التجربة الناصرية

الإخوان المسلمون و خيارات جماعة مسجونة في تجربتها الناصرية

كتب- عبد المنعم منيب

تعرض الاخوان المسلمون لحملة اعتقالات كبيرة في الأونة الأخيرة من حيث حجم و وزن الأشخاص الذين تم اعتقالهم إذ شملت الاعتقالات ثلاثة من أعضاء مكتب الارشاد البارزين لا سيما الدكتور محمود عزت الأمين العام للجماعة سابقا و الرجل القوي في الجماعة و الدكتور عصام العريان المتحدث الاعلامي البارز في الجماعة و بينما كان الاخوان المسلمون يلملمون أطرافهم و يضمدون جراحهم من تأثير هذه الحملة أعلن بعض رموز جماعة الاخوان المسلمين في صبر و جلد -اعتاده الشارع السياسي منهم- أنهم لا يستبعدون تحويل عدد من رموزهم المعتقلين إلى محاكمة عسكرية, كما أعلنوا أن هذا لن يفت في عضدهم و لن يوقف شيئا من نشاطهم, و لم يكد الاخوان المسلمون يلتقطون أنفاسهم من جراء هذه الاعتقالات حتى داهمتهم أجهزة الأمن باعتقالات ثانية ثم ثالثة ثم تسارعت وتيرة الاعتقالات ضد أعضاء و قادة جماعة الاخوان المسلمين في عدد كبير من محافظات مصر فقوات الأمن استهدفت زعماء الجماعة فى القاهرة والجيزة، منذ شهر فبراير الماضي وحتى اليوم، وكذلك زعماء المحافظات الأخرى، مثل الإسكندرية، وأسيوط، والشرقية، والغربية، و احتجزت رموزا إخوانية بارزة و هامة, و كان دائما هناك كثير من الزخم الذي صاحب أحداث الاعتقالات فمن تأييد الاخوان المسلمين للبرادعي إلى مظاهراتهم احتجاجا على التهويد الجاري حاليا لمدينة القدس المحتلة و المسجد الأقصى الأسير, لكن على كل حال كانت الاعتقالات متسارعة و منتظمة بشكل دائم في الشهور الأخيرة, و رغم أن اعتقالات الأجهزة الأمنية للاخوان المسلمين صارت شيئا معتادا و منتظما و مستمرا منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي, كما أنها اتسعت جدا منذ عام 2005 , لكن لاشك أن الحملة الأخيرة اتسمت بقدر جديد من الفجاجة و القسوة و اللامعقول, فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن أجهزة الأمن اجتاحت الجمعة الماضى ست محافظات، وألقت القبض على العديد من أعضاء الجماعة، مضاعفة بذلك أعداد الذين احتجزتهم في الشهور الماضية فقط، كي يبلغ عدد معتقلي الاخوان المسلمين في السجون المصرية حتى الآن نحو 350 معتقلا, و من هنا جاءت تعليقات الكثير من المراقبين التي ترددت بين الاستهجان و التعجب تارة و بين اعتبار هذه الاعتقالات بلا جدوى و لا معنى تارة أخرى.

وقد انتقدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فى تقرير لمراسلها فى القاهرة حملة الاعتقالات المستمرة التى شنتها الحكومة المصرية ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، و اعتبرت أن هذه الاعتقالات بدأت مبكرة هذا العام، لأن الانتخابات البرلمانية لن تجرى قبل عدة أشهر.

و رأى الكاتب الصحفي سلامة أحمد سلامة أن حملة الاعتقالات هذه هي نفس الحملة المستمرة التى تحاول منع الجماعة من الانخراط في الساحة السياسية قبل الانتخابات لمنعهم من ترشيح أعضائهم بكثافة في الانتخابات القادمة.

كما تعجب الدكتور ضياء رشوان الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية من هذه الاعتقالات و اعتبر أنه أمر نادر أن تحدث حملة اعتقالات كهذه بعد تعيين المرشد العام الجديد مباشرة، و الغرض منها على ما يبدو، هو تعطيل القيادة الجديدة قبل أن يتسنى لها الوقت حتى لتتنفس.

و أيا كانت الأهداف الحكومية من هذه الحملة فإن هناك آلافا من الأشخاص من مختلف الأنحاء في طول البلاد و عرضها صوتوا للإخوان المسلمين وساعدوهم في الانتخابات، وهناك آلاف آخرون من المؤيدين و المتعاطفين، و لا شك أن عملية التأييد و التعاطف هذه مع جماعة الاخوان المسلمين مستمرة و من الصعب جدا أن تتوقف الآن بسبب هذه الاعتقالات.

الاعتقالات المكثفة وردود الأفعال عليها

و في سياق متصل أثارت الاعتقالات المكثفة التي تعرض لها قادة و أعضاء الاخوان المسلمين في الشهور و الأيام الأخيرة العديد من التعليقات و ردود الأفعال فمن قائل إنها هجمة حكومية تستبق معركة الانتخابات البرلمانية القادمة و التي لم يتبق عليها إلا عدة شهور و من قائل أنها رسالة تحذير شديدة اللهجة ترسلها الحكومة عبر أجهزتها الأمنية الباطشة لتوقف الاندفاع الاخواني في اتجاه مساندة الدكتور محمد البرادعي في مساعيه لتعديل الدستور و تغيير وجه الحياة السياسية المصرية, و أيا كانت التحليلات و التعليقات فإن جماعة الاخوان المسلمين نفسها لم تسلم من الانتقادات في الفترة الأخيرة إن على مستوى موقفهم و رد فعلهم على هذه الاعتقالات و إن على مستوى موقفهم السياسي بصفة عامة في خضم الأحداث السياسية الهامة التي تشهدها الساحة السياسية المصرية حكومة و معارضة على حد سواء, الكثيرون اعتبروا موقف الاخوان من هذه الاعتقالات سلبيا هذا الموقف الذي اكتفى بتنظيم مجموعة من محامي جماعة الاخوان ليشكلوا هيئة الدفاع عن الاخوان المسلمين المعتقلين, بجانب تسهيل امداد معتقليهم بمستلزمات المعيشة في السجن من الطعام و الملابس و البطاطين, هذا الموقف الذي يعد هزيلا جدا إذا تمت مقارنته بموقف أنصار الدكتور أيمن نور عندما كان مسجونا, فعلى سبيل المثال كثيرا ما قام أنصار الدكتور أيمن نور بمظاهرات تأييد له و احتجاج على حبسه في مناسبات كثيرة و عديدة تزامن كثير منها مع عرض الدكتور أيمن على النيابة أو الطب الشرعي و نحو ذلك, هذا في الوقت الذي لا يمكن فيه مقارنة أنصار الدكتور نور بأنصار الاخوان المسلمين لا في العدد و لا في الانضباط التنظيمي و القدرات على التعبئة و نحو ذلك, فهل تخاذلت جماعة الاخوان المسلمون عن مناصرة أعضائها الذين ضحوا من أجلها و اعتقلوا بسببها؟ و هذا الموقف الذي اعتبره العديدون سلبيا أو على الأقل غير مناسب و غير كاف هل يؤثر على الانضباط التنظيمي لأعضاء الاخوان المسلمين أو على الأقل هل يؤثر على معنوياتهم؟ و ما هو وزن ذلك كله و تأثيره في معادلة الصراع السياسي على الساحة السياسية المصرية؟ هل تضعف هذه الاعتقالات و تلك الحملات الأمنية المكثفة جماعة الاخوان المسلمين أو على الأقل هل تدفع الكثير من أنصارها إلى الانفضاض عنها؟ أم هل يؤدي البطش الأمني إلى ارتعاش اليد أو الأيدي التي تمسك بزمام الأمور داخل جماعة الاخوان المسلمين فتكف عن التنافس السياسي مع الحزب الحاكم أو الأقل تخفف من حدة و ضراوة هذا التنافس؟

الحراك السياسي الجديد

أسئلة كثيرة لا مناص من الاجابة عليها في ظل الحراك السياسي الجديد الذي طرأ على الشارع السياسي المصري الآن مع دخول الدكتور محمد البرادعي بقوة لحلبة الصراع السياسي المصري و قلبه للعديد من معادلات هذا الصراع التي استمرت راسخة منذ عقود.

بداية لابد من التذكير بتصريحات قادة و رموز الاخوان المسلمين التي أكدت على استمرار الإخوان المسلمين في ممارسة السياسة من خلال معارضة النظام الحاكم مثل قول د.محمد البلتاجي “نحن ليس لدينا طريق آخر سوى النضال السياسى والدستورى، فنحن نريد الإصلاح السياسى، لذا لا أستطيع أن أتخيل عدم المشاركة فى الحياة السياسية” و كذلك التصريحات التي أشارت إلى ما يشبه ترحيب الجماعة بالاعتقالات مثل تصريح المهندس سعد الحسيني عضو الكتلة البرلمانية للاخوان المسلمين الذي اعتبر فيه أن هذه الاعتقالات بمثابة وسام على صدر جماعة الاخوان المسلمين.

طبيعة المعادلات السياسية التي تحكم العمل السياسي 

و بعد ذلك لابد لنا من تفحص طبيعة المعادلات السياسية الدقيقة و الصارمة التي تحكم العمل السياسي في ظل نظام الحكم الحالي منذ عقود حتى نعرف موقع هذه الاعتقالات منها و نعرف موضع الاخوان المسلمين و مواقفهم في هذه المعادلات. لقد نجحت الديكتاتورية القائمة في مصر منذ الاحتلال البريطاني 1882م في ترسيخ توازن قُوَىَ مجتمعي قائم على وجود نسبة محدودة من المتدينين (الذين بات يطلق علي نشطائهم اسم “الاسلاميون”) لا تملك القيام بتأثير فعال في مجريات الأمور العامة مهما كان نشاطها و ارتفاع صوتها, مع وجود نخبة محدودة من العلمانيين المرتبطين بقوى غربية (صورة الاستعمار الجديد) و يملكون مقاليد السلطة و القوة, مع وجود كتل اخرى من القوميين و الليبرالين و الماركسيين كلها تعارض الحكم لكنها معزولة لسبب أو لأخر و بدعم مباشر من النظام لهذا العزل عن أمرين:

الأول- الامساك بزمام القوة السياسية في الدولة.

و الأمر الثاني- امكانيات تعبئة و تنظيم عامة الجماهير في البلاد.

أما بقية المجتمع فقد حافظ نظام الحكم على جعله كتلة صامتة و سلبية إزاء الشئون العامة خاصة شئون الحكم و السياسة.

التوازن داخل التيارات السياسية

و لقد أقام النظام الحاكم عدة توازنات أخرى داخل كل كيان أو تكتل سياسي فالاسلاميون بين جماعاتهم المختلفة توازن, فهناك توازن بين السلفيين و الاخوان و بعضهما البعض و بين الاثنين من جهة و بين الجهاديين من جهة اخرى توازن آخر و هناك توازن بين هؤلاء جميعا من جهة و بين جماعات التكفيريين, و نفس الشئ نجده داخل القوى السياسية العلمانية المعارضة فهناك توازن بين فصائل الناصريين و القوميين المتعددة و المختلفة و جميعهم من جهة يحكمهم توازن ما مع الماركسيين بكافة مجموعاتهم و الكل يتوازن بشكل أو بآخر مع المعارضة الليبرالية و جميع المعارضة غير الاسلامية يحكمها توازن مع كل الاسلاميين……. و هكذا سلسلة لا تكاد تنتهي من التوازنات يأكل بعضها بعضا لصالح النظام الحاكم إذ لا يمسك بمفاتيح هذه السلسلة من التوازنات غير النظام الحاكم و أجهزته الأمنية و السياسية وحدها, و كلما لاح في الأفق نذير اختلال لهذا التوازن فإن قوى الحكم الداخلية و كذلك القوى الخارجية المساندة لنظام الحكم و الساهرة علي سلامة هذا التوازن تقوم بإعادة التوازن إلى سابق عهده بالحيلة حينا و بالقوة و القمع في أغلب الأحيان, مع ملاحظة أن هذا القمع قد يتستر بغطاء من القوانين و القرارات الرسمية.

معادلات اللعبة السياسية الدولية

و هناك عملية سياسية اخرى تستخدم ورقة وجود هذه القوى المختلفة في معادلات اللعبة السياسية الدولية و الاقليمية, حيث يستخدم النظام وجود الاسلاميين السياسي و الدعوى للضغط على الغرب لكسب تأييد الأخير المطلق للنظام الحاكم تحت تهديد أن البديل هم الاسلاميون, و كذلك التذرع بالوجود القوي للاسلاميين بالشارع السياسي المصري لرفض العديد من الاملاءات الغربية في مجالات كبعض الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية المخالفة لثوابت المجتمع الشرقي أو الاسلامي, و من هنا فالنسبة التي حصل عليها الاخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لم تكن مفاجأة للنظام بل مقصودة لتحقيق اهداف عديدة, و نفس الشئ بالنسبة لوجود المعارضة الليبرالية أو القومية أو اليسارية فهى موظفة من قبل النظام لمخاطبة الغرب بأن هناك حريات و ممارسات ديمقراطية و تقدم مطرد في الاصلاح السياسي.

الاخوان المسلمون في مصر طوال القرن الأخير

الاخوان المسلمون في مصر طوال القرن الأخير تحركوا في أغلب الأوقات في إطار لم يهدد هذا التوازن القائم و هذه المعادلات السياسية المكرسة, فعمل الاخوان المسلمين لم ينجح في إختراق المنظومة المسيطرة على مقدرات القوة السياسية في البلاد اللهم الا في حالات نادرة و حتى في الحالات النادرة التي نجح الاخوان المسلمون في ذلك فإنهم لم يستعملوا هذه القوة السياسية بالشكل المناسب, حتى أطلق البعض على جماعة الاخوان المسلمين جماعة الفرص الضائعة.

و كذلك فجماعة الاخوان المسلمين لم تنجح في تحقيق اختراق واسع و فعال للكتلة الصامتة من أغلبية الشعب, و ربما كاد هذا الاختراق أن يحدث مرة واحدة في تاريخنا المعاصر في نهاية السبعينات من القرن الميلادي الماضي بفعل الحركة الدعوية التي قامت بها كل من “جماعة التبليغ و الدعوة” و مجموعات اسلامية عديدة استخدمت التكتيكات الدعوية لـ “جماعة التبليغ و الدعوة”, لكن سرعان ما أدت أحداث صدام الجهاديين مع النظام الحاكم بجانب عوامل عديدة إلى ترسيخ سياسات حكومية تقيد حركة الدعوة بصفة عامة و تمنع هذه التكتيكات بصفة خاصة, و ذلك كله في إطار استراتيجية حكومية ضد الحركة الاسلامية مستمرة بشكل واضح منذ عام 1986 و حتى الآن و هي أشبه ما تكون بمزيج من استراتيجيتي “الاحتواء” و “الردع المرن” المعروفتان في الصراع الدولي.

هل الاخوان المسلمون جماعة كبيرة ذات عقل صغير؟

و بسبب التزام الاخوان المسلمين اختيارا أو اكراها بمقتضيات هذه المعادلات السياسية التي رسخها النظام الحاكم فإنهم لا يستطيعون دفع صراعهم مع الحكم إلى أبعد من هذه المعادلات بانشاء معادلات جديدة أو الاخلال بتوازن القُوَىَ القائم, و هذه الحالة من التفكير السياسي و الاستراتيجي لدى الاخوان المسلمين دفع البعض لاعتبار جماعة الاخوان المسلمين جماعة كبيرة ذات عقل صغير رغم ما في هذا التعبير من مبالغة.

و مما لا شك فيه أيضا أن هذا الالتزام الاخواني بالمعادلات السياسية التي كرسها و يكرسها النظام لا يأتي فقط خوفا من زيادة جرعة البطش من قبل النظام بقدر ما هو تعبير عن طبيعة التفكير السياسي و الاستراتيجي داخل المطبخ السياسي لجماعة الاخوان المسلمين فالعقليات التي تحكم هؤلاء القادة اعتادت على عدم الاكتراث بآثار القمع الحكومي فقد اعتادوا ادارة الجماعة تحت القصف القمعي للنظام بكل درجات هذا القصف الذي شهدوه منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي كما أن القسوة التي تم قمع جماعة الاخوان المسلمين بها منذ ثورة يوليو 1952 و حتى عهد الرئيس السادات خلقت لدى قادة الجماعة السياسيين حذرا ربما نراه زائدا عن الحد المناسب لمثل هذا العمل السياسي الذي يتصدى له الاخوان المسلمون الآن و في مثل هذه الظروف من الحراك السياسي و فرص التغيير و الفشل و التردي الذريع الذي وصل له النظام السياسي المصري, فهل مازالت عقول قادة جماعة الاخوان المسلمين مسجونة في التجربة المريرة للجماعة مع عبدالناصر أم أن الجماعة تعايشت مع القصف الحكومي بقدر تعايشها مع وجود نظام الحكم نفسه و استمراره؟

هذا السؤال يحتاج اجابة واضحة من قيادة الاخوان المسلمين ليس بالقول و لكن بالفعل, فلا أحد يطالبهم بما وراء الممكن لكن الجميع يطالبونهم باستغلال أقصى ما يمكن لا سيما و أن السياسة هي فن الممكن.

و تبقى أسئلة تتعلق بتأثير هذه الاعتقالات على جماعة الاخوان المسلمين من قبيل هل يتفلت الأعضاء تاركين كيان الاخوان المسلمين بسبب القمع؟ و من قبيل هل تتمكن الجماعة من القيام بنفس أدوارها التي كانت تقوم بها قبل الاعتقالات؟ و هل تتصاعد الاعتقالات أم تنحسر؟

في الواقع ربما يتفلت القليل من أعضاء الجماعة الحديثي عهد بها و لكن الجماعة سرعان ما ستعوض هذه التفلت بمزيد من الأعضاء الجدد الأكثر التزاما و انضباطا تنظيميا .

و ستظل جماعة الاخوان المسلمين تقوم بأدوارها المحصورة في المعادلات السياسية الراسخة و المكرسة في مصر منذ عقود.

أما تصاعد الاعتقالات أو انحسارها فهو محصور في القرار الحكومي الملتزم بحفظ توازن القُوَىَ القائم على ألا تخرج كل قوة سياسية في مصر عن الدور المرسوم لها بعناية داخل أروقة الحكم المصري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشر في موقع الاسلام اليوم و في جريدة الدستور المصرية اليومية الورقية.

قادة الاخوان المسلمون و صراع الأجيال

الإخوان المسلمون .. بين صراع الأجيال وصراع الأفكار

في إطار حملة الاعتقالات الأخيرة التي شنتها الأجهزة الأمنية في مصر ضد العديد من كوادر جماعة الإخوان المسلمين هل يمكن القول بأن القوة والقدرة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر قد اهتزت؛ بسبب الخلافات العديدة على مستوى قيادة الجماعة ومكتب الإرشاد بين المحافظين والإصلاحيين التي أُشيع عنها الكثير منذ فترة قصيرة.. الأمر الذي جرَّأ الأجهزة الأمنية على شنّ مثل هذه الحملة القاسية ضد عدد من قادة وكوادر الجماعة.

د.محمود عزت وبعده د. محمد بديع هما أشهر من تناولتهم التقارير الصحفية وقصص الأخبار أيام الخلافات التي شهدتها قيادة جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة انتخابات مجلس الإرشاد، وبعدها انتخاب ومبايعة المرشد الثامن للجماعة، ذلك المنصب الذي تولاه منذ فترة قصيرة د. محمد بديع, ولكن هل هذان الرجلان هما أبرز اللاعبين بين قادة الجماعة؟ أم أنهم مجرد رمزين لعدد أكبر من اللاعبين؟ وبصفة عامة هل ما تم إعلانه من خلافات تمثِّل الأبعاد الحقيقية للعبة القيادة داخل جماعة الإخوان المسلمين؟ أم أن هناك أبعادًا عديدة أخرى للعبة السياسية داخل الجماعة لم تتكشف أبعادها بعد؟

لقد تفجرت الخلافاتُ بشكل علني وبأسلوب يعتبر الأكثر حدَّة منذ أكثر من خمسين عامًا داخل جماعة الإخوان المسلمين, وقد تسببت قسوة وحدة هذه الخلافات في أكبر جماعة معارضة في مصر وأعرق وأكبر حركة إسلامية سياسية في العالم في إطلاق دخان كثيف صرف بصر أكثر المراقبين عن تحولات كبرى شهدتها جماعة الإخوان المسلمين في خِضَمّ هذه الخلافات.

و رغم الجدل الشديد الذي تشهده ساحات المراقبين السياسيين المهتمين بالحركات الإسلامية إلا أن منهجًا عميقًا ومناسبًا لفهم هذه الحركات الإسلامية لم يتبلورْ بعدُ، واكتفى أغلبية المراقبين بتحليل سطحي وتبسيطي من قبيل القسمة التقليدية إلى محافظين وإصلاحيين.

فهل فعلًا لا تعكس خلافات الإخوان الأخيرة سوى الصراع بين الإصلاح والمحافظة كما يردِّد الجميع؟ أم أن هناك مرحلة جديدة كما قال د. عصام العريان؟ وإذا كان الإخوان قد انتقلوا إلى مرحلة جديدة فما ملامح هذه المرحلة؟

إن نظرةً شاملةً لتطور أوضاع القيادة داخل جماعة الإخوان المسلمين منذ أعاد الأستاذ عمر التلمساني تأسيسها في منتصف السبعينيات، وحتى الآن تشير إلى مرورها بمرحلة واحدة منذئذٍ وحتى يوم انتخاب د. محمد بديع كمرشد ثامن لجماعة الإخوان مؤخرًا، هذه المرحلة تختص بمستوى وجيل مَن يحتل منصب المرشد العام، حيث كان منصب المرشد العام حكرًا على الباقين من مكتب الإرشاد القديم الذي كان متوليًا القيادة حتى تَمَّ حلّ الجماعة أثناء صدامها مع نظام عبد الناصر, فتولى التلمساني ثم حامد أبو النصر ثم مصطفى مشهور ثم مأمون الهضيبي ثم مهدي عاكف, وكل هؤلاء كانوا من الجيل الذي عاصر الإخوان في الأربعينيات من القرن العشرين وحتى وفاة كل منهم عدا الأستاذ عاكف الذي امتنع عن الترشح لمنصب المرشد لفترة تالية، واعتزل المنصب وهو على قيد الحياة (أطال الله عمره), إذن فالملمح الأول من ملامح المرحلة الجديدة هو انتقال منصب المرشد من جيل إخوان الأربعينيات إلى جيل إخوان الستينيات ممثَّلين في المرشد الثامن وهو الدكتور محمد بديع.

لكن هل هذا يعني سيطرة جيل الستينيات أو ما يُعرف بجيل سيد قطب (باعتبار سيد قطب كان أشهر رموز هذا الجيل) على مكتب الإرشاد ومن ثَمَّ على الجماعة لهذا السبب؟

في الواقع أن جيل الستينيات لا يوجد منه في عضوية مجلس الإرشاد الجديد (الثمانية عشر) سوى ثلاثة هم د. محمد بديع ود. محمود عزت والأستاذ جمعة أمين, بينما يوجد ثلاثة عشر عضوًا من جيل السبعينيات الذين هم جيل د. عبد المنعم أبو الفتوح (الذي لم يدخل مكتب الإرشاد هذه المرة) ود. عصام العريان, إذن فمن أبرز التحولات التي مرت بها جماعة الإخوان في خضم خلافاتها الأخيرة أيضًا هو نقل الثقل في مركز الإرشاد من جيل الأربعينيات والستينيات إلى جيل السبعينيات مع إدخال واحد من جيل الثمانينيات إلى مكتب الإرشاد ربما لأول مرة وهو الدكتور عبد الرحمن البرّ, هذا كله مع عدم وقوع أي قطيعة مع جيل الأربعينيات؛ إذ أن هناك عضوًا واحدًا من هذا الجيل في مكتب الإرشاد هو الدكتور رشاد البيومي، فضلًا عن أن مهندس كل هذه التغيرات هو الأستاذ مهدي عاكف الذي قاد هذا التحول هو من جيل الأربعينيات.

صحيح أن دخول جيل السبعينيات لمكتب الإرشاد بدأ بدخول د.عبد المنعم أبو الفتوح عام 1987، لكن مع ذلك احتاج الأمر نحو عشرين عامًا لتصير الغلبة المطلقة في مكتب الإرشاد لجيل السبعينيات، سواء في الانتخابات السابقة أم في آخر انتخابات.

ولكن كيف تكون الغلبة في مكتب الإرشاد لجيل السبعينيات بينما المرشد هو من جيل الستينيات؟

من الواضح أن الجماعة تسير بخطًى ثابتة نحو نقل القيادة في الجماعة لجيلي السبعينيات والثمانينيات, إذ سيصعب على قامة تالية لمهدي عاكف أن لا تترسم خطاه وتتأسى بخطته في ضخّ دماء جديدة في جسم قيادة الإخوان, وسيصعب على أي مرشد قادم أن يتشبث بالمنصب فترةً طويلة.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن انتقال القيادة من جيلي الأربعينيات والستينيات إلى جيلي السبعينيات والثمانينيات سيؤدي إلى درجة أكبر من شيوع أو توزع القوة المؤثرة في صناعة القرار داخل جماعة الإخوان المسلمين, لأن الرمزية التاريخية التي تمتع بها جيلا الأربعينيات والستينيات لا يمكن أن يدّعيها أي من جيل السبعينيات أو الثمانينيات, ولذلك نرى أن مكتب الإرشاد السابق تصدى بسهولة لرأي المرشد بتصعيد د. العريان رغم الرمزية التاريخية التي يمثلها مهدي عاكف، وذلك في أول إشارة واضحة لتحول الإخوان إلى المؤسسية في صنع القرار بغضّ النظر عن المكانات التاريخية لرموز الأربعينيات والستينيات التي كانت تحسم القرار في اتجاهٍ أو آخر, لقد انساق الكتَّابُ والمراقبون للتحليل في اتجاه صراع المحافظين والإصلاحيين دون أن يفطنوا لهذه النقطة، وهي أنه حدث المزيد من توزع القوة بين قادة الإخوان، إذ لم يعد يمكن لفرد أن يمسك بكل خيوط لعبة صنع القرار حتى لو كان المرشد السابع مهدي عاكف ذا الشرعية التاريخية وكاريزما التنظيم الخاص، ولا حتى نائبه الأول محمد حبيب رغم ثقافته السياسية, ومن المدهش في هذا التحول أن الذي غضب من بعض آثاره (في قضية تصعيد العريان بدون انتخاب) هو قائد هذا التحول أصلًا الأستاذ مهدي عاكف (أحد أعظم مرشدي الإخوان عبر تاريخهم) وذلك عندما أعفى كثيرًا من قادة الجماعة من بعض قيود السلطة المركزية الموكولة للمرشد، وأعطى للكثيرين حرية الحركة والكلام بل واتخاذ القرار في إطار “شفافية وانفتاح” منظم بدقة، وهذا نقل الجماعة لمرحلة جديدة هامة وواعدة، وليس كما يظن البعض أنها مرحلة انغلاق أو تفكُّك.

في المرحلة الجديدة أغلب القادة من جيل واحد أو من جيلين متقاربين، ولا يفضل أحدهم على الآخر بأي رمزية أو شرعية تاريخية أو نحوها, فالقرار سيخضع لنقاش وأخذ ورد من الجميع على قدم المساواة.

ورغم كل هذا فلا يمكن اعتبار أن التحول الجديد في جماعة الإخوان هو مجرد صراع أجيال، بل بالعكس، فما أثاره الكثيرون من خلافات ذات طبيعة سياسية وفكرية له وجه من الصحة، لكنَّ فيه شيًا من التخبط, نعم هناك فريق له خبرات سياسية واسعة يرفع شعارات التغيير والإصلاح في الإخوان، ويدلي لوسائل الإعلام بأفكار راقت للكثيرين خارج الإخوان، ولم ترُقْ لكثيرين داخل الإخوان، لكن هذا الصراع هو صراع يعكس تعدُّد اتجاهات الاجتهاد السياسي داخل الإخوان، ولا يعكس صراعًا بين الأجيال؛ لأن مثلًا عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب هما من جيل السبعينيات، بينما الأغلبية من مجلس الإرشاد الجديد هم أيضًا من نفس الجيل، بل هناك اسم ما زال البعض يشن عليه حربًا لا هوادة فيها، باعتباره من المحافظين والقطبين و….الخ هو د محمود غزلان، ومع ذلك فمحمود غزلان من نفس جيل السبعينيات وزميل للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح, وهذا يعني أنه إذا كانت الجماعة نقلت قيادتها في مرحلتها الجديدة إلى جيل السبعينيات، فإن هذا الجيل ليس شيئًا واحدًا، بل إن هناك خلافات في الاجتهادات السياسية والفكرية لدى هذا الجيل، وإن توزع القوة في الجماعة واعتمادها على الآليات المؤسسية في صنع القرار سوف يثري روح الشورى، (بلغة الحركات الإسلامية) أو روح الديمقراطية (بلغة السياسة المعاصرة) داخل الجماعة, وما أزمة الانتخابات الأخيرة في الجماعة ومواقف وانتقادات د.عبد المنعم أبو الفتوح ود. محمد حبيب وتعليقات د. عصام العريان ود. محمود غزلان، ما كل هذا إلا المخاض العسير الذي ستولد على إثره آليات مناسبة داخل الجماعة؛ لإدارة اللعبة السياسية داخلها، وسيكون من أهم قواعد هذه الآليات الاحتكام لنتائج الانتخابات لحلّ الخلافات بعد تعديل اللوائح الداخلية والرضا برأي الأغلبية والالتزام به والاكتفاء في أغلب عمليات النقد والاعتراض على القنوات الداخلية للجماعة, أما مَن سيعاند هذه التحولات الجديدة فإنه لن يجد له مكانًا إلا في زوايا النسيان، مهما كان تاريخه؛ لأن عجلة التاريخ إذا دارت فإنها تدور للأمام نحو المستقبل، فلا تلتفت حينئذٍ لتاريخ أحد كائنًا من كان .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع لموقع اسلام تودي و تم نشره به.

أسامة بن لادن

هل اتجهت منظمة القاعدة للواقعية السياسية؟

رسالة للعالم أجمع, هكذا حدد أسامة بن لادن الهدف من كلمته الأخيرة التي بثتها قناة الجزيرة أول أمس الجمعة, فقد وجه بن لادن خطابه للعالم اجمع و تكلم فيه عن التغيرات المناخية و الاحتباس الحراري بشكل أساسي و أشار فيه للأزمة المالية العالمية, فقال في أولها: “أما بعد فهذه رسالة إلى العالم أجمع عن المتسببين في التغير المناخي وأخطاره بقصد أو بغير قصد، وما يجب علينا فعله”.

و تعتبر هذه اللغة جديدة على قائد القاعدة الذي سبق و قسم العالم كله إلى فسطاط الايمان و فسطاط الكفر, فضلا عن أن كلمة بن لادن الأخيرة لم يذكر فيها آية قرآنية واحدة و لا حديثا نبويا واحدا, كما أنه لم يعد يقصر دفاعه عن المسلمين المظلومين بل إنه قدم القاعدة على أنها تدافع عن ” المستضعفين والمنكوبين في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، الذين لا حول لهم ولا قوة”.

لغة التركيز على مخاطبة العالم كله و دعوته للوقوف مع القاعدة ضد الولايات المتحدة كانت واضحة جدا بشكل لا لبس فيه إذ يقول على المثال “فيا أيها الناس أهل الأرض جميعا، ليس من الإنصاف والعدل ولا من الحكمة والعقل أن يترك العبء على المجاهدين وحدهم في قضية يعم ضررها العالم أجمع، فالمطلوب منكم يسير، وهو أن تحكموا عليهم الحصار، فجدوا وبادروا في مقاطعتهم لتنقذوا أنفسكم وأموالكم وأطفالكم من التغير المناخي وتعيشوا أعزة أحرارا بعيدا عن أعتاب المؤتمرات وتوسل الحياة، فلا خير في حياة تريق ماء المحيا”, و هو في ذلك كله لا يستثنى الدول الكبرى بل يدعوها بصراحة لحصار الولايا المتحدة فيقول: ” ويجب على الدول الغنية أن تتوقف عن إقراض أميركا لأن في ذلك تمويلا لحروبها الظالمة على المستضعفين”.

لهجة الخطاب واضحة جدا و غريبة على القاعدة, و المحللون المتسرعون سيتسابقون للقول بكل سطحية أن هذا الخطاب يعكس ضعف القاعدة إذ لولا ضعفها لما طلب قائدها من العالم أجمع أن يقف مع القاعدة ضد الولايات المتحدة, لكن حقيقة الأمر ليست كذلك, فالولايات المتحدة و حلفائها يتكبدون خسائر فادحة يوميا أمام مقاتلي القاعدة في كل الجبهات المفتوحة في أفغانستان و العراق و الصومال و غيرها, صحيح أن القاعدة منذ فترة طويلة أعجزتها التدابير الأمنية في أوروبا و أمريكا الشمالية عن القيام بعمليات كبيرة هناك, لكنها جعلت من أفغانستان و العراق فيتناما صغرى للولايات المتحدة و حلفائها, و باتت الولايات المتحدة و حلفائها يبحثون عن مخرج من هناك, إذن فما الجديد الذي دفع أسامة بن لادن لتغيير خطابه السياسي لهذه الدرجة من الانفتاح على العالم و بدل من الاقتصار على محاولة كسب المسلمين و العرب عبر تبني قضاياهم الساخنة (كقضايا فلسطين و العراق و افغانستان و الشيشان و غيرها) فإنه بدأ في تبنى قضايا كونية تهم العالم أجمع مثل الاحتباس الحراري و الأزمة المالية العالمية؟

حقيقة هذه مرحلة جديدة في تطور الفكر السياسي للقاعدة و قد سبقتها تطورات أخرى سبق و أشرنا لبعضها هنا على صفحات الدستور منها محاولة الظواهري و بن لادن التوجه بخطابهم لعامة جماهير اليسار العالمي و مناوءي العولمة و كذلك تحريض أتباعهم على استخدام اساليب المظاهرات و العصيان المدني, و أخيرا جاءت هذه الكلمة يوم الجمعة الماضية بالتوجه للعالم اجمع بما في ذلك الدول الرأسمالية للتوحد ضد الولايات المتحدة, و هذا لا يعكس ضعفا لدي القاعدة بل بالعكس فهو يعكس احساسها بقرب تحقيق النصر في أفغانستان و من ثم السعى للعب دور سياسي دولي يستثمر سياسيا ثمار نصرها العسكري, فهل ستنجح القاعدة في ذلك؟

ــــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع يوم 30 يناير 2010  و  نشر في جريدة الدستور المصرية اليومية الورقية.

قادة الحكم في مصر صورة ارشيفية

الفساد يقتل إذا حكم .. نموذج مصر

عندما يحكم الفساد فإنه يقتل بلا مبالاة كل من يقف في طريقه حتى لو كان هذا الواقف قد ألقاه حظه في طريقه مصادفة دون أي قصد منه.

و رغم أن ضحايا الفساد المذكورين يسقطون صرعى كل يوم بسيف الفساد و جنوده من المفسدين لكن أكثر الناس يهتمون بأنواع أخرى من القتلة دون أن يفطنوا للفساد القاتل ظنا منهم أن المفسدين يهتمون فقط بتحصيل شهواتهم من المال و السلطة دون ميل للقتل كهدف في حد ذاته.

و على كل فالفيصل في المسألة هو أحداث الواقع.

وكلنا نذكر في السبعينات ما تردد عن إستيراد توفيق عبد الحي و غيره من رجال الأعمال لآلاف الأطنان من اللحوم و الدواجن الفاسدة و تم بيعها بشكل كامل في السوق المصرية الأمر الذي أدى للعديد من الإصابات لدى المستهلكين و إذا كانت لم تسجل حالات من الموت بشكل مباشر إلا أنه لاشك قد سجلت حالات عديدة من التسمم مجهولة السبب و ربما توفى عدد من الفقراء الذين لا يدري أحد عنهم شيئا.

ثم جاء عقد الثمانيات و التسعينات لنرى العديد من ظواهر القتل الجماعي أو شبه الجماعي و الفاعل الوحيد فيها كان دئما هو الفساد و المفسدون.

و من الملاحظ أن معظم الفاعلين في هذه الأحداث هم من المرتبطين بالسلطة أو ببعض قوى السلطة.

ولذلك أمكنهم دائما الإفلات من العقاب.

في الثمانينات سقطت عدة عمارات على رؤس سكانها و تبين أن هناك فسادا في الدوائر التي أعطت تراخيص البناء و المكاتب الهندسية التي أشرفت على عمليات البناء, و رغم أن العديد من المواطنيين الأبرياء قد ماتوا تحت أنقاضها و رغم أن من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا كما جاء في القرآن الكريم, فإن من لقى مصرعه أو أصيب و شرد بعد ذلك في التسعينات من جراء انهيار العمارات السكنية أكثر ممن لقى حتفه لنفس السبب في الثمانينات و ذلك يشير إلى تزايد الفساد في المحليات مع تقادم العمارات السكنية نسبيا بالإضافة لزلزال 1991م الذي عرى هؤلاء المسئولين الفاسدين و إن ظلت هذه التعرية دون جدوى حتى الآن.

عشرات الألاف بين قتيل و جريح و مشرد بسبب الزلزال وحده , و الفاسد الذي أخذ الرشوة كي يجيز أو يسكت عن بنايات مخالفة للقواعد القانونية لم يكن يدور في خلده أنه سيقتل أحدا لكنه لم و لن يبالي أقتل أو لم يقتل ما دام يحصل على الجنيهات التى قررها كأجر محدد على مماراسته الفاسدة.

نفس الشئ بالنسبة للمسئولين عن حوادث القطارات حيث قتل في حوادث القطارات فقط أكثر من 6 ألاف قتيل بالإضافة إلى 21ألف مصاب في 59 حادث قطار في الفترة من سنة 2000م و حتى 2006 فقط بمعدل حادث واحد كل شهر تقريبا, حتى صدرت دراسة ألمانية تقول أن مصر هي الأولى عالميا في معدلات حوادث القطارات و معدلات قتلى القطارات, و الفاسدون الذين نهبوا عوائد و مداخيل قطاع السكة الحديد لم يدر في خلدهم أنهم بهذا النهب يقتلون الآلاف و يشردون و يعذبون الآلاف ولكنهم أيضا لم يبالوا أقتلوا و شردوا أم لا فكل ما ظل يهمهم حتى الآن هو نهب هذا القطاع ذا العائد الإقتصادى الضخم.

أما حوادث الطرق التي وصلت في مصر إلى 25 ضعفا زيادة عن المعدلات العالمية و التي حصدت حتى الآن 69 ألف قتيل و جريح سنويا فإن الفاسدين الذين يتحملون مسئوليتها هم أكثر خسة من غيرهم لأنهم يتكسبون من موت هؤلاء الآلاف جنيهات قليلة , صحيح أن مجموعها يقدر بالملايين لكنه موزع على ألاف المسئولين من أول جندي المرور الذي يقبض خمسة جنيهات فقط ليمرر صاحب المخالفة التي تؤدي لمزيد من حوادث الطرق و الحاصل أنه ثمن زهيد لقتل نفس أو عدة أنفس و الفاسد لا يبالي أي عدد قتله بفساده في حادثة طريق أو أكثر انما كل ما يهمه الخمسة حنيهات.

و حريق مسرح بني سويف و نتيجة التحقيق في سبب التسيب و الإهمال الذي أدى لهذا الحريق و العدد الكبير من القتلى الذين تفحمت جثثهم بفعل التسيب و الأهمال الجسيم مثال واضح على هذا الفساد الذي لا يبالي بالمواطنين مهما قتل منهم بالعشرات أو بالآلاف بالحرق أو بالغرق أو بالفرم عل الأسفلت المهم الحصول على عائد الفساد من جنيهات مهما كانت ضئيلة أو كبيرة و تأتي نتيجة التحقيق في سبب التسيب و الإهمال الذي أدى لهذا الحريق المروع كبرهان واضح على دور الدولة الرسمي في مساندة الفساد و المفسدين مهما كانت النتيجة , لذلك اتهم الكثيرون نظام الحكم بأنه أول نظام يحكم مصر يستهدف المصريين بالقتل و التعذيب و الحرق و الغرق و السرطان و الفيروسات و ذلك منذ الفراعنة مرورا بالمماليك و العثمانيين و حتى الآن.

لقد وصل حجم الإصابة بفيروس الكبد الوبائي (c) إلى 25 % من المصريين.

كما وصلت الإصابة بالفيروس الكبدي (b) في مصر إلى 15 % علما بأنه أخطر من (c) لأن المصاب به يلقى مصرعه في غضون سنوات قليلة بينما المصاب بـفيروس (c) ربما يعيش أكثر من عشرين سنة قبل أن يلقى حتفه, و إن كان الظلم قد لعب دورا كبيرا في تدهور الرعاية الصحية عن طريق تخفيض مخصصات الصحة في الميزانية لصالح أشياء أخرى أقل أهمية و أقل نفعا للشعب مثل وزارة الداخلية و جلاديها, لكن الفساد المستشري في حكومات الحزب الوطني المتعاقبة كان له نصيب الأسد من الإستفادة من تخفيض مخصصات وزارة الصحة في الميزانية, فمن زيادة المصروفات النثرية المخصصة لكل وزير ينفقها كما يشاء بدون رقيب و قدرها البعض بنحو مليار جنيه في الشهر, إلى توريد أكياس الدم الملوثة إلى وزارة الصحة حتى زعم البعض أن كل من غسل كليته في المستشفيات العامة فقد أصيب بفيروس (c).

يضاف إلى ذلك استئثار قادة الحزب الوطني و محاسيبهم بمعظم أموال العلاج على نفقة الدولة.

و الدستور تتحدى الحكومة أن تنشر قائمة بجميع أسماء المنتفعين بالعلاج على نفقة الدولة من المستفدين بمائة ألف جنيه أو أكثر كي يعرف الشعب أين تذهب أموال الصحة التي هي قليلة أصلا, و كذلك نتحداهم أن ينشروا مفردات المصروفات النثرية الخاصة بكل وزير.

و القتل لا يقتصر على الفيروسات بل هناك القتل بالسرطان عبر المبيدات المسرطنة التي سمح يوسف والي لورد الحزب الوطني المعروف باستيراد ألاف الأطنان منها من أجل سواد عيون يوسف عبد الرحمن سكرتيره الحميم حتى وصل معدل الإصابة بالسرطان 100 ألف حالة سنويا.

و إذا كان نظام حكم الحزب الوطني قد قتل بفساده المصريين هدما ومرضا و حرقا فإنه قتلهم أيضا غرقا في مرات عديدة, و لا نقصد بذلك المهاجرين غرقا في البحر المتوسط هربا من فساد السلطة في مصر فقط بل نقصد أيضا العبارة سالم اكسبرس التي غرقت عام 1991م و كانت فرق الإنقاذ قد اتصلت بالعديد من ركاب السفينة و هي تغرق و علمت أنهم أحياء ووضعت خطتها لشق العبارة و استنقاذ الركاب قبل أن يختنقوا لكن مالك العبارة أصر على عدم شقها و قال إما تعوموها سليمة أو تتركوها و كان مالك العبارة على علاقة بمسئول كبير و اتصل به ليمنع شق العبارة و تعويمها لأن ذلك سيمنع عنه نسبة كبيرة من التأمين الذي ستصرفه له شركة التأمين, و أعطى المسئول أوامره بعدم الشق وقد كان ما أراد فتركوها تغرق و على متنها 1600 راكب اختنقوا داخل كبائنها و ما زالت السفينة حتى اليوم رابضة في قاع البحر الأحمر.

وبعد ذلك جاء عام 2006م عندما غرقت العبارة السلام 98 لمالكها صديق المسئول الكبير و ترك الناس تغرق كي يخفي المخالفات الجسيمة التى كان انقاذ العبارة سيفضحها ومنها على سبيل المثال لا الحصر أنها كانت سفينة ايطالية متهالكة خرجت من الخدمة لسوء حالتها لكن ممدوح اسماعيل اشتراها و ضاعف من حجمها ثلاث مرات إذ أضاف لها ثلاثة طوابق بالمخالفة لأية معايير للسلامة و قام بتسجيلها في بنما لسهولة الإجراءات هناك كما قام هنا باجازتها بسبب منصبه و علاقاته بالمسئول الكبير.

و هكذا يقتل الفساد إذا حكم.

اسياس أفورقي رئيس إريتريا

أريتريا واللعب مع الكبار في الشرق الأوسط

الكلام عن أريتريا ودورها الإقليمي سيَجُرُّنا للكلام عن أطراف عديدة، مثل إسرائيل وإيران وأثيوبيا والغرب، والعديد من الدول العربية، والعديد من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، وكثرة هذا الأطراف رغم صغر مساحة وموارد أريتريا تقودُنَا لحقيقة واضحة، هي أن أريتريا تريد أن تلعب دورًا أكبر من إمكاناتها الجيوسياسية، وهي بذلك تريد أن تلعب مع الكبار في جزء من العالم الإسلامي، تَمَّتْ تسميته دوليًّا بمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة في شرق إفريقيا أو القرن الإفريقي.

جوانب من تاريخ تحرير أريتريا وأثرها في التحليل السياسي

استقلت أريتريا عن أثيوبيا في 23 من مايو 1993م ولن نقف كثيرًا عند التفاصيل التاريخية، لكنّ هناك أربعَ جوانب من تاريخ تحرير أريتريا لها دلالة مهمة في مجال التحليل السياسي، لا بد لنا في البداية من الإشارة إليها:

الجانب الأول: أن حركة التحرير هذه نشأتْ أوَّلَ أمرها في السودان عام 1961م، ولم تكن تملك مقاتلين داخل أريتريا سوى 13 مقاتلًا، ولم تملك كوادِرَ خارج السودان سوى أقل من عشرةٍ، أكثر من ثلثهم هم من السودانيين. وأعطى هذا الجانب الثوار الأريتريين ثقةً كبيرة في أنفسهم ومكانتهم، حتى بعد وصولهم للحكم، بسبب تحقيقهم إنجازَ التحريرِ من العدم- إن جاز التعبير- على الأقلِّ حسب رأْيِهِم هم!

كما أن تجربتهم الثورية هذه منحتهم خبرةَ ممارسةِ السياسة بأسلوبها الكفاحي, ومن ثَمَّ نرى لجوءَهُم المتكرِّرَ للأساليب العسكرية في علاقاتهم مع الأطراف الأخرى، كما حدث مع اليمن وأثيوبيا السودان.

الجانب الثاني- أن المساندة الأهَمَّ لحركة التحرير هذه منذ البداية وحتى بعد إقامة الدولة الأريترية المستقلةِ كانتْ من الدول العربية، خاصةً سوريا ولبنان والسودان والسعودية، لاسيما أن أثيوبيا التي اعتُبِرَتْ دولة محتلة لأريتريا، هي دولةٌ حليفة بشكل أساسي لإسرائيل، كما كانت بجانب ذلك حليفةً للاتحاد السوفيتي السابق.

ويعكس هذا الجانب أهميةَ منطقة القرن الإفريقي، وكذلك السواحل الإفريقية للبحر الأحمر بالنسبة للدول العربية, كما يعكس قلقَ العرب من الوجود الإسرائيلي، سواء في أثيوبيا (مُهَدِّدًا بذلك مصر، والسودان، والصومال، واليمن، وغرب وجنوب السعودية) أم في الساحل الشرقي لإفريقيا؛ حيث يُطِلُّ على بحرٍ، كُلُّ المطلين عليه من العرب، عدا هذا الجزء من ساحل البحر الأحمر الذي أصبح الآن أريتريا.

الجانب الثالث- أنه قد تحالَفَ الثوار الأريتريون مع ثوار التجراي الأثيوبين، ابتداءً من عام 1975م, وكان الأخيرون يَسْعَوْن لاستقلال إقليم التجراي عن أثيوبيا (يمثل التجراي 7 % من سكان أثيوبيا) لكنهم تحت ضغط ثوار أريتريا غيَّرُوا وُجْهَتَهم لحكم كُلِّ أثيوبيا.. وقد وصل هذا الضغط الأريتري ذِرْوَتَهُ بحصار عسكري، وتصفياتٍ دمويَّةٍ قادها أسياس أفورقي ضدهم عام 1985م, كما دعم هذا التوجُّهَ ضغطٌ سياسي أمريكي في نفس الاتجاه، بهدف إسقاط نظام “منجستو هيلامريام” المتحالفِ مع السوفيت في ذلك الوقت.

وفي هذا الجانب نضع يَدَنَا على العُقْدَةِ التي ربما تكون نفسيَّةً بين كُلٍّ من “ملس زيناوي” (أحد قادة التيجراي وقتها، ورئيس وزراء أثيوبيا الآن)، و”أسياس أفورقي” (الأمين العام المساعد لجبهة تحرير أريتريا وقتها، والرئيس الحالي لأريتريا)؛ حيث كانت جبهة أفورقي لها اليَدُ العليا والفضل على التيجراي الإثيوبيين في دَفْعِهِم لحُكْمِ كُلِّ أثيوبيا، كما كانت جبهة أفورقي بمثابة السيد على منظمة زيناوي (جبهة تجراي أثيوبيا)، بما لها من خِبْرَاتٍ وعلاقات وموارِدَ، وقوةٍ عسكريةٍ، بينما كانت منظمة زيناوي أشبهَ بالتابع لها بدرجةٍ ما, لكن بعد حكم زيناوي لأثيوبيا بكامل مواردها الاقتصادية والبشرية (تعداد أثيوبيا نحو 70 مليون نسمة، وجيشها نحو نصف مليون).. تغَيَّرَ الوضع، وتغيَّرَت موازين القوى إزاء دولة أريتريا التي لا تملك أيّ موارد اقتصادية ذات بال، كما أن تعدادها لا يزيد عن 4 مليون نسمة، ولا تملك جيشًا بحجمِ ولا تسليح الجيش الأثيوبي, ومن هنا ثارت المشاكل بين الدولَتَيْنِ، تُغَلِّفُها مشاكل ومنازعات الحدود؛ حيث بدا أنّ كُلًّا من الدولتين يسعى لاستِتْبَاع الأخرى، والاستئثار بالدور الإقليمي الأكبر في شرق إفريقيا، وفي القرن الإفريقي ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة.

الرابع- تحالُفُ ثوار أريتريا مع أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل قَبْلَ التحرير, ومن الطبيعي أنّ تَحَالُفَ نظام “منجستو هيلامريام” مع السوفيت سَهَّلَ على معارضيه الحصولَ على الدعم الغربي, ومصادر جبهة التحرير الأريترية تزعم أنهم لم يستطيعوا الحصولَ على الدعم الغربي، لولا الدخولُ من البوابة الإسرائيلية, وهذا هو تبريرهُم الدائِمُ لعلاقاتهم الوثيقة مع الكيان الصهيوني منذئذ, ومن هنا نرى التناقُضَ بين علاقات الأريتريين بإسرائيل وعلاقاتهم بالعرب.

نعم، قد تغيَّرَ موقف العرب من مسألة العلاقة مع الكيان الصهيوني، نظرًا لوجود علاقاتٍ لعدد من الدول العربية والإسلامية مع الكيان الغاصب، لكنْ لا شك أن أريتريا وأثيوبيا حتى الآن تتنافسان في الحصول على رضا إسرائيل, وفي واقع الأمر فإن إسرائيل لا يمكنها الاستغناءُ عن أريتريا بموقعها على البحر الأحمر، من حيث إنها الدولةُ الوحيدة التي لا تنتمي للجامعة العربية، وتُطِلُّ على البحر الأحمر؛ إذ كل الدول المطلة عليه عربية, وفي نفس الوقت لا يمكن لإسرائيل الاستغناءُ عن أحد أكبر دول إفريقيا من حيث القوة الشاملة، كأثيوبيا، ولاسيما أن لها حدودًا لصيقةً مع العالم العربي, وهكذا تعتبر علاقة أريتريا مع الغرب بعامةٍ، وإسرائيل بخاصةٍ أمرًا جوهريًّا وأساسيًّا حتى الآن, ومن هنا ليس مستغربًا أن الغواصاتِ الإسرائيليةَ التي أعدَّتْهَا إسرائيل لتوجيه ضربة نووية ثانية للعرب، ترتكز في جزءٍ أساسي من إمداداتها على موانئ أريتريا، إن لم تكن أريتريا هي قاعدتها الوحيدة في المنطقة.

انحياز الغرب وإسرائيل لأثيوبيا

انحاز الغرب وإسرائيل بشكلٍ كبيرٍ لأثيوبيا في نِزَاعِها ضد أريتريا، منذ الحرب التي دارت بينهما عام 1998م, وهذا أضْفَى شيئًا من التوتُّرِ على علاقة أريتريا مع الغرب، والمفترض أن يسري هذا الأمر على إسرائيل أيضًا، لكنّ كل الدلائل تشير إلى أن العلاقاتِ بينهما ما زالت استراتيجيةً لحاجة كُلٍّ منهما للآخر, وإن كانت إسرائيل تميل أكثرَ لأثيوبيا، بسبب قيمتها من ناحية الجغرافيا السياسية والعسكرية, هذا إذا تعارضتْ علاقتها بإثيوبيا مع علاقتها بأريتريا.

وأريتريا دولةٌ فقيرةٌ جِدًّا، سواء من حيث مواردها الاقتصادية، أم من حيث اقتصادُهَا الكلي, كما أنها لا تتمتَّعُ بتاريخ خاص عريقٍ، لا في الماضي القريب، ولا البعيد, ورُغْمَ ذلك فلدى قادَتِها طُمُوح ضَخْمٌ في لَعِبِ دور كبير في شرق إفريقيا، وفي الشرق الأوسط على حَدٍّ سواء، يفوق كثيرًا من أدوار القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة.

وقد استغل قادة أريتريا أهمية موقعها على البحر الأحمر بالنسبة للاستراتيجية الإسرائيلية؛ كي يقيموا علاقاتٍ قويَّةً مع إسرائيل، ويحصلوا منها على دعم اقتصادي وعسكريٍّ هام, كما استغلوا موقعهم الجغرافي كمَنْفَذٍ شِبْهِ وحيدٍ لأثيوبيا على البحر؛ كي يضغطوا عليها، ويحوزوا قُدْرَةَ توجيه السياسة الخارجية الأثيوبية كما يشاءون، لكن أثيوبيا لم تَرْضَخْ لهم، ودخلتْ معهم حربين ساخنتين عامي 1998 و2000 , والحرب الباردة مندلعةٌ بينهما منذئذ وحتى الآن، خاصةً عبر الساحة الصومالية؛ إذْ تدعم أثيوبيا الحكومة الانتقالية، بينما تدعم أريتريا معارضي الحكومة.

وفي نفس الوقت استخدمت أريتريا قُوَّةَ التحالف الأثيوبي مع إسرائيل لِتُسَوِّقَ نفسها لدى الدول العربية، خاصةً الغنية منها على أن أريتريا هي حليفٌ للعرب، لاسيما أن العديد من أعراق أريتريا يَرْجِع إلى العرب، أو على الأقل اختلطَ بالعرب، كما أن أغلب الأريترين هم من المسلمين (أكثر من 75%), وتحتاج أريتريا للدول العربية النفطية لانقاذ اقتصادها المتداعي, ورُغْمَ حُسْنِ علاقات عددٍ من الدول العربية بأريتريا، إلا أنها ليست بالقوة، ولا الفوائد التي كانت تأملها أريتريا.

ضغط أريتريا على مصر والسودان

ومن ناحيةٍ أخرى مارست أريتريا ضغْطًا عسكريًّا غير مباشر على كلٍّ من السودان ومصر, فبالنسبة لمصر دأبتْ على احتجازِ سفن الصيد المصرية لفترات طويلة، أو مَنْعِهَا من الصيد أمام سواحلها، رُغْمَ وجود فائضٍ لديها من الأسماك، وعدم وجود سُفُنِ صيد أريترية قادرةٍ على صيد هذا الفائض, وكان الغرض من هذا الضغط تحصيلَ ضريبةٍ باهظةٍ من الصيادين المصريين.

أما بالنسبة للسودان، فقد دعمتْ أريتريا سياسيًّا وعسكريًّا منظماتِ التمرُّدِ في جنوب السودان وشَرْقِهِ وغَرْبِهِ (دارفور)، وما زالت حتى الآن, وهدفها في ذلك المساهمةُ في المخطط الغربي والصهيوني لإضعاف السودان وتفتيته، والتقَرُّب بذلك لإسرائيل والغربِ بعامة.

إريتريا تضغط على اليمن

كما مارست أريتريا ضَغْطًا عسكريًّا على اليمن عبر استيلائها بالقوةِ على جزيرة أبو حنيش الاستراتيجية في البحر الأحمر، وادِّعَاءِ امتلاكها, وأرادتْ من ذلك تعزيزَ مكانتها الاستراتيجية في البحر الأحمر بهدف المساومة بهذه المكانة مع قوة كبرى إقليمية (كإسرائيل مثلًا) أو دولية (كفرنسا والولايات المتحدة مثلًا) كي تُقَدِّمَ هي التسهيلات الاستراتيجيةَ في البحر الأحمر لهذه القوة، في مُقَابِلِ تقديم هذه القوة الْمُقَابِلَ في شكلِ دَعْمٍ سياسِيٍّ واقتصادي لأريتريا.

إريتريا وإيران

و ربما يمكننا في هذا الإطار فَهْمُ ما يُقَالُ عن وجود تسهيلاتٍ عسكرية لإيران في موانئ أريتريا، سواءٌ صَحَّتْ هذه المعلومات أم لا.

ومن ذلك كُلِّهِ يمكننا أن نفهم كيف تلعب أريتريا مع الكبار في الشرق الأوسط ،وفي شرق إفريقيا، وفي القرن الإفريقي.

أسس استراتيجية في تجربة اريتريا

ورُغْمَ خلافنا مع عقيدة أريتريا وأهدافها السياسية، فإنه لا بُدَّ من التأمل في الكيفية التي تمكَّنَتْ بها أريتريا من اكتساب مكانةٍ ودورٍ إقليميٍّ، واللعب مع الكبار في الشرق الأوسط، والقرن الإفريقي، بل والتفوق عليهم في هذا اللعب في بعض الأوقات، وتتلخَّصُ هذه الكيفية في عدةِ أُسُسٍ، نوجزها على النحو التالي:

أولا- الإدراك الكامل لمكامن القوة الذاتية أو المميزات الذاتية التي يملكها الكيان السياسي، واستخدامها لتحقيق أهدافه العليا, وهذا ما فعلته أريتريا، فهي- رُغْمَ فَقْرِهَا في الموارد الاقتصادية والبشرية- قد أدركت أنّ موقعها الجغرافي له مميزاتٌ من الممكن استغلالها في علاقاتها مع العديد من القوى الكبرى، سواءٌ سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو استراتيجيًّا, وللأسف فالعديد من القوى العربية والإسلامية لها العديدُ من المميزات، ولكنها لا تُدْرِكُها أو لا تستخدمها.

ثانيا- التصميم على تحقيق الأهداف، وسلوكُ أسلوب السياسة الكفاحِيَّةِ لتحقيق هذا الغرض، وتَحَمُّل مخاطِرِ هذا السلوك، والتعامُل مع هذه المخاطِرِ بثبات.

ثالثا- ابتكارُ الوسائل والأساليب المناسبة لتحقيقِ ذلك كُلِّه، مهما كانت هذه الأساليب جديدةً وغيرَ معتادةٍ، فأريتريا- رُغْمَ صِغَرِ جيشِهَا وضَعْفِ تسليحِه، وضَعْفِهَا الاقتصادي- تمكَنَتْ من التَصَدِّي عسكريًّا بشكل أو بآخر للعديد من القوى الأكبر منها في المنطقة، عبر حروبٍ مباشرة حِينًا، وعبر حروبٍ بالوَكَالَةِ في أحيان أخرى.

وهكذا تَمَكَّنَتْ أريتريا من اللَّعِبِ مع الكبار.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في موقع الاسلام اليوم و كذلك في مدونتي القديمة وعدد من مواقع الانترنت و أثار جدلا واسعا و تعليقات كثيرة وقتها.

القمة العربية صورة أرشيفية

القمة العربية بالدوحة.. مصر من «الدولة الزعيمة» إلي «الدولة المقموصة»

تابع الجميع مؤتمر القمة العربية في الدوحة، ومحاولات قادة العرب قبل وأثناء القمة في مجال لم الشمل وإعادة الاعتبار للتضامن العربي المفقود وللجامعة العربية المأسوف عليها، فعلا لقد سعي حكام الدول العربية لذلك لسبب أو لآخر.

وفي هذا الوقت العصيب الذي تتعلق فيه قلوب الشعوب العربية بهذه المحاولات كما يتعلق الغريق بقشة، سارع العديد من القادة العرب للقيام بدور ما لإنقاذ ما تبقي من آمال بشأن الجامعة العربية أو علي الأقل لصناعة دور لبلادهم علي الساحة العربية،

وبينما سعت دولة صغيرة كقطر للعب دور كبير في المنطقة فقد اضطلعت دولة كبيرة كالسعودية بإنجاح قدر ما من المصالحة العربية فبدأت بنفسها فصالحت بشار الأسد ـ رئيس سورياـ ودعاه ملك السعودية لزيارة الرياض قبل القمة لتدشين هذه المصالحة، كما تمت مصالحة مماثلة بين الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز والزعيم الليبي معمر القذافي في الدوحة لدرجة أن تعانقا وطلب القذافي من العاهل السعودي نسيان الماضي ودعاه لزيارة ليبيا.

حضرت السعودية وتصالحت مع سوريا رغم أن كلا منهما يمثل رأسا لمحور مناوئ للآخر، فسوريا رأس محور الممانعة والتشدد العربي بينما السعودية هي رأس محور الاعتدال العربي مع مصر والأردن وغيرهما.

وحضرت السعودية وتصالحت مع القذافي الذي كان متهما بتحريك مؤامرة لاغتيال العاهل السعودي نفسه.

ورتبت وحضرت قطر لذلك كله لتحقق لنفسها دورا سياسيا عربيا رائدا، بعدما حققت لنفسها دورا إعلاميا عربيا بارزا عبر قناة الجزيرة، قطر فعلت هذا وهي الدولة العربية صغيرة المساحة قليلة السكان حديثة التاريخ.

لكن في خضم كل محاولات القادة العرب لرأب الصدع العربي المتفاقم غابت مصر ولم يشاهد أحد لها دوراً لا كبيراً ولا صغيراً، مصر زعيمة الوطن العربي (سابقا) غابت عن قمة الدوحة وهي التي كانت قد أسست فكرة القمم العربية قديما وفكرة دورية هذه القمم حديثا، وليس هذا هو الأمر الغريب الوحيد بشأن غياب مصر بل هناك ما هو أغرب منه وهو سبب هذا الغياب الغريب.. الرسميون المصريون صرحوا بأن غياب مصر جاء بسبب قناة الجزيرة الفضائية القطرية، وأخبار أخري تشير إلي أن الغيرة والعناد المصريين إزاء قطر ليسا بسبب فضائية الجزيرة فقط بل بسبب الأدوار التي تسعي قطر للعبها في الساحة الفلسطينية خاصة بشأن ملف الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، وكذلك الأدوار التي تلعبها في الساحة السودانية بشأن ملف دارفور.

ما ذكرته المصادر الحكومية التي أشارت لدور الجزيرة في توتر العلاقات مع دولة قطر أيده بقدر ما الاتهام الذي وجهته قناة الجزيرة- يوم الاثنين الماضي- من أن إدارة النايل سات 101 شوشت علي بث القناة لوقائع القمة العربية بالدوحة مما أدي لانقطاع الإرسال نحو عشر مرات، ورغم نفي إدارة النايل سات لذلك (نفت التهمة في التشويش لكن التشويش كان واقعاً أمام الجميع) فإن غضب مصر الرسمية من قناة الجزيرة لا يخفي علي أحد وكذلك غضبها من الدور المتنامي والمتزايد لدولة قطر في الساحة السياسية العربية.

والنتيجة النهائية للتوتر المصري الرسمي من مواقف قناة الجزيرة ودور دولة قطر هو غياب مصر عن قمة المصالحات العربية، وهكذا لم تعد المسألة علي ساحة الخلافات العربية هي بين محور التشدد والممانعة من ناحية ومحور الاعتدال من ناحية أخري بل صار الجو العام متصالحاً ولو شكلا علي الأقل مع بروز أدوار سياسية متنامية للعديد من الدول العربية علي مسرح المنطقة العربية والشرق أوسطية ككل، بينما مصر تقاطع القمم والاجتماعات والفعاليات العربية، و تقف منفردة غاضبة بجانب الحائط محاولة إثارة المشاكل لتثبت وجودها الذي هو غير موجود أصلا، فمصر كانت توالي وتعادي كبري الدول العربية (كالعراق والسعودية) في الماضي من أجل قضايا ومواقف سياسية كبري هي اليوم تغضب من قناة فضائية (الجزيرة) وتعادي دولة صغيرة كقطر لأنها حاولت أن تحل جانبا من المشاكل العربية التي تخلت مصر عن حلها، فتحولت مصر من «الدولة الزعيمة» إلي «الدولة المقموصة».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر بالعدد الأسبوعي لجريدة الدستور.

عمر حسن البشير

مذكرة توقيف البشير..الأبعاد والمشاهد والنتائج

عند التأمل في المذكرة الدولية بتوقيف الفريق عمر البشير رئيس الجمهورية السودانية والتي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هذا الشهر؛ لابد وأن يتوقف العقل عند ثلاث محطات، محطة أبعاد هذا القرار القضائي الدولي، ثم المشاهد المتوقعة بناءً على هذا القرار، وأخيرًا النتائج التي قد تتمخض عنها العملية برمتها.

أولًا ـ أبعاد قرار توقيف البشير

نظرًا لسيطرة المفاهيم الغربية على التحليل السياسي في العالم كله؛ فإن هذه الأبعاد سوف تنقسم إلى البعد الدولي والبعد الإقليمي والبعد المحلي، سنجد أن البعد الدولي يشير إلى الأمم المتحدة وتحديدًا مجلس الأمن، الذي وقف خلف هذا القرار بهدف تحقيق أهداف معينة للغرب إزاء السودان، والبعد الإقليمي سيشير إلى العامل “الإسرائيلي” والإثيوبي في المنطقة، أما البعد المحلي فسيشير إلى المنافع المتحققة لمتمردي جنوب السودان “الحركة الشعبية” وغرب السودان “متمردي دارفور”.

لكن لو أردنا أن نشير لإطار إسلامي في التحليل السياسي فسوف تنقسم الأبعاد إلى بعدين فقط:1- الهيمنة الاستغلالية للغرب على العالم بصفة عامة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة، وتقودها حاليًا الولايات المتحدة.2- العالم الإسلامي ككتلة مستهدفة ومتأثرة بقرار توقيف البشير.

وإذا تأملنا في البعد الأول وهو الهيمنة الاستغلالية للغرب؛ سنجد أن هذه الهيمنة فرضها الغرب على معظم أنحاء العالم الإسلامي منذ عصر الاستعمار الغربي في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، ولكنها صارت هيمنة محكمة ومطلقة على كل أنحاء العالم الإسلامي منذ تم القضاء تمامًا على الدولة العثمانية، التي كانت آخر معاقل العالم الإسلامي سقوطًا في براثن الهيمنة الغربية بشكل كامل.

والغرب بوقوفه وراء مذكرة اعتقال البشير إنما يهدف إلى دعم مسارات إضعاف السودان عبر تفكيكه لعدة دويلات يهيمن الغرب على أغناها ويستغل ثرواتها جميعًا، ويمنع قيام دولة إسلامية بحجم وثروة السودان؛ فالسودان أكبر دولة أفريقية، ومن أكثر دول العالم الإسلامي ثراءً في مجالات الموارد الزراعية وموارد المياه والثروة المعدنية والثروة الحيوانية، ونظام حكم عمر البشير_ رغم ما عليه من تحفظات_ فإنه سار ويسير في التنمية بكل مجالاتها بخطى لا بأس بها، ففي عهده دخل التصنيع على نطاق واسع للسودان بما في ذلك تصنيع السلاح والدواء والمواد الغذائية وغيرها، كما تحسنت البنية التحتية والأداء الاقتصادي بشكل عام، فضلًا عن ازدياد قوة الجيش وأجهزة الأمن بشكل مكَّن هذا النظام من الصمود في وجه موجات طاغية من التآمر الدولي آتية من العديد من الأجهزة الأمنية الدولية العاتية؛ كأجهزة “إسرائيل” والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها، فضلًا عن أذرعهم الداخلية من المتمردين في الجنوب والشرق والغرب.وتأتي هذه المذكرة لتؤدي عملها بمساندة القوى الغربية و”إسرائيل”، وبأذرع ربما محلية من خلال المتمردين المعروفين أو غير المعروفين.

أما البعد الثاني وهو المتعلق بالعالم الإسلامي، فهو لا يشمل فقط إضعاف السودان في المدى القريب والبعيد، ولكن يشمل حرمان العالم الإسلامي من ثروات السودان التي قد تصبح في يوم من الأيام عونًا لأيٍّ من دول العالم الإسلامي ـ وفي قلبه مصر ـ على النهضة والقوة الاقتصادية، ليس هذا فقط بل ونقل هذه الثروات لأعداء العالم الإسلامي؛ “كإسرائيل” أو الغرب من خلال عملائهم في السودان ـ الحركة المتمردة في دارفور وفي جنوب السودان ـ هذا كله فضلًا عن تطويق دولة قوية كمصر ليس من جنوبها فقط، بل أيضًا من عنقها حيث أن نهر النيل شريان الحياة في مصر، وبتفكيك السودان وسيطرة “إسرائيل” والغرب على حكوماته تصبح كل دول حوض النيل تقريبًا واقعة تحت هيمنة الولايات المتحدة و”إسرائيل” بطريقة أو بأخرى.وإذا كانت السودان تمثل جسرًا عربيًّا إسلاميًّا بين مسلمي وعرب شمال أفريقيا، وبين أفريقيا السوداء، فإن من شأن الهيمنة الغربية عليها أن تقيم سدًا منيعًا أمام تواصل عرب شمال أفريقيا مع مسلمي أفريقيا السوداء.

ثانيًا ـ المشاهد المتوقعة

كثر اللغط حول المشاهد المتوقعة بشأن السودان والبشير معًا بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله، وفي الواقع فإن المشاهد كلها مطروحة على مسرح الأحداث الدولية بشأن السودان.

فتدويل حكم السودان ككل عبر تقدم قوات المتمردين من الجنوب ومن دارفور إلى العاصمة، واحتلالها عبر دعم أمريكي غربي عسكري وسياسي أمر وارد في الفترة القادمة، قد لا تقدر بالأيام أو الأسابيع لكنها لن تزيد عن سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر.

وفي حالة استمرار قدرة الأجهزة الأمنية والجيش على حفظ استقرار الحكم في الخرطوم، فخنق نظام الخرطوم سياسيًّا واقتصاديًّا عبر الولايات المتحدة وحلفائها أمر وارد بقوة، يصحبه تقطيع أوصال السودان عبر استقلال دارفور بعدما تحصل على حكم ذاتي، واستقلال الجنوب في الاستفتاء المزمع بعد سنتين، كما أن قبائل شرق السودان قد لا تمانع من أن تحظى بالدعم الأمريكي والغربي والإسرائيلي الذي تحظى به دارفور وجنوب السودان مقابل التمرد وإحياء جبهة الشرق ومن ثَمَّ الاستقلال، وحينئذٍ لن يكون هناك مانع لدى الولايات المتحدة وحلفائها من ترك البشير يهنأ مع أجهزته الأمنية القوية بحكم ولاية الخرطوم المخنوقة باسم سودان لا وجود له، إلى أن يركع أو تطلق عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها رصاصة الرحمة كما أطلقتها على عراق صدام حسين.

ثالثًا ـ نتائج العملية كلها

طبعًا النتائج كلها واضحة، وأبرزها ضياع السودان من جعبة العالم الإسلامي في هذه الفترة، وذهاب مواردها الضخمة لخدمة أعداء الأمة الإسلامية، وخنق أكبر دولة عربية وهي مصر تمهيدًا لتقطيع أوصالها هي الأخرى.

ولكن هناك نتائج جزئية خاصة بالتحليل السياسي أظهرتها هذه الأزمة؛ منها أن الصين وروسيا تواطأتا مع الولايات المتحدة وحلفائها في مجلس الأمن إذ كان وما زال في إمكانهما عرقلة صدور القرار أو تجميده بعد صدوره ولم يفعلا.

وكذلك أظهرت العملية برمتها تصميم الغرب على استمرار إضعاف العالم الإسلامي دون كلل ولا ملل؛ للحفاظ على استمرار هيمنتهم عليه واستغلاله لصالحهم، في الوقت الذي ما زال يتغنى فيه المستغربون عندنا بصداقتهم للغرب، ونقصد هنا الحكومات الغربية لأن للشعوب الغربية شأنًا آخر لا مجال لتفصيله هنا.وعلى كل حال، فإننا لا نصاب باليأس بسبب تقطيع أوصال العالم الإسلامي المتواصل من قِبل الجيوش الغربية وحلفائهم في الداخل والخارج، لأننا ننظر للمستقبل في ضوء تاريخنا التليد إذ مر بالعالم الإسلامي أوقات حالكة الظلمة مثل هذه لكنه نهض بعدها من كبوته، وثاب إلى رشده، واسترد انتصاراته {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا الموضوع في موقع الاسلام اليوم.

مجلس الشعب المصري صورة أرشيفية

تأميم الفتوى لصالح رئيس الجمهورية في مصر

وافقت لجنة الاقتراحات بمجلس الشعب المصري على مشروع بقانون يعاقب من يفتي بدون أن يحمل ترخيصا رسميا خاصا و قد أثار ذلك جدلا واسعا ، فأيد البعض هذا القانون المقترح و طالبوا بحتمية قصر الإفتاء على الأزهريين فقط معتبرين أنهم المؤهلون دون غيرهم لتلك العملية، بينما عارض آخرون القانون المقترح؛ و رأوا أنه مجرد وسيلة قمعية لتكميم الأفواه.

مشروع القانون الجديد تقدم به النائب عن الحزب الوطني د. مصطفي الجندي، وتضمن حبس من يفتي في الشئون الدينية عبر وسائل الإعلام بدون رخصة رسمية من سنة إلى ثلاث سنوات.وفي تصريحات صحفية أوضح الجندي أنه سيتم إضافة مادة لقانون العقوبات في جرائم اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها دون حق، وتنص المادة المقترحة على أن: “كل من أفتى فتوى في أمور دينية عبر أي وسيلة من وسائل الإعلام سواء المسموعة أو المقروءة أو المرئية، بدون أن تكون له صفة رسمية كجهة اختصاص، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث”.وأشار إلى أن “عقوبة الحبس تكون وجوبا على كل من يدلي بفتوى عبر أي وسيلة إعلامية، أو أي طريق آخر دون أن يكون حاصلا على شهادة معتمدة من دار الإفتاء، وموقعة من فضيلة المفتي نفسه بالترخيص لحاملها بالفتوى”.وكان د.مصطفى الجندي قد ذكر دوافعه للتقدم بمشروع ذلك القانون في تصريحات صحفية فقال: إن تحريض حسن نصر الله للمصريين أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، ضد قيادتهم السياسية وحكومتهم، وتحريضه للجيش، متسترا بخطاب ديني ومدعوما بدعاة فضائيات موالين لفكره بحماس، أطلق موجة من الفتاوى الدينية التي لم تجد من يتصدى لها ويقوم بتفنيدها.و أضاف: إن “من أهم أسباب مشروع القانون الذي تقدمت به لمنع فوضى الفتاوى في الفضائيات الدينية، هو مقاومة مد الفتاوى الشيعية الذي استشرى خلال الحرب الإسرائيلية على غزة وجعل شعوبنا فريسة للخطب الشيعية الحمساوية”و إعتبر أن “حزب الله حاول خلال حرب إسرائيل على غزة تحت ستار فتاوى الجهاد، أن يشعل الثورة في مصر بدعوى مساندة حماس في حربها ضد إسرائيل”.و قد ذكر الدكتور مصطفى الجندي آلية ضبط من يفتي بدون ترخيص، فقال إن لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب حددت لجنة لاختبار كل من يريد الإفتاء، يتكون أعضاؤها من مفتى الجمهورية وشيخ الأزهر ورئيس مجمع البحوث الإسلامية ورئيس محكمة النقض”.وأشار إلى أن : ” مهمة هذه اللجنة ستكون اختبار كل من يريد الإفتاء للناس في الفضائيات وتقدير مدى صلاحيته للإفتاء”جدير بالذكر أن كل من مفتي الجمهورية و رئيس مجمع البحوث الاسلامية و شيخ الأزهر و رئيس محكمة النقض الذين تتكون منهم اللجنة كلهم يتم تعينهم بقرار منفرد من رئيس الجمهورية دون أي قيد أو شرط, و بالتالي فنحن أمام لجنة معينة من رئيس الجمهورية شخصيا تملك منع أو منح المواطن حق الإعلان عن رأيه بدعوى أنه مؤهل أو غير مؤهل, إذن نحن أمام لجنة تشبه لجنة الأحزاب تلك اللجنة التي منعت نشوء أي حزب جديد بدعاوى عدم أهلية البرامج الحزبية المقدمة فلم تسمح بنشوء أي حزب جديد, أو أننا أمام تصاريح جديدة تصدر ظاهريا من مؤسسة دينية بينما أن قرارها الأساسي يصدر من مباحث أمن الدولة كما يحدث في تصريحات الخطابة بالمساجد التي منعت أي أحد لا ترضى عنه أمن الدولة من القاء أي كلمة في مسجد حتى لو كان من كبار الفقهاء الأكاديميين خريجي الأزهر.و قد اعتبر البعض أن المشروع الحالي هو امتداد لمطالبة سابقة من الدكتور علي جمعة مفتي مصر بأن يتم إنشاء مجلس أعلى للإفتاء؛ لمراقبة فتاوى الفضائيات، والدعوة إلى استبعاد غير المؤهلين.و قد رددت مصادر صحفية أن الدافع لتحريك هذا القانون الآن هو مواقف الدعاة المستقلين في الفضائيات أيام أزمة غزة تلك المواقف التي كانت معارضة للموقف الحكومي من الأزمة.وانقسم الأزهريون أنفسهم إزاء القانون المقترح فأيده بعضهم و من أشهر المؤيدين مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة ووزير الأوقاف الدكتور محمود زقزوق الذي قال: “كل من هب ودب أصبح يصدر فتوى، ومنهم علماء الفضائيات، ولابد من سرعة إصدار ذلك القانون لردع هؤلاء الذين يصدرون فتاوى تصرف المسلمين عن قضاياهم الأساسية، وتأخذهم للانشغال بقضايا تافهة وفرعية”و في نفس الوقت رفض القانون المقترح العديد من الأزهرين و على رأسهم الدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر الذي قال في تصريحات صحفية: “لا أستطيع أن أكمم الأفواه، وكل من يريد كلمة حق من فتواه يتحمل حسنتها أو وزرها، ومن يقل فتوى سليمة أشكره ومن يخطئ أنصحه، ولا يمكننى أن أصدر قانوناً يحرم شخصاً من إبداء رأيه، وكل عالم من حقه الاجتهاد، ولكن علينا كمؤسسات دينية، وكعلماء، أن نقدم النصح لمن يصدر الفتوى وأن نرده إلى الدين الصحيح”, كما رفضه الشيخ “السيّد عسكر” عضو مجلس الشعب والأمين العام المساعد السابق لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر مؤكداً أنه وزملاءه أعضاء الكتلة البرلمانية للإخوان، والنواب المستقلين سيقومون بالطعن في دستورية ما وصفه بـ”القانون المشبوه”.وشكّك “عسكر” في نوايا الحكومة من وراء تمرير مشروع القانون، وقال في تصريحات صحفية: “إنها تسعى من وراء إقراره إلى تحقيق أهداف سياسية، وإنه لا يهمها ولا يشغلها على الإطلاق حماية الدين أو الدفاع عنه”.وأضاف: “إن الهدف من ذلك هو تأميم الفتوى، وحصرها في مشايخ السلطة والعلماء الذين يدورون في فلكها ويتقرّبون إليها، بعدما ضاق صدر الحكومة من آراء الفقهاء أو الفتاوى التي تخالف سياستها”.و يثير القانون المقترح العديد من الاشكاليات الواقعية و القانونية و السياسية و الفقهية. فعلى صعيد الإشكاليات الواقعية كانت أبرز الفتاوى التي أثارت استياء الرأي العام في العامين الآخيرين هي:1- “فتوى تحريم الخروج في المظاهرات” و التي أفتت بها الدكتورة سعاد صالح عميدة إحدي كليات جامعة الازهر. 2- “فتوي ارضاع المرأة زميلها في العمل” أفتى بها الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر.3- “فتوي التبرك ببول النبي صلى الله عليه و آله و سلم” أفتى بها مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة.4- “فتوي جواز افتتاح الفنادق لحمامات سباحة تخصص لاستحمام المرأة باللبن” أفتى بها مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة أيضا.و كلها مصدرها علماء من كبار الأكاديميين في الأزهر الشريف و ليس دعاة الفضائيات الذين يسن القانون الجديد لإسكاتهم.أما على صعيد الإشكاليات القانونية فإن القانون المقترح يخالف الدستور المصري, فالدستور المصري يؤكد على حرية التعبير عن الرأي وعدم جواز تقييد هذه الحرية مهما كانت الأسباب؛ حيث تنص المادة 47 من الباب الثالث من الدستور تحت عنوان “الحريات والحقوق والواجبات العامة” على أن “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالأقوال أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون؛ لأن النقد الذاتي والنقد البناء ضمانة لسلامة البناء الوطني”.كما يخالف هذا القانون المواثيق الدولية لحقوق الانسان و هي مواثيق ملزمة لكل دول العالم بما فيها مصر, حيث تنص المادة 18 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنها بالتعليم أو الممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها، سواء أكان ذلك سرا أو مع جماعة.أكما تنص المادة 19 منه على أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق آراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، ودون تقيد بالحدود الجغرافية”.و بناء على ذلك فيمكن لأي متضرر من هذا القانون أن يطعن بعدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية العليا في حال صدوره لمخالفته للدستور و للمواثيق الدولية لحقوق الانسان التي وقعت عليها مصر فصارت في قوة الدستور.أما الإشكاليات السياسية التي يثيرها القانون فهي كثيرة فمنها أن كل المعارضين للقانون سينظرون له على أنه تكميم للأفواه لمصلحة الحكومة مما سيعني معارضة شديدة للقانون على أرض الواقع عبر كسر الدعاة و العلماء الذين يستهدفهم القانون للحظر الذي تريد الحكومة فرضه, فهذا القانون في حال السعي لتطبيقه سيصطدم بواقع مستقر على نطاق واسع جدا واقع إجتماعي و سياسي و ديني, ففئات إجتماعية واسعة ترتبط بمئات الدعاة و العلماء من غير الأزهريين و تتواصل معهم عبر الإنترنت و الفضائيات و شرائط الكاسيت بعدما أغلقت أجهزة الأمن المساجد في وجوههم بدعوى عدم الحصول على تصريح وزارة الأوقاف, و هذه الفئات تصم آذانها إزاء كل ما هو حكومي في مجال الفتوى و شئون الدين و لن تستسلم لأي حظر حكومي إزاء من يثقون فيهم من الدعاة, فماذا ستفعل الحكومة لو أصدرت القانون؟؟من المرجح أن هذا القانون ستصدره الحكومة و من المرجح أيضا أنها لن تطبقه حرفيا خاصة في البداية بل سينضم إلى ترسانة القوانين سيئة السمعة كقانون الإشتباه و قانون العيب و غيرهما, و تظل الحكومة محتفظة به في غمده مع سائر القوانين القمعية لتشهره من حين لآخر بشكل انتقائي ضد الحالات الأخطر بالنسبة لها من الدعاة المعارضين لها, و من ثم يتحسس بقية الدعاة رقابهم أثناء إصدارهم الفتاوى خشية أن تطالها صولة هذا القانون, فيتم تدجينهم (لا قدر الله) بالتدريج فينحسر بالتالي الواقع الاجتماعي الحالي المرتبط بالدعاة و يضعف فتتمكن الحكومة حينئذ من السيطرة عليه, و هكذا ستلتف الحكومة على فورة حماس المعارضين حاليا للقانون و الذين هدد بعضهم بالإعتصام أمام مجلس الشعب بينما هدد أكثرهم بكسر الحظر الذي سيفرضه هذا القانون و لو أدى بهم ذلك إلى السجن.أما الإشكاليات الفقهية أمام هذا القانون فهي كثيرة جدا و جوهرية, و منها أن الاسلام دين فيه قدر كبير من الحرية الدينية و التسامح مع الخلاف الديني و الفقهي فلم يحدد جهة واحدة تحتكر هي الكلام في الدين و الفقه و تحجر على غيرها ذلك, صحيح أن هناك مقومات و شروط للفتوى و المفتي لكن هذه الشروط و المقومات ليست بالضيق و الحجر الإحتكار الذي تهدف إليه الحكومة من سن هذا القانون.و لابد أولا أن نفرق بين الفتوى و بين مطلق الكلام في الدين أو في الشئون العامة انطلاقا من الدين, فالفتوى هي رأي فقهي في واقعة جديدة ليس لها مثيل في نصوص القرآن أو نصوص السنة, و هذا ما يسمى إجتهادا في الفقه أو في الدين و هو له شروطه و مقوماته العلمية الي ينبغي توافرها في المجتهد أو الفقيه الذي يقوم بعملية الإفتاء هذه و سنأتي لتفصيل ذلك فيما بعد.أما لو أن للواقعة مثيل في القرآن أو في الحديث فإن المتكلم أو المبلغ لحكم الدين فيها لا يعتبر مفتيا لأنه مجرد ناقل لآية قرآنية أو حديث نبوي, و هذا ليس له شروط ذات بال لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال “بلغوا عني و لو آية” و قال صلى الله عليه و آله و سلم أيضا: “نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا ، سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ”, فتبليغ شئون الدين الثابتة في الكتاب و السنة لا شروط لها إلا جودة الذاكرة أي القدرة على الحفظ فقط, فهل يحتاج أحد لتصريح ليعمل بهذين الحديثين اللذين يأمران بتبليغ تعاليم الاسلام؟؟و كذلك الكلام في الشئون العامة كأزمة غزة و فلسطين أو حقوق الإنسان و الحريات وغيرها من القضايا العامة السياسية, و كذلك القضايا الاقتصادية كأزمة إحتكار رجال الأعمال للعديد من السلع, أو القضايا الثقافية كهبوط مستوى العديد من الأعمال الفنية و إسفافها أو تدني مستوى التعليم و غير ذلك من القضايا العامة لا يمكن القول أن على من يتعرض للكلام بشأنها من منطلق ديني لابد أن يكون مستجمعا شروط المفتي و حاصلا على إجازة الإفتاء أو تصريح وزارة الأوقاف الذي هو تصريح مباحث أمن الدولة, فهذا شئ لم يحدث أبدا عبر التاريخ الاسلامي بكل عصوره سواء منها العصور المزدهرة أو العصور المظلمة على حد سواء. وحتى الإفتاء في الأمور التي لم يرد فيها نص من قرآن أو سنة فهذا فيه نوع من النقل أيضا, ذلك أن كتب الفقه القديمة و الحديثة فيها ملايين الفاتوى الجاهزة بشأن العديد من الأمور التي حدثت منذ موت النبي صلى الله عليه و آله و سلم و حتى الآن, و كل الفقهاء مجمعين منذ القدم و حتى الآن (بما في ذلك الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية) على أنه يجوز لكل أحد عنده القدرة على قراءة هذه الفتاوى و نقلها أن يقرأها و ينقلها لمن سأل عن حكم أمر تتعلق به هذه الفتوى الموجودة في كتاب, و لا يشترط في هذا الذي ينقل أن يكون مفتيا مستجمعا شروط المفتي و لا مقومات المجتهد.و بذا تنحصر الفتيا التي تستلزم شخصا ذا سمات معينة و شروط محددة في مجالات ضيقة, و لا تستلزم إصدار قانون قمعي بوليسي لحصرها, ليس فقط لأنها مجالات محدودة و لكن أيضا لأن الحكام في العالم الاسلامي منذ عصر الخلفاء الراشدين و مرورا بعصور الأمويين و العباسيين و المماليك و العثمانيين و الطوائف و الأيوبيين و جميع الملوك و الأمراء و الحكام الذين حكموا العالم الإسلامي على مر العصور لم يجرؤ أحد منهم على العصف بحرية التعبير الفقهي و الديني عبر آلية محكمة مثل هذا القانون المزمع إصداره.و لابد أن نلاحظ أن التسامح مع التنوع و الحرية الفقهية التي تمثل الفتوى أبرز صورها لا تعني الفوضى, و إصدار الفتوى من قبل كل من هب و دب, و لكن الضابط الذي حدده أكثر الفقهاء لضبط إيقاع الفتوى هو ضابط الرأي العام …. الرأي العام لدى الفقهاء الذين يلفظون بأرائهم كل من أفتى بغير علم أو كثر خطأه أو غفلته و سوء تقديره للأمور….. و الرأي العام للمجتمع ككل الذي يترقب رأى الفقهاء العام و يتلقفه ليتمكن من تمييز الطيب من الخبيث من بين المتكلمين في الفقه و الدين.أما الآلية التي يريد أن يحددها القانون المزمع إصداره فهي آلية لا تتفق مع جوهر و و مقصد الفقهاء من إطلاق حرية التعبير و البحث الفقهي, لأن الفقهاء عندما ذكروا ضابط الرأي العام ذكروا أن هناك طريق آخر لتحديد الفقيه الذي تتوفر فيه شروط الإفتاء و هو طريق إمتحان المفتي و إجازته من قبل العلماء الأقدم منه, و لكنهم مع ذلك حددوا طريق الرأي العام بين مجتمع العلماء كطريق أخر, فلو قال أنصار القانون المزمع أن العصر تقدم و لابد من الإمتحان و الإجازة فيقال لهم لقد كان الإمتحان و الإجازة موجودان في الماضي و مع ذلك أباح الفقهاء ظهور المفتي عبر قبول الرأي العام لمجتمع العلماء له و ذلك حفاظا على حرية البحث الفقهي و حرية التعبير عن الرأي الفقهي لئلا يصبح الفقه فقه حاكم أو صاحب سطوة. صحيح أن بعض الفقهاء الأحناف قد نصوا قديما على جواز منع إفتاء من أسموه بالفقيه الماجن أي الذي يفتي بغير علم, و لكن هذا رأي فريق محدود أولا, و ثانيا ما هي الضمانات التي تكفل سلامة التطبيق في ظل الإتجاه القمعي البوليسي الذي يسير وفقه نظامنا الحاكم و الكثير من النظم الحاكمة في العالم الاسلامي و التي تريد عبره مصادرة الدين و احتكاره لصالحها و تكميم أفواه كل معارضيها بدعاوى متعددة.ثم إذا حجر نظامنا الحاكم على الفقيه الماجن فمن يحجر على مجون نظامنا الحاكم الذي ولى نفسه هذا الحكم بالقمع و التزوير؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في العدد الأسبوعي من جريدة الدستور بالقاهرة 18 فبراير 2009 .

صواريخ المقاومة في غزة .. صورة أرشيفية

في غزة .. الأرقام تدحض حديث المرجفين

مازال المرجفون يهونون من إنجازات المقاومة الفلسطينية المحاصرة بشكل كامل منذ ثلاث سنوات و يطعنون في حقيقة النصر الكبير الذي حققته بقدر الله تعالى و فضله و إلى أعداء و أحباب المقاومة الفلسطينية على حد سواء نقرأ معا الأرقام التالية فالأرقام كما يقال لا تكذب:

أعلنت كتائب القسام (و هي الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) أنها تمكنت من إطلاق 980 صاروخاً وقذيفة، خلال الحرب، منها: 345 صاروخ قسام و 213 صاروخ جراد، و 422 قذيفة هاون.

و تصدت كتائب القسام للدبابات والآليات الصهيونية التي توغلت بـ 98 قذيفة وصاروخاً مضاداً للآليات، وتم استخدم بعض الصواريخ المضادة للدروع لأول مرة في قطاع غزة.كما فجرت كتائب القسام 79 عبوة ناسفة في الجنود الصهاينة والآليات المتوغلة.

ونفذت القسام 53 عملية قنص لجنود، وتم توثيق العديد من هذه العمليات وشوهد الجنود الصهاينة وهم يتساقطون أمام كل العالم.

و تم تنفيذ 12 كمينا محكما في مناطق التوغل، تم فيها مهاجمة جنود الاحتلال وقواتهم الخاصة، إضافة إلى 19 اشتباك مسلح مباشر مع قوات العدو وجها لوجه.و أيضا تم تنفيذ عملية استشهادية تفجيرية واحدة ضد قوات العدو.كما دمرت كتائب القسام بشكل كلي أو جزئي 47 دبابة وجرّافة وناقلة جند متوغلة في غزة.

و أيضا تمكنت كتائب القسام من إصابة أربع طائرات مروحية وطائرة استطلاع واحدة”.

و من ناحية أخرى قالت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى و هي الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنها تمكنت من استهداف الاحتلال الصهيوني خلال فترة العدوان بحوالي 174 صاروخًا، بالإضافة إلى 62 قذيفة هاون , و خاض مقاتلو كتائب الشهيد أبو علي مصطفى 11 مواجهة مسلحة مع جنود الاحتلال الصهيوني، بالإضافة إلى نجاح عناصرها في تفجير سيارة مفخخة بالتعاون مع كتائب شهداء الأقصى.

كما أن كتائب أبو على مصطفى شنوا 35 عملية استهداف لجنود وآليات الاحتلال من دبابات وجرافات بصواريخ وعبوات ناسفة وقذائف بي7 وبي 27 و آر بي جي.

و في نفس السياق ذكرت سرايا القدس الجناح العسكري لتنظيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني أنها نجحت في إطلاق 235صاروخ من طراز “قدس” وقذيفة “هاون” باتجاه المواقع والتجمعات والمغتصبات الصهيونية.

وقد أطلقت سرايا القدس 77 قذيفة “هاون” استهدفت موقع ميجن العسكري وكوسوفيم وتجمعات للآليات في شمال ووسط وشرق وجنوب القطاع، حيث أدت لإصابة عدد من الجنود الصهاينة.

و نجح مقاتلو السرايا في إطلاق 27 قذيفة (أر بي جي)، وتفجير 35 عبوة ناسفة بآليات وناقلات الاحتلال، وقواته الخاصة، وقنص سبعة جنود وخوض اشتباكات عنيفة في عدة محاور، مما نجم عنه مقتل 18 جنديًا وإصابة 56 آخرين.

الفتنة الطائفية فى مصر - صورة أرشيفية

مصر و الفتنة الطائفية .. إلى أين؟

تصاعدت حدة التوتر الطائفي في مصر في الأونة الأخيرة بين المسلمين و الأقباط، فلا يكاد يمر أسبوع في مصر الا و يحدث فتنة طائفية ما في قرية أو مدينة ما من قرى او مدن مصر، و يسهل على أي مراقب أن يتابع التوترات الطائفية بشكل يكاد يكون يومي عبر وسائل الاعلام المتعددة التي باتت تتناول هذا الشأن بصراحة كبيرة.

و تعتبر المعارك الكلامية من أخطر هذه التوترات، اذ أصبحت القضايا الطائفية يجري طرحها بصراحة و حدة كبيرة فخرج المشهد عن الصياغات الدبلوماسية و تعبيرات المجاملة التى كانت سائدة في الماضي إلى المطالب الطائفية الصريحة من قبل المسيحيين، و الاتهامات الطائفية الخطيرة جدا من جانب المسلمين.

فنجد من الأقباط من يعلن صراحة رفض تطبيق الشريعة و رفض النشاط السياسي للاخوان و يبرر تكتل الطائفة القبطية وراء زعامة بطريرك الأقباط شنودة الثالث بسبب شعار “الاسلام هو الحل” و بسبب نشاط الاخوان المسلمين السياسي و دخولهم مجلس الشعب.

و نجد من المسلمين من يهاجم الأقباط و يتهمهم بالسعي لحكم مصر عنوة كما يتهمهم بالتدريب على السلاح و تخزينه ليوم حرب أهلية طائفية منتظرة بسبب رغبة الأقباط في اطلاق شرارتها بمساندة الولايات المتحدة و الغرب.

و تعتبرشبكة الانترنت ميدانا هاما من ميادين التوتر و الصراع الطائفي المتأجج بين المصريين من مسلمين و أقباط ليس فقط على المدونات و موقع الفيس بوك و المنتديات و البالتوك والمجموعات البريدية و لكن أيضا في مجال التعليق على الكتابات المختلفة في سائر المواقع الالكترونية لسائر وسائل الاعلام.

و تأتي خطورة هذه المعارك الكلامية من أن أطرافا ليبرالية ذات شأن لم تكن محسوبة في يوم من الأيام على الحركة الاسلامية باتت تنتقد زعامة الأقباط و ممارستهم السياسية، و من أبرز هذه الأطراف في الأونة الأخيرة طارق البشري و فهمي هويدي و مصطفى بكري و ابراهيم عيسى، و كان الأخير قد دعا شنودة الثالث لفتح باب الكنيسة ليخرج منها الأقباط إلى الوطن بدل من ان يخرجوا من الوطن ليدخلوا الكنيسة.

و قد أصابت انتقادات هذه الرموز الفكرية و السياسية الليبرالية الأقباط بتوتر شديد جدا لأن الليبرالين مازالوا ورقة التوت التي يخفي بها كثير من الأقباط مطالبهم الطائفية.