منذ وفاة دكتور حسن الترابي وأنا أكبح نفسي ولا أريد أن أخوض فيما خاض فيه البعض بشأن أفكاره، لا في منشور ولا في مقال واكتفيت بتعليق خفيف ما عند احد انصاره لسببين:
الاول- أن الدكتور أفضى لما قدم ولا جدوى من اجترار أمور مرت ومع الوقت ستدفن معه لحد ما وصارت امام الله أكثر مما هي أمام البشر.
الثاني- أني أظن ان تأثيره منحصر في السودانيين، وبدرجة تالية بعض أنصار تيار الإخوان المسلمين حول العالم، وسينحسر هذا التأثير أكثر بمرور الوقت، بفعل التغيرات العميقة التي تشهدها الساحة الإسلامية التي تمر حاليا بحالة سيولة وتغير، بفعل انها مرحلة انتقالية لعصر إسلامي جديد.
ولكن.. قرأت عدة مقالات منذ قليل -أبرزها في موقع عربي كبير- تفخم بشكل زائد في ما تعتبره فكرا عميقا ومعقدا، ومتبحرا في علوم علماء السلف مع علوم العصر، واصفة لغته بأنها أعلى من أن يفهمها شباب الصحوة (خاصة السلفيين)، لأنها مزيج بين لغة الشاطبي وهيجل…
واستفزني كل هذا التفخيم والتضخيم ليس فقط لاني اعتبر هذا التضخيم كاذبا، ولكن لأني أعتبره فارغا من المضمون، فلغة الشاطبي في واقع الأمر هي لغة سهلة يفهمها كل طالب علم شرعي متوسط، فضلا عن المتقدمين والباحثين، وأين الصعوبة في لغة الشاطبي من لغة أمثال الآمدي والرازي وقبلهما الجويني والغزالي وغيرهم من علماء أصول الفقه.
لقد قرأت كتاب “تجديد أصول الفقه “للدكتور حسن الترابي منذ نحو ثلاثين عاما، وهو لدي يمكنني أن أراجعه، وأكتب تقويما تفصيليا عنه إلا أن رغبتي بعدم الانغماس في هذا النقاش المندلع يجعلني أقول كلمة مجملة عنه في فقرة واحدة أظنها كافية.
الكتاب في واقع الأمر هو كتيب لا يمكن شكلا أن يكون تجديدا لعلم عميق مدون في مئات المجلدات الكبيرة و هو علم أصول الفقه، أما مضمونا فهو لم يقدم أي “أصول فقه” لا جديد ولا قديم، فالرجل أثار دخانا كثيفا عبر مقدمات واقتراحات لم تتضمن اي فكرة سوى فكرة واحدة، هي أننا بحاجة لتجديد علم أصول الفقه القديم وطرح علم جديد ونحو ذلك، ثم بعد كل هذا الدخان الكثيف لم يقدم الدكتور الترابي علم أصول فقه جديد كي يقيمه الباحثون والعلماء تقييما علميا، من حيث إحكامه وتكامله ودقته وموضوعيته ووفائه بالأهداف الفقهية المرجوة، وقبل كل هذا ومعه وبعده امكانية تقييم مدى التزامه بمرجعية الكتاب والسنة والإجماع، لأن الكتاب والسنة وإجماع العلماء هو مرجعية أي علم شرعي.
لقد فعل الترابي هذا وكأنه يهدف لزلزلة او قلقلة بناء ما ثم تركه مهزوزا (حسب ظنه هو ومريديه) دون أن يكلف نفسه عناء وضع بديل له، ومع هذا ظل الدكتور الترابي وأنصاره حتى الآن يدندنون حول وجوب تجديد أصول الفقه، و أن الدكتور حسن الترابي رحمه الله جدده أو عمل على تجديده، ويروجون لذلك، وكل منصف محايد خارج أنصار الدكتور حسن الترابي يسأل: أين هو أصول الفقه الجديد الذي طرحه الدكتور حسن الترابي كي نعرفه أولا ثم ندرسه ونقيمه ونناقشه ثانيا؟!!