التاريخ الاسلامي

مصادر ومراجع التاريخ الإسلامي .. تفاصيل دقيقة

كتب أحد الباحثين البوست التالي:

“سؤال للمختصين والمهتمين:

ما هي أفضل الكتب أو الموسوعات التي تناولت تاريخ الدول الإسلامية منذ الأمويين وحتى الدولة العثمانية.

لا اسأل عن كتب دعائية أو إيديولوجية وإنما كتابات موضوعية لباحثين ومؤرخين مشهود لهم بالكفاءة والأمانة”.

وقد علقت عليه بالتعليق التالي:

الأميز في التاريخ الاسلامي هو ما كتبه الدكاترة سعيد عبد الفتاح عاشور وسيدة اسماعيل الكاشف ومحمد عبد الله عنان..

سعيد عاشور متخصص في تاريخ العصور الوسطى وله كتاب (الحركة الصليبية على المشرق) جزءان طبع مكتبة الانجلو المصرية وموجود على الانترنت PDF، وله أبحاث وكتب أخرى عن الحملات الصليبية والأيوبيين والمماليك ومتاحة على الانترنت، و د.سيدة الكاشف لها العديد من الكتب والأبحاث المميزة في التارخ الإسلامي، وعنان له تاريخ الأندلس 7 اجزاء وغيره.. وكل هذه الكتب متاحة مجانا على الانترنت.

وبالنسبة للدولة العثمانية فكثير أيضا ولكن من الأميز كتاب د.عبد العزيز محمد الشناوي (الدولة العثمانية دولة اسلامية مفترى عليها) 4 أجزاء طبع مكتبة الانجلو المصرية وموجود PDF مجانا على الإنترنت.

وطبعا نجد الأعمال الكاملة للدكتور عبد العزيز الدوري حول التاريخ الإسلامي وهو أكثر من عشرة كتب، طبع مركز دراسات الوحدة العربية، ومتاحة على الانترنت، وكتب د. سهيل طقوش هي موسوعية ومفيدة أيضا حول التاريخ الاسلامي.

 ومن المميزين أيضا في التاريخ الإسلامي جدا جدا د. عماد الدين خليل و د.محمد بركات البيلي.

هذا كله بشأن المراجع الموضوعية أما مصادر التاريخ الإسلامي فهي تؤرخ بنظام الحوليات السنوية، وأهمها وأبرزها وأولها “تاريخ الطبري” فهو اول ما تم تدوينه لكنه حوليات، وبالسند، ففيه ضعيف وصحيح، ولكن قام أحد المحققين المعاصرين بتحقيق أسانيده، وطبعته دار ابن كثير بدمشق (2007) {أظن 13 مجلد}.

 وهو متاح على الانترنت وعلى موقع المكتبة الشاملة الرسمي باسم (صحيح وضعيف تاريخ الطبري)، وموجود أيضا على موقع المكتبة الوقفية، ويليه في تاريخ التدوين ولكنه بنفس الأهمية كل من “تاريخ دمشق” لابن عساكر و”تاريخ بغداد” للخطيب البغدادي، وإشكالية التحقيق ممكن تخطيها عبر الاعتماد على كتب الامام الذهبي، لأنه عالم تاريخ وحديث محقق ناقد، وأبرز كتبه في التاريخ وأجمعها (رغم كثرتها) كتاب “تاريخ الاسلام” وكتاب “سير أعلام النبلاء”، ويليه ابن كثير بكتابه (البداية والنهاية)، لأن ابن كثير مؤرخ ومحقق ناقد أيضا، ثم ابن حجر العسقلاني فله عدة كتب في التاريخ أيضا بعضها مكمل لبعض كتب الذهبي، وابن حجر مؤرخ وعالم حديث ناقد ومحقق.

وللدكتور أكرم ضياء العمري كتاب (عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين) (الرياض 2009) لكنه متشدد في تصحيح وتضعيف الروايات.

وكل الكتب التي ذكرتها هذه هنا هي متاحة مجانا على الانترنت.

القدس

من وراء الهجمة التى يقودها يوسف زيدان ضد صلاح الدين الأيوبى

كتب- عبد المنعم منيب

هناك الآن هجمة على صلاح الدين الأيوبى يشنها كل ديوث أحمق بمصر فهو ديوث لأنه يجامل بها أعداء الإسلام وهو أحمق لأنه يخوض معركة خاسرة ستكبده خسائر كبرى بالدنيا وبالآخرة.

هذه حملة أشعل شرارتها الأولى أحقر ديوث بمصر ( يوسف. ز ) فإذا أردتم أن تعرفوا من وراء هذه الحملة فتذكروا من هم أعداء صلاح الدين الأيوبى رحمه الله.. إنهم الصليبيون الذين هزمهم وطردهم من القدس وغيرها وأسس لتحرير المشرق العربى منهم نهائيا، وأيضا أعداؤه الشيعة  خاصة الاسماعيلية الذين قضى صلاح الدين على إمبراطوريتهم بمصر والشام والحجاز واليمن و ملحقاتها. 
 فانظروا إلى أى الفريقين ينتمى المشاركون فى هذه الحملة ضد صلاح الدين الأيوبى اليوم.

من التاريخ

متى تنتزع حركة”ما” قيادة الأمة العربية ومتى يزيحها التاريخ للصفوف الخلفية؟

كتب- عبد المنعم منيب

هناك تعميمات أشبه بقوانين التاريخ الحتمية يغفل عنها كتاب وباحثون بل ومحللون سياسيون كثر في عالمنا العربي والإسلامي بسبب عدم اعتنائهم بدراسة التاريخ جيًدا والتأمل في تفاصيل أحداثه ومجمل اتجاهاتها، وخاصةً في التاريخ الإسلامي.

ومن هذه التعميمات المغفول عنها أن أي تيار أو توجه نشأ بالحركة الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية في التاريخ الإسلامي لم يزل من الواقع منذ نشأته وحتى الآن زوالًا عضويًا تامًا، وحتى عند أفول أي توجه أو تيار فهذا الأفول هو في حقيقته أفول إزدهاره وهيمنته وليس معناه زواله عضويًا من الواقع بالكلية، ولنتذكر معًا أغلب الحركات الفكرية والاجتماعية والسياسية في تاريخنا الإسلامي..

حركات في التاريخ الإسلامي

-الخوارج بعصر الفتنة الكبرى زمن أمير المؤمنين علي بن أبى طالب، ويستمر وجودهم حتى الآن.

-تيار الملكية في النظام السياسي منذ نشأته مع الدولة الأموية وما بعدها من ممالك إسلامية وهو مستمر حتى الآن كما يجد أسسه الفكرية في الجامية حاليًا.

-تيار التشيع لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفرقه المختلفة، بدأ منذ عهد أمير المؤمنين علي ومستمر حتى الآن.

-ومن فرق التشيع فرقة الشيعة الإسماعيلية مؤسسي الدولة الفاطمية ومنهم القرامطة وغيرهم ورغم محاربة صلاح الدين الأيوبي (ومن قبله وبعده من سلاطين المسلمين) ضدهم ومن ثم هزيمتهم إلا أنهم مازالوا موجودين حتى الآن ولهم كياناتهم ونشاطهم وتأثيرهم وإقتصادهم وإن انقسموا لعدة فرق.

-ونجد المعتزلة والأشاعرة والمرجئة والصوفية ونحوهم بكل تفريعاتهم وكلهم يوجد لهم امتدادات فكرية ونظامية مستمرة حتى الآن.

– الزنادقة ونحوهم من حركات مارقة كالخرمية والبابكية ودعاة وحدة الوجود وحاملي أفكار ثورة الزنج ونحو هذا فلا شك أن لهم امتدادات لأفكارهم حتى الآن وإن تلونت بألوانٍ حركيةٍ واجتماعية أخرى، وساقت شعارات تبدو جديدة في صياغتها ولكنها تعبر عن جوهر نفس هذه الحركات التي يظن الكثيرون دروسها وزوال وجودها.
وهكذا.. حتى فى عصرنا الحديث بل فى آخر مائة سنة نشأت جماعاتٌ وحركاتٌ وتيارات فكرية وسياسية واجتماعية في عالمنا العربي والإسلامي ولكن كلما انتهى عصر إزدهار أي منها فسرعان ما تتوارى قليلًا وتجلس فى الصفوف الأخيرة بواقعنا دون أن يزول وجودها العضوي من الواقع، فهي تفسح الصفوف الأولى للقوى الصاعدة، سواء كان صعودها حقيقيًا بتحقيق نجاحاتٍ حقيقية أو كان صعودها لا سبب له إلا تعلق الجماهير بأماني وآمال يحلمون بتحقيقها على يد هذا الصاعد الجديد.

آمال وأحلام الجماهير العربية والإسلامية

فالكل يأخذ دوره لينجز آمال وأحلام الجماهير العربية والإسلامية بشكلٍ أو آخر سواء كان صادقًا أو دجالًا سواء كان ذكيًا أو أخرقًا ثم تكشف الأيام حقيقته فإما ينجز فيطول بقاؤه بالصف الأول، وإما تنكشف حقيقة عجزه عن الإنجاز وعجزه عن تقديم مخرجات تتناسب مع أحلام الجماهير وآمالها وحينئذ تدهسه عجلة التاريخ وتدفعه حركة الأحداث إلى الصفوف الخلفية، ربما ينزوي ويراقب في صمتٍ وربما يظل متربصًا فرصةً قد تلوح في المستقبل ولكن منطق التاريخ (الذي هو سنة الخالق جل وعلا) تأبى أن يعاندها فاشل، فمن رسب في الإمتحان فأنى له أن يفلح فى تقديم الاستجابة الصحيحة للتحدي في أي امتحان تالي مادام مستمرًا على حاله الذي تسبب في إخفاقه في الإمتحان من قبل، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال آية 53]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد من الآية: 11]، كما قال عزو جل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران 165] ، وقال الله تعالى أيضًا: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}  [آل عمران من الآية: 140].

رفسنجاني و الثورة الايرانية

المحطات المهمة فى حياة رفسنجانى حارس الثورة الإيرانية وصانع الملوك

كتب- عبد المنعم منيب


رحل على أكبر هاشمى رفسنجانى عن عمر يناهز الـ 83 عاما بعدما صنع وقاد معظم الانعطافات الكبرى فى دولة الثورة الإيرانية منذ نجاح الثورة عام 1979 وحتى وفاته منذ أيام، بدءا من إقناعه الخمينى بإلغاء تحريمه تأسيس حزب مرورا بوقف الحرب مع العراق والتعاون مع الشيطان الأكبر “الولايات المتحدة” وروسيا والصين وصولا لتعيينه خامنيئ خليفة للخمينى بدون الانتخابات التى ينص عليها الدستور.

الذراع اليُمنى للخمينى

كان رفسنجانى أحد أذرع الخمينى المهمة (إن لم يكن الأهم) داخل إيران بعد نفي الخمينى للخارج، حتى يمكن القول بأنه صار دينامو الثورة منذ منتصف السبعينات، وعندما نجحت الثورة عام 1979 ضد شاه إيران وعاد الخمينى إلى إيران اتخذ رفسنجانى مقرا له ولزملائه الموالين للخمينى بالقرب من منزل الخمينى، وذلك بهدف حماية الخميني من ناحية وتسهيل التواصل معه حول قرارات الدولة والثورة من ناحية أخرى، ورغم أن رفسنجانى شهد رفض الخمينى طوال السنوات السابقة لإنشاء أى حزب أو تنظيم سياسى إلا أنه دخل على الخمينى فزعا وقال له “مش عارفين نمسك البلد لازم ننشئ منظمة”، فرد عليه الخمينى متجهما وقال له: اذهب واعمل حزب”، بحسب رواية رفسنجانى فى مذكراته الشخصية الصادرة فى 2005، وأسس ساعتها رفسنجانى حزبا يمثل خط الامام الخمينى قاد به الصراعات التى انتهت بالتمكين للخمينى ورجاله من الحكم المطلق فى إيران، ولا نعلم ما إذا كانت هذه هى أول مرة يدفع فيها رفسنجانى “إمامه الخمينى” لتغيير رأيه أم لا؟ ولكننا نعلم أنها لم تكن المرة الأخيرة.

فى عام 1988 عندما كان رفسنجانى يتولى رئاسة البرلمان الإيرانى ويتولى قيادة الجيش بأمر من الخمينى، خشى رفسنجانى أن يموت الخمينى دون إيقاف الحرب مع العراق فلا يمكن لأى خليفة له أن يوقفها، لأن الإمام مات وهو مصمم على استمرارها بحسب عقيدتهم وقتها، فتوجه للخمينى وأقنعه أن استمرار الحرب هو فى غير مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأنه ينبغى إيقافها على الفور، ووقتها ظهر صوت الخمينى واهنا عبر إذاعة طهران ليقول: “كان أهون على أن أتجرع السم بدلا من أن أوقف الحرب مع العراق ولكن إيثارا لمصلحة الجمهورية الإسلامية فقد قررت إيقافها” وبعد هذا الحدث بقليل مات الخمينى.

صانع الملوك

بموت الخمينى دخلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى إشكالية من يخلف الإمام كمرشد أعلى للدولة، يقود الدولة بصلاحيات واسعة مدى حياته خلفا للخمينى وفقا للدستور الذى باركه وسار عليه الخمينى أصلا، وقبل أن تطبق إيران الآلية الدستورية التى تقضى بانتخاب المرشد الأعلى التالى للخمينى، برز هاشمى رفسنجانى الذراع اليمنى للخمينى ليعلن أن الخمينى أسر له بأن “على خامنيئ هو أولى شخص بتولى منصب المرشد الأعلى كخليفة له”، وأذعن الجميع لرواية رفسنجانى، وأصبح على خامنيئ المرشد الأعلى للدولة خلفا للخمينى بدون أن ينتخبه أحد، ليكتسب رفسنجانى لقبا جديدا هو لقب “صانع الملوك”.

صفقة مع الشيطان الأكبر بعهد ريجان

وفى حين تولى خامنئي منصب المرشد فاز رفسنجانى فى الإنتخابات، ليتولى منصب رئيس الجمهورية خلفا لخامنئي، واستمر “صانع الملوك” فى رئاسة الجمهورية لمدتين متتاليتين ليرسخ اتجاهات جديدة فى سياسة إيران الداخلية والخارجية، ففى السياسة الخارجية واصل رفسنجانى توطيد تعاون إيران مع كل من روسيا والصين منافستا الولايات المتحدة، ليعيد بناء الجيش ويسلحه بعد حرب الثمانى سنوات مع العراق، والتى عانى ايران فيها من حصار عالمى يمنع تسليح إيران، ولم يكن تعاونه مع كل من “الاتحاد السوفيتى/روسيا” والصين فى التسلح وفى صناعة السلاح سهلا، إذ كانت الثورة الإيرانية تعتبر الاتحاد السوفيتى والصين مثلهما مثل الولايات المتحدة مجرد شياطين، ولا يجوز التعامل معهم، ومن هنا كافح رفسنجانى منذ قيادته للبرلمان والجيش الإيرانى فى حياة الخمينى من أجل توجيه الدولة الإيرانية للتعامل مع الصين والاتحاد السوفيتى، خاصة بعدما توقفت الولايات المتحدة عن مسايرة رفسنجانى طويلا بعد فضيحة “إيران- كونترا” التى كشفت حصول رفسنجانى على سلاح أمريكى، وذلك ضمن صفقة سرية شاركت فيها “CIA” وتاجر سلاح إسرائيلى بعهد الرئيس الأمريكى ريجان، وكان هذا مقابل الافراج عن رهائن أمريكيين، رغم أن الاسم الرسمى لأمريكا وقتها فى إيران كان هو الشيطان الأكبر بحسب شعارات الخمينى والثورة الإيرانية.

تقارب مع السعودية وانتقد سب الصحابة

وفى مجال السياسة الخارجية أيضا، سعى رفسنجانى للتقارب مع السعودية وتحسين علاقاته بدول الجوار السنية، دون أن يخل بالتزامات الثورة الإيرانية تجاه المنظمات الشيعية العراقية واللبنانية واليمنية وغيرها، تلك المنظمات التى ظلت تنمو منذ عهد الخمينى، لنرى حصادها اليوم فى المحور الشيعى الممتد بالمنطقة العربية والعالم اليوم.

وفى السياسة الداخلية، عمل رفسنجانى على تطوير الاقتصاد الإيرانى، ليصبح إقتصادا مختلطا تتسع فيه رقعة القطاع الخاص، ليسير مساندا لإقتصاد الدولة الذى ظل بعد الثورة مهيمنا على أغلب القطاعات، وفى نفس الوقت أسس لصناعات مدنية وعسكرية، ولكن جاءت العسكرية أكثر لاسيما صناعة الصواريخ، كما سعى لتطوير برنامجا نوويا إيرانيا.

وذكر رفسنجانى فى مذكراته أنه دافع عن أهل السنة ذات مرة أيام شاه إيران عندما رد على علامة شيعى ذكر أن يهودى واحد أفضل من كل أهل السنة، فهاجمه رفسنجانى ورد عليه، كما أن رفسنجانى انتقد علنا فى العام الماضى قيام الشيعة بسب الصحابة، والاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)، ودعا الشيعة لعدم استثارة أهل السنة بهذه الممارسات كما دعاهم للسعى لرأب الصدع بين الشيعة والسنة.

وكما ظل رفسنجانى زعيما للاصلاحيين الشيعة فقد ظل فى نفس الوقت قريبا من المحافظين، لذلك وصفه المراقبون بأنه إصلاحى بقلب محافظ، وعند اشتداد الصراع بين الجناحين كان ينفر المحافظون منه لدرجة أنه تم منعه من خوض الانتخابات الرئاسية عام 2013، بدعوى تقدم عمره لكن مساندته لروحانى أدت لفوز الأخير بمنصب رئيس الجمهورية.

ولكن هل فعلا تنقسم نخبة إيران الحاكمة لاصلاحيين ومحافظين؟؟ أم أنه مجرد توزيع أدوار؟؟.. وهذا موضوع آخر يمكنك قراءته هنا على هذا الرابط.

فاسكو دا جاما

هل تعلمون ما معنى كلمة”الاستعمار”؟ وما هو “الرجاء الصالح”؟

هل تعلمون ما معنى كلمة الاستعمار؟؟
الاستعمار هو مصطلح وضعه الاحتلال الغربى الذى احتل العالم الاسلامى منذ بدايات العصر الحديث، فالغرب سوق لأنه ذهب لأرض خراب أو فارغة واستعمرها أو لشعوب همجبة متخلفة فحضرها وثقفها، بينما الحقيقة أنه نهب ثرواتها المادية والبشرية وصنع فئات إجتماعية مغسولة العقل فتتبنى كل عقائد وأفكار الغرب فى الدين والاجتماع والاقتصاد والسياسة و والتربية ..الخ.

وعملاء الاحتلال الغربى من العرب هم من وضعوا المصطلح العربى بينما سار على نهجهم السذج من الكتاب العرب الذين يستخدمون المصطلحات تقليدا للشائع دون النظر فى دلالتها.

مصطلح رأس الرجاء الصالح

وهذا موجود فى اصطلاحات عديدة وخطيرة، فمثلا: مصطلح رأس الرجاء الصالح ، هل تعلمون ما هو الرجاء الصالح ؟ وهو صالح عند من؟؟ الرجاء الصالح هو حصار العالم الاسلامى وتدميره اقتصاديا ثم سياسيا (وهو ما نجح فعلا للأسف) إذ عندما فشلت أقوى قوة عسكرية صليبية فى ذلك الوقت فى العالم هما مملكة البرتغال ومملكة أسبانيا فشلا فى تحطيم قوة المسلمين العظمى فى ذلك الوقت دولة المماليك عبر الهجوم على مصر والشام كما فشلا فى ضربها اقتصاديا فصار رجاؤهم هو تطويق وحصار العالم الاسلامى بحريا وضربه اقتصاديا عبر الوصول لموارد الشرق والهند الضخمة (والتى كانت ممالك اسلامية أيضا) بطريق غير طريق مصر والشام الذي يسيطر عليه المماليك ويحتكرون أرباحه الضخمة، وهذا التطويق أخذ مسارين:

المسار الأول سارت فيه البرتغال

مسار سارت فيه البرتغال وهو: محاولة الوصول عبر الالتفاف حول أفريقيا والاتجاه شرقا وهو طريق كان يعرفه المسلمون ويسلكونه منذ مئات السنين وكان يستلزم المرور من منطقة رأس العواصف أمام جنوب أفريقيا الحالية وهى منطقة كانت تتحطم بها السفن لشدة العواصف بها فلاتمر منها سفينة غير سفن المسلمين لخبرتهم فى كيفية تخطى وتوقى خطر هذه العواصف وحتى القائد البرتغالى فاسكو دا جاما لم يمر منه وتنجح مهمته فى الوصول للشرق الأقصى والهند إلا بعدما استعان بالقائد البحرى المسلم أحمد بن ماجد وعلمه كيف يمر منها وبعدما مر “دا جاما” منها قابل سفينة حجاج هنود فحرقها عن آخرها بمن فيها من المسلمين الهنود المتجهين للحج.

فالرجاء الصالح هو تطويق وحصار وضرب المسلمين وهو صالح عند الكنيسة الكاثولوكية التى كانت ترعى جهود البرتغال وأسبانيا لتطويق وإحتلال العالم الاسلامى.

ولذلك فأنا لا أستخدم مصطلح الاستعمار فى كتاباتى وأستخدم مصطلح الاحتلال، كما لا أستخدم مصطلح رأس الرجاء الصالح هذا أبدا وأعتبره مخالفة شرعية.

المسار الثانى سارت فيه أسبانيا

أما المسار الثانى فسارت فيه أسبانيا وهو بالتوجه غربا للدوران حول الكرة الأرضية للوصول إلى الشرق حيث الهند، وذلك إرتكازا على الخرائط والجغرافيا التى كان ألفها ووضعها علماء المسلمين فى ذلك الوقت، ولكنهم قابلوا القارة الأمريكية الجنوبية فظنوا فى البداية أنها الهند، ونزلوا بها واحتلوها ظنا أنها الهند وظلوا على ظنهم هذا لفترة من الزمن، حتى ان قائد حملة الاكتشاف نفسه مات قبل أن يعرف أن هذه أرض وقارة أخرى غير أرض الهند.

الملك فاروق

كيف كانت مصر عشية 1952 ولماذا أخذ العسكر الحكم وما دور أمريكا في الانقلاب؟ (1)

كانت مصر عشية عام 1952 مهيئة موضوعيا للثورة، فهى محتلة من الامبراطورية البريطانية العجوز التى خرجت من الحرب العالمية الثانية محطمة ومثخنة بالجراح، وكان فساد الملك فاروق قد انتبه له أغلب عقلاء الشعب رغم محاولات الملك المستمرة للتمرد على الاحتلال البريطانى، وكان الشعب قد فقد الثقة فى الأحزاب التقليدية القائمة بما فيها حزب الوفد الذى كان سابقا له شعبية كاسحة وكان يمثل أمل الكثيرين، فأغلب الأحزاب كانت تابعة للمك واستبداده كما كانت فاسدة فى نفسها، أما الوفد فقد انكشف ولاؤه للاحتلال بعد حادثة 2 فبراير 1942 عندما أذل الوفد الملك بحراب الانجليز تلبية لرغبة بريطانيا العظمى، كما انكشف فساد الوفد وولعه بالسلطة بشكل مطرد منذ هذه الحادثة، هذا كله على المستوى السياسى.

حالة مصر الاقتصادية

أما على المستوى الاقتصادى والاجتماعى فقد كان 2% من الملاك يملكون 98% من الأراضى الزراعية بمصر (وكانت الأراضى الزراعية وقتها هى رأس المال الرئيس بالبلد) بينما كان 98% من الملاك يملكون 2% فقط من الأراضى، وكان القطاع المصرفى كله تقريبا مملوكا للأجانب وكذلك أغلب المؤسسات التجارية والصناعية الكبرى كانت مملوكة للأجانب، وكان التعليم حكرا على من يملك المال لأن التعليم لم يكن مجانيا، كما كانت المدارس قليلة ولم يكن هناك سوى جامعة واحدة هى جامعة القاهرة (وقتها كان اسمها جامعة فؤاد الأول) وإن لحقت بها جامعتان أخرتان للتو هما جامعة فاروق الأول (عين شمس حاليا) والاسكندرية.

أحوال الصحة

ولم تكن أحوال الصحة بأحسن حالا فقد كانت المستشفيات نادرة، كما كانت عملية الرعاية الصحية مكلفة ولا تتم إلا لمن يملك مصاريفها وهم نسبة ضئيلة من الشعب.

القوى الدولية بعد الحرب العالمية الثانية

نحن الآن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقد انتهت قدرة القوى العظمى القديمة بريطانيا وفرنسا (فضلا عن ألمانيا وايطاليا) وصعدت قوة الاتحاد السوفيتى قائد الماركسية وقوة الولايات المتحدة كقائدة للقوى الرأسمالية بالعالم، لم تعترف فرنسا وبريطانيا بتخلفهما بعد عن مصاف القوى الأولى بالعالم (سنرى أنهما لم يقنعا بالرجوع للصف التالى لأمريكا إلا بعد إنذار الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى ضدهما ابان العدوان الثلاثى على مصر 1956)، وفى ظل هذا الوضع الدولى الجديد قررت الولايات المتحدة أن تنغمس بنفوذها فى أقاليم العالم المختلفة بما فيها إقليم الشرق الأوسط وبالطيع يأتى على رأس دول هذا الإقليم مصر، فجاءت بعثة من عناصر الـ CIA الى مصر لدراسة الوضع، وكتبت تقريرها.. “شعب مصر مهيأ حاليا لثورة تطيح بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية ولا أحد مهيأ لقيادة مثل هذه الثورة سوى قوتين هما الماركسيون والاخوان المسلمون”.

صراع الولايات المتحدة مع القوى الماركسية 

طبعا الأمر كان خطيرا للولايات المتحدة فهى فى صراع كونى مع الماركسية التى يقودها الاتحاد السوفيتى، وقيام الماركسيين المصريين بالثورة معناه تحول مصر الى النفوذ السوفيتى بما يضعف الاستراتيجية الدولية الأمريكية فى صراعها مع السوفيت، كما أن الاخوان هم متطرفون بحسب التصنيف الأمريكى حينئذ فأمريكا لا تريد عودة الحكم الاسلامى بعد قضاء الغرب على السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

خوف المخابرات الأمريكية من اندلاع ثورة ماركسية أو إسلامية فى مصر

ووضعت المخابرات الأمريكية خطة لتلافى ثورة ماركسية أو إسلامية فى مصر، وتقوم هذه الخطة على “تلميع” الملك فاروق أمام الشعب ودفعه للقيام بثورة يقودها هو ضد الأحزاب وضد أصحاب الأموال وملاك الأراضى مستخدما ضباط جيش شباب، فيلغى الأحزاب ويصادر الأراضى ويوزعها على الفلاحين ويجعل التعليم مجانيا، ويقوم باصلاحات اجتماعية ضد الفقر، ويطرد البريطانيين ويحكم البلاد كملك مستبد بدعوى فساد الأحزاب (ويكون تابعا فى السر للأمريكان طبعا).

وحاول ضباط المخابرات الأمريكية مقابلة الملك لاقناعه بهذه الخطة وإخباره أنه بفعله هذا سيكون قد ضرب واحتوى شعارات الماركسيين والإسلاميين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويكسب تأييد الشعب وذلك كله بظل المساندة الأمريكية، ولكن الملك كان مشغولا دائما بالقمار والنساء فلم يعطهم إلا موعدا بعيدا وعندما حان الموعد كان هذا الموعد فى ملهى ليلى كان يحب الملك السهر فيه دائما وهو ملهى “الأوبرج” بشارع الهرم وكان الموعد بعد نهاية السهرة أى قبيل الفجر بقليل وعندما جلس ضباط الـ CIA مع الملك وبدأوا فى شرح الخطة له فوجئوا بأنه غط فى نوم عميق وعلا صوت شخيره لأنه كان سكران “طينة”، وهنا قرر ضباط الـCIA الاجتماع مع جمال عبد الناصر ورفاقه بعد أن كانوا يماطلونه منذ فترة…

وهذه قصة اخرى سنتابعها معكم فى الحلقة القادمة إن شاء الله.

حسن البنا

حسن البنا في فكر و مواقف الحركات الإسلامية غير الإخوانية

“لولا حسن البنا ما كنتم أمامي الآن” هكذا قال شيخ مشايخ سلفية العصر الحديث محمد ناصر الدين الألباني عندما سأله أحد تلامذته عن رأيه في حسن البنا.

فالإمام حسن البنا لا ينكر فضله أحد من كافة الحركات الإسلامية لذلك فإننا نجد أحد الباحثين السلفيين وهو الشيخ عبد المنعم الشحات يقول عن الشيخ حسن البنا: “الأستاذ “حسن البنا” شخصية حادَّة الذكاء، متوقدة العاطفة، تملك قدرة عالية على التأثير فيمن حوله، بدأ حياته صوفيًّا في الطريقة الحصافية؛ فطوَّر من شأنها من حركة انعزالية رافضة إلى حركة اجتماعية نشطة عن طريق تأسيسه لجمعية “الإخوان الحصافية”، ثم التحق بكلية “دار العلوم” عن طريق مسابقة أهـَّلته للانضمام إليها رغم حداثة سنه، فانتقل من قرية “المحمودية” إلى “القاهرة”، حيث تأثر بالأستاذين: “محمد رشيد رضا” و”محب الدين الخطيب”، وعرفه الجمهور عندما قدمه “محب الدين الخطيب” كاتبًا في “مجلة الفتح”، واتسعت مدارك الأستاذ “البنا”، وبدا وكأنه يعيش حالة من الصراع بين مورثه الصوفي القديم وبين الثقافة السلفية التي وجد نفسه جزءًا منها.

ويضيف عبد المنعم الشحات: تخرج “الأستاذ البنا” وتم نقله إلى “الإسماعيلية” ليبتعد عن أستاذه في “القاهرة”، ولكنه كان قد التقط من الأستاذ “رشيد رضا” قاعدته التي سماها بقاعدة المنار الذهبية: “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه”.

ويرى عبد المنعم الشحات أنها “قاعدة كان الأستاذ “رشيد رضا” يطرحها في محاوراته مع الشيعة كتكتيك لجرِّ عقلاء الشيعة، وما يلبث أن يوضح أن المتفق عليه هو الكتاب والسنة كما وردت في كتب السنة هو تعظيم القرون الثلاثة الخيرية، مما دفع الشيعة إلى رفض دعوته، بل إلى تكفيره كما ذكر ذلك في أكثر من عدد من مجلته “المنار”.”

و يشرح عبد المنعم الشحات موقف البنا من هذه القاعدة فيقول “الأستاذ حسن البنا وجد فيها الملاذ الذي يحل به النزاع الداخلي في نفسه بين السلفية والصوفية، كما أنه وجد به السبيل الذي يحل به الصراع الذي كان على أشده بين السلفية والأشاعرة ممثلة في معظم شيوخ “الأزهر” وفي “الجمعية الشرعية”، ثم استعمله لاحقـًا مع الشيعة أنفسهم وبصورة جادة وفاعلة وقابلة لتجاوز كل نقاط الخلاف مع الشيعة فعلاً، مما دفع الشيعة إلى قبول مبادرته على خلاف مبادرة أستاذه “رشيد رضا”.

وحسب عبد المنعم الشحات “فقد صاغ الأستاذ “البنا” “الأصول العشرين” منطلقـًا من هذه القاعدة كما يدرك ذلك كل من طالعها”.

و اعتبر عبد المنعم الشحات أنه “كان لهذه الروح التجمُّعية أثرٌ لرواج دعوة الأستاذ “البنا”؛ لأنها خرجت في وقت يأس وإحباط، وكان الجميع يريد تجاوز مرحلة الكلام إلى مرحلة العمل. وكان لشخصية “البنا” الآسرة دور كبير في انطلاق العجلة على هذا النحو”.

أما الباحث الجهادي د.طارق الزمر فيضع الإمام حسن البنا كأول وأهم قائد إسلامي لأول مرحلة من مراحل تطور الحركة الإسلامية الحديثة و ذلك في بحثه “الحركة الإسلامية بين الماضي و الحاضر والمستقبل”, كما نجد أن الجماعة الإسلامية المصرية بقيادة كرم زهدي كانت قد اعتمدت دراسة تجربة حسن البنا في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين كأحد التجارب الإسلامية الهامة و كانت كتب تاريخ جماعة الإخوان المسلمين و بعض كتابات حسن البنا مراجع تثقيفية هامة لدى كل من جماعة الجهاد (مجموعة عبود الزمر) و الجماعة الإسلامية و لا شك أن الدارس المتفحص لتجربة الجماعة الإسلامية يلاحظ تأثرها البالغ بتجربة جماعة الإخوان المسلمين خاصة في مجال الممارسة التنظيمية.

و رغم ذلك كله فإن كلا من السلفيين و تنظيم الجهاد و الجماعة الإسلامية قد سلكوا طرقهم في العمل الإسلامي بعيدا عن جماعة الإخوان المسلمين, فلماذا تم ذلك؟

مما لا شك فيه أن هذه الحركات قد خالفت مواقف و أفكار الإخوان المسلمين في العديد من القضايا الإسلامية, و لنبدأ القصة من بدايتها.

نشأت المجموعات السلفية في مصر في أواخر الستينات و أوائل السبعينات متأثرة بالخط السلفي الذي كانت تدعو له و ترسخه جماعة أنصار السنة المحمدية أثناء غياب الإخوان المسلمين في سجون عبد الناصر, و من ثم تمايز منهجهم الفكري و الشرعي عن منهج الإخوان المسلمين كما لم يكن للإخوان المسلمين فضل في التزامهم الإسلامي أو توجهاتهم الفكرية و السياسية الأمر الذي حرر السلفيين من أي نفوذ فكري أو روحي للإخوان المسلمين عليهم عندما خرج الأخيرون من السجن فوجدوا المساجد و الجامعات مكتظة بالشباب السلفي, حاول الإخوان استقطاب الشباب المتدين و الذي كان أغلبه سلفي إلا أنهم فشلوا مع عدد غير قليل من الشباب بسبب التمايز الفكري بين الفكر السلفي و الفكر الإخواني, و عندما نجح الإخوان في استقطاب عدد غير قليل من الشباب المتدين من جامعات مصر فإن المعركة الفكرية بين السلفية و الإخوان قد استعرت نارها, و انطلقت الفتاوى السلفية في توصيف موقفهم من فكر ومنهج جماعة الإخوان المسلمين لنجد فيها على سبيل المثال ما يلي:

“جماعة الإخوان المسلمين تجمع إلى الخير كثيراً من الدَخَن (أي الشر و الخطأ), والبعد عن السنة والتعصب الممقوت والفتاوى الباطلة والتقليد الأعمى والمداهنات السياسية (أي النفاق السياسي) والإقرار بالبدع (أي الخارجة عن الدين)” و يضيف الكاتب فيقول: “ولا أعنى أن كل شخص منهم فيه ذلك ولكن هذا في جملة الجماعة”

لذلك تنصح هذه الفتوى المسلم بأن “يبحث عن أهل السنة وأتباع سلف الأمة فيكون معهم” أي لا ينضم للإخوان المسلمين و إنما ينضم للسلفيين.

و مما ينتقده السلفيون على الإخوان المسلمين ما تسميه الأدبيات السلفية

بإلغاء الإخوان المسلمين عقيدة الولاء والبراء أي البراءة من الكافرين و مصاحبة و حب المسلمين و كذلك تبني الفكر العلماني, لكن مشايخ السلفية يعتبرون أنه لا يجوز أن يقال عن الإخوان المسلمين ككل مثل هذا الكلام وإنما الحق أن يقال صدر كلام باطل عن أفراد كثيرين من دعاتهم وقادتهم لكن لا يعمم هذا الحكم على الجميع.

و يضيفون: والصحيح أنه يعامل كل فرد فيهم بما يستحقه فمن كان على عقيدة فاسدة وبدعة عومل بناء على ذلك ويلزم تعليمه ودعوته إلى الله, ومن أظهر عقيدة أهل السنة ومنهجهم عومل على ذلك.

و لذلك يقر السلفيون أن في داخل جماعة الإخوان المسلمين تيارا سلفيا مهما و يذكرون من هذا التيار الدكتور الأشقر والدكتور مصطفى حلمي والدكتور عبد الكريم زيدان.

و مما انتقده السلفيون على الإخوان المسلمين أيضا ما يعتبرونه أنه ميل لدى الإخوان المسلمين لما يسمونه بتمييع القضايا مع أهل البدع كالشيعة والصوفية وغيرهم، ولا يهتمون بقضايا العقيدة الإسلامية والالتزام التام بسنة النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم. كما انتقد السلفيون طريقة الإخوان المسلمين في تربية أعضاء الجماعة لأنها تعتمد على طريقة الطرق الصوفية رغم ابتداع الأخيرة، كما رأى السلفيون أن من عيوب الإخوان المسلمين أنهم يتوسعون كل مسائل الخلاف الفقهي حتى غير السائغ منه ليجوزا أراء ساقطة في الفقه الإسلامي على أنها أراء معتبرة، فضلا عن أنهم يشغلون أتباعهم بالانتخابات والمظاهرات وغيرها على حساب العلم والتعلم والتدين، و من هنا يمكن فهم أن السلفيين يعتبرون الإخوان المسلمين جماعة متساهلة عقائديا.

كما انتقد السلفيون قضية البيعة عند الإخوان المسلمين و قالوا هذا أمر حصل فيه نوع من الخلل في الفهم لأن البيعة التي رآها بعض العلماء جائزة على الطاعات أو مشروعة، ظنها الناس أنها بالمعنى السياسي، وتحولت على يد الإخوان من بيعة تشبه البيعة الصوفية إلى البيعة السياسية، وأصبح المرشد بمنزلة الإمام والحاكم على أفراد الجماعة.

و انطلاقا من ذلك كله فقد أفتى العديد من علماء السلفيين بأن الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين على ما هي عليه لا يجوز لأنه يعني السكوت على ما أسموه بـ”كثير من المنكرات”.

و إذا كان هذا هو الموقف السلفي الذي دعا أصحابه لعدم الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين رغم تقديرهم البالغ للشيخ حسن البنا رحمه الله, فإن موقف الجهاديين من الإخوان المسلمين له قصة أخرى بدأت عندما تأسست أولى خلايا الجهاد في مصر عام 1966 وقتما كان الإخوان المسلمين في السجن و غداة إعدام سيد قطب, و رأى الجهاديون وقتها أن خطأ الإخوان الأكبر كان في ما اعتبروه ليونة في التعامل مع نظام الحكم إذ لم يكن الجهاديون يؤمنون بغير الانقلاب المسلح كمنهج وحيد للتغيير السياسي و الاجتماعي, و لم يقتصر موقف الجهاديين على ذلك بل لقد خطوا خطوة أبعد من هذا في موقفهم من الإخوان المسلمين عندما بادر د.صالح سرية (الزعيم الجهادي البارز) بمحاولة الاتصال بالإخوان المسلمين بعيد خروجهم من السجن في أوائل السبعينات محاولا إقناعهم بفكرته في الانقلاب المسلح و فعلا نجح في مقابلة الأستاذ المرشد حسن الهضيبي (عبر السيدة زينب الغزالي) و قدم له كراسا مدونا به تصوره الجهادي, و قد تسلم الأستاذ حسن الهضيبي الكراس واعدا د. صالح سرية بالرد لكنه لم يرد على سرية و لم يقابله بعد ذلك أبدا, و إن قيل أن الأستاذ المرشد رحمه الله عندما قابل د.صالح سرية قال له إن بيننا و بين السادات عهود و لن نخل بها.

كان صالح سرية يرى أن الإخوان المسلمين لم يكونوا حاسمين و لا حازمين في موقفهم السياسي بشأن الحكم, و كان يضرب مثالا بكل من حزبي البعث في سوريا و العراق و حركة الضباط الأحرار في مصر حيث كانوا جميعا حاسمين في سعيهم للحصول على السلطة والحكم و من ثم أقام كل تنظيم من هذه التنظيمات دولته و نظام حكمه في الدول الثلاث, أما الإخوان المسلمون بحسب رأي د.صالح سرية فقد اتسم سلوكهم إزاء السعي للحصول على الحكم بالتردد, و من هنا كان سعيه لإقناعهم بتبني المنهج الثوري الذي تبنته المجموعات الجهادية التي كانت موجودة وقتها, و عندما فشل في إقناعهم بادر للقيام بتجربته الانقلابية المعروفة, و التي انتهت بالفشل و إعدام صالح سرية نفسه مع أقرب معاونيه.

فشل تنظيم و انقلاب صالح سرية لم يقنع الجهاديين بالتراجع عن منهجهم بل أصروا عليه حتى اليوم, و صاحب ذلك مزيد من النقمة و شدة الانتقاد لجماعة الإخوان المسلمين, ربما سببها إحساسهم بأن عدم مشاركة الإخوان لهم في منهجهم الانقلابي كان سببا في فشلهم الذي دام منذ صالح سرية سنة 1974 و حتى اليوم, و لكن أيضا لابد من ملاحظة أن زيادة تأثر كتاب و مفكري الجهاديين بالمنهج السلفي زادت من تفاصيل النقد الجهادي للإخوان المسلمين فصار النقد الجهادي في جوانبه الشرعية أشبه ما يكون بالنقد السلفي من حيث الاقتراب الإخواني من العلمانية و من حيث المداهنة السياسية و عدم تبني قضية البراءة من غير المسلمين و عدم الترابط معهم و الدخول في البرلمانات التي ترتكز وظيفتها على التشريع المخالف للشريعة الاسلامية, و كذلك تمييع القضايا الشرعية لتوسيع دوائر المباحات بلا مستند شرعي بل و بعكس السند الشرعي (و لقد وصف كثير منهم أبرز مشايخ الإخوان المعاصرين بمفتي الحلال و الحلال و كأنه لا يحرم شيئا) و ذلك كله حسب الرأي الجهادي و هم في ذلك كله متطابقون مع الآراء السلفية في هذا المجال.

أما في المجال السياسي فنجد أن الجهاديين ركزوا على تاريخ و حاضر الإخوان بشأن مواقفهم المهادنة لكل من الملك فاروق و أحزاب الأقلية الموالية للملك كالسعديين و حزب الأحرار الدستوريين و غيرهما فضلا عن حكومات هذه الأحزاب خاصة حكومة النقراشي و كذلك موقفهم من كل هذه القوى بعد مقتل الإمام حسن البنا و تولي المرشد الثاني الأستاذ المستشار حسن الهضيبي بما في ذلك مهادنته لإبراهيم عبد الهادي الذي سام الإخوان سوء العذاب في السجن وتسجيل المرشد الثاني و عدد من قادة الإخوان المسلمين اسمائهم في دفتر التشريفات بالقصر الملكي بل و زيارة المرشد الثاني و مقابلته للملك فاروق, و القارئ لكتابات الجهاديين في هذا المجال يشعر أنه تكرار للنقد الذي وجهه د.رفعت السعيد للإخوان المسلمين بعامة و لحسن البنا بخاصة في كتابه “حسن البنا كيف و متى و لماذا” إلا أنه صيغ صياغة إسلامية بحيث استند النقد على أساس مخالفة هذه الأفعال السياسية للأحكام الشرعية الإسلامية من قبيل عدم المداهنة و عدم الرضا عن الحكم بغير ما أنزل الله و البراءة من الحاكمين بغير الشريعة و مناصبتهم العداء و النضال ضدهم و الصدع بالحق في وجوههم, كما انطلق النقد الجهادي من هذه الوقائع إلى الربط بينها و بين ما يعتبره الجهاديون ليونة و تساهل في مواقف الإخوان المسلمين من الحكومة المصرية و الأحزاب العلمانية و البابا شنودة في الأربعين سنة الأخيرة.

بعض الجهاديين شن حرب النقد هذه ضد الإخوان المسلمين بلا هوادة و بلا التماس لأي عذر مثل د.أيمن الظواهري في كتابته و تصريحاته العديدة, و كذلك د.هاني السباعي المفكر الجهادي المشهور المقيم في لندن, لكن أبرز ما قيل في هذا الصدد على الإطلاق هو كتاب “الحصاد المر..الإخوان المسلمون في ستين عاما” و هو من تأليف د.أيمن الظواهري و صدرت منه طبعتان كانت أولاهما عام 1990, كما أنه موجود و منتشر جدا على شبكة الانترنت حتى على غير المواقع الجهادية و تم تحميله آلاف المرات.

و على عكس د.أيمن الظواهري فإن د.طارق الزمر في تقييمه لدور الإمام حسن البنا يلتمس له الأعذار إذ اعتبر أن الأخطاء التي وقع فيها الإمام الشهيد ترجع إلى أن حسن البنا اضطر للقيام بكل الخطوات و الأعمال التكتيكية و الإستراتيجية معا على حد سواء مما أظهر العديد من مظاهر التناقض في مواقفه رغما عنه.

الشهيد الأستاذ سيد قطب

الرحلة إلى أمريكا من سيد قطب إلى جمال مبارك

لعبت الرحلة إلى الولايات المتحدة دورا مهما في واقعنا المعاصر فهي كانت مصدرا للالهام الاسلامي بعد رحلة سيد قطب و صافيناز كاظم إليها و هي مجال لممارسة الحرية الشخصية في اوسع صورها في رحلة الملكة نازلي إليها و هي نموذج للحرية السياسية في رحلة مصطفى أمين بينما كانت لهيكل و السادات البرزاني وغيرهم قوة سياسية لابد من الاهتمام بها و الاستفادة منها و انتهاءا برحلات جمال ابن الرئيس مبارك و التي كانت آخرها هذا الشهر تمهيدا ربما لرحلة أبيه الرئيس مبارك في الشهر القادم, لكن مصير كل من ارتحل لأمريكا اختلف عن البداية التي بدأ بها فسيد قطب أعدم و نازلي فقدت ابنتها مقتولة و مصطفى أمين سجن بتهمة التجسس لأمريكا و السادات أغتيل و البرزاني مات بالسرطان.

لعنة أمريكا

فهل هذه لعنة أمريكا على كل من ارتحل إليها؟

في هذا التقرير نستعرض الرحلة إلى أمريكا و آثارها المختلفة بالنسبة لعدد من المشاهير.

سيد قطب

أرسلت وزارة المعارف (التعليم حاليا) سيد قطب في بعثة لمدة عشرين شهرا إلى الولايات المتحدة في نهاية أربعينيات القرن الماضي, واختلف الكثيرون حول سبب هذه البعثة فرأى البعض أن البعثة كانت مجرد عطف من وزير المعارف حينذاك اسماعيل القباني على سيد قطب و تقديرا من الوزير لمواهب الرجل بينما رأى شقيقه محمد قطب أن الغرض من البعثة كان إبعاد سيد قطب عن مصر بإعتباره كان يمثل إزعاجا للسراي و الأغنياء المسيطرين على البلاد في ذلك الوقت وكانوا قد سحبوا رخصة مجلته “الفكر الجديد” أولاً، ثم أقفلوا في وجهه كل وسائل النشر.

و يرى آخرون أن أمريكا كانت تعدُّ نفسها لوراثة انجلترا في مستعمرات ما وراء البحار، ولذلك كانت تسعى لتجنيد مجموعة من قادة الفكر و السياسة ليكونوا جنوداً لها يمهدون لاستعمارها, واختاروا سيد قطب ليكون أحد هؤلاء العملاء و رجح كثيرون وجود أهداف خفية في ابتعاث سيد قطب إلى أمريكا و قالوا ان سيد كان واعيا بها, ومما يدل على ذلك ما رواه الأستاذ أحمد عبد المجيد، صاحب كتاب (الإخوان وعبد الناصر) الذي ذكرأ ن سيد قطب حدثه شخصيا، أنه كتب لرجال ثورة يوليو 1952م، مذكرة مطولة، وقدمها لهم، عن موقف المخابرات الإنجليزية والأمريكية معه أثناء رحلته لأمريكا.

و بعد عودة سيد قطب لمصر سجل مشاهداته و آراءه بشأن الولايات المتحدة في كتاب صغير سماه “أمريكا التي رأيت” وكان سيد قطب أمينا عندما سماه بهذا الاسم المحايد, و قد سجل فيه مشاهدات رحلته إلى أمريكا، و عبر هذا الكتاب عن نقلة مهمة في حياة سيد قطب, هذه النقلة سببتها رحلة امريكا، كان إتجاه سيد قطب للفكر الاسلامي قد بدأ قبل سفره لأمريكا، عندما كتب كتاب “العدالة الاجتماعية في الاسلام” الذي كتبه قبل رحلته لأمريكا بشهور قليلة، لكن رحلة أمريكا عمقت فيه الاتجاه و القناعة الاسلامية.

لقد عايش سيد قطب الواقع الإجتماعي الأمريكي، وكانت ملاحظاته شاملة لأشياء كثيرة. ومن تلك الملاحظات والتحليلات انتهى سيد قطب إلى أحكام نقدية متنوعة, و الصق صفة البدائية بالذوق الفني والإنساني لدى عامة الأمريكيين، تلك الصفة التي لا يتردد كثير من الأمريكيين في إلصاقها بالشعوب الأخرى لاسيما الشعوب الإسلامية. لكنه ذكر أن لأمريكا قيمة حقيقية، يمكن أن تنتفع به الشعوب الأخرى قائلاً إن البشرية تملك أن تستفيد كثيراً من إبداع العبقرية الأمريكية في مجالات الصناعة والإنتاج والإدارة، ولكنها تخطئ كثيراً، وتعرِّض قيمها الإنسانية الموروثة للضياع إذا ما جعلت من المثل العليا الأمريكية مثلها العليا في الشعور والسلوك.

هذا هو الإنطباع العام الذي خرج به سيد قطب من أمريكا، وقاده لمزيد من الإيمان بالقيم الإسلامية، وللبحث عن قيادة جديدة للبشرية، أرادها أن تخرج من العالم الاسلامي.و لم يقتصر أثر رحلة سيد قطب إلى أمريكا على هذا بل تطور هذا الأثر ليظهر في كتاباته التي بدأت تخرج من مرحلتيها الأدبية والتقليدية لتكتسي بالمزيد من الثورية مرورا بكتابه “معركة الاسلام و الرأسمالية” و انتهاء بـ “معالم في الطريق” الذي يعتبر التطور الفكري الأخير عنده و الذي ربما أعدم بسببه.

و في “معالم في الطريق” يقول سيد قطب: “إن قيادة الرجل الغربي للبشرية أوشكت على الزوال.. لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديا أو ضعفت من ناحية القوة الإقتصادية والعسكرية.. ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيدا من القيم يسمح له بالقيادة.. لابد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية، عن طريق العبقرية الأوروبية في الإبداع المادي، وتزود البشرية بقيم جديدة جدة كاملة بالقياس إلى ما عرفته البشرية، وبمنهج أصيل إيجابي في الوقت ذاته. والإسلام وحده يملك تلك القيم وهذا المنهج”.

ولا شك أن هذا الكلام كان حصادا من خبرة رحلته الأمريكية.

الملكة نازلي

أما الملكة نازلي فقد كانت الزوجة الثانية للملك فؤاد، و فور موت الملك فؤاد سلكت نازلي سلوكا يتجاوز كل التقاليد الملكية والشعبيية.

وفي أول رحلة مع ابنها إلي أوروبا ألقي عليها أحمد حسنين باشا شباكه ويذكر أحد رجال فاروق في مذكراته: إن قدميه ساقتاه إلي سطح السفينة فإذا به يفاجأ بحسنين ونازلي في حالة استرخاء لا يكون إلا بين العشاق.

لم تدرك الملكة الأم مسئوليتها في حماية العرش وفتحت الباب أمام شهواتها لتنطلق بلا ضوابط ولا قيود.. كانت لا تتردد في القول بأنها عاشقة محرومة وأنها في حاجة إلي الحب.

وعندما ضيق فاروق على شهواتها في مصر سافرت إلي الولايات المتحدة..

وهناك سألها مصطفي أمين: ” متي تعودين إلي القاهرة؟ ” فأجابت:” عندما يعود فاروق إلي عقله “..

ويروي مصطفي امين أنه كان علي رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي السفر إلي نيويورك لعرض مشكلة مصر علي مجلس الأمن وسأله الملك فاروق: ” هل أنت مستعد لهذه المهمة الصعبة؟ فأجاب: ” كل شيء تمام وأنا مستعد لأي مفاجأة ولكن هناك شيئا واحدا غير مستعد له هو وجود والدتك الملكة في أمريكا لإنني أخشي أن تفعل فصلا باردا بينما أعرض قضية مصر هناك “، و عندما تساءل فاروق عما يمكن أن تفعل, قال النقراشي: ” أخشي أن تذهب إلي كباريه وترقص أو تدلي بتصريح أو تقول عبارة لا تتفق مع جلال الموقف الذي نحن فيه “، فطلب منه الملك أن يعيد أمه إلي مصر، ولكن النقراشي عبر عن عدم قدرته على ذلك.

و في سنواتها الأخيرة تركت الملكة نازلي الإسلام واعتنقت الكاثوليكية.. وقد أثرت علي ابنتيها اللتين عاشتا معها في أمريكا (فايزة وفتحية) فتحولتا هما أيضا عن الإسلام.. وفتحية بالذات ماتت مقتولة, قتلها رياض غالي, ثم أطلق الرصاص علي نفسه فانتحر، و رياض غالي هذا كانت سيطرته قد وصلت علي نازلي إلي حد أنها قالت: ” إنها إذا أرادت أن تختار بين صداقتها لرياض غالي وأمومتها لفاروق فإنها ستختار صداقة رياض غالي.”

فهل كانت رحلة ملكة مصر السابقة لأمريكا مجرد وسيلة لمغامراتها الرعناء أم كانت هذه الرحلة سببا لهذه المغامرات؟

مصطفى امين

رفض والد مصطفى أمين أن يدرس مصطفى الصحافة في مصر، فسافر مصطفى إلى الولايات المتحدة لدراسة العلوم السياسية في عام 1935، وظل هناك حتى عام 1938 حيث حصل على الماجستير و طوال سنوات رحلة مصطفى امين الأمريكية لم ينقطع عن الصحافة في مصر، فقد ظل يراسل جريدة “المصري” ومجلة “آخر ساعة”.

و يقول مصطفى امين عن أثر رحلته الأمريكية: كان أكثر ما انبهرت به في أمريكا هو الحرية.. فكرة الحرية.. وكيف يستطيع أي إنسان أن يقول رأيه في كل شيء وأي شيء حتى في رئيس الجمهورية، فإنه يستطيع أن يهاجم رئيس الجمهورية من دون أن يسجن. كنت بالضبط كالذي جاء في بلد يبحث عن نسمة.. نسمة صغيرة من الحرية فإذا بي أعيش في بلد يتنفس الحرية.

و يستمر مصطفى أمين في ذكر أثر رحلته لأمريكا فيقول: لعل أكبر الدروس التي استفدت منها صحفيًا هو أنني تعلمت أن الصحافة المستقلة تنجح أكثر من أية صحافة.. وأن ولاءها الوحيد يجب أن يكون لوجهة النظر المستقلة فقط.

و لكن حرية الصحافة ليست كل ما أخذه مصطفى أمين من رحلته لأمريكا فقد توثقت علاقات مصطفى امين بأمريكيين بعضهم دبلوماسيين و بعضهم غير ذلك، مما تسبب في اتهامه من قبل أجهزة الرئيس جمال عبد الناصر بالتجسس لصالح أمريكا، و صدر الحكم عليه بالسجن المؤبد قضى منه 9 سنوات خلف القضبان من عام 1965 إلى عام 1974عندما أفرج عنه السادات بموجب عفو صحي.

محمد حسنين هيكل

الكاتب الصحفي الشهير محمد حسنين زار الولايات المتحدة في شهر أكتوبر عام 1952 وعاد منها فى أواخر شهر يناير عام 1953 ورغم بعد هذه الأحداث إلا أن هيكل يشعر حتى الآن بالدهشة لتركه القاهرة ومسرح الأحداث فيها في ذلك الوقت، كما يذكر هيكل أن هذه الفترة من أجمل ما حدث له فى حياته وقد دار حول الكرة الأرضية بذهابه إلى أمريكا عن طريق أوروبا وعودته إلى القاهرة عن طريق آسيا.

و يسرد هيكل أحداث زيارته الأولى لأمريكا قائلا: لقد كان شاغلى الأساسى هو الانتخابات الأمريكية، حيث أزيحت الحرب العالمية بكل آثارها، وظهر قائد جديد ليتولى صراع مرحلة الحرب الباردة، ذلك هو “أيزنهاور” وقد اتضح للعالم كله أنه يقبل على قيادة من نوع آخر.

ويشير هيكل إلى المهمة الثانية من زيارته لأمريكا وهى الاتصال مع الولايات المتحدة ومساعدة “على صبري” في مهمته بعد أن رأى وليم فاستر وكيل وزارة الدفاع الأمريكية أنه يمكن هناك عقد صفقة سلاح بين مصر وأمريكا، ويضيف هيكل أن الإطلالة المهمة التى نظر بها من خلال زيارته لأمريكا هى نظرة أمريكا للشرق الأوسط خاصة للإدارة الجديدة، حيث بدا واضحا أن أمريكا تقوم برسم سياسة جديدة للشرق الأوسط، ووضح أن الشرق الأوسط أصبح منطقة مفتوحة وأصبح جبهة الدفاع الأمريكية فى المرحلة المقبلة ضد المد الماركسي.

و في هذه الزيارة قابل هيكل العالم الشهير أينشتاين الذي أخبره بأنه يهودي صهيوني و أرسل عبر هيكل رسالة شفهية إلى قادة ثورة يوليو بالتساؤل عما إذا كانت لديهم الرغبة في السلام مع إسرائيل؟

و إن كانت هذه هي زيارة هيكل الأولى لأمريكا فإنها لم تكن الأخيرة، إذ تردد بعدها كثيرا عليها في العديد من المهمات السياسية أو الصحفية.

صافيناز كاظم

بدأت رحلة صافيناز كاظم الفكرية في الخمسينيات منذ أن تخرجت من كلية الآداب قسم الصحافة بجامعة القاهرة واشتغلت بهذه المهنة ولمع نجمها وذاع صيتها.

وحينما وجدت في نفسها حباً للفن العالمي سافرت إلى أمريكا عام 1960م لتدرس الفن والأدب العالمي وعادت عام 1966م ومعها ماجستير في المسرح، ولكنها بدلاً من أن تنحاز للثقافة الغربية عادت لتتجه للفكر الاسلامي.

تقول صافيناز كاظم: حدث لي تطور فكري ونمو في التزامي بالإسلام.. أنني كنت دائماً مسلمة والإسلام ركن أساسي في البيت الذي نشأت فيه، لكن في بداياتي الأولى ولأن التغريب كان شديداً في الخمسينيات والستينيات فكان لابد أن نطلع على الأدب العالمي، ولم يكن هذا خطأ فكان لابد أن نطلع على الأدب العالمـي فنشتاق إلى تراثنا، وهذا التطور لم يأت فجأة، فرحلتي لأمريكا جعلتني أدرك أن تراثهم وجذورهم هي الفكر الإغريقي والحضارة الإغريقية.

وتضيف صافيناز: عندها قلت لنفسي إنني لم آت من هنا، وتساءلت في نفسي: فمن أين أتيت..؟ وهذا دفعني إلى العودة لقراءة تراثي العربي الإسلامي، وأول ما عرفت كان سيد قطب حيث عرفته في أمريكا فقرأت كتابه: “العدالة الاجتماعية في الإسلام” باللغة الإنجليزية.

و تؤكد صافيناز: كان لابد أن أقرأ أدبيات ديني، وشعرت أنني حينما أعود إلى مصر سأبحث عن ذلك.

مصطفى البرزاني

أما مصطفى البرزاني مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد دخل في صراع مسلح من اجل إقامة دولة مستقلة للأكراد في العراق في بدايات القرن العشرين، وخلال قيادته للحركة الكردية تقلب البارزاني في تحالفاته مع أطراف عديدة لدعم حركاته المسلحة.

وبقيت علاقته بإسرائيل من اكثر العلاقات وأوثقها، و يفسر البعض تحالفات البرزاني بأنه عندما فشل في الإعتماد على الاتحاد السوفيتي السابق فقد فكر في البديل وبحث عن طريق يوصله إلى الولايات المتحدة الأميركية، و اقتنع أن الطريق إلى الولايات المتحدة تمر بإسرائيل، و قام البرزاني بعدة زيارات لإسرائيل كان أولها في العام 1968، و بعدها أصبح باب الولايات المتحدة مفتوحا امامه على مصراعيه.

و انتعشت علاقاته بالولايات المتحدة حتى وقع معها اتفاقية عام 1972 و التي تقوم امريكا بموجبها بمساندة حركته إلا أنه في عام 1975 عقد العراق اتفاقية مع إيران أنهت طهران بموجبها دعمها لحركة البرزاني, و قيل ان كيسنجر نفسه الذي وقع الإتفاقية مع مصطفى البرزاني في 1972 قد ساند عقد اتفاقية ايران مع العراق على حساب الأكراد، مما اعتبره الأكراد خذلانا أمريكيا لهم و للبرزاني شخصيا، وانهارت قوات البرزاني وبدأ من جديد رحلة لجوء إلى أميركا قبل أن يموت في 1 مارس 1979 بامريكا بسبب مرض السرطان.

البابا شنودة الثالث

عرض البابا شنودة الثالث زيارة الكنائس القبطية بالولايات المتحدة الأمريكية، فسمح له السادات بذلك, وطلب السادات من سفير مصر فى واشنطن أن يكون مرافقاً للبابا فى اللقاءات المهمة.

وغطت مجلة الكرازة (و هي مجلة الكنيسة القبطية في مصر) أخبار زيارة البابا إلى واشنطن، وكانت عناوين العدد رقم 17 الصادر بتاريخ 29 أبريل 1977 إستقبال حافل لقداسة البابا فى نيويورك – أول بابا للإسكندرية يزور الولايات المتحدة الأمريكية – الصحف الأمريكية تنشر أخبار الزيارة فى صفحاتها الأولى – قداسة البابا يلتقى بالرئيس كارتر فى البيت الأبيض بواشنطن – الرئيس كارتر يتحدث عن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر . و قد حضر سفير مصر فى واشنطن الدكتور أشرف غربال لقاء بابا الأقباط مع الرئيس الأمريكى كارتر، كما حضر اللقاء الأنبا صمؤيل أسقف الخدمات العامة ومسؤل الكنيسة القبطية عن العلاقات العامة الدولية.

وقال كارتر لشنودة : ” إن الرئيس السادات قال له أنه معجب بالبابا شنودة” …. وقال كارتر أيضا : ” أنه سمع أن عدد الأقباط سبعة ملايين ” وتطابقت وجهه نظر البابا مع ما قاله كارتر من أن عدد الأقباط فعلا 7 مليون وليس 2 مليون وثلث كما سجلت إحصائيات الحكومة.

و منذ زيارة بابا الأقباط الأولى لأمريكا تعددت زيارته لها ما بين زيارات عمل بصفته رئيسا لكل الكنائس القبطية في العالم بما في ذلك أقباط الولايات المتحدة، و ما بين زيارت للعلاج، و قد سببت علاقات البابا بأمريكا جدلا كثيرا بسبب النشاط الواسع و الضاغط لأقباط المهجر في الولايات المتحدة، خاصة ضد النظام الحاكم في مصر و قد تسببت تحركاتهم ومظاهراتهم ضد الرئيس السادات عام 1981م أثناء زيارته لأمريكا في توتر العلاقة بين السادات و البابا شنودة، ووصل هذا التوتر إلى عزل السادات شنودة من منصب البابوية و تعيين لجنة تشرف على المنصب، و لم ينتهي هذا الوضع إلا بعد مصرع الرئيس السادات بفترة.

و اتهم العديدون الباب شنودة باستعمال أقباط المهجر خاصة في امريكا كورقة ضغط ضد النظام في مصر بهدف تحقيق مكاسب، و ربما هذا ما دعى الكنيسة للإعلان مؤخرا عن رفضها للمظاهرات التي ينوي الأقباط تنظيمها في امريكا أثناء الزيارة المقبلة للرئيس مبارك الشهر القادم.

أنور السادات

تولى الرئيس السادت الحكم و العلاقات بين مصر و امريكا مقطوعة وسعى عبر قنوات سرية عدة للاستفادة من الولايات المتحدة في حل الصراع العربي الاسرائيلي، و تكللت مساعي السادات هذه بزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لمصر في عام 1974، و بعدها و في نفس العام زار السادات الولايات المتحدة لأول مرة في حكمه، و منذئذ تعددت زيارات السادات لأمريكا حتى صار يزورها كل عام بناء على نصيحة سفيره المخضرم في أمريكا أشرف غربال،و لهذه النصيحة قصة ذكرها أشرف غربال الذي كان مكلفا من السادات باعداد دراسة عن كيفية الاستفادة من العلاقات الأمريكية المصرية، و قد خلص غربال إلى أهمية أن يزور رئيس مصر الولايات المتحدة مرة كل عام يقابل فيها قيادات الكونجرس من الحزبين الديمقراطي و الجمهوري، و الشخصيات البارزة في مراكز البحوث و رجال الاعلام و عدد من كبار رجال الأعمال و قادة جماعات الضغط هناك، كي يحافظ على علاقة قوية بين رئيس مصر و سائر القوى المؤثرة في سياسات الولايات المتحدة.

حسني مبارك

و قد سار الرئيس مبارك على هذه الطريقة في زيارة الولايات المتحدة مرة كل عام بعد توليه الرئاسة و حتى إدارة جورج بوش الابن، الذي ساءت في عهده علاقة الرئيس مبارك بالادارة الأمريكية بدرجة ما و حينئذ أناب مبارك احمد نظيف تارة و عدد من الوزراء و رجال الأعمال تارة اخرى في زيارة الولايات المتحدة، فضلا عن دور نجله جمال في هذه الزيارات، و لكن للرئيس مبارك قصص مع زيارة امريكا أبرزها ما ذكره الدكتور ايمن نور في إحدى مقالاته عن أخر زيارة زارها مبارك لأمريكا في عهد الرئيس السادات، حيث ذكر أن نائب رئيس الجمهورية حسني مبارك عندما زار الولايات المتحدة قبيل حادث المنصة، و قال السادات لأشرف غربال احضر مع مبارك كل مقابلاته في أمريكا و أرسل غربال للسادات انه حضر مع مبارك جميع مقابلاته عدا مقابلته الوحيدة مع مدير الـ “CIA“، و غضب السادات و عبر عن غضبه بشدة لنائبه حسني مبارك لدى عودته من امريكا، لكن لم يلبث السادات أن أغتيل و تولى مبارك الحكم.

و يستعد الرئيس مبارك لزيارة امريكا الشهر القادم كسالف عهده قبل توتر علاقاته الشخصية مع جورج بوش الابن, و قد قيل الكثير عن هذه الاستعدادات من قبيل اطلاق صراح أيمن نور و تصريح بعض قادة الحزب الوطني بامكانية السماح للاخوان بحزب رسمي، و الحديث عن الاصلاحات السياسية و الاقتصادية، لكن ربما أهم ما تم في مجال الاعداد لزيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة كان زيارة نجله جمال لأمريكا هذا الشهر.

جمال مبارك

وقصة رحلة جمال مبارك لأمريكا فيها العديد من جوانب الاثارة، و أول هذه الجوانب هو انه زار أمريكا كثيرا لكن أشهر هذه الزيارت و اكثرها إثارة للجدل زيارته السرية لها في مارس 2006، عندما اكتشفتها مراسلة الجزيرة بالصدفة أثناء وجودها في البيت الأبيض، و في هذه الزيارة قابل جمال مبارك كل من الرئيس بوش نفسه و كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية و آخرين.

و هاجت الدنيا في مصر و ماجت بسبب هذه الزيارة التي ليس لها وصف دستوري باعتبار جمال مبارك لا يحتل أي منصب حكومي، و أيضا بسبب سريتها، و اعتبرها الكثيرون دليلا واضحا على عملية توريث الحكم الذي يجري الاعداد لها على قدم و ساق حسب رأيهم، و قدمت المعارضة في مجلس الشعب استجوبات عدة للحكومة و مع ذلك لم تلق أي اجابة شافية.

و جاءت زيارة جمال مبارك الأخيرة و التي جرت في مارس أيضا لكن عام 2009 لتثير مزيدا من الجدل حول احتمالات نقل الحكم في مصر من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال، و أيضا التساؤلات حول الدور الحقيقي الذي يقوم به جمال مبارك داخل منظومة الحكم في مصر.

و اعتبر كثيرون أن هذه الزيارة تأتي تمهيدا لزيارة الرئيس حسني مبارك و لتسوية عدد من الملفات الساخنة العالقة بين البلدين أو على الأقل تهدئتها، و هنا يرد سؤال مهم و هو ما القدرة أو المكانة التي يتمتع بها جمال مبارك لدى أمريكا كي يقوم بهذا الدور؟؟

و إذا كان الرئيس السادات اعتاد على زيارة أمريكا في أبريل من كل عام و تبعه في هذا التقليد الرئيس مبارك فلماذا زار جمال مبارك امريكا في مارس 2006؟؟ و في مارس 2009؟؟

هل يريد أن يرسي تقليدا جديدا بأن يزور أمريكا في مارس من كل عام قبيل زيارة الرئيس؟؟

و إذا كان هذا معتادا في بعض الأنظمة بأن يقوم نائب الرئيس او رئيس وزرائه بزيارة ممهدة لزيارة الرئيس فهل يشغل جمال مبارك منصب النائب الفعلي للرئيس أو منصب رئيس الوزراء؟؟

لكن أهم سؤال هو: ما النتيجة المتوقعة لرحلة جمال مبارك لأمريكا على حياته السياسية و الفكرية بصفة عامة؟؟ و هذا سؤال لم تظهر اجابته بعد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت في الصفحة الأخيرة من العدد الأسبوعي لجريدة الدستور.

انور السادات

هل كان أنور السادات ديمقراطيا ؟؟

عندما شعر جمال عبد الناصر أن الاتحاد السوفيتي يماطل في اعطائه أسلحة هجومية من النوع الذي يمكنه من تحرير الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو1967م، راوده الأمل في أن يتمكن من الحصول على أسلحة غربية متقدمة بطريقة ما، و حرض عددا من حكام الدول العربية و على رأسهم القذافي للحصول على أسلحة غربية متقدمة، و من ثم حصل القذافي على الميراج من فرنسا، كما حصلت السعودية و العراق على مقاتلات غربية أصبح لها دور فيما بعد في حرب أكتوبر 1973م، لكن الأمر لم يقتصر لدى جمال عبد الناصر على مرارات و عقبات السلاح السوفيتي أو الغربي بل إن جمال عبد الناصر عانى من مرارات الحصار الإقتصادي الغربي على مصر، و ربما يظن البعض أن هذه المرارات قاصرة على الضعف الإقتصادي الذي عانى منه الإتحاد السوفيتي و كتلته الشرقية، و الذي انعكس تدهورا و ضعفا في قدرته على تقديم المساعدات و الإستثمارات لمصر، لكن المرارات الأبرز كانت من شعور جمال عبد الناصر من أنه صار مقيدا و ممنوعا من أن يلعب لعبته السياسية المفضلة.

تلك اللعبة التي اعتاد أن يلعبها منذ أن كان رئيسا لمجلس قيادة تنظيم الضباط الأحرار، حتى من قبل أن ينجح في القيام بثورة يوليو 1952م، بل ربما كانت هذه اللعبة المفضلة هي السبب الرئيسي في نجاح هذه الثورة، تلك اللعبة تتمثل في فتحه قنوات اتصال و اقامة علاقات مع كل القوى الدولية، و استغلاله لتعدد هذه القوى و خلافاتها من أجل تحقيق أهدافه السياسية و الإقتصادية، و كان يضم ضمن تنظيم الضباط الأحرار ضباطا من مختلف التوجهات السياسية و الأيدولوجية لتحقيق هذا الغرض، فمن الضباط الإخوان إلى الضباط الشيوعيين إلى الضباط ذوي التوجه الغربي ممن يميلون للتعاون مع انجلترا أو أمريكا أو حتى الملك فاروق، لكن الحصار الغربي على مصر منذ ستينات القرن العشرين منع جمال عبد الناصر من ممارسة اللعبة الدولية التي يفضلها للفوز على حساب الخلافات بين القوى الدولية المتعددة.

فماذا فعل جمال عبد الناصر؟؟

يحكي البعض أن جمال عبد الناصر في إحدى لحظات الغضب من السوفيت قال: “أنا سأجيب لهم اللي يعرف يتعامل مع الغرب”، و هكذا صعد أنور السادات إلى واجهة المشهد السياسي في مصر بعدما وضعه جمال عبد الناصر في صدارة المرشحين لخلافته.

لكن هل كان لأنور لسادات نفس رأي جمال عبدالناصر أم كان له رأي آخر؟؟

الإجابة تأتي واضحة في المشهد التالي: بعد توليه لرئاسة مصر بفترة وجيزة جدا سأل السادات ابراهيم سعد الدين قائلا: “كم قوة دولية كبرى في العالم يا ابراهيم؟؟

فرد ابراهيم: ما سيادتك عارف يا ريس.

قال له السادات: لكن أنا أريد أن أسمع الإجابة منك.

قال ابراهيم: اثنتان يا ريس الإتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة.

فرد السادات مستنكرا: خطأ يا ابراهيم، هناك قوة دولية واحدة هي الولايات المتحدة فقط”.

و قد يستغرب البعض من هذا التقدير السياسي لسبب أو لأخر لكن من يقرأ مذكرات الدكتور مراد راغب الذي ظل سفيرا لمصر في الاتحاد السوفيتي لفترة طويلة حتى صار من أكبر الخبراء في شئونه يدرك نفاذ بصيرة أنور السادات السياسية في هذه المسألة لا سيما و أن عددا من قادة السوفيت كانوا منذ الستينات قلقين على مستقبل الإتحاد السوفيتي بسبب تأخره التكنولوجي و الإقتصادي.

وهكذا بدأ أنور السادات حقبة رئاسته لمصر انطلاقا من هذه القناعة.

أنور السادات في الحكم

عندما تولى أنور السادات الحكم كان أمامه عقبات عديدة لكنه تغلب عليها واحدة تلو الأخرى وكانت مواجهة كل من هذه العقبات تقوده لطريق واحد سنراه بعد قليل.

في البداية كان علي أنور السادات أن يحل مشكلة الأراضي المصرية و العربية المحتلة إن سلما أو حربا، وفتح أنور السادات قناة اتصال سرية مع الولايات المتحدة محاولا حل المشكلة سلما لكن محاولاته باءت بالفشل، فلم يجد بدا من العزم على خوض الحرب ثم خاضها فعلا في أكتوبر 1973م.

السادات و الصراع على السلطة

كان على أنور السادات مواجهة مشكلة الصراع على السلطة بعيد توليه الحكم مباشرة، و فعلا حسمه لصالحه بمساعدة العديدين و منهم الفريق صادق و الذي عينه وزيرا للدفاع بعد حسم الصراع، لكنه لم ينس أن هؤلاء الذين واجهوه هم من اليسار الناصري و قريب منهم اليسار الماركسي، ولم يكد أنور السادات يقضي على خصومه داخل هيكل السلطة نفسه حتى بدأت الحركة اليسارية (بشقيها الناصري و الماركسي على حد سواء) تتحرك بفاعلية في الجامعات و التجمعات، و كان على أنور السادات الذي يعد البلاد للحرب أن يواجه هذا المد اليساري لكن باسلوب سياسي أكثر منه بوليسي فشجع الحركة الإسلامية التي كان نشاطها يتصاعد هي الأخرى كي يوازن المد اليساري المتصاعد، البعض يبالغ في تصوير هذا الإستغلال و يزعم أن أنور السادات هو الذي أنشأ هذه الجماعات الإسلامية أصلا لكن المصادر الموثوقة تؤكد أنه حاول أن يستغل الحركتين الصاعدتين باشغالهما ببعضهما البعض لا أكثر و لا أقل.

السادات والإخوان المسلمين

كان أنور السادات رغم مشاركته في عضوية محكمة الثورة التي قمعت الإخوان المسلمين و أعدمت بعضهم قد ذاق مرارة السجن السياسي، كما كان أنور السادات لصيقا بالسياسة أكثر منه بالعسكرية فهو لم يمكث في الجيش إلا حتى رتبة رائد و بعدها تمرس في مناصب سياسية و صحفية لنحو عشرين عاما حتى صار رئيسا لمصر، و حتى الفترة القصيرة نسبيا التي قضاها في الجيش كان يمارس خلالها السياسة من خلال عضويته في عدد من التنظيمات السياسية و منها تنظيم الإخوان المسلمين كما تخللتها فترة هروب من الجيش بل و رفد منه.

كان عزم أنور السادات على التوجه للتحالف مع الكتلة الغربية من أجل تحقيق أهداف مصر السياسية و الإقتصادية يقتضي أن يرتب الأوضاع الداخلية سياسيا و اقتصاديا بالشكل الذي يتفهمه المجتمع الغربي و مؤسساته و حكوماته الليبرالية، كما كان الشعب المصري قد مل الحكم البوليسي و القمع و التعذيب وبدأ يتململ ومن ثم عبر الطلبة و العمال عن نبض الشعب في مظاهرات فيراير 1966م ثم في تحركات طلابية أخرى في يناير 1972م انتهت بمصادمات بين الشرطة و الطلبة و اعتقل على اثرها عدد كبير من الطلبة و حينئذ تضامنت نقابات المهندسين و الأطباء و الصحفيين مع الطلبة المعتقلين، كما طالب العديد من المفكرين اليساريين والليبرالين بالحريات و التعددية السياسية في العديد من المواقف و المناسبات، و كان أنور السادات بحكم تكوينه و خبراته السياسية قادرا على قيادة الدولة للتحول نحو مزيد من الإنفتاح السياسي و حرية التعبير و التعددية السياسية الشكلية أو الديكورية، لا سيما و أن أنور السادات كان مطلعا على الأزمات التي كانت تعصف بالبلاد منذ نهايات حكم جمال عبد الناصر من أول الأزمة الاقتصادية التي بدأت بوادرها منذ عام 1966م وحتى أزمة المشاركة السياسية التي تبلورت بوضوح، و مرورا طبعا بأزمة الهزيمة العسكرية في يونيو 1967م فضلا عن حرب اليمن.

و هكذا بدأ أنور السادات حكمه باخراج الإخوان المسلمين من السجن و اتاحة الفرصة لهم للتحرك بشكل عملي دون أي اعتراف رسمي أو وجود قانوني، و كان ذلك كله في اطار شئ من الترتيبات السياسية مع قيادة الإخوان المسلمين.

شرعية نظام أنور السادات

لكن كان على أنور السادات أن يضع الأطر القانونية لحكمه و يؤسس لشرعيته الجديدة و من هنا كان اصداره للدستور الدائم عام 1971م و طرح شعاري سيادة القانون و دولة المؤسسات، لكن ظلت الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية و من خلفه السلطة التنفيذية من سمات دستور 1971م أسوة بحال الحقبة الناصرية.

و في ابريل 1974م أصدر أنور السادات ورقة أكتوبر و التي و إن أقرت التنظيم الواحد فإنها أشارت إلى ضرورة أن تعبر كل قوى تحالف الشعب العامل عن مصالحها المشروعة و آرائها بحيث تتضح الإتجاهات التي تحظى بتأييد الأغلبية و التي يجب أن تتبناها الدولة (و كان وقتها الإتحاد الإشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الوحيد المسموح له بالوجود و العمل و كان بمثابة الحزب الواحد الحاكم و منه تاتي الحكومة).

و بعدها بأربعة شهور أصدر أنور السادات ورقة تطوير الإتحاد الإشتراكي و دعا فيها إلى اعادة النظر في شكل التنظيم السياسي و حدد هدفه من التطوير في أن يكون الإتحاد الإشتراكي بوتقة حوار تنصهر فيها الأفكار المتعارضة و تتبلور فيها الإتجاهات.

و استطرد أنور السادات قائلا في هذه الوثيقة: ان طبيعة الأشياء أن يختلف الناس حول القضايا السياسية و الاجتماعية، و ان الاتحاد الإشتراكي الذي يمثل قوى الشعب العامل أولى به أن يأخذ بأسلوب تمثيل الاتجاهات المختلفة في قيادته حتى لا يحس اتجاه له تأييد بين القواعد أنه مبعد تماما عن المشاركة في قيادة التنظيم فيفقد شعوره بالإنتماء إليه.

و إذا كانت ورقة أكتوبر قد مهدت للتعددية السياسية التي كان أنور السادات عازما عليها فإن ورفة تطوير الإتحاد الإشتراكي كانت بمثابة الشرارة التي أطلقت العنان لعملية التحول نحو التعددية السياسية الشكلية التي شهدتها مصر لأول مرة منذ ثورة يوليو 1952م.

في البداية استغرق البحث و التقصي في لجان خاصة بالإتحاد الإشتراكي نحو السنة لتخرج في النهاية اللجنة بعدة توصيات كان أغلبها يميل لعدم التعددية الحزبية فقد كانت أغلب الأراء تميل إلى عمل منابر للرأي داخل الإتحاد الإشتراكي.

 و بعدها بنحو العام أي في مارس عام 1976م قرر أنور السادات اقامة ثلاثة منابر في الإتحاد الإشتراكي العربي لتمثل اليمين و الوسط و اليسار، فاليمين باسم “تنظيم الأحرار الإشتراكيين” و الوسط باسم “تنظيم مصر العربي الإشتراكي” و اليسار باسم “التجمع الوطني التقدمي الوحدوي” و دخلت هذه المنابر انتخابات مجلس الشعب في صيف نفس العام، و في أول اجتماع لمجلس الشعب بعد هذه الإنتخابات “11 نوفمبر 1976م” أعلن أنور السادات تحويل التنظيمات السياسية الثلاثة إلى أحزاب، ثم صدر قانون الأحزاب السياسية في يونيو 1977م.

تعدد الأحزاب

و كانت الفكرة السائدة وقتها أن أنور السادات سار بهذا التدرج الطويل ليصل بعد سبع سنوات من حكمه لنظام حزبي تعددي يحل محل الإتحاد الإشتراكي العربي بسبب المعارضة الشديدة لذلك الإجراء من قبل قادة الإتحاد الإشتراكي و النقابات العمالية حينذاك.

وعلى كل حال فقد كان تعددا حزبيا شكليا فلم يحدث أبدا أن وصل حزب معارض لأغلبية الثلثين في مجلس الشعب، و ظلت هذه الأغلبية دائما من نصيب حزب الرئيس حتى أن السادات لما أنشأ حزبا جديدا و تخلى عن عضويته لحزب مصر العربي الإشتراكي في 1978م هرول جميع أعضاء الحزب الحاكم من حزبهم “حزب مصر العربي الإشتراكي” و تركوه وانضموا للحزب الجديد الذي أنشأه الرئيس تحت “اسم الحزب الوطني الديمقراطي” وصارت للحزب الذي نشأ للتو أغلبية الثلثين بمجلس الشعب بقدرة قادر تلك الأغلبية التي كانت من دقائق هي أغلبية حزب مصر العربي الإشتراكي كما تحولت جميع المقرات التي يمتلكها حزب مصر إلى مقرات للحزب الوطني الديمقراطي و التي مازال يمتلكها حتى اليوم.

وهكذا تكون النظام الحزبي التعددي على يد رئيس مصر السابق محمد أنور السادات لكن بشكله المقيد و الديكوري، فمنذ البداية كان السادات يميل لتقييد هذه التجربة الحزبية، فتم حل مجلس الشعب الذي أفرزته انتخابات 1976م و قد كانت هذه الانتخابات بها حد كبير من النزاهة فضاق أنور السادات ذرعا بهذا المجلس و حله في عام 1979م وأجرى انتخابات أخرى لم يسمح فيها بنجاح أحد من المعارضة باستثناء ممتاز نصار الذي أفلت من مقصلة التزوير بأعجوبة.

ديمقراطية لها أنياب

و مع مرور الوقت بدأ أنور السادات يضيق بالديمقراطية التي أقامها و بدأ يتكلم عن ديمقراطية لها أنياب، و أصدر العديد من القوانين التي أطلقت عليها المعارضة “ترسانة القوانين سيئة السمعة” و منها قانون الإشتباه و قانون حماية الجبهة الداخلية و غيرها من القوانين المقيدة للحريات كما ألغى اللائحة الطلابية الصادرة عام 1976م و وضع بدلا منها لائحة عرفت بلائحة 1979م لتقييد النشاط الطلابي و منع الطلبة من خوض غمار العمل السياسي.

وأدخل تعديلات على قانون الصحافة ليقيد من حرية الصحافة التي كانت شهدت قدرا من الإزدهار بدءا من 1978م، و لم يكتف أنور السادات بذلك بل حل مجلس نقابة المحامين و اصدر قرارا بتحويل نقلبة الصحفيين إلى نادي.

و ظل التدهور هو سيد الموقف في العلاقة بين أنور السادات و بين حركات المعارضة السياسية العلمانية من يمين كالوفد و يسار كحزبي العمل و التجمع و كذلك حركات المعارضة الدينية الإسلامية و المسيحية على حد سواء مما أدى لصدور قرارات 5 سبتمبر 1981م و التي بموجبها اعتقل السادات 1500 من قادة كافة أطياف المعارضة المصرية و صادر صحف المعارضة الحزبية بالإضافة لعدد من الصحف المستقلة الناصرية و الإسلامية و المسيحية.

لحظة الغليان

و سرعان ما وصلت درجة حرارة الشارع السياسي المصري إلى درجة الغليان مما فجر الأوضاع في حادث المنصة الشهير ذلك الحادث الذي وضع نهاية لعصر الرئيس أنور السادات.

لكن أيا كانت حسنات أو سيئات رئيس مصر السابق محمد أنور السادات فيظل التاريخ يذكر له أنه الوحيد الذي عاشت مصر في عهده (في أخر سنة من عهده تحديدا) بلا قانون الطوارئ منذ ثورة يوليو 1952م، كما أدخل نوعا من التعددية الحزبية المقيدة و أطلق عنان الحرية لصحف المعارضة والصحف المستقلة في أحد مراحل حكمه كما تمتع المعارضون بقدر واسع من حرية التعبير و الحركة في أواخر عهده و حتى قرارات 5 سبتمبر 1981م بل إن المعتقلين الذين اعتقلهم ضمن هذه القرارات لم يلقوا أي تعذيب حتى مقتله بعدها بشهر و حينئذ خرج من خرج و تعرض للتعذيب من بقي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشرته في جريدة الدستور المصرية بعددها الأسبوعى وفي مدونتى القديمة.

جمال عبد الناصر في الحج

جمال عبد الناصر و الإسلام

هل كان جمال عبد الناصر متدينا أم علمانيا؟؟
و إذا كان متدينا فلماذا حارب الإخوان المسلمين و قتلهم و سجنهم عبر محاكم عسكرية قاسية و ضيق على العديد من الدعاة الإسلاميين و لماذا ألغى المحاكم الشرعية؟؟
و إذا كان علمانيا فلماذا سجن و عذب الشيوعيين و الليبراليين و لماذا قام بدعم أنشطة إسلامية من قبيل تأسيس إذاعة القرآن الكريم و إنشاء جامعة الأزهر و دعم دور الأزهر الخارجي بل و لماذا استخدم الإسلام كثيرا في خطابه السياسي؟؟
و إذا كان لنا أن نناقش موقف جمال عبدالناصر من الإسلام فلابد أن نتعرض لموقفه إزاء عدد من المؤسسات و القضايا.
و أول هذه المؤسسات هي جماعة الإخوان المسلمين الذين وثق جمال عبد الناصر علاقاته و تحالفاته معهم عشية الثورة ثم سرعان ما دخل معهم في صراع على الحكم و النفوذ, و بدأ هذا الصراع في الظهور عندما طلب الإخوان المسلمون من جمال عبدالناصر تطبيق استحقاقات هذا التحالف و المتمثلة في تطبيق الشريعة و إقامة الحكم الإسلامي, و رفض جمال عبدالناصر و تنكر لأي إتفاقات مع الإخوان تلزمه بذلك, و بدلا من ذلك طلب منهم أن يرشحوا له اثنين ليشاركو في الوزارة واحد للتعليم و آخر للأوقاف, لكن الإخوان قرروا عدم التعاون مطلقا مع عبدالناصر, كما قرروا مقاطعته من منطلق أنهم يرون أنه خانهم بإعتبار أنه تنكر لهم, و عندما خالف أحد قادة الجماعة قرار الجماعة في هذا المجال و هو الشيخ الباقوري ووافق على تولي وزارة الأوقاف قامت الجماعة بفصله من عضويتها.
و منذ ذلك الحين اشتعل الصراع بين الإخوان و عبدالناصر.
لكن على ماذا كان الصراع؟؟
من جانب عبدالناصر كان الصراع مع الإخوان المسلمين جزءا من صراع واسع على السلطة خاضه جمال عبدالناصر على عدة أصعدة مع حلفاء و زملاء الأمس مثل الشيوعيين و عدد من قادة تنظيم الضباط الأحرار مثل محمد نجيب و خالد محي الدين و يوسف صديق و عبدالمنعم عبدالرؤف و غيرهم من قادة الجيش وتنظيم الضباط الأحرار, و في هذا الإطار أحبط العديد من محاولات الإنقلاب التي قام بها ضباط في الجيش يميلون للإخوان أو الشيوعيين أو الليبرالية, و في هذا الإطار أيضا جاء صراع عبدالناصر مع الإخوان كي يستحوذ على السلطة وحده على النحو الذي آل إليه الأمر فيما بعد عندما أمكنه التخلص من أخر زملائه الأقوياء و هو عبدالحكيم عامر غداة هزيمة 1967م بعد أن كان قد تخلص من الإخوان و الشيوعيين و الليبرالين و سائر قادة الضباط الأحرار.
و هكذا كان عبدالناصر واضحا في أهدافه كما حدد وسائله بدقة و دون تردد.

الإخوان المسلمون و عبد الناصر

أما الإخوان المسلمون فقد ترددوا ما بين داعيين للرضى بما يعرضه عليهم عبدالناصر و الإستمرار في التحالف معه, و ما بين معارضين له داعيين لمقاطعته و ممارسة النضال ضده حتى إسقاطه.
و هؤلاء المعارضون لعبد الناصر من الإخوان المسلمين انقسموا أيضا إلى قسمين قسم رأى أنه يمكن معارضته و إسقاطه عبر العمل السياسي السلمي كالإضرابات و المظاهرات و نحو ذلك, بينما رأى القسم الثاني أن الأفضل هو عمل إنقلاب عسكري على عبدالناصر.
كما رأى فريق أخر من الإخوان المسلمين أن على الإخوان ترك العمل السياسي إلى حين بما في ذلك عدم اتخاذ أي مواقف مؤيدة أو معارضة تجاه جمال عبدالناصر, و ذلك بهدف التفرغ لإصلاح جماعة الإخوان المسلمين و ترتيب أوضاعها الداخلية التي كانت تعصف بها الخلافات و التناحرات لاسيما و أن عبدالناصر قد بدأ يؤجج هذه الصراعات الداخلية و يشجع فريق على حساب أخر.
و على كل حال فقد أدى تردد الإخوان و اختلافهم حول ماهية و طبيعة علاقتهم بكل من جمال عبدالناصر و الثورة, و حول الوسائل و الأساليب الواجب اتباعها في إدارة هذه العلاقة إلى ضعف و تفكك أصابا أجهزة جماعة الإخوان المسلمين مما مكن عبدالناصر من هزيمة تنظيم الإخوان المسلمين الضخم و تفكيكه ووضعه في السجن عام 1954م, و ذلك لأن جمال عبدالناصر حدد ما يريده بدقة و حزم, و نفذه عبر أجهزة الدولة السياسية و الإعلامية و الأمنية التي أجاد السيطرة عليها و تطويرها لا سيما و أنه حرص على أن يحتفظ لنفسه بمنصب وزير الداخلية بجانب منصبه الأساسي كرئيس وزراء في بداية سنوات حكم الثورة, بجانب سيطرته على الجيش و المخابرات عبر صديقه الحميم في ذلك الحين عبدالحكيم عامر.
لكن هل وجه جمال عبد الناصر ضربته للأجهزة السياسية و الأمنية للإخوان المسلمين فقط وترك الأجهزة الإعلامية و الدعوية؟؟!
في الواقع فإن جمال عبدالناصر قد وجه للإخوان ضربة شاملة ساحقة و قاسية شملت حتى الذين لم يكونوا يميلون لخوض أي مواجهة سياسية أو عسكرية مع جمال عبدالناصر و الثورة, بل إن الذين كانوا على صلة بعبدالناصر و استغلهم لتأجيج الصراع داخل أجهزة وتنظيمات الإخوان المسلمين قبيل هذه الضربة لم يسمح لهم جمال عبدالناصر بعد الضربة بأي نشاط دعوي اللهم إلا دور الشيخ الباقوري الذي كان في إطار الحكم الناصري و لصالحه.

جمال عبد الناصر و الأزهر الشريف

أما الأزهر الشريف الذي يعد أهم مؤسسة إسلامية على الإطلاق في مصر و العالم الإسلامي، فقد كان لجمال عبدالناصر معه شأن أخر ممكن أن نعتبره إستمرارا للنهج الثابت الذي بدأ الحكام في مصر ينهجونه منذ نابليون بونابرت و حتى الآن و هو نهج الإحتواء و السيطرة تحت ستار التطوير و التجديد, و في هذا الإطار نتذكر ما فعله محمد علي و من بعده خلفائه مع الأزهر الشريف و ذلك النهج تلخصه كلمة الخديو عباس حلمي التي قال فيها محددا دور الأزهر: “أول شئ أطلبه أنا و حكومتي أن يكون الهدوء سائدا في الأزهر و الشغب بعيدا عنه فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد و شغب الأفكار لأنه مدرسة دينية قبل كل شئ.إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه. و أطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائما بعيدين عن الشغب و أن تحثوا إخوانكم العلماء و كذلك الطلبة على ذلك.و من يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الجرائد و الأخذ و الرد فيها فيكون بعيدا عن الأزهر” (يقصد أن من يفعل ذلك عليه أن يبتعد عن الإنتماء للأزهر)
فالحكام منذ نابليون حتى الآن حرصوا على منع الأزهر من العمل السياسي, كما حرصوا في نفس الوقت على توظيف الإسلام و علماء الإسلام لتحقيق أهداف الحاكم السياسية كلما أمكن ذلك.
ولم يشذ جمال عبد الناصرعن ذلك النهج فاتخذ العديد من الخطوات للسيطرة على الأزهر و توظيفه لصالح أهداف نظام ثورة يوليو1952م.
و نجد عبدالناصر يحدد دور العلماء في “ارشاد المواطنين إلى حقيقة و أهداف الثورة” و “تعبئة الرأي العام في كل البلاد الإسلامية و كافة دول العالم على اعتبار أن الجهد الذي يبذله علماء المسلمين في العالم الإسلامي أو الأمة العربية في مجال مواجهة إسرائيل مازال جهدا متواضعا”.
و قد دعى جمال عبد الناصر في اطار ذلك إلى “عمل لجان في كل بلد اسلامي من أجل متابعة العمل لنصرة القضايا العربية و ذلك في إطار مواجهة إسرائيل و الإستعمار العالمي الذي يقف خلفها”.
ولكن كيف وظف جمال عبدالناصر الأزهر لتحقيق أهدافه هذه؟؟
تضمن المرسوم بقانون رقم 180 لعام 1952م أي في أول خمس شهور من حكم الثورة إلغاء الوقف الأهلي، كما كانت هناك اجراءات صحبت ذلك كله و أخرى تتابعت في السنوات التالية، أدت فيما أدت إلى وضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف، وذلك عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بأخر إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي, حتى أن الهيئة تسلمت 137 ألف فدان من أراضي الأوقاف بسعر 17.5 مثلا لضريبة الأطيان المربوطة عليها أي أن قيمة الفدان بلغت خمسين جنيها في حين زادت قيمته الحقيقية بسعر السوق في ذلك الحين على ألف جنيه, و لذلك عجزت وزارة الأوقاف عن تأدية رسالتها لأن هذه الأراضي كانت تدر على الأزهر في السنة الواحدة 8 ملايين جنيه، و بتطبيق هذه القوانين إنخفضت الإيرادات إلى 800 ألف جنيه إذ أن الريع تم تحديده بـ3% و 4% من قيمة سندات سلمت لها كبديل للأرض، فضلا عن امتناع الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن سداد الريع المستحق، الأمر الذي جعلها مدينة لوزارة الأوقاف بمبالغ مالية هائلة.

هذا فضلا عن تبديد الهيئة لأغلب هذه الأوقاف لا سيما أوقاف الخيرات الموقوفة على المساجد, و بهذا ضربت ثورة 23 يوليو الركيزة الإقتصادية لعلماء الأزهر الشريف، تلك الركيزة التي كانت تجعلهم في غنى عن أموال الحكومة، الأمر الذي كان يكفل لهم الإستقلال عن الحكومة، و يتيح لهم معارضتها دون الخوف من قطع مرتباتهم أو تشريد أسرهم من بعدهم. وعلى حين عوملت اوقاف المسلمين هذه المعاملة استثنيت أوقاف غير المسلمين من أحكام هذه القوانين، حيث وضعت لها قوانين خاصة و تركت لكل كنيسة أوقافها في حدود مائتي فدان، و ما زاد عن هذا كانت الدولة تأخذه و تدفع ثمنه بسعر السوق، و هو ما ادى في أواخر السبعينات إلى مناداة عدد من الأصوات في مجلس الشعب بمساواة أوقاف المسلمين بأوقاف المسيحيين.

إلغاء المحاكم الشرعية في مصر

ثم كان إلغاء المحاكم الشرعية في مصر خطوة بارزة قامت بها ثورة يوليو لتقليص دور الأزهر الشريف في الحياة العملية للمصريين خارج توجيه الحكومة إذ أن ممارستها لنشاطها كانت تتمتع بقدر كبير من الإستقلالية عن الحكومة خاصة في مجال المنطلقات الأيدولوجية, و عبدالناصر و ثورة يوليو كانا يهدفان لتأميم الدين لصالح نظام الحكم فكان لزاما القضاء على هذه المحاكم التي كان يستحيل تأميمها لصالح النظام الحاكم, و كانت ثورة يوليو واعية بذلك منذ البداية إذ ألغيت هذه المحاكم بقانون رقم 462 لعام 1955م, وبذا بدأت هيمنة ثورة 23 يوليو على القوة الإسلامية الأكبر في مصر و في العالم الإسلامي و هي الأزهر الشريف و علماؤه, حيث شكل إلغاء المحاكم الشرعية تحديا لنظام الشريعة الإسلامية نفسه في دولة اسلامية يعلن دستورها أن دينها الرسمي هو الإسلام.
وبإلغاء المحاكم الشرعية و بالهيمنة على إدارة الأوقاف نجح الرئيس جمال عبد الناصر فيما فشل فيه الإحتلال الغربي من الهيمنة على أبرز مؤسسة لعلماء الإسلام في العالم كله.
و قد شنت أجهزة إعلام الدولة-الثورة حملة إعلامية صاحبت ذلك كله, ووصفته بأنه ثورة جديدة تجري داخل الأزهر و تقودها الدولة من أجل التجديد و التقدم لخدمة الأزهر و الإسلام, و بلغ الأمر أن هاجم د. محمد البهي في جلسات مجلس الشعب (1961م) ما وصفه بأنه جو العداوة و الجمود الذي يسود الأزهر وقال: “إن الثورة أعطت الإصلاح للأزهر لأن الشيوخ لم يريدوه”, و كان محمد البهي أحد المواليين لعبد الناصر داخل الأزهر.
و بعد أن هيمن عبدالناصر على الأزهر و موارده الإقتصادية كان عليه ان يكرس هذه الهيمنة بقانون رسمي محدد المعالم فتم اصدار قانون تنظيم الأزهر (103 لسنة 1961م). و كي يتضح المدى الذي كبلت به الحكومة مؤسسة الأزهر قبل هذا القانون لابد أن نعود لأحداث جلسة مجلس الأمة (البرلمان) التي أقرت قانون تنظيم الأزهر, يقول فتحي رضوان: “لإجبار المجلس على الموافقة حضر رجال الثورة و جلسوا أمامنا على المنصة, و تحديدا كان على المنصة أنور السادات و كمال حسين و كمال رفعت, و هدد أنور السادات المجلس عندما علت أصوات تعارض مشروع القانون قائلا: كانت ثورة في 23 يوليو 1952م و الذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام و اليوم ثورة جديدة و سيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير”.
و وفقا للوثائق الرسمية فإنه تغيب عن جلسة إقرار القانون بمجلس الأمة 179 عضوا أي ما يعادل 49% من إجمالي أعضاء المجلس, ووفقا لنفس الوثائق الرسمية فإنه لم يعترض من الأعضاء الحاضرين سوى النائب صلاح سعده, بينما ذكر فتحي رضوان أن أكثر من نصف الحاضرين عارضوا القانون.
وهذا القانون و إن كان أعاد تنظيم الأزهر فعلا و قسمه إلى هيكل تنظيمي جديد لكنه ربط هذا التنظيم كله بجهاز الدولة و خاصة رئاسة الجمهورية بشكل مباشر, فشيخ الأزهر ووكيل الأزهر و رئيس جامعة الأزهر يعينهم رئيس الجمهورية, كما أن كافة أجهزة الأزهر الرئيسية كالمجلس الأعلى للأزهر و جامعة الأزهر و مجمع البحوث الإسلامية ينفرد رئيس الجمهورية بتعيين القيادات العليا فيها, فمجمع البحوث يرأسه شيخ الأزهر وأعضاء المجمع يعينهم رئيس الجمهورية, أما جامعة الأزهر فبالإضافة لإنفراد رئيس الجمهورية بتعيين رئيس جامعة الأزهر فعمداء الكليات يعينهم أيضا رئيس الجمهورية, و بصفة عامة فالهيكل العام الإداري و المالي للأزهر أصبح وفقا لقانون تنظيم الأزهر جزءا من الهيكل المالي و الإداري للحكومة (أي السلطة التنفيذية).

مواقف الأزهر الشريف بعد هيمنة جمال عبد الناصر عليه

و بعد كل هذا فكيف للأزهر الشريف أن يعصي لرئيس الجمهورية أمرا فضلا عن أن يعارضه؟؟
و لكن ما النتيجة العملية لهيمنة نظام ثورة يوليو على الأزهر؟؟

النتيجة أن الأزهر الشريف لم تصدر من داخله أي مواقف أو تصريحات تعارض النظام الحاكم لا من قريب ولا بعيد, بل بالعكس وقف إلى جانب جمال عبد الناصر في كل مواقفه، و من ذلك على سبيل المثال لا الحصر الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر يساند بها جمال عبدالناصر في صراعه مع محمد نجيب (الأهرام 17 فبراير 1954م), و أيضا التأييد الذي قدمه الأزهر لنظام حكم جمال عبدالناصر فيما يتعلق باتفاقية الجلاء (الأهرام 26 فبراير 1954م), و كذلك المساندة التي قدمها الأزهر لنظام حكم جمال عبد الناصر إثر الأزمة مع اسرائيل التي سبقت هزيمة يونيو1967م بإعلان تأييده لجمال عبدالناصر و مباركته لخطواته في صد عدوان الصهيونية و الإستعمار(الأهرام 25 مايو 1967م).

جمال عبد الناصر و الطرق الصوفية

أما الطرق الصوفية التي كانت تمثل وقتها نحو 3 ملايين منتسب ينتظمون في 60 طريقة فكان لها شأن أخر مع جمال عبد الناصر, إذ أيدته بوضوح في القضايا السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية الداخلية و الخارجية من البداية فعلى سبيل المثال وقفت مشيخة الطرق الصوفية مع عبدالناصر في صراعه ضد الإخوان و أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية محمد علوان بيانا في مولد الرفاعي عام 1965م أبرز فيه هذا الموقف, كما أصدر المجلس الأعلى للطرق الصوفية بيانا استنكر فيه ما أسماه المؤامرات الرجعية التي يدبرها الملك فيصل (ملك السعودية) و شاه إيران و الملك حسين (ملك الأردن) و رئيس تونس الحبيب بورقيبة (الأهرام 12ابريل 1967م), وكذلك أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية بيانا يبرر فيه و يؤيد قرارات عبدالناصر بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء في مايو 1967م (الأهرام 27مايو 1967م), و في ديسمبر 1967م سار أكبر موكب صوفي رسمي في مصر تأييدا لعبدالناصر في أعقاب هزيمة يونيو.

جمال عبد الناصر و أنصار السنة و الجمعية الشرعية و غيرها

أما الجمعيات الإسلامية المستقلة كأنصار السنة و الجمعية الشرعية و غيرها من الجمعيات المسجلة وفقا لقانون الجمعيات فقد وضعها جمال عبدالناصر تحت وصاية الدولة و عين أحد ضباط الجيش للإشراف عليها جميعا, و تندر الكثيرون من أن ضابط جيش ليس متخصصا في الدين أصبح يشرف على الجمعيات الدينية, كما كانت بعض هذه الجمعيات متعارضة في أهدافها و مناهجها مثل أنصار السنة و الجمعية الشرعية من جهة و الجمعيات الصوفية من جهة أخرى و مع ذلك أشرف هذا الضابط على هذه الجمعيات المتعارضة في آن واحد, و قد شغل هذا المنصب لبعض الوقت كمال الدين رفعت أحد الضباط الأحرار.
و هكذا نجد أن جمال عبد الناصر كما أمم الإقتصاد لصالح رأسمالية الدولة (أو ما أسماه بالإشتراكية العربية) أمم علماء الإسلام لصالح نظام حكمه, و كما أدارت ديكتاتورية دولة جمال عبدالناصر الإقتصاد و السياسة أدارت مؤسسات علماء الإسلام, و العجيب أنه منذ عصر الإنفتاح و حتى الآن تراجع الرئيسان السادات و حسني مبارك عن أغلب إجراءات الحقبة الناصرية إلا أنهما استمرا في ترسيخ تأميم الإسلام و علماء الإسلام و مساجد و جمعيات الإسلام.
و لكن ماذا عن الأنشطة و الجهود التي بذلها جمال عبدالناصر في المجال الإسلامي مثل إنشاء إذاعة القرآن الكريم (1964م) و جامعة الأزهر (1961م) و توسع المعاهد الأزهرية و إنشاء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف (1960م) و في الخارج إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (1954م)؟؟
 لقد فعل الرئيس جمال عبد الناصر ذلك كله في إطار استثماره للرأسمال الديني الذي امتلكه بالتأميم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشرته في جريدة الدستور الورقية بعددها الأسبوعى، و أيضا في مدونتي القديمة