تنظيم الدولة يضرب السعودية أثناء حربها مع الحوثيين

لماذا يضرب تنظيم الدولة في قلب السعودية أثناء حربها مع الحوثيين؟

كتبت هنا منذ فترة عن محاولات تنظيم الدولة لإثارة الأوضاع و خلط الأوراق داخل المملكة السعودية و ألمحت إلى أن هذا نوع من العمى السياسي و الإستراتيجي لدى التنظيم و قلت أن هذا يكون رأينا إذا أحسنا الظن بتنظيم الدولة، أما إذا أسأنا به الظن فسوف نقول أن التنظيم له قيادة مخترقة بحيث تعمل ما يخدم مصالح إيران و حلفها و إسرائيل و حلفها من حين لآخر .. و كالمعتاد احمرت أنوف البعض و علق أخوة أفاضل بخشونة و اتهموني بأني لا أدقق في معلوماتي.. و لكن كالعادة أيضا يصدق تحليلي و يظهر صوابه بتحققه بعد فترة من إعلاني له..

فأمس و للجمعة الثانية يستهدف تنظيم الدولة مسجدا شيعيا في المنطقة الشرقية للمملكة السعودية.. فهل معلوماتي مازالت خاطئة..

أنا أريد أن أفهم.. من الذكي الذي يظن أنه لو اشتعلت فتنة بين السنة و الشيعة في السعودية سيستفيد منها أهل السنة ؟؟ ألا يفهم أي ذكي أن المستفيد الوحيد من فتنة كهذه هو إيران لأنها لن تترك و لا يمكنها أن تترك شيعة السعودية يذبحون بسيف الدولة السعودية .. أم أن أذكياء تنظيم الدولة يظنون أن السعودية كالبحرين يمكن لإيران أن تسكت على قمع الشيعة فيها؟

إن أقوى قوتين منظمتين في المنطقة الآن هي إيران و إسرائيل و كلتاهما حلفاء للولايات المتحدة و أي تفكك و فراغات ستحدث في المنطقة ستستفيد منها إيران و إسرائيل بدعم أو غض طرف أمريكي ، و لو حدثت حرب أهلية داخل السعودية بين السنة و الشيعة كما يهدف أذكياء تنظيم الدولة فإن إيران ستغذي الشيعة بالسلاح و الأفراد إلى أن تحتل المنطقة الشرقية السعودية الغنية بالنفط و بالشيعة ، ولن يستفيد من هذه الحرب تنظيم الدولة الذكي الذي يحارب في العراق منذ 2004 و لم يمكنه حتى الساعة تحرير و لا حتى نصف العراق، و بينما لم يتمكن من تحرير العراق فإذا به يقفز في سوريا و بينما هو منغمس في معارك سوريا و العراق ينتصر مرة و ينهزم أخرى فإذا به يقفز في السعودية ليفتح معارك جديدة .. فما هذا الذكاء.. أم إنه الهروب للأمام؟؟

قلنا سابقا و نكرر.. لصالح من يتم ضرب السعودية في ظهرها و هي في هذه الحالة؟ هل لصالح السنة أم لصالح إيران؟

و أثناء كتابة هذه السطور وردت الأخبار بأن تنظيم الدولة في سوريا احتل منطقة مهمة قطع بها إمدادات المجاهدين للمناطق المحررة حديثا في سوريا ، فهل لنا أن نسأل لماذا يتحرك تنظيم الدولة عند نجاح المجاهدين السوريين في دحر النظام فيقطع الإمدادات عنهم فلمصلحة من يعمل هذا التنظيم؟

ثم ورد خبر آخر منذ ساعات أيضا أن قوات تنظيم الدولة تهاجم قوات النصرة ، و يأتي هذا الهجوم بعد يومين من إذاعة الجزيرة للمقابلة مع زعيم النصرة و التي قال فيها إن المعركة تتجه لدمشق ، فهل هجوم تنظيم الدولة على النصرة الآن هو جزاء لها لإعلان زعيمها التوجه نحو دمشق؟ و إن لم يكن هكذا فلماذا الهجوم على النصرة الآن؟؟ يا أخي ما دام لديك قوة تهاجم بها فلماذا لا تهاجم أنت النظام.. فقط النظام .. و تدع كل من يضرب في النظام في حاله؟؟

إدراك حقيقة المصالح و المفاسد و أيهما أولى بالتقديم في كل حالة من الحالات هي لب العمل السياسي و الاستراتيجي الإسلامي و يحتاج لفقه عميق لا يتوفر لمن قل علمه بالشرع الحنيف أو بالواقع و لذلك ساوى السلف بين مداد العلماء و دماء الشهداء لأنه دون علم فالمرء مهدد بأن يصبح ممن قال الله تعالى عنهم “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” الكهف آية 103-104.

لماذا ينهزم المسلمون

لماذا ينهزم المسلمون ؟ و كيف ينتصرون ؟ (1-2)

من أعظم آفات التفكير في ظواهر الواقع ومشكلاته: آفة الذاتية، وعكسها تمامًا سمة (الموضوعية) ومعناها دراسة موضوع الظاهرة كما هو حقيقة، والتفكر في منطق الظاهرة الذي تختص به دون أي إسقاطات شخصية من الباحث.

وهذه الآفة الفكرية هي من أعظم ما ابتلينا به في العمل الإسلامي المعاصر، حيث نصف أي ظاهرة سياسية أو استراتيجية أو اجتماعية أو اقتصادية وفقًا لتخيلاتنا الشخصية أو الحزبية لها، وليس وفق ما هي عليه حقيقة في الواقع، وينعكس هذا سلبًا على بحثنا عن الطرق المناسبة للتعامل مع هذه الظاهرة.

وتغلغلت هذه الآفة الفكرية لتصل لدراستنا للتاريخ فصار البعض يفسرون ويفهمون أحداث التاريخ وفقًا لتوجهاتهم الشخصية أو الحزبية.

كيف انتصر (صلاح الدين الأيوبي) على الصليبيين

ومن هذا مثلاً ما فعله كاتب مشهور عندما ألف كتابًا أراد به أن يشرح كيف انتصر (صلاح الدين الأيوبي) على الصليبيين وحرر القدس، ملوحًا برؤيته الشخصية أو الحزبية لكيفية ظهور قائد معاصر كصلاح الدين الأيوبي كي يحرر القدس من جديد كما حررها صلاح الدين من قبل، فهو في هذا الكتاب زعم أن هناك صحوة إسلامية دعوية روحية قام بها متصوفون وعلماء أدت لظهور ما أسماه هو “جيل صلاح الدين”.

والحقيقة أن هذا لم يكن واقع الأمر بالنسبة لظهور صلاح الدين وانتصاره على الصليبيين وتحريره للقدس، لكن الكاتب أراد تصويره هكذا ليمهد أو ليروج لنظرية جماعته عن كيفية التمكين للصحوة الإسلامية المعاصرة وعودتها للقيادة من جديد، ومن ثم الانتصار على الصهاينة وكل الأعداء وتحرير القدس.

المعرفة الاستراتيجية الواعية ضرورية لفهم الأحداث

ما حدث أيام الهجمة الصليبية على قلب العالم الإسلامي بالشام (ثم مصر) وقبلها بقليل لا بد أن نقرأه بموضوعية مع خلفية من المعرفة الاستراتيجية الراقية والواعية لنفهم ماذا حدث، وسنجد أن الخلل لم يكن لا حضاري ولا أخلاقي، فالمسلمون كانوا أكثر تقدمًا حضاريًا واقتصاديًا وفكريًا وعلميًا وأخلاقيًا من الصليبيين، وهذا بلا خلاف بين المؤرخين المعاصرين للحدث -بل ومن تلاهم من المؤرخين غير الحزبيين- سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، إذًا فلماذا انهزم المسلمون في البداية واحتل الصليبيون الشام بل وهيمنوا على مصر ومعظم المشرق العربي لفترة ما؟!

السبب كان خللاً أمنيًا -بالمعنى الشامل لمفهوم الأمن الدولي والإقليمي والمحلي- نتج عنه خلل استراتيجي أو فراغ استراتيجي في الشام، بل في المشرق العربي كله، وهو تفرق وتشرذم المسلمين إلى إمارات صغيرة متنازعة عسكريًا رغم وفرة موارد المسلمين الاقتصادية والعسكرية، وتزامن ذلك مع انهيار سياسي في الإمبراطورية الفاطمية أنتج ضعفًا عسكريًا، رغم أنها كانت قوة كبيرة موحدة في المشرق تضم مصر واليمن والحجاز وجزء كبير من الشام، ولديها موارد اقتصادية وعسكرية ضخمة..

عماد الدين زنكي وبداية المقاومة والتحرير

ولذلك من يقرأ تفاصيل المعارك بين المسلمين والصليبيين منذ بدئها وحتى بداية استراتيجية التحرير التي أسسها وقادها عماد الدين زنكي -وتابعها ابنه نور الدين محمود وتلميذه صلاح الدين الأيوبي- يجد أن جيش الصليبيين في كثير من المعارك لم يتجاوز بضع مئات، بل أحيانًا كان من مائة إلى خمسمائة مقاتل فقط، ويهزم مسلمين ويحتل إمارات أو ولايات إسلامية، بينما كان المسلمون قادرون على حشد عشرات الآلاف من الجنود بمعدات عسكرية متطورة، لكنهم كانوا سرعان ما يتفرقون قبل دخول المعركة! بسبب خلافات الأمراء والتنافس بينهم وبين بعضهم البعض.

من يقرأ أحداث التاريخ الإسلامي قبيل قدوم الصليبيين للمنطقة سيجد كل يوم حروب بين أمراء الولايات الإسلامية المختلفة، ونزاعات ساخنة بسبب تصارعهم على السيطرة على هذه الجهة أو تلك، وتحصيل مواردها المالية لصالح المنتصر، فهناك وفرة اقتصادية وتقدم علمي وصناعي، ولكن! هناك فرقة وتنازع سياسي لم يضعف قدرتهم العسكرية بل فرق هذه القدرة، بحيث جاء الصليبيون لينفردوا بكل منهم على حدة، ويلتهمون أرضه أو نفوذه الواحد تلو الآخر..

بل عماد الدين زنكي نفسه الذي بدأ رحلة التحرير لو قرأنا تاريخه سنجده متورط في كل هذه النزاعات والحروب الشخصية ضد إخوانه من أمراء الولايات الإسلامية الأخرى، التي على حدوده قبل أن يتجه إلى مجابهة الصليبيين، ويضع استراتيجية التحرير التي تكللت بعد موته بتحرير صلاح الدين للقدس.

استراتيجية التحرير قامت على أمرين

إذًا فقد أدرك أحد الأمراء المتنازعين وهو (عماد الدين زنكي) أن المشكلة التي خلقت فراغًا استراتيجيًا بالمنطقة استغله الصليبيون لاحتلال الشام والهيمنة على ما حولها سياسيًا وعسكريًا ليست إلا في تفرق المسلمين، فقرر توحيد الإمارات المحيطة بمنطقة الاحتلال الصليبي ليتمكن من توجيه الموارد الموحدة لمجابهة هذا الاحتلال والقضاء عليه، فوضع لذلك استراتيجية قائمة على أمرين رئيسين:

الأول-السعي لهذا التوحيد بالسياسة والسلاح على حد سواء، مع تهيئة إمكاناته الذاتية لتحقيق هذه الوحدة بهذه الطريقة.
الثاني- التصدي المؤقت للوجود الصليبي في المنطقة عبر أمرين أيضًا:

1- شن حرب استنزاف ضدهم لإنهاكهم، لحين إنجازه للوحدة التي سيشن عبرها حرب التحرير الشاملة.
2- التصدي لمحاولات تمددهم الجغرافي أو السياسي بأعمال سياسية وعمليات عسكرية، لمنع تمددهم حتى تحين لحظة حرب التحرير الشاملة بعد إتمام الوحدة.

حرب التحرير الشاملة لن تنجح بدون توحيد كل الشام ومعها مصر

وكان هذا التصدي المؤقت ينطلق من قناعته بأن حرب التحرير الشاملة لن تنجح إلا بعد توحيد كل الشام، بالإضافة إلى مصر، حتى يشكل طوقًا كاملاً حول المستعمرات الصليبية التي انتشرت في الشام وباتت تهدد مصر نفسها، والتصدي المؤقت كان يهدف لإيقاف تعاظم قدرات الصليبيين فهو يعظم قدرة المعسكر الإسلامي عبر الوحدة مدركًا أن هذا يستلزم وقتًا ولكنه لا يريد للصليبيين أن يستفيدوا بهذا الوقت بتعظيم قدراتهم هم أيضًا، وزيادة رقعة ممتلكاتهم في المشرق الإسلامي فصار يستنزفهم ليضعف قواهم ويمنع تمددهم السياسي والعسكري.

كلام الكاتب الفاضل عن ما أسماه بجيل صلاح الدين لا يمت لما حدث فعلاً بأي صلة، بدليل بسيط جدًا وهو أن جيوش المسلمين في هذا العصر لم تكن من الشعوب الإسلامية المحكومة حتى تؤثر أخلاقياتها وتدينها على أداء الجيش، ونزول النصر عليه، فالجيوش كانت في هذا العصر مكونة من جنود محترفين يأتون من خارج المنطقة من الأكراد والأتراك ونحوهم من القبائل الحديثة عهد بالإسلام، والمحترفة للعمل العسكري، والتي كانت تعيش شبه منعزلة اجتماعيًا عن الشعب بعد مجيئها للمنطقة، فالجيوش لم تكن من الشعب كي ينعكس عليها تدين وتصوف الشعب أو عدم تدينه فتنهزم أو تنتصر.

والخلاصة: أنه كان هناك خللاً في الأمن والاستراتيجية عند حكام المسلمين قبيل الهجمة الصليبية، وعندما نجح الصليبيون في احتلال المنطقة فكر قادة مسلمون تفكيرًا استراتيجيًا سليمًا فاستجابوا للتحدي الاستراتيجي الصليبي استجابة صحيحة فانتصروا.

واليوم نعيش نكسات وهزائم إسلامية عديدة تحتاج استجابة صحيحة، فما الذي منعنا حتى الآن من تقديم هذه الاستجابة الصحيحة للتحديات المفروضة؟

إجابة هذا السؤال خصصنا لها الحلقة التالية هنا..

الكتب ثروة علمية

أين كتابي ؟

شئ لاحظته هو أن أغلب (أو كل) الكتب المرفوعة على شبكة الانترنت المروجة على المواقع و المنتديات المحترمة هي كتب مميزة، لأن لا أحد يهتم برفع و ترويج كتاب ما سوى اذا شعر أن هذا الكتاب مهم في بابه، و هي ثروة علمية ضخمة، فهنيئا لمن يجد وقتا لقراءة كل او أغلب الكتب الموجودة في تخصصه من هذه الثروة من الكتب في كافة المجالات، فهي في المتناول بلا أي تكلفة سوى قليل من جهد التصفح على شبكة الانترنت.

لقد كان سلفنا الصالح يسافر سفرا يستغرق الشهور العديدة ليحصل على صفحة من كتاب، و كانوا يحوزون الكتب بنسخها باليد على ورق سميك و بقلم من البوص، أما الآن فبكبسة زر على الكمبيوتر أو بلمسة اصبع على التاب أو الموبايل تحوز آلاف الكتب المستقدمة من كافة أصقاع الأرض، و تقرأها و انت متكئ على أريكتك لم تتحرك من مكانك ..

هذا فضلا عن البرامج المميزة التي فرغت لنا آلاف الكتب في أوعية بحث مميزة تتيح لنا البحث بالموضوع أو حتى بالكلمة في آلاف الكتب في بضع ثواني، مثل مواقع المكتبة الشاملة أو الدرر السنية أو اسلام ويب أو غيرها.

و رغم هذا كله لا نقرأ و لا نبحث عن العلم رغم أن العلم هو شرف وقوة .. و الأدهي من هذا أننا مع هذا التكاسل يصر بعض هؤلاء المتكاسلين على البروز في صدارة المشهد العام، و يفتوا في كل شئ و  يصرون على أن يصيروا موجهين في الشئون العامة في مجالات و تخصصات لم يسمعوا عنها قبل كلامهم فيها. 

محمد صلى الله عليه و آله و سلم إمام المجاهدين

أرقام لها دلالة في السيرة النبوية

عام بدء الوحي : قبل الهجرة بـ 13 عاما تقريباعام الهجرة و تأسيس الدولة الإسلامية: 1هـ (أي بعد الدعوة بـ 13 عاما غالبا).

الحرب مع قريش و من ولاها و حصارها اقتصاديا : من عام 1 هـ و حتى الحديبية 6 هـ..

أول توجه بالدعوة و احتكاك دعوي رسمي مع الفرس و الروم و القبط و غيرهم جاء بعد الحديبية عام 6 هـ و كان دعوة فقط دون قتال (أي بعد تأسيس الدولة بـ 6 سنوات على الأقل و بعد بدء الدعوة بـ 19 عاما). 

أول حرب مع الروم (غزوة مؤتة) عام 8 هـ (أي بعد تأسيس الدولة بـ 8 سنوات و بعد بدء الدعوة بـ 21 عاما).

و تحليل دلالات التواريخ هذه يشير إلى أن سنة النبي صلى الله عليه و آله و سلم هي ترتيب أولويات المواجهة مع أعداء الإسلام فلم يخض الصراع المسلح مع قريش إلا بعد إقامة الدولة و لم يخض الصراع المسلح مع الحيز الدولي (الروم) إلا بعد أن سيطر على الإطار الإقليمي بالهيمنة السياسية بقدرة عسكرية على الجزيرة العربية عبر تحالفات و معاهدات كرست هذه الهيمنة و قمتها كان صلح الحديبية و هذا أخذ ست سنوات من تأسيس الدولة 1 هـ إلى صلح الحديبية 6 هـ ثم جاءت بعدها بسنتين غزوة مؤتة عام 8 هـ ثم تبوك بعد فتح مكة.

إذن فتحديد سلم لأولويات الحرب و التدرج في مواجهة الأعداء، و ترتيب مواجهة الأولى فالأولى دون مواجهة العالم كله دفعة واحدة هو هدي سيد ولد أدم و إمام المجاهدين محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و هو السنة الواجبة و ليس هناك جهاد أفضل منه، و من ادعى أن هناك ما هو أفضل من هذا أو أوجب من هذا فقد انتقص النبي صلى الله عليه و آله و سلم، لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم المؤيد من رب الكون لم يقم بهذه المواجهة الشاملة للعالم كله دفعة واحدة منذ بعثته و حتى وفاته، و حتى إنه لم يغز الفرس حتى وفاته رغم عداوتهم له، و حتى ابو بكر الصديق خير هذه الأمة كلها بعد نبيها لم يقم بحركة فتوحاته العالمية إلا بعد قضائه على حركة الردة داخل الدولة الاسلامية.

أوباما رئيس الولايات المتحدة - محمد مرسي رئيس مصر السابق

كيف ولماذا طلب الإخوان المسلمون العون من أوباما ضد السيسي؟

في أيام حكم د. محمد مرسي .. لما ذهب عصام الحداد لأمريكا و قابل أوباما و جلس معه 45 دقيقة منفردا طلب منه نصائح و معلومات لكيفية السيطرة على الجيش ديمقراطيا فقال له أوباما لما ترجع مصر سأرسل لك فايل عن هذا الأمر عبر البنتاجون و لما رجع الحداد مصر فوجئ باحد أعضاء المجلس العسكري يقول له “بقى أنت رايح لحد أمريكا وأوباما علشان تقوله عاوز نصيحة في التحكم في القوات المسلحة… السيسى عرف بالموضوع، يا راجل عيب كده”.

هذه رواية محمد فهمي مراسل الجزيرة نقلا عن حوار دار بينه وبين عصام الحداد لما تقابل معه في السجن.. والعهدة على الراوي.

***

لو كانت هذه الواقعة صحيحة فأظن أن عصام الحداد لم يكن مقصده أخذ مشورة أوباما انما كان مقصده حض اوباما على دعم حكم الاخوان و الرئيس مرسي ضد العسكر و لكنه طلب هذا الدعم بصيغة المشورة حول الطرق الديمقرطية للسيطرة عليهم .. الخ .

وقد قرأت في مكان ما (لا أذكر الآن أين) أن رجب طيب أردوغان أرسل لمحمد مرسي رئيس المخابرات التركية قبل عزل مرسي بفترة وجيزة ليحذره من انقلاب وشيك، كما أن العديد من قادة الاسلاميين المصريين ذوي الرأي و الخبرة حذروا الاخوان مرارا منذ بداية حكم مرسي من انقلاب عسكري.. و الشائع بين شباب الاسلاميين في مصر أن حازم أبو اسماعيل هو من انفرد بادراك هذا الخطر العسكري و التحذير منه، لكن هذا مخالف للحقيقة فأكثر ذوي الرأي و الخبرة من الاسلاميين حذروا الاخوان من هذا الخطر، لكن الفارق أن حازم كانت أضواء الاعلام مسلطة عليه فشاع رأيه، بينما الآراء المماثلة من غيره من القادة كانت تقال في غرف مغلقة موجهة لكافة قادة الاخوان، و ممن وصلت له رسالة الاسلاميين واضحة في هذا المر كل من د. بديع و مهندس خيرت الشاطر و د. محمد مرسي نفسه في قصر الرئاسة ..

ثم ان معرفة محمد مرسي بنتيجة لجنة تقصي الحقائق و ان الاستخبارات بقيادة السيسي هي المسئولة عن قتلى التحرير وقت الثورة أو المتسترة على القناصة ألم تكن هذه كافية لتحذير مرسي و الاخوان بالخطر المحدق بوجودهم في الحكم؟؟!! ..

و هذا كله يوضح أن المشكلة ليست في عدم ادراك الخطر فكل القادة (اخوان و غير اخوان) كانوا يعرفونه جيدا و لكن المشكلة في منهج التعامل مع هذا الخطر، فالاخوان منهجهم املى عليهم اللعب بثلاث ورقات لا ثالث لهم و هم:

(1)محاولة اقناع امريكا بتأيدهم و مساندتهم ضد العسكر بتقديم أنفسهم على أنهم الاسلام المعتدل الذي سيفيد أميركا لأنه أكبر ضمانة لمكافحة المتطرفين (يقصد بهم الجهاديين كافة). 

(2)مهادنة أجهزة الدولة العميقة أمن و مخابرات و جيش و بيروقراطية فاسدة و اعلام متحالف مع كل هذه الأجهزة باقرارهم على اوضاعهم وامتيازاتهم على أمل أن يقبلوا بحكم الاخوان و لا يناهضوه.

(3)التلويح بورقة السيطرة على الشارع و القدرة على حشد مئات الألوف في مظاهرات و اعتصامات. 

و رغم أن هذه الورقات الثلاث فشلت فشلا ذريعا في تثبيت حكم الاخوان فمازال الاخوان يعتمدون عليها وحدها بهدف اسقاط حكم السيسي و اعادة د. مرسي و الاخوان الى الحكم.

***

و يرتبط بهذه الطريقة في التفكير السياسي لدى الاخوان المسلمون في مصر ما فعله اخوان اليمن مؤخرا عندما توسع الحوثيون عسكريا حتى سيطروا على معظم اراضي اليمن..

فالكثيرون يتعجبون من موقف اخوان اليمن حيث رفضوا مقاومة الحوثي بالسلاح في اليمن عندما توحش و هاجم صنعاء و مقار الاصلاح و جامعة الايمان و بيوت قادته ثم عاد الاخوان عند اندلاع عاصفة الحزم ليتخذوا موقفا مختلفا بتأييد العاصفة علنا….

و اعتبر البعض أن هذا موقف متناقض اذ لو انك تقول سلمية أو منهج اصلاحي فاستمر عليه فما هذا التناقض؟؟

يوجد أمر .. لا يلاحظه أكثرنا.. و هو أن السلمية أو ما يصطلح عليه بالمنهج الاصلاحي ليس هو ثابت الاخوان المسلمون الأساسي، لكن لديهم ثوابت أهم من ذلك و هو أن ترضى عنهم أمريكا و ما تمثله من نظام دولي فلا يتهمهم النظام الدولي بأنهم ارهابييون أو متطرفون، و من هنا حرصهم على عدم حمل السلاح هنا او هناك..

البعض يفهمهم خطأ فيتهمهم بالجبن و آخرون يتهمونهم بأنهم يحافظون على مصالحهم الاقتصادية، و كل هذا غير صحيح فالاخوان ليسوا جبناء و لا يضنون بانفسهم و أموالهم في سبيل مبادئهم و لكنهم مهتمون و مصممون على ان يرضى عنهم النظام الدولي، و يعتبرهم البديل المعتدل عن الحركات الاسلامية الأخرى، و مصممون أن ينفذوا أهدافهم عبر التفاهم مع النظام الدولي، و دون الاصطدام به و لذلك رفضوا حمل السلاح ضد الحوثي اولا، و لكن عندما أعطى النظام الدولي الضوء الأخضر للسعودية للحرب في اليمن فحينها أيد الاخوان المسلمون ما أيده النظام الدولي.

 
 

أوباما و نتنياهو

اللعبة الجديدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط

في أي سياق يأتي الاتفاق النووي الإيراني مع أوروبا و الولايات المتحدة ؟؟ إنه يأتي في سياق الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة بالشرق الأوسط.

و أتوقع أن جوهر الإستراتيجية الجديدة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية أوباما في منطقة الشرق الأوسط قائمة على ترك القوى الكبرى فيها تتصارع و من يأخذ شيئا (أرض أو نفوذ) يأخذه إلى أن تتوازن هذه القوى و تتفاهم وفقا للتوازن الجديد.
و القوى التي يتوقع لها أن تخوض الصراع حتى يتشكل النظام الإقليمي الجديد و يستقر هي:
-حلف الاعتدال العربي (التابع لأمريكا تقليديا و تاريخيا) و تتزعمه السعودية و يضم الخليج و مصر و الأردن و معه المغرب و باكستان رغم بعدهما نسبيا عن إقليم الشرق الأوسط و تساندهم إسرائيل.
-المحور الشيعي بقيادة إيران و معها أتباعها “العراق و حزب الله بلبنان و الأسد بسوريا و الحوثيون في اليمن و الأقليات الشيعية في كل من الخليج و الجزيرة العربية و تركيا و مصر”.
-المحور التركي القطري و معهما الإخوان المسلمون و يتوقع لهذا المحور التحالف مع المحور الأول بزعامة السعودية أحيانا.
-المحور الجهادي و يضم داعش و المنظمات التابعة للقاعدة و قوى الجهاد المحلي.
و لكن …………
………………
أمريكا ستدعم القوى الثلاث الأولى في سبيل إضعاف و هزيمة المحور الجهادي كما لن تترك إسرائيل وحدها في مواجهة أي محور يحاول إضعافها.. و في نفس الوقت فإن الولايات المتحدة ستدعم بدرجات مختلفة حفظ التوازن بين القوى الثلاث الأولى أي لن تسمح بهزيمة و زوال السعودية في مواجهة إيران و هكذا العكس بالعكس سواء بالنسبة لإيران و السعودية أو أي من القوي الأخرى باستثناء الجهاديين فمطلوب سحقهم أمريكيا.
و بالنسبة لإسرائيل فلا يسمح أمريكيا بإضعافها أو السيطرة عليها و دفعها للإذعان لأي من المحاور الأخرى.
و الله أعلم..

صورة أرشيفية لقوات داعش

الإطار العام للنظر في الظاهرة السياسية أو الإستراتيجية

هذا المقال يوضح الإطار العام الذي أحلل به ظاهرة سياسة او إستراتيجية ما لأن بعض من لم يعرفوني لا يظهر لهم هذا الإطار بوضوح..

أول قاعدة عندي هي النظرة الكلية الشاملة للموضوع و الى مآلاته فمثلا عندما انتقدت داعش .. البعض هاجمني إذ كيف أهاجم نكايتهم للرافضة ..الخ، و في الواقع أنا لم أحكم على معركة أو اثنتين أو عشرة انتصرت فيها داعش على هذا أو ذلك و إنما أنظر و أقيم ما سيؤل إليه الوضع بعد عدة سنوات..و نفس الشئ ينطبق على نقدي لأداء الاخوان في الحكم بمصر مع الشهر الأول لحكم مرسي و وقتها شتمني البعض على صفحتي على الفيس بوك..

و ثاني قاعدة تحكم نظرتي عند التحليل هو المقارنة بالقوى المناظرة او المشابهة أو المرجو الوصول لمستواها في جانب ما .. فمثلا عندما تبث داعش أو القاعدة فيديو يظهر عشرات من مقاتليها يحملون أسلحة متوسطة (مدفع 14 بوصة مثلا أو جرينوف ثقيل أو بيكا أو غيره أيا كانت الأسماء) و يمتطون سيارات دفع رباعي فأنا لا أنتشي كما ينتشي الكثيرون.. لماذا؟؟

 لأن طموحي و تطلعاتي هي أن تكون دار الإسلام الحقيقية تمتلك تسليحا متقدما و رادعا استراتيجيا في مستوى فرنسا أو الصين أو بريطانيا (الدول الثالثة و الرابعة و الخامسة في الردع الاستراتيجي حول العالم)، فلا أنتشي لمدفع 14 بوصة لا لطموحي في 24 بوصة، و لكن في صاروخ بالستي أو طائرة بدون طيار تصل لأي نقطة في العالم متى تشاء دار الإسلام، و لا أنتشي لسيارة دفع رباعي لطموحي في سرب قاذفات إستراتيجية مثل البي 52 تمتلكها دار الإسلام..

 و أيضا من ضمن المقارنات المقارنة الجزئية أي المقارنة بجزئية واحدة ما عند جهة ما أنت تنتقدها في جزئيات أخرى لكن ترى انها ناجحة في هذا الجانب الذي تقارن به أو تستشهد ب،ه و هذه قاعدة علمية و موضوعية و مشروعة في هدي النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقد قال عن الغيلة “لو ضرت لضرت فارس و الروم” رغم أنه يكفر و يعادي و ينتقد فارس و الروم، في جوانب أخرى كما قال للصحابة عن الرمي “لكنهم أرمى منكم” يقصد فارس.

فعندما أستشهد أحيانا بأن القاعدة أو داعش تمكنت من انجاز أشياء معينة رغم معاداة العالم كله لها لا يعني أني أنتقدهم بمزاجي، و أستشهد بهم بمزاجي، و لكن يعني أني أنتقدهم في جوانب و أمدحهم و أستشهد بهم في جوانب أخرى غير الأولي، و نفس الشئ فعندما استشهد بشئ فعلته إيران او الحوثيون أو حزب الله أو أمريكا ، فهذا كله ليس هوى و لكنه موضوعية قال تعالى ” وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” المائدة 8، لكن الهوى أن أنتقدهم في شئ ثم استدل بنفس الشئ الذي انتقدتهم فيه.

و النظر الشامل و النظر الى المآلات و المقارنة بين الظاهرة ومثيلاتها أو شبيهاتها هذه الثلاثة ونحوها تمثل الفرق بين نظرة المتفرج العادي و نظرة التحليل العلمي للظاهرة.

و هناك أمر آخر و هو خاص بكتابتي في الفيسبوك أو أي مقالة قصيرة و هو أنه من المستحيل أنني سأناقش و أقوم كافة جوانب ظاهرة ما (خاصة ان كانت كبيرة مثل الإخوان او داعش أو القاعدة أو ايران أو الحوثيون) في مقال قصير، فعادة تكون أغلب جوانبها في ذهني و لكن تسطيرها كاملة يحتاج وقت و كتابة كتاب، و لكن أسطر جانب واحد منها باختصار لمناسبة هذا للمقال القصير، فمن يرد تفتيش ذهني و الحكم على شخصي الضعيف بشأن كافة جوانب الظاهرة عليه أن يتابع كافة ما اكتبه حتى يتمكن من وضع يده على رؤيتي الكاملة بشأنها.

و الله المستعان.

اسباب النصر

ما هي أسباب نصر و هزيمة المسلمين؟ رد على مقال مهم

كتبت المقال التالي تعليقا على مقال لأحد الاخوة يبرز دور القيادة و الأسباب المادية في النصر و ينتقد التعويل على اعمال البر و الطاعات و الدعاء فقط لتحصيل النصر، و هو بوست طويل جدا لا يمكنني اعادته هنا، و حفل بأمثلة تاريخية من الفتوحات و حروب الردة.. فإلى نص تعليقي عليه:
 
لقد كتبت كثيرا من قبل عن أن الأخذ بالأسباب الدنيوية هو سنة الله القدرية بشأن حركة التاريخ فبها النصر أو الهزيمة بحسب مقاييس الواقع الذي نعيشه، و انتقدت ما أسميته بالدراسة الملحمية للتاريخ الاسلامي التي تجعل النصر رهين الدعاء و اخلاص القلب فقط، و لا تلقي الضوء على أسباب النصر المادية العملية الواقعية في تاريخنا.
(أخر مقال لي عن هذا هنا)
 
و لكن رغم هذا كله فانني اخالف الكاتب في مقاله هذا في أمرين:
 
الأمر الأول- أنه أناط النصر بالقائد في جزء كبير من مقاله، وذلك رغم أن الدراسة الدقيقة في حالة خالد بن الوليد التي استشهد بها و غيرها تقول ان النصر كان بسبب استراتيجية الاقتراب غير المباشر، و هي ما استخدمها خالد دائما منذ كان كافرا (في غزوة أحد ضد المسلمين)، و استخدمها أغلب قادة الفتوحات الاسلامية بسبب أنها الأنسب لقلة عدد جيوش المسلمين، و ضعف أو قلة معداتهم.
 
كما ان نجاح محمد الفاتح في فتح القسطنطينية (الذي استدل به على فيصلية القيادة في تحقيق النصر) لم يكن لبراعة القيادة بقدر ما كان لتحصيله لتقدم تكنولوجي غير مسبوق، و غير موجود عند أحد آخر في عصره في مجال المدفعية، فضلا عن حيلة تقريب المدفعية من سور القسطنطينية.
 
و احراز النصر بسبب سبق صناعي في مجال السلاح متكرر في حروب كبرى كثيرة، مثلما نجح ليو الاسيوري في صد هجوم بحري خطير للمسلمين كاد يفتح القسطنطينية قبل محمد الفاتح بمئات السنين بسبب اختراع النار الاغريقية.
 
و الشاهد انني لا أوافق على اختزال الأمر في القائد كشخصية ستحل مشاكلنا، و إن كنت لا أنكر أهميتها في مجال الأخذ بالاسباب، لكنها ليست السبب الوحيد بل هي أحد الأسباب، فينبغي التعمق في فهم تفاصيل اسباب النصر الواقعية العملية المادية كي نعيد النسج على منوالها و نطور و نبتكر منطلقين من خبراتها.
 
اما خلافي الثاني مع المقال فهو: تقليله من التأثير السلبي لسيئات الشهوات على تحصيل النصر، فأنا أرى أن لها تأثيرا سلبيا بالغا، ليس بدليل ذكر آيات الربا قريبة من آيات أسباب هزيمة أحد في سورة ال عمران فقط، و لا فقط لمقولة عمر بن الخطاب لو استويتم مع عدوكم في الذنوب لغلبوكم لأنهم أكثر منكم عددا و عدة، و لكن أيضا لأن الكفار لهم نسق سلوكي و أخلاقي متعايش مع الشهوات و ذنوبها، فيقل تأثيرها السلبي على مجال اسبابهم الدنيوية للنصر، وذلك بعكس المسلمين، فنسق المسلمين السلوكي و الأخلاقي غير متوافق مع الشهوات و ذنوبها، فاذا انغمسوا فيها اضطربت منظومتهم السلوكية و الأخلاقية بقدر درجة ومستوى هذا الانغماس، فيضطرب انتفاعهم بالأسباب المادية للنصر، و على كل حال فالله ربط النصر و التمكين بالاستقامة الايمانية بقوله تعالى ” الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ”، فيكون الأدق أن نقول أن كلاهما مهم السبب المادي و السبب الايماني و الاخلاقي و لكن إن نقص احدهما كان هناك خلل. 
 

أردوغان في شبابه بجانب أستاذه نجم الدين أربكان

تجربة ” أردوغان “.. إسلامية أم علمانية ؟ و ما علاقتها بـ”الإخوان”؟ (2)

قبل أن نتابع معا ما فعله أردوغان عبر تجربته في تركيا فإننا محتاجون لتذكر السياسة الخارجية لنجم الدين أربكان كزعيم سياسي إسلامي، و خاصة أثناء توليه الحكم عندما كان رئيسا للوزراء في منتصف التسعينات، قبل إطاحة الجيش به في انقلاب 1997 ..

كان نجم الدين أربكان غير مهتم بل ربما رافض لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، و كان يسعى ليبتعد بتركيا عن الولايات المتحدة و إسرائيل، كما سعى لتوثيق علاقة تركيا بالعالم الإسلامي، و أقام منظمة “الدول الإسلامية السبع الكبرى”، لتضم أكبر سبع دول إسلامية من حيث عدد السكان، بهدف تكوين تكتل اقتصادي إسلامي قوي يواجه تكتل الدول السبع الكبرى الذي تقوده الولايات المتحدة، و يضم أكبر سبع اقتصاديات في العالم و كلها أوروبية، بجانب الولايات المتحدة و اليابان و كندا..

(وطبعا منظمة أربكان هذه تدهورت بعد تركه الحكم فسموها أولا مجموعة الدول السبع فحذفوا لفظ “إسلامية” و لفظ “كبرى” لئلا يغضبوا الغرب، و بعدها لم يعودوا يجتمعون أو يتعاونون لأن حكام هذه الدول هم بالطبع أذناب للغرب).

 عندما أسس أردوغان حزبه أعلن أنه حزب تركي، و ابتعد به قليلا عن القوالب التي اتسمت بها كل أحزاب أربكان التي كان مصيرها جميعا الحل، و قال إن الالتزام الإسلامي لحزبه لا يعني مخالفة التقاليد العلمانية للدولة التركية، كما أعلن أن تركيا دولة أوروبية و مستقبلها أوروبي، و يجب أن تنضم للاتحاد الأوروبي كدولة كاملة العضوية، و أكد أن هذا الهدف سيكون أولويته الخارجية الأولى و الأهم لو فاز حزبه في الانتخابات، بجانب هدفه الداخلي و هو النهوض بالاقتصاد التركي الذي كان وصل عشية انتخابات نوفمبر 2002 إلى حالة تردي خطيرة، إذ بلغت نسبة التضخم 65% كما بلغ الدين الخارجي 23.5 مليار دولار.

عندما فاز حزب أردوغان بالانتخابات (38%) شكل الحكومة برئاسة عبد الله جول، لحين إصدار البرلمان قانون يتيح إسقاط عقوبة أردوغان، ليتمكن من خوض الانتخابات التكميلية ليتولى رئاسة الوزراء و قد كان، و تولى رئاسة الوزراء ، بينما تولى جول فيما بعد رئاسة الجمهورية.

أردوغان والسعي للانضمام للاتحاد الأوروبي

بجانب اهتمام أردوغان بالاقتصاد (و سنرى بعد سطور نتيجة هذا الاهتمام) فإنه كثف مباحثاته مع القادة الأوروبيين كي تنضم تركيا للاتحاد الأوروبي ، و طبعا أوروبا لم و لن تكون في يوم من الأيام راغبة في ضم 100 مليون مسلم تركي إلى الاتحاد الأوروبي ، و في الوقت الذي تسارعت وتيرة ضم دول أوروبا الشرقية للاتحاد فإن محاولات أردوغان للانضمام باءت بالفشل فشن عليهم حربا دبلوماسية بأنكم بهذا الرفض تعلنون أن الاتحاد الأوروبي هو نادي مسيحي ..الخ كما أعطى أردوغان إشارات خلف الكواليس إلى الولايات المتحدة حليفة تركيا الكبرى بأن تركيا لو انضمت إلى الاتحاد الأوروبي فإنها ستكون رجل أمريكا في الاتحاد …صحيح أن بريطانيا هي ذيل أمريكا في قلب الاتحاد.. لكن أمريكا التي تخشى أن يتطور الاتحاد و يصبح منافسا دوليا لها تحتاج مزيدا من الأوراق لتقييد هذا الاتحاد و وضعه تحت سيطرتها.. و من هنا جاءت ضغوطها المعلنة و السرية على الاتحاد لقبول تركيا ..

اضطر الاتحاد للتذرع بأن تركيا لا يمكن ضمها لأنها لا تتوفر فيها شروط الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان بحسب المعايير الأوروبية و بدأ الاتحاد منذئذ تكتيكا جديدا للرفض و هو : يجب على تركيا أن تتحول للنمط الأوروبي في الديمقراطية و حقوق الإنسان .. و هذا ما كان يريده أردوغان..

التعديلات الدستورية لتلبية شروط الاتحاد الأوربي

أعلن أردوغان أنه سيفعل أي شئ لضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، و توجه لإجراء التعديلات الدستورية التي تحول تركيا للنمط الأوروبي في الديمقراطية و حقوق الإنسان و كان أول و أصعب شئ في ذلك هو تقليص الدور السياسي للجيش في الدستور.. عبر عدة تعديلات دستورية متتالية بحجة تحويل تركيا إلى النمط الديمقراطي الأوروبي كي يقبل الاتحاد ضمها له ، و بهذه التعديلات قلص دور مجلس الأمن القومي التركي (الذي كان يهيمن عليه العسكريون) و يسيطر على كل شئ في السياسة و الإدارة التركية حتى صار دوره مجرد مستشار للحكومة يشير عليها و يأتمر بأمرها كما جعل أمين المجلس شخصا مدنيا لأول مرة و جعل عدد العسكريين فيه أقل من نصف المدنيين ، و حرم على العسكريين التحدث للإعلام إلا في القضايا العسكرية و الأمنية على أن يكون ذلك تحت إشراف القيادة المدنية و منع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية و بسط الرقابة المحاسبية على العسكريين بحيث يمكن محاسبتهم و محاكمتهم على أي سلوك من سلوكيات الفساد المالي بعد أن كانوا لا يخضعون لأي رقابة مدنية، و في نفس الوقت أجرى عدة محاكمات لعدد من قيادات الجيش و منهم رئيس أركان سابق  و نائب قائد الجيش و قادة جيوش و فرق و العديد من الجنرالات بجانب قادة سياسيين حزبيين و إعلاميين بتهمة محاولة قلب نظام الحكم و تم ذلك في أوقات مختلفة منذ 2003 و حتى 2013 و كان ذلك في عدة قضايا أشهرها القضية المعروفة بـ “أرغينيكون” و كذلك قضية عرفت بـ”المطرقة” و غيرهما… و عند بداية هذه المسيرة تحدثت تقارير عدة أن قائد الجيش يفكر في القيام بانقلاب لمنع التعديلات الدستورية إلا انه سافر لواشنطن لأخذ الإذن بالانقلاب و ردت عليه واشنطن بأنه يجب عليه دعم أردوغان كي ينجح في ضم تركيا للاتحاد الأوروبي … و طبعا تمت التعديلات و تعززت سيطرة أردوغان و حزبه على الحكم في مواجهة الجيش الذي قلمت أظافره بينما لم تنضم تركيا للاتحاد الأوروبي لأن أوروبا لا تريد تركيا.  

نهضة تركيا اقتصاديا على يد أردوغان

أما في المجال الاقتصادي فقد رفع أردوغان الدخل الوطني لتركيا من 230 مليار دولار عشية حكمه إلى 820 هذا العام بينما رفع إجمالي الصادرات من 36 مليار إلى 153، وخفض فائدة الدين من 63 في المئة إلى 9.3 فقط ، كما سدد الدين الخارجي بالكامل و الذي كان 23.5 مليار دولار عشية توليه الحكم كما ارتفع احتياطي البنك المركزي التركي من العملة الصعبة من 27.5 مليار دولار في 2002  الى 136 مليار دولار الآن، و إرتفع متوسط دخل الفرد التركي من 3.492 دولار إلى أكثر من 10.744 دولار سنويا، و تم إنشاء 17 ألف كيلومتر من الطرق، كما ارتفع عدد المطارات في عموم البلاد خلال هذه الفترة من 26 إلى 52 مطارا، و بذلك كله و غيره انتقل الاقتصاد التركي من المرتبة 26 إلى المرتبة 16 عالميا، كما احتلت تركيا المرتبة السادسة على المستوى الأوروبي في المجال الاقتصادي.

إنجازات أردوغان السياسية

و بجانب الانجازات الاقتصادية لأردوغان فقد قام بعدة انجازات سياسية لعل ابرزها حله لجزء كبير من المشكلة الكردية التي تؤرق تركيا منذ عشرات السنين فضلا عن انجازاته السياسية التي حققها في مجال العلاقات الخارجية خاصة فيما يتعلق بالدول الإسلامية و العربية.. و لكن مما يهمنا جدا في تجربته هو ممارسته السياسية باحترافية عالية.. و قصدنا بمفهوم الاحترافية في السياسة كتبنا عنه سابقا.. لكن لدينا مثالين عن تطبيق أردوغان لهذا المفهوم :

المثال الأول – في الغزو الأمريكي على العراق عام 2004 حيث طلبت الولايات المتحدة من أردوغان أن يسمح للقوات الأمريكية لاستخدام قاعدة أمريكية ضخمة موجودة في تركيا (تابعة للناتو) لتكون منطلقا لغزو شمال العراق و ذكرت أمريكا أردوغان بأن ذلك من مقتضيات التحالف التركي الأمريكي و من مقتضيات عضوية و شراكة تركيا في حلف الناتو، لكن أردوغان رد قائلا : نحن دولة ديمقراطية و لدينا برلمان و لا يمكنني اتخاذ هذا القرار قبل عرضه على البرلمان لأخذ موافقته ، و عرض الأمر على البرلمان التركي الذي يتمتع فيه حزب العدالة و التنمية بالأكثرية ، و لكن البرلمان التركي اتخذ قرارا برفض استخدام الأراضي التركية لغزو العراق.. و قد كان .. و عندما عبرت أمريكا عن غضبها رد أردوغان: ألم تطالبونا بالديمقراطية ؟ هذه هي الديمقراطية .. ممثلو الشعب التركي رفضوا طلبكم.

و كانت دعوات بوش لتطبيق الديمقراطية في العالم الاسلامي و العربي و لو بالقوة على أشدها في ذلك الوقت .. و انبرى صحفيون و كتاب أمريكيون و أوروبيون وقتها للدفاع عن موقف أردوغان مستنكرين أن يغضب الغرب من نتيجة الديمقراطية اذا خالفت هوى الغرب..

و بذا لم ينطلق غزو العراق من أراضي تركيا بينما انطلق من أراضي و أجواء عربية و إيرانية و دول إسلامية في أسيا الوسطى.     

المثال الثاني – ابان حرب غزة عام 2008 كان أردوغان يشارك في مؤتمر دافوس في مناظرة مع شيمون بيريز الزعيم الإسرائيلي و وجه أردوغان نقدا لاذعا لإسرائيل و بيريز ثم افتعل مشكلة معه على الهواء معتبرا أنه يهين تركيا (باعتبار أردوغان يمثل تركيا) و متهما مدير المناظرة انه منحاز لبيريز و قام منسحبا من المناظرة قائلا لن أحضر دافوس مرة أخرى .. و روجت وسائل الإعلام الموالية لأردوغان أنه انما فعل ذلك حفاظا على كرامة تركيا و الشعب التركي و رجع أردوغان ليجد آلاف الأتراك ينتظرونه في المطار يحيونه على موقفه و خطب فيهم قائلا: أنا لن أسمح أبدا أن تهان تركيا أو الشعب التركي و لذلك انسحبت .. فهتفت الجماهير له ..

و هنا نجده أذل إسرائيل و بيريز على مرأى من العالم كله و انتصر لغزة و الفلسطينيين و في نفس الوقت صور الأمر للشعب التركي على أنه انتصار للقومية التركية و كرامتها.

هذا التحليل لا يهدف لسرد تفاصيل تجربة أردوغان السياسية و الاقتصادية و إلا لاحتجنا لكتاب و ليس مقالا و إنما يهدف هذا التحليل لفهم الخطوط العامة المهمة لهذه التجربة فالتحليل يهتم بما وراء ما حدث لا بتفاصيل ما حدث و من شاء التفاصيل فيمكنه البحث عنها على الويب و سيجدها.

و لنعد معا ما سبق ببطء و نفهم معا أبعاده… 

لقد تأمل أردوغان واقعه السياسي فوجد أن خصمه هم العلمانيون و وجد أن قوتهم في أمور هي

1-الشريحة الشعبية الكبيرة: التي تؤيدهم لأنها تلوثت فكريا أو سلوكبا ( أو كلاهما) بالعلمانية أو ارتبطت مصالحها بها و بمؤسساتها و هؤلاء تترجم قدراتهم إلى أصوات في الانتخابات .. و هؤلاء واجههم بالعمل الجماهيري الناجح و تحقيق الانجازات الاقتصادية لكسب أعداد أكبر من الشعب التركي لصفه و صف حزبه.

2-مؤسسات القضاء و الإعلام و أساتذة الجامعات: و هؤلاء وجد أنهم لا يمكنهم فعل شئ إلا في إطار الظهير الشعبي المذكور في (1) كما أدراك أن رأس حربتهم و أداتهم في التنفيذ هي الجيش .. لكنه مع ذلك عالج المؤسسة القضائية بالعديد من الإصلاحات الدستورية كي تستقيم بدرجة ما و إلا لما استطاع القبض على العديد من قادة الجيش و محاكمتهم و إحباط العديد من مؤامرات الانقلاب العسكري

3-مؤسسة الجيش: و هذه لم يكن يمكنه مواجهتها بالتعديلات الدستورية فقط و إلا لانقلبت عليه و منعته من إتمام التعديلات و لألغت البرلمان و الحزب نفسه بمساندة القوى المذكورة في (1-2) لكنه ألزمها تقبل التغيير عبر عمل سياسي مهم و هو حيلة الانضمام للاتحاد الأوروبي و وعد أمريكا بأن يكون حصان طروادة بالنسبة لأمريكا في الاتحاد و من ثم ضغطت أمريكا على الجيش ليتقبل التغيرات الديمقراطية و استمرار الحياة الديمقراطية في تركيا.

متغيرات دولية واقليمية ساهمت في نجاح أردوغان

هناك عوامل مساعدة كثيرة ساعدت أردوغان منها ارتفاع الأصوات التي دعت الغرب بالسماح بإسلام معتدل ليحكم، كي يكون بديلا لإسلام طالبان و القاعدة عشية هجمات 11 سبتمبر، و كذلك ذيوع القول بخطأ اعتماد الأمريكان على ديكتاتوريات الشرق الوسط على حساب الديمقراطية مما أفرز الإرهاب و التشدد و نحو ذلك من دعوات مراكز الأبحاث الغربية .. و في الواقع فإن أردوغان استفاد من ذلك و كله و استغله حتى إذا مالت التوجهات الغربية لشئ من التغير بفعل انقلاب السيسي و توجه التحالف العربي المساند للسيسي (الذي اتخذ من السيسي رأس حربة له لضرب عصفوري الربيع العربي و الحركة الإسلامية في المنطقة)، فإن أردوغان كان قد وصل لأرض صلبة يرتكز عليها ليصير أقل تأثرا بالتقلبات الإقليمية و الدولية .. حيث استقرت الأوضاع الدستورية في حالة أقل خطرا على وجود حزبه، كما أن انجازاته الاقتصادية الضخمة لا تسانده اقتصاديا فقط و لكنها حققت له تمكنا سياسيا فبينما فاز الحزب عام 2002 بـ 38% فإن الحزب منذ شهرين فاز في المحليات بـ42% ثم فاز أردوغان منذ أسبوع بـ56% من أول جولة .. و هكذا تشير الأرقام لتصاعد في شعبية الحزب بشكل منتظم..

هذا ما فعله أردوغان في تجربته و انا أرى أن ما فعله هذا حتى الآن تنطبق عليه مقولة كيسنجر : “ما هو الشخص الثوري؟
 إذا كان الجواب عن هذا السؤال ليس غامضا لما كان الثوريون الناجحون قلة ، لأن الثوريين دائما ما يبدأون من موقف أدنى ، و ينتصرون لأن النظام القائم لا يكون في مقدوره أن يدرك مدى وهنه ، و يصبح هذا بصفة خاصة عندما يظهر التحدي الثوري ليس بمسيرة على الباستيل، بل مرتديا زى المحافظين ، إن قلة من المؤسسات هي التي تستطيع أن تدافع عن نفسها ضد أولئك الذين يدعون أنهم سيحافظون على تلك المؤسسات” (الدبلوماسية جـ1 ص 133 ط روز اليوسف ، القاهرة 2001م).

و إذا كان هذا هو ما فعله أردوغان سياسيا فما هو حكمه الشرعي في فقه السياسة الشرعية في الإسلام؟؟ و إجابة هذا السؤال هي موضوع الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

رجب طيب أردوغان

تجربة ” أردوغان “.. إسلامية أم علمانية ؟ و ما علاقتها بـ”الإخوان”؟ (1)

ما هو التقييم الصحيح لتجربة أردوغان في تركيا ؟

لا شك أن التقييم ليكون صحيحا يجب أن يرتكز على عدة محاور هي ..

الأول –هو واقع تركيا قبل تولي أردوغان و حزبه الحكم.

الثاني –فهم ما حدث فعلا في الواقع العملي لتجربة أردوغان في الحكم.

الثالث –تقييم هذا الواقع وفقا لفقه و قواعد السياسة الشرعية.

هذا إذا كنا نريد أن نقول عن تقيمنا أنه وجهة نظر إسلامية.. إذ لا يعقل أن نقول أننا نتكلم وفقا للإسلام و نحن نتكلم كلاما لم يراع فقه السياسة الشرعية و قواعدها أو دون أن ندرك الواقع الحقيقي للتجربة.

و كثير من الأخوة كلما ذكروا تجربة رجب طيب أردوغان في تركيا يستدعون ما يعتبرونه علاقة هذه التجربة أو تبعيتها لجماعة الإخوان المسلمون و لذلك فإننا مضطرون لتناول هذه النقطة بالتحليل في محور رابع.

و سوف ننشر هذه المحاور الأربعة عبر عدة مقالات (ان شاء الله) ليسهل قراءتها و لئلا نطيل على القارئ فيشعر بالملل.

عندما ألغى أتاتورك الخلافة الإسلامية أقام دولة علمانية شديدة العداء للإسلام و منع كافة المظاهر الإسلامية و حول مسجد أيا صوفيا الى متحف و فرض العلمنة و الإنسلاخ من الاسلام بالحديد و النار و في سبيل ذلك حاصر و ضيق على أي مظاهر أو شعائر اسلامية و منع أي أنشطة اسلامية حتى لو كانت لا تمت للعمل السياسي بأي صلة .. و دور و أفاعيل كمال أتاتورك في إزالة ليس الجانب السياسي للاسلام في تركيا فقط بل و كل ما يمت للاسلام بصلة أمر مشهور و يطول وصفه و يمكن لمن شاء التوسع في قراءتها أن يرجع الى عدد من المراجع الموثوقة (مثل: محمد قطب ، واقعنا المعاصر. محمد محمد حسين ، الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي المعاصر. عبد الله عبد الرحمن “مترجم” ، الرجل الصنم .. و غيرها) لكننا هنا نود أن ننظر الى ما آلت اليه الأوضاع في تركيا عشية تولي أردوغان للحكم..

دولة أتاتورك

 تحولت دولة الخلافة الى دولة علمانية متعصبة تحظر أي نشاط إسلامي سياسي، و تضيق و تحاصر أي نشاط إسلامي أخلاقي حتى لو كان بعيدا عن السياسة، و أصبح منتشرا فيها الانحلال الفكري و الأخلاقي و باتت تعادي المسلمين و قضاياهم، و توالي اليهود و الأمريكيين و الأوروبيين على الساحة الدولية و الاقليمة..

و أمسى فيها ممنوع رفع الآذان بغير اللغة التركية، و أحيانا كان يمنع إعلان الآذان أصلا ،و منعت الدولة اللحية و الحجاب في مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجامعات فلا يدخلها ملتحي و لا محجبة، حتى لو كان داخلا لمرة واحدة لقضاء شئ عابر، كما يجري منع أي شخص لديه ميول إسلامية من دخول أجهزة الدولة المؤثرة كالجيش و الأجهزة الأمنية و القضائية و نحوها، و كل من يظهر عليه أي ميول إسلامي في هذه الأجهزة يتم فصله منها ، و كان كل ذلك مقنن بالقانون و الدستور و لا يمكن لأحد تغييره، و في نفس الوقت فإن أشكال الفسق و الفجور و الانحلال و الانحرافات الخلقية و الفكرية مباحة بالقانون و الدستور، وفوق ذلك كله فإن الدستور يوجب وضع مؤسسة الجيش فوق كل مؤسسات الدولة، بما في ذلك فوق رئيس الجمهورية، و رئيس الوزراء المنتخب، بدعوى حماية تراث أتاتورك و تقاليد و أسس الدولة العلمانية، فيمكن لقائد الجيش أن يوجه انذارا علنيا الى رئيس الجمهورية، أو إلى رئيس الوزراء المنتخب في أي وقت لدفعه للتراجع عن قرار ما أو توجه ما، و استعمل العلمانيون أيضا مؤسسة القضاء لضرب أي أحزاب إسلامية عبر أحكام قضائية تصدر بحلها، كلما قامت و حاولت العمل في ظل النظام الحزبي الذي يدعي الليبرالية.

إذن فنحن أمام وضع علماني متطرف جدا في معاداته للإسلام و متحالف مع الولايات المتحدة و إسرائيل و عضو بحلف الناتو (لاحظ كانت سماء تركيا هي ساحة تدريب دائمة للقوات الجوية الإسرائيلية بسبب ضيق مساحة الكيان الصهيويني و حاجتها لمساحة اوسع للتدريب)، و في النظام التركي يسهر على حفظ استمرار الحكم العلماني كل من الجيش و القضاء و أغلب وسائل الإعلام ، و لم يكن هذا الوضع يتم الحفاظ عليه ضد رغبة ذوي التوجه الإسلامي فقط، بل كان يتم الحفاظ عليه ضد ارادة الشعب في الكثير من المواقف التي لا يقبلها عامة الشعب لمصادمتها لبعض توجهاته الإسلامية، او لمصادمتها للحرية الحقيقية ، كان الوضع مفروضا بالحديد و النار ، فانقلب الجيش على رئيس علماني ليبرالي هو عدنان مندريس عام 1960 بسبب أنه خاض حملته الانتخابية على أساس وعود بإلغاء الإجراءات العلمانية الصارمة بالبلاد، و كان من بين هذه الاجراءات التى تعهد بالغائها : الأذان بالتركية و منع قراءة القرآن وإغلاق المدارس الدينية، وحينما فاز قام مندريس بإلغاء هذه الإجراءات حيث أعاد الآذان إلى العربية، وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة، وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب افتتاحه مراكز تعليم القرآن الكريم، و لكن الجيش اطاح به و أعدمه هو و اثنين من وزراءه و سجن آخرين.

 نجم الدين أربكان وقوة الإسلاميين في تركيا

و في عام 1980 استعرض نجم الدين أربكان قوة الاسلاميين بحشد مظاهرة مليونية في قلب استانبول ضد اسرائيل، و كان قبلها قد حصل على نسبة لا بأس بها من مقاعد البرلمان التركي، مما أرعب عسكر تركيا العلمانيين فقاموا بانقلاب بقيادة الجنرال كنعان إيفرين، و حلوا حزب أربكان و اعتقلوا العديد من الزعماء السياسيين، وحلوا البرلمان والأحزاب السياسية والنقابات العمالية، وفرضوا دستورا منح قادة الجيش سلطات غير محدودة.

و بعد ذلك شكل أربكان حزبه باسم آخر ليتحايل على قرار حل حزبه الأول، و حصد نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان أهلته لتولي رئاسة الحكومة، لكن الجيش التركي تدخل مرة أخرى عام 1997 ليطيح بحكومة نجم الدين أربكان و يحل حزبه “حزب الفضيلة”..

و من هنا بدأ رجب طيب أردوغان و عبد الله جول (و هما من أبرز القادة الصاعدين وقتها الذين تربوا في أحزاب أربكان منذ 1972) يفكران تفكيرا آخر لمواجهة الوضع، فشكلا حزب العدالة و التنمية عام 2001 ، و خاضا به أول انتخابات قابلتهم بعد تشكله و هي انتخابات نوفمبر 2002، حيث اكتسح الحزب الانتخابات بنسبة أهلته لتولي الحكم و هنا بدأ العمل الضخم الذي قام به أردوغان و حزبه…

و هو ما سنتناوله في الحلقة التالية ان شاء الله.