طوفان الأقصى

طوفان الأقصى جدل اليوم في 2025

اليوم في 2025 مازال هناك جدل كبير دائر بشأن طوفان الأقصى، ولكن هناك سؤال مهم لا يطرحه أحد ولن يجيب عنه أحد ويمكننا تصويره كالتالي:

((إن كل ما يكتب ويقال بشأن غزة وفلسطين هو:

يجب على المقاومة كذا ويجب على قطر كذا ويجب على تركيا كذا ويجب على حكام العرب والمسلمين كذا.. ولكن سؤالي هو:

“ما هو الواجب على كل مسلم ومسلمة وكل عربي وعربية وكل مدعي العدالة والمساواة في كل أنحاء العالم تجاه هذه الإبادة والتجبر الجاري في غزة وفلسطين؟؟

وكذلك ما هو واجب القوى والكيانات المعارضة للحكام وقادة هذه الكيانات وقادة هذه القوى المعارضة إزاء ذلك كله منذ 20 شهرا وحتى اليوم وغدا وبعد غد؟؟

هل الشعوب والقوى المعارضة معفاة من الواجب ويكفيها فقط الشجب والتنديد والكلام؟؟

هل لن يسألها الله يوم القيامة عن لماذا لم تفعل أي فعل حقيقي على الأرض ولماذا اكتفت بالكلام فقط؟؟ أليس الكلام فقط هو المفضل لأنه غير مكلف؟؟”)).

وفي الواقع فإنه يوجد أكثر من 2 مليار مسلم في الكون، لكن أغلبهم كما في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال: “حب الحياة وكراهية الموت” رواه احمد وابو داوود وغيرهما وهو حديث حسن.

وعن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب”. رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث حسن.

وعن أسلم أبي عمران، قال: “غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو، فقال الناس: مه مه، لا إله إلا الله، يلقي بيديه إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وندع الجهاد، قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية”. رواه أبو داود في سننه وهو حديث صحيح، وقول أبي ايوب ليس من قبيل الرأي فهو في حكم الحديث المرفوع في تفسير التهلكة المذكورة في الآية القرآنية.

ومن جهة أخرى فإن النقاش حول 7 أكتوبر الآن هو نقاش في غير محله لأننا لو ارتضينا الدقة لقلنا مثلا: هناك خطأ تكتيكي وليس استراتيجيا بإغفال بعض التدابير التي كان يجب العمل بها قبل البدء من قبل المقاومة..الخ، إذ ليس الخطأ في كل الموضوع.

وعلى العموم فهذا من جهة جزئية، أما الرؤية الكلية فيقول عنها محلل إسرائيلي مهم في مقال على موقع زمن إسرائيل:

((إن حماس كمنظمة عصابية بلا جيش وبلا دولة، انتصرت على الإسرائيليين في عدة مستويات في فترة قصيرة من الزمن:

أولها- تنفيذ هجوم قاتل في السابع من أكتوبر، وثانيها- جرّ الجيش إلى غزة دون أن يكون مستعداً له، وثالثها- منع القضاء عليها على يد أحد أفضل الجيوش في العالم، ورابعها- جرّ إسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لارتكابها جريمة إبادة جماعية، وخامسها- نجحت بوضع القضية الفلسطينية على الأجندة العالمية، وسادسها- جعلت الإسرائيليين غير مقبولين في نظر أجزاء واسعة من العالم)). انتهى.

لكن من جهتنا نقول إنه لا يصح ولا ينبغي أن نناقش 7 اكتوبر 2023 الآن، لأننا نحن (نتفزلك) و(نتفلسلف) بينما نحن نشاهد الإبادة المندلعة منذ 20 شهرا، أي لو أننا أسوياء ولسنا أمة مشلولة لأمكننا إيقاف هذه الإبادة الآن فورا، بمعنى لو كانت أمتنا عاجزة منذ 20 شهرا وقت اندلاع الحرب، ولم تكن جاهزة للتصدي لها حينها، ألم يكفها 20 شهرا لتحصيل أدوات التدخل العملي لفرض إرادتها على نازية الصهيونية وإيقاف تجبرها في فلسطين؟؟؟!!!

فبدلا من نقاش أن فعل المقاومة قبل 20 شهرا هل هو خطأ أو صواب فلنناقش هل وقوفنا مشلولين بلا أي فعل مؤثر حقيقي على الأرض لمدة 20 شهرا هل هو صواب أم خطأ؟؟

(ولنفترض أننا كان يجب البناء من الصفر)

هل عجزنا عن بناء أدوات فعل مؤثرة منذ 20 شهرا وحتى اليوم هو أمر طبيعي جدا وصواب جدا؟؟!!

فما رأيكم؟؟؟

النصر والهزيمة

ما هي السياسة وما هي أساطير العمل السياسي وخرافات الهزيمة و النصر ؟؟

كتب- عبد المنعم منيب

ما هي السياسة وما هي أساطير العمل السياسي وخرافات الهزيمة و النصر؟؟ لفهم إجابة هذا السؤال يجب أن نعرف معنى السياسة أولا.

ولقد اختلف العلماء فى تعريف السياسة على أقوال عديدة مشهورة.

ولكن السياسة فى التجريد النهائي هى أن تصنع الأحداث أو تستغل الفرص التي تسنح فى الأحداث (التى لم تصنعها) بما يحقق ما تريده وصولا  لتحقيق أهدافك.
وأرى أن هذا التعريف الذي أوردناه هنا الآن هو أدق تعريف لأن من أدركه بفهم عميق فإنه يتمكن من ممارسة السياسة بالأساليب الصحيحة على المسارات التكتيكية والاستراتيجية.
فضابط السياسة السليمة والخاطئة هو مدى ما تحققه لك من القدرة على صنع أغلب الأحداث (أى الأخذ بزمام المبادرة) وانتهاز فرص الأحداث التي لم تصنعها كي تحقق أهدافك إن على المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي، وبالتالى فما يحقق ذلك هو صواب وما لا يحقق أيا من ذلك فهو خطأ وكل ذلك يجب أن يكون فى إطار الالتزام الكامل بالمبادىء والقيم الأخلاقية الإسلامية وضوابط الشرع الحنيف.

إذن ما ضابط القرب او البعد من تحقيق أهدافك؟؟

الضابط هو أن يتحقق الهدف كاملا بحيث لا يسع أى أحد أن ينكر تحققه بما فى ذلك أعداؤك وخصومك فيعترف الجميع بتحققه ولا يجادل أحد فى تحققه، أو أن تقترب من تحقيق هدفك اقترابا مهما ولا يشهد اقترابك هذا تراجعات ضخمة أو تراجعات تعجز عن تجاوزها بسرعة ويشهد بهذا “الإقتراب” أنصارك ولا ينكره أو يجادل بشأن هذا الاقتراب من تحقيق الهدف المنصفون من خصومك واعدائك وذوي العقل منهم، أما التراجعات المؤثرة المقبولة فهى من مثل هزيمة ” غزوة أحد ” حيث عاد المسلمون فى اليوم التالى بمطاردة جيش قريش بنفس جيش المسلمين الذي شهد الهزيمة دون دعمه بأى قوات جديدة وهذه المطاردة هى المعروفة في السيرة النبوية باسم غزوة حمراء الأسد فليراجعها من شاء بتفاصيلها، وكذا تراجع مثل هزيمة حنين حيث ما لبث أن فاء المسلمون وتخطوا الهزيمة وأنهوا المعركة بانتصار كامل (و لنراجع تفاصيلها أيضا في كتب السيرة والحديث).
أما التراجعات والهزائم الكبرى التي تشهدها حركات سياسية إسلامية وغير إسلامية بل وتشهدها معظم دول المسلمين فهى ليست مقبولة ولا يعتبر أصحابها قد اقتربوا من تحقيق أهدافهم لأنهم خسروا خسائر ضخمة وعجزوا عن تعويضها بسرعة مثل سرعة غزوة حمراء الأسد وأسرع منها الانتقال من الهزيمة إلى النصر فى غزوة حنين، وطبعا هناك أمثلة كثيرة مشابهة للعودة سريعا لتحقيق الهدف والانتصار الكامل فى الصراع أو المنافسة ولكن لا أريد ذكرها كى لا تكثر الأفكار فتتوه عنا الفكرة الأساسية، ولكن يمكن للقارىء أن يتفكر مليا في الأحداث الجارية القريبة وأحداث التاريخ المعاصر فسيجد العديد من أمثلة العودة السريعة وبقوة للهدف والفوز.
 وإذ حددنا فى بداية المقال تعريفا للسياسة ثم حددنا فى الفقرات التالية ضابط الصواب والخطأ فى مسارات وتوجهات وأساليب العمل السياسي فينبغي أن نوضح فى نهاية المقال أن أساليب السياسة (التكتيك)، وتوجهات ومسارات السياسة (الاستراتيجية) هى شاملة ومتكاملة ومرنة فى أغلبها فهى (كما ذكرنا سابقا هنا) تتوسل لأهدافها بكل الأساليب و بالشيء وضده:
الكلام أو الصمت.
الحرب أو السلم.
القوة أو الضعف.
الإقناع أو الإكراه.
اللين أو الشدة.
الإقتحام أو الإحجام.
الجرأة أو الحذر.
 اللعب أو الجد أو المزاح و الهزل.
 الحماس والعاطفة أو التعقل و الحكمة.
 العلم أو الجهل.
 الذكاء أو السفه.
 الحلم أو الحمق والجهالة.
….الخ 
فكل شيء وارد ويستخدمه الساسة العباقرة الأذكياء وليس أشباه الساسة ولا أغبياء السياسة.
وقد رأينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وأصحابه ضعفاء يعانون التعذيب والتنكيل من قريش 13 عاما ومع هذا لم يرفعوا سيفا ثم فى العشر سنوات التالية نرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقيم دولته ويمارس الحرب والسلم والتحالف والهدنة والاتفاقات والمعاهدات المؤقتة والدائمة كما مارس الحصار الاقتصادي وحروب الكلام عبر الشعر والخطابة والحرب النفسية وكل ذلك كان إزاء قريش الوثنية وقبائل عدة منها الوثني ومنها أهل الكتاب من يهود ونصارى.

وفى النهاية نفهم إجابة السؤال المشهور: ماذا نفعل الآن؟

فلاشك أن المقال أوضح لنا أن ما يجب علينا فعله هو كل عمل يحقق لنا هدفنا أو يقربنا من تحقيقه ولا يخرجنا من الطريق المؤدي لتحقيقه، كما أصبح واضحا أن كل عمل يبعدنا عن هدفنا فهو عمل ينبغى علينا أن نقلع عنه، ولا ننسى أن البلاء الذى لا يماثل ” غزوة أحد ” (حيث عاد المسلمون لطريق الانتصار فى اليوم التالي لهزيمة ” غزوة أحد ” عبر غزوة حمراء الأسد) ولا يماثل غزوة حنين (حيث انهزم المسلمون ثم انتصروا فى نفس اليوم) فهذا البلاء سنجده يبعد عن تحقيق الهدف كثيرا وحينئذ فلنخشى أن يكون عقوبة على ذنوب وتقصير اقترفناه فقط وليس رفعا للدرجات بعكس ما يظن كثر.

رؤساء ايران اصلاحيون ومتشددون

هل يوجد فرق بين الإصلاحيين والمتشددين فى إيران؟

كتب- عبد المنعم منيب

منظومة الصواريخ الأشد فتكا والمشروع النووى أسسهما “رفسنجانى” وطورهما “خاتمى”

“روحانى” أضفى الشرعية على الصناعة النووية بمعاهدة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ومجلس الأمن

شهدت إيران الجمعة الفائتة انتخابات الرئاسة الإيرانية وكما هو المعتاد احتدم التنافس فيها بين ممثلى التيار الاصلاحى والتيار المحافظ أو المتشدد بحسب ما اصطلح عليه بشأن القوى السياسية الإيرانية، وعندما أعلن فوز حسن روحانى الزعيم الإصلاحى لمدة رئاسة ثانية فرح كثيرون فى العالم العربى بل فى العالم أجمع باعتبار أن التيار الاصلاحى فى ايران هو تيار معتدل، وهذا الفرح يطرح سؤالا مهما وهو: ما الفرق بين الاصلاحى والمتشدد فى إيران؟؟.

وكى نجيب على هذا السؤال لابد أن نسترجع معا سياسة الإصلاحيين فى الحكم ونقارنها بسياسة المتشددين أو المحافظين فى القضايا الرئيسة التى تهم العالم العربى وأغلب القوى الكبرى فى العالم وهى:

المشروع النووى.
التمدد السياسى والعسكرى فى دول المنطقة.
بناء ترسانة صواريخ ضخمة كما ونوعا.

وسوف نتناول كل محور منها على حدة فى السطور التالية:

المشروع النووى الإيرانى تحت مسئولية رفسنجانى وخاتمى وروحانى

بداية المشروع النووى الإيرانى بعد الثورة الخمينية جاءت مع حكومة هاشمى رفسنجاني التى سعت إلى إعادة تشغيل المعامل النووية التي أغلقت مُنْذُ زمن الشاه بعد تحسينها ، وعليه فَقَدْ فاتحت حكومة إيران برئاسة رفسنجاني في أبريل عام 1990 شركة كرافت ورك لإكمال عملها في مشروع بوشهر الثلاثي، الذي نفذت منه مشروعين أحدهما بواقع 90% والآخر بواقع 50% وكلاهما دمرته الحرب مع العراق إلا أن الشركة رفضت التجاوب تحت ضغط أمريكي فطلبت حكومة رفسنجاني من الحكومة الألمانية التدخّل لحل المشكلة، ولكن لم تفلح الدبلوماسية في إقناع شركة كرافت ورك التابعة لشركة سمينز لتنفيذ المشروع.

واستمرت محاولات رافسنجانى لإطلاق المشروع النووى الإيراني فحاول تنفيذ المشروع مع شركات أوروبية متعددة فى ايطاليا واسبانيا وبولندا وبلجيكا وغيرها فى الفترة من 1990 وحتى 1994 إلا أن الولايات المتحدة وقفت له بالمرصاد وأفشلت جميع هذه الاتفاقات والعقود، ومن هنا استغل رافسنجانى انهيار الاتحاد السوفيتى وبزوغ دولة روسيا الاتحادية وحاجتها للمال فتعاقد معها عام 1990 على استكمال مشروع بوشهر وبناء مفاعلين آخرين كما تعاقد مع الصين لتزويد إيران بالوقود النووى اللازم لها.

أصبح المشروع النووي الإيراني يأخذ صورة أكثر واقعية للتنفيذ مهما كانت الظروف الإيرانية الاقتصادية بدءا 1995م، حيث وقعت عقدًا مَعَ روسيا لتنفيذ مشروع بوشهر تحت إشراف وكالة الطاقة النووية الدولية، وكان العقد ينص على إنشاء عدة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية لها القابلية على إنتاج 180 كيلوغرامًا من البلتونيوم في السنة من الوقود النووي المستنفذ، كما كان العقد ينص على ضرورة إنجاز روسيا عملها في أول مفاعل نووي في بوشهر لتوليد 30-50 ميجاواط خلال أربع سنوات، وأن تدرب خمسة عشر خبيرًا نوويًا إيرانيًا في السنة. بالإضافة إِلى بناء وحدة لإنتاج الغاز النووي القاذف لتخصيب اليورانيوم.

واستمر البرنامج النووى الإيرانى ينمو ويتطور سرا وعلنا بمدتى رئاسة رافسنجانى أغسطس 1989- أغسطس 1997 ثم فى مدتى رئاسة خاتمى  أغسطس 1997- أغسطس 2005، وهما الرئيسان المصنفان على أنهما إصلاحيان ومنفتحان تجاه العرب والعالم، وحتى بعد عصر الرئيس المحافظ نجاد عندما توصل خليفته الرئيس حسن روحانى المصنف كإصلاحى لإتفاق “ما” مع أوروبا والولايات المتحدة حول حل وسط بشأن البرنامج النووى الإيرانى فإن الاتفاق فى حقيقته يضمن استمرار ونمو وتطور البرنامج النووى الإيراني بكل جوانبه وإن اشترط السلمية فإن هذه السلمية وصفها المراقبون بأنها غير مضمونة اللهم إلا لعشر سنوات فقط وبعدها لن يمنع أحد إيران من إنتاج سلاحا نوويا، وفى إيران اعتبر هذا انجاز قدمه الاصلاحى روحانى للمشروع النووى الإيرانى، كما تعتبر الاتفاقية بمثابة إضفاء الشرعية الدولية على مشاريع إيران النووية بموافقة الإتحاد الأوروبى والولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولى.

التمدد السياسى والعسكرى فى المنطقة

فى عهد الرئيسين رافسنجانى وبعده خاتمى وفى الولاية الأولى لحسن روحانى واصلت إيران سياساتها الخارجية تجاه القوى المتحالفة أو التابعة لها فى كل من البحرين ولبنان والأراضى الفلسطينية المحتلة وسوريا واليمن والعراق فلم يجر أى تغيير إيراني تجاه هذه القوى، ورغم أن الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس محمد خاتمي تقدمت إلى الولايات المتحدة عبر وسطاء باقتراح سري عن “صفقة كبرى”  تقوم على  إجراء محادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية وفتح كل ملفات المنطقة للتفاهم عليها وتطبيع العلاقات الدبلوماسية وأوضحت إيران أن هذا الاقتراح يشمل ملف إسرائيل وحماس وحزب الله والعراق والمشروع النووى الإيراني بشروط خمسة هى:

-التوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة يشتمل على إنهاء العقوبات الأمريكية.
-احترام المصالح الوطنية الإيرانية في العراق.
-دعم المطالب الإيرانية بالحصول على تعويضات الحرب.
-احترام حق إيران في الحصول الكامل علي التكنولوجيا البيولوجية والنووية والكيميائية.
– الاعتراف بمصالح إيران الأمنية المشروعة في المنطقة.
 إلا أن الرئيس بوش الابن رفض هذه الرسالة الإيرانية ومن ثم استمرت السياسات الإيرانية فى المنطقة العربية والشرق الأوسط كما هى حتى يومنا هذا.

بل إن التورط الإيرانى العسكرى المباشر  زاد فى كل من سوريا وإيران واليمن وأفغانستان بالمدة الرئاسية الأولى للرئيس حسن روحانى، صحيح أن هذه الزيادة تأتى متماشية مع تطور الصراع العسكرى فى هذه المناطق إلا أن وجود حسن روحانى لم يمنع من هذه الزيادة ولم يقدم بديلا سياسيا أو سلميا عن انغماس الحرس الثورى الإيرانى أكثر وأكثر بالمناطق المذكورة.

ترسانة الصواريخ الإيرانية

تمتلك إيران منظومات صاروخية متعددة سواء أرض-أرض أو أرض-سطح  أو أرض- جو أو سطح – سطح أوغيرها، وبرامج الصناعات الصاروخية الإيرانية تكتنفه السرية والغموض ولا يعلم عنه إلا ما تعلن عنه إيران من حين إلى آخر ومن الملاحظ أن أهم المنظومات الصاروخية الإيرانية الصنع جرى الإعلان عنها بعهد مدتى رئاسة رفسنجانى وخاتمى ثم بالمدة الرئاسية الأولى لروحانى فصاروخ شهاب 1 (مداه 300 كم) أعلن عنه فى 1991 ثم شهاب 2 (مداه 500 كم) فى 1993 ثم شهاب 3 (مداه 1500 كم) جرت تجارب عليه فى الفترة 1998-2001 أى كلها بعهد خاتمى وطبعا كان تطويرا لما جرى بعهد رفسنجانى، و اختبرت إيران خلال مناورات نظمتها في ديسمبر 2016 سبع منظومات دفاعية محلية الصنع، وهى منظومة “مرصاد” الصاروخية، وهي منظومة متوسطة المدى ومطورة عن منظومة “هاغ” الأميركية.

كما تم اختبار منظومة أخرى محلية الصنع وقصيرة المدى أطلق عليها اسم “زهراء3”.

وكشفت وكالة “تسنيم” للأنباء أن وزارة الدفاع الإيرانية أعلنت فبراير 2017 عن صواريخ جديدة، هي: صاروخ فجر 5 الموجه، ومنظومة صواريخ ميثاق 3 المحمولة على الكتف.

وهذه هى أبرز أنواع  الصواريخ التى تضمها ترسانة الصواريخ الإيرانية وكلها صنعت فى عهد الرؤساء الإصلاحيين الثلاثة رفسنجانى وخاتمى وروحانى، بل إن روحانى قال: “صواريخنا موجودة من أجل الدفاع عن أنفسنا ومن أجل السلام، وليست هجومية، اعلموا بأنه فى حال كانت هناك حاجة تقنية لإجراء تجارب صاروخية، فسنقوم بذلك ولن نطلب اذن أحد” وجاء هذا التصريح له بأول مؤتمر صحفى يعقده بعيد إعادة انتخابه لمدة رئاسية جديدة.

الفرق بين المتشددين والاصلاحيين الإيرانيين

ومن هنا يتضح أنه لافرق بين المتشددين والإصلاحيين من قادة إيران إلا فى أسلوب التنفيذ بينما هم جميعا ينفذون استراتيجية واحدة مستمرة من بداية الثورة الخمينية عام 1979 وحتى الآن ولها محاورها الثابتة، وهذا الثبات فى المحاور الاستراتيجية والاستمرار فى تنفيذها هو أمر يتماشى منطقيا مع إنجازات إيران بكافة ملفاتها الاستراتيجية إذ لو أن كل رئيس ينقض ما بدأه من قبله لما وصلوا لما وصلوا له الآن لاسيما وأن الرؤساء الذين استقروا فى منصب الرئاسة منذ الثورة حتى الآن هم على خامنئى ثم رفسنجانى ثم خاتمى ثم نجاد ثم روحانى أى خمسة منهم ثلاثة من الإصلاحين، هذا فضلا عن كون الرئيس بمثابة رئيس تنفيذى فقط بينما المرشد الأعلى للدولة هو من يصنع استراتيجيات الأمن والدفاع والإعلام والسياسة الخارجية.

ولعل أبرز ما يلخص الفرق بين الإصلاحيين والمتشددين من ساسة إيران هو وصف آية الله محمد علي تسخيري مستشار آية الله علي خامنئىي مرشد الدولة لكل من الفريقين (الاصلاحى والمحافظ أو المتشدد) عندما قال: “إن كلا الخطين يؤمنان بالثورة الإسلامية، ويؤمنان بمبادئ الإمام الخميني، ويؤمنان بمبادئ الدستور، ويؤمنان بأهم مادة في هذا الدستور، وهي لزوم أن يكون القائد فقيهًا أو ما يعبر عنه بولاية الفقيه، وأنهما معًا يؤمنان بهذه المبادئ، ويختلفان في أساليب التطوير وآلياته”.

الحرب في سوريا

هل خلافات المسلمين لا تحسم إلا بالقتال وسفك الدماء ؟؟

تثير أحداث اقتتال عدد من الفصائل والحركات الإسلامية فى سوريا هذه الأيام مسألة غاية فى الأهمية وهى: كيف يدير المسلمون بعامة والحركات الاسلامية بخاصة خلافاتهم؟؟

ظاهرة الاقتتال الإسلامى/الإسلامى
لأن ظاهرة الاقتتال الإسلامى/الإسلامى هذه تكررت وبشكل خطير فى العصر الحديث، فاقتتلت فصائل مسماة بالإسلامية فى أفغانستان بعدما انتصروا على الاحتلال الروسى وتحولت أفراح النصر إلى بحور من دماء الشعب الأفغانى، وعاشت أفغانستان حالة من الفتن المسلحة وسفك الدماء لعدة سنوات إلى أن تشكلت حركة طالبان وقهرت جميع الأطراف وحكمت أفغانستان كدولة واحدة (تقريبا) لكن لم تعترف بها أى دولة فى العالم سوى باكستان والسعودية، إلى أن داهمها الغزو الأمريكى بنهاية عام 2001 فقضى عليها ونصب نظاما عميلا له هناك.
واقتتل الإسلاميون المختلفون أيضا فى الصومال حيث جرت بحور من دم بين “المحاكم الاسلامية” التى حكمت الصومال لفترة وبين حركة “الشباب المجاهدين”.
وتكرر ويتكرر مشهد صراعات الإسلاميين فى كل مكان بالعالم بأشكال شتى، فحين يكون هناك سلاح يستخدم السلاح، وعندما لا يكون هناك سلاح فهناك أساليب لا تقل فى فداحة ضررها عن السلاح مثل التشهير وإطلاق التهم الباطلة، ومثل إبلاغ أجهزة معادية بأن الشخص أو الجهة هذه أو تلك هى إرهابية أو متطرفة، ومثل الصمت عن ذبح فصيل إسلامى ما بدعوى أنه إرهابى أو متطرف، وفى كثير من الأحيان جرى الإعلان عن تأييد هذا الذبح وفى بعض الأحيان جرت المشاركة فى الذبح، ووصل الأمر فى حالات أخرى لمشاركة جهات لا خلاف فى عدم إسلامها وعدواتها للاسلام وللأمة الإسلامية (مثل أمريكا والناتو) فى غزو دول إسلامية كأفغانستان والعراق وغيرها، أو إطلاق الفتاوى بوجوب أو جواز مشاركتها فى العدوان على المسلمين.
فهل معنى هذا أن حل الاقتتال الإسلامى/الإسلامى هو أن يفوز فصيل على الجميع ويقهرهم ويمنع اقتتالهم؟؟ 
وبتعبير أكثر تجريدا وتعميما: هل خلافات المسلمين وبالأخص الحركات الاسلامية لا تحسم إلا بالقتال ولا ينتهى اقتتالهم وسفكهم للدماء إلا بإنتصار أحد الفصائل وهيمنتها على الباقين بقوة السلاح؟؟   

التعصب الحزبى والمذهبى
لا نجد بالدراسات المنشورة (فى حد علمى) دراسة علمية موضوعية محايدة لهذه الظاهرة وتصور علمى شرعى لسبل حل هذه الأزمة، وكل الذى نجده (فى حدود ما اطلعت عليه) دراسات وكتابات تعميمية عن أدب الخلاف وفقه الخلاف والحوار والتعدد والتنوع الفقهى ونحو ذلك، وهذا سببه أمران:
الأول-اعتلاء أشخاص لايهتمون بالعلم ولا الموضوعية لمناصب القيادة والتأثير والتوجيه فى الحركات الاسلامية بالعالم كله، فهم إما ممن لايعلمون أو أنهم ممن يعلمون علما غطى على نوره التعصب الحزبى والمذهبى فذهب بفائدته وثمرته فصاروا مثلهم مثل من لا يعلمون فى قراراتهم وسلوكهم، وبالتالى فكلا النوعين لا يهتمون بدراسة هذه “الظاهرة/الأزمة” علميا وإيجاد الحلول العلمية والموضوعية لها.
الثانى-تصميم جميع مفكرى وعلماء وكتاب وقادة كافة الحركات الإسلامية القائمة (أو أغلبها) على أن لايروا إلا أنفسهم فهم يعتبرون أن أى جماعة أو شخص من خارج جماعتهم لا يمثل عملا إسلاميا ولا يفيد الأمة الإسلامية ويعتبرون مسلكه خاطئ ويعطل انتصار العمل الإسلامى، (ويقصدون بالعمل الإسلامى ما تقوم به جماعتهم فقط) ويعتبرون أن أى عمل يقوم به من سواهم يجر الويلات والانتكاسات على الأمة الإسلامية، حتى لو كان هذا العمل هو نفس عملهم إلا أنه لا يرفع رايتهم، ومن هنا فكل فريق لايعترف بأى فريق إسلامى آخر، ولذا كل منهم يرى أنه لا حل إلا بإزاحة الآخرين من الوجود لأنه يرى أنه لامبرر لوجودهم بل ويرى أن وجودهم يعطله.

ما هو الحل؟
ومن هنا فالحل يحتاج أن يقوم الباحثون المستقلون عن الجماعات والأحزاب ممن تجردوا من التعصب الحزبى والفكرى بدراسة الظاهرة علميا موضوعيا فى إطار السياسة والاستراتيجية الشرعية، وأن يروجوا هذه الدراسات التى تحمل حلولا عملية بين شباب المسلمين ليخلقوا رأيا عاما ضاغطا على هذه الجماعات المتحزبة المتعصبة.
كما ينبغى أن يسعى الكتاب والناشطون وأصحاب المنابر بجانب الباحثين والعلماء إلى ترسيخ فكرة أن واقع العمل الإسلامى والحركات الإسلامية هو واقع متعدد ومتنوع وأن هذا التعدد والتنوع هو من قبيل المذاهب الفقهية التى يعذر فيها بالتأويل والتى ينبغى التعايش معها فهى لا حل لها لا فكرى ولا فقهى ولا عسكرى، فجميع أراء العلماء الموجودة حتى الآن بكتب الفقه الموسوعية منذ عهد الصحابة والتابعين وحتى يومنا هذا مازالت موجودة وظلت موجودة وتجد من يتبناها ويدرسها ويعمل بها عبر جميع العصور الإسلامية ولم يتمكن بحث فقهى أو فكرى مهما بلغ من قوة أن يزيل رأيا مخالفا له من منظومة الفقه الإسلامى فطبيعة الحياة وطبيعة الإسلام تقبل وتتعايش مع التعدد والتنوع وهكذا ازدهرت حضارة المسلمين وسادوا الدنيا لقرون كثيرة متتالية.

مذاهب العمل الإسلامى
وكى نكون صرحاء فنحن نحدد هنا بكل وضوح أن مذاهب العمل الإسلامى الآن هى من قبيل الاجتهاد فى السياسة الشرعية التى هى فرع من علم الفقه، وهذه المذاهب الآن تبلورت كالتالى:
-مذهب الفريق الأكبر من الإخوان المسلمين ومن نحا نحوهم فى كل أرجاء العالم ممن يرون أنه لاسبيل لوجود إسلامى إلا بالتعايش مع النظم القائمة بما فيها النظام الدولى الذى تهيمن عليه الآن الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبى وما تفرع عنه من نظم إقليمية وحكام لدول العالم، ويرون أنه لايجوز مناوئة هذا النظام ولا حمل السلاح ضده.
-مذهب شبكة القاعدة وفروعها المختلفة والتيار العام من “الجهاديين العالميين” الذين يرون أن هذا النظام الدولى هو نظام معادى ومحارب للاسلام والمسلمين ولا سبيل لنهضة الأمة إلا بتحطيمه عبر الدخول فى حرب دائمة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والناتو حتى ولو لم تمتلك إمكانات وموارد ذات بال اقتصادية أو تسليحية أو سياسية.
-مذهب الإسلاميين القُطريين (ومنهم من انبثقوا عن الإخوان ومنهم جهاديون) الذين رأوا أنهم لو ساروا على نهج المذهب الأول (مذهب الإخوان) فلن يقيموا دولة أو لن يحققوا أى من أهدافهم لأن النظام الدولى لن يسمح لهم بذلك، وأنهم لو سلكوا مسلك مذهب القاعدة فإن النظام الدولى والإقليمى سيسحقهم لضعفهم وقلة مواردهم، ومن هنا تولد مذهبهم القائم على إقامة دولة إسلامية قُطرية ليس لها أهداف أو شعارات دولية، ولا حتى إقليمية معلنة، فهم يعلنون أن هدفهم هو إصلاح واقعهم القُطرى على النهج الإسلامى وفقط، وذلك هروبا من الدخول فى صدام مع قوى دولية او إقليمية.

ومثال ذلك الاتجاه متمثل فى حركة حماس فى غزة وأحرار الشام بسوريا وحركة طالبان أفغانستان منذ نشأتها وحتى الآن، بما فى ذلك فترة حكمها لأفغانستان كدولة حتى بداية الغزو الأمريكى عام 2001، وهناك قُوى إسلامية مشابهة عدة فى أماكن أخرى، وهم يرون أنهم وإن كان النظام الدولى والنظم الإقليمية لم يتغاضوا عنهم وعارضوهم معارضات شتى إلا أن هذه المعارضات هى أقل من معارضتهم لشبكة القاعدة، ويعتبرون أن هذا يثبت صحة مذهبهم القُطرى هذا.
-مذهب الاسلاميين الدعويين وهؤلاء يرون أن الانغماس فى أى عمل سياسى سيجر عليهم متاعب تعرقل عملهم الدعوى (وهو عمل دعوى وخيرى وعلمى ونحوه) كما أنه سيجبرهم على تبنى إما تملق النظام الدولى والإقليمي والمحلى وهو ما قد يتحرجون منه شرعا، وإما معارضة هذه النظم وهو ما سيؤدى لنهايتهم بحسب رأيهم فالأسلم لهم (بحسب مذهبهم هذا) هو البعد عن السياسة والانشغال بالعمل الدعوى، وهؤلاء مثل جماعات التبليغ والدعوة وجمعيات إسلامية كثيرة بكافة أنحاء العالم لها أسماء شتى مثل أنصار السنة المحمدية بمصر والسودان والجمعية الشرعية بمصر وغير ذلك.
وكل مذهب من هذه الأربعة له تفريعات شتى.
ولكن بداية الحل هو أن نعترف أن كل مذهب من هذه المذاهب هو مذهب إسلامى نشأ وسيستمر موجودا بالواقع بشكل أو بآخر سواء قلنا بصحته أو جزمنا بخطأه، وأنه لا مناص من التعامل معه تعاملا يحقق مصالح الأمة الإسلامية ودين الإسلام ولا سبيل لتصفيته وجوديا وإزالته نهائيا من الواقع، لأن هذا الاعتراف والتعامل بالتعايش وبشكل من أشكال التعاون هو السبيل الذى سار عليه المسلمون فى أزمنة عزهم ومجدهم وهذا هو الواقع الذى لن يتغير حتى لو خبطنا رأسنا فى الصخر، وخبط الرأس فى الصخر هو والاقتتال  بالسلاح بين المسلمين وبعضهم البعض سيان. 
وصدق الشاعر:
كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها…. فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ

الفيلد مارشال رومل

المنطقة العربية والحرب العالمية الثانية فى مذكرات ثعلب الصحراء رومل (2 من 2)

نواصل كتابة محاور رئيسة عن انطباعى بعد قراءة مذكرات رومل، وأوضحها بنقاط فى السطور التالية.

لكن قبل تقديم هذه الانطباعات يجدر بى الايضاح أن هذا المقال (بحلقتيه) ليس عرضا لمذكرات رومل ولكنه إلتقاط لدروس تكتيكية وإستراتيجية وأحيانا إدارية ونادرا سياسية اقتطعتها من كلام رومل تارة واستخلصتها من مرامى كلامه فى هذه المذكرات تارة أخرى.

-تظهر هذه المذكرات كيف أن سوء الإدارة والنزاعات بين الإيطاليين والألمان من جهة وأيضا سوء الإدارة والتحاسد والإهمال الإدارى داخل القيادة الألمانية نفسها لعب ذلك كله الدور الرئيسى فى هزيمة رومل في أفريقيا ومن ثم هزيمة ألمانيا بشكل كامل في الحرب العالمية الثانية لأن رومل كان يعانى من تقتير ألمانيا وإيطاليا في إمداده بالامدادات اللوجستية التى يحتاجها رغم قصر المسافة بينه وبين إيطاليا وكذا ألمانيا ورغم أنه كان مرصود لحملته بأفريقيا آلاف المركبات والدبابات والمدافع وعشرات آلاف الأطنان من الذخائر والبترول وكان بعضها مخزن لحساب رومل في إيطاليا والبعض الآخر في ألمانيا ولكن كل هذه الكميات لم تصل إلى رومل أبدا رغم إلحاحه ومقابلته المباشرة لموسيلينى وهتلر عدة مرات لهذا الغرض، وعاق وصولها سوء الإدارة وتنازع أقطابها وتحاسدهم فضلا عن الإهمال الإدارى والسياسي في هذا المجال.

-كشف رومل في بداية مذكراته أن نجاح الألمان (وكان هو من قادة الحملة الرئيسيين) فى احتلال فرنسا وبلجيكا ليس كما ظن ليدل هارت (أحد أبرز القادة وعلماء الإستراتيجية البريطانيين بالعصر الحديث وبالحرب العالمية) من أن قوات الألمان كانت متفوقة فى العدد والتسليح، وأثبت أن سبب النصر الألمانى هو سرعة الحركة واعتماد تكتيكات المباغتة والسرعة والمحافظة على استمرار الإمساك بالمبادرة مع انهيار معنويات الفرنسيين وارتفاع معنويات الألمان وذكر أدلة وتفاصيل هذا كما ذكر أرقام القوات حيث كانت القوات الألمانية مكونة من ١٣٦ فرقة بينما كان للفرنسيين وحلفاءهم البريطانيين ١٥٠ فرقة.. وربما ذكر إحسان الألمان لاستخدام النيران المركزة والقصف الجوى.

-من تحليلات رومل لانتصاراته على البريطانيين في أفريقيا أن أسلحة الألمان كانت أحدث وأقوى ونيرانها أقوى وأكثف ودبابتهم أعلى تدريعا كما اجاد الألمان تكتيكات حرب الدبابات الثقيلة وأبدعوا فيها بينما ظل البريطانيون لسنوات لا يجيدون ذلك فضلا عن خفة تدريع دباباتهم إلى أن صنعوا الدبابة “الجرانت” وجاءتهم الدبابة الامريكية “شيرمان” كما أشار بهذا الصدد أيضا إلى ضعف المدافع البريطانية والإيطالية.

-لاحظ رومل وأشار الى قلب سلاح الطيران الأمريكى والبريطانى للموازين في نهاية الحرب مما ساعد في هزيمة الألمان في أفريقيا ثم في إيطاليا ونورماندى وإلى نهاية الحرب حيث تمكنت أمريكا من صناعة كميات كبيرة من الطائرات وبمستوى يضاهى المستوى التقنى للطائرات الألمانية، كما وفرت الولايات المتحدة أعدادا أكبر حتى كانت توفر ٤٠٠ طائرة قاذفة تهاجم في وقت واحد القوات الألمانية بمعركة واحدة، وهكذا ضربت إستراتيجية القصف الجوى الكثيف والمركز الإستراتيجية الألمانية التى تميزوا بها لسنوات والمرتكزة على القوات المميكنة سريعة الحركة المكونة من البانزر والقوات المحمولة.

-أوضح رومل وعيه بأهمية المنطقة العربية لحسم الحرب كلها (ويسميها أفريقيا) ويؤكد على أنه لو احتلها الألمان لتمكنوا من هزيمة الحلفاء لأنها ستمكنهم من السيطرة عل البحر المتوسط وخنق الاتحاد السوفيتى فضلا عن توفيرها النفط بوفرة للألمان وهو لازم لحركة الدبابات والطائرات والمركبات مما سيمكنهم من شن هجمات أكثر والمناورة تكتيكيا بالقوات كما يشاءون (لأن المناورة تحتاج حركة بالدبابات والآليات والطائرات وهذه كلها تحتاج مزيدا من الوقود للقيام بهذه التحركات).

-أظهر روميل وعيا بأهمية وخطورة إستراتيجية القصف الجوى وأهمية احتلال القواعد اللازمة لتوفير السيطرة الجوية على مناطق المعارك وتوفير كميات كثيفة من الطائرات القاذفة وتوفير البترول اللازم لحركتها.

-أكد على أهمية حسم معركة الأطلنطى عبر الغواصات ليتمكن الألمان من منع الإمدادات الضخمة الآتية للحلفاء من أمريكا واعتبر أن هذا هو ما سيحدد نتيجة الحرب كلها.

-ظهر تقدير رومل البالغ لأهمية الموارد الاقتصادية وكونها حاسمة فى تحديد نتيجة الحرب عندما اعتبر أن فرصة ألمانيا فى الفوز بالنصر فيى الحرب العالمية الثانية أصبحت ضئيلة بعد دخول الولايات المتحدة للحرب بسبب الموارد الاقتصادية الضخمة لأمريكا خاصة فى الصناعة.

-أوضح رومل تحليله للطبيعة الشخصية للتفكير العسكرى عند “مونتجمرى” وسلوكه بالحرب فقال: “ومن مبادئه ألا يدخل معركة ما لم يتأكد من انتصاره فيها وبالطبع هذا أسلوب لا ينجح إلا إذا صحبه التفوق المادى مع إحرازه لهذا التفوق بالفعل.

وكان حذرا للغاية بل إنى أعتقد أنه كان مبالغا فى حذره ولكنه استطاع استخدام هذه الصفة لمصلحته وقد كان يتمتع بصفات استراتيجية أكثر منها تكتيكية، إلا أنه لم يكن ممتازا فى قيادة القوات فى المعارك الميكانيكية بالرغم من معرفته لأهمية تطبيق هذه المبادئ، اما فى مجال التخطيط الاستراتيجى فقد كان رائعا وخاصة فى معارك الغزو التى قادها، ومن الصعب أن نجد له خطأ إستراتيجيا واحد.

وفى الحقيقة كانت القاعدة العامة بالنسبة للقادة البريطانيين الكبار أن أغلبهم كانوا يفكرون بأسلوب استراتيجى أكثر منه تكتيكيا، وعند وضعهم للخطط وقعوا فى خطأ وهو أنهم كانوا يهدفون للحصول على ما يمكنهم القيام به تكتيكيا.”أ.هـ. بالنص كلام رومل. 

-من تحليل رومل السابق لمونتجمرى والقادة البريطانيين يظهر أن رومل يتبنى رؤية استراتيجية تجيز التحرك بامكانات قليلة لتحقيق أهداف كبرى والانتصار بمعارك كبرى اعتمادا على المناورة والابداع الاستراتيجي والتكتيكى كى تعوض كل من المناورة والابداع نقص الإمكانات المادية، فما رأيكم هل هذه رؤية صحيحة؟؟

إقرأ الحلقة الأولى من هذا الموضوع هنا..

 
 

روميل وهتلر

المنطقة العربية والحرب العالمية الثانية فى مذكرات ثعلب الصحراء رومل (1 من 2)

قرأت مؤخرا مذكرات ثعلب الصحراء الفيلد مارشال رومل، وكنت منذ سنوات طويلة قد قرأت وتأملت عبر العديد من المراجع الحرب العالمية الثانية ومشاريع هتلر والحلفاء من كل جوانبها السياسية والاقتصادية والإستراتيجية كما درست أغلب معاركها وإستراتيجيات هذه المعارك، ولكن قراءتى المتأخرة لمذكرات ثعلب الصحراء أوضحت لى أمورا عديدة ربما كنت غفلت عن بعضها من قبل وربما كنت نسيت بعضها الآخر، وأجد الآن أنه من المفيد كتابة محاور رئيسة عن انطباعى بعد قراءة مذكرات رومل، وأوضحها فى نقاط بالسطور التالية.

لكن قبل تقديم هذه الانطباعات يجدر بى الايضاح أن هذا المقال (بحلقتيه) ليس عرضا لمذكرات رومل ولكنه إلتقاط لدروس تكتيكية وإستراتيجية وأحيانا إدارية ونادرا سياسية اقتطعتها من كلام رومل تارة واستخلصتها من مرامى كلامه فى هذه المذكرات تارة أخرى.

-فى البداية أوضح أن هذه المذكرات هى مجموعة أوراق كتبها رومل أثناء حملته لاحتلال فرنسا ثم حملته فى أفريقيا ثم عودته لجبهة فرنسا، وطبعا كان رومل حرق أجزاء كثيرة من أوراقه عندما ساءت علاقته بـ”هتلر” كما ضاع جزء آخر من أوراقه التى لم يحرقها أثناء محاولات زوجته إخفاءها عن هتلر ثم إخفائها عن قوات الاحتلال الأمريكى لألمانيا.

-أكدت لى هذه المذكرات أن رومل كان ينتصر بمعاركه عبر موارد قليلة وأحيانا ضئيلة فقد كان ينطبق عليه المثل المصرى السائر “يصنع من الفسيخ شربات”، ووصل به الأمر فى معاركه الأخيرة بتونس أن واجه ألف دبابة بريطانية متقدمة بـ20 دبابة ألمانية فقط وتمكن من مواجهتها ثم التخلص منها والانسحاب بخسائر ضئيلة.

-كان روميل يخوض معاركه معتمدا على سرعة تحريك قواته وخفة حركتها فى ظل إجادته لتكتيكات حرب الدبابات الثقيلة واستخدامه المتميز للدبابات الألمانية التى كانت وقتها الأكثر تقدما وتفوقا فى العالم كله. (إلى أن تمكنت بريطانيا فى آخر سنوات الحرب من تصنيع دبابات ثقيلة “الجرانت” كما أن أمريكا صنعت دبابات أخرى قوية ومتقدمة أيضا بنفس التوقيت أبرزها “شيرمان”، علما أن وصول الحلفاء لتصنيع دبابات تضاهى نظيرتها الألمانية بنهايات الحرب هو من الأسباب التى مكنت الحلفاء من الانتصار فى الحرب).

-سرعة وخفة حركة القوات التى يقودها روميل لم تأت من فكر رومل الإستراتيجى هو وأغلب القادة الألمان فقط ولكنهم حققوا ذلك بفعل ميكنة قوات المشاة عبر حملها على السيارات والدبابات الخفيفة، بجانب فرق البانزر التى اعتمدت أصلا على الدبابات الألمانية الثقيلة المتقدمة بمقياس ذلك الوقت.

-أجاد رومل استخدام قوة الصدمة المتولدة من تشكيل القوات الألمانية التى دائما ما اعتمدت على فرق البانزر والمدفعية الثقيلة سواء الهاوتزر أو المضادة للطائرات أو المضادة للدبابات.

-اعتمد رومل دائما على تثبيت جبهة العدو بإيهامه بالهجوم بالمواجهة وفى نفس الوقت يحرك قواته بسرعة وخفية للالتفاف على قوات العدو ومباغتتها بسرعة وقوة من ظهرها أو أجنابها.

-حرص رومل دائما على مهاجمة العدو وملاحقته عندما يكون هذا العدو بأسوأ حالاته سواء عقب تكبده خسائر كبيرة أو قبل اكتمال قدرات هذا العدو أو اذا كان فى موقع سيئ غير محصن أو فى حالة نقص الإمدادات أو انقطاعها أو تأخرها أوبطئها عن ذلك العدو.

-كان رومل يحرص دائما على ألا تكون أجنابه أو ظهره مكشوفا غير محصن وألا يكون سهل لهجوم العدو، فكان دائما يحذر من مباغتة أجنابه أو ظهره فضلا عن جبهته، كما كان يحذر أن يضرب العدو خطوط إمداداه.

-عندما تقرأ مذكرات رومل هذه تجده يشرح دور الموارد بالتفصيل فى عملية النصر بالمعارك التى خاضها ويحلل كل مفردات هذه الموارد سواء من حيث الكميات ككميات البترول اللازم لتسيير المركبات والدبابات والطائرات وكميات الذخيرة وكميات الأسلحة المختلفة كالمدفعية والمركبات والدبابات والطائرات وذخائرها..الخ، كما يحللها من حيث النوع من حيث مدى تقدم الأسلحة التقنى ومدى غزارة نيرانها ومدى فاعلية وتأثير أنواع ذخائرها، ورغم أن هذا أمر بديهى بالنسبة للعسكريين المحترفين من أمثاله إلا أنه أمر من المهم أن نتعلمه نحن العرب بعد أن أفسد خطاب الناصريين والقوميين (وتبعهم في هذا بعض الاسلاميين) عقول العرب بمختلف توجهاتهم السياسية والدينية فصاروا لا يفكرون بالمنطق بل بالشعارات الرنانة فارغة المضمون وهو أمر يوقعنا فى نكسات وهزائم يومية نتردى فيها ونحن نتبجح بالشعارات الفارغة بكل صفاقة وكأننا لا نتكبد الهزائم والخسائر  يوميا.

-ومن الموارد المهمة التى اهتم رومل بتحليلها وشرح دورها فى عملية النصر أو الهزيمة بمعارك الحرب العالمية الثانية موارد غير مادية مثل المعنويات وخبرات القادة وطريقة تفكيرهم وتركيبتهم النفسية والإهمال الإدارى أو الفاعلية الإدارية والتحاسد الإدارى وإن كانت هذه الأمور الثلاثة الأخيرة تعرض لها بحرص أحيانا لأنه كان يكتب وهو جزء من مواطنى ألمانيا تحت حكم هتلر ولم يصلنا أو هو لم يكتب شيئا بعدما ساءت علاقته بهتلر ولا بعدما أمره هتلر بأن يتجرع السم طواعية وسرا مقابل أن يترك هتلر زوجة رومل وابنه أحياء.

واقرأ الحلقة الثانية على الرابط التالي:

المنطقة العربية والحرب العالمية الثانية فى مذكرات ثعلب الصحراء رومل (2 من 2)

قصف سوريا

أزمة الأمة الإسلامية بين سندان الإخوان المسلمين ومطرقة السلفية الجهادية

يشن كثير من الأخوة ورموز ما يسمى بتيار السلفية الجهادية حملة واسعة من الانتقاد لفصائل من المعارضة السورية المسلحة التى تقبل التعاون مع ما تسميه السلفية الجهادية بالطاغوت التركى والطاغوت السعودى والدخول فى ما أطلقوا عليه “التحالف التركى الصليبى”، وفى الواقع فإن ما يهمنا فى هذا المقال هو تبيان الخطأ المنهجى الشرعى فى الدعاوى التى يطلقها هؤلاء الأخوة، لأن هؤلاء الأخوة ورموزهم الفقهية (بجانب تيار الاخوان المسلمين) هم من أشاعوا السطحية فى الفكر السياسى الإسلامى لشباب الحركات الاسلامية المعاصرة.

السلفية الجهادية و الإخوان المسلمون

فرموز السلفية الجهادية وعلى رأسهم أبو محمد المقدسى وأبو قتادة ومن لف لفهم يأخذون أدلة الجهاد والبراءة من الشرك والمشركين وتحريم الموالاة ونحو ذلك ليجعلوها حالة عامة لا يجوز غيرها تحت أى ظروف.
ورموز الإخوان المسلمين يأخذون أدلة مراعاة المصالح والمفاسد وتقدير المآل والأحكام الشرعية المستنبطة من صلح الحديبية وعرض النبى صلى الله عليه وآله وسلم ثلث ثمار المدينة على غطفان فى غزوة الخندق ليجعلوا هذا حالة عامة تبرر التمييع الدائم والعام وأحيانا الانبطاح التام للعدو (كما فى حالة العراق وأفغانستان مثلا).
وهو خطأ منهجى قديم، فالجبرية أخذوا بأدلة قدرة الله وتقديره الكونى ليعمومها على كل شئ بينما عكسهم المعتزلة بأخذهم الطرف الآخر من الأدلة وهى الخاصة بإرادة الله الشرعية وإثبات إرادة الانسان لينفوا إرادة الله الكونية.
ولكن الاسلام الصحيح (أهل السنة) يأخذ بطرفى الأدلة ويثبت إرادة الله الكونية والشرعية وإرادة الانسان.
ونفس الخطأ فعله الخوارج بأخذهم أدلة الوعيد وتعميمها مع إهمال أدلة الوعد والمغفرة فكفروا بالمعصية، وعكسهم المرجئة أخذوا بأدلة المغفرة فأخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان ونفوا زيادة الإيمان ونقصانه.
وهنا أيضا يبرز صحة منهج أهل السنة بالاسلام الصحيح الآخذ بجميع الأدلة دون إهمال طرف منها، فأجروا حكم أدلة الوعد والوعيد معا، دون إخلال بأى منها فلم يكفروا بالمعصية ولم يقولوا “لايضر مع الايمان ذنب لمن عمله”.

السياسة الشرعية

واليوم لدينا مشكلة أكبر بسبب هذين الفصيلين العظيمين من المسلمين “الإخوان المسلمون” و “السلفية الجهادية”، إذ كل منهما اكتفى بالأخذ بأحد طرفى الاسلام فى السياسة الشرعية ونبذ الطرف الآخر، وبجانب هذا فإن الميوعة السياسية (بل والانبطاح أحيانا) التى مارسها ومازال يصر على ممارستها الإخوان المسلمون دفعت متهورين لأن يدعوا للكفر بقواعد شرعية ثابتة ولا خلاف عليها فى فقه السياسة الشرعية من مثل تقدير المصالح والمفاسد والموازنة بينها، ومن مثل تقدير المآل ونحو هذا فأصبحت الشجاعة المفرطة التى تصل للتهور بل وأحيانا تصل للحمق هى الجهاد الشرعى الحقيقى عندهم ولا جهاد غيره وذلك لكى يباينوا منهج وطريقة الإخوان التى افتضح فسادها التطبيقى فى العديد الأماكن والمناسبات.

المولاة والمعاداة والجهاد والشهادة

والجانب الآخر من المشكلة أن إعلاء أدلة المولاة والمعاداة (الولاء والبراء) والجهاد والشهادة دون ضوابطها أظهرها بصورة التهور والحمق لدى كثيرين فجعلهم لا يبحثون ولايميلون للخيارات الجهادية والكفاحية فى سلوكهم السياسى، وهذا أيضا خطأ ضخم.
وباتت شعارات كثيرة ترفع من كلا الطرفين لا تمثل حقيقة أحكام السياسة الشرعية كما كان هدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم، ففريق ليس عنده غير القتال ثم القتال ثم القتال والفريق الأخر ليس لديه سوى الهدنة والمصالحة والتمييع دائما وأبدا ولا خيار آخر عنده.

هدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم في السياسة والحرب

وهنا نريد أن نوضح بصراحة أن كلا الفريقين لم يصب هدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم.
فالنبى صلى الله عليه وآله وسلم سلك مع المشركين الوثنيين خمس حالات هى:
السكوت عنهم (لفترة ما) دون هدنة ولا صلح ولا قتال.
القتال المنتهى بهدنة أو صلح.
القتال المنتهى بفتح للإسلام واستسلام العدو.
عقد اتفاقية هدنة أو صلح دون أن يسبقها قتال.
عقد اتفاقية هدنة أو صلح وتلاها قتال.
كما أن النبى النبى صلى الله عليه وآله وسلم سلك نفس السلوك مع أهل الكتاب بنفس الحالات السابقة.
فمن يحق له أن يضيق واسعا فيرجح حالة القتال المنتهى بفتح إسلامى واستسلام العدو وينفى الحالات الأخرى؟
لا أحد يحق له هذا لكن السلفية الجهادية ومشايخها مصرون على ذلك.
ومن يحق له أن يضيق واسعا فيرجح حالة الصلح والمهادنة على بقية الحالات؟ 
نعم الإخوان المسلمون وتيارهم يفعلون ذلك.

ومن المضحكات المبكيات أنهم لا يستعملون حالة السكوت بل يبادرون دائما لإطلاق الخطابات التميعية، ويستدلون بالمصالح وتقدير المآل ونحو هذا، فيشوشون عقول الشباب بشأن الفهم الصحيح لأحكام الإسلام السياسية.
ويأتى هذا ليفقد الأتباع أى رؤى سياسية وعسكرية وإستراتيجية لأن هذه العلوم تقتضى تنوع الأدوات، واستخدام وحشد وتعبئة كل الأدوات والاختيار من بين أوسع طيف من الخيارات، إلا أن أصحاب هذين المنهجين مصرون على تكبيل عقول أتباعهم ومنعها من التفكير والابداع للخروج بالأمة من أزمتها.
أعرف أن هؤلاء وهؤلاء سيقولون نحن نتخذ هذا التوجه بضوابطه الشرعية..الخ، ولا أريد الدخول فى تفصيلات تبعدنا عن لب المشكلة التى تعيشها الأمة الاسلامية بسبب سيطرة هذين الفصيلين على العقول، ولم يعد ينافسهم سوى بعض الأغرار الذين يستغلون هذه الأزمة لنقد الواقع وادعاء امتلاك الحل السحرى، رغم أنهم ليس لديهم تجربة ولا علم ولا يسعون للارتقاء بأنفسهم علميا وعمليا كى يكونوا متأهلين للتصدر، وقد كتبنا عنهم سابقاوسنكتب عنهم ان شاء الله لاحقا.
نحن نعلم أن هذين المذهبين فى العمل الاسلامى قد ترسخا ولن يقتنع أئمتهم بإصلاح الخطأ، كما نعلم أن الأغرار الذين يحاولون استغلال الأزمة للتصدر لن يتوبوا ولن يفيدوا أو يستفيدوا، ولكننا نكتب لمن يريد أن يحل الأزمة متجردا للدليل الشرعى والفهم الصحيح للواقع المعاصر.

حلب تحت القصف

بعد حرق حلب.. إلى أى مدى يمكن أن يعتمد المسلمون على النظام الدولى؟؟

يثير حرق حلب وقبلها إدلب وكافة سوريا وقبلهم فلسطين وأفغناستان والعراق، سؤالا مهما وهو إلى أى مدى يمكن أن يعتمد المسلمون على النظام الدولى؟؟ إجابة هذا السؤال مهمة لأنها سيترتب عليها الجزء الأكبر لطبيعة الاستراتيجية الاسلامية لاستعادة عزة وكرامة واستقلال العرب والأمة الاسلامية (لأنه لا عز للعرب بدون الإسلام).

حقيقة النظام الدولي وتطوراته

النظام الدولى ما هو إلا النظام الأوروبى للتحكم والهيمنة على العالم وهذا النظام ترجع نشأته الحالية إلى صلح وستفاليا 1648م وما تلاه من معاهدات بالسنوات التالية لأنه هو الذى أرسى دعائم نظام “ما” ينظم طبيعة وآليات العلاقة بين الدول الأوروبية بما فيها بابا الكنيسة الكاثولوكية (وما يتبعه من أملاك) وهذا النظام الأوروبى (بما حمله من تعاون وصراع وفق آليات ارتضوها) هو الذى أدار تاليا عملية تصفية الوجود السياسى الاسلامى كقوة دولية عظمى ممثلا فى الدولة العثمانية، واحتل كل العالم الاسلامى بدوله وممالكه وإماراته المتفرقة بأشكال مختلفة، هذا النظام شهد اختلالات متعددة بسبب احتدام التنافس بينهم ليخرج عن المستوى المسموح به بينهم فى ثلاثة حروب هى العالمية الأولى والثانية ثم الحرب الباردة، لكنه ظل إزاء المسلمين موحد الأهداف.

وهذا النظام الدولى تغيرت رؤوسه على مر التاريخ من دول أوروبية لأخرى إلى أن استقرت أخيرا منذ 1990 فى الولايات المتحدة الأمريكية (وهى وإن كانت خارج اوروبا إلا أنها ابنة أوروبا ثقافة وحضارة ودينا وشعبا) وحتى الآن.

البعد الشعبي في النظام الدولي

هذا النظام هو النظام الرسمى النظامى الذى يملك صنع الحدث فى العالم، ولكن لتكتمل الصورة لابد أن نعى أن هناك نظاما شعبيا يظهر وكأنه موازى لهذه النظام لأنه له مزاجه المختلف أحيانا ولأن صوته عالى جدا.

 هذا النظام الشعبى يتمثل فى حركات شعبية غير حكومية تدافع عن حقوق الانسان أو الحيوان أو البيئة أو عن قيم إنسانية أو الضعفاء والمظلومين، وهؤلاء صوتهم عالى لحد كبير فى أوروبا والولايات المتحدة بسبب طبيعة الحريات المتاحة هناك لكن تأثيرهم بشأن تعديل أو تحسين (فضلا عن تغيير) ثوابت النظام الدولى منعدمة، فقد رأينا عشرات الملايين منهم يتظاهرون فى أوروبا وأمريكا ضد غزو العراق ومع هذا تم احتلال العراق واستمروا بالتظاهر لوقف الاحتلال ولكن الاحتلال استمر حتى حققت أمريكا وأوروبا ما أردا هناك، ورأينا الملايين يتظاهرون ويحتجون ضد ممارسات الصهاينة فى فلسطين منذ عشرات السنين ومع هذا استمرت هذه الممارسات حتى اليوم بل تصاعدت وتعمقت.

كما أن هذه الحركات الشعبية كثيرا ما يتم اختراقها وتوجيهها بشكل أوبآخر من قبل النظام الرسمى (الحكومى) ولكن هذا له حديث آخر إن شاء الله.

وهذا يطرح سؤالين هما:

ما هى ثوابت النظام الدولى بشأننا؟

ما هى آليات عمل النظام الدولى تجاهنا؟

ثوابت النظام الدولي تجاه أمة الإسلام 

وبالنسبة للسؤال الأول فلا يمكن أن نفصل كل ثوابت النظام الدولى فى مقال واحد كهذا ولكن يمكننا أن نذكر ما يخصنا وهو ثوابت النظام الدولى تجاه المسلمين ومنطقتهم، ولئلا يطول الكلام نذكر التصريحات التالية التى توضح الصورة باختصار ولا تدع مجالا للشك لدى القارئ:

يقول “دزرائيلى” رئيس وزراء بريطانيا فى خطاب له فى عام 1872: “إن من الواجب على من صنعوا المدنية أن ينقلوها إلى الآخرين على شروطهم الغربية”

ويقول “هنرى كيسنجر” عقب إعلانه توقيع الانفراج مع الاتحاد السوفيتى فى 1972: “إن السياسة الخارجية  الأمريكية فى القرن القادم سوف تقوم على تهيئة نظام عالمى مستقر تحيا فيه القيم الأمريكية وتزدهر”.. وقد تم وضع هذا النص كما هو كهدف قومى فى عهد “ريجان” فجاء كما يلى: “رابعا- إقامة والحفاظ على نظام عالمى مناسب لا يحقق بقاء القيم الأمريكية فحسب بل وازدهارها”.

وتقول “مارجريت تاتشر” رئيسة وزراء بريطانيا 1988: “إن الامبريالية الأوروبية -نعم ولا أعتذر عن هذا- هى التى نقلت الحضارة إلى كثير من شعوب العالم، لقد كانت هذه هى حكاية مواهبهم وفروسيتهم”.

ويقول “فرانسوا ميتران” رئيس فرنسا فى 1990: “إن وحدة الأيديولوجية فى دول العالم بأن تسود قيم الديمقراطية الغربية هى الطريق الوحيد للتفاهم والتعاون الدولى ولأن يسود الاستقرار والسلام فى العالم”

وقال بيل كلينتون يوم تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية 1993: “إن أمريكا تؤمن أن قيمها صالحة لكل الجنس البشرى وإننا نستشعر أن علينا إلتزاما مقدسا لتحويل العالم إلى صورتنا”.

(راجع: فوزى محمد طايل، كيف نفكر استراتيجيا ، ص 298)

وخلال حملته الانتخابية ألقى رونارد ريغان خطابا بسبتمبر 1980 قال فيه: “إن إسرائيل ليست أمة فقط بل هي رمز ففي دفاعنا عن حق إسرائيل في الوجود إنما ندافع عن ذات القيم التي بنيت على أساسها أمتنا”.

ولاحظوا كلمة القيم المتكررة فى كل الأقوال الآنفة.

ويقول اللواء أ.ح – فوزى محمد طايل: “بنيت الاستراتيجية الأمريكية منذ عهد جيمى كارتر على ثلاث ركائز : نزع إرادة الجهاد من المسلمين، من خلال فرض السلام بينهم وبين إسرائيل، والحيلولة دون تحول الصحوة الاسلامية إلى نهضة حقيقية، وإحداث تشوه ثقافى واجتماعى يحول دون استعادة المسلمين لمنظومة قيمهم،وتبنت الولايات المتحدة خيار استخدام القوة فى منطقة الخليج لهذا الغرض” أ.هـ من كتابه كيف نفكر استراتيجا ص 273.

ويشير فوزى طايل إلى المبدأ الخامس والسادس من الأهداف القومية الأمريكية التى أعلنت بعهد ريجان والتى تنص على:

“- الحفاظ على النظم العلمانية الحاكمة فى المنطقة من المغرب حتى باكستانن ومنع انتقال الحماس الثورى لها والاطاحة بها.

–  إيقاف خطر الارهاب.” أ.هـ من كتاب كيف نفكر استراتيجيا ص 280.

ومن هنا فمسألة فرض القيم الغربية على العالم بعامة والاسلامى منه بخاصة وفرض حكومات ترعى هذا الأمر هو من أبرز ثوابت هذا “الغرب”، لكن قد يميل بعضهم بتلبيس الأمر على عوام الأمة الإسلامية باسم الإسلام كما فعل نيكسون فى كتابه “الفرصة السانحة” عندما دعا إلى “تعريف المسلمين بماهية الإسلام وأنه إسلام متعايش مع الغرب وقيمه الديمقراطية ويطبقها”، وكما دعى تقرير راند لتعزيز ما أسماه الاسلام  الديمقراطى، وهذا هو ما انتقده كثير من الدعاة الإسلاميين وسموه بالاسلام الأمريكى، لأنه يبرر كل قيم الغرب من رأسمالية وإباحية وتأليه الإنسان بدعواى وشعارات إسلامية (باطلة شرعا طبعا).

وقد نقلت الاقتباسات الآنفة بطولها لأقنع من لم يطلعوا على المراجع المهمة المطولة من مثل “الاتجاهات الوطنية” و”الاسلام والحضارة الغربية” لمحمد محمد حسين، و”أساليب الغزو الفكرى” و”مذاهب فكرية” لعلى جريشة، و”واقعنا المعاصر” لمحمد قطب، و”دخلت الخيل الأزهر” لجلال كشك، وغيرها.

آليات عمل النظام الدولى تجاه أمة الإسلام

ثم نأتى لإجابة السؤال الثانى وهو: ما هى آليات عمل النظام الدولى تجاهنا؟

وإجابة هذا السؤال تحتاج كتابا كاملا (وبالمثل كان سابقه) ولكننا سنوجز الأمر، فالهدف القومى الأمريكى المعلن عنه بعصر ريجان كما ذكرناه فى السطور السابقة جاء صريحا ” الحفاظ على النظم العلمانية الحاكمة فى المنطقة من المغرب حتى باكستان ومنع انتقال الحماس الثورى لها والاطاحة بها”، ولنا فى الانقلاب الأمريكى ضد مصدق فى ايران لتثبيت الشاه (عملية أجاكس 1953) عبرة لآلية قديمة، كما لنا فى الانقلاب على الربيع العربى (2011) فى تونس بأسلوب ناعم عبرة بآلية ثانية، وفى مصر بأسلوب خشن بديكور ناعم كانت آلية ثالثة، أما احتلال أفغانستان وحصار عراق صدام ثم احتلاله وتقسيم السودان وإحراق سوريا الآن فكلها آليات أخرى تمتلأ بها جعبة الغرب لاستعمالها ضدنا.

وكى نلقى الضوء على أسلوب عملهم الداخلى فى أوطاننا والشرائح الاجتماعية التى يستندون عليها نختم الموضوع بالاقتباس التالى من مذكرات مايلز كوبلاند ضابط الـCIA الذى نفذ عملية أجاكس عام 1953 التى بموجبها أطيح بحكومة مصدق بإيران وتم إعادة الشاه بموجبها، ولكنه فى الاقتباس التالى يتكلم عن حدث جرى معه أثناء إعداده لعملية مشابهة فى إيران عام 1979 لاجهاض ثورة الخمينى قبل اندلاعها بشهور: “لم أر بغايا ولكن صفوة مجتمع الجريمة الإيرانى أو يمكن القول المافيا الايرانية، لقد أدخلت إلى منزلها فرادى وجماعات من اثنين أو ثلاثة من زمر السفاحين واللصوص والمهربين ومشعلى النيران والفتن ولك أن تسمى ما شئت، وكزملائهم من المجرمين المنتعشين ماليا فى أمريكا وبريطانيا، فهم يتمتعون بعقلية الرأسمالى اليمينى لهذا كانوا يؤيدون الشاه دون تحفظ. قالت كاثى: إذا كنت تخطط لشئ ما فإن هؤلاء الرجال هم مدافعك الثقيلة” أ.هـ. من “حياة مايلز كوبلاند”، ص 360.

لكن التحليل الاجتماعى والاقتصادى المفصل للقوى الاجتماعية التى تنفذ مرامى الغرب بأرضنا له حديث آخر إن شاء الله.

ثورة 25 يناير

الغضب الشعبى فى مصر .. إلى أين؟

يتوقع كثيرون اندلاع احتجاجات عارمة تفضى لثورة شعبية فى مصر إثر الارتفاع الجنونى فى أسعار السلع والخدمات مع التدهور المتسارع للقوة الشرائية للجنيه المصرى، ويتوقع هؤلاء أن يكون موعد مثل هذه الاحتجاجات الأيام التالية لرفع الدعم عن سلع أساسية كوقود السيارات وما سيتبعه من إرتفاع بأسعار كافة السلع والخدمات لارتباطها جميعها بخدمة النقل بالسيارات، معارضو النظام الذين يحلمون بثورة تطيح به يأملون بوقوع هذا الحدث قريبا، بينما لم تقدم الحكومة خطة مقنعة لكبح جماح الأسعار وتأمين المواطنين اقتصاديا واجتماعيا ضد مخاطر التضخم الذى وصل لمعدلات غير مسبوقة، فهل معنى هذا أن النظام الحاكم لم يتحسب لمثل هذه الاحتجاجات ولم يضع خططا لمواجهتها؟؟ ثم ما هى خطط المعارضة لتفجير هذه الاحتجاجات أو إدارتها فور اندلاعها؟؟

سيناريوهات اندلاع احتجاجات في مصر

ليس هناك أى شك بأن أجهزة الدولة المعنية قد وضعت سيناريوهات متعددة لاندلاع احتجاجات كهذه ووضعت خططا “ما” للتعامل معها، لأنها تعمل بأسلوب علمى وموضوعى ومؤسسى فى مثل هذه المجالات، ويمكننا تخمين معالم رئيسة لهذه الخطط فى السطور التالية.

أى احتجاجات لابد أن يكون لها قوى اجتماعية تدعمها ومن المنتظر فى احتجاجات سببها ارتفاع الأسعار أن تكون الشرائح الاجتماعية الفقيرة هى عمادها ومن هنا نرى أن الحكومة بادرت منذ شهور طويلة بتخدير وتقليل غضب هذه الفئة عبر نشر منافذ توزيع السلع الرخيصة بالأماكن الفقيرة والريفية بجانب التخدير الاعلامى، ويضاف إلى ذلك النشاط الواسع فى إبعاد أذرع هذه الفئة (ممثلة فى الباعة الجائلين ونحوهم) عن الميادين الكبرى فى المدن بدءا من القاهرة الكبرى ثم نزولا للعديد من المحافظات، وإحكام السيطرة الأمنية على هذه الميدان.

مارست الحكومة سياسة قمعية ضد أى احتجاجات قامت بها المعارضة منذ 2013 وحتى الآن، وقد نجحت هذه السياسة رغم دمويتها فى تثبيت أركان النظام الحاكم حتى الآن، ولم تتمكن أى قوة معارضة من الإفلات من الأثر السلبى لهذه السياسة القمعية حتى الآن، فلم تعد جماعة الاخوان المسلمين وأنصارها من الإسلاميين قادرة على حشد احتجاجات كبيرة فى شوارع أو ميادين رئيسة وبات أغلب كوادرها المهمين إما مطارد وإما مقتول أو محبوس، كما أن القوى العلمانية واليسارية التى فجرت فاعليات احتجاجية أيام اتفاقية تيران وصنافير لم تكن لتصمد أكثر من شهر أو شهرين على الأكثر أمام صولة الآلة القمعية للنظام، وبعدها أصبحت هذه القوى شبه مشلولة عن أى حركة، أما شباب الاسلاميين الذين ظنوا أن حملهم السلاح يمكن أن يهزم النظام أو على الأقل يوقف دوران آلته الأمنية الباطشة فإنه أيضا لم يصمد كثيرا و بعد عام من تتابع أعمال مسلحة متناثرة بالقاهرة وما حولها تمكنت اليد الأمنية للحكومة من تقليم أظافر هؤلاء الشباب ولم يعد يسمع صوت قعقعة سلاحهم إلا كل عام مرة أو مرتين، وأدى هذا كله لأن يثق النظام بقدرته على السيطرة على الأوضاع أيا كانت سياساته الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن سياساته السياسية، كما وثق به داعموه وحلفاؤه بالداخل والخارج وأيقنوا أنه لا خطر عليه من أى قوى معارضة.

ولكن هل هذا الاطمئنان فى محله وكيف ستسير الأوضاع فى الشهور القادمة؟؟

الانتفاضة الشعبية

وفى الواقع فإن إنفجار انتفاضة شعبية عارمة تخرج عن السيطرة الحكومية وتعجز أجهزتها الأمنية والسياسية أمر لا يمكن توقع توقيته وإلا لما خرجت مثل هذه الانتفاضة عن السيطرة، وهو أمر حدث فى مصر مرات عديدة كما فى مظاهرات الطلبة والعمال 1968 ردا على محاكمات قادة طيران هزيمة يونيو، ثم انتفاضة الأسعار يناير 1977 وانتفاضة جنود الأمن المركزى 1986 وأخيرا ثورة 25 يناير 2011، فكل هذه الأحداث لم يتحسبها أحد قبلها واندلعت فجأة دون توقع من أى جهاز حكومى أو قوة معارضة، ومن هنا فمن الوارد انفجار الغضب الشعبى فجأة دون موعد محدد.

وفى هذه الحالة فالدوافع والمطالب ستكون اقتصادية واجتماعية وأى مطلب سياسى سيكون مرتبطا بهذه المطالب الاقتصادية الاجتماعية، وطبعا ستحاول قوى سياسية معارضة ركوب موجة الغضب هذه بعد اندلاعها وتصاعدها ولكن حجم نجاحها فى ركوب هذه الموجة واستجابة الجماهير الغاضبة لها سيكون مرتبطا بمدى فهم هذه القوة السياسية لمطالب الجماهير وتبنيها لها وتبنى شعارات تمس عقل ووجدان الجماهير الثائرة.

الغضب الثورى

ستنفجر شرارة الغضب الثورى من الشرائح الاجتماعية الدنيا وستلحق بها كثير من الشرائح الاجتماعية والفئات السياسية المعارضة الأخرى، ولكن طبيعة الجنوح للعنف التى باتت سمة سائدة بالمجتمع المصرى مع الدرجة العالية من القمع التى باتت تتعامل بها أجهزة حكومية مع المعارضة كل هذا سوف يصبغ انفجار الغضب الشعبى القادم بمصر بقدر غير مسبوق من الممارسات الشعبية العنيفة وإذا أضيف له طبيعة عبثية بسبب طبيعة الشرائح الاجتماعية البادئة بالغضب فإن هذا كله قد يفقد هذه الانتفاضة تعاطف كثير من أبناء الطبقة الوسطى التى هى عماد أى ثورة بمصر، لكن من الوارد أيضا أن يقتصر هذا العنف على التوجه لرموز الدولة وهنا فستأخذ الانتفاضة شكل آخر فإما أن تخضع لها الدولة فينتصر الغضب الشعبى ويحدث تغيير “ما” وإما أن تصمد الحكومة وهنا يحدث صراع طويل يشبه ما فى دول أخرى كسوريا وليبيا والعراق ونحوها، وإن كانت خبرات تاريخ مصر تقول أن الانتفاضات الشعبية العارمة عادة ما تخضع لها الحكومة بدرجات مختلفة.

خطط الحكومة.. و استشراف مستقبل مصر

ومن المؤكد أن الحكومة أعدت لكل هذه الاحتمالات ووضعت خطط مناسبة لاحتواءها عبر التراجع قليلا أمام الضغط الشعبى بغرض احتوائه وتبريده ثم عودة السيطرة على الأوضاع، كما حدث إثر تنحى مبارك فى 11 فبراير 2011، ويشمل هذا تشكيل حكومة تشارك فيها قوى معارضة والتصالح مع كل قوى المعارضة بما فى ذلك الإخوان.. الخ، فهى خطط احتواء وتبريد دون الإطاحة بالركائز الاجتماعية والاقتصادية وركائز السيطرة الأمنية لنظام الحكم الذى تأسس منذ يوليو 1952 والذى قام باعادة بناءه وتغيير شكله نظام “السادات/مبارك” فى الأربعين سنة 1971-2011 (وهو نفس النظام المستمر حتى الآن).

هذا هو استشراف لمستقبل الأحداث بمصر بضوء معطيات الواقع ومتغيراته وبضوء تاريخ مصر المعاصر، وهو أمر يبين أن دفة الأحداث باتت بمهب الريح نظرا لضعف قوى المعارضة وافلاس فكرها السياسى وقدراتها العملية والتراجع البالغ لتأثيرها بالأحداث.

المسلمون حول الكعبة المشرفة

أبواب مهجورة من العمل في سبيل الله

يتساءل كثيرون -وهم محقون- ماذا نفعل عمليا الآن؟

وإجابة هذا السؤال تفتح الباب للكلام عن أبواب مهجورة من العمل في سبيل الله أو العمل الاسلامي، لأنه في الواقع فإن كل مسلم اليوم هو على ثغر من ثغور الأمة هو مسئول عنه، علم ذلك من علمه وجهله من جهله، ويتحدد هذا الثغر بحسب الطبيعة الشخصية لكل مسلم أو مسلمة وطبيعة الفرص والامكانات المتاحة له، فمن كان محبا للعلم ولديه التكوين الشخصي الذي يؤهله لذلك فهو على ثغر العلم، ويجب عليه ان يتولاه، وصار هذا فرض عين عليه بحسب التفصيل الذي سنذكره بالسطور التالية.

الأمة الاسلامية الآن منكوبة في العلم بكل فروعه الشرعي والدنيوي، فمن لديه ميل لأي من فروع العلم الشرعي فعليه المبادرة بالطلب حتى يصل لأعلى المراتب فيه، وإن كانت فروع الفقه والعقيدة والتفسير أكثر إلحاحا بجانب تحصيل أدوات كل منها من علوم الآلة، وكذلك نحن محتاجون لعلماء نابغين في كل العلوم الدنيوية الاجتماعية منها والطبيعية.

العلوم الطبيعية

ففي العلوم الطبيعية نقلت أوروبا تقدمنا العلمي في العصور الوسطى، وطورت فيه وبنت عليه ثم تكتمت على الكثير من جوانبه الهامة، خاصة الجوانب الاكثر حداثة منه ودقة فجعلتها سرا تحرم منه منافسيها وتحرم منه بشكل صارم ابناء الدول الاسلامية والعربية، وفي نفس الوقت يقوم عملاؤها من حكام العالم الاسلامي بتجهيل المسلمين والسعي لتجريف البيئة التعليمية وعرقلة عمليات البحث العلمي كي لا نتمكن من التطور ولا اللحاق بمعارف الغرب في العلوم والتكنولوجيا، ومن ثم نتخلف في الصناعة والزراعة ويزداد اقتصادنا تدهورا ونظل رهينة لهيمنة أوروبا وأمريكا على العالم، ومن هنا فكل مسلم أو مسلمة قادر على الترقي والتقدم والنبوغ في أي من فروع العلوم الطبيعية عليه فعل هذا لكسر جزء من هذا الاحتكار العلمي والتكنولوجي والصناعي الغربي، وهو فرض عين عليه ان يركز في مجاله ليبلغ فيه منتهاه.

العلوم الاجتماعية والانسانية

اما العلوم الاجتماعية والانسانية فلدينا فيها أيضا عجز لعدة أسباب، ومن أبرز أسباب العجز أن الغرب سبقنا فيها وصبغها بعقائده ومنطلقاته الفكرية وهذه العلوم بطبيعتها تتأثر بالعقيدة والمنطلقات الفكرية والبيئة التي تنشأ فيها، وعندما نقلها العرب والمسلمون عن أوروبا وأمريكا نقلوها كما هي دون أن يحذفوا منها مؤثرات بيئة وعقيدة من طوروها، لأن كثيرا منها ابتكره المسلمون أولا كعلوم الاجتماع والاقتصاد والنفس والتربية ثم أخذتها أوروبا وطورتها، فصارت مبنية على نسق مخالف في بعض جوانبه عن عقيدة ورؤية الاسلام بقضايا هذا العلم أو ذاك، كما أن من أسباب العجز والخلل لدينا في هذه العلوم أن وضعها الاساسي هو للاستفادة في التطبيق العملي، وذلك في عمليات تطوير الواقع المعاش إلا أن أكثر من نقلها في بلادنا ساقوها مساق الترف الفكري والتشدق بالمصطلحات وركزوا على النقل والترجمة أكثر من الابداع والتطوير فيها، كما كرسوا نسبها الأوروبي والأمريكي بدلا من مفاعلتها مع واقع بيئتنا العربية والاسلامية لتستفيد منها بيئتنا وتتطور بها، ولتستفيد هذه العلوم من هذا التفاعل فتتوطن بأرضنا وفقا لخصوصياتنا الدينية والحضارية والثقافية وطبيعة مشاكلنا، وهذه الأمور تفاقم من عجزنا في العلوم الاجتماعية والسياسية وتجعل فرض كفاية على الجميع سد أوجه العجز هذه، وتجعل الأمر فرض عين على من كانت ظروفه وميوله وامكاناته تتيح له التخصص بأحد هذه العلوم والبلوغ فيها مبلغ العلماء الراسخين في أحدها.

ثغور الأمة الاسلامية

وسواء تخصص المسلم أو المسلمة في فرع من فروع العلم الشرعي أو الطبيعي أوالاجتماعي والانساني فليعلم أنه بذلك على ثغر من ثغور الأمة الاسلامية، فهو يعمل في سبيل الله، وينطبق عليه المقولة التي رددها كثير من السلف من أن مداد العلماء يساوي دماء الشهداء لأن من القواعد الفقهية المتفق عليها أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولن يتم واجب إعزاز المسلمين وحماية بيضة الإسلام إلا بالقدرة، والقدرة لن تكون إلا بهذه العلوم بجانب ما سنذكره في السطور التالية.

طبعا من الوارد أن مسلم أو مسلمة تكون طبيعته النفسية وتكوينه العقلي لا يميل أو لا يتوافق مع طلب العلم المتخصص والاشتغال بالبحث العلمي الذي ذكرناه، وهذه النوعية من المسلمين والمسلمات سيلقى على عاتقها واجب آخر تجاه أمتها وستكون مسئولة عن ثغر آخر من ثغور الأمة الإسلامية وعليها ألا يؤتى المسلمون من قبلها وهذا الثغر هو ثغر المال، فكما كل مجد وقدرة وقوة تحتاج علما شرعيا وطبيعيا واجتماعيا فإن كل مجد وقدرة وقوة تحتاج مالا أيضا، فمن لم يجد نفسه في العلم فعليه أن يحاول أن يسد ثغر المال بأن يجتهد في العمل الدنيوي الحلال ويحاول أن ينتهز كل ما يتاح له من فرص للثراء الحلال ليستخدم هذا الثراء لرفعة ومجد الاسلام والمسلمين، وينبغي أن تكون هذه نيته وعزيمته وديدنه وليكن قدوته في البذل والعطاء الصحابة الكرام خاصة الاثرياء منهم كعبد الرحمن بن عوف الذي خرج من ماله كله لله عدة مرات (أي تصدق بثروته كلها دفعة واحدة عدة مرات) ومثل عثمان بن عفان الذي جهز جيش العسرة، وينبغي أن يدرس سلوكيات أهل الثراء المعاصرين الذين وظفوا ثراءهم لخدمة قضايا كبرى (بغض النظر عن موقفنا منهم) مثل ال روتشيلد الذين كان لهم دور محوري ورئيس في تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ودعمه بل مازالوا يدعمونه حتى الآن، وكذلك روبرت مردوخ الذي سيطر بالمال على جزء مهم من اعلام استراليا ثم تمدد الى اعلام الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها، ومن المهم أن نعي أن كثيرا من أثرياء المسلمين ينفقون عشرات او ربما مئات الملايين شهريا فيما يعتبرونه أبواب بر وخير كل شهر، ولكن هذه النفقات كثير منها يذهب الى المكان او الهدف الخطأ لأسباب كثيرة يطول شرحها وليس موضعها هنا الآن، ولكن لنعلم أن الصواب هو إدارك ودراسة تجارب الصحابة رضوان الله عليهم وعلماء السلف في النفقة والتجارب المعاصرة لتوظيف المال لتحقيق الأهداف الكبرى، وعلى من وظف نفسه لثغر المال أن يعلم أنه إن كان لم يتمكن من التفرغ للعلم والدعوة فعليه مساعدة العلماء وطلبة العلم والعلماء والجامعات ومراكز البحث العلمي ومراكز التعليم والدعاة والعمل الدعوى والإعلامي، فهو سيقوم بنفس ما يقوم به العلماء او الباحثون أو الدعاة ولكن بواسطة المال، كما ان توطين التكنولوجيا المتقدمة والصناعات والزراعات المتقدمة بافئدة وبلاد المسلمين ليس عمل العلماء والباحثين فقط لكنه عمل مالي أيضا.

يبقى أمر آخر وهو ما إذا كان المسلم أو المسلمة لا يمكنه أن يكون عالما ولا باحثا ولا متعلما ولا معلما ولا ثريا فماذا يفعل؟

فهذا النوع من المسلمين والمسلمات عليه عدة واجبات أخرى مهمة لعل أبرزها ما يلي:

-أن يبلغ ما يعرفه من الخير للآخرين فكما ورد بالحديث النبوي الصحيح (رب مبلغ اوعى من سامع ورب حامل فقه لمن هو أفقه منه).

-أن يبذل ما في وسعه لمساعدة ومساندة كل الفئات الني ذكرناها في السطور السابقة.

-أن يربي أولاده وأسرته على الإسلام والخلق القويم والمفاهيم الصحيحة قدر ما يستطيع فلعل يخرج منهم من يكون من الفئات السابقة (علماء، معلمون ، باحثون، دعاة، أصحاب أموال ينفقونها في سبيل الله).

-أن يجتهد في الدعاء للأمة ففي الحديث الصحيح (إنما تنصرون بضعفائكم).