فضيلة الشيخ احمد المحلاوي محاصر منذ صلاة الجمعة و حتى كتابة هذه السطور في مسجد القائد ابراهيم بالاسكندرية , و الكثيرون لا يعرفون تاريخه لأنهم لم يكونوا ولدوا وقت أن كان هذا الشيخ الأزهري الجليل يناضل ضد الحكام الظلمة من أول السادات و حتى حسني مبارك و في السطور التالية سأذكر نقاط تمثل محطات رئيسة في حياة الشيخ أطال الله في عمره و بارك فيه :
– اشتهر الشيخ المحلاوي في السبعينات من القرن العشرين بصفته امام و خطيب مسجد القائد ابراهيم في الاسكندرية الذي يتناول قضايا الساعة السياسية و الاقتصادية في خطبة الجمعة و في دروسه بالمسجد و كان يصدع بالحق و يعلن معارضة سياسات السادات السياسية و الاقتصادية و كان ينتقد السلوك الاجتماعي و الاقتصادي لأسرة السادات و خاصة زوجته السيدة جيهان و كان يستند في ذلك على المعلومات التي كانت تنشرها الصحافة المصرية المعارضة و المستقلة و الاسلامية و كذلك الصحافة الاجنبية و قد ضاق السادات بمعارضته له ذرعا و كان يهاجمه في خطبه.
– عندما قرر السادات البطش بكبار رموز المعارضة من الاسلاميين و اليساريين و الليبراليين و المسيحيين أصدر قرارات اعتقال في 5 سبتمبر 1981م باسم قرارات التحفظ شملت 1500 شخصا و قال السادات وقتها أن هذه دفعة اولى و لو المعارضة لم ترتدع فسوف يصدر قرارا يشمل اعتقال 1500 آخرين .. و كان من بين المعتقلين حسنين هيكل و فؤاد سراج الدين و قيادات الأحزاب خاصة الوفد و التجمع و غيرهم و قيادات و أعضاء من الاخوان المسلمين و القطبيين و الجماعة الاسلامية و الجهاد و مستقلين .. و كان من بين من تم اعتقاله الشيخ احمد المحلاوي.
– كان اعتقال المحلاوي حينئذ له ظروف مختلفة عن بقية المعتقلين لعدة أسباب:
فأولا – كان كل أهل الاسكندرية يحبونه لمعارضته القوية و العلنية للسادات و أيضا لأنه كان يقوم بأعمال مجتمعية و خيرية واسعة بمساعدة الفقراء و الأرامل و اليتامى سواء في مجال المعيشة أو العلاج كما كان ينسق دروسا خاصة لطلبة كليات الطب و العلوم و الهندسة الفقراء بالمسجد كما كان يساعدهم في الحصول على الأدوات و الكتب المطلوبة لدراساتهم و لمعاملهم و كل ذلك عبر جمعه الأموال من المتصدقين و تخصيصها و توزيعها في هذه الأغراض .. و من هنا فقد خرج نحو مليون متظاهر بالاسكندرية صبيحة اعتقاله مما أجبر مباحث أمن الدولة لاطلاقه من الاعتقال لتهدئة الناس .. و بعد أن هدأ الناس بعدة أيام اعيد اعتقال الشيخ احمد المحلاوي مرة أخرى.
و ثانيا- كان الشيخ أحمد المحلاوي أبرز معارض لنظام الحكم حينئذ من حيث كراهية السادات الشديدة له و بالتالي فإن السادات أوصى أنه ينكل به في السجن أكثر من بقية الـ 1500 معتقل الاخرين و لذلك فكلهم تم وضعهم في سجن استقبال طرة و الذي كان احدث سجون مصر حينئذ و أكثرها آدمية (كانوا هم أول من يدخل هذا السجن فور الانتهاء من تشييده و كان يطلق عليه داخل السجون الأخرى اسم الفندق) بينما تم وضع الشيخ أحمد المحلاوي في أسوأ مكان بسجن ليمان طرة و هو عنبر التأديب حيث لم يكن يوضع في هذا المكان حينئذ سوى الخطرين جدا من المجرمين و تجار المخدرات.
و خطب السادات بعد ذلك و ذكر في خطابه فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي باسمه ثم قال قولته البذيئة المشهورة “أهو مرمي في السجن زي الكلب”.
و بعد ذلك بنحو شهر واحد و في 6 أكتوبر 1981م اغتال الملازم أول مدفعية خالد الإسلامبولي و رفاقه الرئيس محمد أنور السادات و ذكروا في تحقيقات النيابة معهم أن قتلهم للسادات جاء لعدة أسباب و منها أنه تطاول على علماء الاسلام فقال عن الشيخ حافظ سلامة “المجنون بتاع السويس” و قال عن الشيخ المحلاوي “أهو مرمي في السجن زي الكلب”.
بعدما قتل السادات أفرج حسني مبارك عن الـ 1500 معتقل الذين كان السادات قد اعتقلهم و لكن لم يسمح للمشايخ الأزهريين من العودة للخطابة و التدريس في مساجدهم و من هؤلاء المشايخ الذي خرجوا من المعتقلات و منعوا من الخطابة و تدريس العلم فضيلة الشيخ عبد الحميد كشك و د. عبد الرشيد صقر و الشيخ أحمد المحلاوي و اخرون .. الا ان الشيخ المحلاوي استمر في الطواف في محافظات مصر المختلفة يلقى الخطب و الدروس الدينية و السياسية المعارضة للرئيس المخلوع حسني مبارك مما دعا مباحث أمن الدولة للقلق من انتشار أفكاره في كافة محافظات مصر فطلبوا من وزارة الوقاف اعادته لمسجده بالاسكندرية (القائد ابراهيم ) لاشغاله به عن الطواف بالمحافظات المختلفة , و لما لم تفلح هذه الحيلة في وقف نشاط المحلاوي بالمحافظات (و كان وقتها في الخمسينات من عمره على ما أذكر) فإن مباحث أمن الدولة استخدمت القمع عبر منعه من مغادرة الاسكندرية بالقوة عبر قوات الشرطة.
و ظل الشيخ أحمد المحلاوي مجاهدا ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك بخطبة الجمعة و الدروس في مسجده بالاسكندرية لدرجة أنه في مرحلة ما ألقى سلسلة من الخطب و الدروس يدلل فيها على كفر و ظلم و طغيان حسني مبارك و تم تسجيلها (كما حدث لجميع خطبه و دروسه) على شرائط الكاسيت و انتشرت في كل أنحاء مصر و لم يخش من مباحث أمن الدولة و لا من مبارك … و ظل الشيخ مناضلا إلى ان وهنت صحته و أحالته الأوقاف الى المعاش فلزم بيته بسبب ضعف صحته و لكن عندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011م فإن اغتباطه و فرحه بهذه الثورة التي أطاحت بالطاغية الذي فنت صحة الشيخ في النضال ضده هذا الفرح رفع روحه المعنوية مما انعكس على حالته العامة فانطلق يشارك في فاعليات ثورية بالاسكندرية منذئذ كما عاد للخطابة بمسجده السابق “مسجد القائد ابراهيم” الى أن حاصره اليوم مجموعة من المراهقين سياسيا و حتى الان في هذا المسجد الذي شهد نضال الشيخ ضد طاغيتين من طغاة مصر (السادات و مبارك) قبل أن يولد هؤلاء المراهقون سياسيا المضللون فكريا المأجورون ماليا.
و لابد أن أذكر في النهاية شهادتي عن زهد فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي فهو رغم أن ملايين الجنيهات مرت عبر يده و وزعها على الفقراء و رغم أنه كان يمكنه السفر للعمل بالخليج و لكنه فضل الجهاد السياسي في مصر و رغم ذلك كله فقد زرت فضيلة الشيخ عام 1989م عدة مرات في شقته المكونة من غرفة (أو ربما غرفتبن) و صالة فوق سطح عمارة في الاسكندرية يسكن فيها هو و اسرته و أثاثها متواضع و لم يكن لديه سيارة و لا سكرتير و لا أي شئ ذي بال.. و أظن ان حاله كما هو حتى الآن.
هذه كلها نقاط مختصرة من حياة الشيخ أحمد المحلاوي و نضاله و لا توفي الشيخ أحمد المحلاوي حقه من الترجمة و التأريخ لكن دفعني لها أنني صدمت باجيال حالية مراهقة سياسيا و مضللة فكريا ومأجورة ماليا تحاول أن تسيطر بالبلطجة على المشهد و الشارع السياسي المصري دون أن يدركوا لا حقائق الفكر و لا التاريخ و لا السياسة لأن من يحرضونهم و يضللونهم و يستفيدون من حركتهم لن يمكنهم ذلك سوى بتزييف الحقائق لتتم عملية تضليلهم وإيجارهم بنجاح.
خيرت الشاطر هو على رأس من تنتظر جماعة الإخوان أن يصدر حكما اليوم عليهم من قادتها، وذلك في إعادة محاكمة 40 قياديا بالجماعة على رأسهم المهندس خيرت الشاطر رجل الجماعة القوي و نائب المرشد العام، و المتوقع أن يصدر الحكم بالبراءة على الشاطر ليزيل العقبة القانونية الرئيسية التي تحول دون تولي الشاطر رئاسة حكومة الاخوان المسلمين المرتقبة ، و كان الشاطر قد حكم عليه بالسجن ثماني سنوات وخرج عقب قيام ثورة 25 يناير عبر الإفراج الصحي من المجلس العسكري و ذلك في القضية التي عرفت اعلاميا باسم «ميليشيات الإخوان بالأزهر», فمن هو خيرت الشاطر الذي تنتظر مصر الحكم عليه بالبراءة من أجل أن يتولى رئاسة الوزراء؟؟
ولد الشاطر بالدقهلية في 4/5/1950 و حصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة الإسكندرية عام 1974كما حصل على ماجستير الهندسة من جامعة المنصورة انضم الشاطر لصفوف المتدينين الذين لم يكن لهم أي لون سياسي عام 1967 حيث كان الاخوان المسلمون في السجن و شارك في مظاهرات الطلبة الشهيرة عام 1968 و ظل ناشطا اسلاميا مستقلا إلى أن خرج الاخوان المسلمون من السجن و سعوا لاعادة بناء الجماعة من جديد عبر احتواء طلبة الجامعة المتدينين و عندها انقسم الطلبة بين سلفيين مخالفين للاخوان و آخرين انضموا للاخوان و كان الشاطر بين من انضموا للاخوان بجامعة الاسكندرية عام 1974.
هذا الجيل الذي بنيت عليه جماعة الاخوان المسلمين منذ منتصف السبعينات ضم العديد من الرموز التي قادت الجماعة في التسعينات و لكن كان أشهرهم خيرت الشاطر و عصام العريان و عبد المنعم أبو الفتوح و ثلاثتهم اقترب من منصب المرشد لكن كل منهم تفرقت به السبل فعبد المنعم أبو الفتوح فصلته الجماعة لخروجه على قرارتها و العريان يقود حزب الجماعة بينما الشاطر آثر أن يظل ممسكا بزمام القوة في قلب الجماعة, و عندما أوشكت وسائل الاعلام العلمانية أن تلمع الشاطر بصفته معتدل و حداثي و يقف ضد المحافظين في الجماعة آثر خيرت الشاطر التواري عن الاعلام عبر الامتناع عن أي تصريحات علنية لا عبره و لا عبر أسرته نظرا لأنه كان في السجن في أوج هذه الحملة, فخيرت الشاطر رجل المهام الخفية إن جاز التعبير أو يحب العمل بعيدا عن الأضواء و لا ننسى أن الشاطر هو الذي أدار المفاوضات السرية التي أجراها الاخوان مع الحكومة تمهيدا لانتخابات 2005 و التي فاز فيها الاخوان بـ 20% من مقاعد مجلس الشعب , و ربما رغبته في العمل خلف الكواليس هي التي جعلت لقائه الأخير الذي تم مع جون ماكين يوصف بأنه لقاء سري رغم أن الاخوان ينفون عنه السرية الآن.
و العمل خلف الكواليس ليست هي السمة الوحيدة من سمات الشاطر السياسية فهناك سمة أخرى هامة و هي اهتمامه بما يحلو للاخوان المسلمين بتسميته بطمئنة الغرب بشأن حكم الاخوان المسلمين و يبدو ان الشاطر هو أول من سك هذا المصطلح عبر مقاله الذي كتبه لجريدة (جارديان) البريطانية في عددها الصادر يوم الأربعاء 23 نوفمبر 2005عشية اكتساح الاخوان للجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب بعنوان “ لا داعي للخوف منَّا” و ربما اهتمام الشاطر هذا بطمئنة الغرب هو ما دفعه لتأسيس الموقع الرسمي للاخوان المسلمين باللغة الانجليزية “اسلام ويب” و الذى قام من خلاله بالتواصل مع العديد مع الجهات الغربية ممثلة في مراكز أبحاث و منظمات أوروبية و أمريكية و طمئنة الغرب حسب المصطلح الاخواني وصلت لتصريح الشاطر بان الاخوان المسلمين ملتزمين بإتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل ،حيث ذكر انه يوجد للإخوان المسلمين التزام بكافة الاتفاقات التي سبق التوقيع عليها وليس اتفاقية كامب ديفيد فقط بل ايضا إتفاقية الغاز الموقعة مع إسرائيل ،وذلك لأن هذه الاتفاقية تم التوقيع عليها من قبل حكومات وليس من قبل شخصيات مستقلة و من هنا نفهم طبيعة الحوار الذي يمكن أن يكون قد دار بين الشاطر و مكين و تردد أن بعض المصادر ألمحت إلى أن هناك اعتقادا بأن خيرت الشاطر، وافق على طلب ماكين فى اللقاء الذى استمر لمدة ساعة باطلاق الأمريكيين المتهمين بقضية التمويل من باب توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية لكن الدكتور محمود حسين الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين أكد أن لقاء خيرت الشاطر وماكين لم يتطرق لقضية التمويل.
و على كل حال فأهمية موافقة الاخوان المسلمين أو حتى السلفيين على أي تحرك كبير و هام يقوم به المجلس العسكري أمر مسلم به و إلا تعرض هذا الأمر للفشل و تراجع عنه المجلس العسكري و إن كان ذلك أمر غير معلن و وثيقة السلمي مجرد مثال بسيط على ذلك .
أما مسألة تولي الشاطر للوزارة فأمر مختلف فيه بين الشاطر و جماعة الاخوان إذ اكدت مصادر داخل الجماعة أن هناك أمران متعارضان سيحددان مصير تولي الشاطر رئاسة وزراء وزارة الاخوان المسلمين المرتقبة الأول أن الشاطر نفسه يرفض تولي المنصب و أشارت هذه المصادر إلى أنه سبق أن عزف عن المشاركة في مناصب حزب الحرية و العدالة أو حتى فاعلياته أما الأمر الاخر الذي يتعارض مع هذا الأمر فهو رغبة الجماعة الملحة في ان يتولي الشاطر هذا المنصب, و قالت المصادر التي اشترطت عدم ذكر اسمها أن الجماعة تعتبر أن الشاطر هو طوق النجاة للجماعة لانقاذ اقتصاد مصر و من ثم فإنها لا ترى بديلا عنه للقيام بمهمة انقاذ الاقتصاد المصري الذي شارف على الانهيار, و رجحت هذه المصادر ان تنجح ضغوط الجماعة في اقناع الشاطر بقبول المنصب نزولا على رغبة دوائر الجماعة العليا و قواعدها على حد سواء, و من ناحية أخرى نفت هذه المصادر ما نشرته جريدة الأهرام أمس عن أن الجماعة ترغب في ابعاد الشاطر عن منصب رئاسة الوزراء و قالت المصادر إن هذه المعلومات لا أساس لها من الصحة .
و إن كان الإعلان الدستوري للمجلس العسكري يقصر حق تشكيل الحكومة أو إقالتها على المجلس الأعلى للقوات المسلحة فلا شك أن برجماتية الشاطر و عمله الدائم خلف الكواليس و استمراره في طمئنة الولايات المتحدة و أوروبا و اسرائيل فإن ذلك كله قد يدفع الولايات المتحدة للتوسط بين الاخوان و المجلس العسكري لأجراء صفقة ما قد يكون أول ضحاياها حكومة الجنزوري الحالية.
التصريحات الأخيرة عن القرآن الكريم والتي صدرت عن الأنبا بيشوي أثارت الكثير من ردود الأفعال وربما تركزت معظم ردود الأفعال هذه علي دحض الشبهات التي أثارتها هذه التصريحات من الناحية الموضوعية. ولكن هناك بعداً نريد أن نركز عليه في هذه التصريحات يتمثل في مدي ضرر هذه التصريحات علي العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر.
قد يظن البعض أنه لا ينبغي أن يعتقد الأنبا بيشوي أو غيره من المسيحيين أن القرآن مزيف، وأن عليه أن يعتقد أن القرآن منزل من عند الله حقا وصدقا، و في الواقع أنه لو اعتقد أي مسيحي ذلك فإنه سوف يسلم، وسيترك مسيحيته، ومن هنا فنحن المسلمين لا شأن لنا بما يعتقده المسيحيون ويتعلمونه داخل جدران الكنائس وداخل تجمعاتهم، فكل عقيدة دينية لا شك أنها تري بطلان ما سواها من عقائد وإلا لو نظر اليهود إلي المسيحية علي أنها حق لتنصروا ولو نظر المسيحيون إلي اليهودية علي أنها غير ملغية برسالة السيد المسيح عليه السلام لتحولوا لليهودية (إن كان ذلك ممكنا)، أما الإسلام فهو وإن صدَّق وآمن بجميع الرسل السابقين بمن فيهم موسي وعيسي عليهما السلام إلا أن الإسلام يري أن رسالة الإسلام التي جاء بها النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم هي خاتمة الرسالات السماوية وأن النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم هو خاتم الرسل فلا نبي بعده ولا رسالة بعده كما أن الدين الإسلامي ناسخ لكل الأديان التي قبله، وهذا كله شيء ثابت، فليس من حرية العقيدة التي أقرها الإسلام بقوله تعالي «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي» البقرة 256 أن نجبر المسيحيين علي أن يقروا بصحة الإسلام في كنائسهم ومجامعهم الخاصة، بالضبط كما ينبغي أن يتمتع المسلمون بحرية الدين والعقيدة فيذكرون في أدبياتهم وجوامعهم ومجامعهم أن الإسلام هو وحده الدين الحق قال تعالي «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» آل عمران 85، وأنكر الإسلام صلب المسيح عليه السلام فقال تعالي «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما» النساء 156-157. كما أنكر القرآن الكريم ألوهية المسيح عليه السلام وأنكر بنوته لله قال تعالي «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار، لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم» المائدة 72-73.
القضية المهمة هي كيف يمكن أن يحدث التعايش وحوار الأديان والحالة هكذا؟!
لا شك أن التعايش سهل إذا صدقت النيات لأن الإسلام يحض ليس فقط علي التعايش مع الآخر الديني ولكن علي البر به والعدل معه قال تعالي «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين أو يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين » الممتحنة 8، أما الحوار مع الآخر الديني بأسلوب حسن فقد ذكره القرآن قال تعالي « ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» العنكبوت 46، و الحوار سينصب لا شك علي تحسين حالة التعايش بين المسلمين وغير المسلمين تعايشا يسوده البر والعدل دون أن يفتش كل شخص في عقيدة الآخر ويحاكمه عليها ويوجه سهام النقد العلني للعقيدة الراسخة للآخر، علما أن علي الأغلبية واجبات أكبر بسبب ثقلها فالثقل والكبر يزيد من حجم المسئوليات الملقاة علي عاتق ذلك الكبير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت هذه المقالة في جريدة الدستور المصرية.
الانتخابات المصرية القادمة تأتي في ظل احتدام الصراع العقيدي والفكري وهو صراع يدور بين الفكر العلماني والعقيدة الإسلامية في مصر بشكلٍ دائم بأشكال وأساليب مختلفة، ولعل موقف التيارات الإسلامية المختلفة من انتخابات مجلس الشعب القادمة أبرز مثال على ذلك؛ حيث هناك موقف ثابت بتحريم خوض أي انتخابات برلمانيَّة ترشحًا أو تصويتًا تتبنَّاه التيارات السلفية وغيرها، كما أن هناك موقفًا يتبناه الإخوان المسلمون، قائم على المشاركة في هذه الانتخابات كلما كانت الأحوال مواتية.
أبعاد الصراع الإسلامي العلماني في مصر
ولفهْم أبعاد الصراع الإسلامي العلماني في مصر لا بدَّ من تأمُّل الفصول المختلفة لقصة هذا الصراع منذ بدايتِه, فقد اندلع جدل واسع في بدايات القرن العشرين في مصر حول الطريق الذي ينبغي أن يسلكه المصريون من أجل النهضة، وانقسم المصريون إلى فريقين, فريق يقول أنه لا سبيل للنهضة والتطوُّر إلا بتبني أطروحاتِ الفكر والحضارة الغربية المعاصرة حلوها وشرها, بينما دعا الفريق الآخر إلى حتميَّة تبنِّي المنهج الإسلامي في الدين والدنيا لإصلاح شئوننا والنهوض من كبوتِنا, الفريق الذي دعا لتبني الحضارة الغربية دعا للعلمانيَّة فيما يتعلق بمجال السياسة، ولم يستبعدْ أن يكون المواطن متدينًا فيما بينه وبين ربه، أي داخل جدران بيته ومسجده أو كنيستِه, بينما الفريق الذي تبنَّى الفكر الإسلامي رفع شعار “الإسلام دين ودولة”, كما لم يستبعد أن نستفيد من الحضارة الغربية إيجابياتها ونتجنب سلبياتها.
الفريق العلماني
الفريق العلماني رأى بشكلٍ ضمني حينًا وبشكل مباشر في معظم الأحيان أن حضارتنا العربية أو الإسلامية هي سبب تخلُّفنا عن ركب التقدم التكنولوجي الذي شهدتْه أوروبا في العصر الحديث, ولا يمكن التقدم إلا عبر التخلي عنها والتبني الكامل للحضارة الغربيَّة الحديثة في كلِّ المجالات, كما رأى كثير من أقطاب هذا الفريق أن مصر تنتمي للفراعنة ولا تنتمي للعرب، ومن ثَمَّ فتوجهُها للغرب ليس لأنه من مصلحتها فقط ولكن أيضًا لأنها لا تمتُّ للحضارة العربيَّة (حاملة رسالة الإسلام) بصلة.
الفريقُ الإسلامي
الفريقُ الإسلامي أعلن أن التخلُّف الحضاري الذي شهدته وتشهده المنطقة هو بسبب تخلِّي الأمة عن المنهج الإسلامي الأصيل وانحرافها عن تعاليم الإسلام الحقيقي, وأن الأمَّة الإسلاميَّة والعرب عندما تمسَّكوا بالإسلام كمنهج حياة دِينًا ودولة فإنهم أبدعوا حضارة زاهرة يشهد لها العالم بالتفوق، وذلك منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحتى نهاية عهود الازدهار الإسلامي, بل وحتى عهود الجمود في التاريخ الإسلامي لم تخلُ من جوانب الازدهار في بعض جوانب الفكْر والفن والعلوم.
باستمرار النقاش وبمرور الوقت نقَّح كل من الفريقين أطروحاتِه، فلم يعدْ هناك مكان للجمود على الأُطروحات التراثيَّة فقط لدى الفريق الإسلامي، ومن ثَمَّ ضعف الفصيل المنتمي لمدرسة الجمود هذه بين الفريق الإسلامي, كما لم يعدْ هناك عداءٌ لكل ما هو قديم أو تراثي عربي أو إسلامي لدى الفريق العلماني وانزوى ذوو مثل هذه الميول في زوايا هذا الفريق العلماني (باستثناء الحالة الماركسيَّة).
أغلبيَّة الشعب مطحونةً
كلُّ هذه المناقشات كانت بين النخبة الفكريَّة والثقافيَّة، بينما ظلَّت أغلبيَّة الشعب مطحونةً في البحث عن لقمة عيشها بعيدًا عن أي أفكار لا إسلاميَّة ولا علمانيَّة, ولكن تلامذة الشيخ محمد عبده أعطوا زخمًا فكريًّا وعمليًّا للفريق العلماني عندما قاد قاسم أمين (تلميذ الشيخ) ما سمَّى بحركة تحرير المرأة، وأصدر كتابيه على التتابع “تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة”, كما أعطى تلميذًا آخر للشيخ محمد عبده دفعة عمليَّة للتوجه العلماني في مجال الاقتصاد وهو طلعت حرب باشا، الذي أسَّس بنك مصر وشركاته على أُسُس رأسماليَّة بحتة لم تتأثر لا بالمنهج ولا بالحضارة الإسلامية في شيء، اللهم إلا في التصميمات المعماريَّة والديكورات الخاصة بمقارّ البنك, ثم أعطى سعد زغلول باشا دفعة عمليَّة أخرى للحركة العلمانيَّة (وسعد تلميذ للشيخ محمد عبده أيضًا) في المجالَيْن السياسي والاجتماعي عبر ثورة 1919 التي اعتمدت شعارات وأُطروحات علمانيَّة ليبراليَّة، وترجمت ذلك في دستور 1923 العريق, وهذه الحركة وإن أعطت دفعة للمشروع العلماني سياسيًّا في صورته الليبراليَّة، إلا أن ذلك كان مفيدًا للحركة الإسلاميَّة، لأن أجواء الحرية التي تتيحها الليبراليَّة مفيدة جدًّا لحركة التيار الإسلامي, إلا أن خطورة ما فعله سعد بالنسبة للحركة الإسلاميَّة تكمُن في أنه استغلَّ إنجازاتِه السياسيَّة بنجاحٍ من أجل تغيير المجتمع نحو مزيدٍ من القرب من القِيَم الاجتماعيَّة الغربيَّة، ونجح في ذلك هو وخلفاؤه، سواء من أحزاب الأقليَّة أو حزب الوفد الذي قاده من بعده مصطفى النحاس عبر مناهج التعليم وسياسات التوظيف التي كان أسَّس لها الإنجليز على يد اللورد كرومر، واستمرُّوا في متابعتها حتى خروج الاحتلال من مصر.
الاتجاه “القومي العربي”
جاءتْ ثورة يوليو باتجاه بدا أنه جديد على مصر ومختلف عن الاتجاهَيْن السابقين، وهو الاتجاه “القومي العربي”, فلا هو وطنيَّة مصريَّة كما دعا الفريق العلماني منذ مطلع القرن، ولا هو “أمميَّة إسلاميَّة” كما دعت لها الحركة الإسلامية.
كان عددٌ من قادة ثورة يوليو، وعلى رأسهم عبد الناصر والسادات وخالد محيي الدين، تلامذة لبعض الوقت لدى الإمام حسن البنا، كما استمعوا وأُعجبوا بأحمد حسين (زعيم مصر الفتاة ذي الاتجاه العروبي في آخر أيامِه) ومن ثَمَّ قد نشعر بشيء من الميول -أو بتعبير أدق المظاهر الإسلاميَّة- لدى هذا الاتجاه, ولأن هذا الاتجاه كان عروبيًّا فلم يدعُ لقطيعة مع تاريخنا وتراثنا العربي الذي هو أيضًا إسلامي, لكن أيضًا هذا الاتجاه كان علمانيًّا؛ فعبد الناصر وخالد محيي الدين وغيرهما تتلمذوا كثيرًا على رموز التيَّار الماركسي في مصر، ثم هم اختاروا العلمانيَّة في الحكم وناصبوا الإخوان المسلمين وأطروحاتِهم الإسلاميَّة العداء, ولذلك فرض عبد الناصر العلمانية في الحكم لكن هذه المرة (وبعكس سعد في ثورة 19) دون الليبراليَّة, واستمرَّ نهج نظام حكم يوليو علمانيًّا وبلا ليبراليَّة حتى اليوم.
الجدل الإسلامي العلماني
وبذلك نرى أن الجدل الإسلامي العلماني ظلَّ بين النخبة فقط حتى اليوم, أما الأخذ بالخيار العلماني في الحكم فقد فرضَه قطاعٌ من النخبة دون اختيار من الشعب عبر ثورتي 1919 و1952.
وفي هذا الإطار العام يمكن فهم لماذا ترفض أحزاب الوفد والتجمع والجبهة الوطنيَّة مسألة التحالف في الانتخابات مع الإخوان المسلمين، ولماذا ترفض العديد من القوى السياسيَّة أن يكون للإخوان المسلمين (ومن باب أولى أيّ تيَّار إسلامي آخر) حزبًا سياسيًّا أو مشاركة في الحياة السياسيَّة الحاليَّة, فكلهم يخشَوْن أن تصلَ الأمورُ إلى تخيير الشعب بين العلمانيَّة والعقيدة الإسلاميَّة, فضلًا عن الخشيَة من وصول أي تيَّار إسلامي للحكم فيقوم بعكس ما قام به العلمانيُّون حتى الآن طوال أكثر من مائة عام من تغريب المجتمع ومحاولة علمنتِه، حيث سيكون الفعْل الإسلامي بعكس ذلك كله طبعًا كما يخشى العلمانيُّون من أي قدر مناسب من التعبئة الشعبيَّة في اتجاه الفعل السياسي والاجتماعي والاقتصادي الإسلامي في مصر.
ــــــــــــــــــــــــــــ
نشرهذا الموضوع بموقع الإسلام اليوم.
التغيير السياسي في مصر يشغل أغلب القوى السياسية المصرية ومن هنا جاء الاهتمام بتصريحات الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية و أبرز المعارضين الآن لنظام الرئيس حسني مبارك، حيث دعا جميع قوى المعارضة والأحزاب السياسية المصرية لمقاطعة الانتخابات البرلمانية و الانتخابات الرئاسية المقبلة و أسمى هذه الانتخابات بالديكورية, و أكد الدكتور البرادعي أنه في حالة نجاح الدعوة لمقاطعة الانتخابات لن يستطيع النظام أن يبقي يومًا واحدًا، و أضاف: هذا متوقف علي مدي نجاحنا في إقناع جميع الأحزاب المؤثرة والقوي السياسية المختلفة بمقاطعة الانتخابات الديكورية وتقديم المصالح الوطنية علي المصالح الشخصية الضيقة.
و قال البرادعي: إننا مطالبون حاليًا بتحكيم عقولنا وليست عواطفنا وأن نفكر في أساليب غير تقليدية من بينها اللجوء للشعب مباشرة، ففي ظل عدم وجود انتخابات نزيهة باعتراف النظام نفسه وفي ظل غياب الأحزاب الحقيقية والنقابات ليس من المطلوب أن نبدأ معركة التغيير بثورة الجياع والعنف ولكن علينا أن نبدأ بالأساليب السلمية للوصول إلي انتخابات نزيهة.
و تبدو هذه التصريحات للدكتور البرادعي منطقية و متوازنة لأول وهلة لكن التعمق في تحليل محتواها يظهر احتوائها على عدة ألغام, فأول هذه الألغام و أوضحها هو قوله إذا نجحنا في إقناع جميع الأحزاب المؤثرة …الخ و اللغم هنا هو ماذا لو لم تنجح يا دكتور البرادعي في إقناعهم و خاض كثير منهم الانتخابات؟ ما هو خيارك السياسي في هذه الحالة؟ لا سيما و قد صرحت سابقا أنت و العديد من قادة حركتك التغيرية أن العصيان المدني هي ورقتكم الأخيرة, و في حالة فشل البرادعي في حمل أغلبية الشعب و قواه السياسية على مقاطعة الانتخابات فإن ذلك معناه أن حركة التغيير التي يقودها ستكون أعجز عن إقناع الأغلبية بالقيام بعملية العصيان المدني.
أما اللغم الثاني فقوله علينا اللجوء للأساليب السلمية للوصول لانتخابات نزيهة, فهذا الكلام رغم أنه صحيح فإنه متناقض مع دعوته لمقاطعة الانتخابات, إذ أن مقاطعة الانتخابات حتى لو نجحت فهي لن تهز شعرة في جسد النظام الديكتاتوري الحاكم, فمقاطعة الانتخابات لا تجدي في الدول التي تحكمها نظم استبدادية تزور الانتخابات لأنها ستزورها و ستزعم أن الإقبال على الانتخابات كان كبيرا بشكل غير مسبوق, كما إن نظم الحكم المستبدة جلدها سميك فلا تحس بأي وخز ضمير و لا بأي حرج سياسي حتى ولو لم يذهب للانتخابات أحد فنحن لسنا هنا في انجلترا أو السويد نحن في الشرق الأوسط حيث العراقة في الديكتاتورية و الاستبداد, و بالتالي فإن الأساليب السلمية للوصول إلى انتخابات نزيهة تقتضي دخول الانتخابات ليس لأنها لن يتم تزويرها و لكن لتعبئة الشعب و تدريبه على العمل الجماعي المنظم السياسي و السلمي تمهيدا لمزيد من الأعمال الجماعية السياسية الأخرى في مناسبات تالية.
و إذا كنا مطالبين حاليًا بتحكيم عقولنا وليست عواطفنا كما يقول البرادعي (و هنا لغم آخر) فإن ذلك يقتضي أن نفهم أن الأغلبية العظمى من الشعب المصري تتسم بقدر كبير من السلبية السياسية إما خوفا من القمع الحكومي و إما يأسا من حدوث أي نتيجة ايجابية للنضال من اجل التغيير و إما إعراضا عن العمل العام لحساب الشأن الخاص في ظل الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها أغلبية الشعب حيث يناضل الواحد منهم نضالا مريرا بشكل يومي لمجرد الحفاظ على اقل من الحد الأدنى لمتطلبات العيش له و لأسرته, و إذا فهمنا ذلك فعلينا أن نصوغ الحلول المناسبة لهذه المشكلات بشكل عقلاني و منطقي أي نقنع كل هؤلاء بحتمية المشاركة في النضال من أجل التغيير السياسي, و هذا يقتضي أعمالا جماهيرية لتثقيف و تعبئة الجماهير بشكل سلمى لا الانغماس في الأحلام الوردية التي عاشها قادة المعارضة المصرية منذ السبعينات و حتى الآن من انه يكفي الدعوة لمظاهرة أو مقاطعة الانتخابات أو مقاطعة جهة ما حتى يتغير الكون , فهذا كله حرق للمراحل و قفز فوق درجات السلم للوصول لأخره قبل المرور بأوله و هيهات أن ينجح أحد في ذلك حتى لو كان من الأنبياء.
عزز حوار الأنبا بيشوي يوم الأربعاء 15 سبتمبر مع المصري اليوم العديد من الهواجس بين العديد من المراقبين حول إمكانية اندلاع الفتنة الطائفية في مصر, و كانت تطورات أحداث قضية كاميليا شحاتة منذ شهرين و ما صحبها من ردود أفعال متنوعة قد أثارت مثل هذه المخاوف, و لكن لا شك أن مصر عصية على الفتنة الطائفية بين المسلمين و الأقباط منذ دخل الإسلام مصر, فتاريخ مصر و جغرافيتها تشهد على وحدة و تجانس الشعب المصري مع تنوع دياناته و عقائده, فالمسيحية لم تشهد حرية اعتقاد و عبادة إلا في ظل الحكم الإسلامي الذي حررها من نير الاستعباد و الاضطهاد الروماني الذي كان يتدخل في أدق شئون العقيدة لدى المسيحيين المصريين و يسعى لإكراههم و إرغامهم على الاعتقاد بمذهب الدولة البيزنطية في مجال الاعتقاد المسيحي, و عندما دخل عمرو بن العاص مصر كان قادة رجال الدين المسيحي المصريون هاربين من حكام مصر الرومان و متخفين في صحراء مصر خوفا من البطش و القمع الروماني لهم, و ما إن حكم المسلمون مصر حتى أطلقوا حريات المسيحيين الأمر الذي أدى إلى تحول أغلب المسيحيين المصريين إلى اعتناق الإسلام بعد عقود من الفتح الإسلامي لمصر, و من هنا صار أغلب المصريين مسلمين بسبب سماحة الإسلام و احترامه لغير المسلمين و عدله مع جميع مواطنيه بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق أو الدين, لا يمكن لأحد أن يزعم أن أغلبية مواطني مصر المسلمين هم من العرب, لأن الجيش العربي الذي فتح مصر لم يتجاوز عدده الأربعة آلاف مقاتل.
و حتى لو حدثت هجرات عربية بعد ذلك فمستحيل أن تكون بعدد يفوق عدد سكان مصر بكل هذه النسبة لا سيما إذا قارناه بعدد العرب من سكان الجزيرة العربية اليوم الذي لا يصل مجموعهم لأربعين مليون بينما عدد سكان مصر الآن نحو 85 مليون نسمة, فالقول بأنمسلمي مصر هم العرب الفاتحون و إنكار أن أغلب المصريين الذين كانوا مسيحيين قد دخلوا في الإسلام كل هذا استكبار و مكابرة تجافي التاريخ و الجغرافيا و المنطق العلمي السليم.
و من ناحية تاريخية أخرى فإن مواطني مصر المسيحيين ظلوا في ترابط مع مسلميها حتى في أحلك الظروف فحتى أيام الحروب الصليبية لم يحاول أغلب مسيحي مصر الانشقاق و التعاون مع الغزاة بل ظلوا يدعمون المجهود الحربي الإسلامي ضد الصليبيين, و نفس الشئ تكرر في حملة لويس التاسع الصليبية على دمياط ثم في العصر الحديث في الحملة الفرنسية و بعدها أيام الاحتلال الانجليزي في كل هذه المراحل وقفت أغلبية المسيحيين المصريين مع مواطنيهم المسلمين يدعمون نضال المسلمين ضد الغزاة, هذا كله من حيث التاريخ, فتاريخ علاقة المسيحيين و المسلمين المصريين هو تاريخ من التعايش و التجانس الدائم و لا يشوش على ذلك القليل من التوترات التي افتعلها أو يفتعلها جهال أو متطرفي أي طرف لأن ذلك من القليل النادر الذي لا ينبني عليه حكم عام.
أما من حيث الجغرافيا فإن بيوت و مواطن بل و حتى مقابر المسلمين و المسيحيين المصريين متجاورة و متداخلة بحيث لو شاء أحد الأعداء الخارجيين أو المتطرفين الداخليين أن يقسم البلاد إلى دولة مسيحية و أخرى مسلمة فإنه لن يجد أي سبيل إلى ذلك بسبب تداخل و ترابط مواطن كلا الفريقين من المصريين, فلا يوجد في مصر حي يخلو من مسلمين و مسيحيين معا, و لا توجد منطقة في مصر أو محافظة يمكن القول بأنها منطقة أو محافظة مسيحية فقط بعكس دول أخرى حدث فيها فتن طائفية على خلفيات دينية أو عرقية و ساعد على ذلك فيها التحيزات المناطقية.
و هكذا فإن تاريخ و جغرافية مصر تقفان ضد الفتنة الطائفية بين المصريين مسلمين و مسيحيين, و أي شخص يعمل على بذر بذور الفتنة الطائفية فهو يعمل ضد التاريخ و الجغرافيا… ترى هل يمكن لأحد أن يغلب التاريخ و الجغرافيا؟!
لو كتبت عن الأزمة التى أثارتها قضية إسلام كامليا شحاتة زوجة كاهن دير مواس، فأنا متأكد أن بعض القراء سوف يعلق بما معناه إحنا فى إيه ولا إيه كفاية علينا أزمة الكهرباء في مصر وأزمة الماء وغيرهما، والأحسن أن تكتب بشأنهما بدلا من قضية إسلام كاميليا شحاتة.
والواقع أن القضيتين مترابطتان من جانب مهم جدا وهو طبيعة نظام الحكم الذى يحكم البلاد، فأى نظام حكم وظيفته الأهم والأبرز هى إدارة الموارد (تنميتها وتنظيمها وتوزيعها) وهذه الموارد لا تشمل الموارد الاقتصادية فقط ولكن تشمل أيضا الموارد السياسية، ومن هنا فإن ما يجرى من سوء فى إدارة الموارد وعدم عدالة توزيعها لا يقتصر فقط على الموارد الاقتصادية بل هو يشمل أيضا الموارد السياسية من مشاركة فى صنع القرار الوطنى و حريات عامة سياسية وشخصية ودينية وعدالة وغير ذلك.
فنظام حكم الحزب الوطنى الحاكم حول البلاد لمجموعة دويلات لها تميزها فى الحصول على ما تشاء من موارد اقتصادية وسياسية بينما هناك دويلات الفقراء الذين لا يحصلون على شىء من هذه الموارد لا الاقتصادية ولا السياسية.
فمثلا هل يمكن لفقراء مصر أن يؤثروا فى صنع القرار العام فى مصر بنفس درجة تأثير البابا شنودة أو أى رجل أعمال بارز من الحجم الثقيل؟ وهل يمكن لأى مزارع أو بدوى مصرى أن يحصل على مساحة واسعة من أراضى الصحراء بنفس السهولة والحرية والمميزات التى يحصِّلها أى دير قبطى أو أى رجل أعمال من الوزن الثقيل؟
وفى هذا الإطار يمكننا فهم قضية كامليا شحاتة ووفاء قسطنطين وكافة القبطيات اللاتى تحولن للإسلام وقامت الدولة بالقبض عليهن وتسليمهن قسرا للكنيسة القبطية التى اعتقلتهن بحجج مختلفة فى كنائس وأديرة لا تخضع للقانون المصرى ولا للقضاء المصرى كما هو واضح من تصرفات الكنيسة القبطية بصفة عامة فى السنوات الأخيرة.
طبعا تصريحات كثيرة صدرت عن مصادر كنسية بأن كامليا شحاتة أو وفاء قسطنطين أو غيرهما لم يسلمن ويستدل بها المغفلون والمتغافلون على أن هؤلاء النسوة لم يسلمن وتتناسى هذه المصادر الكنسية بل قل الكنيسة القبطية أنهم هم وكنيستهم جميعا متهمون بقهر وقمع عدد من النسوة لمنعهن من ممارسة حق مهم من حقوقهن هو حق حرية الاعتقاد وهو حق كفله الدستور والقانون المصرى، فضلا عن جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان فكيف سيصدقهم أحد، ثم كيف يصدقهم عاقل بينما هم مستمرون فى هذا القمع لحرية الاعتقاد ومستمرون فى حبس كل من تختار ترك المسيحية لأى سبب من الأسباب، فلماذا يعلنون هم أن كامليا شحاتة أو وفاء قسطنطين غير مسلمة وهم مستمرون فى اعتقالها (بل هناك إشاعات أن وفاء قسطنطين قد قتلت تحت التعذيب بأحد الأديرة) لماذا لا يتركونها تعيش بحرية كمصرية حرة وتقرر هى ما تريد أن تعتقده وتعلن هى حقيقة هذا القرار؟ أليس كل هذا دليل على أنهن أسلمن ومحتجزات لدى الكنيسة لهذا السبب.
وعندما وجدوا أن الوضع بات أشد ضغطا عليهم بشأن إسلام كامليا شحاتة دخل الأزهر على الخط ووجدنا المسئول عن إشهار الإسلام بالأزهر يزعم أن كامليا لم تتقدم بطلب لإشهار إسلامها ويتناسى هذا الشيخ أن الإسلام لا ينعقد فقط بالتسجيل فى الكشوف التى لديه، فالمسلمون دأبوا على الإسلام قبل اختراع هذه الكشوف وقبل وجود الأزهر نفسه ولم يطعن أحد فى هذا الإسلام كما أن هذا الشيخ وموظفيه متهمون بأنهم عرقلوا إسلام كامليا فهم خصوم لكامليا فكيف نصدق كلام خصم لها من شأنه أن يضرها بلا دليل.
نرجع للكهرباء، كما شاب الفساد طريقة إدارة الموارد السياسية للبلاد فميزت فئات على فئات فى السياسة فهى فعلت الشئ نفسه بشأن الاقتصاد فميزت رجال الأعمال الموالين لها وللحزب الحاكم على سائر الشعب فانهارت شبكة الكهرباء على دماغ الفقراء لصالح المقاولين والشركات التى نفذت هذه الشبكة بنقود الشعب فنفذوها دون المواصفات، كما ميزت الحكومة إسرائيل على الشعب فأمدتها بالغاز المصرى بدلا من أن تمد محطات الكهرباء المصرية به، وأيضا ميزت رجال الأعمال وإسرائيل أيضا الذين ظلوا يعرقلون المشروع النووى المصرى فاستجابت لهم الدولة إذعانا للامتيازات التى تتمتع بها إسرائيل ورجال الأعمال فى مصر.
وهكذا تعيش مصر أزهى عصور الامتيازات التى يختص بها المحظوظون دون أغلبية أبناء مصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر هذا الموضوع في موقع جريدة اليوم السابع.
بدأت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة غير المباشرة على أساس أجندة سياسية تعتمد على أساس أن تسير المفاوضات تقريبية بشكل غير مباشر لمدة أربعة أشهر، وبعد ذلك يتم الانتقال إلى “المفاوضات المباشرة” إذا ما تحقق تقدم، وإذا ما أجاب نتنياهو على “أسئلة الأمن والحدود”، كما على النحو الذى طالب به الفلسطينيون، ولم يمض أكثر من شهرين حتى انتقل الإسرائيليون والأمريكيون إلى المطالبة بالدخول فى المفاوضات المباشرة، دون أن تتقدم تلك المحادثات التقريبية خطوة واحدة.
ولاحظنا هجوماً ثلاثياً أمريكيا وإسرائيلياً وأوروبياً مركزاً منسقاً على السلطة والعرب لإجبارهم على الذهاب إلى المفاوضات المباشرة.. فماذا كان رد فعل السلطة الفلسطينية؟
رئيس السلطة محمود عباس توجه للدول العربية ممثلة فى الجامعة العربية فى مسعى تكلل بحصوله على موافقة العرب على توجه السلطة للمفاوضات المباشرة دون شروط، وذلك عندما وافقت لجنة مبادرة السلام العربية قبل أسبوعين تقريباً على ذلك، وإن تركت توقيتها وكيفيتها لرئيس السلطة.
ثم عاد محمود عباس يعلن أنه كى يعود للمفاوضات المباشرة بلا شروط، فإنه يريد دعماً سياسياً من الدول الكبرى، مطالباً الرباعية (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى وروسيا) أن تكرر بيانها الذى أصدرته فى مارس الماضى، والذى يدعو إسرائيل لوقف الاستيطان والتوصل إلى اتفاق خلال 24 شهرًا.
وتقول السلطة، إنها تريد دولة فلسطينية على أراضى 1967 عاصمتها القدس الشرقية على أساس حل الدولتين، وهو حل لا شك أن الاستيطان يعوقه، أما نتانياهو فهو لم يعلن حتى الآن تجميد الاستيطان.
وقال رئيس دائرة المفاوضات فى منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، إن السلطة تريد محادثات مباشرة لكن “بجدول أعمال محدد وسقف زمنى محدد، وأن تقوم إسرائيل بوقف الاستيطان بما يشمل القدس، وقبول مرجعية الدولتين على حدود عام 1967 مع تبادل متفق عليه”.
ونسى عريقات أو تناسى أن الضغط الإسرائيلى والمؤيد من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى هدفه شىء واحد محدد هو عودة المفاوضات المباشرة بلا قيد أو شرط.
وأثناء ذلك كله وبعده يمكننا قراءة الأخبار التالية فى مختلف وسائل الميديا: “قالت الخارجية الأمريكية إن الوزيرة هيلارى كلينتون بحثت بيان الرباعية مع الأمين العام الأممى بان كى مون ومبعوث الرباعية تونى بلير ووزير الخارجية الروسى سيرغى لافروف.
وقال المتحدث باسم الخارجية فيليب كراولى إن واشنطن تؤيد إصدار مثل هذا البيان إذا كان يسمح بالانتقال إلى المحادثات المباشرة”.
“قال نتنياهو فى لقاء مع ميتشل فى القدس إنه متمسك بالمفاوضات المباشرة، وهو هدف تتشاطره معه الإدارة الأمريكية، كما قال المبعوث الأمريكى”.
فلماذا هذا التكالب الثلاثى على إجبار الضحية للذهاب إلى مفاوضات ميئوس من نتيجتها؟! ولماذا كثرة الكلام عن هذه المفاوضات وخطواتها رغم أن كل هذه المفاوضات أموراً فارغة وليس لها أى مضمون و لن تحقق أى هدف؟
فى الواقع فإن الحكومة الإسرائيلية تطبق فى هذا المجال مقولة لوزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كسينجر، قال فيها “أوهم الآخرين بأنك تتحرك فى حين تكون ثابتا”، وهذه المقولة واضح أنها أساس التحركات الأميركية-الإسرائيلية المشتركة فى حدوتة المفاوضات، وذلك ليس تطورا طارئا على السياسات الإسرائيلية أو الأمريكية فى المنطقة، بل هى إستراتيجية إسرائيلية وأمريكية و أوروبية ثابتة بشأن العمليات السياسية (و الاقتصادية أحيانا) فى العالم الاسلامى منذ أن تدهورت قدراته ومكانته السياسية والإستراتيجية.
ولعل السؤال الذى يطرح نفسه الآن هو ما الغاية من هذه الاستراتيجية التى يمارسونها تجاهنا؟
الإجابة بسيطة لكنها مؤلمة وهى: أنهم يمارسون علينا عمليات التخدير لئلا نيأس فنلجأ إلى استراتيجيات وتكتيكات أخرى فى أى عملية سياسية على نحو مضاد لأهدافهم ومصالحهم، وكلنا يذكر مؤتمرات القمة العربية الطارئة أو المنتظمة التى لا تنتج أى شىء مفيد للعالم العربى أو للقضية الفلسطينية والتى رغم ذلك تتكلف مئات الملايين من الدولارات كان أطفال فلسطين أولى بها، ولكنها طبعاً مفيدة لأمريكا وإسرائيل لأنها قطعا تخدر الشعوب العربية التى تظل تنتظر وتنتظر النتائج والتحركات والقرارات العربية دون أن يتحقق شىء ودون أن تيأس الشعوب العربية فتلجأ إلى طرق وأساليب أخرى لحل مشاكلها أملاً فى الجامعة العربية وقراراتها، لذلك فإنه ما لم تفهم الشعوب العربية حقيقة هذه الأوهام السياسية فإنها ستظل تنتظر وتنتظرإلى يوم القيامة دون أدنى جدوى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في موقع جريدة اليوم السابع.
منذُ أيام وجَّه الدكتور أيمن الظواهري -الرجل الثاني في شبكة القاعدة- اللَّوْم للحكومة التركيَّة التي يقودها رجب طيب أردوغان بشأن العديد من القضايا، من أول مشاركتها في حرب الناتو على أفغانستان، وحتى تسييرها أساطيل الحرية لفك الحصار عن غزة, وتزامن هذا اللوم مع فترة حساسة سياسيًّا في الداخل التركي، بعدما أمرتْ محكمة تركية مؤخرًا باعتقال أكثر من مائة من المتَّهَمين في التخطيط لانقلاب عسكري على حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ذي الجذور الإسلاميَّة, وجاء على رأس هؤلاء المتهمين عددٌ من أكبر وأبرز قادة الجيش السابقين والحاليين, وجاء هذا في إطار القضيَّة المعروفة باسم المطرَقَة الثقيلة التي اتُّهم فيها عدد من أبرز رموز العلمانيين بالجيش ومراكز مدنِيَّة هامة أخرى, ويأتي هذا الإجراء الأخير بعدما أمرت محكمة تركية عليا أخرى منذ نحو شهر بالإفراج عن نفس المتَّهَمين فيما ظهر وكأنه صراع بين قُوى متصارعة داخل الهيئة القضائية بعضها مناوئ لحزب العدالة ومساند للقوى العلمانية وبعضها موالٍ لحزب العدالة، ومناوئ للعلمانيين الذين ظلُّوا قرابة سبعين عامًا منذ أتاتورك وحتى الآن يحتلون أبرز مراكز النفوذ والتأثير في الجيش والشرطة وهيئات التدريس في الجامعات، فضلًا عن مناصب القضاء.
وفي 12 سبتمبر المقبل يجري استفتاء عام في تركيا على الإصلاحات التي يقول أردوغان أن هناك حاجةً إليها لكي يصبح الدستور متماشِيًا مع الديمقراطيات الأوروبية, وتشمل هذه الإصلاحات بشكلٍ أساسي طريقة تشكيل المحكمة الدستوريَّة واللجنة العليا للقضاة والادِّعَاء والطريقة التي تحدّد انتخاب الأعضاء فيها وأسلوب إلغاء حزب ما من الأحزاب السياسية أو تجميده أو وقفه عن العمل السياسي, وتعارض المعارضة -التي هي في الحقيقة علمانية- هذه التعديلات الدستورية بحجَّة أنها من شأنِها أن تحكم سيطرة حزب العدالة والتنمية على الحكم.
أردوغان ذو الخلفيَّة الإسلامية والتاريخ النضالي الإسلامي تحت قيادة أستاذِه أربكان هل هذا فقط ما فعله ويفعلُه منذ وصولِه للحُكْم قبل ثماني سنوات عبر انتخاباتٍ نيابية كانت نتيجتها مفاجئةً في البداية؟
لا يَعنينا هنا ما يُقال عن دورٍ تركي متنامٍ في الشرق الأوسط والمنطقة العربية, أو موقف بدا للبعض بطوليًّا إزاء الطغيان الإسرائيلي والعَجْرَفة الصهيونية، كما لا يعنينا ما يُقال عن تنامي العلاقة التركية مع سوريا أو إيران… الذي يهمُّنا هو التساؤل عما عسى أن يكون قدَّمه أردوغان وحزبه الموصوف بالإسلامِي للقضية الإسلاميَّة، خاصةً في شقها السياسي, فغاية كل حركة إسلاميَّة تسعى للحكم هو تطبيق الشرع الإسلامي في الحُكْم, والسير سياسيًّا واقتصاديًّا بمقتضاه, الكثير من الإسلاميين بكل أطيافهم الفكرية انزعجوا من النمط والشكل غير الإسلامي الذي بدا عليه حزب العدالة والتنمية في الكثير من ممارساتِه وقوانينه وسلوكه التشريعي والدولي, فمن الرضوخ للضغوط الأوروبية بالامتناع عن حظر الزنا إلى تعاونِه من خلال الناتو في الحرب على أفغانستان وغير ذلك الكثير, فهل هذا يعني أن أردوغان وحزب العدالة مُعادٍ للإسلام أو على الأقلّ غير معنيٍّ بالحكم وَفْقَ أحكام الشريعة الإسلامية التي هي جوهر الهدف الإسلامي الأسمى في كل العصور وعبر كل الحركات الإسلامية؟
أم أن حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة أردوغان قد عدل في العقيدة الإسلامية ليجعل إقامة حكم الشريعة وعودة الخلافة الإسلامية الراشِدة على منهاج النبوَّة أمورًا ليست هامة، وبذا رسَّخ ما اعتبره بعض المراقبين (بما فيهم أوروبيون وأمريكان) أنه تيار إسلامي سمُّوه بالعلماني؟
أغلب الإسلاميين العرب من كل التيارات غير راضين عن أداء ولا أفكار حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة أردوغان, لأنه لم يجسِّد الحلم الإسلامي في مجال الحُكم لا في سياسته الداخلية ولا الخارجية, حيث في الداخل الدعارة والزنا مباحان والشريعة غيرُ حاكمةٍ بصفة عامة, وحيث في الخارج علاقاته الوثيقة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو والسعي الحثيث للالتحاق بالاتحاد الأوروبي.
أعداء أردوغان وحزب العدالة في داخل تركيا يعتبرون أن الحزب ماكر وله أجندة خفيَّة لتحويل تركيا إلى الحكم الإسلامي عبر خطَط مَاكِرة ومتدرِّجة وغير متعجِّلَة.
ولفهم ما يجري في تركيا على يد العدالة والتنمية ينبغي ألا نقف كثيرًا عند إجابة سؤال: ماذا يفعل أردوغان وحزب العدالة في تركيا؟
لأن الاقْتصار على ذلك سيُدْخِلنا في نفس الحلقة المفرَغة من الجدل الذي عرضنا له في السطور السابقة.
إذنْ فلنركز أكثر على إجابة سؤال آخر هو: ما هي أهم النتائج التي ستسبب فيها أعمال حزب العدالة والتنمية في تركيا في الفترة المقبِلة؟
لنرجعْ مرة أخرى لفهم حقيقة وجوهر الإصلاحات الجديدة للحزب, فجوهر الإصلاحات الجديدة من شأنها التغيير من بنية المحكمة الدستورية بزيادة عدد أعضائها الحاليين وتغيير طريقة تعيين أعضائها بحيث لا تظلُّ المحكمة الدستورية تتفرد بأعضائها الحاليين بالرقابة والهيمنة على قرارات البرلمان أو أي قرارات أخرى ولا تظلّ عقبة أمام أي تعديلات منطقية في الدستور أو القوانين, كما أن الإصلاحات الجديدة تفعل الشيء نفسَه مع المجلس الأعلى للقضاة والمدّعين العامين الذين يشكِّلُون مع المحكمة الدستورية دولة داخل الدولة بعد صعوبة قيام العسكر بانقلابات عسكرية, فالمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء أصبحا الأداة الوحيدة لدى العلمانيين لعرقلة خطوات حزب العدالة والتنمية في تغيير القوانين.
ومن أهمّ التعديلات الجديدة محاكمة العسكريين الذين لا يزالون في خدمتهم أمام محاكم عسكرية إذا لم يقتصر الجرم على شئون عسكرية فقط.
أيضًا سيكون الأتراك في 12 سبتمبر بالذات، ذكرى انقلاب 1980 العسكري، أمام فرصة تصفِيَة الحسابات مع قادة الانقلاب، بحيث لا يتجرأ، أو هكذا يفترض، أي جنرال عسكري على القيام بانقلاب عسكري جديد لأن المحاكمة ستنتظرُه، بينما كان القانون السابق يستثني قادة انقلاب 12 سبتمبر من أي محاكمة.
يُضاف إلى ذلك ما فعله حزب العدالة من تخفيف القيود عن الحجاب والشعائر الإسلامية في الجامعات والمصالح الحكوميَّة, ومنع أو تخفيف عمليات الفصل من العمل التي كانت تَطَال المتعاطفين مع العقيدة والشريعة الإسلامية في أجهزة الأمن والقضاء والجامعات.
ويمكنُ أن نلاحظ بسهولة نتائج وأثار ما يفعلُه حزب العدالة والتنمية في تركيا في مجالَيْن:
الأول- المجال الدستوريّ والقانوني المتعلِّق بنظام الحكم, وهنا نجد أن هذه الحزمة من الإصْلاحات التي سيتمُّ الاستفتاء عليها وغيرها من الإصْلاحات الدستوريَّة التي رسَّخَها حزب العدالة والتنمية من قبلُ أو يسعى لترسيخها مستقبلًا بزعامة أردوغان ستؤدي جميعها إلى تقلُّص النفوذ العلماني في الجيش وأجهزة الأمن وأجهزة القضاء، كما أنها ستحمي القُوى الإسلامية التركية السلميَّة، وتفسحُ لها المجال في هذه الأجهزة وكذلك في الجامعات والبرلمان, وستعملُ على منع تكرار حظر الأحزاب الإسلامية عبر القضاء، فضلًا عن الانقلاب عليها عبْر الجيش.
الثاني- المجال المجتمعي (إن جاز التعبير), حيث ستفسح إجراءات تخفيف القيود عن الحجاب والتديُّن في الجامعات والمصالح الحكومية لمزيدٍ من انتشار الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي الداعي لأسْلَمة المجتمع.
وتحقق هاتان النتيجتان أمرًا مهمًّا لا يُقلِّل من أهميتهما أنهما أقلّ من الطموح الإسلامي الواجب شرعًا، وهو الحُكْم بالشَّرْع الحنيف كاملًا دون نقْص, لأننا الآن لا نحدِّد ما نريد، لكننا نصف واقعًا جديدًا ستئولُ إليه أسوأُ دولة علمانية في العالم الإسلامي، بل أول من أدخل العلمانية للحُكْم في العالم الإسلامي وروَّجَ له بالتطبيق, كما أننا لا نناقش الآن ما كان ينبغي أن يفعَلَه أردوغان والعدالة أو ما كان يمكنُهُما فعلُه, إنما نحاول أن نفهمَ حجم ما تَمَّ فعلًا.
ولا ننسى في هذا الصَّدَد قاعدة فقهية هامة، وهي أن الضرورات تُبيح المحظورات, وتركيا كان يُسيطر عليها العلمانيون بالحديد والنار, وحتى حزب العدالة نفسه سَعَوْا لحظره قضائيًّا ففشلوا, كما سعوا للقيام بانقلاب عسكري عليه ففشلوا حتى الآن, وهذه قصة أخرى جديرة بالدراسة لنعلم كيف تغلب العدالة والتنمية التركي على الجيش والقضاء، ولاعب مع ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.
عاد الحديث من جديد هذا الأسبوع عن مستقبل نظام حكم الرئيس مبارك و عن من سيخلف الرئيس في حكم البلاد لاسيما و أن صحفا أجنبية على رأسها مجلة الاكونوميست البريطانية و موقع قناة cnn الأمريكية قد تكلموا عن شائعات تتعلق بصحة الرئيس, و أيا كان الأمر فالله تعالى جعل لكل حي نهاية طال عمر صاحبها أم قصر, و لكن أنظمة الحكم لا تتحدد وفق شخص واحد فقط, فكلنا لاحظنا أن رجال حُكْم الرئيس أنور السادات هم رجال حُكْم الرئيس حسني مبارك, بل إن الكثير من رجال حُكْم الرئيس جمال عبد الناصر صاروا رجالا ل أنور السادات و من عاش منهم لعصر حسني مبارك استمر كجزء من منظومة الحكم في عهده.
رجال حُكْم حسني مبارك
و ايا من كان سيخلف الرئيس حسني مبارك في الحكم فإن رجال حُكْم حسني مبارك سيستمرون ضمن منظومة الحكم بشكل أو بآخر, لأن الرئيس الجديد لابد له من منظومة يعمل من خلالها و المنظومة الحالية موجودة و جاهزة و لا مبرر للتخلص منها اللهم إلا إذا كان القادم الجديد لديه مشروع تغييري و جاء مقتنعا بحتمية اجتثاث رجال الحكم الحالي و احلال آخرين من غيرهم, أما لو أراد تغييرهم لمجرد عدم ثقته بهم فقط من جهة مدى ولائهم له فهذا لن يؤدي للتغيير لأنهم جميعا سرعان ما سيغيرون جلدهم و يبذلون الولاء له لأن دينهم هو كرسي الحكم فهو مصدر ثروتهم و ولي نعمتهم, و حتى لو اجتث القادم الجديد رجال الحكم الحالي و أحل مكانهم آخرين فلا توجد أي ضمانة تضمن لنا أن الفساد لن يتسلل لقلوب و سلوك القادمين الجدد لمنظومة الحكم, صحيح أن طول المكث في الحكم دون رقابة و لا محاسبة يولد الفساد, لكن الفساد عندنا عشش في منظومة الحكم من اول البواب و حتى أعلى مستوى و مستحيل أن يغير القادم الجديد كل الموظفين من أول البواب و حتى الوزير مهما كانت نيته حسنة و مهما كان يريد التغيير, و الأهم من ذلك كله أن الأوضاع التي خلقت الفساد المالي و الاداري و الترهل و عدم الفاعلية الادارية و تقديم أهل الواسطة على أهل الخبرة و التخصص كل هذه الأوضاع ستظل سائدة و تفرخ الشياطين ما لم يتم الغائها و اقامة قواعد و اسس جديدة تقوم على العدل و الشفافية و تقديم و تقدير أهل العلم و الخبرة و إلغاء الوساطة و المحسوبية و تدعيم أليات الرقابة الشعبية و الادارية و المالية.
التغيير والشعب
القادم الجديد مهما كان لديه الدافع القوى للتغيير إلى الأحسن فهو لن يتمكن من احداث هذا التغيير في الآليات مالم يكن له سند شعبي قوي لا ليسانده فقط ضد قوى الظلام و الفساد التي تعشش في أروقة الحكم و لكن أيضا كي تستفزه دائما للتغيير و لإتمام مشروع التغيير بكل آلياته بدلا من الركون لراحة ابقاء الوضع على ما هو عليه, التغيير بهذا المعنى هو تغيير دستوري يؤدى لدعم الحريات العامة و اتاحة و دعم انتخابات حرة لنواب الشعب على كل المستويات سواء في النقابات و النوادي المهنية و الجامعات و المجالس الجامعية و المحلية أو على مستوى مجلس النواب أو على مستوى الرئاسة, و كذلك لابد ان يتيح الدستور و القانون مراقبة و محاسبة كل السلطات سواء التنفيذية أو القضائية فلا أحد فوق المسائلة بما في ذلك الرئيس.
التغيير لا ينبغي فقط أن يكون في الآليات التي تحكم و تسير منظومة الحكم بل هناك تغيير الواقع الاقتصادي و الاجتماعي الذي صنعه الحكم الفاسد الآن, فاموال الدولة التي تم نهبها لابد أن تعود للدولة سواء كانت شركات أو مصانع أو أراض بيعت في صفقات مشبوهة أو سواء كانت تسهيلات بأشكال مختلفة تم تمريرها لرموز المنظومة الحاكمة الحالية ليبنون بها ثرواتهم المشبوهة و يعلون بها على رقاب العباد و يصيحون هل من مزيد, و تغيير الواقع الاجتماعي و الاقتصادي لابد أن يشمل اشباع حاجات الطبقات الفقيرة التي طحنها الجوع و المرض في ظل النظام الحالي كما لابد و أن يعوض الطبقة الوسطى التي كاد النظام الحالي أن يدفعها للتسول من شدة الحاجة بعدما اعتصرها حتى آخر قرش لديها.
بدون تغيير آليات الحكم و الرجال الذين يمثلون منظومة الحكم و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية التي صنعها الحكم بدون ذلك كله فلا كلام عن أي تغيير الا من باب الخداع و تبييض وجه القادم الجديد أيا كان.
القوي الشعبية المعارضة الفاعلة
أما القوي الشعبية المعارضة الفاعلة فإن مسئوليتها تتلخص في الوعي بذلك و نشر هذا الوعي و تعميمه على كل طوائف الشعب و النضال من أجله, ففرصة التغيير لن تأتي من السماء على طبق من ذهب للحالمين و للكتاب السطحيين الذي يبسطون الأمور, لابد من الوعي بحقيقة التغيير المنشود و كذلك الوعي بحقيقة التغيير الذي ربما يحدث اليوم أو غدا.
لاشك انه لو تغير الحاكم غدا و سعى لتبييض وجهه في بداية حكمه ببعض التغييرات الشكلية فإن كوكبة الكتاب و السياسيين المعارضين سيدركون بعد وهلة بسيطة أن هذا مجرد دجل سياسي و لا يمثل تغييرا حقيقيا لكنه سيكون من المفيد جدا لحركة المعارضة و مشروعها التغييري أن تدرك حقيقة و مدى التغيير من أول دقيقة حتى تبني موقفا سياسيا جماهيريا سليما من القادم الجديد من أول لحظة يضيع عليه فرصة أن ينعم و لو لساعة بتبييض وجهه.
لو جاء جمال مبارك للحكم خلفا لأبيه أو حتى لو جاء غيره و استمرت منظومة الحكم بنفس الآليات الحالية لن يتغير شئ لكن على المعارضة أن تستخدم ذلك لتكتسب زخما جديدا و مصداقية أكبر و أرضية جماهيرية أوسع و هذا حديث يطول و من ثم فله مجال آخر ان شاء الله لأن المساحة انتهت الآن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر هذا الموضوع في جريدة الدستور المصرية.