مشاهد من مضايا بسوريا

لماذا لا نواجه أنفسنا و نعترف بأخطائنا لنتغلب على هزائمنا ؟

أشعر بأن هناك حالة نفسية منتشرة بيننا وهي حالة الهروب من مواجهة أخطاءنا وإخفاقاتنا السياسية والاستراتيجية و أي من عوامل القصور في أنفسنا، تلك العوامل والأخطاء التي تسببت في حالة الهزيمة والهوان التي حلت بأغلب الحركات الإسلامية السنية وبالتالي تعيشها الأمة الإسلامية الآن.

و من هنا فكلما ذكر كاتب أحد أخطاءنا نجد أننا ندافع وندفع النصيحة أو التقييم بدعوى الظروف الصعبة والضغوط والمؤامرات والخيانة والغدر، فإن رد علينا الناصح او كاتب التقييم بأن حزب الله و الحوثيين حققا نجاحات قالوا: هؤلاء شيعة، وتساندهم إيران وهم عملاء لأمريكا وإسرائيل، فإن قال لكن حماس وأردوغان نجحا رغم انهم ليسوا من الشيعة ولا عملاء، ردوا : لا، هم متهاونون او متنازلون أو الأمرين معا.

وهكذا ندافع عن هزيمتنا وأخطاءنا وكأنه لا أحد في العالم تحاك المؤامرات ضده غيرنا، ولا أحد مستهدف غيرنا، ولا أحد يمارس الصراع السياسي تحت الضغوط غيرنا، ونرفض أن ننتفع بدروس سياسية واستراتيجية من ما تفعله إيران وحزب الله لأنهم شيعة، ومن حماس والجهاد الفلسطيني لأنهم متهاونون بالتعامل مع الشيعة وغيرهم، ونرفض التعلم من أردوغان لأنه متهاون وعميل لأمريكا وإسرائيل وعلماني.

ونعزف عن دراسة ما فعلته وتفعله باكستان وماليزيا وكوريا و الصين أيضا بسبب خلافات الفكر والعقيدة، وكأن الدين يأمرنا بمثل هذه العزلة الغريبة، وكأن النبي صلى الله عليه وأله وسلم لم يسن لنا منهج المقارنة بشكل عام ومع المتفوق بشكل خاص، والانفتاح على كل مفيد عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (هممت أن أنهي عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم)، وعندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لو كان الايمان بالثريا لتناوله رجال من الفرس)، وعندما أرسل مجموعة من صحابته صلى الله عليه وآله وسلم الى جنوب بلاد الروم لتعلم صناعة المنجنيق وأمرهم ان يتعلموها كأهلها، وعندما أمر صحابيا بتعلم اللغة السريانية ليترجم له، وعندما أمر أسرى بدر من قريش بتعليم أطفال المسلمين الكتابة، وعندما قبل اقتراح سلمان الفارسي بحفر الخندق، وعندما استعان صلى الله عليه وآله وسلم في هجرته بمرشد وثني..

إلى غير ذلك مما يشهد ويثبت أن العلم والحكمة ضالة المؤمن.. لا أن نرفض العلم والحكمة بذرائع شتى، ونُعجب بل نفتخر بفشلنا ونمجده، شأننا في ذلك شأن كل ديكتاتور مستبد، لا يقبل تغيير ولا تطوير ويتغنى بفشله وهزائمه، زاعما أنها أمجاد وإنجازات.

القوات الأمريكية في العراق

الوجود العسكري الأمريكي والتركي في العراق وسوريا وموضعه من السنة الربانية

منذ عدة أيام لاحظت خبر وصول قطع بحرية روسية إلى قرب سواحل سوريا وتحمل صواريخ كروز يزيد مداها عن ألفي كم، وقالت روسيا أن هدفها دفاعي وما أن رجعت للبيت حتى وجدت خبر وصول قوات أمريكية الى العراق يصل عددها لأكثر من 1800 مقاتل بمعداتهم، أول تساؤل كان قفز لذهني مع الوصول الصاروخي الروسي ولكن سرعان ما جاء اول طرف للاجابة مع الوصول الامريكي، فروسيا عرفت نية الولايات المتحدة للتواجد العسكري لمزاحمة الاجندة الروسية وربما جانب من الاجندة الايرانية/الشيعية فعززت روسيا وجودها لتحد من مخاطر هذه المزاحمة، وتتابعت بعد ذلك بيوم او يومين الأخبار لتؤكد هذا الظن، فأمريكا تقرر ارسال الفرقة ١٠١ للعراق وهي فرقة محمولة جوا لها خبرة بالعراق وشاركت بدور فعال في غزو العراق أيام بوش الابن، ونجد جون بايدن يعلن من تركيا أنه إذا لم ينجح الحل السياسي في ‫سوريا‬ فإن الولايات المتحدة وتركيا‬ لن تسكتا وستتدخلان عسكريا لضرب الارهاب في سوريا وأردوغان يعلن ان ‫‏أكراد‬ سوريا وتركيا هم كداعش سواء وان تركيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا و ‫قطر‬ لن تسمح للإرهاب بالتمدد في سوريا وأن تركيا لن تسمح بتموضع روسي في شمال سوريا.
ليس هدفي هنا سوق التحليل السياسي وانما هدفي أن أتخذه مدخلا لذكر قاعدة مهمة في مجال فهم فلسفة حركة الأحداث أو ماهو القانون الذي تتحرك الأحداث وفقه (وهي نفسها ما تسمى بفلسفة التاريخ) ومن ثم نفهم مستقبل أي أحداث او نتوقع مسارها العام على الأقل، فعندما دخلت روسيا بغشمها وإجرامها الى سوريا وسفكت دماء اهلنا هناك اسودت الدنيا في أعيننا جميعا ولكنني كنت أعلم بل أيقن أن أمرهم وأمر إيران/الشيعة لن يتم و سوف تسحقهم عجلة التاريخ وربما كتبت عن هذا كثيرا وقتها، الآن تتضح صورة سنن الله الثابتة التي لا تتبدل في مجال حركة الأحداث وأول معلم من معالم هذه السنة هي قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [سورة آل عمران ١٤٠- ١٤١]
فلا مناص من هذه المداولة (بغض النظر عن تفاصيل حكمة وأسباب المداولة).
ولعل مما يوضح المدوالة هذه أيضا قوله صلى الله عليه وآله وسلم (حق على الله أن لا يرتفع شئ من الدنيا إلا وضعه) [رواه البخاري وأبوداود والنسائي].
وهنا يبرز سؤال مهم وهو: ما هي آليات تحقق هذه المداولة؟
ولا شك انه توجود عدد من الآليات التفصيلية في هذا المجال وردت في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلا أن أبرز هذه الآليات وأكثرها كلية هي آلية المدافعة (أي الصراع)، قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [سورة البقرة 251].
وقال سبحانه أيضا: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [سورة الحج 40].
وقد كتبنا تفصيلا عن مفهوم هذا التدافع أو الصراع و ركائزه أو أنساقه الفرعية في مقال سابق هنا.
وبعيدا عن أي تفصيلات اخرى فإننا نريد أن نشير إلى أنه اذا شاهدنا علوا للظلم أو الظالم فلا ينبغي أن نظن أن هذه هي نهاية المطاف فالأيام دول، وما ارتفع شئ إلا وضعه الله، فإن نازعتنا أنفسنا متسائلة: كيف؟ فلنرد عليها بقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).

موازين القوى الاستراتيجية - صورة أرشيفية

موازين القوى الاستراتيجية بين الإفراط و التفريط عند أمتنا الإسلامية المعاصرة

مسألة توازن القوى أو الميزان الاستراتيجي أو موازين القوى الاستراتيجية هي ضحية شخص لديه افراط  أو آخر لديه تفريط من قادة و أبناء الحركة الإسلامية.

فهناك متهور ومندفع متجاهل لحقائق الميزان الاستراتيجي مدعيا أنه بالايمان وحده سيقلب كل الموازين، وهذا بينا فساده مرارا سابقا اذ سنة الله في خلقه الأخذ بالأسباب وإلا لما استغرق النبي صلى الله عليه واله و سلم 23 عاما للتمكين للإسلام في الجزيرة العربية ثم استغرق خليفته نحو السنتين لترسيخ هذا التمكين، ولم يخرق الله سنته الكونية في جهاد النبي صلى الله عليه و آله و سلم ولا في جهاد الصديق ولا أعفاهم من الأخذ بالاسباب الكونية.

وكان صلى الله عليه و آله و سلم يلبس درعين ويحرص على تطوير جيشه ودولته، وفي مجال تطويره صلى الله عليه و آله و سلم للجيش فلنتأمل المقارنة بين جيش معركة بدر الكبرى، حيث كلهم مشاة وكثير منهم بلا دروع وبين جيش فتح مكة حيث كانت كتيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرين والأنصار كلهم فرسان ولايرى منهم إلا عيونهم من دروع الحديد التي غطت أجسامهم، وغير هذا كثير مثل استخدامه المنجنيق وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول من أدخله الجزيرة العربية.

ويكفي في هذا المجال أن علماء الإسلام قديما وحديثا اتفقوا على أن القيام بالواجب منوط بالإستطاعة وأن العاجز يسقط عنه الواجب، ولاشك أن الذي عليه تحديد مقياس الاستطاعة هو الاستراتيجي المدرك لأبعاد وطبيعة موازين القوى، وليس العوام ولا القادة الذين تنحصر قدراتهم الادارية أو السياسية أو العسكرية في المستوى التكتيكي.

وعلى الجانب الآخر نجد الإفراط والمبالغة في تصور طبيعة الميزان الاستراتيجي، ومن ثم الانبطاح إزاءه بحجة (ايش نعمل في ظرف كهذا.. كل الظروف والقوى ضدنا أو كانت ضدنا…الخ) و هنا دائما يحضرني واقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد 13 عاما صبرا ودعوة في مكة وليس معه الا نحو 154 مؤمنا، و يهاجر للمدينة و يؤسس دولته هناك، فما كان الميزان الاستراتيجي حينئذ في الجزيرة العربية؟ وكيف كان وضع النبي صلى الله عليه و اله و سلم و صحبه؟ وكيف كان وضع مكة و قريش في هذا الميزان؟!…
ثم يحضرني حال الصديق أبي بكر عندما ارتد العرب و لم يعد مسلما معه سوى مكة والمدينة والطائف بينما كل الجزيرة العربية ضده هم والفرس والروم.. فكيف كان الميزان الاستراتيجي بينه و بين كل هؤلاء حينئذ؟! و هل انبطح أبو بكر أو لانت قناته بدعوى (ما فيش غير كده) او بدعوى (كل القوى ضدي و انا وحدي انا و الصحابة)؟!

مراكز التفكير والبحوث

من يفكر للحركات الإسلامية ؟ و أين مراكز بحوثها السياسية ؟

كلنا يعلم من يفكر ويضع الدراسات لمخططى القوى الكبرى المتشابكة فى منطقتنا العربية مثل دول الاتحاد الأوروبى والناتو والولايات المتحدة وإيران وتركيا، فكل هذه الدول لها مراكز أبحاثها الحكومية وغير الحكومية، التى تفكر لها وتضع لها الدراسات، فهى بمثابة بيوت خبرة سياسية واستراتيجية  “think tank” ، فأين مراكز البحوث التى تفكر للقوى الرئيسية المتبنية لمشروع الإحياء الإسلامى، ومن يضع لها الدراسات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية وغيرها، كى يستنير بها المخططون؟

يوجد على الساحة الآن، القوى التالية:
“تنظيم الدولة”
“شبكة تنظيمات القاعدة” 
“الإخوان المسلمون” 
“منظمات الجهاد المحلى”
“السلفية الحركية”

وكلها تعلن أنها تسعى لتحقيق عملية الإحياء الإسلامى، وكلها تخوض الصراع الساخن الدائر على أشده فى أفغانستان وباكستان وإيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وكل الدول العربية فى إفريقيا تقريبًا، بالإضافة إلى مالى ونيجيريا وأثيوبيا وغيرها، فما المراكز البحثية المتفرغة للبحث والدراسة والتفكير ليل نهار لقادة هذه القوى كلها، أو بعضها؟

لا يوجد “تقريبًا”..

هناك حفنة صغيرة جدًا من مراكز البحوث الإسلامية ولكنها مع قلتها الشديدة فهى تتسم بعدد من الخصائص السلبية جدًا وأهمها أمرين: 

الأول- هناك حركة إسلامية مشهورة لها عدد من مراكز الأبحاث ــ رغم قلتها البالغة بالنسبة لحجم وأهمية الجماعة ــ إلا أنها أكثر المراكز البحثية الإسلامية العربية، لكن مراكزها البحثية تضعفها الآفة المشهورة، التى تضرب كافة مؤسسات هذه الحركة فى كل زمان ومكان، وهى أن جوهر وظيفة أى منها ليس هو تحقيق أهدافها المعلنة وإنما هدفها إتاحة فرصة عمل لأعضاء الجماعة وأحيانًا قلة من أصدقاء الجماعة المقربين ممن أعلنوا تخصصهم أو امتهانهم لهذا العمل، (الذى هو مجال معلن لعمل المؤسسة) ولا يهمهم مدى كفاءة الأشخاص هؤلاء ولا قدرتهم على تحقيق أهداف المؤسسة المعلنة..

الشىء المهم الوحيد هو الولاء للجماعة..

وهذا الأمر يفشل دائمًا مؤسسات هذه الحركة الإسلامية فلا تكاد تحقق أى من مؤسساتها أهدافها المعلنة، وإن نجحت فى الهدف غير المعلن وهو تشغيل أعضاء الجماعة، ولذلك فإن الجو العام حول هذه الجماعة يوحى بأن لديها مؤسسات متخصصة فى البحوث السياسية والاجتماعية و الإعلام والإدارة.. إلخ، وبالتالى تملك كوادر متخصصة فى معظم المجالات إلا أنهم فى حقيقة الأمر كوادر ضعيفة فى تخصصها حسبما أثبت الواقع عند اختبار المشكلات لهم فى أكثر من بلد عربى.
 وهناك عدد أقل من مراكز البحوث تتبع جماعات إسلامية أخرى أصغر وهذه قد تعد على أصابع اليد وبها نفس الآفة السابقة، فضلًا عن ضعفها وصغرها.
الأمر الثاني- هناك مراكز بحوث أقل من كل السابق لا تتبع جماعة ما ولكنها رهينة الأشخاص الذين يمولونها فلا يبحثون إلا من يريد الممول أن يبحثوه، فأبحاثهم لا تستجيب لمشكلات واقع العمل الإسلامى ومتطلباته وإنما تستجيب لرغبات المموليين، والذين غالبًا ما تكون رغباتهم غير مهمة للعمل الإسلامى والتحديات التى تواجهه.
 ربما الحل هو تكوين وقفية إسلامية لمركز بحثى كهذا بحيث لا يرتهن للممولين ولكن تبقى مشكلة أن يديره من يسند الأعمال فيه لذوى الكفاءة وليس ذوى الولاء التنظيمى أو الحزبى، وهذه مشكلة لا أعرف ما الحل لها، رغم أن تكوين الوقفية نفسها وإدارتها هو أمر تكتنفه العديد من الصعوبات. 
والعجيب أن أوروبا وأمريكا أخذوا نظام الوقف من الدين الإسلامى والحضارة الإسلامية، و يطبقونه الآن، أفضل من حالنا المعاصر.