منذ عدة أيام لاحظت خبر وصول قطع بحرية روسية إلى قرب سواحل سوريا وتحمل صواريخ كروز يزيد مداها عن ألفي كم، وقالت روسيا أن هدفها دفاعي وما أن رجعت للبيت حتى وجدت خبر وصول قوات أمريكية الى العراق يصل عددها لأكثر من 1800 مقاتل بمعداتهم، أول تساؤل كان قفز لذهني مع الوصول الصاروخي الروسي ولكن سرعان ما جاء اول طرف للاجابة مع الوصول الامريكي، فروسيا عرفت نية الولايات المتحدة للتواجد العسكري لمزاحمة الاجندة الروسية وربما جانب من الاجندة الايرانية/الشيعية فعززت روسيا وجودها لتحد من مخاطر هذه المزاحمة، وتتابعت بعد ذلك بيوم او يومين الأخبار لتؤكد هذا الظن، فأمريكا تقرر ارسال الفرقة ١٠١ للعراق وهي فرقة محمولة جوا لها خبرة بالعراق وشاركت بدور فعال في غزو العراق أيام بوش الابن، ونجد جون بايدن يعلن من تركيا أنه إذا لم ينجح الحل السياسي في سوريا فإن الولايات المتحدة وتركيا لن تسكتا وستتدخلان عسكريا لضرب الارهاب في سوريا وأردوغان يعلن ان أكراد سوريا وتركيا هم كداعش سواء وان تركيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا و قطر لن تسمح للإرهاب بالتمدد في سوريا وأن تركيا لن تسمح بتموضع روسي في شمال سوريا.
ليس هدفي هنا سوق التحليل السياسي وانما هدفي أن أتخذه مدخلا لذكر قاعدة مهمة في مجال فهم فلسفة حركة الأحداث أو ماهو القانون الذي تتحرك الأحداث وفقه (وهي نفسها ما تسمى بفلسفة التاريخ) ومن ثم نفهم مستقبل أي أحداث او نتوقع مسارها العام على الأقل، فعندما دخلت روسيا بغشمها وإجرامها الى سوريا وسفكت دماء اهلنا هناك اسودت الدنيا في أعيننا جميعا ولكنني كنت أعلم بل أيقن أن أمرهم وأمر إيران/الشيعة لن يتم و سوف تسحقهم عجلة التاريخ وربما كتبت عن هذا كثيرا وقتها، الآن تتضح صورة سنن الله الثابتة التي لا تتبدل في مجال حركة الأحداث وأول معلم من معالم هذه السنة هي قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [سورة آل عمران ١٤٠- ١٤١]
فلا مناص من هذه المداولة (بغض النظر عن تفاصيل حكمة وأسباب المداولة).
ولعل مما يوضح المدوالة هذه أيضا قوله صلى الله عليه وآله وسلم (حق على الله أن لا يرتفع شئ من الدنيا إلا وضعه) [رواه البخاري وأبوداود والنسائي].
وهنا يبرز سؤال مهم وهو: ما هي آليات تحقق هذه المداولة؟
ولا شك انه توجود عدد من الآليات التفصيلية في هذا المجال وردت في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلا أن أبرز هذه الآليات وأكثرها كلية هي آلية المدافعة (أي الصراع)، قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [سورة البقرة 251].
وقال سبحانه أيضا: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [سورة الحج 40].
وقد كتبنا تفصيلا عن مفهوم هذا التدافع أو الصراع و ركائزه أو أنساقه الفرعية في مقال سابق هنا.
وبعيدا عن أي تفصيلات اخرى فإننا نريد أن نشير إلى أنه اذا شاهدنا علوا للظلم أو الظالم فلا ينبغي أن نظن أن هذه هي نهاية المطاف فالأيام دول، وما ارتفع شئ إلا وضعه الله، فإن نازعتنا أنفسنا متسائلة: كيف؟ فلنرد عليها بقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).
فهناك متهور ومندفع متجاهل لحقائق الميزان الاستراتيجي مدعيا أنه بالايمان وحده سيقلب كل الموازين، وهذا بينا فساده مرارا سابقا اذ سنة الله في خلقه الأخذ بالأسباب وإلا لما استغرق النبي صلى الله عليه واله و سلم 23 عاما للتمكين للإسلام في الجزيرة العربية ثم استغرق خليفته نحو السنتين لترسيخ هذا التمكين، ولم يخرق الله سنته الكونية في جهاد النبي صلى الله عليه و آله و سلم ولا في جهاد الصديق ولا أعفاهم من الأخذ بالاسباب الكونية.
وكان صلى الله عليه و آله و سلم يلبس درعين ويحرص على تطوير جيشه ودولته، وفي مجال تطويره صلى الله عليه و آله و سلم للجيش فلنتأمل المقارنة بين جيش معركة بدر الكبرى، حيث كلهم مشاة وكثير منهم بلا دروع وبين جيش فتح مكة حيث كانت كتيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرين والأنصار كلهم فرسان ولايرى منهم إلا عيونهم من دروع الحديد التي غطت أجسامهم، وغير هذا كثير مثل استخدامه المنجنيق وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول من أدخله الجزيرة العربية.
ويكفي في هذا المجال أن علماء الإسلام قديما وحديثا اتفقوا على أن القيام بالواجب منوط بالإستطاعة وأن العاجز يسقط عنه الواجب، ولاشك أن الذي عليه تحديد مقياس الاستطاعة هو الاستراتيجي المدرك لأبعاد وطبيعة موازين القوى، وليس العوام ولا القادة الذين تنحصر قدراتهم الادارية أو السياسية أو العسكرية في المستوى التكتيكي.
وعلى الجانب الآخر نجد الإفراط والمبالغة في تصور طبيعة الميزان الاستراتيجي، ومن ثم الانبطاح إزاءه بحجة (ايش نعمل في ظرف كهذا.. كل الظروف والقوى ضدنا أو كانت ضدنا…الخ) و هنا دائما يحضرني واقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد 13 عاما صبرا ودعوة في مكة وليس معه الا نحو 154 مؤمنا، و يهاجر للمدينة و يؤسس دولته هناك، فما كان الميزان الاستراتيجي حينئذ في الجزيرة العربية؟ وكيف كان وضع النبي صلى الله عليه و اله و سلم و صحبه؟ وكيف كان وضع مكة و قريش في هذا الميزان؟!…
ثم يحضرني حال الصديق أبي بكر عندما ارتد العرب و لم يعد مسلما معه سوى مكة والمدينة والطائف بينما كل الجزيرة العربية ضده هم والفرس والروم.. فكيف كان الميزان الاستراتيجي بينه و بين كل هؤلاء حينئذ؟! و هل انبطح أبو بكر أو لانت قناته بدعوى (ما فيش غير كده) او بدعوى (كل القوى ضدي و انا وحدي انا و الصحابة)؟!
أحيانًا يَحدث جمود في الموقف السِّياسي أو العسكري، ولا يستطيع أي من الفريقين المتصارعَين تحقيق نصرٍ حاسم، وعادة يكون سبب هذا الجمود هو قدرًا “ما” من توازن القوى بين الفريقين يَمنع من حَسم أحدهما الصِّراع لصالحه، وفي أحيان أخرى يَحدث الجمود في حالة الصِّراع بسبب التفوُّق الطَّفيف جدًّا لصالح طرف مع صمود الطَّرف الآخر وإصراره على عدم الهزيمة، وهنا يتَّسم الموقف بالجمود الكامل؛ بحيث يظل الصراع قائمًا دون قدرة أيٍّ من الطرفين على حسم الموقف الصِّراعي لصالحه وتحقيق نصرٍ صريح وواضح.
وكي نفهم طرق حلحَلة الوضع عندما يَصل إلى هذه الحالة؛ فعلينا تفكيك الموقف كالتالي:
التفوُّق على خصمٍ قد يكون عَبر تفوُّق عددي أو تفوق في الموارد الاقتصادية، أو تفوق نوعي (وهو الأغلب)، والنَّوعي قد يكون نوعَ سلاحٍ، أو درجة تدرب وكفاءة عناصره، أو تحصُّنًا بحصون يستحيل اقتحامها أو تعدِّيها بالطرق المعتادة، أو تفوقًا في الفِكر السياسي والإستراتيجي يمكِّنه من إجراء تحالفاتٍ ومعاهدات مهمَّة تغيِّر موازين القوى بحصوله على مزيد من الموارد المتميزة كمًّا أو كَيفًا أو كليهما، كما أنَّ التفوُّق في الفِكر السياسي والإستراتيجي يتيح له تحرُّكات فعَّالة ومؤثِّرة تحقِّق له ضغطًا مهمًّا على خصمه.
وطرق كسر هذا الجمود عدَّة، ونذكر جانبًا منها ممثِّلين بالحركة في معركة حربيَّة لتسهيل التوضيح:
♦ التضحية لكسر الجمود كسرًا؛ لأن بعد كسر الحصن الذي يسدُّ الطريقَ سينفتح الطريق.
♦ الالتفاف من على الأجناب لمهاجمة الأجناب وصولاً للعمق، أو الالتفاف الكامل للوصول إلى المؤخِّرة ومهاجمة المؤخِّرة بما يربك العمق والقيادة.
ودرس مهاجمة الأجناب أو المؤخرة حصيلتُه أو مؤدَّاه أو جوهره هو اختيار الأماكن الرخوة للضَّغط عليها؛ لأنَّ الضَّغط فيها يؤدِّي لاختراقها وصولاً للعمق، وهو على كلِّ حال يضعف ويربك العمق حتى ولو لم تصل له.
وبذا يكون دائمًا – وفقًا لهذه الإستراتيجية المقترحة – أنَّه إما أن نكسر العقبَة الصَّعبة التي تسد طريقَ الوصول لعمق ورأسِ العدو عبر ثمنٍ مرتفع من أجل فتح الطريق ليصبح سهلاً لنندفع فيه بقوة وسرعة بعدها.
وإمَّا أن نختار الأماكن الرخوة فنضغط عليها، وغالبًا ما تكون المؤخرةَ والأجناب وخطوط الإمداد، أو مخازن التموين أو مصدر الإمداد.
عمليات الالتفاف أو الضَّغط على النِّقاط الرخوة للنفوذ عبرها للعمق؛ هذه تَعتمد على حيازتك جهاز معلوماتٍ ذا قدرة مناسبة على جَمع المعلومات وتحليلها تحليلاً علميًّا موضوعيًّا سليمًا.
♦ وهناك محور آخر لكسر الجمود في حالة ما إذا كان الجمود ناتجًا عن تعادل القوى لدى طرفَي الصِّراع، فحينها هناك أسلوب المطاولة، بشرط أن تَسعى لتطوير قدراتك وترقيتِها، مع منع الخصم من تطوير قواه وترقيتها في نفس الفترة، وصولاً منك للقدرة على الفوز عليه والإيقاع به بقدراتك المطورة.
وتطبيق ذلك كله على الصراع السياسي له أمثلةٌ عديدة، نذكر جانبًا منها للتوضيح على النحو التالي:
إنَّ الحصن الذي ذكرناه في الأمثلة السَّابقة قد يكون في السياسة الدَّاخليَّة هو قانون أو آليَّات إدارية بالغة التأثير تتَّخذها الحكومة لمنع حريَّة المعارضة في العمل الجماهيري أو اكتساح انتخابات، أو حريَّة العمل الإعلامي وتوصيل المعلومات الحقيقية ومواقف المعارَضة إلى عامَّة الشَّعب، وحينئذٍ يُعتبر إلغاء هذا القانون أو هذه الآليات الإداريَّة هو كَسرًا للجمود الحادث في الصراع.
أمَّا بشأن الضَّغط على الأماكن الرخوة، فإنَّ تجسيدها السياسي قد يكون أخطاء وإخفاقات فادِحة ترتكبها الحكومةُ، فتستغلها المعارضة لفضحِها وجذبِ غالبيَّة الجماهير لها، وتعبئتِهم وتنظيمهم ضدها.
وقد يكون الموقع الرخو هو انقسامًا في الحزب الحاكِم أو صراعًا داخله، فتستغل المعارضة هذا بشكلٍ أو بآخر.
وقد تكون الأماكن الرخوة هي فسادًا ضخمًا مستترًا، فتفضحه المعارضة، أو قد تكون معاناة طبقة أو فِئة من الشَّعب من سياسات الحكومة، فتستقطبها المعارضة.
وقد تكون المواقع الرخوة هي وجود أحزاب وحركات معارضة أخرى يمكن التحالُف معها ضد الحزب الحاكم.
وهنا قد يقول قائل: إنَّ هذا كله يَحدث بلا جدوى، ولكن أقول له: حقيقة الأمر أنَّ هذا لا يحدث؛ لأنَّ الذي يَحدث هو عمل إعلامي فقط، وليس عملاً سياسيًّا متكاملاً، فالإعلام خطوة أولى لا بدَّ أن يتلوها خطوات عديدة تَحصد ثمرةَ هذا العمل الإعلامي، فضلاً عن أنَّ العمل الإعلامي نفسه يَجب أن يكون فعَّالاً ومؤثرًا؛ بمعنى أن تصل الرِّسالة الإعلاميَّة إلى جمهورها المستهدَف، لا أن تكون الرِّسالة الإعلاميَّة هي مجرد نشرةٍ داخليَّة لا تصل إلاَّ للأتباع والأنصار المتعاطِفين أصلاً معك ومع كلِّ ما تقوله.
وبشكلٍ عام فالإستراتيجية التي نَقترحها قائمة على كَسر الجمود عبر اختراق ما، وهذا الاختراق قائم على إبداع حلولٍ تحل المشاكلَ وتُزيل الجمودَ، وتعتمد فقط على الموارد الموجودة أو على تطوير الموارد الموجودة، وتكمن قوَّتها في قوَّة الفِكر والخيال الإبداعي الذي يَقف خلفها.
وهناك أمثلة كثيرة في العمل السِّياسي المعاصِر لعمليَّة اختيار المَواطِن الرخوة واستغلالها، ونذكر الأمثلة التالية للتوضيح:
♦ عندما نشأ الاتحادُ السوفيتي كان يروِّج الماركسيَّة في العالَم، وأراد نشرَها في مصر، وبينما تعتمد الماركسية على تنظيم وتعبئة العمال (نظريًّا)، فإنَّها وجدَت فرصتَها بتجنيد أولاد الذَّوات من أبناء باشوات مصر الذين يدرسون في أوروبا، ثمَّ عَبْرهم نشرَت الماركسيَّة عندما عادوا إلى مصر.
♦ عندما وضع “ماركس” نظريَّتَه اعتمد فيها على أنَّ من سيفجِّر الثورةَ هم عمَّال المصانع، وبالتالي توقَّع أن تكون أول ثورةٍ ماركسيَّة في ألمانيا وبريطانيا لأنَّهما الأكثر تقدُّمًا صناعيًّا، وبهما مصانع وعمالة كثيفة (في القرن الـ19 م)، لكن في القرن العشرين أراد “لينين” أن يفجِّر الثورةَ في روسيا، وكانت روسيا دولةً زراعيَّة ليس بها عمَّال، فارتكزت ثورته على عمَّال المواني والجنود.
♦ وشيء مشابه فعلَه “ماو” في الصين ؛ إذ لا عمَّال مصانع ولا مواني، فماذا يفعل؟ لقد توجَّه بعمله الثَّوري للعاملين بالزِّراعة، وارتكزت ثورته عليهم ونجح أخيرًا عام 1949.
♦ عندما أرادت إيران اختراقَ لبنان والسيطرة عليها، بدأت عبر الشِّيعة الإماميَّة هناك، وهم على نفس المذهب الإيراني، ولكن عندما أرادَت اختراقَ اليمن اعتمدَت على الشيعة الزيديَّة؛ وهم مذهب شيعيٌّ آخر، لكنَّه الأقرب لها بدلاً من الأغلبيَّة السنيَّة، وعندما أراد أتباعُها الحوثيون التوسُّعَ في اليمن واحتواء بقيَّة الشَّعب تبنَّوا قضايا شعبيَّة؛ مثل غلاء الأسعار ورفع الدعم… إلخ، وفي سوريا اعتمدَت إيران فيما اعتمدَت على العلويِّين، وهم شيعة إسماعيلية، وهو مذهب ثالث مختلِف عن الإمامية والزيديَّة، وعندما أرادت التوسُّعَ في الشام واحتواء الشَّعب هناك تبنَّت هي وأتباعها شعارات مواجهَة إسرائيل وأمريكا؛ لسخونَة الصِّراع العربي الصهيوني في الشام والأردن.. ثمَّ نجد إيران تتواصَل في التسعينيات من القرن الماضي مع السلَفيَّة الجهاديَّة في أكثر من مكانٍ لتحقق نفوذًا في أماكن لا يوجد فيها شيعة، بل تتواصل الآن مع طالِبان في أفغانستان (رغم أنَّ لها شيعةً إماميَّة أتباعًا لها هناك)، ولكن المؤشِّرات أثبتَت أنَّ طالبان ستكون لها اليد الطولى في مستقبل أفغانستان السياسي فسعَت لها إيران.
وهكذا، فباختلاف الزَّمان والمكان تَختلف الفرصةُ أو المَوطن الرخو الذي يمكن عبره تحقيق الاختراق وكسر الجمود.
ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للاجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان؟ و قلنا أنه كي نتمكن من الاجابة على هذا السؤال فلابد أولا أن نعيد توصيف هذه القوى و أهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلا من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط ، و شرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي و مشاريع الجهاد العالمي و الجهاد المحلي و تنظيم الدولة الاسلامية كما ذكرنا في الحلقة الثانية المشروع السعودي و المشروع الاخواني و ذكرنا فيالحلقة الثالثة مشروع الامارات-السيسي و مشروع إيران ثم ذكرنا في الحلقة الرابعة مشاريع الولايات المتحدة و اسرائيل و روسيا و الصين في المنطقة و نختم هذه السلسلة بهذه الحلقة الخامسة و التي نذكر فيها توقعاتنا بشأن مستقبل المنطقة فيما يتعلق بأغلب المشاريع المذكورة في الحلقات السابقة.
مستقبل الصراع في المنطقة
سوف يستمر الصراع في المنطقة بين كل هذه القوى التي ذكرناها في الحلقات السابقة وفقا للتحالفات القائمة الآن و ان كان البعض منها قد يتغير مع تطور الأحداث و على كل حال فسوف يستمر الصراع السياسي و الحروب حتى يحدث التوازن بين من يصمد منها و يستمر باقيا و لا يفنى حتى لحظة حدوث التوازن، و التوازن يحدثه احد ثلاث عمليات:
العملية الأولى: يطور الضعيف من هذه القوى نفسه ليتمكن من التوازن مع الاخرين الأقوى منه فلا يصبح هناك اي طرف ضعيف بل يستمروا كلهم بقدرة متوازنة مع بعضهم البعض فتقتنع كل قوة منهم بألا قدرة لها على افناء خصومها فتختار تكريس الوضع القائم أي الأمر الواقع إما باتفاقات مقننة او بصمت و إقرار ضمني بلا تقنين قانوني أو إعلان صريح.
العملية الثانية: يحدث انهاك للجميع فيتساوى الجميع في الضعف فتحدث نفس النتيجة السابقة و هي توازن القوى و ما يصحبه من قناعة بألا قدرة لأحد على إفناء الآخر.
العملية الثالثة: يُنهك الأقوى بدرجة تقربه من درجة ضعف الضعيف و يتطور الاضعف فيرتقي لدرجة تجعله في مستوى الاقوى بعدما انهك فيتوازنان و نصل لنفس النتيجة السابقة.
و رغم هذا كله فهناك قوى ستمحق و تزول و اخرى ستبقى فمن هي؟؟؟
ربما يزول طرفا الغلو يمينا و يسارا و لكن من يزل لا يتحتم أن يكون زواله فيزيائي أو واقعي و انما قد يعدل نفسه ليصير كأنه قوة اخرى جديدة لها خصائص سياسية و فكرية جديدة فيصبح قد زال شكله الفكري و السياسي و قدر من الجغرافي السابق على التعديل و ظهر بكينونة جديدة.
الي ماذا ستؤول الاتجاهات الموجودة الآن؟؟؟
سيتحول تنظيم الدولة و تنظيمات القاعدة الى توجه يشبه توجه الجهاد المحلي و إن لم يفعلا ذلك فسوف يزولون تماما أو يضعفون جدا بحيث لا يبقى لهم أي وجود حقيقي لكن ربما يبقى لهم مجرد وجود رمزي و شكلى عند نهاية مرحلة الصراع الحالية بوصول المنطقة لدرجة كبيرة من الاستقرار عبر توازن القوى .
و سيتحول غلاة العلمانية لموقف التظاهر بالاسلام التقليدي لكنه في جوهره علماني جدا لكنه يظهر هذا المظهر ليتعايش مع الحركات الاسلامية بغية كسب ودها كي تكف عن معارضته.
الاخوان المسلمون لو ظلوا على نفس منهجهم السياسي و الاستراتيجي دون أي تغير فقد يستفيدون من بعض الصفقات السياسية التي ستعقد بعد نهايات الصراع في كل دولة من الدول، لكن أرباحهم ستقتصر على السماح لهم بحرية ما للتواجد عبر حركة سياسية و دعوية في كل دولة على حدة، و مع هذا سيفقدون قدرا كبيرا من أنصارهم كما سيفقدون الزخم الجماهيري الذي كان يصحبهم في العقود الثلاثة الأخيرة لأن كل تمدد جهادي أو علماني أو شيعي فهو يخصم من رصيدهم الجماهيري لأن جماعة الاخوان المسلمون جعلت منهجها السياسي و الاستراتيجي على النقيض من هذه المشروعات الأخرى كلها منذ أربعين عاما تقريبا و لم تبن أي جسور تعاون أو تحالف حقيقي مع أي منها.
و من المتوقع أن يكون الكاسب الأكبر في نهاية المرحلة هو قوى الجهاد المحلي كأحرار الشام و فجر ليبيا و حماس و نحوهم لأنهم يعدون بديلا عن تنظيم الدولة و القاعدة و في نفس الوقت فإن قدراتهم و سيطرتهم على الأرض ستمنع القوى الدولية و الاقليمية من ازاحتهم و إحلال الإخوان أو الإسلام التقليدي (السعودي) كبديل لهم ، هذا إن توحدوا و تعاونوا و لم تضربهم سوسة الشقاق و الخلاف الداخلي الذي لو حدث فسوف يقضي عليهم و ينصر خصومهم.
و سيسعى خصوم التيار الاسلامي بعامة و الجهادي منه بخاصة الى اختراق الحركات الاسلامية ليس فقط للحصول على المعلومات من قلب قيادتها و لكن أيضا لتوجيهها وفقا لأجندات القوى الاقليمية و الدولية و تمزيقها ببذر بذور الشقاق بينها و ضرب بعضها ببعض و سوف يستغلون حب الرياسة و التعصب الحزبي لتحقيق ذلك و لن تنجح أي حركة إسلامية إلا بتجاوز هذه العقبة.
و سيظل لايران أماكن نفوذها خاصة بأجزاء من كل من العراق و لبنان و سوريا و اليمن.
كما ستتمتع السعودية بنفوذ ذي شأن بعد أن تكسر النفوذ الايراني و تقلل من قدراته و تمدده و ذلك بشرط ان يظل ال سعود متحدين و لا يتنازعوا و يظلوا مصرين على المبادرة بالمنطقة.
وماذا عن القوى غير المتحيزة جغرافيا مثل الاسلامين في مصر؟؟؟
هؤلاء يرتبط مصيرهم بمصير التغيرات الشاملة في المنطقة ككل اذ ما يحصل في سوريا و العراق و أفغانستان و اليمن و ليبيا و الخليج و تركيا سيؤثر على مصر و نتيجة الصراع في كل هذه البقاع سوف تحدد نتيجة الصراع في مصر.
ما الشكل الجغرافي المتوقع في كل بقاع المنطقة؟؟؟
من المتوقع أن تتغير الجغرافيا السياسية في المنطقة و تتحول الكيانات الى دول صغيرة بانقسام سوريا و العراق و ربما اليمن و ليبيا و الصومال و مالي و نيجيريا و ربما العديد من الدول الأخرى ، و سيصير هناك دولا تحكمها قوى الجهاد المحلي و اخرى تحكمها تنظيمات تابعة للقاعدة أو تنظيم الدولة بعد تعديل في موقفهما كما ذكرنا، بجانب استمرار الدولة السعودية و إيران و ستعود طالبان لحكم أفغانستان ، وسوف يتغير نظام الحكم في مصر و يتحول أولا لنظام يشبه لنظام مبارك عام 2005 و ربما يتحول في مرحلة تالية لنظام حكم يحكمه تحالف من الاخوان و العسكر لكنه سيظل في صراع مرير و طويل مع فصائل إسلامية تابعة لقوى الجهاد المحلي أو العالمي.
ما موقف اسرائيل من هذا و ما مستقبلها؟؟؟
ستستغل اسرائيل الصراعات لبسط هيمنتها أكثر و اكثر على الفلسطينين في الضفة الغربية و القدس الشريف و الضغط على غزة، كما ستستجم قوتها لانشغال المنطقة عنها فضلا عن تحقيق العديد من المكاسب السياسية و الاقتصادية بفعل زيادة تعاونها مع مزيد من القوى بالمنطقة.
ما هو موقف الولايات المتحدة و أوروبا من أحداث المنطقة؟؟
المشروع الأقرب لقلب و عقل الولايات المتحدة و أوروبا و إسرائيل هو مشروع الامارات-السيسي (و يليه مشروع إيران، أما المشروع الصهيوني فهو مشروع الولايات المتحدة نفسها) لكن مشروع الامارات-السيسي هو الأبعد و الأغرب عن طبيعة المنطقة الفكرية و الاجتماعية بل و السياسية و مع هذا فستظل الولايات المتحدة تساند مشروع الامارات-السيسي ، و تراقب ما يحدث و سوف تنتهز الفرص المختلفة لانجاحه او الضغط على خصومه لكن دون تورط في شئ واضح أي دون تدخل عسكري بري و سوف تتفاهم بشكل أو بآخر في النهاية مع من يحكم على الأرض و يتحكم في الواقع و يصير هو نفسه أمرا واقعا لا مناص عن التعامل معه و ان ظلت تتربص به الدوائر ما لم يكن على هواها.
و ما تأثير هذه الأحداث علينا سلبا و ايجابا؟
لقد أوضحت السطور السابقة ما نتوقع أن تسير عليه الأحداث الى أن يهدأ الصراع السياسي و العسكري في المنطقة ، و يمكن تدبر هذا التوضيح لمعرفة ما المصالح و ما المفاسد التي ستترتب على سير الأحداث و معرفة كيف نستغل الفرص التي تكمن في هذه الأحداث و كيف نتجنب المخاطر التي تحملها هذه الأحداث ، و نتبين موقع أقدامنا و نتلمس سبل النصر و أسبابه و كما قال بعض السلف الصالح “و تختلف الاستفادة بالعلوم بحسب القرائح و الفهوم” و كما في الحديث النبوي الصحيح “رب حامل فقه ليس بفقيه و رب حامل فقه لمن هو أفقه منه”.
و على كل حال فبعد نشر هذه السلسلة من المقالات فسوف ننشر إن شاء الله سلسة أخرى أظن أنها لابد أن تكون قرينا لهذه دائما فيصير هذا الزوج لا غنى عن دراستهما معا لكل من يريد النصر و العز لهذه الأمة.
ماذا علينا تجاه هذه الأحداث عملا فيها و تجهزا لمراحلها المختلفة؟؟
هذا هو موضوع السلسلة الأخرى التي أشرنا إليها آنفا و سوف نكتبها عن “العمل الاسلامي” ان شاء الله لتكون قرينا لهذه السلسلة التي انتهت بفضل الله و منته ، و نسأل الله تعالى أن ييسر لنا هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
إقرأ الحلقة الأولى هنا
و إقرأ الحلقة الثانية هنا
و إقرأ الحلقة الثالثة هنا
و إقرأ الحلقة الرابعة هنا
ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للاجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان؟ و قلنا أنه كي نتمكن من الاجابة على هذا السؤال فلابد أولا أن نعيد توصيف هذه القوى و أهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلا من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط ، و شرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي و مشاريع الجهاد العالمي و الجهاد المحلي و تنظيم الدولة الاسلامية كما ذكرنا في الحلقة الثانية المشروع السعودي و المشروع الاخواني و نواصل في هذه الحلقة توصيف بقية المشاريع بالمنطقة على النحو التالي:
-مشروع السيسي/الامارات
بغض النظر عن الكثيرمن التفاصيل فإن هذا المشروع يعبر عن غلاة العلمانية في المنطقة العربية، و لا شك أن صعود الاسلاميين سياسيا بعد الربيع العربي أوضح أن الغالبية العظمى من العلمانيين العرب خاصة في مصر هم غلاة جدا في علمانيتهم، و لا يقبلون الا بإقصاء كل ما هو إسلامي حتى و ان لم يكن سياسيا، و لم يتضح هذا الاتجاه بين كتاب و اعلامي العلمانية فقط بل برز أنه اتجاه مهيمن على الأجهزة الأمنية بشقيها العسكري و الشرطي، و قد أجج الصعود السياسي الاسلامي في مصر الأحقاد لدى هذه القوى تجاه الحركات الاسلامية، بل تجاه التدين الاجتماعي أيضا فأطلقوا حربا لا هوادة فيها تجاه الاسلاميين كما هو معروف و مشاهد لكل متابع للشئون العربية في السنوات الثلاث الأخيرة.
هذا المشروع الذي يقوده رئيس مصر الحالي المشير عبد الفتاح السيسي و رجل الامارات القوي ولي العهد الأمير محمد بن زايد يهدف الى اقصاء الاسلاميين بمختلف تياراتهم عن أي وجود سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو فكري ثقافي في الساحة العربية، و أدى هذا لصدامات مع المتظاهرين المعارضين في مصر، و كذلك اشتباكات مسلحة مع معارضين مسلحين بعضهم أعلن انتمائه لتنظيم الدولة، و بعضهم لم تعرف امتداداته التنظيمة بعد، كما حدثت صدامات مسلحة بين موالين للسيسي و بن زايد (قوات حفتر) و قوى اسلامية مسلحة في أنحاء متفرقة في ليبيا.
و أبرز إشكاليات هذا المشروع أنه كي يبلغ مداه فلابد له من أن يتصادم مع البنى الاجتماعية الأصلية في مواطن تمدده بما في ذلك أكبر دولة عربية سكانيا و هي مصر بجانب دول قبلية كاليمن و ليبيا و هي دول تدعم قبائل مهمة فيها تيارات اسلامية متعددة ، و كيف سيتصرف هذا المشروع مع بنى اجتماعية راسخة تؤمن بالخطاب الديني الذي يصمه بالارهاب مثل المؤسسة الدينية السعودية و قواعدها الاجتماعية التي تكاد تشمل كل قبائل و عائلات المملكة.
و من هنا فهذا المشروع يتصادم ليس مع كافة المشاريع الاسلامية (الاخوان ، الجهاد العالمي ، الجهاد المحلي) بالإضافة الى المشروع التركي و لكنه يسير إن عاجلا أو أجلا للصدام مع المشروع السعودي أيضا و لا يوجد من هو أقرب اليه الا المشروع الايراني المدعوم روسيا إلا انه حتى مع هذا المشروع سيكون مهددا لأن هذا المشروع لا يقبل الا التبعية المطلقة و هذا سيفتح عليه أبواب ضغوط أخرى تتعلق بخريطة التمدد المسموح به لايران أمريكيا و اسرائيليا كي لا تتطغى على النفوذ الاسرائيلي بالمنطقة.
و فضلا عن هذا كله فإن المحور الامارتي المصري لا يقوى وحده على تمويل مشروعه السياسي و الاستراتيجي اقتصاديا.
-مشروع إيران
مشروع ماكر جدا و يعمل بدهاء كبير جدا في العالم الإسلامي بكامله بل في العالم كله من أجل نشر التشيع بين جميع المسلمين السُنَّة و السيطرة على العالم العربي سياسيا.
و قد تمكنت إيران في الفترة الأخيرة من قطف كثير من ثمار ما زرعته منذ نحو أربعين عاما من العمل في المنطقة العربية من تمكين لحزب الله في لبنان و تمكين للحوثيين في اليمن و قبلها كان تمكين الشيعة في العراق و كادت تأخذ البحرين لولا تدخل القوات السعودية و الإماراتية كما نجحت إيران مع تابعها بشار في سوريا من تحجيم الثورة السورية بدرجة ما أو على الأقل عرقلة نجاحها الذي كان وشيكا في فترة ما.
و إذا كان أردوغان يعمل على خداع أمريكا و أوروبا ليفلت بمشروعه -بالتحول إلى دولة عظمى- إلى بر الأمان دون الاصطدام بأمريكا عبر إيهامها بأنه صديقها و انه معتدل و يحارب التطرف و الإرهاب الإسلامي فإن إيران تفعل نفس الشئ لكن عبر تصوير كل الحركات الإسلامية السنية بأنها إرهابية بل و تصوير أردوغان نفسه بأنه إرهابي و بأن إيران نفسها هي دولة معتدلة و متعاونة مع أميركا و أوروبا ضد الإرهاب الإسلامي.. و فرصة الثقة بين أميركا و إيران في هذا المجال أكبر من فرصة أردوغان.
و تأتي فرص إيران الأوفر لأسباب عديدة و منها على سبيل المثال التالي:
1-إيران عاونت أميركا كثيرا جدا في ضرب الإسلاميين في أفغانستان و باكستان بينما أردوغان رفض التعاون هناك.
2-نفس الشئ فعلته إيران في العراق بينما رفض أردوغان معاونة أميركا هناك بل و بعد ذلك ظل يساند التركمان و السنة العرب ضد شيعة العراق بدرجة ما كما وثق علاقاته الاقتصادية و السياسية و الأمنية مع أكراد العراق ضد شيعة العراق و ضد إرادة إيران.
3-إيران تضرب السنة من القبائل الحاضنة لأنصار الشريعة الآن في اليمن عبر الحوثيين و تجعلهم يعلنون أنهم بذلك يحاربون الإرهاب و تساندهم أميركا بطائراتها و عملائها اليمنيين.
و أهم شئ في العلاقة بين إيران و أمريكا من وجهة نظري هو ان أميركا تنخدع لإيران في كل هذه الأمور و غيرها لهدف أكبر من ذلك كله و هو هدف استراتيجي يتمثل في أن أميركا تريد لإيران أن تقوى بدرجة معينة و تتمدد في المنطقة لما هو “آتي” و هو أن أميركا تعلم جيدا أن خلافة أو دولة إسلامية سنية واعية و ناضجة و مدركة لطبيعة العصر الذي نعيشه سوف تنشأ خلال السنوات القادمة و بالتالي فهي تعد إيران من طرف خفي للتصدي لهذه الدولة عسكريا و سياسيا لتجهضها أو على الأقل تستنزفها.
و هذا نوع من اعادة ما جرى في التاريخ العثماني عندما أمدت ممالك أوروبا المملكة الصفوية بالمال ممولة لحروبها ضد العثمانيين مما أوقف الزحف و الفتوحات العثمانية في أوروبا بعد أن كانت القوات العثمانية قد حاصرت فيينا و قضمت نصف أوروبا الشرقي.. و نجحت بذلك أوروبا -وقتها- في إيقاف الزحف العثماني في اتجاه أوروبا لأن العثمانيين اضطروا لنقل مجهودهم الحربي كله الى الشرق للتصدي للهجمات الصفوية في المشرق العربي.
و تريد إيران توطيد نفوذ ذيولها في العراق و لبنان و اليمن و القضاء على معارضيهم هناك كما تسعى إلى تصعيد نشاط شيعة البحرين وصولا للاستحواذ على الحكم إذا سنحت الفرصة كما تريد أن تهزم الثورة السورية لتوطد حكم العلويين و تلجأ إيران لحيل عديدة في سوريا من أجل تحقيق هذا، فبجانب مجهودها العسكري فإنها قد تلجأ لحل سياسي ما بالتوافق مع المحور الخليجي و الولايات المتحدة .
و يضاف لذلك نشاطها الكبير عبر الشيعة داخل الكويت و السعودية و مصر و أفغانستان و باكستان و غيرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و نواصل التحليل في الحلقة التالية غدا إن شاء الله.
و إقرأ الحلقة الأولى هنا
و إقرأ الحلقة الثانية هنا
و إقرأ الحلقة الرابعة هنا
و إقرأ الحلقة الخامسة و الأخيرة هنا
وقلنا أنه كي نتمكن من الاجابة على هذا السؤال فلابد أولاً أن نعيد توصيف هذه القوى وأهدافها لنعبرعنها بجوهر وصفها بدلاً من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط، وشرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي ومشاريع الجهاد العالمي والجهاد المحلي وتنظيم الدولة الاسلامية ونواصل في هذه الحلقة توصيف بقية المشاريع بالمنطقة على النحو التالي:
- المشروع السعودي :
السعودية ترجع تركيبة نظامها السياسي أنه تحالف بين الوهابية وقيادة آل سعود كقيادة سياسية ثم حدث الصدام بين عبد العزيز آل سعود وجناح ما في الوهابية وهو الجناح الذي كان يريد أن يصطدم بالنظام الدولي عبر مواصلة فتوحات الدولة السعودية بالإقليم العربي مما يتصادم مع النظام الدولي الذي كانت تقوده انجلترا وفرنسا وقتها.
ورغم هذا الصدام فإن عبد العزيز لم يستغل هذا الحدث كي يقصي الحركة الاسلامية بشكل كامل لكنه أقصى فقط الجناح الذي يرغب في الصدام الدولي بينما أقر وجود ونفوذ الجناح الذي يترك الشؤون الدولية للملك ويركز على الشأن الداخلي.
ظلت السعودية كنظام حكم هي نظام حكم إسلامي يتماشى مع النظام الدولي ولا يصطدم به إلا في إطار المسموح به ولكنه نظام إسلامي سني تقليدي وليس ثورياً وتنبئنا خبرة التاريخ أنه يصعب (ولا يستحيل) على النظام السعودي التوافق مع القوى الإقليمية إذا كانت تعاند ثوابت الإسلام الكبرى فقد تعكرت الأجواء دائماً بينهم وبين قوى الحداثة اليسارية واليمينية حتى أواخر السبعينات (نماذج بورقيبة وناصر والبعث والقذافي).
وأيا كانت التفسيرات فإن النظام السعودي تأقلم مع التدين إقليميًا والعكس بالعكس ولكن كان لسان حاله أن الذنب جهة العرب مغفور لكنه تجاه ملوك الروم غير مغفور. أذكر الأثر في ذلك موجة السفاهة والحمق الأخيرة ضد كل ما هو اسلامي التي قادها وغذاها الإمارات وعلماني مصر تحالف معها عبدالله بن عبد العزيز وطاقمه الملكي وكان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تغير تاريخي في التوجهات السعودية إلا أنه سرعان ما عاد الملك سلمان بالدفة السعودية إلى توجهاتها المعتادة لكن الضغط الإماراتي والمصري المدعوم من الغرب (أمريكا وأوروبا) وإيران متواصل للدفع بالسعودية في اتجاه معاداة التيار الإسلامي وهو أمر يستحيل أن تسير عليه السعودية لأن البناء الاجتماعي وأغلبية هياكل القوة الاجتماعية (العائلات والقبائل) والاقتصادية (أصحاب المال) لا تقبل إقصاء كل ما هو إسلامي كما يريد غلاة العلمانية فضلاً عن أننا في زمن صعود سياسي وعسكري بالمنطقة للتيار الإسلامي وهو ما تريد أن تستفيد منه المملكة لمواجهة القوة الإيرانية الكاسحة بالمنطقة والمدعومة عسكريًا وسياسيًا من قبل روسيا والصين ومدعومة بغض طرف من أوروبا والولايات المتحدة، وقد وصل الملك سلمان وطاقمه إلى حقيقة مؤداها أنه لابد للمملكة أن تبرز أنيابها لحماية أمنها القومي.
ومن هنا فالسعودية تسعى لمواجهة النفوذ الايراني بقدراتها الذاتية وعبر التحالف مع المحور التركي القطري وكذلك التحالف مع الكثير من القوى الإسلامية خاصة الأقل خطورة مثل الإخوان المسلمون وتيار الجهاد المحلي، ولا تريد السعودية من ذلك السيطرة على المنطقة (بعكس إيران وتنظيم الدولة والقاعدة) وإنما يكفيها تأمين مناطق أمنها القومي التقليدية مثل الخليج وجنوب الجزيرة العربية (اليمن وبحر العرب وباب المندب) والبحر الأحمر والشام وجنوب العراق عبر وجود قوى صديقة مسيطرة على هذه المناطق وبعيدة عن نفوذ ايران.
- مشروع الإخوان المسلمين :
وجوهره الإرتقاء بدوله اقتصاديًا واجتماعيًا مع تطبيق تدريجي على مدى بعيد للغاية للشريعة الإسلامية في الحكم بما لا يغضب النظام الدولي وقواه المتحكمة فيه ولا يسبب صدامًا معها (خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) وهم يفترقون مع أردوغان من حيث أنه يشد أحيانًا ويرخي أحياناً أخرى مع النظام الدولي (بما في ذلك مع أمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل) لأنهم مهادنين دائمًا للنظام الدولي.
كما أن محور الإخوان المسلمون يختلف مع التيار الجهادي الدولي وداعش حيث تقوم استراتيجياتهما الدولية والإقليمية على الصدام مع النظام الدولي والإقليمي.
ويختلف الإخوان المسلمون مع التيار الجهادي المحلي لأنه يقوم على مخالفة النظامين الإقليمي والدولي لإيمانه أنهما لا يخدمانه ولا يسمحان له بالعمل وإن كان يبتعد قدر إمكانه عن الصدام معهما إلا إذا فرض عليه الصدام فهو حينئذ لا يتردد في الصدام معهما بينما يتهرب الإخوان من أي صدام كهذا بل ويتبرئون منه فضلاً عن كون تيار الإخوان لا يظهر أي خلاف مع النظامين الإقليمي والدولي بل ويسعى دائمًا للاندماج فيهما، كما أن تيار الإخوان يعمل وفق الآليات التي يتيحها النظام الدولي والإقليمي له للعمل ولا يتخطاها ورغم أن معارضة هذا التيار لانقلاب السيسي تخرج عن هذه القاعدة وكانت سابقة هي الأولى من نوعها لتيار الإخوان وكان من الممكن أن تؤسس لتطور جديد لدى جماعة الاخوان (وبلغت المعارضة ذروتها في اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة) إلا أن هذه المعارضة لم تأخذ مداها في التكتيكات الاحتجاجية لتكون كافية لتحقيق نتيجة مهمة أو على الاقل التأسيس لتطور ما جديد في سياسات الإخوان المسلمون.. لذلك ليس لمعارضتهم للسيسي تأثير في تغير قواعد التحرك لدى الجماعة حتى الآن بل هم في معارضته يتوسلون بالنظم الإقليمية والدولية لإزاحته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونواصل التحليل في الحلقة التالية غدًا إن شاء الله.
و إقرأ الحلقة الأولى هنا.
و إقرأ الحلقة الثالثة هنا.
و إقرأ الحلقة الرابعة هنا.
و إقرأالحلقة الخامسة و الأخيرة هنا
نشر العلم مع تقليد الأكفاء الثقات كلا في تخصصه في الأمور الدقيقة التي يصعب فهمها هو الحل و الأوجب الآن للقضاء على فتن الغلو و الانحلال و الكفر و محاربة الدين جميعا، بمعنى أن نمتنع عن الهجرة الفردية للساحات المنتشرة الآن، و يبحث كل أهل بلد أو مدينة عن من يعرفونه من أهل الدين و الصلاح و العلم و الثقة في بلدهم أو مدينتهم فيقلدونه في مجال تخصصه في الأمور التي يصعب عليهم فهمها ، لأن كل أهل مدينة يصعب عليهم الانخداع بأي من مواطنيهم لطول المعايشة و معرفة تاريخ و سلوك بعضهم البعض، و لعل مما يلمح لتأييد هذه الفكرة قول جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه للنجاشي : “جعفر بن أبي طالب فقال له : أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله” ..الخ الحديث (رواه أحمد و صحح أحمد شاكر و الألباني سنده) و الشاهد فيه قوله ” منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه”.
أما الهجرة للساحات الآن فرديا فتفتح باب الافتتان لأن الشخص يدخل على من لا يعرفهم و يتوجب عليه أن يسمع لهم و يطيع في أمور يصعب عليه هو نفسه تقييمها و تقديرها لقلة العلم العميق بين المسلمين في هذا الزمان في مجالات الفقه و السياسة الشرعية و الاستراتيجية و الاقتصاد و الادارة العامة فضلا عن العلم بالواقع الجديد الذي انتقل اليه و جغرافيته السياسية و العسكرية و الاسلامية، إن اكتساب العلم في هذه الأشياء بدرجة عميقة و راسخة قد يأخذ من 3 سنوات الى 10 في التخصص الواحد اذا توافرت المناهج و المراجع و المعلمين، فالحل العاجل هو تقليد من هو معروف و موثوق في علمه و صلاحه و هذه الموثوقية يعرفها كل أهل بلد عن بعضهم البعض.
استخدام عالمية العمل الإسلامي بشكل فردي الآن تتيح لأهل الجهل و الغلو أن يقودوا الشباب الى المهالك و يستنزفوا موارد الأمة البشرية و الاقتصادية ليس فقط في عبث بل و في تمزيق الأمة نفسها و نشر الفتن فيها، فينبغي أن تكون “عالمية العمل الإسلامي” الآن عملية لها معايير و ضوابط محددة و محدودة الى أن تنصلح الأمور و يصير للمسلمين مرجعية عالمية متفق عليها و لا يختلف عليها أي من أهل الصلاح.
و بجانب هذا يجب نشر العلم بين الشباب و بين جميع الناس لأنه من المؤسف أن أبجديات الاسلام في الفقه و العقيدة شبه منعدمة الآن فضلا عن انعدام العلم في أدوات التفكير العلمي الاسلامي المتمثل في أصول الفقه و القواعد الفقهية و علوم الحديث… و هذا بين نشطاء الاسلاميين و الحركيين المهتمين منهم (الا من رحم الله) فما بالنا بغير ذلك.
هامش
تعريف التقليد لدى علماء أصول الفقه هو : اتباع قول الغير بغير حجة ، و انما قالوا به لأن العوام أو من هم من غير أهل العلم يصعب أو أحيانا يستحيل عليهم فهم الدليل أو فهم دلالته على الحكم ، و رغم اختلاف العلماء سلفا و خلفا على حكم التقليد بين من يجيزه و من يحرمه و من يوجبه إلا أنهم أجمعوا على أشياء فيه منها تقليد المستفتي للمفتي في حادثة نزلت به ، و منها من تحقق عجزه عن إدراك دلالة الدليل على الحكم فإنه يقلد المجتهد فيه و حتى من حرموا التقليد كالشوكاني اتفقوا على جواز التقليد في هذه الحالة ، و نحن نرى أن التقليد الذي اعتبرناه حلا الآن هو من هذا النوع الآخير.
كتب- عبد المنعم منيب
كانت الحلقة الأولى من هذا المقال بمثابة توطئة و مقدمات كي نتوصل بها للاجابة عن السؤال الأساسي لهذا المقال و هو:
لماذا ينهزم المسلمون الآن ولايحققون النصر الذي حققه أسلافهم العظام؟
و كي نجيب على هذا السؤال لابد أن نفككه أولا..
وأهم تفكيك في البداية هو أن نعرف أن الصراع الحالي الذي ينهزم فيه المسلمون هو صراع سياسي بالأساس ، لأن الصراعات العسكرية وكل مايتعلق بالإستراتيجية العليا و الإستراتيجية الشاملة فإن الصواب فيها أن يديرها ويقودها القائد السياسي الاستراتيجي لا العسكري وحده أو الدعوي وحده..
إذا فهزائمنا يقف خلفها عجز أو إخفاق لقادتنا السياسيين فلماذا يخفق سياسيونا في إحراز النصر و يفشلون حتى الآن؟
دعونا نرجع للوراء.. نرجع للتاريخ فنأخذ منه زادا يعيننا على فهم مشكلتنا الحالية.. فإذا فهمنا المشكلة بحقيقتها فسوف نتمكن من معرفة حلها الصحيح.
دور العرب في عصر الخلفاء الراشدين وحتى نهاية الدولة الأموية
في البداية شارك العرب في حكم الدولة العربية الإسلامية منذ حكم الخلفاء الراشدين وحتى نهاية الدولة الأموية (132هـ) وحينئذ كان العرب هم أغلبية المواطنين المسلمين في الدولة وعندما أراد العباسيون الإطاحة بالأمويين استعانوا بعدد ضخم من الفرس حديثي العهد بالإسلام كي يمكنهم ضرب الأمويين وركيزتهم الاجتماعية وهي العرب، ومن هنا صار كثير من القادة و الوزراء هم من الفرس وإن قاسمهم عدد من العرب العديد من المناصب ومع مرور وقت قصير انفرد الفرس بالمناصب خاصة بعد انتصار الخليفة المأمون بن هارون الرشيد بقواته وقادته الفرس على أخيه الأمين الذي كانت قواته وقادتها من العرب (198هـ)، وبعد سنوات قليلة ضاق الخلفاء العباسيون بطموحات ومؤامرات الفرس فأقصوهم عن الحكم والجيش والسياسة وأحلوا محلهم عسكريين محترفين أشبه بالمرتزقة، و هم عجم (من الأتراك غالبا) حديثو عهد بالإسلام من قبائل على أطراف الدولة والهدف هو ألا يكونوا ذوي طموحات للاستيلاء على الحكم أو الاستئثار به أو المشاركة في المؤامرات السياسية ضد الخليفة ، لكن بعد فترة قصيرة انغمس هؤلاء الغرباء في المؤامرات حتى حجروا على الخليفة العباسي نفسه و صار يملك ولا يحكم لكن الملاحظة المهمة هي أن هؤلاء الحكام الجدد صاروا نخبة منعزلة عن مجتمع المواطنين فهم من عرق غريب ويعيشون في طبقة اجتماعية مختلفة ولاعمل لهم سوى الحكم والسياسة والحرب وتعاقبت الحقب من أول أتراك حكموا منذ عهد المعتصم (تولى الخلافة سنة218 هـ – 833 م) ، وحتى المماليك الذين أقرهم العثمانيون في الحكم في مصر و الشام حتى الحملة الفرنسية بالقرن الـ 19 الميلادي، وأيا كانت أجناسهم “ترك أو أكراد أو شركس أو صقالبة أو فرس أو غيرهم” فهم نخبة منعزلة عن المجتمع و إرتضي الشعب لها أن تختص هي بالحكم والسياسة و الحرب والإستراتيجية الشاملة و نجد إقرارا من العلماء بهذا، و نجد أن احتجاجات الشعب عليهم اتسمت بالمطلبية في معظمها كالإضرابات أوالمظاهرات أوبيانات الاحتجاج على المظالم و كانت شكاوى الاحتجاج تقدم للنخبة الحاكمة على لسان العلماء وبذا انقسم المجتمع والدولة إلى مواطنين مدنين لايحملون سلاحا ولايمتطون خيلا ولايشاركون في لعبة الحكم و السياسة ولايعلمون شيئا عن خباياها و قواعدها بينما القسم الأخر هم الحكام أرباب السيف والحكم وحرص أرباب الحكم على عزل المواطنين بل و الخلفاء العباسيين أنفسهم عن السيف والحكم والسياسة فلا دخل لهم بها ومنعوهم من تعلم قواعد الحرب و الفروسية وحمل السلاح ليأمنوا بعدم قدرتهم على التدخل في شئون الحكم.
الخلافة العثمانية استلمت الراية
وظل الوضع هكذا حتى بعد استلام العثمانيين للخلافة من العباسيين مع الفارق أن الخليفة العثماني هو الذي تولي الحكم بدلا من السلطان التركي او الكردي او الشركسي و استمر في عزل الشعب وقادته الذين هم علماء الدين عن السياسة و الحرب ، و استمر في منعهم من المشاركة في الحكم أو حمل السلاح مع استعانته بنخبة العسكر القديمة من المماليك ومن شابههم في مختلف الولايات العربية الأخرى.
ويوضح هذا الموقف بشكل جلي واقعة حدثت مع نابليون بونابرت في مصر، إذ دخل عليه العلامة الأزهري الشيخ محمد السادات فكلمه برهة ثم خرج، فقال بونابرت لرفيقه الجنرال كليبر: “الشيخ السادات هذا هو زعيم الثوار المصريين”.
فقال له كليبر: “و لماذا تتركه اقبض عليه وأعدمه فورا”.
فرد عليه نابليون قائلا : “لا.. أنا أفضل أن يكون خصمي هو شيخ بعمامة كهذا بدلا من أن يكون زعيمهم يركب حصانا و يحمل سيفا مثل مراد بك”.
ومن هنا نفهم كيف أن الشعب صار لايفهم من لعبة الحكم و السياسة سوى الاحتجاجات المطلبية والتوسل للحاكم القائم لتقليل المظالم فان استجاب لهم فبها ونعمة وإن رفض فلا حيلة لهم، لأنهم لايفهمون بقية خبايا لعبة الحكم و السياسة لا المحلية و لا الإقليمية و لا الدولية.
و عندما جاء محمد على لحكم مصر حرص على استمرار عزل غالبية الشعب عن الحكم و الجيش ، وعندما اضطر لإدخال المواطنين المصريين للجيش لحاجته لتكبيره و عدم قدرته على استيراد مماليك جدد فان هؤلاء المصريين هم من فجروا ثورة عرابي ضد أبناء محمد على و هنا تسلم الاحتلال الانجليزي الحكم ليتولى الانجليز المحتلون عزل الشعب مرة أخرى عن الحكم والجيش، و لكن الانجليز كان لعزلهم الشعب هدف آخر غير مجرد السيطرة على الحكم، إذ كانت سيطرتهم المرجوة سيطرة بأهداف جديدة و هذه الأهداف عمل عليها الاحتلال الغربي في كل الأقطار الإسلامية التي احتلها ، و هي خلق شريحة إجتماعية جديدة هي من أهل البلد و تنتمي شكلا الى الثقافة السائدة في البلد و هي الثقافة الاسلامية و لكنها في حقيقة الأمر تربت على الفكر الأوروبي و دانت لمفاهيمه و طريقته في التفكير و اعتنقت مواقفه من العقيدة و التاريخ العربي و الاسلامي ، فهذه الشريحة الاجتماعية التي أعدها الاحتلال لتولي مناصب الحكم و السياسية و ما يتبعه من أجهزة مسيطرة في الفن و الثقافة و الأمن و التعليم و الاعلام هي أبناء البلاد العربية و الاسلامية لكنها تربت على المناهج الأوروبية في الفكر و العلم فصارت تفكر كالأوروبي و تتخذ مواقفها وفقا للمعايير الأوروبية في الفكر و الفن و الأمن و الثقافة و التعليم، و من هنا أصبح القادة و الساسة و المفكرون يأتون من هذه الشريحة الاجتماعية الجديدة التي صارت هي النخبة و يحكمون بالمعايير الأوروبية و كأن الاحتلال الأوروبي لم يخرج من عالمنا الاسلامي بينما مظهرهم و شكلهم و أسماؤهم هي أشكال و أسماء محلية ، ثم جاءت الصحوة الاسلامية و كشفت هذا التغير الفكري و الاجتماعي في كتابات و محاضرات عديدة تحت عنوان الغزو الفكري.
مناهج الصحوة للعمل السياسي و الاجتماعي
و خطت الصحوة لنفسها مناهج للعمل السياسي و الاجتماعي من منطلق خبراتها الذاتية التي كانت و مازالت معزولة عن تجربة الحكم و السياسة فجاءت مناهج الصحوة ضعيفة للغاية في مجالات السياسة و الاستراتيجية و من هنا عجز قادة الصحوة عن الارتفاع الى مستوى التحديات السياسية و الاستراتيجية التي تواجهها الأمة الاسلامية و صاروا يقارعون هذه التحديات بمستوى ضحل و كأن حامل عصا يتصدى بها لطائرة شبحية من طائرات الجيل الخامس ، فكل قادة الصحوة يتغنون بانجازات نور الدين محمود و صلاح الدين الأيوبي بينما لا أحد منهم يتأسى بنور الدين و صلاح الدين فيكتسب خبرات السياسة و الحكم و الاستراتيجية التي قد تمكنهم من ابتداع استراتيجة شاملة مناسبة تتيح للأمة الإنتصار على التحديات الراهنة.
و الخلاصة أننا معزولون عن خبرات الحكم و السياسة و الاستراتيجية و ممنوعون عن ممارستها منذ القرن الثالث الهجري و حتى الآن (القرن الخامس عشر هجريا) ثم مع هذا وضعنا مناهج للتغيير الاسلامي من منطلق خبراتنا الذاتية القاصرة في العديد من جوانبها و نتمسك بهذه المناهج بكل جمود و تعصب ، فصرنا بين قيدين:
قيد عزلنا تاريخيا عن خبرات السياسة و الحكم و الاستراتيجية
و قيد مناهج بشرية قاصرة في التغيير الاسلامي و الحركة الدعوية قيدنا بها أنفسنا و اعتبرنا الجمود عليها هو ثبات على المبادئ.
و لا حل لنا الا باكتساب خبرات معاصرة في السياسة و الحكم و الإستراتيجية بشكل عميق و في إطار التزام كامل بالكتاب و صحيح السنة و فقه السلف الصالح لنرتكز على ذلك كله في مواجهة التحديات المعاصرة التي توقع بنا الهزيمة في كل موطن.
من أعظم آفات التفكير في ظواهر الواقع ومشكلاته: آفة الذاتية، وعكسها تمامًا سمة (الموضوعية) ومعناها دراسة موضوع الظاهرة كما هو حقيقة، والتفكر في منطق الظاهرة الذي تختص به دون أي إسقاطات شخصية من الباحث.
وهذه الآفة الفكرية هي من أعظم ما ابتلينا به في العمل الإسلامي المعاصر، حيث نصف أي ظاهرة سياسية أو استراتيجية أو اجتماعية أو اقتصادية وفقًا لتخيلاتنا الشخصية أو الحزبية لها، وليس وفق ما هي عليه حقيقة في الواقع، وينعكس هذا سلبًا على بحثنا عن الطرق المناسبة للتعامل مع هذه الظاهرة.
وتغلغلت هذه الآفة الفكرية لتصل لدراستنا للتاريخ فصار البعض يفسرون ويفهمون أحداث التاريخ وفقًا لتوجهاتهم الشخصية أو الحزبية.
كيف انتصر (صلاح الدين الأيوبي) على الصليبيين
ومن هذا مثلاً ما فعله كاتب مشهور عندما ألف كتابًا أراد به أن يشرح كيف انتصر (صلاح الدين الأيوبي) على الصليبيين وحرر القدس، ملوحًا برؤيته الشخصية أو الحزبية لكيفية ظهور قائد معاصر كصلاح الدين الأيوبي كي يحرر القدس من جديد كما حررها صلاح الدين من قبل، فهو في هذا الكتاب زعم أن هناك صحوة إسلامية دعوية روحية قام بها متصوفون وعلماء أدت لظهور ما أسماه هو “جيل صلاح الدين”.
والحقيقة أن هذا لم يكن واقع الأمر بالنسبة لظهور صلاح الدين وانتصاره على الصليبيين وتحريره للقدس، لكن الكاتب أراد تصويره هكذا ليمهد أو ليروج لنظرية جماعته عن كيفية التمكين للصحوة الإسلامية المعاصرة وعودتها للقيادة من جديد، ومن ثم الانتصار على الصهاينة وكل الأعداء وتحرير القدس.
المعرفة الاستراتيجية الواعية ضرورية لفهم الأحداث
ما حدث أيام الهجمة الصليبية على قلب العالم الإسلامي بالشام (ثم مصر) وقبلها بقليل لا بد أن نقرأه بموضوعية مع خلفية من المعرفة الاستراتيجية الراقية والواعية لنفهم ماذا حدث، وسنجد أن الخلل لم يكن لا حضاري ولا أخلاقي، فالمسلمون كانوا أكثر تقدمًا حضاريًا واقتصاديًا وفكريًا وعلميًا وأخلاقيًا من الصليبيين، وهذا بلا خلاف بين المؤرخين المعاصرين للحدث -بل ومن تلاهم من المؤرخين غير الحزبيين- سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، إذًا فلماذا انهزم المسلمون في البداية واحتل الصليبيون الشام بل وهيمنوا على مصر ومعظم المشرق العربي لفترة ما؟!
السبب كان خللاً أمنيًا -بالمعنى الشامل لمفهوم الأمن الدولي والإقليمي والمحلي- نتج عنه خلل استراتيجي أو فراغ استراتيجي في الشام، بل في المشرق العربي كله، وهو تفرق وتشرذم المسلمين إلى إمارات صغيرة متنازعة عسكريًا رغم وفرة موارد المسلمين الاقتصادية والعسكرية، وتزامن ذلك مع انهيار سياسي في الإمبراطورية الفاطمية أنتج ضعفًا عسكريًا، رغم أنها كانت قوة كبيرة موحدة في المشرق تضم مصر واليمن والحجاز وجزء كبير من الشام، ولديها موارد اقتصادية وعسكرية ضخمة..
عماد الدين زنكي وبداية المقاومة والتحرير
ولذلك من يقرأ تفاصيل المعارك بين المسلمين والصليبيين منذ بدئها وحتى بداية استراتيجية التحرير التي أسسها وقادها عماد الدين زنكي -وتابعها ابنه نور الدين محمود وتلميذه صلاح الدين الأيوبي- يجد أن جيش الصليبيين في كثير من المعارك لم يتجاوز بضع مئات، بل أحيانًا كان من مائة إلى خمسمائة مقاتل فقط، ويهزم مسلمين ويحتل إمارات أو ولايات إسلامية، بينما كان المسلمون قادرون على حشد عشرات الآلاف من الجنود بمعدات عسكرية متطورة، لكنهم كانوا سرعان ما يتفرقون قبل دخول المعركة! بسبب خلافات الأمراء والتنافس بينهم وبين بعضهم البعض.
من يقرأ أحداث التاريخ الإسلامي قبيل قدوم الصليبيين للمنطقة سيجد كل يوم حروب بين أمراء الولايات الإسلامية المختلفة، ونزاعات ساخنة بسبب تصارعهم على السيطرة على هذه الجهة أو تلك، وتحصيل مواردها المالية لصالح المنتصر، فهناك وفرة اقتصادية وتقدم علمي وصناعي، ولكن! هناك فرقة وتنازع سياسي لم يضعف قدرتهم العسكرية بل فرق هذه القدرة، بحيث جاء الصليبيون لينفردوا بكل منهم على حدة، ويلتهمون أرضه أو نفوذه الواحد تلو الآخر..
بل عماد الدين زنكي نفسه الذي بدأ رحلة التحرير لو قرأنا تاريخه سنجده متورط في كل هذه النزاعات والحروب الشخصية ضد إخوانه من أمراء الولايات الإسلامية الأخرى، التي على حدوده قبل أن يتجه إلى مجابهة الصليبيين، ويضع استراتيجية التحرير التي تكللت بعد موته بتحرير صلاح الدين للقدس.
استراتيجية التحرير قامت على أمرين
إذًا فقد أدرك أحد الأمراء المتنازعين وهو (عماد الدين زنكي) أن المشكلة التي خلقت فراغًا استراتيجيًا بالمنطقة استغله الصليبيون لاحتلال الشام والهيمنة على ما حولها سياسيًا وعسكريًا ليست إلا في تفرق المسلمين، فقرر توحيد الإمارات المحيطة بمنطقة الاحتلال الصليبي ليتمكن من توجيه الموارد الموحدة لمجابهة هذا الاحتلال والقضاء عليه، فوضع لذلك استراتيجية قائمة على أمرين رئيسين:
الأول-السعي لهذا التوحيد بالسياسة والسلاح على حد سواء، مع تهيئة إمكاناته الذاتية لتحقيق هذه الوحدة بهذه الطريقة.
الثاني- التصدي المؤقت للوجود الصليبي في المنطقة عبر أمرين أيضًا:
1- شن حرب استنزاف ضدهم لإنهاكهم، لحين إنجازه للوحدة التي سيشن عبرها حرب التحرير الشاملة.
2- التصدي لمحاولات تمددهم الجغرافي أو السياسي بأعمال سياسية وعمليات عسكرية، لمنع تمددهم حتى تحين لحظة حرب التحرير الشاملة بعد إتمام الوحدة.
حرب التحرير الشاملة لن تنجح بدون توحيد كل الشام ومعها مصر
وكان هذا التصدي المؤقت ينطلق من قناعته بأن حرب التحرير الشاملة لن تنجح إلا بعد توحيد كل الشام، بالإضافة إلى مصر، حتى يشكل طوقًا كاملاً حول المستعمرات الصليبية التي انتشرت في الشام وباتت تهدد مصر نفسها، والتصدي المؤقت كان يهدف لإيقاف تعاظم قدرات الصليبيين فهو يعظم قدرة المعسكر الإسلامي عبر الوحدة مدركًا أن هذا يستلزم وقتًا ولكنه لا يريد للصليبيين أن يستفيدوا بهذا الوقت بتعظيم قدراتهم هم أيضًا، وزيادة رقعة ممتلكاتهم في المشرق الإسلامي فصار يستنزفهم ليضعف قواهم ويمنع تمددهم السياسي والعسكري.
كلام الكاتب الفاضل عن ما أسماه بجيل صلاح الدين لا يمت لما حدث فعلاً بأي صلة، بدليل بسيط جدًا وهو أن جيوش المسلمين في هذا العصر لم تكن من الشعوب الإسلامية المحكومة حتى تؤثر أخلاقياتها وتدينها على أداء الجيش، ونزول النصر عليه، فالجيوش كانت في هذا العصر مكونة من جنود محترفين يأتون من خارج المنطقة من الأكراد والأتراك ونحوهم من القبائل الحديثة عهد بالإسلام، والمحترفة للعمل العسكري، والتي كانت تعيش شبه منعزلة اجتماعيًا عن الشعب بعد مجيئها للمنطقة، فالجيوش لم تكن من الشعب كي ينعكس عليها تدين وتصوف الشعب أو عدم تدينه فتنهزم أو تنتصر.
والخلاصة: أنه كان هناك خللاً في الأمن والاستراتيجية عند حكام المسلمين قبيل الهجمة الصليبية، وعندما نجح الصليبيون في احتلال المنطقة فكر قادة مسلمون تفكيرًا استراتيجيًا سليمًا فاستجابوا للتحدي الاستراتيجي الصليبي استجابة صحيحة فانتصروا.
واليوم نعيش نكسات وهزائم إسلامية عديدة تحتاج استجابة صحيحة، فما الذي منعنا حتى الآن من تقديم هذه الاستجابة الصحيحة للتحديات المفروضة؟
إجابة هذا السؤال خصصنا لها الحلقة التالية هنا..
هذا المقال يوضح الإطار العام الذي أحلل به ظاهرة سياسة او إستراتيجية ما لأن بعض من لم يعرفوني لا يظهر لهم هذا الإطار بوضوح..
أول قاعدة عندي هي النظرة الكلية الشاملة للموضوع و الى مآلاته فمثلا عندما انتقدت داعش .. البعض هاجمني إذ كيف أهاجم نكايتهم للرافضة ..الخ، و في الواقع أنا لم أحكم على معركة أو اثنتين أو عشرة انتصرت فيها داعش على هذا أو ذلك و إنما أنظر و أقيم ما سيؤل إليه الوضع بعد عدة سنوات..و نفس الشئ ينطبق على نقدي لأداء الاخوان في الحكم بمصر مع الشهر الأول لحكم مرسي و وقتها شتمني البعض على صفحتي على الفيس بوك..
و ثاني قاعدة تحكم نظرتي عند التحليل هو المقارنة بالقوى المناظرة او المشابهة أو المرجو الوصول لمستواها في جانب ما .. فمثلا عندما تبث داعش أو القاعدة فيديو يظهر عشرات من مقاتليها يحملون أسلحة متوسطة (مدفع 14 بوصة مثلا أو جرينوف ثقيل أو بيكا أو غيره أيا كانت الأسماء) و يمتطون سيارات دفع رباعي فأنا لا أنتشي كما ينتشي الكثيرون.. لماذا؟؟
لأن طموحي و تطلعاتي هي أن تكون دار الإسلام الحقيقية تمتلك تسليحا متقدما و رادعا استراتيجيا في مستوى فرنسا أو الصين أو بريطانيا (الدول الثالثة و الرابعة و الخامسة في الردع الاستراتيجي حول العالم)، فلا أنتشي لمدفع 14 بوصة لا لطموحي في 24 بوصة، و لكن في صاروخ بالستي أو طائرة بدون طيار تصل لأي نقطة في العالم متى تشاء دار الإسلام، و لا أنتشي لسيارة دفع رباعي لطموحي في سرب قاذفات إستراتيجية مثل البي 52 تمتلكها دار الإسلام..
و أيضا من ضمن المقارنات المقارنة الجزئية أي المقارنة بجزئية واحدة ما عند جهة ما أنت تنتقدها في جزئيات أخرى لكن ترى انها ناجحة في هذا الجانب الذي تقارن به أو تستشهد ب،ه و هذه قاعدة علمية و موضوعية و مشروعة في هدي النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقد قال عن الغيلة “لو ضرت لضرت فارس و الروم” رغم أنه يكفر و يعادي و ينتقد فارس و الروم، في جوانب أخرى كما قال للصحابة عن الرمي “لكنهم أرمى منكم” يقصد فارس.
فعندما أستشهد أحيانا بأن القاعدة أو داعش تمكنت من انجاز أشياء معينة رغم معاداة العالم كله لها لا يعني أني أنتقدهم بمزاجي، و أستشهد بهم بمزاجي، و لكن يعني أني أنتقدهم في جوانب و أمدحهم و أستشهد بهم في جوانب أخرى غير الأولي، و نفس الشئ فعندما استشهد بشئ فعلته إيران او الحوثيون أو حزب الله أو أمريكا ، فهذا كله ليس هوى و لكنه موضوعية قال تعالى ” وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” المائدة 8، لكن الهوى أن أنتقدهم في شئ ثم استدل بنفس الشئ الذي انتقدتهم فيه.
و النظر الشامل و النظر الى المآلات و المقارنة بين الظاهرة ومثيلاتها أو شبيهاتها هذه الثلاثة ونحوها تمثل الفرق بين نظرة المتفرج العادي و نظرة التحليل العلمي للظاهرة.
و هناك أمر آخر و هو خاص بكتابتي في الفيسبوك أو أي مقالة قصيرة و هو أنه من المستحيل أنني سأناقش و أقوم كافة جوانب ظاهرة ما (خاصة ان كانت كبيرة مثل الإخوان او داعش أو القاعدة أو ايران أو الحوثيون) في مقال قصير، فعادة تكون أغلب جوانبها في ذهني و لكن تسطيرها كاملة يحتاج وقت و كتابة كتاب، و لكن أسطر جانب واحد منها باختصار لمناسبة هذا للمقال القصير، فمن يرد تفتيش ذهني و الحكم على شخصي الضعيف بشأن كافة جوانب الظاهرة عليه أن يتابع كافة ما اكتبه حتى يتمكن من وضع يده على رؤيتي الكاملة بشأنها.
و الله المستعان.