الصراع في المنطقة العربية - صورة أرشيفية

مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان (5 من 5)

ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للاجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان؟ و قلنا أنه كي نتمكن من الاجابة على هذا السؤال فلابد أولا أن نعيد توصيف هذه القوى و أهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلا من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط  ، و شرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي و مشاريع الجهاد العالمي و الجهاد المحلي و تنظيم الدولة الاسلامية كما ذكرنا في الحلقة الثانية المشروع السعودي و المشروع الاخواني و ذكرنا فيالحلقة الثالثة مشروع الامارات-السيسي و مشروع إيران ثم ذكرنا في الحلقة الرابعة مشاريع الولايات المتحدة و اسرائيل و روسيا و الصين في المنطقة  و نختم هذه السلسلة بهذه الحلقة الخامسة و التي نذكر فيها توقعاتنا بشأن مستقبل المنطقة فيما يتعلق بأغلب المشاريع المذكورة في الحلقات السابقة.

مستقبل الصراع في المنطقة

 

سوف يستمر الصراع في المنطقة بين كل هذه القوى التي ذكرناها في الحلقات السابقة وفقا للتحالفات القائمة الآن و ان كان البعض منها قد يتغير مع تطور الأحداث و على كل حال فسوف يستمر الصراع السياسي و الحروب حتى يحدث التوازن بين من يصمد منها و يستمر باقيا و لا يفنى حتى لحظة حدوث التوازن، و التوازن يحدثه احد ثلاث عمليات:

العملية الأولى: يطور الضعيف من هذه القوى نفسه ليتمكن من التوازن مع   الاخرين الأقوى منه فلا يصبح هناك اي طرف ضعيف بل يستمروا كلهم بقدرة متوازنة مع بعضهم البعض فتقتنع كل قوة منهم بألا قدرة لها على افناء خصومها فتختار تكريس الوضع القائم أي الأمر الواقع إما باتفاقات مقننة او بصمت و إقرار ضمني بلا تقنين قانوني أو إعلان صريح.

العملية الثانية: يحدث انهاك للجميع فيتساوى الجميع في الضعف فتحدث نفس النتيجة السابقة و هي توازن القوى و ما يصحبه من قناعة بألا قدرة لأحد على إفناء الآخر.

العملية الثالثة: يُنهك الأقوى بدرجة تقربه من درجة ضعف الضعيف و يتطور الاضعف فيرتقي لدرجة تجعله في مستوى الاقوى بعدما انهك فيتوازنان و نصل لنفس النتيجة السابقة.

و رغم هذا كله فهناك قوى ستمحق و تزول و اخرى ستبقى فمن هي؟؟؟    

 ربما يزول طرفا الغلو يمينا و يسارا و لكن من يزل لا يتحتم أن يكون زواله فيزيائي أو واقعي و انما قد يعدل نفسه ليصير كأنه قوة اخرى جديدة لها خصائص سياسية و فكرية جديدة فيصبح قد زال شكله الفكري و السياسي و قدر من الجغرافي السابق على التعديل و ظهر بكينونة جديدة.

الي ماذا ستؤول الاتجاهات الموجودة الآن؟؟؟

سيتحول تنظيم الدولة و تنظيمات القاعدة الى توجه يشبه توجه الجهاد المحلي و إن لم يفعلا ذلك فسوف يزولون تماما أو يضعفون جدا بحيث لا يبقى لهم أي وجود حقيقي لكن ربما يبقى لهم مجرد وجود رمزي و شكلى عند نهاية مرحلة الصراع الحالية بوصول المنطقة لدرجة كبيرة من الاستقرار عبر توازن القوى .

و سيتحول غلاة العلمانية لموقف التظاهر بالاسلام التقليدي لكنه في جوهره علماني جدا لكنه يظهر هذا المظهر ليتعايش مع الحركات الاسلامية بغية كسب ودها كي تكف عن معارضته.

 الاخوان المسلمون لو ظلوا على نفس منهجهم السياسي و الاستراتيجي دون أي تغير فقد يستفيدون من بعض الصفقات السياسية التي ستعقد بعد نهايات الصراع في كل دولة من الدول، لكن أرباحهم ستقتصر على السماح لهم بحرية ما للتواجد عبر حركة سياسية و دعوية في كل دولة على حدة، و مع هذا سيفقدون قدرا كبيرا من أنصارهم كما سيفقدون الزخم الجماهيري الذي كان يصحبهم في العقود الثلاثة الأخيرة لأن كل تمدد جهادي أو علماني أو شيعي فهو يخصم من رصيدهم الجماهيري لأن جماعة الاخوان المسلمون جعلت منهجها السياسي و الاستراتيجي على النقيض من هذه المشروعات الأخرى كلها منذ أربعين عاما تقريبا و لم تبن أي جسور تعاون أو تحالف حقيقي مع أي منها.

و من المتوقع أن يكون الكاسب الأكبر في نهاية المرحلة هو قوى الجهاد المحلي كأحرار الشام و فجر ليبيا و حماس و نحوهم لأنهم يعدون بديلا عن تنظيم الدولة و القاعدة و في نفس الوقت فإن قدراتهم و سيطرتهم على الأرض ستمنع القوى الدولية و الاقليمية من ازاحتهم و إحلال الإخوان أو الإسلام التقليدي (السعودي) كبديل لهم ، هذا إن توحدوا و تعاونوا و لم تضربهم سوسة الشقاق و الخلاف الداخلي الذي لو حدث فسوف يقضي عليهم و ينصر خصومهم.

و سيسعى خصوم التيار الاسلامي بعامة و الجهادي منه بخاصة الى اختراق الحركات الاسلامية ليس فقط للحصول على المعلومات من قلب قيادتها و لكن أيضا لتوجيهها وفقا لأجندات القوى الاقليمية و الدولية و تمزيقها ببذر بذور الشقاق بينها و ضرب بعضها ببعض و سوف يستغلون حب الرياسة و التعصب الحزبي لتحقيق ذلك و لن تنجح أي حركة إسلامية إلا بتجاوز هذه العقبة.

و سيظل لايران أماكن نفوذها خاصة بأجزاء من كل من العراق و لبنان و سوريا و اليمن.

كما ستتمتع السعودية بنفوذ ذي شأن بعد أن تكسر النفوذ الايراني و تقلل من قدراته و تمدده و ذلك بشرط ان يظل ال سعود متحدين و لا يتنازعوا و يظلوا مصرين على المبادرة بالمنطقة.                                                                      

وماذا عن القوى غير المتحيزة جغرافيا مثل الاسلامين في مصر؟؟؟

هؤلاء يرتبط مصيرهم بمصير التغيرات الشاملة في المنطقة ككل اذ ما يحصل في سوريا و العراق و أفغانستان و اليمن و ليبيا و الخليج و تركيا سيؤثر على مصر و نتيجة الصراع في كل هذه البقاع سوف تحدد نتيجة الصراع في مصر.

ما الشكل الجغرافي المتوقع في كل بقاع المنطقة؟؟؟

من المتوقع أن تتغير الجغرافيا السياسية في المنطقة و تتحول الكيانات الى دول صغيرة بانقسام سوريا و العراق و ربما اليمن و ليبيا و الصومال و مالي و نيجيريا و ربما العديد من الدول الأخرى ، و سيصير هناك دولا تحكمها قوى الجهاد المحلي و اخرى تحكمها تنظيمات تابعة للقاعدة أو تنظيم الدولة بعد تعديل في موقفهما كما ذكرنا، بجانب استمرار الدولة السعودية و إيران و ستعود طالبان لحكم أفغانستان ، وسوف يتغير نظام الحكم في مصر و يتحول أولا لنظام يشبه لنظام مبارك عام 2005 و ربما يتحول في مرحلة تالية لنظام حكم يحكمه تحالف من الاخوان و العسكر لكنه سيظل في صراع مرير و طويل مع فصائل إسلامية تابعة لقوى الجهاد المحلي أو العالمي.

ما موقف اسرائيل من هذا و ما مستقبلها؟؟؟

ستستغل اسرائيل الصراعات لبسط هيمنتها أكثر و اكثر على الفلسطينين في الضفة الغربية و القدس الشريف و الضغط على غزة، كما ستستجم قوتها لانشغال المنطقة عنها فضلا عن تحقيق العديد من المكاسب السياسية و الاقتصادية بفعل زيادة تعاونها مع مزيد من القوى بالمنطقة.

ما هو موقف الولايات المتحدة و أوروبا من أحداث المنطقة؟؟

المشروع الأقرب لقلب و عقل الولايات المتحدة و أوروبا و إسرائيل هو مشروع الامارات-السيسي (و يليه مشروع إيران، أما المشروع الصهيوني فهو مشروع الولايات المتحدة نفسها) لكن مشروع الامارات-السيسي هو الأبعد و الأغرب عن طبيعة المنطقة الفكرية و الاجتماعية بل و السياسية و مع هذا فستظل الولايات المتحدة تساند مشروع الامارات-السيسي ، و تراقب ما يحدث و سوف تنتهز الفرص المختلفة لانجاحه او الضغط على خصومه لكن دون تورط في شئ واضح أي دون تدخل عسكري بري و سوف تتفاهم بشكل أو بآخر في النهاية مع من يحكم على الأرض و يتحكم في الواقع و يصير هو نفسه أمرا واقعا لا مناص عن التعامل معه و ان ظلت تتربص به الدوائر ما لم يكن على هواها.

و ما تأثير هذه الأحداث علينا سلبا و ايجابا؟

لقد أوضحت السطور السابقة ما نتوقع أن تسير عليه الأحداث الى أن يهدأ الصراع السياسي و العسكري في المنطقة ، و يمكن تدبر هذا التوضيح لمعرفة ما المصالح و ما المفاسد التي ستترتب على سير الأحداث و معرفة كيف نستغل الفرص التي تكمن في هذه الأحداث و كيف نتجنب المخاطر التي تحملها هذه الأحداث ، و نتبين موقع أقدامنا و نتلمس سبل النصر و أسبابه و كما قال بعض السلف الصالح “و تختلف الاستفادة بالعلوم بحسب القرائح و الفهوم” و كما في الحديث النبوي الصحيح “رب حامل فقه ليس بفقيه و رب حامل فقه لمن هو أفقه منه”.

و على كل حال فبعد نشر هذه السلسلة من المقالات فسوف ننشر إن شاء الله سلسة أخرى أظن أنها لابد أن تكون قرينا لهذه دائما فيصير هذا الزوج لا غنى عن دراستهما معا لكل من يريد النصر و العز لهذه الأمة.

ماذا علينا تجاه هذه الأحداث عملا فيها و تجهزا لمراحلها المختلفة؟؟

هذا هو موضوع السلسلة الأخرى التي أشرنا إليها آنفا و سوف نكتبها عن “العمل الاسلامي” ان شاء الله لتكون قرينا لهذه السلسلة التي انتهت بفضل الله و منته ، و نسأل الله تعالى أن ييسر لنا هذا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 إقرأ الحلقة الأولى هنا

و إقرأ الحلقة الثانية هنا

و إقرأ الحلقة الثالثة هنا

و إقرأ الحلقة الرابعة هنا

محمد بن زايد مع وزير خارجية إيران - صورة أرشيفية

مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان (3 من 5)

ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للاجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان؟ و قلنا أنه كي نتمكن من الاجابة على هذا السؤال فلابد أولا أن نعيد توصيف هذه القوى و أهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلا من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط ، و شرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي و مشاريع الجهاد العالمي و الجهاد المحلي و تنظيم الدولة الاسلامية كما ذكرنا في الحلقة الثانية المشروع السعودي و المشروع الاخواني و نواصل في هذه الحلقة توصيف بقية المشاريع بالمنطقة على النحو التالي:

-مشروع السيسي/الامارات

بغض النظر عن الكثيرمن التفاصيل فإن هذا المشروع يعبر عن غلاة العلمانية في المنطقة العربية، و لا شك أن صعود الاسلاميين سياسيا بعد الربيع العربي أوضح أن الغالبية العظمى من العلمانيين العرب خاصة في مصر هم غلاة جدا في علمانيتهم، و لا يقبلون الا بإقصاء كل ما هو إسلامي حتى و ان لم يكن سياسيا، و لم يتضح هذا الاتجاه بين كتاب و اعلامي العلمانية فقط بل برز أنه اتجاه مهيمن على الأجهزة الأمنية بشقيها العسكري و الشرطي، و قد أجج الصعود السياسي الاسلامي في مصر الأحقاد لدى هذه القوى تجاه الحركات الاسلامية، بل تجاه التدين الاجتماعي أيضا فأطلقوا حربا لا هوادة فيها تجاه الاسلاميين كما هو معروف و مشاهد لكل متابع للشئون العربية في السنوات الثلاث الأخيرة.

هذا المشروع الذي يقوده رئيس مصر الحالي المشير عبد الفتاح السيسي و رجل الامارات القوي ولي العهد الأمير محمد بن زايد يهدف الى اقصاء الاسلاميين بمختلف تياراتهم عن أي وجود سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو فكري ثقافي في الساحة العربية، و أدى هذا لصدامات مع المتظاهرين المعارضين في مصر، و كذلك اشتباكات مسلحة مع معارضين مسلحين بعضهم أعلن انتمائه لتنظيم الدولة، و بعضهم لم تعرف امتداداته التنظيمة بعد، كما حدثت صدامات مسلحة بين موالين للسيسي و بن زايد (قوات حفتر) و قوى اسلامية مسلحة في أنحاء متفرقة في ليبيا.

و أبرز إشكاليات هذا المشروع أنه كي يبلغ مداه فلابد له من أن يتصادم مع البنى الاجتماعية الأصلية في مواطن تمدده بما في ذلك أكبر دولة عربية سكانيا و هي مصر بجانب دول قبلية كاليمن و ليبيا و هي دول تدعم قبائل مهمة فيها تيارات اسلامية متعددة ، و كيف سيتصرف هذا المشروع مع بنى اجتماعية راسخة تؤمن بالخطاب الديني الذي يصمه بالارهاب مثل المؤسسة الدينية السعودية و قواعدها الاجتماعية التي تكاد تشمل كل قبائل و عائلات المملكة.

و من هنا فهذا المشروع يتصادم ليس مع كافة المشاريع الاسلامية (الاخوان ، الجهاد العالمي ، الجهاد المحلي) بالإضافة الى المشروع التركي و لكنه يسير إن عاجلا أو أجلا للصدام مع المشروع السعودي أيضا و لا يوجد من هو أقرب اليه الا المشروع الايراني المدعوم روسيا إلا انه حتى مع هذا المشروع سيكون مهددا لأن هذا المشروع لا يقبل الا التبعية المطلقة و هذا سيفتح عليه أبواب ضغوط أخرى تتعلق بخريطة التمدد المسموح به لايران أمريكيا و اسرائيليا كي لا تتطغى على النفوذ الاسرائيلي بالمنطقة.

و فضلا عن هذا كله فإن المحور الامارتي المصري لا يقوى وحده على تمويل مشروعه السياسي و الاستراتيجي اقتصاديا.

-مشروع إيران

مشروع ماكر جدا و يعمل بدهاء كبير جدا في العالم الإسلامي بكامله بل في العالم كله من أجل نشر التشيع بين جميع المسلمين السُنَّة و السيطرة على العالم العربي سياسيا.

و قد تمكنت إيران في الفترة الأخيرة من قطف كثير من ثمار ما زرعته منذ نحو أربعين عاما من العمل في المنطقة العربية من تمكين لحزب الله في لبنان و تمكين للحوثيين في اليمن و قبلها كان تمكين الشيعة في العراق و كادت تأخذ البحرين لولا تدخل القوات السعودية و الإماراتية كما نجحت إيران مع تابعها بشار في سوريا من تحجيم الثورة السورية بدرجة ما أو على الأقل عرقلة نجاحها الذي كان وشيكا في فترة ما.

و إذا كان أردوغان يعمل على خداع أمريكا و أوروبا ليفلت بمشروعه -بالتحول إلى دولة عظمى- إلى بر الأمان دون الاصطدام بأمريكا عبر إيهامها بأنه صديقها و انه معتدل و يحارب التطرف و الإرهاب الإسلامي فإن إيران تفعل نفس الشئ لكن عبر تصوير كل الحركات الإسلامية السنية بأنها إرهابية بل و تصوير أردوغان نفسه بأنه إرهابي و بأن إيران نفسها هي دولة معتدلة و متعاونة مع أميركا و أوروبا ضد الإرهاب الإسلامي.. و فرصة الثقة بين أميركا و إيران في هذا المجال أكبر من فرصة أردوغان.

و تأتي فرص إيران الأوفر لأسباب عديدة و منها على سبيل المثال التالي:

1-إيران عاونت أميركا كثيرا جدا في ضرب الإسلاميين في أفغانستان و باكستان بينما أردوغان رفض التعاون هناك.

2-نفس الشئ فعلته إيران في العراق بينما رفض أردوغان معاونة أميركا هناك بل و بعد ذلك ظل يساند التركمان و السنة العرب ضد شيعة العراق بدرجة ما كما وثق علاقاته الاقتصادية و السياسية و الأمنية مع أكراد العراق ضد شيعة العراق و ضد إرادة إيران.

3-إيران تضرب السنة من القبائل الحاضنة لأنصار الشريعة الآن في اليمن عبر الحوثيين و تجعلهم يعلنون أنهم بذلك يحاربون الإرهاب و تساندهم أميركا بطائراتها و عملائها اليمنيين.

و أهم شئ في العلاقة بين إيران و أمريكا من وجهة نظري هو ان أميركا تنخدع لإيران في كل هذه الأمور و غيرها لهدف أكبر من ذلك كله و هو هدف استراتيجي يتمثل في أن أميركا تريد لإيران أن تقوى بدرجة معينة و تتمدد في المنطقة لما هو “آتي” و هو أن أميركا تعلم جيدا أن خلافة أو دولة إسلامية سنية واعية و ناضجة و مدركة لطبيعة العصر الذي نعيشه سوف تنشأ خلال السنوات القادمة و بالتالي فهي تعد إيران من طرف خفي للتصدي لهذه الدولة عسكريا و سياسيا لتجهضها أو على الأقل تستنزفها.

و هذا نوع من اعادة ما جرى في التاريخ العثماني عندما أمدت ممالك أوروبا المملكة الصفوية بالمال ممولة لحروبها ضد العثمانيين مما أوقف الزحف و الفتوحات العثمانية في أوروبا بعد أن كانت القوات العثمانية قد حاصرت فيينا و قضمت نصف أوروبا الشرقي.. و نجحت بذلك أوروبا -وقتها- في إيقاف الزحف العثماني في اتجاه أوروبا لأن العثمانيين اضطروا لنقل مجهودهم الحربي كله الى الشرق للتصدي للهجمات الصفوية في المشرق العربي.

و تريد إيران توطيد نفوذ ذيولها في العراق و لبنان و اليمن و القضاء على معارضيهم هناك كما تسعى إلى تصعيد نشاط شيعة البحرين وصولا للاستحواذ على الحكم إذا سنحت الفرصة كما تريد أن تهزم الثورة السورية لتوطد حكم العلويين و تلجأ إيران لحيل عديدة في سوريا من أجل تحقيق هذا، فبجانب مجهودها العسكري فإنها قد تلجأ لحل سياسي ما بالتوافق مع المحور الخليجي و الولايات المتحدة .

و يضاف لذلك نشاطها الكبير عبر الشيعة داخل الكويت و السعودية و مصر و أفغانستان و باكستان و غيرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و نواصل التحليل في الحلقة التالية غدا إن شاء الله.

و إقرأ الحلقة الأولى هنا

و إقرأ الحلقة الثانية هنا

و إقرأ الحلقة الرابعة هنا

و إقرأ الحلقة الخامسة و الأخيرة هنا

اعتصام رابعة - صورة أرشيفية

مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان (2 من 5)

ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للإجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان ؟

وقلنا أنه كي نتمكن من الاجابة على هذا السؤال فلابد أولاً أن نعيد توصيف هذه القوى وأهدافها لنعبرعنها بجوهر وصفها بدلاً من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط، وشرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي ومشاريع الجهاد العالمي والجهاد المحلي وتنظيم الدولة الاسلامية ونواصل في هذه الحلقة توصيف بقية المشاريع بالمنطقة على النحو التالي:

  • المشروع السعودي :

السعودية ترجع تركيبة نظامها السياسي أنه تحالف بين الوهابية وقيادة آل سعود كقيادة سياسية ثم حدث الصدام بين عبد العزيز آل سعود وجناح ما في الوهابية وهو الجناح الذي كان يريد أن يصطدم بالنظام الدولي عبر مواصلة فتوحات الدولة السعودية بالإقليم العربي مما يتصادم مع النظام الدولي الذي كانت تقوده انجلترا وفرنسا وقتها.

ورغم هذا الصدام فإن عبد العزيز لم يستغل هذا الحدث كي يقصي الحركة الاسلامية بشكل كامل لكنه أقصى فقط الجناح الذي يرغب في الصدام الدولي بينما أقر وجود ونفوذ الجناح الذي يترك الشؤون الدولية للملك ويركز على الشأن الداخلي.

ظلت السعودية كنظام حكم هي نظام حكم إسلامي يتماشى مع النظام الدولي ولا يصطدم به إلا في إطار المسموح به ولكنه نظام إسلامي سني تقليدي وليس ثورياً وتنبئنا خبرة التاريخ أنه يصعب (ولا يستحيل) على النظام السعودي التوافق مع القوى الإقليمية إذا كانت تعاند ثوابت الإسلام الكبرى فقد تعكرت الأجواء دائماً بينهم وبين قوى الحداثة اليسارية واليمينية حتى أواخر السبعينات (نماذج بورقيبة وناصر والبعث والقذافي).

وأيا كانت التفسيرات فإن النظام السعودي تأقلم مع التدين إقليميًا والعكس بالعكس ولكن كان لسان حاله أن الذنب جهة العرب مغفور لكنه تجاه ملوك الروم غير مغفور. أذكر الأثر في ذلك موجة السفاهة والحمق الأخيرة ضد كل ما هو اسلامي التي قادها وغذاها الإمارات وعلماني مصر تحالف معها عبدالله بن عبد العزيز وطاقمه الملكي وكان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تغير تاريخي في التوجهات السعودية إلا أنه سرعان ما عاد الملك سلمان بالدفة السعودية إلى توجهاتها المعتادة لكن الضغط الإماراتي والمصري المدعوم من الغرب (أمريكا وأوروبا) وإيران متواصل للدفع بالسعودية في اتجاه معاداة التيار الإسلامي وهو أمر يستحيل أن تسير عليه السعودية لأن البناء الاجتماعي وأغلبية هياكل القوة الاجتماعية (العائلات والقبائل) والاقتصادية (أصحاب المال) لا تقبل إقصاء كل ما هو إسلامي كما يريد غلاة العلمانية فضلاً عن أننا في زمن صعود سياسي وعسكري بالمنطقة للتيار الإسلامي وهو ما تريد أن تستفيد منه المملكة لمواجهة القوة الإيرانية الكاسحة بالمنطقة والمدعومة عسكريًا وسياسيًا من قبل روسيا والصين ومدعومة بغض طرف من أوروبا والولايات المتحدة، وقد وصل الملك سلمان وطاقمه إلى حقيقة مؤداها أنه لابد للمملكة أن تبرز أنيابها لحماية أمنها القومي.

ومن هنا فالسعودية تسعى لمواجهة النفوذ الايراني بقدراتها الذاتية وعبر التحالف مع المحور التركي القطري وكذلك التحالف مع الكثير من القوى الإسلامية خاصة الأقل خطورة مثل الإخوان المسلمون وتيار الجهاد المحلي، ولا تريد السعودية من ذلك السيطرة على المنطقة (بعكس إيران وتنظيم الدولة والقاعدة) وإنما يكفيها تأمين مناطق أمنها القومي التقليدية مثل الخليج وجنوب الجزيرة العربية (اليمن وبحر العرب وباب المندب) والبحر الأحمر والشام وجنوب العراق عبر وجود قوى صديقة مسيطرة على هذه المناطق وبعيدة عن نفوذ ايران.

  • مشروع الإخوان المسلمين :

وجوهره الإرتقاء بدوله اقتصاديًا واجتماعيًا مع تطبيق تدريجي على مدى بعيد للغاية للشريعة الإسلامية في الحكم بما لا يغضب النظام الدولي وقواه المتحكمة فيه ولا يسبب صدامًا معها (خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) وهم يفترقون مع أردوغان من حيث أنه يشد أحيانًا ويرخي أحياناً أخرى مع النظام  الدولي (بما في ذلك مع أمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل) لأنهم مهادنين دائمًا للنظام الدولي.

كما أن محور الإخوان المسلمون يختلف مع التيار الجهادي الدولي وداعش حيث تقوم استراتيجياتهما الدولية والإقليمية على الصدام مع النظام الدولي والإقليمي.

ويختلف الإخوان المسلمون مع التيار الجهادي المحلي لأنه يقوم على مخالفة النظامين الإقليمي والدولي لإيمانه أنهما لا يخدمانه ولا يسمحان له بالعمل وإن كان يبتعد قدر إمكانه عن الصدام معهما إلا إذا فرض عليه الصدام فهو حينئذ لا يتردد في الصدام معهما بينما يتهرب الإخوان من أي صدام كهذا بل ويتبرئون منه فضلاً عن كون تيار الإخوان لا يظهر أي خلاف مع النظامين الإقليمي والدولي بل ويسعى دائمًا للاندماج فيهما، كما أن تيار الإخوان يعمل وفق الآليات التي يتيحها النظام الدولي والإقليمي له للعمل ولا يتخطاها ورغم أن معارضة هذا التيار لانقلاب السيسي تخرج عن هذه القاعدة وكانت سابقة هي الأولى من نوعها لتيار الإخوان وكان من الممكن أن تؤسس لتطور جديد لدى جماعة الاخوان (وبلغت المعارضة ذروتها في اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة) إلا أن هذه المعارضة لم تأخذ مداها في التكتيكات الاحتجاجية لتكون كافية لتحقيق نتيجة مهمة أو على الاقل التأسيس لتطور ما جديد في سياسات الإخوان المسلمون.. لذلك ليس لمعارضتهم للسيسي تأثير في تغير قواعد التحرك لدى الجماعة حتى الآن بل هم في معارضته يتوسلون بالنظم الإقليمية والدولية لإزاحته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ونواصل التحليل في الحلقة التالية غدًا إن شاء الله.

و إقرأ الحلقة الأولى هنا.

و إقرأ الحلقة الثالثة هنا.

و إقرأ الحلقة الرابعة هنا.

و إقرأالحلقة الخامسة و الأخيرة هنا

الحرب في سوريا - صوررة أرشيفية

مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان (1من 5)

الكل يراقب و يترقب محاولا معرفة الاجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان؟..
و تأتي أهمية إجابة هذا السؤال من أن إجابته ستحدد مصائر ليس فقط  المنطقة و شعوبها و أفرادها فردا فردا بل و ستحدد مصير و شكل العالم و النظام الدولي كله.
لقد كتبنا سابقا هنا في ديسمبر 2014  عن “خريطة الصراع السياسي في المنطقة العربية الآن” و شرحنا أهداف أغلب القوى المتصارعة، و وعدنا بشرح أهداف بقية القوى في حلقة تالية و لكن قعد بنا ضيق الوقت عن الاكمال، كما أن بعض الأمور تغيرت بموت ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز و تولي الملك سليمان و فريقه للحكم بالمملكة، و إجراءه بعض التغيرات في تحالفات وسياسات المملكة، و موضوعنا اليوم ليس هو التكملة التي وعدنا بها و لكنه موضوع آخر و ان حمل في طياته – ضمن ما يحمل- التكملة.  
و ذكرنا في المقال السابق المذكور أن هناك احتدام للصراع بين عدة مشاريع للسيطرة بالمنطقة هي:
 
-المشروع التركي بقيادة أردوغان.
 
-المشروع الإيراني.
 
-المشروع الأمريكي.
 
-حلفاء المشروع الأمريكي و هم مصر و الأردن و دول الخليج العربي.
 
-مشروع شبكة القاعدة و التي تغيرت أسماء منظماتها الى جبهة النصرة في سوريا و أنصار الشريعة باليمن و ليبيا و تونس.
 
-مشروع داعش في المنطقة خاصة في سوريا و العراق.
 
-مشروع الاخوان المسلمون في مصر و تونس و اليمن و سوريا.
 
-مشاريع جهادية إسلامية محلية في سوريا (كأحرار الشام كمثال) و ليبيا (كفجر ليبيا و نحوها كمثال) و في أفغانستان حركة طالبان كمثال .

 
و لكن طرأ تغير الآن حيث بلور الملك سلمان و فريقه مشروعا سعوديا في المنطقة بالتحالف مع عدد من الحلفاء أبرزهم دول الخليج (عدا عُمان و الامارات) بالإضافة للمغرب و السودان و غيرهما.  
و كي نفهم مستقبل هذا الصراع لابد أن نعيد توصيف هذه القوى و أهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلا من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط و حينئذ سنجد هذه القوى هي:
 
-المشروع التركي بقيادة أردوغان
 
 و جوهره الارتقاء بتركيا لتصير قوة عظمى دوليا (هي الآن قوة عظمى اقليمية فقط) بجانب معارضة و افشال أو على الأقل حصار المشروعين الايراني و الاسرائيلي، و يتوسل لذلك بعدة وسائل هي:
-تنمية تركيا اقتصاديا لأقصى حد يمكنه تحقيقه و ذلك لحيازة القوة الشاملة كدولة و للحصول على تأييد الشعب التركي داخليا لحزب أردوغان بما يتيح له اطلاق يده في العمل السياسي و الاقتصادي داخليا و خارجيا.
-اكتساب التأييد الأمريكي و الأوروبي لخطواته الاقليمية و الدولية و يتوسل لهذا بحيل شتى آخرها محاربة ارهاب داعش.
-اقامة شراكات و تحالفات اقليمية مهمة تساعده على تحقيق سياسته الاقليمية و الدولية مثل تحالفه مع قطر و حماس و أكراد العراق و اخيرا السعودية.
-الحفاظ على شعرة معاوية مع أغلب غرمائه مثل علاقاته مع إيران و علاقته السرية مع إسرائيل و هدنته لسنتين متصلتين مع تنظيم العمال الكردي.
و يوثق أردوغان علاقاته بالقوى التي تناهض المشروعين الأمريكي و الإيراني بالمنطقة و يساندها لكنه يلعب في الملعب المأمون له فقط (بحسب ما استخلصته من المعلومات المعلنة) فيصعب أن يجازف بما يثبت علاقة له أو مساندة لقوى مصنفة أنها إرهابية بشكل قاطع لدى أميركا و أوروبا (باستثناء مساندته القوية العلنية و الخفية لحماس) و لكنه قوي و أداءه السياسي قوي فربما يغض الطرف عن دعم لهذا أو ذاك بشكل يصعب على خصومه إثباته عليه.
 
-المشروع الجهادي العالمي
 
تيار الجهاد العالمي متمثل في منظمة القاعدة و فروعها ، و قد مر بثلاثة أطوار و آخرها هو طور رأت فيه الفروع المحلية لشبكة القاعدة أن ضغوط الواقع و مقتضياته (من حيث زيادة أعداد أعضائها في بقاع جغرافية محددة و حاجة هذا العدد لحيز جغرافي يأمن فيه على نفسه و أسرته و يخزن فيه معداته و يستقبل فيه الوافدين و المتعاطفين الجدد و لا يمكن أن يتأتى له ذلك في بيت أو مزرعة فقط كما كان الحال سابقا) تجعله محتاجا الى التحيز جغرافيا لبقعة من الأرض يحميها و يتحصن بها و تكون معروفة ليلوذ بها داعموه و من هنا نشأت امارات تابعة للقاعدة بعضها معلن و بعضها غير معلن مثلما حدث في العراق أيام أبو أيوب المصري و أبو حمزة المهاجر و في اليمن و الصومال و مالي و غيرها.
و من هنا تظهر استراتيجية التنظيمات التابعة للقاعدة في الصراع الحالي
و هو سعيها لتكوين دولة اسلامية في مكان ما في المنطقة العربية أو أفريقيا كي تتمكن أن تأمن على نفسها فيها و تحقق النموذج الاسلامي في الحكم الذي طال انتظاره منذ بداية حربهم مع أمريكا (بداية من الصومال في بداية التسعينات من القرن العشرين و حتى الآن) ، و رغم أن مثل هذه الدولة قد تكون قاعدة و منطلقا لمواصلة الحرب ضد الولايات المتحدة الا أنها قد تلين موقفها من الولايات المتحدة كما فعلت النصرة مؤخرا أو قد تهدئ من اطلاق الهجمات كما هو الحال في الصحراء الأفريقية و الصومال و اليمن مؤخرا و غيرها.
و هكذا بات الهدف العملي و الأقرب للتطبيق في الصراع الدائر بالمنطقة بالنسبة لفروع القاعدة هو إقامة الدولة الاسلامية في بقعة جغرافية ما كلما أمكن و سوف يستمرون في الحرب حتى يتحقق لهم ذلك.
 
-مشروع تنظيم الدولة
 
نشأ تنظيم الدولة عبر الاستقلال عن القاعدة و هذا الاستقلال و ما واكبه من تغير فكري له أسبابه و طبيعته و ليس هنا مناسبة تفصيله و لكن على كل حال فتنظيم الدولة خرج من عباءة القاعدة بعد طورها الأخير و هو طور اقامة الدولة لكن تنظيم الدولة أخذ يعطي اقامة الدولة زخما إعلاميا كبيرا كي يلعب على وتر المشاعر الجياشة للمسلمين الذين يعانون من الظلم و الاستضعاف أو الاغتراب و يتشوقون لدولة تجسد مبادئهم يعيشون في ظلها آمنين، و من هنا فتنظيم الدولة قاتل و يقاتل للحفاظ على صورته كدولة لأنه جعلها مبرر وجوده و مصدر شرعيته و أعلن أن أمير التنظيم هو خليفة المسلمين.
 
-المشروع الجهادي المحلي
 
هو تيار اسلامي جهادي رأى أن من الصعب الدخول في حرب مع النظامين الاقليمي و الدولي بجانب حربه مع النظام المحلي الحاكم و لذلك فهو لا يعلن مشروعا أو أهدافا لا اقليمية و لا دولية و إنما يركز على أهداف و مشروع محلي قائم على اقامة حكم إسلامي محلي داخل دولته مستخدما الجهاد المسلح لتحقيق مشروعه و قد رأينا تبلور هذا الاتجاه في عدد من المنظمات المهمة بكل من سوريا و ليبيا و أفغانستان و غيرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و نواصل التحليل في الحلقة التالية غدا إن شاء الله.

إقرأ الحلقة الثانية هنا

و إقرأ الحلقة الثالثة هنا

و إقرأ الحلقة الرابعة هنا

و إقرأ الحلقة الخامسة و الأخيرة هنا

الحرب في سوريا - صورة أرشيفية

التقليد هو الأوجب الآن قبل الهجرة الى ساحات الجهاد

نشر العلم مع تقليد الأكفاء الثقات كلا في تخصصه في الأمور الدقيقة التي يصعب فهمها هو الحل و الأوجب الآن للقضاء على فتن الغلو و الانحلال و الكفر و محاربة الدين جميعا، بمعنى أن نمتنع عن الهجرة الفردية للساحات المنتشرة الآن، و يبحث كل أهل بلد أو مدينة عن من يعرفونه من أهل الدين و الصلاح و العلم و الثقة في بلدهم أو مدينتهم فيقلدونه في مجال تخصصه في الأمور التي يصعب عليهم فهمها ، لأن كل أهل مدينة يصعب عليهم الانخداع بأي من مواطنيهم لطول المعايشة و معرفة تاريخ و سلوك بعضهم البعض، و لعل مما يلمح لتأييد هذه الفكرة قول جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه للنجاشي : “جعفر بن أبي طالب فقال له : أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله” ..الخ الحديث (رواه أحمد و صحح أحمد شاكر و الألباني سنده)  و الشاهد فيه قوله ” منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه”.

أما الهجرة للساحات الآن فرديا فتفتح باب الافتتان لأن الشخص يدخل على من لا يعرفهم و يتوجب عليه أن يسمع لهم و يطيع في أمور يصعب عليه هو نفسه تقييمها و تقديرها لقلة العلم العميق بين المسلمين في هذا الزمان في مجالات الفقه و السياسة الشرعية و الاستراتيجية و الاقتصاد و الادارة العامة فضلا عن العلم بالواقع الجديد الذي انتقل اليه و جغرافيته السياسية و العسكرية و الاسلامية، إن اكتساب العلم في هذه الأشياء بدرجة عميقة و راسخة قد يأخذ من 3 سنوات الى 10 في التخصص الواحد اذا توافرت المناهج و المراجع و المعلمين، فالحل العاجل هو تقليد من هو معروف و موثوق في علمه و صلاحه و هذه الموثوقية يعرفها كل أهل بلد عن بعضهم البعض.

استخدام عالمية العمل الإسلامي بشكل فردي الآن تتيح لأهل الجهل و الغلو أن يقودوا الشباب الى المهالك و يستنزفوا موارد الأمة البشرية و الاقتصادية ليس فقط في عبث بل و في تمزيق الأمة نفسها و نشر الفتن فيها، فينبغي أن تكون “عالمية العمل الإسلامي” الآن عملية لها معايير و ضوابط محددة و محدودة الى أن تنصلح الأمور و يصير للمسلمين مرجعية عالمية متفق عليها و لا يختلف عليها أي من أهل الصلاح.

و بجانب هذا يجب نشر العلم بين الشباب و بين جميع الناس لأنه من المؤسف أن أبجديات الاسلام في الفقه و العقيدة شبه منعدمة الآن فضلا عن انعدام العلم في أدوات التفكير العلمي الاسلامي المتمثل في أصول الفقه و القواعد الفقهية و علوم الحديث… و هذا بين نشطاء الاسلاميين و الحركيين المهتمين منهم (الا من رحم الله) فما بالنا بغير ذلك.

هامش

تعريف التقليد لدى علماء أصول الفقه هو : اتباع قول الغير بغير حجة ، و انما قالوا به لأن العوام أو من هم من غير أهل العلم يصعب أو أحيانا يستحيل عليهم فهم الدليل أو فهم دلالته على الحكم ، و رغم اختلاف العلماء سلفا و خلفا على حكم التقليد بين من يجيزه و من يحرمه و من يوجبه إلا أنهم أجمعوا على أشياء فيه منها تقليد المستفتي للمفتي في حادثة نزلت به ، و منها من تحقق عجزه عن إدراك دلالة الدليل على الحكم فإنه يقلد المجتهد فيه و حتى من حرموا التقليد كالشوكاني اتفقوا على جواز التقليد في هذه الحالة ، و نحن نرى أن التقليد الذي اعتبرناه حلا الآن هو من هذا النوع الآخير.