كاميليا شحاتة و أبو يحي

الفتنة الطائفية على الأبواب في مصر

في الأسبوع الماضي كثر النقاش في عدد من الصحف، خاصة الصحف الإلكترونية الإسلامية والمنتديات وموقع الفيسبوك، حول تزايد نفوذ الكنيسة القبطية المصرية السياسي والأمني بشكل فاق نفوذ الدولة المصرية نفسها واعتبر البعض أنها أصبحت دولة داخل الدولة، وجاء ذلك كله علي خلفية تسليم جهاز الأمن للسيدة كاميليا شحاتة زوجة الكاهن (التي كانت هربت من زوجها) للكنيسة المصرية حيث قررت الأخيرة حبس كاميليا في مكان مجهول تابع للكنيسة وعمل غسيل مخ لها بدعوي أنها تعرضت لغسيل مخ من مسلمين، كما صرحت مصادر كنسية في مناسبة تالية بأنها تتعرض لجلسات كهرباء (بيكهربوها في دماغها يعني) لأنها تعبانة نفسيا، وكل هذه المعلومات متداولة وموثقة علي الإنترنت وبعضها فيديو علي موقع يوتيوب وغيره.

القضية ليست قضية إسلام مسيحية (حتي لو كانت زوجة كاهن أو قس) إنما القضية هي حرية الاعتقاد وتنازل الدولة عن العديد من وظائفها بل أكثر من وظائفها للكنيسة القبطية .. كيف؟

الدولة وحدها لها حق الحبس والاحتجاز وفق القانون، وفي هذه الحادثة (وغيرها) الدولة أعطت الكنيسة حق الحبس والاحتجاز ليس وفق القانون بل بالمخالفة للقانون، فلا عقوبة بلا جريمة ولا جريمة بلا نص، وكاميليا شحاتة وغيرها ممن تحولن من المسيحية إلي الإسلام مُحتجزات في أماكن تابعة للكنيسة بلا جريمة وهنا تكمن السخرية، فبينما لا يملك نظام حكم الرئيس مبارك بكل سطوته أن يحتجز شخصًا بلا جريمة حتي إنه شرَّع لنفسه قانون الطوارئ ليتغلب علي هذه المسألة فإن الكنيسة القبطية بزعامة البابا شنودة باتت تعتقل المتحولات للإسلام بلا حتي قانون طوارئ وذلك طبعًا لأنه لا يوجد أي قانون في العالم يسمح للكنيسة المصرية بأن تحتجز أي أحد.

و يمكن تخيل ما يمكن أن يحدث أو يُقال لو قرر شيخ الأزهر تسلم عدد من المتحولين من الإسلام للمسيحية مثل نجلاء الإمام أو محمد حجازي وزوجته، وطلب من جهاز أمن الدولة إحضارهم لساحة الجامع الأزهر (علي اعتبار جدلي أن جهاز أمن الدولة سيطيع شيخ الأزهر بنفس درجة طاعته للبابا شنودة ونوابه) وقام الأزهر باحتجازهم داخل أروقته بدعوي أنهم جري لهم غسيل مخ وأنه سيغسل المغسول كما قال أحد القساوسة علي قناة «الحياة» علي الهواء، فماذا عساها تقوله منظمات حقوق الإنسان وكذلك الحقوقيون وكبار الكتاب والمفكرون الليبراليون في مصر حينئذ؟ طبعا كانوا قد ملأوا الدنيا صراخا وعويلا عن حرية العقيدة واستبداد الأزهر وتطرفه وعودة الدولة الدينية الديكتاتورية …إلخ ، أما الآن فكل هذه الجهات «صم وبكم» تجاه محاكم التفتيش التي تقيمها الكنيسة المصرية داخلها في القرن الـ21، قرن الحريات والعولمة وحقوق الإنسان، قرن لجنة الحريات الدينية بالكونجرس الأمريكي المنافق.

ورغم أن كل هذا أمر صادم جدا، لكن الأكثر فجاجة وصفاقة وهو ما لم يلحظه الكثيرون هو الصراحة التي بلغت درجة التبجح في تصريحات المصادر الكنسية حول القضية .. إذ كيف يعلنون علي الفضائيات ووسائل الإعلام إنهم يجرون غسيل مخ لكاميليا شحاتة الآن بإحدي الشقق بالقاهرة، حتي وإن عللوا ذلك بأنها سبق وأجري لها المسلمون غسيل مخ؟!..

وكيف تصرح مصادر أخري لبعض الصحف بأن كاميليا منهارة نفسيًا الآن وأنها تُجري لها جلسات كهرباء علي مخها؟!، أفهم أنهم يستخدمون حالة الهزال والتقزم التي يعاني منها نظام الرئيس حسني مبارك وحزبه الحاكم الآن للحصول علي مكاسب طائفية ظنا منهم أن ذلك سيدوم، وأفهم أن نشوة الانتصارات التي يحققونها الآن قد تعمي قادة الكنيسة عن حقائق التاريخ والجغرافيا، فتعزز عندهم طبيعة النزوع البشري للطغيان الكامن داخل أي إنسان فيقيمون محاكم التفتيش سرًا في قلب الأديرة شاسعة المساحة البعيدة عن العمران والبعيدة عن أي رقابة أمنية أو قضائية، لكن أن يجروا محكمة التفتيش هذه للسيدة كاميليا شحاتة في قلب القاهرة ( الشيء نفسه فعلوه عام 2004 للسيدة وفاء قسطنطين زوجة كاهن أبو المطامير التي أسلمت) فهذا تبجح يفوق الوصف واستهانة بالشعب المصري بمسلميه وأقباطه قبل أن يكون استهانة بحكومتنا القزمة الهزيلة.

وطبعًا حاولت أجهزة الدولة التنصل من الاتهام الذي وجه إليها برفضها إسلام السيدة كاميليا شحاتة وتسليمها للكنيسة رغمًا عنها، فصرح رئيس لجنة الفتوي بالأزهر بأنها لم تسجل أي طلب لإشهار إسلامها بالأزهر، ونسي فضيلة الشيخ أو تناسي أو حتي أُملي عليه أن يتناسي أن موظفيه رفضوا أن يسمحوا لها بالقيام بإجراءات إعلان إسلامها بناء علي أوامر عليا صدرت لهم.

إسلام كاميليا شحاتة وقبلها وفاء قسطنطين وغيرهن من المحتجزات عند الكنيسة المصرية واضح وضوح الشمس، إذ لو لم يكن قد أسلمن فلماذا الإصرار علي احتجازهن حتي الآن؟ وهل كل واحدة زعلانة من زوجها تقوم الكنيسة باعتقالها عندها؟ طبعا لا، إذ إن عشرات الألوف من الزوجات المسيحيات بينهن وبين أزواجهن مشاكل ولم تعتقل الكنيسة أيًا منهم ولا منهن، فلماذا لا تحتجز إلا حفنة من النساء أسلمن بشكل أو بآخر؟! الجواب سهل جدًا..

وأيًا كان الأمر فنحن لا نناقش قضية إسلام أو مسيحية، فإسلام واحد أو تنصر آخر لن يؤثر في الوضع العام بشيء فهي قضية شخصية بحتة، ولكن الذي نناقشه هو ممارسات الكنيسة المصرية التي تفتح الباب علي مصراعيه لفتنة طائفية بسبب مخالفتها كل القوانين والأعراف ومواثيق حقوق الإنسان الدولية ظنًا منها أن الوضع الهزيل للحكومة سيدوم، وهذا لا يقلقني لأن هذا الوضع قطعًا لن يدوم، لكن الذي يقلقني أن يتحمس بعض المتسرعين فتنفتح أبواب فتنة طائفية لا تُبقي ولا تذر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت في جريدة الدستور.

محمود عباس أبو مازن

فلسطين وأوهام السياسة العربية

بدأت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة غير المباشرة على أساس أجندة سياسية تعتمد على أساس أن تسير المفاوضات تقريبية بشكل غير مباشر لمدة أربعة أشهر، وبعد ذلك يتم الانتقال إلى “المفاوضات المباشرة” إذا ما تحقق تقدم، وإذا ما أجاب نتنياهو على “أسئلة الأمن والحدود”، كما على النحو الذى طالب به الفلسطينيون، ولم يمض أكثر من شهرين حتى انتقل الإسرائيليون والأمريكيون إلى المطالبة بالدخول فى المفاوضات المباشرة، دون أن تتقدم تلك المحادثات التقريبية خطوة واحدة.

ولاحظنا هجوماً ثلاثياً أمريكيا وإسرائيلياً وأوروبياً مركزاً منسقاً على السلطة والعرب لإجبارهم على الذهاب إلى المفاوضات المباشرة.. فماذا كان رد فعل السلطة الفلسطينية؟

رئيس السلطة محمود عباس توجه للدول العربية ممثلة فى الجامعة العربية فى مسعى تكلل بحصوله على موافقة العرب على توجه السلطة للمفاوضات المباشرة دون شروط، وذلك عندما وافقت لجنة مبادرة السلام العربية قبل أسبوعين تقريباً على ذلك، وإن تركت توقيتها وكيفيتها لرئيس السلطة.

ثم عاد محمود عباس يعلن أنه كى يعود للمفاوضات المباشرة بلا شروط، فإنه يريد دعماً سياسياً من الدول الكبرى، مطالباً الرباعية (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى وروسيا) أن تكرر بيانها الذى أصدرته فى مارس الماضى، والذى يدعو إسرائيل لوقف الاستيطان والتوصل إلى اتفاق خلال 24 شهرًا.

وتقول السلطة، إنها تريد دولة فلسطينية على أراضى 1967 عاصمتها القدس الشرقية على أساس حل الدولتين، وهو حل لا شك أن الاستيطان يعوقه، أما نتانياهو فهو لم يعلن حتى الآن تجميد الاستيطان.

وقال رئيس دائرة المفاوضات فى منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، إن السلطة تريد محادثات مباشرة لكن “بجدول أعمال محدد وسقف زمنى محدد، وأن تقوم إسرائيل بوقف الاستيطان بما يشمل القدس، وقبول مرجعية الدولتين على حدود عام 1967 مع تبادل متفق عليه”.

ونسى عريقات أو تناسى أن الضغط الإسرائيلى والمؤيد من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى هدفه شىء واحد محدد هو عودة المفاوضات المباشرة بلا قيد أو شرط.

وأثناء ذلك كله وبعده يمكننا قراءة الأخبار التالية فى مختلف وسائل الميديا: “قالت الخارجية الأمريكية إن الوزيرة هيلارى كلينتون بحثت بيان الرباعية مع الأمين العام الأممى بان كى مون ومبعوث الرباعية تونى بلير ووزير الخارجية الروسى سيرغى لافروف.

وقال المتحدث باسم الخارجية فيليب كراولى إن واشنطن تؤيد إصدار مثل هذا البيان إذا كان يسمح بالانتقال إلى المحادثات المباشرة”.

“قال نتنياهو فى لقاء مع ميتشل فى القدس إنه متمسك بالمفاوضات المباشرة، وهو هدف تتشاطره معه الإدارة الأمريكية، كما قال المبعوث الأمريكى”.

فلماذا هذا التكالب الثلاثى على إجبار الضحية للذهاب إلى مفاوضات ميئوس من نتيجتها؟! ولماذا كثرة الكلام عن هذه المفاوضات وخطواتها رغم أن كل هذه المفاوضات أموراً فارغة وليس لها أى مضمون و لن تحقق أى هدف؟

فى الواقع فإن الحكومة الإسرائيلية تطبق فى هذا المجال مقولة لوزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كسينجر، قال فيها “أوهم الآخرين بأنك تتحرك فى حين تكون ثابتا”، وهذه المقولة واضح أنها أساس التحركات الأميركية-الإسرائيلية المشتركة فى حدوتة المفاوضات، وذلك ليس تطورا طارئا على السياسات الإسرائيلية أو الأمريكية فى المنطقة، بل هى إستراتيجية إسرائيلية وأمريكية و أوروبية ثابتة بشأن العمليات السياسية (و الاقتصادية أحيانا) فى العالم الاسلامى منذ أن تدهورت قدراته ومكانته السياسية والإستراتيجية.

ولعل السؤال الذى يطرح نفسه الآن هو ما الغاية من هذه الاستراتيجية التى يمارسونها تجاهنا؟

الإجابة بسيطة لكنها مؤلمة وهى: أنهم يمارسون علينا عمليات التخدير لئلا نيأس فنلجأ إلى استراتيجيات وتكتيكات أخرى فى أى عملية سياسية على نحو مضاد لأهدافهم ومصالحهم، وكلنا يذكر مؤتمرات القمة العربية الطارئة أو المنتظمة التى لا تنتج أى شىء مفيد للعالم العربى أو للقضية الفلسطينية والتى رغم ذلك تتكلف مئات الملايين من الدولارات كان أطفال فلسطين أولى بها، ولكنها طبعاً مفيدة لأمريكا وإسرائيل لأنها قطعا تخدر الشعوب العربية التى تظل تنتظر وتنتظر النتائج والتحركات والقرارات العربية دون أن يتحقق شىء ودون أن تيأس الشعوب العربية فتلجأ إلى طرق وأساليب أخرى لحل مشاكلها أملاً فى الجامعة العربية وقراراتها، لذلك فإنه ما لم تفهم الشعوب العربية حقيقة هذه الأوهام السياسية فإنها ستظل تنتظر وتنتظرإلى يوم القيامة دون أدنى جدوى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت في موقع جريدة اليوم السابع.

المسجد النبوي في المدينة المنورة

هل كان النبي محمد مصلحا اجتماعيا أم قائدا سياسيا أم أنه خاتم المرسلين؟

عندما بلغ سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم الأربعين من عمره خرج فى شهر رمضان كعادته إلى غار حراء متأملا مفكرا مقلبا وجهه فى السماء وفى ليلة الإثنين من أواخر الشهر الكريم جاءه جبريل بأمر الله تعالى.

وحينئذ بدأ الوحى وبدأت نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم, فكيف كان العالم وقتها؟ وكيف تهيأ النبى الكريم لتغيير هذا العالم؟

كانت الوثنيات بأشكالها المختلفة تسيطر على العالم من الهند والصين وفارس شرقاً إلى أوروبا وأفريقيا غرباً, فمن عبادة النيران فى بلاد فارس إلى عبادة الأحجار والأشجار فى أفريقيا إلى الجدل الذى وصل حد الاضطهاد الدينى والتقاتل بالسلاح حول حقائق العقيدة المسيحية فى بيزنطة بل والإغراق فى الجدل الفلسفى العقيم حتى صار اسم بيزنظة علما على كل جدل عقيم, الوثنية والجدل العقيم حتى فى الألوهيات سيطرا على العالم شرقاً وغرباً, وتدهورت القوى العسكرية لكل من امبراطوريتى فارس والروم حتى صارتا تعتمدان على حراس من عرب الجزيرة العربية ليحرسوا حدودهما الجنوبية وتمثل ذلك فى مملكتى المناذرة والغساسنة, العالم تعمق فى الوثنية والضلال والشهوات حتى انغمست الكعبة بيت الله الحرام فى الأوثان ذلك البيت الذى كان قد أعاد بناءه إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام على أسس التوحيد الخالص «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129)» البقرة.

وكانت جزيرة العرب منغمسة فى هذه الوثنية من عبادة الحجر والشجر مع وجود بقايا قليلة من أهل الكتاب اعتراهم ما اعترى أهل الكتاب فى ذلك العصر من خلاف وجدل حول حقائق العقيدة, وزاد العرب على وثنيتهم تفككهم السياسى ولم يختلفوا كثيراً فى تحللهم الاجتماعى عمن حولهم من أمم فارس والروم والحبشة إلا أن مظاهر هذا التحلل ربما اختلفت بشكل أو آخر من وأد البنات وكثرة الحروب والسلب والنهب والعصبية القبلية البغيضة التى طالما أشعلت الحروب وقطعت الأواصر فضلاً عن الطمع والخمر والقمار والمتعة المحرمة وتسخير الأقوياء للضعفاء.

◄◄ مكة قلب الجزيرة

كانت مكة قلب الجزبرة العربية معنوياً واقتصادياً ومن ثم سياسياً, ففى مكة بيت الله الحرام الذى يقدسه كل العرب بجميع قبائلهم وعقائدهم, وعبر مكة كانت تجارة الشرق والغرب تمر من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب وبالعكس عبر رحلة الشتاء والصيف حيث كان تجار مكة يتجهون فى الشتاء إلى اليمن وفى الصيف إلى الشام لتناقل التجارة من هنا لهنا وبالعكس فضلا عن تسويقهم جزءا كبيرا من هذه السلع فى موسم الحج ببيعه لسائر قبائل الجزيرة العربية من حجاج البيت الحرام.

ومن هنا تمتع أهل مكة وهم قبيلة قريش بفروعها العديدة بمكانة سياسية ومعنوية واقتصادية كبيرة بين سائر العرب, وكانت قريش تنقسم اجتماعيا إلى شعبتين كما يقول العقاد – واحدة من أصحاب الترف والطمع وهذه كانت تحرص على استبقاء الأمر الواقع على ما هو عليه لأنه يوافق هواها, أما الشعبة الثانية فكانت من أصحاب السماحة وكانوا أناسا وسطا بين مقام الطغاة الظالمين من رؤوس الشعبة الأولى وبين الضعفاء الذين لا يملكون إلا الإذعان للسادة الكبار الطغاة.

ومن هذه الشعبة الوسط ذات النسب الكريم كان بيت عبدالمطلب جد النبى صلى الله عليه وآله وسلم, ومن هنا جاء نسب النبوة العريق الذى خرج منه الصادق الأمين لينقذ العالم من تيه الضلال.

فى هذا الجو العالمى والإقليمى البائس أوحى الله تعالى إلى سيد الخلق محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم ليغير الدنيا من حال إلى حال.

وكما قال العقاد: «قالت حوادث الكون: لقد كانت الدنيا فى حاجة إلى رسالة, وقالت حقائق التاريخ: لقد كان محمد هو صاحب تلك الرسالة»

وهكذا كان العالم على موعد مع إمام الأنبياء و خاتم المرسلين, ولكن كيف صلح أن يكفى رسول واحد لهداية البشرية جميعا وكيف استمرت هذه الهداية فى مرحلة ما بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم؟

يقول الشيخ محمد الغزالى: «فى المزالق المتلفة قد يقول لك ناصح أمين: أغمض عينيك واتبعنى, أو لا تسلنى عن شىء يستثيرك!

وربما تكون السلامة فى طاعته.

فأنت تمشى وراءه حتى تبلغ مأمنك.

إنه فى هذه الحال رائدك المعين, الذى يفكر لك, وينظر لك, ويأخذ بيدك. فلو هلك هلكت معه.

أما لو جاءك من أول الأمر رجل رشيد فرسم لك خط السير, وحذرك مواطن الخطر, وشرح لك فى إفاضة ما يطوى لك المراحل ويهون المتاعب, وسار معك قليلاً ليدربك على العمل بما علمت, فأنت فى هذه الحال رائد نفسك, تستطيع الاستغناء بتفكيرك وبصرك عن غيرك.

إن الوضع الأول أليق بالأطفال والسذج, أما الوضع الأخير فهو المفروض عند معاملة الرجال وأولى الرأى من الناس.

والله عز وجل عندما بعث محمدا عليه الصلاة والسلام لهداية العالم, جعل فى رسالته الأصول التى تفتح للعقول منافذ المعرفة بما كان ويكون, والقرآن الذى أنزله على قلبه هو كتاب من رب العالمين إلى كل حى, ليوجهه إلى الخير ويلهمه الرشد.

◄◄ قوة من قوى الخير

لم يكن محمد عليه الصلاة والسلام إماماً لقبيل من الناس صلحوا بصلاحه, فلما انتهى ذهبوا معه فى خبر كان, بل كان قوة من قوى الخير, لها فى عالم المعانى ما لاكتشاف البخار والكهرباء فى عالم المادة.

وإن بعثته لتمثل مرحلة من مراحل التطور فى الوجود الإنسانى, كان البشر قبلها فى وصاية رعاتهم أشبه بطفل محجور عليه, ثم شب الطفل عن الطوق ورشح لاحتمال الأعباء وحده, وجاء الخطاب الإلهى إليه – عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم- يشرح له كيف يعيش فى الأرض, وكيف يعود إلى السماء, فإذا بقى محمد صلى الله عليه وسلم أو ذهب فلن ينقص ذلك من جوهر رسالته, إن رسالته تفتيح للأعين والآذان وتجلية للبصائر والأذهان, وذلك مودع فى تراثه الضخم من كتاب وسنة.

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً{174} فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً {175}» النساء.

ومن هنا فنبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إن كان جاء لإصلاح العالم فى فترة دقيقة من الزمن فإنه لم يقدم نفسه كمصلح اجتماعى ولا كقائد سياسى يسعى للتغيير والتطوير إنما قدم نفسه كنبى وخاتم للمرسلين فأى عبقرية تمتع بها فى مجالات السياسة أو الاجتماع أو الاقتصاد إنما هى عبقرية الدعوة المنزلة من عند الله عز وجل, ولابد من ملاحظة هذه الحقيقة بشكل موضوعى ودقيق, لأن الموضة التى جرى عليها الكثيرون من المستشرقين ومن لف لفهم فى عصرنا الحديث هى مدح النبى الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره قائدا سياسيا أو عسكريا عظيما أو مصلحا اجتماعيا نابغا, وذلك كله بعيد عن حقيقة أن الله بعثه نبيا ورسولا للعالمين كافة, وفى ذلك ما فيه من عدم الصدق والموضوعية فحقائق القرآن ثم حقائق التاريخ تفصح بجلاء عن أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقدم نفسه بأى صفة للناس سوى صفة الرسالة والنبوة, قال تعالى: »وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ« سبأ28, وقال سبحانه: »قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـى وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىِّ الأُمِّيِّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ« الأعراف158.

وبالتالى فرغم ما فى ظاهر دعاوى عظمته صلى الله عليه وآله وسلم وعبقريته فى مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والحرب من مدح فإنها تعتبر طعنا فى الرسالة المحمدية إن اعتبر ذلك هو حقيقة النبى الوحيدة دون إرجاع ذلك لطبيعة الرسالة الإسلامية التى بعث الله بها نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

صحيح أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عظيم فى كل ميزان: عظيم فى ميزان الدين, وعظيم فى ميزان العلم, وعظيم فى ميزان الشعور, وعظيم فى ميزان من يختلفون فى العقائد ولا يسعهم أن يختلفوا فى الطبائع الآدمية (حسب تعبير العقاد) لكنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقدم نفسه إلا بصفة واحدة هى أنه محمد رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.

ومع ذلك فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان له صفات خيرات حباه الله بها قبل النبوة مهدت لتصديق الناس له وإيمانهم بما جاء به من دعوة التوحيد وشريعة الإسلام, كما جهزته صلى الله عليه وآله وسلم لتلقى الوحى الإلهى والقيام بواجباته, فالله تعالى قد هيأ الظروف البيئية والوراثية التى تسهم معا فى تكوين الإنسان وتمنحه صفاته الخَلْقية الخُلُقية وتصوغ بنيانه الجسدى والنفسى, وتحدد قدراته العقلية واستجاباته العاطفية لتجتمع بشكل يجعل من نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم الإنسان المهيأ لتحمل المسؤولية التى أنيطت به بعد أربعين سنة من ميلاده .. (وحسب عماد الدين خليل) فإن أربعة عقود فى حياة الإنسان المحدودة تمثل امتدادا زمنيا طويلا أريد به أن يستكمل محمد الإنسان كل مساحات تكوينه الذاتى ونضجه البشرى قبل أن يتاح له أول لقاء مع الوحى الأمين وما أصعب اللقاء الأول بين ممثلى السماء والأرض وما أشق الحوار..

◄◄العقود الأربعة

طيلة هذه العقود الأربعة ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ ويتلقى ويجابه ويهضم ويتمثل شتى المؤثرات الوراثية والبيئية لكى يحولها إلى خلايا تبنى كيانه وسمات مادية وروحية تهيئة لليوم العظيم فعن أصالة أبيه وأمه أخذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أصالة الشخصية ووضوحها ونقاءها وكسب على المستوى الاجتماعى احتراما وتقديرا فى بيئة كانت تستهجن مجهولى الأنساب وتحتقر الخلطاء ومن مرارة اليتم ووحشة العزلة وانقطاع معين العطف والحنان قبس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الصلابة والاستقلال والقدرة على التحمل والإرادة النافذة والتحدى الذى لا تنكسر له قناة وبالفقر والحرمان تربى ونما بعيدا عن ترف الغنى وميوعة الدلال واتكالية الواجدين وعبر رحلته الأولى إلى الشام فى رعاية عمه فتح محمد صلى الله عليه وآله وسلم عينيه ووعيه تجاه العالم الذى يتجاوز حدود الصحراء وسكونها إلى حيث المجتمعات المدنية التى تضطرب نشاطا وقلقا, والجماعات العربية التى فصلتها عن شقيقتها فى الصحراء الأم سلطات أجنبية أحكمت قبضتها على الأعناق, وساقت الشيوخ والأمراء العرب إلى ما تريد هى وتهوى لا ما يريدون ويهوون, وفى رحلته الثانية إلى الشام مسؤولا عن تجارة السيدة خديجة تعلم الرسول الكثير والكثير، عمق فى حسه معطيات الرحلة الأولى وزاد عليها إدراكا أكثر بما يحدث فى أطراف عالمه العربى من علاقات بين الغالب والمغلوب والسيد والمسود وإفادة أغنى من كل ما يتعلمه الذين يرحلون من مكان إلى مكان فيتعلمون من رحيلهم طبائع الجماعات والشعوب وكنه العلاقات بينها واختلاف البيئات والأوضاع .. ويزدادون مرونة وقدرة على التعامل المنفتح الذى لا ينقطع له خيط مع شتى الطبائع وفهما لما يتطلبه الإنسان فى عصر من العصور بعد اطلاع مباشر على عينات من هذا الإنسان فى سعادته وهنائه أو تعاسته وشقائه, وفوق هذا وذاك فقد أتيح للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فى رحلته هذه تنمية وامتحان قدراته الخاصة التى تعلمها أيام الرعى صبيا وها هو الآن يدير تجارة لسيدة تملك الكثير فيعرف كيف يحيل القليل كثيرا ويصمد إزاء إغراء الذهب والفضة أمينا لا تلحق أمانته ذرة من غبار, قديرا على الارتفاع فوق مستويات الإغراء إلى آخر لحظة, ثم يجىء إسهامه فى القضايا الكبرى التى عاشتها مكة آنذاك متنوعا شاملا مغطيا شتى مساحات العمل البشرى الجماعى وكأنه أريد له أن يجرب كل شىء, أن يسهم عاملا فى كل اتجاه وأن يبنى عبر أنشطته المتنوعة جميعا شخصية قادرة على التصدى لكل مشكلة والإسهام الإيجابى الفعال فى كل ما من شأنه أن يعيد حقا أو يقيم عدلا, فى حرب الفجار مارس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شؤون القتال, وفى حلف الفضول شارك فى تجربة السياسة والحكم, وفى بناء الكعبة أعرب عن بداهته المثيرة للإعجاب فى حل المشاكل التى تلعب فيها المعتقدات والقيم والمقدسات دورا كبيرا, وخلال هذا وذاك يتزوج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويمارس فى أعقاب زواجه ذاك كبرى التجارب الاجتماعية فى حياة الإنسان وينجح فى التجربة.

هكذا بدت حياة النبى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه سلسلة مترابطة الحلقات منطقية التعاقب من التجارب والخبرات فى شتى المجالات لتهيئه لتلقى الوحى والقيام بأعباء الرسالة.

ولكن ماذا عن خبراته الروحية والدينية والأخلاقية؟

هذا له حديث آخر إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت هذا الموضوع في العدد الأسبوعي من جريدة اليوم السابع.

رجب طيب أردوغان في تركيا

رجب طيب أردوغان ماذا يفعل في تركيا و المنطقة؟

منذُ أيام وجَّه الدكتور أيمن الظواهري -الرجل الثاني في شبكة القاعدة- اللَّوْم للحكومة التركيَّة التي يقودها رجب طيب أردوغان بشأن العديد من القضايا، من أول مشاركتها في حرب الناتو على أفغانستان، وحتى تسييرها أساطيل الحرية لفك الحصار عن غزة, وتزامن هذا اللوم مع فترة حساسة سياسيًّا في الداخل التركي، بعدما أمرتْ محكمة تركية مؤخرًا باعتقال أكثر من مائة من المتَّهَمين في التخطيط لانقلاب عسكري على حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ذي الجذور الإسلاميَّة, وجاء على رأس هؤلاء المتهمين عددٌ من أكبر وأبرز قادة الجيش السابقين والحاليين, وجاء هذا في إطار القضيَّة المعروفة باسم المطرَقَة الثقيلة التي اتُّهم فيها عدد من أبرز رموز العلمانيين بالجيش ومراكز مدنِيَّة هامة أخرى, ويأتي هذا الإجراء الأخير بعدما أمرت محكمة تركية عليا أخرى منذ نحو شهر بالإفراج عن نفس المتَّهَمين فيما ظهر وكأنه صراع بين قُوى متصارعة داخل الهيئة القضائية بعضها مناوئ لحزب العدالة ومساند للقوى العلمانية وبعضها موالٍ لحزب العدالة، ومناوئ للعلمانيين الذين ظلُّوا قرابة سبعين عامًا منذ أتاتورك وحتى الآن يحتلون أبرز مراكز النفوذ والتأثير في الجيش والشرطة وهيئات التدريس في الجامعات، فضلًا عن مناصب القضاء.

وفي 12 سبتمبر المقبل يجري استفتاء عام في تركيا على الإصلاحات التي يقول أردوغان أن هناك حاجةً إليها لكي يصبح الدستور متماشِيًا مع الديمقراطيات الأوروبية, وتشمل هذه الإصلاحات بشكلٍ أساسي طريقة تشكيل المحكمة الدستوريَّة واللجنة العليا للقضاة والادِّعَاء والطريقة التي تحدّد انتخاب الأعضاء فيها وأسلوب إلغاء حزب ما من الأحزاب السياسية أو تجميده أو وقفه عن العمل السياسي, وتعارض المعارضة -التي هي في الحقيقة علمانية- هذه التعديلات الدستورية بحجَّة أنها من شأنِها أن تحكم سيطرة حزب العدالة والتنمية على الحكم.

أردوغان ذو الخلفيَّة الإسلامية والتاريخ النضالي الإسلامي تحت قيادة أستاذِه أربكان هل هذا فقط ما فعله ويفعلُه منذ وصولِه للحُكْم قبل ثماني سنوات عبر انتخاباتٍ نيابية كانت نتيجتها مفاجئةً في البداية؟

لا يَعنينا هنا ما يُقال عن دورٍ تركي متنامٍ في الشرق الأوسط والمنطقة العربية, أو موقف بدا للبعض بطوليًّا إزاء الطغيان الإسرائيلي والعَجْرَفة الصهيونية، كما لا يعنينا ما يُقال عن تنامي العلاقة التركية مع سوريا أو إيران… الذي يهمُّنا هو التساؤل عما عسى أن يكون قدَّمه أردوغان وحزبه الموصوف بالإسلامِي للقضية الإسلاميَّة، خاصةً في شقها السياسي, فغاية كل حركة إسلاميَّة تسعى للحكم هو تطبيق الشرع الإسلامي في الحُكْم, والسير سياسيًّا واقتصاديًّا بمقتضاه, الكثير من الإسلاميين بكل أطيافهم الفكرية انزعجوا من النمط والشكل غير الإسلامي الذي بدا عليه حزب العدالة والتنمية في الكثير من ممارساتِه وقوانينه وسلوكه التشريعي والدولي, فمن الرضوخ للضغوط الأوروبية بالامتناع عن حظر الزنا إلى تعاونِه من خلال الناتو في الحرب على أفغانستان وغير ذلك الكثير, فهل هذا يعني أن أردوغان وحزب العدالة مُعادٍ للإسلام أو على الأقلّ غير معنيٍّ بالحكم وَفْقَ أحكام الشريعة الإسلامية التي هي جوهر الهدف الإسلامي الأسمى في كل العصور وعبر كل الحركات الإسلامية؟

أم أن حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة أردوغان قد عدل في العقيدة الإسلامية ليجعل إقامة حكم الشريعة وعودة الخلافة الإسلامية الراشِدة على منهاج النبوَّة أمورًا ليست هامة، وبذا رسَّخ ما اعتبره بعض المراقبين (بما فيهم أوروبيون وأمريكان) أنه تيار إسلامي سمُّوه بالعلماني؟

أغلب الإسلاميين العرب من كل التيارات غير راضين عن أداء ولا أفكار حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة أردوغان, لأنه لم يجسِّد الحلم الإسلامي في مجال الحُكم لا في سياسته الداخلية ولا الخارجية, حيث في الداخل الدعارة والزنا مباحان والشريعة غيرُ حاكمةٍ بصفة عامة, وحيث في الخارج علاقاته الوثيقة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو والسعي الحثيث للالتحاق بالاتحاد الأوروبي.

أعداء أردوغان وحزب العدالة في داخل تركيا يعتبرون أن الحزب ماكر وله أجندة خفيَّة لتحويل تركيا إلى الحكم الإسلامي عبر خطَط مَاكِرة ومتدرِّجة وغير متعجِّلَة.

ولفهم ما يجري في تركيا على يد العدالة والتنمية ينبغي ألا نقف كثيرًا عند إجابة سؤال: ماذا يفعل أردوغان وحزب العدالة في تركيا؟

لأن الاقْتصار على ذلك سيُدْخِلنا في نفس الحلقة المفرَغة من الجدل الذي عرضنا له في السطور السابقة.

إذنْ فلنركز أكثر على إجابة سؤال آخر هو: ما هي أهم النتائج التي ستسبب فيها أعمال حزب العدالة والتنمية في تركيا في الفترة المقبِلة؟

لنرجعْ مرة أخرى لفهم حقيقة وجوهر الإصلاحات الجديدة للحزب, فجوهر الإصلاحات الجديدة من شأنها التغيير من بنية المحكمة الدستورية بزيادة عدد أعضائها الحاليين وتغيير طريقة تعيين أعضائها بحيث لا تظلُّ المحكمة الدستورية تتفرد بأعضائها الحاليين بالرقابة والهيمنة على قرارات البرلمان أو أي قرارات أخرى ولا تظلّ عقبة أمام أي تعديلات منطقية في الدستور أو القوانين, كما أن الإصلاحات الجديدة تفعل الشيء نفسَه مع المجلس الأعلى للقضاة والمدّعين العامين الذين يشكِّلُون مع المحكمة الدستورية دولة داخل الدولة بعد صعوبة قيام العسكر بانقلابات عسكرية, فالمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء أصبحا الأداة الوحيدة لدى العلمانيين لعرقلة خطوات حزب العدالة والتنمية في تغيير القوانين.

ومن أهمّ التعديلات الجديدة محاكمة العسكريين الذين لا يزالون في خدمتهم أمام محاكم عسكرية إذا لم يقتصر الجرم على شئون عسكرية فقط.

أيضًا سيكون الأتراك في 12 سبتمبر بالذات، ذكرى انقلاب 1980 العسكري، أمام فرصة تصفِيَة الحسابات مع قادة الانقلاب، بحيث لا يتجرأ، أو هكذا يفترض، أي جنرال عسكري على القيام بانقلاب عسكري جديد لأن المحاكمة ستنتظرُه، بينما كان القانون السابق يستثني قادة انقلاب 12 سبتمبر من أي محاكمة.

يُضاف إلى ذلك ما فعله حزب العدالة من تخفيف القيود عن الحجاب والشعائر الإسلامية في الجامعات والمصالح الحكوميَّة, ومنع أو تخفيف عمليات الفصل من العمل التي كانت تَطَال المتعاطفين مع العقيدة والشريعة الإسلامية في أجهزة الأمن والقضاء والجامعات.

ويمكنُ أن نلاحظ بسهولة نتائج وأثار ما يفعلُه حزب العدالة والتنمية في تركيا في مجالَيْن:

الأول- المجال الدستوريّ والقانوني المتعلِّق بنظام الحكم, وهنا نجد أن هذه الحزمة من الإصْلاحات التي سيتمُّ الاستفتاء عليها وغيرها من الإصْلاحات الدستوريَّة التي رسَّخَها حزب العدالة والتنمية من قبلُ أو يسعى لترسيخها مستقبلًا بزعامة أردوغان ستؤدي جميعها إلى تقلُّص النفوذ العلماني في الجيش وأجهزة الأمن وأجهزة القضاء، كما أنها ستحمي القُوى الإسلامية التركية السلميَّة، وتفسحُ لها المجال في هذه الأجهزة وكذلك في الجامعات والبرلمان, وستعملُ على منع تكرار حظر الأحزاب الإسلامية عبر القضاء، فضلًا عن الانقلاب عليها عبْر الجيش.

الثاني- المجال المجتمعي (إن جاز التعبير), حيث ستفسح إجراءات تخفيف القيود عن الحجاب والتديُّن في الجامعات والمصالح الحكومية لمزيدٍ من انتشار الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي الداعي لأسْلَمة المجتمع.

وتحقق هاتان النتيجتان أمرًا مهمًّا لا يُقلِّل من أهميتهما أنهما أقلّ من الطموح الإسلامي الواجب شرعًا، وهو الحُكْم بالشَّرْع الحنيف كاملًا دون نقْص, لأننا الآن لا نحدِّد ما نريد، لكننا نصف واقعًا جديدًا ستئولُ إليه أسوأُ دولة علمانية في العالم الإسلامي، بل أول من أدخل العلمانية للحُكْم في العالم الإسلامي وروَّجَ له بالتطبيق, كما أننا لا نناقش الآن ما كان ينبغي أن يفعَلَه أردوغان والعدالة أو ما كان يمكنُهُما فعلُه, إنما نحاول أن نفهمَ حجم ما تَمَّ فعلًا.

ولا ننسى في هذا الصَّدَد قاعدة فقهية هامة، وهي أن الضرورات تُبيح المحظورات, وتركيا كان يُسيطر عليها العلمانيون بالحديد والنار, وحتى حزب العدالة نفسه سَعَوْا لحظره قضائيًّا ففشلوا, كما سعوا للقيام بانقلاب عسكري عليه ففشلوا حتى الآن, وهذه قصة أخرى جديرة بالدراسة لنعلم كيف تغلب العدالة والتنمية التركي على الجيش والقضاء، ولاعب مع ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.

تفتيت الدول العربية

تفتيت الدول العربية سيناريو رسمه الاستعمار فإلى أين يصل؟

تفتيت الدول العربية سيناريو رسمه الاستعمار منذ فترة طويلة فإلى أين يصل؟، لاسيما أنه في الشهور القليلة القادمة يتحدَّد مستقبل أكبر دولة عربية وإفريقية -من حيث المساحة- عندما تتمُّ (أو لا تتمّ) عملية الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان, وهذه المناسبة تذكِّرُنا بأن هناك مخططًا قديمًا بشأن تفتيت الأقطار العربية لمزيدٍ من الدول بغرض دفعها جميعًا لمزيد من الضعف والتحالف مع الغرب وتسهيل أمر السيطرة على المنطقة لصالح الغرب وإسرائيل.

مخطط استعماري قديم

لقد شكَّك كثيرون في وجود هذا المخطط أصلًا رغم إثبات العديد من الباحثين السياسيين البارزين لوجود هذا المخطط, كما أن العديدين وإن صدَّقوا بوجود هذا المخطط برعاية إسرائيلية وغربية فإنهم قد شكَّكوا في إمكانية تحقيقِه, كان هذا في بداية الثمانينيات أو حتى أواخر السبعينيات من القرن العشرين, لكن الآن أصبحت عملية تفتيت أقطار عربية أمرًا واضحًا لكل ذي عينين, ورغم أن الأمر بدأ بمؤامرة التمَرُّد في جنوب السودان منذ بداية الثمانينيات إلا أننا الآن -وبعد مرور ثلاثة عقود- نرى التفتيت يسير في العالم العربي على قدَمٍ وساق على الأقل في كل من العراق واليمن والصومال والسودان ولبنان، وحتى دولة كمصر عريقة في الوحدة والمركزية نرى الآن تصاعد النزعات الانفصاليَّة فيها من قِبل الأقباط بتحريض وزعامة الكنيسة القبطِيَّة.

استدعاء النزعات الانفصالية

ويمكنُنا الآن بعد مرور ثلاثة عقود على بداية محاولات التفتيت في العالم العربي أن نَلْمَح العوامل الرئيسة التي اعتَادَ أعداء الأمة على استغلالها لإجراء عملية التفتيت، بدايةً من استدعاء النزعات الانفصالية وحتى تفعيلها وتطويرها, وعبر الإطلال على هذه العوامل يمكننا أن نفكِّر بموضوعية في أساليب جادة لإفشال عمليات التفتيت الحالية والمستقبلية في كل أرجاء العالم العربي والإسلامي.

وأول العوامل التي استغلَّها أعداؤنا في التفتيت هي وجود أقلِّيَّة عرقيَّة أو دينية، وهذه الأقلية عادةً ما يتمُّ استغلالُها من أجل التفتيت عبر تغذية روح التعصُّب الديني أو العِرقي لديها وإشعارها بالظلم حتى لو لم تكنْ مظلومةً كما يتمُّ تغذية روح الاستقلال لديها وتعبئتها حول زعامات إما مصنوعة في الغرب وإما مصنوعة محلِّيًّا عبر دعم ومساندة الغرب وإسرائيل.

ظلم الأقليات العِرقية

وكي تنجحَ هذه العمليات لا بدَّ من وجود عامل آخر مهِمّ في تسريع عملية التفتيت، ألا وهو ظلم الأقليات العِرقية أو الدينية أو اللغوية, وطبعًا هذا الظلم موجود أحيانًا على نطاق واسع، وفي أحيان أخرى يكون موجودًا بقدر ضئيل لكن قوى سياسية طائفية داخليَّة تقوم بتضخيمه في نفوس الأقلية العرقية أو الدينية لاستغلال الموقف لصالح فكْرِها الانفصالي ويدعمها في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل وقوى إقليمية متعدِّدَة لأهداف متنوِّعة.

ويأتي ضعف الجيش والقوى الأمنية كعامل أساسي بارز في نجاح عمليات التفتيت؛ إذ إن هذا الضعف هو أهمّ عامل لتنفيذ التفتيت عمليًّا على أرض الواقع وإقامة الكيانات الجديدة المنبثِقَة من الكيان الأم، كما حدث فيما يسمى بجمهورية أرض الصومال وبلاد بونت في الصومال ودولة الأكراد في العراق ودولة الجبهة الشعبية في جنوب السودان ونحوها.

المزج بين القوة الصلبة والقوة الناعمة

وهناك عاملٌ آخر وهو عامل فكري، لكنه مهم جدًّا، وهو عاملٌ يتعلَّق بطبيعة التفكير السياسي والاستراتيجي, ففي بعض الحالات كانت القوى الأمنيَّة في الدولة قوية إزاء قوى التمرُّد، ولكنها فشلت في إخماد التمَرُّد كما حدث في العراق والسودان في فترات مختلفة، لكن الفشل هنا يرجع لخَلَل في الفكر السياسي والاستراتيجي؛ حيث ارتكزت الدولة على القوة الغاشمة وحدها في محاولة إخضاع التمَرُّد، وهي وصفة أكيدة للفشل الذَّريع في القضاء على أي تمرُّد؛ إذ إن معالجة أي تمرُّد تقتضي المزج بين القوة الصلبة والقوة الناعمة بنِسَب يتمُّ تحديدُها بذكاء وحنكة وإدراك واعٍ جدًّا بواقع هذا التمرُّد وبطبيعة قيادته العليا والوسطى وقواعده الشعبية, القوة الناعمة نقصد بها هنا أمورًا كثيرةً من ضمنها الدبلوماسية والإعلام والمساعدات الاقتصادية والثقافة والفكر والأدب والفن، فضلًا عن الأعمال السياسية المختلفة، وعلى رأْسِها عزلُ قواعد التمرد عن قيادته وتعرية حقيقة قيادَتِه وعمالتها للغرب أمام الجميع مع محاولة استمالة أطياف من القادة والتفريق بين الباقين، فضلًا عن استمالة القواعد بطرق مختلفة, ومن ضمن الأعمال السياسية أيضًا، وطبعا عزل التمرد عن مسانديه الخارجيين بطرق مختلفة وبأقصى درجة ممكنة.

القبلية تربة خصبة لعمليات التمرُّد

ومن ناحيةٍ أخرى لعبت القبلية دور التربة الخصبة لعمليات التمرُّد, وهذا ينبِّهُنا لأهمية الاهتمام بربط القبيلة بالانتماء العام للأمة، لئلَّا تظلَّ هكذا عاملًا سلبيًّا يعمل ضد الوحدة في العديد من البلدان العربية والإسلامية.

ومما يؤسَف له أن التناحُرَ والحرب الباردة بين الدول العربية لعبا دورًا بارِزًا في مساندة وتمويل عمليات التفتيت، وهذا عاملٌ سلبي آخر في عملية التفتيت, ولبنان نموذج واضح في هذا المجال كما لا ننسى أن العديد من الدول الإسلامية موَّلت ودعمت عسكريًّا تمرُّدات السودان في الشرق والغرب والجنوب.

الأزمة الإسلامية والعربية العامة

عمليات التفتيت التي جرتْ وتجري في العالم الإسلامي، وبخاصة في العالم العربي، نجحتْ حتى الآن وتسير قُدُمًا بمعدل ملموس ومطَّرِد, وهي جزء أو لون من ألوان أو أجزاء الأزمة الإسلامية والعربية العامة التي لا فَكَاك منها إلا بصحوة إسلامية فكرية وعلمية وحركية, ولكن حل هذه الأزمة يحتاج:

أولًا- مضمون عام يندرِج تحته ويتفرَّع عنه دراسة كل حالة من حالات الواقع السياسي ومشكلاتِه من أجل مواجهتِها وحلِّها بشكلٍ موضوعي وعملي بشكل دقيق.

ثانيًا- محاولة للمساعدة في الحلّ الجزئي لهذه المشكلة, إذ لا مانع من إجراء حلول محدودة زمانًا ومكانًا ونوعًا للتقليل والحدّ من حَجْم التدهوُر الذي تنحدرُ فيه الأمة الإسلامية عبر أعمال جزئيَّة تحقِّق ذلك, إذ ليس من الحكمة في شيء الوقوف مكتوفي الأيدي أمام المشكلات والأزمات التي تلمُّ بالأمة بدعوى انتظار الحل الكامل والشامل والمثالي كالوحدة الإسلامية الشاملة أو عودة الخلافة الإسلامية بينما الأمة تئِنُّ بل تنزف دمًا من وطأة مشكلاتِها وأزماتِها.

ثالثًا- التوعية بجانب من جوانب واقع عملية التفتيت التي تجري في العالم الإسلامي بغَرَض لفْتِ أنظار الاستراتيجيين الإسلاميين لوضع هذه الجوانب التي ذكرناها في حساباتهم عند التفكُّر والعمل وتحديد الأولويات في مجال العمل السياسي والدعويّ الإسلامي.

وعلى كلِّ حالٍ فلفتنا الانتباه لكثير من جزئيات المشكلة لا ينفي أهمية امتلاك الطرف الإسلامي للقوة الشاملة بمعناها الاستراتيجي الشامل للقيام بحلّ هذه المشكلة؛ لأنها مشكلةٌ قديمة طالما اعترت العالم الإسلامي كلما أصاب حُكَّامَه الضعف وكلَّمَا أصاب فكره السياسي والاستراتيجي الركود والجمود كما حصل في فترات من عصور الدول الأموية والعباسية والعثمانية وغيرها, “وَاللّه غَالِبٌ عَلَى أَمْرِه وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ” (يوسف21).

محمد البرادعي

المعارضة المصرية فرص ضائعة و 4 أخطاء .. البرادعى و كفاية يحرثون في البحر

المعارضة المصرية صارت أكثر تجسدا في حركة كفاية، ومنذ أيام تردد أن حركة كفاية ستدعو لمقاطعة الانتخابات البرلمانية إن لم تستجب الحكومة لمطالبها بإرساء قواعد ونظم تكفل نزاهة الانتخابات القادمة وصيانتها عن أي تزوير، ورددت الأخبار أيضا أن حركة كفاية قد تدعو إلي إقامة برلمان بديل ومواز للبرلمان الرسمي وكذلك رئيس جمهورية مواز، ومنذ فترة قليلة انتشرت أنباء عن خلافات في الرأي بين الدكتور محمد البرادعي وعدد من شركائه وحلفائه السياسيين حول تكتيكات العمل السياسي الهادف للتغيير ودعوة البعض للدكتور البرادعي كي يتزعم المظاهرات، ويشير ذلك كله إلي جانب مهم من جوانب أزمة قوي المعارضة المصرية، فالمعارضة الجادة والصادقة في مصر ليست أزمتها أنها قليلة العدد وضعيفة القوي، لكن أزمتها الحقيقية تكمن في الخلل الذي يكتنف طريقة تفكيرها السياسي مع ضعف رؤيتها الاستراتيجية، فالمعارضة المصرية الحقيقية من أمثال حركة كفاية والجمعية المصرية للتغيير و6 أبريل وغيرها كلها تتشبث بطموح أكبر من إمكاناتها ولا تملك أساليب مناسبة لتحقيق هذا الطموح.

المظاهرات

إن تغيير نظام الحكم الحالي عبر المظاهرات أو تشكيل برلمان مواز أو تنصيب رئيس مواز أو القيام بإضراب عام علي مستوي كل المحافظات المصرية كلها طموحات جميلة ومشروعة لكن أيا من قوي المعارضة لا تملك القدرة علي القيام بذلك بشكل حقيقي وناجح… ممكن بشكل رمزي فقط لكن بشكل حقيقي لا يمكن.

قوي المعارضة تريد أن تقفز إلي سطح المبني دون أن تمر بدرجات السلم المختلفة من أولها، فهي تريد أن تغير النظام قبل أن تنجح في تعبئة أغلبية الشعب ضمن أنشطة وفاعليات التغيير ودون تجنيد مئات الألوف من أبناء الشعب الذين لديهم الرغبة والإرادة للنضال والتضحية من أجل التغيير، في السابق ظنت كفاية وغيرها من قوي المعارضة أن أبناء المناطق الشعبية هم الأكثر تضررا من نظام الحكم القائم، ومن ثم فهم أولي الناس بالمشاركة في فاعليات وأنشطة النضال من أجل التغيير فقاموا بتحريك المظاهرات في حي إمبابة وحي شبرا فيما بدا أنه توصيل المظاهرات للمنازل تشجيعا للمواطنين علي المشاركة، كما أنهم قد مارسوا جانبا من الخرافات الشعبية مثل مظاهرة كنس أعتاب السيدة زينب علي الحكومة فيما بدا أنه مغازلة للتواكل الذي غرق فيه كثير من قوي الشعب خاصة الطبقات الفقيرة منهم وكأن مغازلة الأغلبية الشعبية بتأييدها في خطأ التواكل سيجذبها للإيجابية والفاعلية.

ومع ذلك لا أهالي إمبابة ولا شبرا ولا السيدة ولا الصوفية خرجوا في هذه المظاهرات ولا شاركوا في أي من فاعليات الحركة السياسية المعارضة فيما بعد.

بداية الطريق

و بذا يتبين أن من أهم مشكلات المعارضة وعلي رأسها كفاية أنهم لم يسلكوا الطريق من أوله أو لم يطلعوا السلم من أول درجة، فكفاية بدأت عبر مؤتمرات جماهرية ومظاهرات، ولم تقم فروعها المحلية (إن جاز التعبير) بأعمال تجنيد وتثقيف وتعبئة شعبية، كفاية اكتفت أو قنعت بتوظيف الناشطين الجاهزين فكريا ونفسيا ،بينما لم تكلف نفسها عناء صناعة ناشطين جدد عبر إقناعهم وتجنيدهم وتجهيزهم نفسيا للنضال والتضحية، كما أن كفاية وغيرها من القوي المعارضة (بما في ذلك الإخوان المسلمين) لم تبلور لنفسها أساليب وقدرات مناسبة لتعبئة الجماهير وتوجيهها في أعمال شعبية هادفة، فالنظام لن يتغير بمظاهرة أو إضراب يشارك فيه خمسمائة شخص بينما يمثل ربع أو نصف مليون من المتظاهرين ضغطا حقيقيا علي النظام.

تجزئة أهدافهم 

كما أن من أهم مشكلات المعارضة وعلي رأسها كفاية أنهم لايقبلون تجزئة أهدافهم بحيث يحققون جزءا من الهدف هذا العام وجزءا ثانيًا في العام التالي وجزءا آخر بعد خمسة أعوام، كما أنهم يتعجلون تحقيق التغيير الكامل والشامل في ضربة واحدة، ورغم ذلك فمع مرور خمس سنوات علي نشأة العديد من حركات التغيير الجديدة وعلي رأسها كفاية لم يحققوا شيئا ذا بال.

الولع بالشعارات 

و من مشكلات المعارضة المصرية أيضا ولعها بالشعارات من قبيل المقاطعة سواء كانت مقاطعة الانتخابات أو مقاطعة دول معينة أو أشخاص محددين رغم أنه ليس من الحنكة السياسية أن تضيق حركة سياسية ما من خياراتها السياسية، وفي هذا الإطار تأتي مواقف العديد من رموز المعارضة من الولايات المتحدة أو الرقابة الدولية علي الانتخابات ونحو ذلك، فمعارضتنا لسياسات دولة ما كالولايات المتحدة لا تعني ألا أتحدث معها، فالحديث شئ والتأييد أو حتي التحالف شئ آخر مختلف ولكل من ذلك مقتضياته، كما أن المشاركة في الانتخابات تتيح مجالا واسعا من التعبئة والتجنيد والتثقيف السياسي بأكثر مما تتيحه عملية المقاطعة، فالمقاطعة في حالة مصر الآن هي مدخل قانوني للتغيير بينما المشاركة هي مدخل سياسي للتغيير، ولا شك أنه ما من شئ أضر بالممارسة السياسية المصرية والعربية داخليا وخارجيا بقدر ما أضرها الاعتماد علي المدخل القانوني، في عالم ليس فيه ثَمَّ قانون إنما التعويل كله علي فرض الأمر الواقع عبر المبادأة والمبادرة والمجازفة.

وفي هذا الإطار القانوني تأتي التحركات الأخيرة لكفاية والعديد من قوي المعارضة المحترمة والجادة، من قبيل دعوات مقاطعة الانتخابات ودعوات البرلمان الموازي والرئيس الموازي وحملة التوقيعات التي يشنها البرادعي وأنصاره وغير ذلك من الدعاوي التي تبدو في ظاهرها جميلة لكنها في حقيقتها أشبه ما تكون بالحرث في البحر.

جمال مبارك و علاء مبارك

خلافة مبارك و رجاله

عاد الحديث من جديد هذا الأسبوع عن مستقبل نظام حكم الرئيس مبارك و عن من سيخلف الرئيس في حكم البلاد لاسيما و أن صحفا أجنبية على رأسها مجلة الاكونوميست البريطانية و موقع قناة cnn الأمريكية قد تكلموا عن شائعات تتعلق بصحة الرئيس, و أيا كان الأمر فالله تعالى جعل لكل حي نهاية طال عمر صاحبها أم قصر, و لكن أنظمة الحكم لا تتحدد وفق شخص واحد فقط, فكلنا لاحظنا أن رجال حُكْم الرئيس أنور السادات هم رجال حُكْم الرئيس حسني مبارك, بل إن الكثير من رجال حُكْم الرئيس جمال عبد الناصر صاروا رجالا ل أنور السادات و من عاش منهم لعصر حسني مبارك استمر كجزء من منظومة الحكم في عهده.

رجال حُكْم حسني مبارك 

و ايا من كان سيخلف الرئيس حسني مبارك في الحكم فإن رجال حُكْم حسني مبارك سيستمرون ضمن منظومة الحكم بشكل أو بآخر, لأن الرئيس الجديد لابد له من منظومة يعمل من خلالها و المنظومة الحالية موجودة و جاهزة و لا مبرر للتخلص منها اللهم إلا إذا كان القادم الجديد لديه مشروع تغييري و جاء مقتنعا بحتمية اجتثاث رجال الحكم الحالي و احلال آخرين من غيرهم, أما لو أراد تغييرهم لمجرد عدم ثقته بهم فقط من جهة مدى ولائهم له فهذا لن يؤدي للتغيير لأنهم جميعا سرعان ما سيغيرون جلدهم و يبذلون الولاء له لأن دينهم هو كرسي الحكم فهو مصدر ثروتهم و ولي نعمتهم, و حتى لو اجتث القادم الجديد رجال الحكم الحالي و أحل مكانهم آخرين فلا توجد أي ضمانة تضمن لنا أن الفساد لن يتسلل لقلوب و سلوك القادمين الجدد لمنظومة الحكم, صحيح أن طول المكث في الحكم دون رقابة و لا محاسبة يولد الفساد, لكن الفساد عندنا عشش في منظومة الحكم من اول البواب و حتى أعلى مستوى و مستحيل أن يغير القادم الجديد كل الموظفين من أول البواب و حتى الوزير مهما كانت نيته حسنة و مهما كان يريد التغيير, و الأهم من ذلك كله أن الأوضاع التي خلقت الفساد المالي و الاداري و الترهل و عدم الفاعلية الادارية و تقديم أهل الواسطة على أهل الخبرة و التخصص كل هذه الأوضاع ستظل سائدة و تفرخ الشياطين ما لم يتم الغائها و اقامة قواعد و اسس جديدة تقوم على العدل و الشفافية و تقديم و تقدير أهل العلم و الخبرة و إلغاء الوساطة و المحسوبية و تدعيم أليات الرقابة الشعبية و الادارية و المالية.

التغيير والشعب

القادم الجديد مهما كان لديه الدافع القوى للتغيير إلى الأحسن فهو لن يتمكن من احداث هذا التغيير في الآليات مالم يكن له سند شعبي قوي لا ليسانده فقط ضد قوى الظلام و الفساد التي تعشش في أروقة الحكم و لكن أيضا كي تستفزه دائما للتغيير و لإتمام مشروع التغيير بكل آلياته بدلا من الركون لراحة ابقاء الوضع على ما هو عليه, التغيير بهذا المعنى هو تغيير دستوري يؤدى لدعم الحريات العامة و اتاحة و دعم انتخابات حرة لنواب الشعب على كل المستويات سواء في النقابات و النوادي المهنية و الجامعات و المجالس الجامعية و المحلية أو على مستوى مجلس النواب أو على مستوى الرئاسة, و كذلك لابد ان يتيح الدستور و القانون مراقبة و محاسبة كل السلطات سواء التنفيذية أو القضائية فلا أحد فوق المسائلة بما في ذلك الرئيس.

التغيير لا ينبغي فقط أن يكون في الآليات التي تحكم و تسير منظومة الحكم بل هناك تغيير الواقع الاقتصادي و الاجتماعي الذي صنعه الحكم الفاسد الآن, فاموال الدولة التي تم نهبها لابد أن تعود للدولة سواء كانت شركات أو مصانع أو أراض بيعت في صفقات مشبوهة أو سواء كانت تسهيلات بأشكال مختلفة تم تمريرها لرموز المنظومة الحاكمة الحالية ليبنون بها ثرواتهم المشبوهة و يعلون بها على رقاب العباد و يصيحون هل من مزيد, و تغيير الواقع الاجتماعي و الاقتصادي لابد أن يشمل اشباع حاجات الطبقات الفقيرة التي طحنها الجوع و المرض في ظل النظام الحالي كما لابد و أن يعوض الطبقة الوسطى التي كاد النظام الحالي أن يدفعها للتسول من شدة الحاجة بعدما اعتصرها حتى آخر قرش لديها.

بدون تغيير آليات الحكم و الرجال الذين يمثلون منظومة الحكم و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية التي صنعها الحكم بدون ذلك كله فلا كلام عن أي تغيير الا من باب الخداع و تبييض وجه القادم الجديد أيا كان.

القوي الشعبية المعارضة الفاعلة

أما القوي الشعبية المعارضة الفاعلة فإن مسئوليتها تتلخص في الوعي بذلك و نشر هذا الوعي و تعميمه على كل طوائف الشعب و النضال من أجله, ففرصة التغيير لن تأتي من السماء على طبق من ذهب للحالمين و للكتاب السطحيين الذي يبسطون الأمور, لابد من الوعي بحقيقة التغيير المنشود و كذلك الوعي بحقيقة التغيير الذي ربما يحدث اليوم أو غدا.

لاشك انه لو تغير الحاكم غدا و سعى لتبييض وجهه في بداية حكمه ببعض التغييرات الشكلية فإن كوكبة الكتاب و السياسيين المعارضين سيدركون بعد وهلة بسيطة أن هذا مجرد دجل سياسي و لا يمثل تغييرا حقيقيا لكنه سيكون من المفيد جدا لحركة المعارضة و مشروعها التغييري أن تدرك حقيقة و مدى التغيير من أول دقيقة حتى تبني موقفا سياسيا جماهيريا سليما من القادم الجديد من أول لحظة يضيع عليه فرصة أن ينعم و لو لساعة بتبييض وجهه.

لو جاء جمال مبارك للحكم خلفا لأبيه أو حتى لو جاء غيره و استمرت منظومة الحكم بنفس الآليات الحالية لن يتغير شئ لكن على المعارضة أن تستخدم ذلك لتكتسب زخما جديدا و مصداقية أكبر و أرضية جماهيرية أوسع و هذا حديث يطول و من ثم فله مجال آخر ان شاء الله لأن المساحة انتهت الآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 نشر هذا الموضوع في جريدة الدستور المصرية.

مصر

مصر أبيض و أسود و ألوان .. 3 أصناف مجتمعية

في مصر وزراء يتحايلون بأساليب شتى و يبيعون بطرق مختلفة أراض و أشياء عديدة ملك للدولة, يبيعونها لمحاسيبهم أرخص من التراب, و الدولة بأجهزتها الرقابية العديدة التي تعد الأنفاس على معارضيها تغط في نوم عميق ازاء ما يقوم به السادة الوزراء و غيرهم من كبراء الحزب الوطني من التربح من مناصبهم عبر أملاك الدولة, إذ بعد مهزلة بيع القطاع العام و المشروعات الانتاجية التي كانت تمتلكها الدولة أرخص من التراب, اتجه الكبراء إلى بيع أراضي الدولة بنفس الطرق المشبوهة أو لنقل الموصومة, حكى لي بعض العاملين السابقين بمصنع منتجات زيوت القطن بالقناطر الخيرية أن الشركة كان لها فرعان و كان مكسب الفرعين سنويا يزيد على 30 مليون جنيها صافيا, فتم بيع الفرعين لمستثمر بمبلغ 70 مليون جنيه فقط, كما أعطوا المشترى حرية تصفية المصنع إذا وجد انه غير مربح و بيعه كأرض سكنية, و لينظر القارئ الكريم لهذا البند الاعجازي, فالمفروض نبيع مصنع و نشترط على المشتري أن يضخ استثمارات جديدة و يشغل عمال اضافيين, لكننا بالعكس نعطيه حق تصفية المصنع و بيعه أرض كأرض سكنية رغم ما نعرفه عن ارتفاع سعر الأرض السكنية لا سيما عندما تكون على كورنيش النيل في القناطر كما هو حال هذا المصنع البائس, وفعلا لم يكذب المستثمر المزعوم الخبر, فأوقف انتاج المصنع لسنة, فخسر المصنع فباع ماكينات خطوط انتاجه بعشرات الملايين, و سرح عماله, و باع الأرض كأرض سكنية بسعر للمتر لا يقل عن 4 آلاف جنيه و يقال أن مجموع سعرها بلغ أكثر من مائة مليون, هل نرى أن هذه صفقة مشبوهة؟ طبعا مشبوهة جدا.. فأين أجهزتنا الرقابية.. أين الجهاز المركزي للمحاسبات و أين النيابة الادارية و أين الأجهزة الأمنية و أين النيابة العامة.. بل أين الضمير العام و الخاص في مصر كلها؟

و أيا كان الأمر:

لقد أسمعت إذ ناديت حيا .. و لكن لا حياة لمن تنادي

مصر ليست هي فقط رجال الأعمال الطفيليين

و من ناحية اخرى فمصر ليست هي فقط رجال الأعمال الطفيليين الذين كونوا ثرواتهم عبر نهب الثروات المصرية العامة دون أن يتحملوا مشقة العمل الجاد المنتج و المفيد, فمصر فيها رجال آخرون بذلوا و مازالوا يبذلون الغالي و النفيس من أجل عزة هذا الوطن و تقدمه و رفعته, و يأتي على رأس هؤلاء العلماء الأجلاء في أروقة الجامعات و غرفات المعامل و مراكز البحوث المحترمة المتعددة, فمن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر العلماء الذين توصلوا لاستنباط سلالات من القمح و الأرز و الذرة يمكن زراعتها بالماء المالح، وفي أي نوع من التربة مهما كانت قاحلة، من أجل إنتاج سلالات أكثر تحملا للملوحة والجفاف، وذلك بغرض توفير المصادر المائية لاستخدامها لري محاصيل أخري، وكذلك إمكانية استخدام مصادر أخري للري مثل مياه الصرف الزراعي ومياه الآبار و مياه البحر ذات الملوحة المرتفعة، و من هنا يمكن زراعة ملايين الأفدنة في الصحراء المصرية القاحلة عبر ريها بماء البحر (و هي كثيرة لا تنفد بإذن الله), و للقارئ الكريم أن يتصور حجم وفرة الانتاج الزراعي التي سوف تحدث لو زرعنا الصحراء بماء البحر من هذه المحاصيل الثلاثة لا سيما أنه باستمرار البحوث ممكن استنباط أنواع من المحاصيل الأخرى كالخضروات مثلا يمكن أن تروى أيضا بالماء المالح.

و هناك العالم المصري الآخر بالمركز القومي للبحوث الذي ابتكر فكرة تنقية مياه الصرف باستخدام ورد النيل الذي عادة ما يمتص الرصاص من الماء و يتغذى عليه, كما ابتكر طريقة لصناعة الطوب من ورد النيل الذي من المنتظر أن يتكاثر و يُنْتَج بوفرة من الأحواض التي سوف تُسْتخدم في تنقية مياه الصرف.

آلاف المخلصين الجادين

و هناك آلاف العلماء و الفنيين المتخصصين في الطاقة النووية الذين يعانون من المرتبات الهزيلة و الأدوات و المعدات و المعامل الأكثر هزالا و مع ذلك مازالوا يعملون بدأب و مثابرة من أجل خدمة هذا الوطن لا يبتغون سوى الخير لهذا البلد حتى و لو على حساب راحتهم الشخصية هم و أسرهم في زمن أصبح أجر الراقصة أو لاعب الكرة في شهر أكبر من أجر ألف عالم نووى مصري في أعوام.

ليس هدفي من ذكر هذه النماذج أن اطالب الحكومة بالالتفات لهذه الأبحاث و هؤلاء العلماء و العمل بمقتضى أفكارهم الخلاقة, لأنني فقدت أي أمل في أي حكومة يشكلها الحزب الحاكم, و أيقنت أن قادة و كبراء هذا الحزب لا يبغون غير مصالحهم الشخصية الضيقة التي تخصهم هم و اسرهم, فكبراء الحزب الحاكم لا تحركهم فقط شهواتهم الشخصية بل يكمن وراء هذه الشهوات عقل ضيق يتسم بالجمود و التقليدية و هذه التقليدية محكومة بطريقة تفكير أسيرة للفكر الرأسمالي الغربي الكلاسيكي أو لنقل لا تعرف سوى التبعية الفكرية للفكر الاقتصادي الذي يسوقه لهم سادتهم في البنك و صندوق النقد الدولي و المؤسسات الاقتصادية الأوروبية و الأمريكية, فكل طموحهم هو ترويج اقتصاد الخدمات و على رأسها السياحة و الترفيه, و هو اقتصاد غير مستقر و غير مضمون لأنه عرضة للتقلبات الدولية, أما الاقتصاد المنتج الحقيقي من زراعة و صناعة و توطين التكنولوجيا المتقدمة فهذا ليس فقط بعيد عن عقول سادة و كبراء الحزب الحاكم بل هو بالأحرى بعيد عن ذقونهم.

إن هدفي من ذكر كل هذه النماذج المشبوهة و المخلصة هو ان أنبه ان مصر ليست كلها ظلام لكن فيها هذا و ذاك, صحيح أن الغلبة أو الظهور الآن للشر لكن لاشك ان لكل شر نهاية, كما أن نماذج الخير الموجودة في البلد لا بد أن تشجع عامة الشعب و خاصة الشباب على اتخاذ هذه النماذج الخيرة كقدوة لها و أن لا يفتتنوا بسادة و كبراء الحزب الحاكم حتى لا يأتوا يوم القيامة فيقولوا: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}الأحزاب67.

مصطفى أبو اليزيد

قيادة منظمة القاعدة هل يتولاها سعودي أو باكستاني بعد مصرع أبي اليزيد؟

ما مصير قيادة منظمة القاعدة بعد مصرع مصطفى أبو اليزيد؟؟، إذ عندما تولى مصطفى أبو اليزيد القيادة العامة في منظمة القاعدة في أفغانستان اعتبرت كثير من المصادر الجهادية المطلعة ان هذا دليل على افلاس القاعدة عسكريا، نظرا لأن معظم أنشطة مصطفى أبو اليزيد انحصرت في السابق في المجال الاقتصادي حتى أنه اشتهر بين قادة و أعضاء القاعدة طوال الـ 15 عاما الأخيرة باسم الشيخ سعيد المحاسب بصفته كان يتولى أعمال الحسابات لأموال تابعة للقاعدة و لابن لادن شخصيا.

و الآن عندما أعلنت القاعدة نبأ استشهاد أبو اليزيد و زوجته و ثلاثة من بناته و حفيدته و عدد من جيرانه, فإن المسئوليين الأمريكيين أعلنوا بدورهم أن هذا نصر و انجاز أمريكي كبير في اطار الحرب على الارهاب, نفس الشئ لاحظناه سابقا بشأن أبي أيوب المصري عندما تولى القيادة العسكرية للقاعدة في العراق إذ سخرت بعض المصادر مما اعتبروه قلة خبرة أبي أيوب باعتباره مجاهدا شابا لم يكن ذا شأن هام في معسكرات جماعة الجهاد المصري في أفغانستان في التسعينات, فكيف به يصير على رأس قيادة القاعدة في العراق؟

و لكن عندما لقي مصرعه مؤخرا اعتبرت الولايات المتحدة و حلفائها العراقيين أن هذا نصر كبير لهم على القاعدة, و هذا كله دليل على أن الصراع بين القاعدة و بين الولايات المتحدة هو صراع ممتد لكنه يتكون من حلقات متوالية أو مسلسلة تسلم كل حلقة منها الاخرى في استمرارية واضحة.

الصراع بين القاعدة و الولايات المتحدة

الصراع بين القاعدة و الولايات المتحدة هو حرب طويلة و أي حرب لابد فيها من سقوط قتلى, و لكن الحادث حتى الان في هذه الحرب أن سقوط القتلي لا يؤثر في نتيجة أو مجريات الحرب بدرجة ملموسة فهي أشبه بحرب استنزاف صمد كل طرف من اطرافها ازاء الأخر و أظهر الجلد فلا يتراجع لمقتل قائد هنا أو هناك, فقد تم قتل أحد أعظم القادة العسكريين للقاعدة صبحي أبو ستة (المشهور بأبي حفص المصري) في القتال مع الناتو في افغانستان عام 2001 و تولي بدلا منه مصطفى أبو اليزيد و لم يؤثر ذلك في أداء القاعدة العسكري في أفغانستان و لا في العراق في مواجهة الناتو و حلفائه, و قتل أبو عمر البغدادي و أبو ايوب المصري و لم يؤثر ذلك على قدرات القاعدة في العراق و نفس الشئ حدث الآن حيث قتل مصطفي ابو اليزيد المعروف بأبي اليزيد المصري و الموجود على لائحة مجلس الأمن للجهات المحظور التعامل معها ماليا لصلتها بتمويل الارهاب و الموجود على قائمة المطلوبين الدوليين الأمريكية و قائمة المطلوبين لجهاز الامن المصري و مع ذلك فغدا أو بعد غد ستولي القاعدة مسئولا جديدا كقائد عام للقادة في أفغانستان ومن المتوقع أن تعلن عن ذلك خلال أيام او أسابيع فالقاعدة حتى الان نجحت في افراز و استنساخ قادتها, و كما عهدنا من سوابق تاريخ القاعدة فإن أدائها لن يتأثر بذلك و سيصير القائد القادم هو القائد الرابع منذ تأسيس القاعدة.

أبو عبيدة البنشيري

و كان القائد الأول هو أبو عبيدة البنشيري (غرق عام 1994 و اسمه الحقيقي علي الرشيدى مصري الجنسية) و خلفه ابو حفص المصري ثم خلفه أبو اليزيد المصري, لكن هل يكون القائد الرابع للقاعدة مصري ايضا أم ستذهب القيادة هذه المرة لسعودي أو يمني و هما الجنسيتان اللتان تمثلان العدد الأكبر بين مقاتلي القاعدة في افغانستان أم تغازل القاعدة الباكستانيين و تولي باكستانيا و تخرج القيادة العسكرية لأول مرة ليس عن المصريين فحسب بل عن العرب بعامة؟! تولية باكستاني أمر مستبعد باعتبار ان العرب لهم احترام غير عادي في قلوب الأفغان و الباكستانيين و هو أحترام سيحتاجه حتما القائد الجديد للمحافظة على استمرار العلاقات المتميزة بين القاعدة و حركة طالبان في كل من أفغانستان و باكستان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا التقرير  بجريدة الدستور المصرية.

مصاب اسرائيلي صورة أرشيفية

هزائم إسرائيل بين 8 دروس مستفادة و 3 سنن كونية

كانت اسرائيل في السابق توقع الهزائم بالعرب سواء بشكل حاسم كما في 1948 و 1967و 1982 أو بشكل محدود لكنه مؤثر كما في 1956 و 1973, لكن الدولة الصهيونية تكبدت في العقدين الأخيرين العديد من الهزائم الكبرى على أيدى قوى عربية فمن هزائمها على أيدى حزب الله و المقاومة اللبنانية في لبنان إلى هزائمها على أيدي المقاومة الفلسطينية في فلسطين و في قلبها المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس و الجهاد الاسلامي), و لانتصار اسرائيل في هذه السنوات أسباب سياسية و استراتيجية و لانهزامها في العقدين الأخيرين أسباب أيضا سياسية و استراتيجية سنحاول الاطلال عليها في السطور التالية:

أسباب انتصارات اسرائيل

– اعتمدت اسرائيل على الخيانات في الصف العربي و التي ضمنت لاسرائيل تفوقات عسكرية لا تستحقها كما في حرب 1948 و1967.

– كما استفادت اسرائيل من الفساد المالي و الاداري الذي يعم العالم العربي بحكوماته و جيوشه و هو الأمر الذي أدى إلى تخلف في التسليح و التصنيع العسكري لدى العرب كما أدى لصدور العديد من القرارات العربية الخاطئة السياسية و العسكرية مثل قرارات ايقاف القتال أو قبول الهدنة أو حتى دخول الحرب دون اعداد كاف و ذلك في حرب 1948 و مثل كل قرارات حرب 1967 خاصة قرار الانسحاب من سيناء, و مثل القرار السلبي المتمثل في السكوت على بناء اسرائيل لخط بارليف و للساتر الترابي على الضفة الشرقية لقناة السويس في الفترة من 1967 و حتى 1970.

– اعتمدت اسرائيل على دعم أوروبي و أمريكي غير متناه في مجال التسليح متفوقة بذلك تكنولوجيا و كميا على كل الجيوش العربية مجتمعة.

– دأبت اسرائيل على استخدام أسلوب الحرب الخاطفة و استخدام استراتيجية الاقتراب غير المباشر أثناء العمليات العسكرية مما أدى لنجاحها في احداث اختراقات ناجحة لخطوط الدفاع العربية و الالتفاف حول مؤخرات الجيوش و ضرب قواعدها الخلفية و من ثم ايقاع الهزيمة بها في النهاية, كما نجحت في الاستخدام الواسع و الفعال لسلاح طيارانها المتفوق لتدمير القوى العربية و ضرب عمقها الاستراتيجي دون قدرة عربية على الرد.

و كان على القوى العربية للرد على هذا التحدي الصهيوني أن تطور قدراتها العسكرية عبر تسليح متطور و بكميات كافية كي تشل فاعلية القوات الجوية الاسرائيلية و تتتمكن من الرد في العمق الصهيوني و كي تكشف التحركات الاسرائيلية في مسرح العمليات كي تمنعها من اختراق خطوط الدفاع و الالتفاف على مؤخرات الجيوش العربية, لكن تعنت الدول المالكة للسلاح المتطور ازاء العرب منع العرب من التفوق على اسرائيل في التسليح و بالطبع منعهم أيضا من الحصول على أسرار تكنولوجيا التسليح المتقدم, و ليس من الانصاف القاء تبعة ذلك على هذه الدول فقط, بل الحقيقة أن الحكومات العربية لم تكن صادقة و لا ذات عزيمة قوية في الحصول على التكنولوجيا المتطورة بصفة عامة و في صناعة السلاح بصفة خاصة, بدليل أن دولا كانت متخلفة و حازت استقلالها بالقرب من الوقت الذي حازت فيه الدول العربية الكبرى استقلالها كالهند و الصين و مع ذلك تقدمت و حازت التكنولوجيا المتطورة في السلاح بينما نحن محلك سر, بل لم نلحق في هذا المجال بدول حازت استقلالها بعدنا ككوريا الشمالية التي منذ زمن و هي تصنع صواريخها و دباباتها و طائرتها و ان كانت طائرتها نسخ سوفيتية قديمة متواضعة لكنها تضمن الدفاع عنها.

4 من أسباب انتصارنا على اسرائيل

لكن رغم هذا كله كيف بدأنا نوقع الهزائم باسرائيل رغم أننا لم نتطور تكنولوجيا؟

بدأت انتصاراتنا على اسرائيل بسبب عدة عوامل كان من أبرزها:

– امتلاك قوى عربية زمام القرار و هي صادقة في منازلتها الدولة الصهيونية عسكريا, فهي تحارب اسرائيل بجدية لا مجال فيها للفساد الاداري أو التهريج أو الميوعة, هذه القوى موجودة و كامنة دائما في جسد الامة العربية لكنها كانت مهمشة في الصراعات السابقة لكنها الآن أخذت زمام المبادرة في كل من لبنان و فلسطين فكانت لها بصمتها في الصراع و كانت ذروة هذه البصمة هزيمتان اسرائيليتان في حرب لبنان 2006 و حرب غزة 2009.

– استخدام هذه القوى العربية استراتيجية حرب العصابات و حرب التحرير الشعبية بتكتيكاتهما المتعددة المعتمدة على الكر و الفر و الشراك الخداعية و الكمائن و التمويه و التخفي و الدفاع العميق و استطاعت عبر ذلك و عبر التحصن بالأنفاق و الخنادق من تحييد ضربات الطيران الصهيوني.

– انتشار تكنولوجيا صناعة الصواريخ القصيرة و المتوسطة المدى عبر العالم مكن دولا عديدة كسوريا و ايران من صناعة و حيازة عشرات الآلاف من هذه الصواريخ مما مكنها من ردع الصهاينة و منعهم من قصف العمق الاستراتيجي لهذه الدول رغم دعمها الاستراتيجي للمقاومة اللبنانية و الفلسطينية.

– حيازة المقاومة العربية للصواريخ قصيرة المدى مع قرب موطن هذه المقاومة من خاصرة اسرائيل الرخوة مكن المقاومة من ردع اسرائيل تارة و تكبيدها خسائر فادحة تارة أخرى, لأنه في السابق كانت اسرائل قد نجحت في دحر القوات العربية و ارجاعها لمسافات بعيدة أبعدت هذه القوات عن خاصرتها الرخوة لمسافات تكفل الحماية لها من القصف الصاروخي قصير المدى والمدفعي بعيد المدى و الذي لم يكن العرب يملكون سواه وقتها بينما عجز الطيران العربي (و مازال) عن الوصول لاسرائيل.

لقد مكنت هذه العوامل قوى المقاومة من ايقاع الهزائم المتتالية باسرائيل مما دفعها للانسحاب المذل من كل من لبنان و غزة تحت وطاة هذه الهزيمة لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي .. و لكن هذا التدهور في بنيان القوة الاسرائيلية رغم أنه يرجع لعوامل تتعلق بتطور الفكر الاستراتيجي للمقاومة و انتشار تكنولوجيا صناعة الصواريخ إلا انها أيضا تدين في التحليل النهائي لدورة التاريخ أو دوران عجلة التاريخ, فالمقاومون العرب قبل ستين عاما لم يجدوا مناخا دوليا و اقليميا مواتيا كما هو الآن كما لم يتمكنوا من حيازة صواريخ الكاتيوشا (رغم كونها كانت موجودة في روسيا وقتها) كما هو الآن, فدوران عجلة التاريخ هو الذي اتاح فرصة الهزائم الاسرائيلية كما هي الآن, و صدق الله تعالى إذ قال: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران140.

و كما هو واضح لقد انتظرنا عقودا حتى يدور التاريخ دورته و يسهل علينا ايقاع الهزيمة باسرائيل.

3 من سنن الله الكونية في حركة التاريخ

و لكن لابد أن نتعلم و نعى العبر و الدروس من دورة التاريخ هذه حتى نحقق النجاحات في مستقبلنا و لا نظل ننتظر أملا في أن يسقط النصر في حجورنا و نحن قاعدون, و بصيغة أخرى ينبغي أن نفهم سنن الله الكونية تعالى التي لا تتبدل بشأن حركة التاريخ حتى نسير وفقها.

و من أبرز هذه السنن التي لعبت دورا في الحدث الذي نحن بصدد تحليله و التعلم منه هي:

– وجوب الأخذ بالأسباب لدفع القدر بالقدر و هذه سنة النبي صلى الله عليه و سلم و خلفائه الراشدين.

– و ثاني هذه السنن هي وجوب الاعداد بأقصى ما نستطيع قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }الأنفال60, فدفع قدر العدوان بقدر الجهاد يلزمه أيضا الاعداد بأقصى ما نستطيع و ليس بفضول ما نستطيع.

– وثالث هذه السنن التي هي سنن الله في النصر هو التطوير الدائم مع حيازة أسبابه سواء في الفكر الاستراتيجي أو وسائل و أدوات القتال, فالنبي صلى الله عليه وآله و سلم حوَّل جيش المدينة من مشاة إلى فرسان مدرعين, ففي غزوة بدر كان الفرسان ثلاثة أفراد و الباقي مشاة معظمهم حاسرون أما في فتح مكة فكان المهاجرون و الأنصار كلهم فرسان مدرعون لا يُرَى منهم سوى الحدق من الحديد, كما استخدم النبي صلى الله عليه وآله و سلم الخندق كتكيك دفاعي لأول مرة في الجزيرة العربية كلها, كما أرسل نفرا من الصحابة ليتعلموا صناعة المنجنيق في الشام و عادوا ليستخدم آلة الحرب الجديدة على العرب لأول مرة في الجزيرة العربية في غزواته.

و كما هو واضح فهذه السنن هي أيضا من أبرز محاور السياسة الشرعية لأن السياسة الشرعية من وظائفها أن توافق و تتوائم مع سنن الله تعالي الثابتة في الكون لا أن تعاندها أو تتجاهلها أو حتى تغفل عنها, و إذا كان الأمر هكذا فهي من أعظم جوانب الهدي النبوي لأنه صلى الله عليه وآله و سلم أفضل من توافق مع سنن الله تعالى في خلقه و هو أعظم من مارس السياسة الشرعية.