وسائل الاعلام - صورة أرشيفية

موقف بعض الإسلاميين من وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية

مقولة (أنت تأخذ معلوماتك من وسائل إعلام الكفار)، التى يرفعها بعض الإسلاميين فى وجه كل تحليل نقدى لسلوكهم السياسى أو الاستراتيجى هى مقولة باطلة، وإن كانت توجد بها جزئية صغيرة صادقة فهى جزئية مبالغ فيها، لأن وسائل الإعلام الأوربية والأمريكية هى موجهة بالأساس لمواطنيها كأبرز مصدر للأخبار والمعلومات، فلابد أن تصدق بدرجة كبيرة، وإلا نبذوها، كما أن تنافس وسائل الإعلام هذه لأسباب تجارية أو سياسية أو أيديولوجية تجعل عملية إخفاء المعلومات صعبة ولو حدثت أحيانا فإنها لا تدوم وبالجملة فلا يمكن أن يخفوا المعلومات الجوهرية طوال الوقت، لاسيما فى عصر تويتر والفيس بوك والمدونات، حيث يمكن لأى محرر أن يعلن ما منعوا نشره، فضلا عن استقباحهم للكذب والفبركة فى هذا المجال كقيمة عليا لديهم بعكس الإعلام الدجال فى العالم الثالث، هذا عن واقع الأمر، أما عن الحكم الشرعى فقد ذكر علماء كبار من السلف الصالح كالسيوطى وغيره أنه يمكن الاعتماد على ما ينقله كافرون مادام كذبهم فى هذا النقل مستبعد وضربوا مثالا باعتماد علماء الإسلام جميعا على قبول ما نقله الوثنيون من العرب من أشعار العرب من مرحلة ما قبل الإسلام وحتى بعيد ظهور الإسلام، واعتماد علماء اللغة وأصول الفقه والتفسير والفقه على هذه الأشعار فى الاستدلال، رغم أنها هى المنقولة عبر كفار، وأورد السيوطى هذا الكلام فى مرجعه الشهير والمهم فى مجال علم مصطلح الحديث “تدريب الرواى فى شرح تقريب النواوي”، كما أنه موجود فى مراجع مهمة أخرى عديدة.

وسائل الاعلام الموجهة من حكومات

يبقى أن نشير إلى عدة أمور على النحو التالى:
أول أمر وهو مهم كى يكون الكلام دقيقا وهو أن مواقع الويب أو الفضائيات الخاصة بمؤسسات إعلامية غربية (خاصة الممول منها من وزارات خارجية بلادها كالحرة والبى بى سي BBC ) الموجهة للعرب باللغة العربية غير معنية بكلامنا عن الصدق النسبى لدى وسائل الإعلام الغربية لأن تتبع هذه الجهات يثبت عدم حيادها فى كثير أو قليل من الأحيان، وعلى سبيل المثال فذات مرة رأيت تقريرا عن الاعتقال والاختفاء القسرى بمصر منشورا على BBC الإنجليزية بصفحة الموقع الرئيسية، وظل منشورا عليها، بينما لم يظهر أبدًا على مثيلتها BBC باللغة العربية.. وهذا مجرد مثال.

ولكن على سبيل المثال أيضًا أظن أن مواقع فرانس 24 ومونت كارلو باللغة العربية أكثر حرية رغم أنى لم أتابعهما باللغة الفرنسية لأنى لا أعرفها.

الأمر الثانى – كلامى بشكل عام منصب على المعلومات وليس التحليل ولا الرأي، لأن التحليل رهين منهاجية المحلل وشخصيته، وكذلك مقالات الرأى رهينة بتوجه ورأى صاحبها.

الأمر الثالث- أن كلامى لا يعنى التسليم بأى كلام يرد فى أى من هذه الوسائل، ولكنه يعتبر ويقارن بغيره للتأكد من صحته ومن ضمن ما يقارن به منطق الأحداث ومنطق التاريخ ومنطق الواقع الاجتماعي.. وهذا طبيعى ففى علم الحديث، إنما علمنا صدق الراوى الصادق وكذب الكاذب بالمقارنة.
الأمر الرابع- قد يرى البعض بعد قراءة كل هذا التفصيل أن الأمر يحتاج جهدا وخطوات مركبة ومعقدة، وهذا طبيعى لأنه من غير المعقول أن يتصدر شخص للكلام فى الأمور العامة وإصدار الأحكام، التى تحدد مسارًا للأمة دون عناء وجهد وقراءة ومقارنة وتفكر.

أجهزة الاستخبارات الكبرى في العالم

ومن ناحية أخرى يجب أن نفهم أن طريقة عمل أجهزة الاستخبارات الكبرى في العالم، التى تهتم بمتابعة المعلومات وتحليلها يشمل متابعة ما تبثه وسائل الاعلام، فمن المعروف أن جهاز المعلومات بداخل كل أجهزة الاستخبارات الكبرى في العالم ينقسم إلى عدة أقسام:
القسم الأول- يستقى المعلومات عبر متابعة ما يسمونه بالمصادر العلنية، ويقوم هذا القسم على متابعة كافة وسائل الإعلام من فضائيات ووكالات الأنباء وصحف ومجلات ومواقع الويب، ويقوم بتجميع المعلومات منها وتصنيفها وتحليلها وتقديم تقارير بها مرتبة ومصنفة إلى ذوى الشأن.
القسم الثاني- وهو مختص بالمصادر السرية، وهذا يعتمد على فرعين آخرين:
فرع التجسس الإلكترونى والقائم على تجميع المعلومات عبر التجسس على الاتصالات واعتراضها سواء تليفونات أو ويب أو التصوير عبر الأقمار الصناعية وطائرات التجسس والتنصت.
والفرع الثاني- يقوم على زرع أشخاص عملاء كجواسيس فى قلب الهدف بجانب العلاقات مع زعماء وقادة مطلعين ويقبلون تقديم المعلومات لهذه الجهة.
ومن هنا فالمصادر العلنية التى يستخف بها أكثر أبناء الحركات الاسلامية ويقلل بعضهم من شأنها هي مصادر معتبرة كأحد مصادر المعلومات بدرجة ليست قليلة فى كافة أجهزة الاستخبارات الكبرى لجمع المعلومات، تلك المعلومات التي تستخدم في اعداد التقارير وتقدير الموقف الذي يُقدم عادة لقادة الدول الكبرى والمتوسطة ويساهم في صنع قراراتهم.

الاستخبارات مفتوحة المصدر وشبكة الانترنت

واشتهر اليوم مصطلح “الاستخبارات مفتوحة المصدر” وصار يستخدمه كثير من الصحفيين والاعلاميين بتشدق أو تفاخر كأنه شيء غريب وجديد وصعب، بينما هو نفسه أسلوب استخدام المصادر العلنية لجمع المعلومات وتنصنيفها ثم تحليلها، لكنه صار أسهل وأغزر مادة بسبب وجود شبكة الانترنت، حيث صارت وكالات الانباء والصحف والمجلات والقنوات التليفزيونية كلها متاحة بكبسة زر، بل زاد عليها وسائل الإعلام الجديد مثل السوشيال ميديا والمدونات والمنتديات وتطبيقات التواصل الاجتماعي والانساني الكثيرة، وبجانب ذلك صارت توجد برمجيات وتطبيقات يمكنها البحث عن الأشخاص او المعلومات، وجمع المعلومات اللازمة من أجل تحليل سلوك ومواقف الأشخاص في كافة المجالات، فضلا عن تتبع أرقام موبايلاتهم وتحديد أماكن وجودهم بالتوقيت الدقيق، سواء عبر الموبايل الذي يستخدمونه أو عبر استخدامهم شبكة الاتصال بالانترنت، أو أماكن وتوقيتات استخدام كارت البنك في الدفع أو نحوه سواء في سوق أو ماكينة ATM أو شيء متصل بالانترنت او الموبايل، ناهيك عن اختراق شبكات كاميرات المراقبة العامة أو الخاصة لتحديد وجود شخص ما أو شيء ما في مكان و زمان ما.

ومن هنا فالدعوة لإهمال أي من المصادر العلنية للمعلومات أيا كان مصدره بذريعة أي شعار عاطفي أو حماسي فهو درب من دروب السذاجة والبلاهة والدجل.

 

قصف ثورة الشعب السوري

دعوة للتفكر في حال المسلمين اليوم

يتعطش المسلمون للانتصارات والبطولات، وذلك منذ الهزيمة المريعة التى أوقعتها دول أوربا بالعالم الإسلامى فى العصر الحديث، خاصة منذ القرن 19 الميلاد وحتى الآن، وهذا أدى لأزمة خطيرة، وهى أن أنواعا من متهورين وانتهازيين ومتاجرين بقضايا الإسلام والمسلمين ومتصدرين للقيادة بغير كفاءة ولا استحقاق استغلوا هذا التعطش لتحقيق رغباتهم الشخصية، وذلك عبر ركوب واستغلال مشاعر المسلمين وخداعهم بانتصارات أحيانًا وقتية قصيرة العمر، وفى أغلب الأحيان هى وهمية أو افتراضية ولا تمت للواقع الحقيقى بصلة.

لقد كان من الممكن أن تمثل دعوات الانضباط بالفقه، وبفقه السياسة الشرعية، والتعقل فى إدراك الواقع العملى طريقا بديلا يلوذ به المخلصون والصادقون، ذوو الاتزان النفسى من المسلمين، إلا أن الأمة الإسلامية كما ابتليت بالمتهورين والانتهازيين ومحبى الرياسة من غير الأكفاء، فقد ابتليت أيضا برموز متخاذلة أشربت قلوبها الجبن وحب الدنيا، استخدمت دعوات التعقل والتفكر التفقه والحكمة كستار لجبنها وتخاذلها وتعلقها بأهداب الدنيا، وهو أمر شوه وشوش الأمر فى عقول عامة المخلصين والصادقين من شباب الأمة، فصار بينهم وبين دعوات التعقل والتفقه والحكمة حاجز نفسى لارتباطها فى أذهانهم بالتخاذل والجبن، وانطلقوا يتسابقون على الهلكة تحت رايات الانتصارات الوهمية أو المؤقتة، أو حتى الافتراضية.
ولكن على كل حال فإنه لا سبيل صحيح إلا سبيل النبى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو سبيل كتبنا عنه مرارًا سابقًا، وسنستمر فى الكتابة عنه، إن شاء الله.

قال رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم “انما العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتوق الشر يوقه” (حديث حسن) و قال تعالى “و لقد يسرنا القرآن الذكر فهل من مدكر “.. و قال تعالى “و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”.

اعتصام رابعة - صورة ارشيفية

حسابات الحركات الإسلامية في الاستراتيجية و التكتيك

يقول موريس دوفرجيه “في الصراع السياسي كما في جميع أنواع الصراع المعقدة يعمل كل امرئ وفقا لخطة تصورها من قبل و أنضجها كثيرا أو قليلا و لم يحسب فيها حساب هجماته و حدها ، بل حسب فيها أيضا حساب ردود العدو و وسائل مواجهة هذه الردود.
فهذه الخطة في القتال هي ما يسمى بالاستراتيجية، و مختلف العناصر التي تتألف منها الاستراتيجية (هجمات على العدو و أجوبة على ردوده) هي ما يسمى بالتكتيك”أ.هـ. من:  موريس دوفرجيه، المدخل الى علم السياسة ص 192.
نقلت هذا الاقتباس بنصه من أجل جملة محورية مهمة و هي ” بل حسب فيها أيضا حساب ردود العدو و وسائل مواجهة هذه الردود”، لأن هذا الأمر من أبرز نقاط الضعف لدى مخططي الحركة الاسلامية السنية في العالم كله و من أهم أمثلة ذلك أن جميع الحركات الاسلامية (بما فيها الاخوان المسلمون منذ الشيخ حسن البنا نفسه) منذ نشأتها و حتى الآن لم يحسبوا ردود فعل القوى العالمية و المحلية المعادية لهم، و في الحالات المحدودة التي حسبوا فيها جانب من رد الفعل المضاد فقدروا له من الرد ما يساوي ردا واحدا (خطوة واحدة)، و لم يتحسبوا للرد المعادي التالي لردهم على خطوة العدو الأولى.

و لنضرب مثالا من حادث قريب و هو تحسب الإخوان المسلمين في مصر من الانقلاب على محمد مرسي، فأولا جاء ردهم متأخرا، و ثانيا أعدوا لرد واحد وهو الاعتصام و التظاهر في ميداني رابعة و النهضة، و لم يتحسبوا لما بعد هذه الاعتصامات و المظاهرات.

و لنضرب مثالا آخر من اتجاه آخر و هو منظمة القاعدة عندما ضربت سفارتي أمريكا في كينيا و تنزانيا كانت أعدت خططا و تجهيزات، لضرب 120 هدفا أمريكيا حول العالم معظمها أهداف عسكرية، و لكن أميركا اعتقلت قياديا بالقاعدة بعد العمليتين بشهر و معه لاب توب به تفاصيل هذه الخطط فأحبطتها كلها، كما اعتقلت عددا كبيرا من قادة القاعدة حول العالم فأحبطت أعمالها منذئذ وحتى 2001.

فكأن المخططين الاسلاميين يفكرون كما أن الذي يعاديهم سيتلقى الضربة ثم يضع يده على خده منتظرا تحقيق هؤلاء الإسلاميين لمزيد من الخطوات و هو ساكن بلا فعل.
الوحيد الذي رأيته أشار لجانب واحد ما من هذا الأمر من بعيد هو الأستاذ فتحي يكن رحمه الله، عندما تكلم عن ظاهرة أسماها “التكامل و التآكل”، حيث أكد أنه من الملاحظ أن الحركة الاسلامية كلما اقتربت من الاكتمال من حيث بناءها و اعدادها لتحقيق هدفها فإنها تواجه هجوما من أعدائها يقضي عليها لفترة ما، بما يفرض عليها العودة من نقطة البداية من جديد عندما تتاح لها الفرصة للعمل ثانية.
و اكتفى الأستاذ يكن بهذا و لم يحلل و يبحث عن سبب هذا الأمر، فضلا عن أن يحدد علاجا أو حلا لهذه المشكلة التي تمنع الحركة اللإسلامية من تحقيق هدفها طوال قرن من الزمان و حتى الآن.
و أرجو التركيز هنا على أصل الموضوع و هو التخطيط الصحيح، بما يشمل ردود أفعال الخصوم و الرد على ردودهم بمائة خطوة للامام متسلسلة من الأفعال و ردود الأفعال المتبادلة.