القادمة بين العلمانية والإسلام

الانتخابات المصرية القادمة تأتي في ظل احتدام الصراع العقيدي والفكري وهو صراع يدور بين الفكر العلماني والعقيدة الإسلامية في مصر بشكلٍ دائم بأشكال وأساليب مختلفة، ولعل موقف التيارات الإسلامية المختلفة من انتخابات مجلس الشعب القادمة أبرز مثال على ذلك؛ حيث هناك موقف ثابت بتحريم خوض أي انتخابات برلمانيَّة ترشحًا أو تصويتًا تتبنَّاه التيارات السلفية وغيرها، كما أن هناك موقفًا يتبناه الإخوان المسلمون، قائم على المشاركة في هذه الانتخابات كلما كانت الأحوال مواتية.

أبعاد الصراع الإسلامي العلماني في مصر

ولفهْم أبعاد الصراع الإسلامي العلماني في مصر لا بدَّ من تأمُّل الفصول المختلفة لقصة هذا الصراع منذ بدايتِه, فقد اندلع جدل واسع في بدايات القرن العشرين في مصر حول الطريق الذي ينبغي أن يسلكه المصريون من أجل النهضة، وانقسم المصريون إلى فريقين, فريق يقول أنه لا سبيل للنهضة والتطوُّر إلا بتبني أطروحاتِ الفكر والحضارة الغربية المعاصرة حلوها وشرها, بينما دعا الفريق الآخر إلى حتميَّة تبنِّي المنهج الإسلامي في الدين والدنيا لإصلاح شئوننا والنهوض من كبوتِنا, الفريق الذي دعا لتبني الحضارة الغربية دعا للعلمانيَّة فيما يتعلق بمجال السياسة، ولم يستبعدْ أن يكون المواطن متدينًا فيما بينه وبين ربه، أي داخل جدران بيته ومسجده أو كنيستِه, بينما الفريق الذي تبنَّى الفكر الإسلامي رفع شعار “الإسلام دين ودولة”, كما لم يستبعد أن نستفيد من الحضارة الغربية إيجابياتها ونتجنب سلبياتها.

الفريق العلماني

الفريق العلماني رأى بشكلٍ ضمني حينًا وبشكل مباشر في معظم الأحيان أن حضارتنا العربية أو الإسلامية هي سبب تخلُّفنا عن ركب التقدم التكنولوجي الذي شهدتْه أوروبا في العصر الحديث, ولا يمكن التقدم إلا عبر التخلي عنها والتبني الكامل للحضارة الغربيَّة الحديثة في كلِّ المجالات, كما رأى كثير من أقطاب هذا الفريق أن مصر تنتمي للفراعنة ولا تنتمي للعرب، ومن ثَمَّ فتوجهُها للغرب ليس لأنه من مصلحتها فقط ولكن أيضًا لأنها لا تمتُّ للحضارة العربيَّة (حاملة رسالة الإسلام) بصلة.

الفريقُ الإسلامي

الفريقُ الإسلامي أعلن أن التخلُّف الحضاري الذي شهدته وتشهده المنطقة هو بسبب تخلِّي الأمة عن المنهج الإسلامي الأصيل وانحرافها عن تعاليم الإسلام الحقيقي, وأن الأمَّة الإسلاميَّة والعرب عندما تمسَّكوا بالإسلام كمنهج حياة دِينًا ودولة فإنهم أبدعوا حضارة زاهرة يشهد لها العالم بالتفوق، وذلك منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحتى نهاية عهود الازدهار الإسلامي, بل وحتى عهود الجمود في التاريخ الإسلامي لم تخلُ من جوانب الازدهار في بعض جوانب الفكْر والفن والعلوم.

باستمرار النقاش وبمرور الوقت نقَّح كل من الفريقين أطروحاتِه، فلم يعدْ هناك مكان للجمود على الأُطروحات التراثيَّة فقط لدى الفريق الإسلامي، ومن ثَمَّ ضعف الفصيل المنتمي لمدرسة الجمود هذه بين الفريق الإسلامي, كما لم يعدْ هناك عداءٌ لكل ما هو قديم أو تراثي عربي أو إسلامي لدى الفريق العلماني وانزوى ذوو مثل هذه الميول في زوايا هذا الفريق العلماني (باستثناء الحالة الماركسيَّة).

أغلبيَّة الشعب مطحونةً

كلُّ هذه المناقشات كانت بين النخبة الفكريَّة والثقافيَّة، بينما ظلَّت أغلبيَّة الشعب مطحونةً في البحث عن لقمة عيشها بعيدًا عن أي أفكار لا إسلاميَّة ولا علمانيَّة, ولكن تلامذة الشيخ محمد عبده أعطوا زخمًا فكريًّا وعمليًّا للفريق العلماني عندما قاد قاسم أمين (تلميذ الشيخ) ما سمَّى بحركة تحرير المرأة، وأصدر كتابيه على التتابع “تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة”, كما أعطى تلميذًا آخر للشيخ محمد عبده دفعة عمليَّة للتوجه العلماني في مجال الاقتصاد وهو طلعت حرب باشا، الذي أسَّس بنك مصر وشركاته على أُسُس رأسماليَّة بحتة لم تتأثر لا بالمنهج ولا بالحضارة الإسلامية في شيء، اللهم إلا في التصميمات المعماريَّة والديكورات الخاصة بمقارّ البنك, ثم أعطى سعد زغلول باشا دفعة عمليَّة أخرى للحركة العلمانيَّة (وسعد تلميذ للشيخ محمد عبده أيضًا) في المجالَيْن السياسي والاجتماعي عبر ثورة 1919 التي اعتمدت شعارات وأُطروحات علمانيَّة ليبراليَّة، وترجمت ذلك في دستور 1923 العريق, وهذه الحركة وإن أعطت دفعة للمشروع العلماني سياسيًّا في صورته الليبراليَّة، إلا أن ذلك كان مفيدًا للحركة الإسلاميَّة، لأن أجواء الحرية التي تتيحها الليبراليَّة مفيدة جدًّا لحركة التيار الإسلامي, إلا أن خطورة ما فعله سعد بالنسبة للحركة الإسلاميَّة تكمُن في أنه استغلَّ إنجازاتِه السياسيَّة بنجاحٍ من أجل تغيير المجتمع نحو مزيدٍ من القرب من القِيَم الاجتماعيَّة الغربيَّة، ونجح في ذلك هو وخلفاؤه، سواء من أحزاب الأقليَّة أو حزب الوفد الذي قاده من بعده مصطفى النحاس عبر مناهج التعليم وسياسات التوظيف التي كان أسَّس لها الإنجليز على يد اللورد كرومر، واستمرُّوا في متابعتها حتى خروج الاحتلال من مصر.

الاتجاه “القومي العربي”

جاءتْ ثورة يوليو باتجاه بدا أنه جديد على مصر ومختلف عن الاتجاهَيْن السابقين، وهو الاتجاه “القومي العربي”, فلا هو وطنيَّة مصريَّة كما دعا الفريق العلماني منذ مطلع القرن، ولا هو “أمميَّة إسلاميَّة” كما دعت لها الحركة الإسلامية.

كان عددٌ من قادة ثورة يوليو، وعلى رأسهم عبد الناصر والسادات وخالد محيي الدين، تلامذة لبعض الوقت لدى الإمام حسن البنا، كما استمعوا وأُعجبوا بأحمد حسين (زعيم مصر الفتاة ذي الاتجاه العروبي في آخر أيامِه) ومن ثَمَّ قد نشعر بشيء من الميول -أو بتعبير أدق المظاهر الإسلاميَّة- لدى هذا الاتجاه, ولأن هذا الاتجاه كان عروبيًّا فلم يدعُ لقطيعة مع تاريخنا وتراثنا العربي الذي هو أيضًا إسلامي, لكن أيضًا هذا الاتجاه كان علمانيًّا؛ فعبد الناصر وخالد محيي الدين وغيرهما تتلمذوا كثيرًا على رموز التيَّار الماركسي في مصر، ثم هم اختاروا العلمانيَّة في الحكم وناصبوا الإخوان المسلمين وأطروحاتِهم الإسلاميَّة العداء, ولذلك فرض عبد الناصر العلمانية في الحكم لكن هذه المرة (وبعكس سعد في ثورة 19) دون الليبراليَّة, واستمرَّ نهج نظام حكم يوليو علمانيًّا وبلا ليبراليَّة حتى اليوم.

الجدل الإسلامي العلماني

وبذلك نرى أن الجدل الإسلامي العلماني ظلَّ بين النخبة فقط حتى اليوم, أما الأخذ بالخيار العلماني في الحكم فقد فرضَه قطاعٌ من النخبة دون اختيار من الشعب عبر ثورتي 1919 و1952.

وفي هذا الإطار العام يمكن فهم لماذا ترفض أحزاب الوفد والتجمع والجبهة الوطنيَّة مسألة التحالف في الانتخابات مع الإخوان المسلمين، ولماذا ترفض العديد من القوى السياسيَّة أن يكون للإخوان المسلمين (ومن باب أولى أيّ تيَّار إسلامي آخر) حزبًا سياسيًّا أو مشاركة في الحياة السياسيَّة الحاليَّة, فكلهم يخشَوْن أن تصلَ الأمورُ إلى تخيير الشعب بين العلمانيَّة والعقيدة الإسلاميَّة, فضلًا عن الخشيَة من وصول أي تيَّار إسلامي للحكم فيقوم بعكس ما قام به العلمانيُّون حتى الآن طوال أكثر من مائة عام من تغريب المجتمع ومحاولة علمنتِه، حيث سيكون الفعْل الإسلامي بعكس ذلك كله طبعًا كما يخشى العلمانيُّون من أي قدر مناسب من التعبئة الشعبيَّة في اتجاه الفعل السياسي والاجتماعي والاقتصادي الإسلامي في مصر.

ــــــــــــــــــــــــــــ

نشرهذا الموضوع بموقع الإسلام اليوم.

الإسلاميون و النظام الحاكم في مصر

الإسلاميون والنظام الحاكم في مصر

الإسلاميون والنظام الحاكم في مصر تحكمهما علاقة جديرة بالتأمل، إذ من الملاحظ أن قطاعا واسعا من الإسلاميين إما مؤيدون للنظام الحاكم أو يسلكون سلوكا مؤيدا لهذا النظام, و هذا القطاع الواسع يمكن رصد سلوكه المؤيد للنظام الحاكم في عدة قضايا على النحو التالي:

 تكاد تعتبر هذه التيارات الإسلامية أن هذا النظام الحاكم هو نظام و إن لم يكن مثاليا فهو نظام مقبول بالمعايير الإسلامية حسب رأيهم و فقههم هم , ذلك الفقه الذي يعتبرونه هو المرجعية الإسلامية الثابتة و الصحيحة دون سواها.

دائما ما تتخذ هذه التيارات مواقف حادة بشكل مجاني من قوى المعارضة الإسلامية و العلمانية على حد سواء, و ربما كانت عينهم على سماح النظام لهم بالوجود مقابل هذه المواقف المعارضة لكل من يعارض النظام, و لكن لاشك أن هذا ثمن بخس لسبب بسيط هو أن وجود هذه التيارات حتمي لكل من المجتمع و الدولة و نظام الحكم فالنظام الحاكم لا يسمح لهم بالوجود كمجرد إحسان منه إنما هي ضرورة سياسية و مجتمعية بل و أمنية أيضا هو مضطر لها و محتاج إليها.

كثيرا ما تقوم هذه التيارات بانتقاد أساليب قوى المعارضة المختلفة تلك الأساليب التي تكون بالطبع موجهة للنظام الحاكم و أحيانا نلاحظ أن أشد هذه الأساليب تأثيرا ضد الحكومة هي الأكثر تعرضا للانتقاد من قبل هذه التيارات أو بعضها, و كأن هذه التيارات لم تقرأ قولة أبي سفيان بن حرب (قبل إسلامه) في غزوة أحد عندما قال للنبي صلى الله عليه و آله و سلم ” …… وتجدون مُثلة لم آمر بها ولم تسؤني”رواه البخاري, فهكذا يتبرأ أبو سفيان من سلوكيات فعلها ناس من جيشه أو من فريقه تختلف مع قيمه و مبادئه لكنه يعلن أنها لم تسوؤه لأنها ضد عدوه فما يضيره إن تضرر عدوه, و على كل حال فربما لا يروق للبعض تفهم هذه القضية من خلال مثال لسلوك أبي سفيان أيام كفره لكننا نسوق هنا مثالا أمرنا الله بتأسيه و هو سلوك النبي صلى الله عليه و آله و سلم في واقعة أبي بصير, إذ لما جاء أبو بصير مسلما للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و هاربا من تعذيب قريش له بعد صلح الحديبية و رده النبي صلى الله عليه و آله و سلم لقريش حسب معاهدة الحديبية و قتل أبو بصير القريشي الذي تسلمه من النبي صلى الله عليه و آله و سلم و رجع أبو بصير للنبي صلى الله عليه و آله و سلم فجاءه فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم.فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ويل أمه ! مسعر حرب لو كان له أحد !” فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر, وانفلت من قريش أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم”أ.هـ (من سيرة ابن كثير), و كان العهد حينئذ بين النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قريش وفق صلح الحديبية بألا يتعرض النبي لقريش بحرب و لا تتعرض قريش للنبي بحرب.

فماذا يضير هؤلاء الإسلاميون أن تنال معارضة إسلامية أو غير إسلامية من النظام الحاكم نيلا بضغط أو إحراج سياسي أو نحو ذلك؟! أليس معارض خصمي هو بالضرورة مجتمعا معي على هدف واحد؟!

كما من الملاحظ أن هؤلاء الإسلاميون الذين نتكلم عنهم لا يثقفون أتباعهم على أساسيات حقيقة الصراع بين الحق و الباطل و لذلك فكثير منهم يرتعدون من مجرد فكرة معارضة النظام معارضة جدية و حاسمة كما أن كثيرا منهم لا يمكن أن يصمدوا في حالة تعرضهم لضغط جدي من النظام الحاكم, و المحصلة النهائية لذلك كله ضعف سياسي عام يعاني منه هذا التيار, الأمر الذي يحدد مدى سقف معارضة هذا التيار للنظام الحاكم ما لو قرر قادة هذا التيار في يوم من الأيام أن يقولوا “لا” قاطعة لهذا النظام.

و السؤال الذي يطرح نفسه بشدة الآن هو ما هو سبب هذا السلوك المؤيد للنظام الحاكم الذي يسلكه هؤلاء الإسلاميون؟

في الواقع هناك أسباب كثيرة اجتماعية و نفسية و سياسية ودينية و طبعا أمنية لكننا سنركز هنا على سببين:

الأول- أن هؤلاء الإسلاميون في غمرة معارضتهم الحادة و التامة للفكر الجهادي الذي يطعن في شرعية النظام الحاكم بشكل كامل و تام قاموا بإسباغ شرعية شبه كاملة على النظام متناسين أن هناك درجات مختلفة من الشرعية و متناسين أنه قد توجد مطاعن شتى على أي نظام حكم بعيدا عن الجدل الجهادي/ السلفي, أو الجدل السلفي / الإخواني, فمستحيل أن يكون النظام الحاكم مرفوض و مكروه و موصوم بكل العيوب و النقائص في كافة المجالات و من كافة قوى الشعب و رموزه الواعية و العليمة ثم يظل هؤلاء الإسلاميون أسرى الفكر التقليدي الذي يرى أن الحاكم دائما على حق مهما فعل, و يعتبرونه و كأنه أمير المؤمنين رغم أننا في دولة علمانية لا تعترف بهذه الأطروحات أصلا و فصلا, و رغم معارضة ذلك للعديد من الأحاديث النبوية الشريفة مثل قوله صلى الله عليه و آله و سلم “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” و قوله صلى الله عليه و آله و سلم “إنما الطاعة في المعروف” و قوله صلى الله عليه و آله و سلم “أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا” إلى غير ذلك من الأحاديث و الآيات القرآنية الكثيرة التي تعري هذا النظام تماما.

الثاني- أن هؤلاء الإسلاميون عزلوا أنفسهم عن الواقع السياسي بشكل كامل الأمر الذي جعل صورة هذا الواقع الكاملة بما فيها من تفصيلات هامة مشوشة جدا أمامهم الأمر الذي أخفى عليهم فرص و مخاطر هذا الواقع.

الإسلاميون والحياة السياسية في مصر

الإسلاميون و الحياة السياسية في مصر

ما هو موقع وتأثير الإسلاميين في الحياة السياسية في مصر ؟ ، وفي الواقع فإن كثيرا من الناس يظنون أن كل الإسلاميين أو أغلبهم هم من الإخوان المسلمين, بينما الحقيقة أن هناك مئات الألوف من الإسلاميين لا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين لا فكرا و لا منهجا و لا تنظيما, و هناك قوى إسلامية عديدة منظمة أو شبه منظمة تتحرك وتعمل في الشارع المصري بجدية و حيوية لا بأس بها, إلا إن صورة الإخوان المسلمين هي الماثلة أكثر في الأذهان بسبب ممارستهم لأشكال من العمل السياسي , والعمل السياسي لا تحتاجه الحركات الإسلامية من أجل الشهرة إنما تحتاجه من أجل تحصيل قدر من القوة و القدرة في مواجهة القمع الحكومي مما سوف يتيح لها مزيدا من العمل والنشاط الإسلامي الفعال والواسع في الواقع المصري, هناك جماعات تظن أن العمل السياسي سوف يعوق عملها عبر استثارة النظام الحاكم عليها الأمر الذي سيدفع أجهزة الأمن لمنع هذه الجماعات من النشاط, و أغلب جماعات الحركة الإسلامية تؤيد هذه الرؤية خاصة عدد من المجموعات السلفية و جماعة التبليغ و الدعوة و الجمعية الشرعية و جماعة أنصار السنة وغيرها, كما أن العديد من مشايخ جماعة الدعوة السلفية خاصة المشايخ ياسر برهامي و سعيد عبد العظيم و عبد المنعم الشحات يرون أن الدخول في مجال العمل السياسي سيدفع جماعتهم لتقديم تنازلات عقائدية وسياسية لا يرغبون في تقديمها, و ربط هذا الفريق بين تحريمهم للترشح للانتخابات النيابية و كذلك كراهتهم التحريمية للمظاهرات و بين اعتزالهم ومقاطعتهم للعمل السياسي.

والواقع أن الذين قاطعوا العمل السياسي خشية استثارة التضييق الأمني ضدهم لم يدركوا حقيقة النظام الحاكم جيدا فالنظام الحاكم لا يعطي للقوى المنافسة التي تهادنه سوى الفتات… هذا إذا كانت قوة سياسية علمانية أما إذا كانت هذه القوة السياسية إسلامية فإنه لا يعطيها سوى فتات الفتات, و لننظر إلى طريقة صناعة القرار في البلاد, و لنتأمل ما هي درجة مشاركة القوى المعارضة العلمانية المهادنة للنظام في صناعة هذا القرار سنجد أن النتيجة صفر.

حتى العلمانيين الذين اندمجوا في نظام الحكم لم يكن حظهم أحسن كثيرا في مجال صنع القرار, إذ القرار هو للقيادة العليا المطلقة فقط, إذن فالمهادنة لا توسع مساحة العمل الإسلامي للمدى المأمول بل تجعله دائما يسير في الإطار المرسوم له من قبل الحكومة و هذا الإطار مناقض لحقيقة و أهداف العمل الإسلامي الذي يسعى أصلا لمنع التخريب العقائدي و التحلل الأخلاقي و الاجتماعي الذي تروج له الحكومة, بينما الحكومة تحافظ بخطوطها المرسومة للحركة الإسلامية على منع فاعلية الإسلاميين في هذا المجال وعلى استمرار التدهور والتخريب العقائدي و الاجتماعي و الاقتصادي, فكما يقال دائما بأن الحرية لا توهب وإنما تنتزع انتزاعا فأيضا الدور الإصلاحي لا يوهب من قبل حكومة مخربة وإنما ينتزع منها انتزاعا.

أما الفريق الذي يتعلل بأن ممارسة السياسة تستدعي تقديم تنازلات لا يرغبون في تقديمها فلابد أن يلاحظوا أن السياسي المحنك لا يمكن لأحد أن يرغمه على تقديم تنازلات لا يريد هو أن يقدمها و من ناحية أخرى فإنه ينبغي تحديد الحكم الشرعي لهذه التنازلات فإذا كانت هذه التنازلات لا يجوز تقديمها فقطعا لا ينبغي تقديمها لكن لابد من ملاحظة أن فقه السياسة الشرعية يتيح تقديم بعض التنازلات السياسية في حالات محددة وفق قواعد شرعية محددة.

هذا فيما يتعلق بتبريرهم اعتزال العمل السياسي بحجة البعد عن الوقوع في شرك تقديم تنازلات مخالفة لرسالتهم و دعوتهم.

أما ما يتعلق بمسألة تحريم الاشتراك في المجالس التشريعية و المظاهرات و الاحتجاج بذلك على أنه ينبغي عدم مزاولة العمل السياسي فهذا اختزال للعمل السياسي في شئ واحد هو انتخابات مجلس الشعب بينما العمل السياسي أكبر و أوسع من هذا بكثير, فإقامة مؤتمرات جماهيرية كبيرة يتم تناول الأحوال السياسية فيها بالنقد والتقييم والمناقشة عمل سياسي هام, و إقامة تواصل سياسي مع قوى و أحزاب معارضة و جماعات حقوق إنسان في الداخل و الخارج هو عمل سياسي هام سيعود بفائدة كبيرة على الحركات الإسلامية التي ستقوم به, و إنشاء وإدارة بث إذاعي و قنوات فضائية سياسية و صحافة مطبوعة كلها أعمال سياسية هامة ومفيدة لكل الحركات الإسلامية, بل النضال السياسي السلمي من أجل توسيع حرية العمل الإسلامي الدعوي بكل مفرداته هو أيضا عمل سياسي مهم وممكن بل يجب استخدام كل الأساليب المذكورة من علاقات مع قوى معارضة ومنظمات حقوقية و إعلام فضائي و غيره و مؤتمرات جماهيرية احتجاجية من أجل تحقيق هذه الغاية, فاليوم لا يمكن للكثيرين مجرد الاعتكاف في المساجد في العشر الأخيرة من رمضان ناهيك عن المنع من إلقاء الخطب و الدروس في المساجد و التجمعات و ذلك كله بسبب القمع المستمر من الحكومة ضد الحركات الإسلامية فضلا عن وجود المئات من المعتقلين الإسلاميين السلفيين في السجون تتراوح مدد اعتقالهم حتى الآن بين عشرة شهور وعدة سنوات, و لا توجد ثمة أداة سياسية للتصدي لكل هذه المشكلات بيد الحركات الإسلامية (عدا الإخوان المسلمين) و لا حل سوى تحصيل أدوات العمل السياسي التي ضربنا أمثلة عليها في السطور السابقة, و إلا فإن ما تفعله هذه الحركات الإسلامية سيحسبه عليهم التاريخ أنه تهرب من ساحة العمل الإسلامي الجاد في زمن لا مناص فيه عن الجدية, صحيح أن لهذا العمل ثمن و ضريبة لكن هل يوجد شئ بلا ثمن؟… حتى الجنة ذكر النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن لها ثمنا فقال: “ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة” وقال تعالى: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ” آل عمران142, و قال أيضا: “وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ” محمد38.

حسن البنا

حسن البنا في فكر و مواقف الحركات الإسلامية غير الإخوانية

“لولا حسن البنا ما كنتم أمامي الآن” هكذا قال شيخ مشايخ سلفية العصر الحديث محمد ناصر الدين الألباني عندما سأله أحد تلامذته عن رأيه في حسن البنا.

فالإمام حسن البنا لا ينكر فضله أحد من كافة الحركات الإسلامية لذلك فإننا نجد أحد الباحثين السلفيين وهو الشيخ عبد المنعم الشحات يقول عن الشيخ حسن البنا: “الأستاذ “حسن البنا” شخصية حادَّة الذكاء، متوقدة العاطفة، تملك قدرة عالية على التأثير فيمن حوله، بدأ حياته صوفيًّا في الطريقة الحصافية؛ فطوَّر من شأنها من حركة انعزالية رافضة إلى حركة اجتماعية نشطة عن طريق تأسيسه لجمعية “الإخوان الحصافية”، ثم التحق بكلية “دار العلوم” عن طريق مسابقة أهـَّلته للانضمام إليها رغم حداثة سنه، فانتقل من قرية “المحمودية” إلى “القاهرة”، حيث تأثر بالأستاذين: “محمد رشيد رضا” و”محب الدين الخطيب”، وعرفه الجمهور عندما قدمه “محب الدين الخطيب” كاتبًا في “مجلة الفتح”، واتسعت مدارك الأستاذ “البنا”، وبدا وكأنه يعيش حالة من الصراع بين مورثه الصوفي القديم وبين الثقافة السلفية التي وجد نفسه جزءًا منها.

ويضيف عبد المنعم الشحات: تخرج “الأستاذ البنا” وتم نقله إلى “الإسماعيلية” ليبتعد عن أستاذه في “القاهرة”، ولكنه كان قد التقط من الأستاذ “رشيد رضا” قاعدته التي سماها بقاعدة المنار الذهبية: “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه”.

ويرى عبد المنعم الشحات أنها “قاعدة كان الأستاذ “رشيد رضا” يطرحها في محاوراته مع الشيعة كتكتيك لجرِّ عقلاء الشيعة، وما يلبث أن يوضح أن المتفق عليه هو الكتاب والسنة كما وردت في كتب السنة هو تعظيم القرون الثلاثة الخيرية، مما دفع الشيعة إلى رفض دعوته، بل إلى تكفيره كما ذكر ذلك في أكثر من عدد من مجلته “المنار”.”

و يشرح عبد المنعم الشحات موقف البنا من هذه القاعدة فيقول “الأستاذ حسن البنا وجد فيها الملاذ الذي يحل به النزاع الداخلي في نفسه بين السلفية والصوفية، كما أنه وجد به السبيل الذي يحل به الصراع الذي كان على أشده بين السلفية والأشاعرة ممثلة في معظم شيوخ “الأزهر” وفي “الجمعية الشرعية”، ثم استعمله لاحقـًا مع الشيعة أنفسهم وبصورة جادة وفاعلة وقابلة لتجاوز كل نقاط الخلاف مع الشيعة فعلاً، مما دفع الشيعة إلى قبول مبادرته على خلاف مبادرة أستاذه “رشيد رضا”.

وحسب عبد المنعم الشحات “فقد صاغ الأستاذ “البنا” “الأصول العشرين” منطلقـًا من هذه القاعدة كما يدرك ذلك كل من طالعها”.

و اعتبر عبد المنعم الشحات أنه “كان لهذه الروح التجمُّعية أثرٌ لرواج دعوة الأستاذ “البنا”؛ لأنها خرجت في وقت يأس وإحباط، وكان الجميع يريد تجاوز مرحلة الكلام إلى مرحلة العمل. وكان لشخصية “البنا” الآسرة دور كبير في انطلاق العجلة على هذا النحو”.

أما الباحث الجهادي د.طارق الزمر فيضع الإمام حسن البنا كأول وأهم قائد إسلامي لأول مرحلة من مراحل تطور الحركة الإسلامية الحديثة و ذلك في بحثه “الحركة الإسلامية بين الماضي و الحاضر والمستقبل”, كما نجد أن الجماعة الإسلامية المصرية بقيادة كرم زهدي كانت قد اعتمدت دراسة تجربة حسن البنا في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين كأحد التجارب الإسلامية الهامة و كانت كتب تاريخ جماعة الإخوان المسلمين و بعض كتابات حسن البنا مراجع تثقيفية هامة لدى كل من جماعة الجهاد (مجموعة عبود الزمر) و الجماعة الإسلامية و لا شك أن الدارس المتفحص لتجربة الجماعة الإسلامية يلاحظ تأثرها البالغ بتجربة جماعة الإخوان المسلمين خاصة في مجال الممارسة التنظيمية.

و رغم ذلك كله فإن كلا من السلفيين و تنظيم الجهاد و الجماعة الإسلامية قد سلكوا طرقهم في العمل الإسلامي بعيدا عن جماعة الإخوان المسلمين, فلماذا تم ذلك؟

مما لا شك فيه أن هذه الحركات قد خالفت مواقف و أفكار الإخوان المسلمين في العديد من القضايا الإسلامية, و لنبدأ القصة من بدايتها.

نشأت المجموعات السلفية في مصر في أواخر الستينات و أوائل السبعينات متأثرة بالخط السلفي الذي كانت تدعو له و ترسخه جماعة أنصار السنة المحمدية أثناء غياب الإخوان المسلمين في سجون عبد الناصر, و من ثم تمايز منهجهم الفكري و الشرعي عن منهج الإخوان المسلمين كما لم يكن للإخوان المسلمين فضل في التزامهم الإسلامي أو توجهاتهم الفكرية و السياسية الأمر الذي حرر السلفيين من أي نفوذ فكري أو روحي للإخوان المسلمين عليهم عندما خرج الأخيرون من السجن فوجدوا المساجد و الجامعات مكتظة بالشباب السلفي, حاول الإخوان استقطاب الشباب المتدين و الذي كان أغلبه سلفي إلا أنهم فشلوا مع عدد غير قليل من الشباب بسبب التمايز الفكري بين الفكر السلفي و الفكر الإخواني, و عندما نجح الإخوان في استقطاب عدد غير قليل من الشباب المتدين من جامعات مصر فإن المعركة الفكرية بين السلفية و الإخوان قد استعرت نارها, و انطلقت الفتاوى السلفية في توصيف موقفهم من فكر ومنهج جماعة الإخوان المسلمين لنجد فيها على سبيل المثال ما يلي:

“جماعة الإخوان المسلمين تجمع إلى الخير كثيراً من الدَخَن (أي الشر و الخطأ), والبعد عن السنة والتعصب الممقوت والفتاوى الباطلة والتقليد الأعمى والمداهنات السياسية (أي النفاق السياسي) والإقرار بالبدع (أي الخارجة عن الدين)” و يضيف الكاتب فيقول: “ولا أعنى أن كل شخص منهم فيه ذلك ولكن هذا في جملة الجماعة”

لذلك تنصح هذه الفتوى المسلم بأن “يبحث عن أهل السنة وأتباع سلف الأمة فيكون معهم” أي لا ينضم للإخوان المسلمين و إنما ينضم للسلفيين.

و مما ينتقده السلفيون على الإخوان المسلمين ما تسميه الأدبيات السلفية

بإلغاء الإخوان المسلمين عقيدة الولاء والبراء أي البراءة من الكافرين و مصاحبة و حب المسلمين و كذلك تبني الفكر العلماني, لكن مشايخ السلفية يعتبرون أنه لا يجوز أن يقال عن الإخوان المسلمين ككل مثل هذا الكلام وإنما الحق أن يقال صدر كلام باطل عن أفراد كثيرين من دعاتهم وقادتهم لكن لا يعمم هذا الحكم على الجميع.

و يضيفون: والصحيح أنه يعامل كل فرد فيهم بما يستحقه فمن كان على عقيدة فاسدة وبدعة عومل بناء على ذلك ويلزم تعليمه ودعوته إلى الله, ومن أظهر عقيدة أهل السنة ومنهجهم عومل على ذلك.

و لذلك يقر السلفيون أن في داخل جماعة الإخوان المسلمين تيارا سلفيا مهما و يذكرون من هذا التيار الدكتور الأشقر والدكتور مصطفى حلمي والدكتور عبد الكريم زيدان.

و مما انتقده السلفيون على الإخوان المسلمين أيضا ما يعتبرونه أنه ميل لدى الإخوان المسلمين لما يسمونه بتمييع القضايا مع أهل البدع كالشيعة والصوفية وغيرهم، ولا يهتمون بقضايا العقيدة الإسلامية والالتزام التام بسنة النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم. كما انتقد السلفيون طريقة الإخوان المسلمين في تربية أعضاء الجماعة لأنها تعتمد على طريقة الطرق الصوفية رغم ابتداع الأخيرة، كما رأى السلفيون أن من عيوب الإخوان المسلمين أنهم يتوسعون كل مسائل الخلاف الفقهي حتى غير السائغ منه ليجوزا أراء ساقطة في الفقه الإسلامي على أنها أراء معتبرة، فضلا عن أنهم يشغلون أتباعهم بالانتخابات والمظاهرات وغيرها على حساب العلم والتعلم والتدين، و من هنا يمكن فهم أن السلفيين يعتبرون الإخوان المسلمين جماعة متساهلة عقائديا.

كما انتقد السلفيون قضية البيعة عند الإخوان المسلمين و قالوا هذا أمر حصل فيه نوع من الخلل في الفهم لأن البيعة التي رآها بعض العلماء جائزة على الطاعات أو مشروعة، ظنها الناس أنها بالمعنى السياسي، وتحولت على يد الإخوان من بيعة تشبه البيعة الصوفية إلى البيعة السياسية، وأصبح المرشد بمنزلة الإمام والحاكم على أفراد الجماعة.

و انطلاقا من ذلك كله فقد أفتى العديد من علماء السلفيين بأن الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين على ما هي عليه لا يجوز لأنه يعني السكوت على ما أسموه بـ”كثير من المنكرات”.

و إذا كان هذا هو الموقف السلفي الذي دعا أصحابه لعدم الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين رغم تقديرهم البالغ للشيخ حسن البنا رحمه الله, فإن موقف الجهاديين من الإخوان المسلمين له قصة أخرى بدأت عندما تأسست أولى خلايا الجهاد في مصر عام 1966 وقتما كان الإخوان المسلمين في السجن و غداة إعدام سيد قطب, و رأى الجهاديون وقتها أن خطأ الإخوان الأكبر كان في ما اعتبروه ليونة في التعامل مع نظام الحكم إذ لم يكن الجهاديون يؤمنون بغير الانقلاب المسلح كمنهج وحيد للتغيير السياسي و الاجتماعي, و لم يقتصر موقف الجهاديين على ذلك بل لقد خطوا خطوة أبعد من هذا في موقفهم من الإخوان المسلمين عندما بادر د.صالح سرية (الزعيم الجهادي البارز) بمحاولة الاتصال بالإخوان المسلمين بعيد خروجهم من السجن في أوائل السبعينات محاولا إقناعهم بفكرته في الانقلاب المسلح و فعلا نجح في مقابلة الأستاذ المرشد حسن الهضيبي (عبر السيدة زينب الغزالي) و قدم له كراسا مدونا به تصوره الجهادي, و قد تسلم الأستاذ حسن الهضيبي الكراس واعدا د. صالح سرية بالرد لكنه لم يرد على سرية و لم يقابله بعد ذلك أبدا, و إن قيل أن الأستاذ المرشد رحمه الله عندما قابل د.صالح سرية قال له إن بيننا و بين السادات عهود و لن نخل بها.

كان صالح سرية يرى أن الإخوان المسلمين لم يكونوا حاسمين و لا حازمين في موقفهم السياسي بشأن الحكم, و كان يضرب مثالا بكل من حزبي البعث في سوريا و العراق و حركة الضباط الأحرار في مصر حيث كانوا جميعا حاسمين في سعيهم للحصول على السلطة والحكم و من ثم أقام كل تنظيم من هذه التنظيمات دولته و نظام حكمه في الدول الثلاث, أما الإخوان المسلمون بحسب رأي د.صالح سرية فقد اتسم سلوكهم إزاء السعي للحصول على الحكم بالتردد, و من هنا كان سعيه لإقناعهم بتبني المنهج الثوري الذي تبنته المجموعات الجهادية التي كانت موجودة وقتها, و عندما فشل في إقناعهم بادر للقيام بتجربته الانقلابية المعروفة, و التي انتهت بالفشل و إعدام صالح سرية نفسه مع أقرب معاونيه.

فشل تنظيم و انقلاب صالح سرية لم يقنع الجهاديين بالتراجع عن منهجهم بل أصروا عليه حتى اليوم, و صاحب ذلك مزيد من النقمة و شدة الانتقاد لجماعة الإخوان المسلمين, ربما سببها إحساسهم بأن عدم مشاركة الإخوان لهم في منهجهم الانقلابي كان سببا في فشلهم الذي دام منذ صالح سرية سنة 1974 و حتى اليوم, و لكن أيضا لابد من ملاحظة أن زيادة تأثر كتاب و مفكري الجهاديين بالمنهج السلفي زادت من تفاصيل النقد الجهادي للإخوان المسلمين فصار النقد الجهادي في جوانبه الشرعية أشبه ما يكون بالنقد السلفي من حيث الاقتراب الإخواني من العلمانية و من حيث المداهنة السياسية و عدم تبني قضية البراءة من غير المسلمين و عدم الترابط معهم و الدخول في البرلمانات التي ترتكز وظيفتها على التشريع المخالف للشريعة الاسلامية, و كذلك تمييع القضايا الشرعية لتوسيع دوائر المباحات بلا مستند شرعي بل و بعكس السند الشرعي (و لقد وصف كثير منهم أبرز مشايخ الإخوان المعاصرين بمفتي الحلال و الحلال و كأنه لا يحرم شيئا) و ذلك كله حسب الرأي الجهادي و هم في ذلك كله متطابقون مع الآراء السلفية في هذا المجال.

أما في المجال السياسي فنجد أن الجهاديين ركزوا على تاريخ و حاضر الإخوان بشأن مواقفهم المهادنة لكل من الملك فاروق و أحزاب الأقلية الموالية للملك كالسعديين و حزب الأحرار الدستوريين و غيرهما فضلا عن حكومات هذه الأحزاب خاصة حكومة النقراشي و كذلك موقفهم من كل هذه القوى بعد مقتل الإمام حسن البنا و تولي المرشد الثاني الأستاذ المستشار حسن الهضيبي بما في ذلك مهادنته لإبراهيم عبد الهادي الذي سام الإخوان سوء العذاب في السجن وتسجيل المرشد الثاني و عدد من قادة الإخوان المسلمين اسمائهم في دفتر التشريفات بالقصر الملكي بل و زيارة المرشد الثاني و مقابلته للملك فاروق, و القارئ لكتابات الجهاديين في هذا المجال يشعر أنه تكرار للنقد الذي وجهه د.رفعت السعيد للإخوان المسلمين بعامة و لحسن البنا بخاصة في كتابه “حسن البنا كيف و متى و لماذا” إلا أنه صيغ صياغة إسلامية بحيث استند النقد على أساس مخالفة هذه الأفعال السياسية للأحكام الشرعية الإسلامية من قبيل عدم المداهنة و عدم الرضا عن الحكم بغير ما أنزل الله و البراءة من الحاكمين بغير الشريعة و مناصبتهم العداء و النضال ضدهم و الصدع بالحق في وجوههم, كما انطلق النقد الجهادي من هذه الوقائع إلى الربط بينها و بين ما يعتبره الجهاديون ليونة و تساهل في مواقف الإخوان المسلمين من الحكومة المصرية و الأحزاب العلمانية و البابا شنودة في الأربعين سنة الأخيرة.

بعض الجهاديين شن حرب النقد هذه ضد الإخوان المسلمين بلا هوادة و بلا التماس لأي عذر مثل د.أيمن الظواهري في كتابته و تصريحاته العديدة, و كذلك د.هاني السباعي المفكر الجهادي المشهور المقيم في لندن, لكن أبرز ما قيل في هذا الصدد على الإطلاق هو كتاب “الحصاد المر..الإخوان المسلمون في ستين عاما” و هو من تأليف د.أيمن الظواهري و صدرت منه طبعتان كانت أولاهما عام 1990, كما أنه موجود و منتشر جدا على شبكة الانترنت حتى على غير المواقع الجهادية و تم تحميله آلاف المرات.

و على عكس د.أيمن الظواهري فإن د.طارق الزمر في تقييمه لدور الإمام حسن البنا يلتمس له الأعذار إذ اعتبر أن الأخطاء التي وقع فيها الإمام الشهيد ترجع إلى أن حسن البنا اضطر للقيام بكل الخطوات و الأعمال التكتيكية و الإستراتيجية معا على حد سواء مما أظهر العديد من مظاهر التناقض في مواقفه رغما عنه.

محمد البرادعي

تصريحات البرادعي حول التغيير السياسي في مصر مليئة بالأوهام

التغيير السياسي في مصر يشغل أغلب القوى السياسية المصرية ومن هنا جاء الاهتمام بتصريحات الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية و أبرز المعارضين الآن لنظام الرئيس حسني مبارك، حيث دعا جميع قوى المعارضة والأحزاب السياسية المصرية لمقاطعة الانتخابات البرلمانية و الانتخابات الرئاسية المقبلة و أسمى هذه الانتخابات بالديكورية, و أكد الدكتور البرادعي أنه في حالة نجاح الدعوة لمقاطعة الانتخابات لن يستطيع النظام أن يبقي يومًا واحدًا، و أضاف: هذا متوقف علي مدي نجاحنا في إقناع جميع الأحزاب المؤثرة والقوي السياسية المختلفة بمقاطعة الانتخابات الديكورية وتقديم المصالح الوطنية علي المصالح الشخصية الضيقة.

و قال البرادعي: إننا مطالبون حاليًا بتحكيم عقولنا وليست عواطفنا وأن نفكر في أساليب غير تقليدية من بينها اللجوء للشعب مباشرة، ففي ظل عدم وجود انتخابات نزيهة باعتراف النظام نفسه وفي ظل غياب الأحزاب الحقيقية والنقابات ليس من المطلوب أن نبدأ معركة التغيير بثورة الجياع والعنف ولكن علينا أن نبدأ بالأساليب السلمية للوصول إلي انتخابات نزيهة.

و تبدو هذه التصريحات للدكتور البرادعي منطقية و متوازنة لأول وهلة لكن التعمق في تحليل محتواها يظهر احتوائها على عدة ألغام, فأول هذه الألغام و أوضحها هو قوله إذا نجحنا في إقناع جميع الأحزاب المؤثرة …الخ و اللغم هنا هو ماذا لو لم تنجح يا دكتور البرادعي في إقناعهم و خاض كثير منهم الانتخابات؟ ما هو خيارك السياسي في هذه الحالة؟ لا سيما و قد صرحت سابقا أنت و العديد من قادة حركتك التغيرية أن العصيان المدني هي ورقتكم الأخيرة, و في حالة فشل البرادعي في حمل أغلبية الشعب و قواه السياسية على مقاطعة الانتخابات فإن ذلك معناه أن حركة التغيير التي يقودها ستكون أعجز عن إقناع الأغلبية بالقيام بعملية العصيان المدني.

أما اللغم الثاني فقوله علينا اللجوء للأساليب السلمية للوصول لانتخابات نزيهة, فهذا الكلام رغم أنه صحيح فإنه متناقض مع دعوته لمقاطعة الانتخابات, إذ أن مقاطعة الانتخابات حتى لو نجحت فهي لن تهز شعرة في جسد النظام الديكتاتوري الحاكم, فمقاطعة الانتخابات لا تجدي في الدول التي تحكمها نظم استبدادية تزور الانتخابات لأنها ستزورها و ستزعم أن الإقبال على الانتخابات كان كبيرا بشكل غير مسبوق, كما إن نظم الحكم المستبدة جلدها سميك فلا تحس بأي وخز ضمير و لا بأي حرج سياسي حتى ولو لم يذهب للانتخابات أحد فنحن لسنا هنا في انجلترا أو السويد نحن في الشرق الأوسط حيث العراقة في الديكتاتورية و الاستبداد, و بالتالي فإن الأساليب السلمية للوصول إلى انتخابات نزيهة تقتضي دخول الانتخابات ليس لأنها لن يتم تزويرها و لكن لتعبئة الشعب و تدريبه على العمل الجماعي المنظم السياسي و السلمي تمهيدا لمزيد من الأعمال الجماعية السياسية الأخرى في مناسبات تالية.

و إذا كنا مطالبين حاليًا بتحكيم عقولنا وليست عواطفنا كما يقول البرادعي (و هنا لغم آخر) فإن ذلك يقتضي أن نفهم أن الأغلبية العظمى من الشعب المصري تتسم بقدر كبير من السلبية السياسية إما خوفا من القمع الحكومي و إما يأسا من حدوث أي نتيجة ايجابية للنضال من اجل التغيير و إما إعراضا عن العمل العام لحساب الشأن الخاص في ظل الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها أغلبية الشعب حيث يناضل الواحد منهم نضالا مريرا بشكل يومي لمجرد الحفاظ على اقل من الحد الأدنى لمتطلبات العيش له و لأسرته, و إذا فهمنا ذلك فعلينا أن نصوغ الحلول المناسبة لهذه المشكلات بشكل عقلاني و منطقي أي نقنع كل هؤلاء بحتمية المشاركة في النضال من أجل التغيير السياسي, و هذا يقتضي أعمالا جماهيرية لتثقيف و تعبئة الجماهير بشكل سلمى لا الانغماس في الأحلام الوردية التي عاشها قادة المعارضة المصرية منذ السبعينات و حتى الآن من انه يكفي الدعوة لمظاهرة أو مقاطعة الانتخابات أو مقاطعة جهة ما حتى يتغير الكون , فهذا كله حرق للمراحل و قفز فوق درجات السلم للوصول لأخره قبل المرور بأوله و هيهات أن ينجح أحد في ذلك حتى لو كان من الأنبياء.

الفتنة الطائفية في مصر صورة أرشيفية

الفتنة الطائفية بين التاريخ و الجغرافيا في مصر

عزز حوار الأنبا بيشوي يوم الأربعاء 15 سبتمبر مع المصري اليوم العديد من الهواجس بين العديد من المراقبين حول إمكانية اندلاع الفتنة الطائفية في مصر, و كانت تطورات أحداث قضية كاميليا شحاتة منذ شهرين و ما صحبها من ردود أفعال متنوعة قد أثارت مثل هذه المخاوف, و لكن لا شك أن مصر عصية على الفتنة الطائفية بين المسلمين و الأقباط منذ دخل الإسلام مصر, فتاريخ مصر و جغرافيتها تشهد على وحدة و تجانس الشعب المصري مع تنوع دياناته و عقائده, فالمسيحية لم تشهد حرية اعتقاد و عبادة إلا في ظل الحكم الإسلامي الذي حررها من نير الاستعباد و الاضطهاد الروماني الذي كان يتدخل في أدق شئون العقيدة لدى المسيحيين المصريين و يسعى لإكراههم و إرغامهم على الاعتقاد بمذهب الدولة البيزنطية في مجال الاعتقاد المسيحي, و عندما دخل عمرو بن العاص مصر كان قادة رجال الدين المسيحي المصريون هاربين من حكام مصر الرومان و متخفين في صحراء مصر خوفا من البطش و القمع الروماني لهم, و ما إن حكم المسلمون مصر حتى أطلقوا حريات المسيحيين الأمر الذي أدى إلى تحول أغلب المسيحيين المصريين إلى اعتناق الإسلام بعد عقود من الفتح الإسلامي لمصر, و من هنا صار أغلب المصريين مسلمين بسبب سماحة الإسلام و احترامه لغير المسلمين و عدله مع جميع مواطنيه بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق أو الدين, لا يمكن لأحد أن يزعم أن أغلبية مواطني مصر المسلمين هم من العرب, لأن الجيش العربي الذي فتح مصر لم يتجاوز عدده الأربعة آلاف مقاتل.

و حتى لو حدثت هجرات عربية بعد ذلك فمستحيل أن تكون بعدد يفوق عدد سكان مصر بكل هذه النسبة لا سيما إذا قارناه بعدد العرب من سكان الجزيرة العربية اليوم الذي لا يصل مجموعهم لأربعين مليون بينما عدد سكان مصر الآن نحو 85 مليون نسمة, فالقول بأنمسلمي مصر هم العرب الفاتحون و إنكار أن أغلب المصريين الذين كانوا مسيحيين قد دخلوا في الإسلام كل هذا استكبار و مكابرة تجافي التاريخ و الجغرافيا و المنطق العلمي السليم.

و من ناحية تاريخية أخرى فإن مواطني مصر المسيحيين ظلوا في ترابط مع مسلميها حتى في أحلك الظروف فحتى أيام الحروب الصليبية لم يحاول أغلب مسيحي مصر الانشقاق و التعاون مع الغزاة بل ظلوا يدعمون المجهود الحربي الإسلامي ضد الصليبيين, و نفس الشئ تكرر في حملة لويس التاسع الصليبية على دمياط ثم في العصر الحديث في الحملة الفرنسية و بعدها أيام الاحتلال الانجليزي في كل هذه المراحل وقفت أغلبية المسيحيين المصريين مع مواطنيهم المسلمين يدعمون نضال المسلمين ضد الغزاة, هذا كله من حيث التاريخ, فتاريخ علاقة المسيحيين و المسلمين المصريين هو تاريخ من التعايش و التجانس الدائم و لا يشوش على ذلك القليل من التوترات التي افتعلها أو يفتعلها جهال أو متطرفي أي طرف لأن ذلك من القليل النادر الذي لا ينبني عليه حكم عام.

أما من حيث الجغرافيا فإن بيوت و مواطن بل و حتى مقابر المسلمين و المسيحيين المصريين متجاورة و متداخلة بحيث لو شاء أحد الأعداء الخارجيين أو المتطرفين الداخليين أن يقسم البلاد إلى دولة مسيحية و أخرى مسلمة فإنه لن يجد أي سبيل إلى ذلك بسبب تداخل و ترابط مواطن كلا الفريقين من المصريين, فلا يوجد في مصر حي يخلو من مسلمين و مسيحيين معا, و لا توجد منطقة في مصر أو محافظة يمكن القول بأنها منطقة أو محافظة مسيحية فقط بعكس دول أخرى حدث فيها فتن طائفية على خلفيات دينية أو عرقية و ساعد على ذلك فيها التحيزات المناطقية.

و هكذا فإن تاريخ و جغرافية مصر تقفان ضد الفتنة الطائفية بين المصريين مسلمين و مسيحيين, و أي شخص يعمل على بذر بذور الفتنة الطائفية فهو يعمل ضد التاريخ و الجغرافيا… ترى هل يمكن لأحد أن يغلب التاريخ و الجغرافيا؟!