مصر

مصر أبيض و أسود و ألوان .. 3 أصناف مجتمعية

في مصر وزراء يتحايلون بأساليب شتى و يبيعون بطرق مختلفة أراض و أشياء عديدة ملك للدولة, يبيعونها لمحاسيبهم أرخص من التراب, و الدولة بأجهزتها الرقابية العديدة التي تعد الأنفاس على معارضيها تغط في نوم عميق ازاء ما يقوم به السادة الوزراء و غيرهم من كبراء الحزب الوطني من التربح من مناصبهم عبر أملاك الدولة, إذ بعد مهزلة بيع القطاع العام و المشروعات الانتاجية التي كانت تمتلكها الدولة أرخص من التراب, اتجه الكبراء إلى بيع أراضي الدولة بنفس الطرق المشبوهة أو لنقل الموصومة, حكى لي بعض العاملين السابقين بمصنع منتجات زيوت القطن بالقناطر الخيرية أن الشركة كان لها فرعان و كان مكسب الفرعين سنويا يزيد على 30 مليون جنيها صافيا, فتم بيع الفرعين لمستثمر بمبلغ 70 مليون جنيه فقط, كما أعطوا المشترى حرية تصفية المصنع إذا وجد انه غير مربح و بيعه كأرض سكنية, و لينظر القارئ الكريم لهذا البند الاعجازي, فالمفروض نبيع مصنع و نشترط على المشتري أن يضخ استثمارات جديدة و يشغل عمال اضافيين, لكننا بالعكس نعطيه حق تصفية المصنع و بيعه أرض كأرض سكنية رغم ما نعرفه عن ارتفاع سعر الأرض السكنية لا سيما عندما تكون على كورنيش النيل في القناطر كما هو حال هذا المصنع البائس, وفعلا لم يكذب المستثمر المزعوم الخبر, فأوقف انتاج المصنع لسنة, فخسر المصنع فباع ماكينات خطوط انتاجه بعشرات الملايين, و سرح عماله, و باع الأرض كأرض سكنية بسعر للمتر لا يقل عن 4 آلاف جنيه و يقال أن مجموع سعرها بلغ أكثر من مائة مليون, هل نرى أن هذه صفقة مشبوهة؟ طبعا مشبوهة جدا.. فأين أجهزتنا الرقابية.. أين الجهاز المركزي للمحاسبات و أين النيابة الادارية و أين الأجهزة الأمنية و أين النيابة العامة.. بل أين الضمير العام و الخاص في مصر كلها؟

و أيا كان الأمر:

لقد أسمعت إذ ناديت حيا .. و لكن لا حياة لمن تنادي

مصر ليست هي فقط رجال الأعمال الطفيليين

و من ناحية اخرى فمصر ليست هي فقط رجال الأعمال الطفيليين الذين كونوا ثرواتهم عبر نهب الثروات المصرية العامة دون أن يتحملوا مشقة العمل الجاد المنتج و المفيد, فمصر فيها رجال آخرون بذلوا و مازالوا يبذلون الغالي و النفيس من أجل عزة هذا الوطن و تقدمه و رفعته, و يأتي على رأس هؤلاء العلماء الأجلاء في أروقة الجامعات و غرفات المعامل و مراكز البحوث المحترمة المتعددة, فمن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر العلماء الذين توصلوا لاستنباط سلالات من القمح و الأرز و الذرة يمكن زراعتها بالماء المالح، وفي أي نوع من التربة مهما كانت قاحلة، من أجل إنتاج سلالات أكثر تحملا للملوحة والجفاف، وذلك بغرض توفير المصادر المائية لاستخدامها لري محاصيل أخري، وكذلك إمكانية استخدام مصادر أخري للري مثل مياه الصرف الزراعي ومياه الآبار و مياه البحر ذات الملوحة المرتفعة، و من هنا يمكن زراعة ملايين الأفدنة في الصحراء المصرية القاحلة عبر ريها بماء البحر (و هي كثيرة لا تنفد بإذن الله), و للقارئ الكريم أن يتصور حجم وفرة الانتاج الزراعي التي سوف تحدث لو زرعنا الصحراء بماء البحر من هذه المحاصيل الثلاثة لا سيما أنه باستمرار البحوث ممكن استنباط أنواع من المحاصيل الأخرى كالخضروات مثلا يمكن أن تروى أيضا بالماء المالح.

و هناك العالم المصري الآخر بالمركز القومي للبحوث الذي ابتكر فكرة تنقية مياه الصرف باستخدام ورد النيل الذي عادة ما يمتص الرصاص من الماء و يتغذى عليه, كما ابتكر طريقة لصناعة الطوب من ورد النيل الذي من المنتظر أن يتكاثر و يُنْتَج بوفرة من الأحواض التي سوف تُسْتخدم في تنقية مياه الصرف.

آلاف المخلصين الجادين

و هناك آلاف العلماء و الفنيين المتخصصين في الطاقة النووية الذين يعانون من المرتبات الهزيلة و الأدوات و المعدات و المعامل الأكثر هزالا و مع ذلك مازالوا يعملون بدأب و مثابرة من أجل خدمة هذا الوطن لا يبتغون سوى الخير لهذا البلد حتى و لو على حساب راحتهم الشخصية هم و أسرهم في زمن أصبح أجر الراقصة أو لاعب الكرة في شهر أكبر من أجر ألف عالم نووى مصري في أعوام.

ليس هدفي من ذكر هذه النماذج أن اطالب الحكومة بالالتفات لهذه الأبحاث و هؤلاء العلماء و العمل بمقتضى أفكارهم الخلاقة, لأنني فقدت أي أمل في أي حكومة يشكلها الحزب الحاكم, و أيقنت أن قادة و كبراء هذا الحزب لا يبغون غير مصالحهم الشخصية الضيقة التي تخصهم هم و اسرهم, فكبراء الحزب الحاكم لا تحركهم فقط شهواتهم الشخصية بل يكمن وراء هذه الشهوات عقل ضيق يتسم بالجمود و التقليدية و هذه التقليدية محكومة بطريقة تفكير أسيرة للفكر الرأسمالي الغربي الكلاسيكي أو لنقل لا تعرف سوى التبعية الفكرية للفكر الاقتصادي الذي يسوقه لهم سادتهم في البنك و صندوق النقد الدولي و المؤسسات الاقتصادية الأوروبية و الأمريكية, فكل طموحهم هو ترويج اقتصاد الخدمات و على رأسها السياحة و الترفيه, و هو اقتصاد غير مستقر و غير مضمون لأنه عرضة للتقلبات الدولية, أما الاقتصاد المنتج الحقيقي من زراعة و صناعة و توطين التكنولوجيا المتقدمة فهذا ليس فقط بعيد عن عقول سادة و كبراء الحزب الحاكم بل هو بالأحرى بعيد عن ذقونهم.

إن هدفي من ذكر كل هذه النماذج المشبوهة و المخلصة هو ان أنبه ان مصر ليست كلها ظلام لكن فيها هذا و ذاك, صحيح أن الغلبة أو الظهور الآن للشر لكن لاشك ان لكل شر نهاية, كما أن نماذج الخير الموجودة في البلد لا بد أن تشجع عامة الشعب و خاصة الشباب على اتخاذ هذه النماذج الخيرة كقدوة لها و أن لا يفتتنوا بسادة و كبراء الحزب الحاكم حتى لا يأتوا يوم القيامة فيقولوا: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}الأحزاب67.

مصطفى أبو اليزيد

قيادة منظمة القاعدة هل يتولاها سعودي أو باكستاني بعد مصرع أبي اليزيد؟

ما مصير قيادة منظمة القاعدة بعد مصرع مصطفى أبو اليزيد؟؟، إذ عندما تولى مصطفى أبو اليزيد القيادة العامة في منظمة القاعدة في أفغانستان اعتبرت كثير من المصادر الجهادية المطلعة ان هذا دليل على افلاس القاعدة عسكريا، نظرا لأن معظم أنشطة مصطفى أبو اليزيد انحصرت في السابق في المجال الاقتصادي حتى أنه اشتهر بين قادة و أعضاء القاعدة طوال الـ 15 عاما الأخيرة باسم الشيخ سعيد المحاسب بصفته كان يتولى أعمال الحسابات لأموال تابعة للقاعدة و لابن لادن شخصيا.

و الآن عندما أعلنت القاعدة نبأ استشهاد أبو اليزيد و زوجته و ثلاثة من بناته و حفيدته و عدد من جيرانه, فإن المسئوليين الأمريكيين أعلنوا بدورهم أن هذا نصر و انجاز أمريكي كبير في اطار الحرب على الارهاب, نفس الشئ لاحظناه سابقا بشأن أبي أيوب المصري عندما تولى القيادة العسكرية للقاعدة في العراق إذ سخرت بعض المصادر مما اعتبروه قلة خبرة أبي أيوب باعتباره مجاهدا شابا لم يكن ذا شأن هام في معسكرات جماعة الجهاد المصري في أفغانستان في التسعينات, فكيف به يصير على رأس قيادة القاعدة في العراق؟

و لكن عندما لقي مصرعه مؤخرا اعتبرت الولايات المتحدة و حلفائها العراقيين أن هذا نصر كبير لهم على القاعدة, و هذا كله دليل على أن الصراع بين القاعدة و بين الولايات المتحدة هو صراع ممتد لكنه يتكون من حلقات متوالية أو مسلسلة تسلم كل حلقة منها الاخرى في استمرارية واضحة.

الصراع بين القاعدة و الولايات المتحدة

الصراع بين القاعدة و الولايات المتحدة هو حرب طويلة و أي حرب لابد فيها من سقوط قتلى, و لكن الحادث حتى الان في هذه الحرب أن سقوط القتلي لا يؤثر في نتيجة أو مجريات الحرب بدرجة ملموسة فهي أشبه بحرب استنزاف صمد كل طرف من اطرافها ازاء الأخر و أظهر الجلد فلا يتراجع لمقتل قائد هنا أو هناك, فقد تم قتل أحد أعظم القادة العسكريين للقاعدة صبحي أبو ستة (المشهور بأبي حفص المصري) في القتال مع الناتو في افغانستان عام 2001 و تولي بدلا منه مصطفى أبو اليزيد و لم يؤثر ذلك في أداء القاعدة العسكري في أفغانستان و لا في العراق في مواجهة الناتو و حلفائه, و قتل أبو عمر البغدادي و أبو ايوب المصري و لم يؤثر ذلك على قدرات القاعدة في العراق و نفس الشئ حدث الآن حيث قتل مصطفي ابو اليزيد المعروف بأبي اليزيد المصري و الموجود على لائحة مجلس الأمن للجهات المحظور التعامل معها ماليا لصلتها بتمويل الارهاب و الموجود على قائمة المطلوبين الدوليين الأمريكية و قائمة المطلوبين لجهاز الامن المصري و مع ذلك فغدا أو بعد غد ستولي القاعدة مسئولا جديدا كقائد عام للقادة في أفغانستان ومن المتوقع أن تعلن عن ذلك خلال أيام او أسابيع فالقاعدة حتى الان نجحت في افراز و استنساخ قادتها, و كما عهدنا من سوابق تاريخ القاعدة فإن أدائها لن يتأثر بذلك و سيصير القائد القادم هو القائد الرابع منذ تأسيس القاعدة.

أبو عبيدة البنشيري

و كان القائد الأول هو أبو عبيدة البنشيري (غرق عام 1994 و اسمه الحقيقي علي الرشيدى مصري الجنسية) و خلفه ابو حفص المصري ثم خلفه أبو اليزيد المصري, لكن هل يكون القائد الرابع للقاعدة مصري ايضا أم ستذهب القيادة هذه المرة لسعودي أو يمني و هما الجنسيتان اللتان تمثلان العدد الأكبر بين مقاتلي القاعدة في افغانستان أم تغازل القاعدة الباكستانيين و تولي باكستانيا و تخرج القيادة العسكرية لأول مرة ليس عن المصريين فحسب بل عن العرب بعامة؟! تولية باكستاني أمر مستبعد باعتبار ان العرب لهم احترام غير عادي في قلوب الأفغان و الباكستانيين و هو أحترام سيحتاجه حتما القائد الجديد للمحافظة على استمرار العلاقات المتميزة بين القاعدة و حركة طالبان في كل من أفغانستان و باكستان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا التقرير  بجريدة الدستور المصرية.

الدمار في قطاع غزة صورة أرشيفية

من يحاصر قطاع غزة و من يكسر الحصار؟

من يحاصر قطاع غزة و من يكسر الحصار؟، لقد رددت بعض وسائل الاعلام مؤخرا أن عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية سوف يزور غزة قريبا, و لو صحت هذه الأخبار ستكون هذه هي الزيارة الثانية له في غضون أسبوعين، و الأمين العام للجامعة العربية كان قد زار غزة في منتصف يونيو 2010 و دعا لكسر الحصار عن قطاع غزة, و السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو : من يحاصر قطاع غزة حتى نقوم بكسر ذلك الحصار؟

معلوم أن اسرائيل لها حدود مع غزة من جهتين بريتين فقط هما الشمال و الشرق أما الغرب فبحر و مياه دولية وأما الجنوب فحدود الشقيقة مصر التي تتربع على معبر رفح الشهير, فلمن يوجه السيد عمرو موسى ندائه لكسر الحصار لاسرائيل أم لمصر؟

حدود غزة البحرية محاصرة من قبل القوات البحرية الاسرائيلية, و ليس لدى العرب و لا غيرهم ارادة سياسية لمواجهة عسكرية بحرية مع اسرائيل لكسر حصارها لشاطئ غزة على البحر المتوسط, و كلنا رأينا ما حدث مع محاولة الاختراق السلمي لهذا الحصار الاسرائيلي في موقعة أسطول الحرية.

أما حدود غزة البرية مع اسرائيل فلا أمل في فتحها عبر نداء السيد عمرو موسى فلمن يوجه موسى ندائه إذن؟

لم يبق سوى مصر التي تزعم زورا منذ 15 يوما أن معبر رفح مفتوح لأجل غير مسمى, فهل وجه موسى ندائه لمصر؟

لفهم ألاعيب السياسة العربية عامة و المصرية خاصة الكامنة وراء زيارة الأمين العام للجامعة العربية لقطاع غزة المحاصر منذ ثلاث سنوات لا بد من الرجوع بالذاكرة قليلا للخلف.

حيث سنلاحظ أن زيارة موسى جاءت متأخرة جدا إذ سبقته سلسلة طويلة من الزيارات لمسؤولين غربيين ودوليين سلطت الضوء على حصار غزة

– قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة غزة في 20 يناير 2009

– وأتبع بان كي مون هذه الزيارة بأخرى في 21مارس من العام الحالي.

– وفي أوائل فبراير 2009 زار قطاع غزة وفد من مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة السيناتور جون كيري.

– وفي 28 فبراير 2009 قام المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا يرافقه وزير خارجية النرويج يوناس غار شتور بزيارة قطاع غزة.

– و في أواخر أبريل 2009 اجتمع وفد برلماني إسكتلندي مع نواب من كتلة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) البرلمانية في زيارة للقطاع.

– وفي منتصف يونيو 2009، زار الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر غزة والتقى رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية.

– وفي منتصف يناير 2010، وصل قطاع غزة وفد من البرلمان الأوروبي ضم 56 نائبا ووزيرا يمثلون 12 دولة.

– وفي فبراير 2010، وصل وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن إلى قطاع غزة على رأس وفد مكون من عشرة أشخاص.

– وفي 18 مارس 2010 قامت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون بزيارة قطاع غزة بعد أن تراجعت إسرائيل عن منعها من هذه الزيارة عن طريق المعابر الإسرائيلية.

– وفي مطلع مايوالماضي وصل وفد حكومي من جنوب أفريقيا يرأسه إبراهيم إبراهيم نائب وزير خارجية جنوب أفريقيا إلى غزة و شملت الزيارة لقاء مع إسماعيل هنية.

و زيارة عمرو موسى هذه لم تأت في سياق تداعيات أسطول الحرية فقط بل إنها تاتي في سياق احساس العرب برسوخ قدم حماس في غزة بقدر لا يمكن اقتلاعها معه إذ سبق و زار وفد برلماني عربي يضم 47 برلمانياً قطاع غزة في يونيو أيضا, و من هنا يأتي التساؤل عن دلالات تحرك العرب “الرسميين” بعد ثلاث سنوات من حصار غزة؟ بالقطع هو ليس مجرد تقليد لخواجات و عرب و أتراك أسطول الحرية.

في واقع الأمر هناك عدة امور تدفع لتغيير موقف العالم الغربي (أوروبا و الولايات المتحدة) من حصار قطاع غزة

الأمر الأول- الزخم الواسع الذي طال تحركات العديد من قوى المجتمع المدني في أوروبا و العديد من دول العالم المساندة للحق الفلسطيني و خاصة حق قطاع غزة في الحياة, الأمر الذي دفع تحركات هذه القوى لدفع الأمور بالشكل الذي فضح القمع الغاشم الصهيوني كما حدث في كارثة أسطول الحرية مما كشف الوجه القبيح لاسرائيل الأمر الذي سبب احراجا لمناصريها في الغرب و خاصة الولايات المتحدة.

الأمر الثاني- ترسيخ حماس لوجودها القوي سياسيا و اجتماعيا بعدما كانت رسخت وجودها أمنيا و عسكريا عبر نجاحها في منع اسرائيل من اقتحام غزة في يناير 2009, و من هنا علم العالم اجمع بما في ذلك اسرائيل أنه لا مناص من التعامل مع حماس كأحد مفرادات الأمر الواقع على الأرض.

الأمر الثالث- اتجاه أوباما في استراتيجيته الجديدة الى عزل متطرفي القاعدة عن بقية المسلمين بما فيهم الاسلاميين الأمر الذي يحتم ابعاد حماس عن الانجذاب لمعسكر القاعدة الذي بدأ يتحرك على استحياء داخل قطاع غزة, و رغم أن حماس تسوق خطابا معتدلا يتجافى مع خطاب القاعدة إلا أن محاولات الاستمرار بعزل حماس قد تضعها في الزاوية الأمر الذي يحمل معه مخاطر دفعها لتغيير اتجاهها و لو بالتدريج.

الأمر الرابع- السعي لاحتواء ايران يلزم معه تفكيك محور تحالفاتها الاقليمية و لو بتحييد بعض الحلفاء و إذا كانت حماس اضعف حلفاء ايران في المنطقة فهي ليست أقلهم خطورة خاصة ازاء اسرائيل.

و من هنا نفهم أبعاد زيارة موسى لغزة , و لذلك نجد صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية تقول قبل زيارة عمرو موسى بيوم واحد “إن محمود عباس أبلغ الرئيس الأمريكي أوباما أنه يعارض رفع الحصار البحري عن غزة لأن ذلك “يقوي حماس”

و أنه “يوافق على فتح المعابر الحدودية في قطاع غزة وتخفيف الحصار ولكن بالطرق التي لا تؤدي إلى تقوية حماس”.

وقالت الصحيفة أن ” عباس شدد على رفع الحصار بالتدريج وبحرص شديد بحيث لا يظهر وكأنه نصر لحركة حماس”, و لم تنس الصحيفة العبرية بالطبع أن تقول أن مصر تؤيد موقف عباس بالكامل.

و لذلك كله نجد أن اسرائيل بدأت تتحرك تحت مسمى تخفيف الحصار عن قطاع غزة, و يركزون في ذلك على الجانب البري بينما ستستمر الحدود البحرية لغزة محاصرة لضمان السيطرة عل نوعية السلع التي ستسمح اسرائيل بدخولها للقطاع, و من المنتظر أن تسعى اسرائيل لتعزيز الحصار البحرى على غزة بقوات أوروبية تحت راية قوات دولية بذريعة الخطر الارهابي الناتج عن امكانية تهريب سلاح لما يسمى بالارهابيين الفلسطينيين في قطاع غزة عبر البحر, و تهدف اجراءات السماح بمزيد من السلع الغذائسة لغزة مع تدويل الحصار البحري إلى تبييض وجه اسرائيل الدولي بعدما أساءت له وقائع تصديها لأساطيل الحرية, أما الرسميون العرب فبسبب معرفتهم بهذا السيناريو الاسرائيلي فإنهم باتوا يهاجمون الحصار و يزعمون سعيهم لفكه بهدف تبييض وجوههم لدى شعوبهم و هم آمنون أن هذا لن يغضب اسرائيل و لا أتباعها في الولايات المتحدة و أوروبا بسبب سياسة اسرائيل الجديدة تجاه هذا الأمر, و في نفس الاطار يمكننا فهم التصريحات الأوروبية و تصريحات البيت الأبيض و تصريحات المبعوث الأمريكي ميتشل بشأن عدم قبول حصار غزة, في اطار تمثيلي عجيب و كأن حصار غزة لم يبدأ قبل ثلاث سنوات و إنما بدأ قبل يوم فقط, أم ترى هل كان القوم نائمون طوال ثلاث سنوات و لم يستيقظوا إلا الآن فقط.

مظاهرة احتجاجا على مقتل خالد سعيد

خالد سعيد و الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي

قضية خالد سعيد تتجسد فيها كل معاني السياسة المصرية القائمة على ديكتاتورية يحرسها قمع و تعذيب المواطنين و تتوازن في ذلك بشكل عجيب مع علاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة بكل ما يجسداه من نفاق بشأن قضايا الحكم الديمقراطي و الحريات و حقوق الانسان, فالاحتجاجات الشعبية بشأن مقتل خالد سعيد على يد الشرطة ممتدة منذ مقتله و حتى الآن, و مع ذلك لم تبادر الحكومة للاعتراف بدور للشرطة في الحادث إلا بعد صدور بيان من الاتحاد الأوروبي و تصريح رسمي أمريكي يطالبان الحكومة المصرية بمحاكمة المسئولين عن مقتل خالد سعيد, و من هنا تأتي خطوة النظام في تقديم شرطيين للمحاكمة أحدهما رقيب و الأخر أمين شرطة, فالنظام ليس من عادته و أسسه التي يسير عليها أن يعاقب حراسه على تعذيب أو قسوة أو حتى قتل, و أتحدى أن يذكر لي أحد أن أيا من حراس النظام صدر ضده حكم بسجن طويل نافذ جراء تعذيب أو قتل المتهمين أو المسجونين في سجون و معتقلات النظام طوال الثلاثين عاما الماضية, كما أن النظام ليس من عادته أن يستجيب لضغوط الشعب لأن الاستجابة لضغوط الشعب ضرب من ضروب الديمقراطية التي يأباها النظام و يستكبر عنها و يستعلي عليها لأن الشعب من وجهة نظره لم يبلغ مبلغ الرشد بعد فليس فيه من هو في حكمة الرئيس أو الوزير أو المدير و من ثم فلا يجوز الاستماع لصوت الشعب ولا الاستجابة لمطالبه و أمانيه لأنه ليس مؤهلا للحكم, و كلنا يعرف من هو المؤهل فقط للاستئثار بالحكم دون الشعب و قواه السياسية المعارضة للنظام.

النظام فقط يستجيب للضغوط الخارجية ليس فقط لأنها مرهونة بالمساعدات الخارجية الاقتصادية و السياسية و الأمنية و لكن لأنها أيضا قصيرة النفس قصيرة الهدف فهدفها تبييض وجه النظام أمام الرأي العام الأوروبي و الأمريكي المخدوع بأن حكامه يراعون قواعد الديمقراطية و الحرية و حقوق الانسان في علاقاتهم مع حلفائهم الخارجيين و لا يقدمون مساعداتهم إلا لمن يراعي هذه المعايير, و بالتالي فالنظام لا يخسر شيئا عندما يستجيب للضغوط الغربية في هذا المجال, و العملية سهلة..عدة تصريحات مصرية رسمية تندد بالتعذيب و تقيد الطوارئ بالارهاب و المخدرات و تنفي وجود اعتقالات و تمجد في الحرية و الديمقراطية و حقوق الانسان..صناعة مجلس تزعم أنه لحقوق الانسان..تقديم شرطي أو اثنان او حتى ثلاثة من الرتب الدنيا للمحاكمة ثم صدور حكم مخفف عنهم أو حكم مع ايقاف التنفيذ ثم رجوعهم للخدمة بعد انفاذ الحكم المخفف و القصير ليقوموا بحماية النظام عبر القمع و التعذيب مرة أخرى مع ما يتخلل ذلك من مكافاءات و حوافز (راجع قصة الضابط رشاد نبيه في قضية تعذيب عماد الكبير), أما لو استجاب النظام لمطالب الشعب و قواه المعارضة فالنتيجة غير مضمونة لأن الشعب يطالب بتداول السلطة و محاسبة المسئولين عن الخراب الذي عاشته و تعيشه البلاد من جراء النظام الحاكم و حزبه, و من ثم فنتيجة الاستجابة لضغوط الشعب عواقبها وخيمة على النظام الحاكم لذا فمستحيل أن يستجيب للشعب.

تقديم الشرطيان للمحاكمة جاء بقرار من النائب العام و النائب العام رغم أنه ممثل الشعب و أحد أركان السلطة القضائية إلا أنه يتم تعيينه من قبل رئيس الدولة رأس السلطة التنفيذية, و لا يصح أن نطالب بتعيين النائب العام بقرار من أغليبة مجلس الشعب لأن أغليبة مجلس الشعب لا تمثل الشعب لأنها اغلبية جاءت عبر انتخابات شهد القاصي و الداني بتزويرها, فهي أغلبية مزيفة.

و هناك مئات بل ربما آلاف البلاغات بالتعذيب و اساءة المعاملة و الاعتقال خارج نطاق القانون مركونة في أدراج النيابة, لكن القانون لا يتيح لأحد تقديمها للمحاكم غير النائب العام و سيادته لم يقدم أيا منها منذ ثلاثين عاما و حتى الآن سوى ثلاث أو أربع قضايا لها ظروفها و جاءت كلها بالبراءة أو الحكم المخفف أو مع إيقاف التنفيذ و كان أشهرها محاكمة أربعين من ضباط الشرطة في منتصف الثمانينات بشان اتهامهم بتعذيب متهمي قضية الجهاد الكبرى عام 1981, و جاءت الأحكام بالبراءة و تبوأ جميع الضباط المشمولين فيها أكبر المناصب في وزارة الداخلية و في الدولة و مازال كثير منهم حتى الآن في بعض هذه المناصب حتى كتابة هذه السطور, بل لو تتبع احد الأسماء التي اتهمت بالتعذيب سواء قضائيا أو اعلاميا في الثلاثين عاما الأخيرة لوجد أن مناصب هامة عديدة ظلت حكرا على هؤلاء.

و من هنا فأتوقع أن يصدر حكما مخففا أو مع ايقاف التنفيذ ضد الشرطيين الذين تمت احالتهما للمحاكمة في قضية خالد سعيد ليس لأني أتهم القضاء بالتسيس و لكن لأن عقوبة التعذيب في القانون المصري تتراوح بين يوم حبس و ثلاث سنوات كحد أقصى, فالتعذيب ليس جناية بل هو مجرد جنحة, كما أنهما لم يحالا بتهمة التعذيب لكن بتهمة القسوة فقط, أما القبض بدون وجه حق و هي تهمتهم الثانية فرغم أنها جناية لكن هناك ما سيدعو قانونيا لتخفيفها لحسن نيتهما لأن القتيل عليه حكم غيابي و كان بحوزته بانجو بل ربما أثبتا أحقيتهما في القبض عليه لأن وجود البانجو معه قد يمثل حالة تلبس, و هكذا تنتهي القصة, لكن على كل حال سيتوجب على القاضي الذي سيحاكمهما الاجابة على سؤالين مهمين هو: كيف ابتلع خالد سعيد لفافة البانجو تو محاولتهما القبض عليه و مع ذلك لم يمت حتى تم القبض عليه و تعذيبه؟ أم أنه مات تو البلع و مع ذلك أصاباه بما به من اصابات و هو ميت؟ أم أنهما سيطرا عليه و مع ذلك تركا له البانجو ليبلعه؟

و السؤال الثاني: هل هذان الشرطيان كانا يمشيان هكذا دون ضابط يرأسهما و يتصرفان هكذا دون الرجوع لضابط المباحث و لو عبر اللاسلكي أو التليفون المحمول؟ و هل هذه هي قواعد العمل في الشرطة.. كل بمفرده؟

من حكام العرب

فلسفة التعذيب هي حراسة الديكتاتورية

في حادثة مقتل خالد سعيد بأحد أقسام الشرطة بالاسكندرية مؤخرا تسائل كثيرون عن سبب تعنت حكومة الحزب الحاكم بشأن التحقيق مع المتهمين بالمسئولية عن مقتله و تقديمهم لمحاكمة عادلة, و قال المتسائلون: “حتى لو كان بعض المخبرين مدانين في هذه القضية فلماذا امتنعت الحكومة حتى الآن عن التضحية بهم من أجل تبييض وجهها اعلاميا، و لن تخسر شيئا فإنها ستجد بسهولة بدلاء عن الجلادين الذين ستضحي بهم” على حد تعبير هؤلاء المتسائلين المتعجبين من موقف الحكومة, و في الواقع فإن موقف الحكومة يبدو غريبا بالنسبة للنظرة العابرة لكنه ليس غريبا إذا نظرنا له في اطار فهم سليم في إطار فلسفة التعذيب وفلسفة الديكتاتورية لأن حكومة الحزب الحاكم هي نموذج صادق لكل معاني الديكتاتورية و الاستبداد.

تحتاج الديكتاتورية لمن يحميها من المعارضة و من كل ضحاياها, و لابد أن يكون حراس الديكتاتورية و الاستبداد ذوي ولاء شديد للحكومة الديكتاتورية ويدينون لها بطاعة عمياء لا نهاية لها, حتى لو كان القرار الصادر لهم بقتل أو تعذيب او اهانة أخا الحارس أو أباه, و كي يصنع الديكتاتور هذا الولاء و هذه الطاعة لدى حراس النظام الديكتاتوري لابد أن يخلق لديهم المصلحة في حراسة النظام الديكتاتوري و من ثم العمل على استمراره و بقاءه، وخلق هذه المصلحة عبر العقيدة ممكن إن كان للديكتاتوية الحاكمة عقيدة أو اطار فكري واضح و مقنع لا سيما لو تم تدعيم ذلك بمنح هؤلاء الحراس جانبا من المال و النفوذ، لكن لو لم يكن لدى الديكتاتورية اطارا فكريا فلن يكفى منح المال و النفوذ لكسب ولاء الحراس, إذ قد يعارض الديكتاتورية من يمكنه بذل مال أكثر أو من يمكنه تقديم فكر يتغلب به على الرغبة في المال, و من هنا فلابد أن تغذي الديكتاتورية في نفوس حراسها شهوة التسلط و الاستبداد و الديكتاتورية و الاستكبار و حب الانتقام و التلذذ بقهر الأخرين ممن هم خارج منظومة السلطة الديكتاتورية لأن هذه الشهوات أقوى من أي شئ اخر و لا يمكن لأحد أن يتيحها سوى الحكومة كما ان هذه الشهوات يمكنها معارضة أي فكر أو عقيدة، و لنا عبرة في فرعون الذي عارض هو و قومه نبي الله موسى لا لشئ الا لشهوة الاستكبار، بل إن ابليس عارض الله تعالى ذاته بكل وقاحة لمجرد الاستكبار.

و لذلك كله فإن حكومتنا الديكتاتورية لا يمكنها ايقاف ممارسات القمع و الاستكبار و التعذيب الوحشي التي يقوم بها جزء من منظومة حراستها لأنها لو اوقفتها فإنها توقف الدم الذي تضخه في عروق منظومة القمع التي تنفذ اوامر الديكتاتورية و تحميها، و من ثم ستضمر هذه المنظومة و تنزوي و تصير حكومة الحزب الحاكم ديكتاتورية بلا أنياب, فاستكبار و استبداد منظومة حراسة الديكتاتورية في بلدنا و حبها لقمع الآخرين و إهانتهم و تعذيبهم هي ضمانة ولائها للحزب الحاكم.

و من هنا فالتساؤل “لماذا لا تضحي الحكومة ببعض صغار الحراس من رجالها في هذه القضية التي أخذت حيزا كبيرا من اهتمام الرأى العام كي لا تورط نفسها اعلاميا على الأقل؟” اجابته بسيطة جدا و هو أنها لو فعلت ذلك لقيدت الوحش الموجود داخل كل حارس للديكتاتورية و الذي لا بد أن يكون مطلقا من كل قيد.. و حش الاستكبار و الاستبداد و التلذذ بقهر الآخرين, إذا عاقبت الحكومة قتلة “خالد سعيد” العقوبة العادلة و المناسبة لحجم و طبيعة جرمهم فإن كل واحد من حراس الديكتاتورية بعد ذلك سيتردد مليون مرة قبل أن يرفع يده ليصفع متظاهر أو معارض سياسي, و هذا ما لا يمكن أن يحدث في ظل نظام حكم ديكتاتوري.

البعض يتخيل أن خالد سعيد تم قتله بسبب نشره فيديو يفضح قسم الشرطة, لكنني أتخيل شيئا آخر, لقد تم قتل خالد سعيد لمجرد انه عارض المخبرين الذين جاءوا للنت كافيه الذي جلس فيه و أخذوا يتحققون من هوية الجالسين فيه بقدر لا بأس به من الاستكبار على الموجودين و اهانتهم و تحقيرهم , خالد سعيد رفض الاهانة و طالب بحقه كانسان , كان الأمر غريبا على مخبرين و ضباط اعتادوا اهانة الشعب دون أن يفتح احد فاه معترضا, كان لابد ان يصبح خالد سعيد عبرة لكل الموجودين لئلا تنتقل عدوى الكرامة الانسانية لأفراد الشعب الموجودين في هذه الواقعة فتم الامعان في اهانة خالد سعيد في النت كافيه لكي يعلم هو و الجميع أن المطالبة بالكرامة الانسانية تأتي بنتيجة عكسية فلا يطالبن بها أحد مرة أخرى, لكن خالد سعيد أصر على حقه, فانفلتت أعصاب السادة الحراس من فرط هذا التصميم على الكرامة الذي لم يألفوه في بلدنا المحترم فانطلقوا يعذبون خالد سعيد بلا أدني عقل فلقى الرجل مصرعه فأفاق السادة الحراس على حقيقة أنه من المهم اخفاء معالم الجريمة فتم تلفيق تمثلية لفافة البانجو و تلفيق التهم لشهيد الكرامة الانسانية.

و هنا تسائل البعض عن الغرض من محاولة تلويث سمعة قتيل الشرطة خالد سعيد بكونه مجرم سابق و نحو ذلك, و هذا مرتبط بفلسفة المجتمع الظالمة و هي فلسفة العقاب بالأساليب الهمجية فمن اتهم بجريمة صار في عرف الكثيرين مدانا و يجوز عقابه بلا قانون و لا محاكمة و لا فرصة للدفاع عن نفسه.

و ما جري في قضية قتيل الشرطة يتسق مع فلسفة التعذيب الموجودة في بلادنا التي هى حراسة الديكتاتورية تلك الحراسة التي لا تنطبق فقط على حراستها ضد الأعمال المادية المعارضة من مظاهرة أو اضراب أو نحوه بل و حراستها من الأفكار التي تخصم من رصيد الاستبداد و الديكتاتورية كفكرة الكرامة الانسانية أو حرية التعبير أو حتى مجرد أن تقول “لا” للحاكم أو حراسه.

محمد حسان .. السلفيون في مصر

السلفيون و ظاهرة البرادعي في مصر

السلفيون في مصر ما هو موقعهم من حركة الدكتور محمد البرادعي؟ وما موقف الدكتور البرادعي من السلفيين في مصر؟

عندما بدأ الدكتور محمد البرادعي تحركاته السياسية لتحقيق العديد من أهداف التغيير السياسي في مصر التقى بمعظم قادة الحركات السياسية المعارضة أو حتى شبه المعارضة بمختلف مشاربها السياسية، من أول الأقباط ذوي المطالب الفئوية وحتى الإخوان المسلمين ذوي المطالب العقائدية، ومرورًا بـ«شباب 6 أبريل» وشباب أحزاب المعارضة وحركة «كفاية» وحركة «ضد التوريث» وغيرها من الحركات السياسية التي أغلبها قوى سياسية توصف بأنها جديدة وصاعدة وغير حزبية، ومع ذلك كله لم يلتق الدكتور البرادعي بأي من قادة الحركة الإسلامية السلفية، رغم ما لهم من ثقل شعبي كبير في جميع أرجاء مصر، وما لهم من ثقل إعلامي كبير عبر استحواذهم على عدد كبير من برامج العديد من القنوات التليفزيونية الفضائية.

قد يقال: ولماذا لم يسع قادة السلفيين لمقابلة الدكتور محمد البرادعي كما سعى غيرهم؟ وهذا سؤال مشروع أيضًا، وسنحاول عبر هذا الموضوع الإجابة عن السؤالي:

أولاً – لماذا لم يسع الدكتور محمد البرادعي لمقابلة مشايخ السلفيين ويستمع لآمالهم وأهدافهم كما فعل مع غيرهم من قادة التيارات السياسية والاجتماعية المختلفة؟

الثاني- لماذا لم يسع قادة السلفيين لمقابلة البرادعي والاستماع إليه وبث آمالهم في التغيير؟

في الواقع فإن السعي للتغير السياسي في بلد في مثل ظروف مصر يستلزم من الدكتور البرادعي أن يسلك أحد طريقين:

الطريق الأول – العمل على بناء قاعدة شعبية ذات أطر تنظيمية محددة تقوم بتثقيف وتعبئة قطاع واسع جدًا من الجماهير المصرية كي يتمكن من تحريك هذه الجماهير في الاتجاه الذي يريده وحسب أهداف التغيير التي يحددها، وهذا الطريق لا يمكننا الجزم بعد بأن البرادعي سلكه، لأننا نميل لاعتباره لم يسلكه حتى الآن، رغم أنه بدأ جولات جماهيرية ناجحة في الشارع المصري، لكن ذلك لا يكفي للقول بأنه يسعى لتكوين قاعدة جماهيرية مسيّسة ومنظمة، ويمكن تعبئتها على نطاق واسع في أي وقت وأي مكان. الجولات مجرد خطوة لا تعني شيئاً ما لم تتبعها خطوات من التثقيف السياسي والتعبئة والتجنيد الجماهيري ومن ثم التنظيم، وهذه الخطوات جميعها لو سلكها البرادعي فسوف يتكون له حزب سياسي ذو قاعدة جماهيرية جيدة، سواء قام البرادعي بتسجيله كحزب قانوني أم لا، وحتى الآن لا يمكن القول بأن البرادعي فعل هذا أو حتى أظهر نية لفعل هذا.

الطريق الثاني- أن يسعى الدكتور محمد البرادعي للتحالف مع القوى السياسية المعارضة المتعددة، بحيث تؤلف بينها جبهة متحدة تسعى لتحقيق الحد الأدنى المتفق عليه من الأهداف الوطنية، وهذا ما يبدو أن البرادعي سعى إليه بتأسيسه «الجمعية الوطنية للتغيير الديمقراطي» التي ضمت كل ألوان الطيف السياسي المعارض في مصر من الشيوعيين وحتى الإخوان المسلمين.

ولا مانع في الحقيقة أن يجمع البرادعي بين الطريقين، فيكون لنفسه ولأهدافه قاعدة شعبية واسعة ذات كيان محدد ومنظم ومستقل عن القوى السياسية الأخرى، وفي الوقت نفسه يتحالف مع قوى المعارضة المتعددة حتى يعطي لعملية تحقيق أهدافه دفعة قوية ويكثف الضغط على الحزب الحاكم، لكن لم يتضح من عمله حتى الآن سوى سعيه عبر الطريق الثاني فقط.

وأيًا كان الأمر فإن البرادعي مع سعيه لتحقيق عملية تحالف سياسية واسعة لابد أن يدرك أنه لابد أن يُحدث اختراقًا للحالة السياسية المزمنة للمعارضة المصرية، فمنذ 2005 وحتى الآن وهناك أكثر من عشر جبهات سياسية معارضة قد تشكلت من أحزاب سياسية قائمة أو من قوى سياسية غير حزبية، ومع ذلك لم ينجح أي منها في دفع حكومة الحزب الحاكم لتغيير سياساتها الديكتاتورية والفاسدة، وهذا الاختراق لن يتم فيما يبدو إلا عبر النجاح في عمليتين:

العملية الأولى: إقناع الإخوان المسلمين بخوض ضغط كفاحي وحقيقي منتظم ومستمر بكل أوراقهم السياسية ضد حكومة الحزب الحاكم وسياساتها، مع تأمين مساندة كل القوى السياسية المعارضة للإخوان المسلمين في ذلك.

العملية الثانية: إقناع السلفيين بالمشاركة في العملية السياسية بشكل فعال ومباشر، على الأقل في المجالات التي تتوافق مع أفكارهم وأهدافهم وأولوياتهم.

وإنما حددنا الإخوان المسلمين والسلفيين باعتبار أنهما أكبر قوتين شعبيتين تتمتعان بحضور جماهيري واسع في الشارع المصري، وقواعدهما الشعبية تفوق بعشرات المرات مجموع القواعد الشعبية لجميع أطياف المعارضة المصرية غير الإسلامية مجتمعة.

الدكتور محمد البرادعي بدأ تنسيقًا ملحوظًا مع الإخوان المسلمين، لكن هذا التنسيق لم يصل حتى الآن لإقناع الإخوان المسلمين بخوض الصراع السياسي بثقل مناسب.

أما السلفيون فلم يتصل بهم البرادعي ولم يتصلوا به، ويخطئ من يظن أن السلفيين لا يهتمون بمتابعة الشئون السياسية أو أنهم تحديدًا لا يتابعون ظاهرة البرادعي وعملية الإصلاح السياسي، فالواقع أن مشايخ السلفية يتابعون أوضاع البلاد جيدًا ولهم فيها آراء محددة، وعدد غير قليل منهم يتناول العديد من مجريات الأحداث بالرأي والتحليل من حين لآخر إما في محاضراتهم في الفضائيات أو المساجد أو بشكل أوسع على شبكة الإنترنت، خاصة المشايخ؛ سعيد عبد العظيم وياسر برهامي وأبو إسحاق الحويني ومحمد حسان.

وإذا كان حال السلفيين هكذا فلماذا لم يتصل بهم البرادعي ولماذا لم يتصلوا به؟

بالنسبة للبرادعي هل مازال أسير الطرح الإعلامي غير الجاد الذي يعتبر السلفيين بعيدين عن السياسة ولا علاقة لهم بها أو أنهم صنيعة الحكومة المصرية أو السعودية؟

هل ينوي البرادعي الاتصال بالسلفيين مستقبلاً في إطار تحركاته الجماهيرية المستقبلية؟

وبالنسبة للسلفيين لماذا لم يسعوا للاتصال بالبرادعي على الأقل لاستكشاف ما عنده والاطلاع على أجندته السياسية؟ هل يستريبون منه بسبب علمانيته الواضحة أم بسبب أنه عاش فترة طويلة في الغرب وله علاقاته الوثيقة بالعديد من الدوائر الغربية بسبب منصبه الدولي المهم الذي شغله لسنوات طويلة؟

السلفيون قد يرون أن الأنسب لأجندتهم السياسية ألا يتورطوا في التحالف مع البرادعي أو غيره من القوى الوطنية العلمانية لئلا تهتز صفوفهم عبر الاختلاف حول الشرعية الدينية لمثل هذا التحالف، وفي الوقت نفسه فإنهم لا شك سيستفيدون من أي تغيير سياسي يسعى نحو مزيد من الحريات وصيانة حقوق الإنسان، لأنهم سوف يستغلون ذلك في توسيع دوائر نشاطهم ومجالات دعوتهم، لكنهم عندما يتحقق لهم ذلك دون التحالف مع شخص أو جهة لها أجندتها العلمانية ذات الطبيعة الموافقة للقيم الغربية يكون أفضل لهم، إلا أن هذا التقدير السياسي يكون سليمًا في حالة ضمان ما إذا كان البرادعي ودعاة التغيير سيحصدون النجاح في كل حال أو في أرجح الأحوال دون مشاركة السلفيين أو حتى مساندتهم، أما إن كان هذا النجاح غير مضمون للبرادعي ولقوى التغيير دون المشاركة السلفية فإنه يكون من مصلحة السلفيين العمل لإنجاح التغيير إن كان ذلك في إمكانهم، أي إن كان تدخلهم في عملية التغيير كفيلاً بإنجاحها.

أما البرادعي أو غيره من قادة قوى التغيير السياسي فإن من مصلحتهم إقناع رموز السلفيين بأهمية مشاركتهم في عملية التغيير السياسي، لما لذلك من أهمية إزاء نتائج المعادلة السياسية في مصر، ورغم أن كثيراً من السلفيين لا يؤيدون استخدام المظاهرات كوسيلة للعمل السياسي ويحرمون الاشتراك في انتخابات مجلس الشعب لأنه مجلس تشريعي يشرع من دون الله فإن السلفيين فيهم فصائل كثيرة لها موقف آخر في هذه الأمور، كما أن جميع السلفيين هم أصحاب جماهيرية عريضة، ويمثلون رقمًا مهمًا وصعبًا جدًّا في المعادلة السياسية المصرية.

ولا يمكن للسلفيين أن يحتجوا بأنهم لا يشتغلون بالسياسة ولا هم لهم إلا الإصلاح المجتمعي على أسس الإسلام لأنه إن لم تتم كفالة حرية العمل الدعوى في الحي والقرية والمسجد والمدرسة والجامعة والمصنع والنقابة فإن هذا الإصلاح المجتمعي سيكون مجرد سراب يسعى وراءه العطشان، فإذا جاءه لم يجده شيئًا, وحرية الدعوة لن تكون مكفولة بشكل مناسب في ظل ديكتاتورية بوليسية لا فكاك منها إلا بنضال سياسي حقيقي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا الموضوع في موقع الاسلام اليوم.

المسجد الأقصى المبارك في أسر اليهود

كيف ننقذ المسجد الأقصى المبارك من أسر اليهود؟

دَارَت حروب ومعارك عربية مع الصهيونية منذ صدور وعد بلفور في نوفمبر 1917م, بل منذ بداية إعلان المشروع الصهيوني في المؤتمر الصهيوني في بازل بسويسرا، وكانت الحرب سجالًا أحيانًا، بينما كانت الغلبة فيها للإسرائيليين في أغلب الأحيان, وفي كل الأحوال تقدّم المشروع الصهيوني في فلسطين وفي أراضٍ عربية أخرى في مصر والأردن وسوريا ولبنان، فضلًا عن الضغوط السياسية والعسكرية التي مارسها -وما زال يمارسها- الصهاينة على كافة الدول العربية والإسلامية, حارب المسلمون بالسلاح والمال وتظاهروا واحتجُّوا طوال أكثر من مائة عام، ورغم ذلك فالمشروع الصهيوني في محصلتِه النهائية ظلَّ يعلو ويتقدم، بينما مقاومةُ العرب والمسلمين لهذا المشروع هي في التحليل الأخير مجرد عوائق خفيفة ومشاغبات ومناوشات لا ترتقي لمستوى منع تقدّم المشروع الصهيوني وعلوه وفرض إرادته وأهدافه كأمر واقع, وبدلًا من أن نتكلم عن تحرير كل الأراضي المحتلة -بما فيها فلسطين من البحر إلى النهر- أمسينا نأمل فقط في أن تتدخل الولايات المتحدة وتمنع هدم المسجد الأقصى المبارك فقط, حتى ولو ظلَّ تحت حكم وسيطرة الصهاينة, فصار الأهم فقط بالنسبة لنا الآن أن لا يتم هدمه وبناء هيكل سليمان مكانه!

وبذا صار الذلّ والعار يكلِّل جبين أمة قوامها أكثر من مليار مسلم تطأُ أقدامهم كل بقاع الأرض، ولكن بلا تأثير ذي بال، فتقلبهم في الأرض أشبه بتقلب التائِه الذي يتخبط في الدروب وقد تمزقت ثيابه وتشتت باله وتهاوى عزمه ونخر العجز في إرادته، من جراء تخطف السباع والذئاب البشرية لعزته ومجده وثروته ونخوته.

ما هو السبيل لإنقاذ المسجد الأقصى المبارك وتحرير فلسطين وكتابة صفحة النهاية للمشروع الصهيوني العالمي في فلسطين، بل في عالمنا العربي والإسلامي بأسرِه؟

هل نخرج في مظاهرات صاخبة وعارمة في كل أرجاء المعمورة نستجدي أصحاب القرار هنا وهناك كي يحرِجوا سادة المشروع الصهيوني فيستحون من الرأي العام العالمي ومن مظاهراتنا وغضبنا فيوقفون مشروعهم؟

هل نفجِّر أنفسنا في سفارات ومصالح الصهاينة والأمريكيين وحلفائهم حتى يخافوا من بطشتنا فيعلنوا توبتهم وينسحبوا من أرضنا؟

هل نكتفي بالتبرُّع بكرائم أموالنا لمؤسسة الأقصى كي نساعد في ترميم ما أفسده اليهود من حوائط المسجد المبارك، وكي ندعم صمود المقدسيين في وجه الطغيان الصهيوني؟

هل نناشد أصحاب الجلالة والفخامة والسمو في جامعة الدول العربية أو منظمة مؤتمر الدول الإسلامية أو الجمعية العامة للأمم المتحدة للتفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض حتى لو كان هذا التفاوض حتى الموت مع طغاة الكيان الصهيوني من أجل وقف التهويد والاستيطان للبلدة القديمة في القدس الشريف؟

للأسف الأسيف لقد جربنا كل هذا… تظاهرنا وفجرنا أنفسنا وتبرعنا بالمليارات وتفاوضنا حتى ملَّ التفاوض منا… لكن دون أدنى جدوى.

فما السبيل؟

السبيل هو التغيير في مسلكنا السياسي والاستراتيجي في مواجهة الصهيونية العالمية وحلفائها.

فما حقيقة هذا التغيير المطلوب؟

التغيير المطلوب هو سياسي واستراتيجي.

و لا بدَّ من إدراك أن لا حلّ من الحلول السابقة مجدٍ، لا التفاوض والدبلوماسية على النحو الذي عهدناه منذ فجر صراعنا مع الصهيونية، ولا المظاهرات ولا التبرعات, لا بدَّ أن تلعب الحكومات الدور المحوري سياسيًّا وعسكريًّا في مواجهة الصهيونية العالمية, وذلك عبر تجهيز وإعداد الأمة عقائديًّا وأخلاقيًّا وسياسيًّا وحضاريًّا واقتصاديًّا وتكنولوجيًّا، وأخيرًا عسكريًّا للتصدي الفاعل والحاسم للصهيونية العالمية ورأس حربتها دولة إسرائيل, ودورنا هنا نحن نخب الفكر والمعارضة في العالم الإسلامي هو الضغط بكل السبل المشروعة لدفع الحكومات لتبني هذا التغيير؛ إذ من المعلوم أن هذه الروح وهذا التصوُّر من الإعداد ليس من أولويات أي حكومة إسلامية حتى الآن, ولا بد أن يكون التغيير جذريًّا بأن يصير للأمة الإسلامية كيان قوي يمثِّل في موازين القوى الدولية (قبل الإقليمية) قطبًا دوليًّا استراتيجيًّا قادرًا وفاعلًا بكل ما يعنيه المصطلحُ من معنى الاستقلال والقدرة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية الاستراتيجية, وانطلاقًا من هذه القدرات يتحرَّك الكيان الإسلامي لتحرير الأراضي العربية والإسلامية السليبة، وعلى رأسِها القدس الشريف و المسجد الأقصى المبارك, وكما ترى عزيزي القارئ فهذه مهمة وأهداف دولة وليس جماعة أو حزبًا أو منظمةً مهما كانت قدراتها, وإذا كان من المُسلَّم به أن مشكلات فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان والصومال قد عَرَّت النُّخَب الحاكمة لعجزها عن التصدي لهذه المشكلات, فإنها قد عَرَّت أيضًا النخَب المعارضة لعجزها عن التصدي الصحيح لهذه المشكلات كما عَرَّت النخب الفكرية لعجزها عن طرح بدائل الحل الصحيحة لهذه المشكلات.

مشكلة فلسطين

هذه المشكلات وعلى رأسها مشكلة فلسطين لا يُجدي معها بكاء ولا عويل من قِبل المعارضة أو المفكرين، بل لا بدَّ من عمل حقيقي جدّي وفعَّال لدفع أنظمة الحكم للتعامل الصحيح مع هذه المشاكل، فلا بد أن تكون أعيننا على الحكم، فهذه مشاكل تحتاج دولةٌ لحلِّها وليس جماهير غاضبة يهتفون أو يقاطعون أو يشجبون ويندِّدون.

وحتى لا يكون هذا التحليل مجرد صرخة عابرة في فراغ لا تختلف عن كل ما سبقها من صرخات الغاضبين من أمتنا بلا جدوى وحتى لا نكون خالفنا ما دعونا له من استخدام استراتيجيات وتصوّرات عملية وفعالة ومختلفة عن كل ما سبق وعهدناه من تصورات لم نحصد منها غير الفشل, فلا مناص من الإجابة عن سؤالين هامين هما:

– كيف تتصدى أنظمة حكمنا للمشكلات التي ذكرناها وعلى رأسها مشكلة فلسطين رغم ضعف دولنا دينيًّا واقتصاديًّا وتكنولوجيًّا ومن ثم عسكريًّا؟

– ما الذي يمكن أن تنجزَه النخب المعارضة إزاء حكوماتها في وقت تُحكِم فيه هذه الحكومات قبضتَها الديكتاتورية بالحديد والنار على البلاد والعباد؟

بالنسبة للسؤال الأول فالإجابة عليه سهلةٌ، فقد حقَّق حزب الله اللبناني توازنًا استراتيجيًّا مع إسرائيل منذ سنوات طويلة، كما نجح في التصدِّي لها عام 2006م، عندما سوّلت لها نفسها أن تغامر بغرض القضاء على الحزب، وذلك كلُّه عبر أسلحة خفيفة ومتوسطة فقط، أي دون أن يمتلك الحزب لا سلاح طيران ولا دفاع جوي متقدم، ولا مدرعات ثقيلة ولا حتى خفيفة ولا مدفعية ثقيلة.

قطاع غزة

وشيء مشابه لذلك لكنه أكثر إعجازًا وإنجازًا وإبداعًا قامت به حماس و الجهاد الإسلامي و منظمات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عام 2009م، عندما نجحت في التصدي للهجوم الإسرائيلي على غزة، ومنعت قوات العدوان من التوغُّل في أراضي غزة رغم الحصار الاقتصادي والعسكري والسياسي المحكَم المضروب على غزة قبل وبعد عدوان 2009م وحتى الآن, وتجربة غزة أهم وأثرى من تجربة حزب الله؛ لأنها تمَّت بإمكانات أقلّ من إمكانات حزب الله, كما أن حزب الله لم يكن معنيًّا بكل عواقب العدوان الصهيوني على لبنان، بينما حماس وسائر منظمات المقاومة الفلسطينية كانت وما زالت معنيَّة بكل عواقب أي عدوان صهيوني على غزة.

وعارٌ على أي نظام حاكم لأي دولة أن يزعمَ أن لديه إمكاناتٍ أقل من إمكانات حماس أو حزب الله سواء سياسيًّا أو عسكريًّا أو اقتصاديًّا, تلك الإمكانات البسيطة التي انثنت إسرائيل أمامَها في حربين من أطول الحروب العربية الصهيونية عبر تاريخها, رغم حرص إسرائيل على قِصر مدة أي حرب تخوضها مع العرب؛ لعظم عبء الوقت في الحرب على الاقتصاد الصهيوني.

أما السؤال الثاني فإجابته بسيطة جدًّا، وهي أن تسلك النخبُ المعارضة نفس المسلَك الذي سلكته المعارضة في أوروبا الشرقية، عندما انهار جدارُ برلين في نوفمبر 1989م، وأدت حركات المعارضة إثر ذلك إلى تحوّل كل أوروبا الشرقية إلى نظم ديمقراطية بعد طول عهدها بالديكتاتورية.

صحيحٌ أننا نريد أن تتحول دول العالم الإسلامي كلها إلى نظم حكم إسلامية على طريق عودة الخلافة الإسلامية الراشدة الواحدة, لكن ما جرَى في أوروبا الشرقية وغيرها من دول تحوَّلت من ديكتاتوريات إلى نُظم حكم ديمقراطية أو شبه ديمقراطية، كل ذلك يمثِّل تجارب لا غنًى للنخب المعارضة في عالمنا الإسلامي عن فهمها والاستفادة منها، إذا كان أمر القدس وأفغانستان والعراق والصومال والسودان يعنينا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا الموضوع في موقع الاسلام اليوم.

سيد قطب رحمه الله

هل سيطر القطبيون على قيادة الاخوان المسلمين في مصر؟

عندما تم انتخاب الدكتور محمد بديع مرشدا عاما للاخوان المسلمين خلفا للمرشد السابق الأستاذ مهدي عاكف ذهبت أغلب التقارير الصحفية إلى أن د. بديع جاء لقيادة الاخوان بصفته ممثلا لسيطرة القطبيين على الجماعة.

و جاء ذلك استمرارا للنغمة التي سارت عليها الصحافة في متابعتها للأزمة الأخيرة في انتخابات مجلس إرشاد الاخوان المسلمين حيث ذهبت حينها إلى أن ما يسمى بـ “القطبيين” قد سيطروا على قيادة الاخوان المسلمين بينما لم تحدد هذه التحليلات ماهية ما تقصده بمصطلح القطبيين, كما أن أكثر القراء لم ينتبهوا للدلالات العميقة التي ينطلي عليها هذا المصطلح و كان الوحيدون الذين أدركوا أبعاد كلمة “قطبيين” بكل أبعادها هم المتهمون بذلك من قادة “الاخوان المسلمين” كالدكتور محمود عزت و غيره, و لذلك اهتموا بتحديد علاقتهم بفكر الأستاذ سيد قطب رحمه الله, فصرحوا لوسائل الاعلام أنهم يعتزون بأفكاره و يحترمونها لكنهم لا يكفرون الحاكم و غير ذلك من تصريحاتهم التي أظهرت أنهم متمسكون بمنهج الاخوان المسلمين رغم احترامهم الشديد للأستاذ سيد قطب مما يعني في التحليل النهائي أنهم ملتزمون بالخط الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين, و نفس المنهج سار عليه المرشد الثامن للاخوان المسلمين د.محمد بديع حيث كان لزاما على الرجل في أول خطاب له كمرشد للاخوان ان يطمئن الحكومة و الغرب و الأقباط و القوى السياسية الوطنية المختلفة على أن المنهج الذي سيخطه هو نفس منهج الاخوان المسلمين المعروف و ليس منهج سيد قطب المشهور براديكاليته في قضايا عديدة و لكن دون التصريح باسم سيد أو منهجه.

و لكن لماذا اهتم قادة الاخوان بنفي تهمة القطبية عنهم؟ و قبل ذلك ما معني القطبية؟ و ما الفرق بينها و بين منهج الاخوان المسلمون؟ بل و لماذا و كيف افترق القطبيون عن الإخوان المسلمين رغم أن سيد قطب كان من قادة الاخوان المسلمين و مفكريها؟

الأطوار الفكرية التي مر بها سيد قطب

في البداية لابد أن نلاحظ الأطوار الفكرية التي مر بها سيد قطب (رحمه الله), فبعدما ترك حياة الأدب و التي كان مصاحبا فيها لعملاق الأدب العربي عباس العقاد اتجه سيد قطب للكتابة في الأدب من منظور اسلامي بحت فكان أشهر ما كتبه في هذه المرحلة:

“التصوير الفني في القرآن”: وهو أول كتاب له في موضوع إسلامي (ط 1945م).

“مشاهد القيامة في القرآن” : (ط 1947م).

“النقد الأدبي أصوله ومناهجه” : (ط 1948م)

“العدالة الإجتماعية في الإسلام” : (ط 1949م) قبل سفره لأمريكا. وهو أول من أطلق لفظ “العدالة الإجتماعية” بدل “الإشتراكية” التي كان يستخدمها الكُتّاب في عصره للدلالة على موافقة الإسلام للإشتراكية (في نظرهم).

و كانت هذه هي مرحلة سيد قطب الأولى مع التوجه الاسلامي, ثم جاءت المرحلة التالية بعد عودته من رحلته لأمريكا حيث توجه للانضمام لجماعة الاخوان المسلمين و كان لهذا الانضمام سببان:

السبب الأول: ما شاهده في الولايات المتحدة من فرح بمقتل الامام حسن البنا, حيث نشرت العديد من الصحف هناك, أن عدو الغرب الأول قد قتل.

السبب الثاني: مقابلة حدثت بين سيد قطب و ضابط مخابرات انجليزي اسمه “جون هيوورث دن” حيث حذّر “دن” سيّداً من الإخوان المسلمين ومن مغبة إمساكهم بزمام الأمور في مصر وقدّم له معلومات دقيقة عن التنظيم وأهاب به أن يقف وأمثاله من المثقفين المصريين في وجه الإخوان المسلمين !!

و لهذين السببين رأى سيّد قطب أن دعوة الإخوان المسلمين صادقة و أن أعداء الأمة يكيدون لها، و قد قرر سيّد قطب حينها الإنضمام للإخوان المسلمين .. و إثر عودته من الولايات المتحدة بدأت علاقته بالاخوان المسلمين فانضم إليهم و تبحر في العلوم الشرعية و ألف سلسلة من الكتب حملت فكره الاسلامي لكن مرحلته الاسلامية هذه انقسمت لطورين متميزين:

الطور الأول- اهتم فيه بتبيين محاسن الاسلام و أفضليته سياسيا و اجتماعيا على غيره من المذاهب السياسية الأخرى و استمرت هذه المرحلة حتى 1960, و أصدر في هذا الطور الأول الكتب التالية:

“معركة الإسلام والرأسمالية” : (ط 1951م) و هو أول ما ألفه بعد رجوعه من الولايات المتحدة.

“السلام العالمي والإسلام” : (ط 1951م) وقد وكان في آخر هذا الكتاب في الطبعة الأولى فصل بعنوان “الآن” بيّن فيه زيف الإدعاءات الأمريكية ، مما جعل الحكومة الأمريكية تتدخل لدى مصر لحذف الفصل في طبعات الكتاب التالية.

“في ظلال القرآن” : طبع الجزء الأول سنة 1952م ، وطبع الجزء الأول من الطبعة المنقّحة سنة 1960م ، واستطاع سيد أن ينقّح الكتاب إلى الجزء الثالث عشر عند نهاية سورة إبراهيم ، ثم أُعدم بعدها رحمه الله, و الكتاب بطبعته النهائية جاء في ستة أجزاء من القطع الكبيرة حوت أكثر من (4000) صفحة.

“دراسات إسلامية” : هو عبارة عن (35) مقالة إسلامية في نقد مظاهر الفساد والظلم والإنحراف في المجتمع (ط 1953م) .

“هذا الدين” : أصدره وهو في السجن (ط 1960م) و قد كتبه لإخوانه السجناء ليثبت به قلوبهم ، وبيّن فيه عظمة الاسلام وخصائصه التي تفرّد بها .

“المستقبل لهذا الدين” : (ط 1960م).

الطور الثاني- ركز فيه على العقيدة الاسلامية و على الصراع العقائدي بين الاسلام و الآخر من وجهة نظره و كان قمة هذه المرحلة كتابه “معالم في الطريق” و استمرت هذه المرحلة الفكرية معه حتى اعدامه رحمه الله, و لقد أصدر في هذه المرحلة الكتب التالية:

“خصائص التصور الإسلامي ومقوماته” : وهو كتاب في العقيدة أراد به سيد قطب تعليم الأجيال حقيقة العقيدة وأهميتها ، (ط 1962م)

“الإسلام ومشكلات الحضارة” : (ط 1962م) ، دخل هذا الكتاب من باب التعريف بكتاب “الإنسان ذلك المجهول” لألكسس كارل ، ثم أتى بما لم يخطر على بال “ألكسس كارل” ولا غيره.

“مقومات التصور الإسلامي” : طبع بعد عشرين سنة من وفاته (ط 1986م). وقد كتبه سيد في آخر أيام حياته كما قال أخوه محمد في مقدمة الكتاب ، وقال بأن سيداً كتب آخر الكتاب على أوراق الإدعاء التي أعطيت له قبل المحاكمة !! وهناك فصلان مفقودان من الكتاب ، وهما بعنوان “حقيقة الحياة” و”حقيقة الإنسان” وهذا الكتاب يتحدّث عن حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية وحقيقة الكون والحياة والإنسان.

معالم في الطريق كتاب أعدم مؤلفه

لكن أشهر كتب سيد قطب بجانب “في ظلال القرآن” هو كتابه “معالم في الطريق” وهو آخر كتاب صدر في حياة سيد (ط 1964م). وهو من أكثر كتب سيد قطب إثارة للجدل حتى الآن ، و يقال أنه كان الذريعة الرئيسية لمحاكمة سيد والحكم عليه بالإعدام ، وقد كان بعض تلاميذ سيّد يرجونه ألّا يطبع الكتاب !! فكان يقول لهم “لا بد أن يتم البلاغ” ..

لذلك نرى أنه لعله هو الكتاب الذي أعدم صاحبه .. ويبدو أنه قد مُنع من التداول والطباعة في وقتنا هذا ، ولكنه موجود على شبكة الانترنت، وهذا الكتاب يمكن أن يقال بأنه خلاصة كتب سيّد قطب الإسلامية وقد أحدث دوياً هائلاً منذ صدوره و حتى الآن كما أنه يمثل البلورة النهائية لأفكار سيد قطب السياسية و التي فهمتها العديد من القوى الاسلامية كل على طريقته, فالبعض أخذ منها إشارة بتكفير المجتمعات الاسلامية و البعض أخذ منها إشارة أهمية التركيز على التربية الاسلامية للشعوب قبل الدخول في صراع مع الحكومات التي يرون أنها بعيدة عن الاسلام و البعض أخذ منها حتمية المفاصلة مع هذه الحكومات و خوض الصراع بكل أنواعه ضدها و بمختلف أدوات الصراع بما فيها الأساليب المسلحة, و لعل الايحاءات المتعددة التي أطلقها كتاب معالم في الطريق هي التي فجرت الخلافات بين الاخوان المسلمين في السجن بين أغلبية تؤيد القيادة الشرعية للاخوان و أقلية تؤيد أفكار سيد قطب في صورتها النهائية, و ألفت قيادة الاخوان وقتها الكتاب المشهور و المنسوب للاستاذ حسن الهضيبي (المرشد الثاني للاخوان) “دعاة لا قضاة” لا لترد على الفكر القطبي فقط بل أيضا لتحصن الاخوان ضد فكر التكفير الذي كان قد بدأ في إطلاقه شكري مصطفى و رفاقه في السجن.

و كان سيد حاضرا في السجن بين الاخوان قبل إعدامه إذ كان أول اعتقال له مطلع سنة (1954) ، ثم اعتقل بعدها في نفس السنة ، ثم حكمت عليه محكمة الثورة (سنة 1955) بالسجن خمسة عشر سنة ، وقال سيّد مستهزئاً بعد صدور الحكم “إنها مدّة قليلة ، فأين حكم الإعدام” !! ، وقضى معظم هذه الفترة في مستشفى سجن “ليمان طُرّة” لإصابته بأمراض كثيرة حتى أُفرج عنه بعفو صحي بعد تدخل الرئيس العراقي “عبد السلام عارف” سنة 1964، ثم أعيد مرة أخرى للسجن سنة 1965 بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم ، ولاقى أصناف التعذيب والتنكيل مع شدة المرض وكبر السنّ حتى صدر الحكم بإعدامه في 21 أغسطس 1966 ، وهنا أطلق سيد ابتسامة التقطتها عدسات المصورين.. و أُعدم – رحمه الله – فجر يوم الاثنين الثالث عشر من جمادى الأولى سنة 1386هـ الموافق 29أغسطس1966م ، أي بعد أسبوع من صدور الحكم عليه!!

جماعة القطبيين

و رغم وجود سيد قطب في السجن مع إخوانه حتى إعدامه إلا أن جماعة القطبيين لم تتبلور إلا في السجن بعد انتهاء محاكمات الإخوان المسلمين في عام 1966م و التي تعرف عند البعض بتنظيم سيد قطب, و قد تكونت من مجموعة صغيرة من قادة و أعضاء الإخوان المسلمين و كان على رأسهم الأستاذ محمد قطب شقيق سيد قطب, و كان من ضمنهم كل من الشيخ عبدالمجيد الشاذلي و الأستاذ مصطفى الخضيري و الدكتور محمد مأمون , و قد اختلفوا مع الإخوان في عدة قضايا و أهمها استراتيجية العمل الإسلامي.

إستراتيجية القطبيين للتغيير الإسلامي

و الإستراتيجية التي اعتمدها القطبيون للتغيير الإسلامي قد دونها بشكل متكامل الأستاذ محمد قطب في كتابه “واقعنا المعاصر” و تتلخص في أنه يتحتم تربية أغلبية الشعب على العقيدة الإسلامية الصحيحة حتى إذا قامت الدولة الإسلامية الحقيقية (من وجهة نظرهم) أيدها الشعب و تحمل الصعاب التي ستترتب على قيامها من قبل القوى الغربية التي ستقاوم أي نهضة اسلامية حقيقية في مصر و ستضرب حصارا ظالما (حسب رأيهم) على الدولة الإسلامية الناشئة يطال كل شئ من اول منع استيراد القمح و المواد الغذائية إلى منع استيراد أي مواد صناعية, بل و منع تدفق ماء النيل بطريقة أو أخرى حتى لو وصل الأمر إلى ضرب السد العالي بقنبلة نووية, و انطلاقا من هذه الرؤية فالقطبيون يرون أنه بجانب تربية الشعب قبل إقامة الدولة الإسلامية على الأفكار الاسلامية فإنه يتحتم أن يهتم أبناء الحركة الإسلامية بالتفوق في تعلم العلوم و التكنولوجيا الغربية الحديثة حتى تتوافر لهم فرص إيجاد الحلول العلمية و العملية الحديثة للتغلب على هذه الصعاب المترتبة على إقامة الدولة الإسلامية في مصر.

و رغم أن استراتيجية القطبيين في التغيير لها رونقها و وجاهتها عند البعض إلا أنهم لم يضعوا تكتيكات (أساليب) واضحة و مناسبة لتحقيقها مما جعلها تبدو و كأنها نوع من الترف الفكري.

كما أن القطبيين لا يؤيدون الدخول في إنتخابات مجلس الشعب أو الشورى أو المحليات.

الخلل في تكتيكات جماعة القطبيين

و بصفة عامة فإن القطبين عددهم صغير و معدل التجنيد عندهم بطئ جدا و ذلك كله يعكس الخلل في تكتيكات جماعة القطبيين, و لذلك فرغم أنهم بدأوا مسيرتهم الدعوية في نفس الوقت الذي بدأ فيه الإخوان المسلمون في منتصف السبعينات فإن عدد القطبيين الآن لا يزيد عن عدة آلاف بينما ربما يصل عدد الإخوان المسلمين إلى مئات الآلاف.

كما يُلاحظ أن القطبين ليس لهم نشاط في الجامعات و لا النقابات بعكس كل من الاخوان و السلفيين الآن و الجهاد و الجماعة الاسلامية سابقا, و هذا أيضا يعد مظهر من مظاهر الخلل في أساليب عمل جماعة القطبيين.

و رغم ذلك كله فإن التيار القطبي مازال تيارا موجودا في معظم دول العالم خاصة أقطار العالم العربي, لكنهم في كل مكان لهم نفس الخصائص الموجودة فيهم في مصر من حيث البطء و عدم الفاعلية و التركيز على تكوين نخبة عقائدية صلبة, و قد أدى ذلك في بعض الحالات إلى تململ عناصر فاعلة داخل جماعة القطبيين و من ثم الانشقاق عليها مللا من جمود منهجها الحركي.

الفكر القطبي ليس له صلة بجماعة الاخوان المسلمين

و بذلك كله نعلم أن الفكر القطبي هو فكر جماعة أخرى ليس لها صلة بجماعة الاخوان المسلمين بل إنها تنافس الاخوان المسلمين فكريا و تنظيميا, و لذلك رد الاخوان المسلمون عليها بكتاب “دعاة لا قضاة” في الستينات ثم ردوا مرة ثانية عبر الدكتور يوسف القرضاوي الذي رد على عدد من أطروحات سيد قطب في سلسلة مقالات نشرتها جريدة حزب العمل (الشعب) في الثمانينات أيام تحالف الاخوان مع الحزب.

و ذلك يشير إلى أن قادة الاخوان المسلمين الذين عاصروا نشأة جماعة القطبين في السجن مثل د.محمد بديع و د. محمود عزت أبعد الناس عن أن يكونوا قطبيين لأنهم رفضوا الانضمام لجماعة القطبيين لما تأسست و انحازوا لجماعة الاخوان المسلمين بقيادة الأستاذ حسن الهضيبي وقتها ثم استمروا على ذلك حتى اليوم.

و لكن على كل حال فإن التقارير الصحفية التي نعتت محمود عزت و محمد بديع و من على شاكلتهم بأنهم قطبيون ربما قدمت فائدة لهم في انتخابات مكتب الارشاد, لأن الانتساب لقامة كقامة سيد قطب قطعا أمر له رونقه بين التيارات الاسلامية بكافة اتجاهاتها الفكرية بما في ذلك الاخوان المسلمين و ان اختلفوا مع سيد رحمه الله في العديد من القضايا.

________________________

نشر هذا الموضوع في جريدة الدستور المصرية.

التجربة الناصرية

الإخوان المسلمون و خيارات جماعة مسجونة في تجربتها الناصرية

كتب- عبد المنعم منيب

تعرض الاخوان المسلمون لحملة اعتقالات كبيرة في الأونة الأخيرة من حيث حجم و وزن الأشخاص الذين تم اعتقالهم إذ شملت الاعتقالات ثلاثة من أعضاء مكتب الارشاد البارزين لا سيما الدكتور محمود عزت الأمين العام للجماعة سابقا و الرجل القوي في الجماعة و الدكتور عصام العريان المتحدث الاعلامي البارز في الجماعة و بينما كان الاخوان المسلمون يلملمون أطرافهم و يضمدون جراحهم من تأثير هذه الحملة أعلن بعض رموز جماعة الاخوان المسلمين في صبر و جلد -اعتاده الشارع السياسي منهم- أنهم لا يستبعدون تحويل عدد من رموزهم المعتقلين إلى محاكمة عسكرية, كما أعلنوا أن هذا لن يفت في عضدهم و لن يوقف شيئا من نشاطهم, و لم يكد الاخوان المسلمون يلتقطون أنفاسهم من جراء هذه الاعتقالات حتى داهمتهم أجهزة الأمن باعتقالات ثانية ثم ثالثة ثم تسارعت وتيرة الاعتقالات ضد أعضاء و قادة جماعة الاخوان المسلمين في عدد كبير من محافظات مصر فقوات الأمن استهدفت زعماء الجماعة فى القاهرة والجيزة، منذ شهر فبراير الماضي وحتى اليوم، وكذلك زعماء المحافظات الأخرى، مثل الإسكندرية، وأسيوط، والشرقية، والغربية، و احتجزت رموزا إخوانية بارزة و هامة, و كان دائما هناك كثير من الزخم الذي صاحب أحداث الاعتقالات فمن تأييد الاخوان المسلمين للبرادعي إلى مظاهراتهم احتجاجا على التهويد الجاري حاليا لمدينة القدس المحتلة و المسجد الأقصى الأسير, لكن على كل حال كانت الاعتقالات متسارعة و منتظمة بشكل دائم في الشهور الأخيرة, و رغم أن اعتقالات الأجهزة الأمنية للاخوان المسلمين صارت شيئا معتادا و منتظما و مستمرا منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي, كما أنها اتسعت جدا منذ عام 2005 , لكن لاشك أن الحملة الأخيرة اتسمت بقدر جديد من الفجاجة و القسوة و اللامعقول, فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن أجهزة الأمن اجتاحت الجمعة الماضى ست محافظات، وألقت القبض على العديد من أعضاء الجماعة، مضاعفة بذلك أعداد الذين احتجزتهم في الشهور الماضية فقط، كي يبلغ عدد معتقلي الاخوان المسلمين في السجون المصرية حتى الآن نحو 350 معتقلا, و من هنا جاءت تعليقات الكثير من المراقبين التي ترددت بين الاستهجان و التعجب تارة و بين اعتبار هذه الاعتقالات بلا جدوى و لا معنى تارة أخرى.

وقد انتقدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فى تقرير لمراسلها فى القاهرة حملة الاعتقالات المستمرة التى شنتها الحكومة المصرية ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، و اعتبرت أن هذه الاعتقالات بدأت مبكرة هذا العام، لأن الانتخابات البرلمانية لن تجرى قبل عدة أشهر.

و رأى الكاتب الصحفي سلامة أحمد سلامة أن حملة الاعتقالات هذه هي نفس الحملة المستمرة التى تحاول منع الجماعة من الانخراط في الساحة السياسية قبل الانتخابات لمنعهم من ترشيح أعضائهم بكثافة في الانتخابات القادمة.

كما تعجب الدكتور ضياء رشوان الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية من هذه الاعتقالات و اعتبر أنه أمر نادر أن تحدث حملة اعتقالات كهذه بعد تعيين المرشد العام الجديد مباشرة، و الغرض منها على ما يبدو، هو تعطيل القيادة الجديدة قبل أن يتسنى لها الوقت حتى لتتنفس.

و أيا كانت الأهداف الحكومية من هذه الحملة فإن هناك آلافا من الأشخاص من مختلف الأنحاء في طول البلاد و عرضها صوتوا للإخوان المسلمين وساعدوهم في الانتخابات، وهناك آلاف آخرون من المؤيدين و المتعاطفين، و لا شك أن عملية التأييد و التعاطف هذه مع جماعة الاخوان المسلمين مستمرة و من الصعب جدا أن تتوقف الآن بسبب هذه الاعتقالات.

الاعتقالات المكثفة وردود الأفعال عليها

و في سياق متصل أثارت الاعتقالات المكثفة التي تعرض لها قادة و أعضاء الاخوان المسلمين في الشهور و الأيام الأخيرة العديد من التعليقات و ردود الأفعال فمن قائل إنها هجمة حكومية تستبق معركة الانتخابات البرلمانية القادمة و التي لم يتبق عليها إلا عدة شهور و من قائل أنها رسالة تحذير شديدة اللهجة ترسلها الحكومة عبر أجهزتها الأمنية الباطشة لتوقف الاندفاع الاخواني في اتجاه مساندة الدكتور محمد البرادعي في مساعيه لتعديل الدستور و تغيير وجه الحياة السياسية المصرية, و أيا كانت التحليلات و التعليقات فإن جماعة الاخوان المسلمين نفسها لم تسلم من الانتقادات في الفترة الأخيرة إن على مستوى موقفهم و رد فعلهم على هذه الاعتقالات و إن على مستوى موقفهم السياسي بصفة عامة في خضم الأحداث السياسية الهامة التي تشهدها الساحة السياسية المصرية حكومة و معارضة على حد سواء, الكثيرون اعتبروا موقف الاخوان من هذه الاعتقالات سلبيا هذا الموقف الذي اكتفى بتنظيم مجموعة من محامي جماعة الاخوان ليشكلوا هيئة الدفاع عن الاخوان المسلمين المعتقلين, بجانب تسهيل امداد معتقليهم بمستلزمات المعيشة في السجن من الطعام و الملابس و البطاطين, هذا الموقف الذي يعد هزيلا جدا إذا تمت مقارنته بموقف أنصار الدكتور أيمن نور عندما كان مسجونا, فعلى سبيل المثال كثيرا ما قام أنصار الدكتور أيمن نور بمظاهرات تأييد له و احتجاج على حبسه في مناسبات كثيرة و عديدة تزامن كثير منها مع عرض الدكتور أيمن على النيابة أو الطب الشرعي و نحو ذلك, هذا في الوقت الذي لا يمكن فيه مقارنة أنصار الدكتور نور بأنصار الاخوان المسلمين لا في العدد و لا في الانضباط التنظيمي و القدرات على التعبئة و نحو ذلك, فهل تخاذلت جماعة الاخوان المسلمون عن مناصرة أعضائها الذين ضحوا من أجلها و اعتقلوا بسببها؟ و هذا الموقف الذي اعتبره العديدون سلبيا أو على الأقل غير مناسب و غير كاف هل يؤثر على الانضباط التنظيمي لأعضاء الاخوان المسلمين أو على الأقل هل يؤثر على معنوياتهم؟ و ما هو وزن ذلك كله و تأثيره في معادلة الصراع السياسي على الساحة السياسية المصرية؟ هل تضعف هذه الاعتقالات و تلك الحملات الأمنية المكثفة جماعة الاخوان المسلمين أو على الأقل هل تدفع الكثير من أنصارها إلى الانفضاض عنها؟ أم هل يؤدي البطش الأمني إلى ارتعاش اليد أو الأيدي التي تمسك بزمام الأمور داخل جماعة الاخوان المسلمين فتكف عن التنافس السياسي مع الحزب الحاكم أو الأقل تخفف من حدة و ضراوة هذا التنافس؟

الحراك السياسي الجديد

أسئلة كثيرة لا مناص من الاجابة عليها في ظل الحراك السياسي الجديد الذي طرأ على الشارع السياسي المصري الآن مع دخول الدكتور محمد البرادعي بقوة لحلبة الصراع السياسي المصري و قلبه للعديد من معادلات هذا الصراع التي استمرت راسخة منذ عقود.

بداية لابد من التذكير بتصريحات قادة و رموز الاخوان المسلمين التي أكدت على استمرار الإخوان المسلمين في ممارسة السياسة من خلال معارضة النظام الحاكم مثل قول د.محمد البلتاجي “نحن ليس لدينا طريق آخر سوى النضال السياسى والدستورى، فنحن نريد الإصلاح السياسى، لذا لا أستطيع أن أتخيل عدم المشاركة فى الحياة السياسية” و كذلك التصريحات التي أشارت إلى ما يشبه ترحيب الجماعة بالاعتقالات مثل تصريح المهندس سعد الحسيني عضو الكتلة البرلمانية للاخوان المسلمين الذي اعتبر فيه أن هذه الاعتقالات بمثابة وسام على صدر جماعة الاخوان المسلمين.

طبيعة المعادلات السياسية التي تحكم العمل السياسي 

و بعد ذلك لابد لنا من تفحص طبيعة المعادلات السياسية الدقيقة و الصارمة التي تحكم العمل السياسي في ظل نظام الحكم الحالي منذ عقود حتى نعرف موقع هذه الاعتقالات منها و نعرف موضع الاخوان المسلمين و مواقفهم في هذه المعادلات. لقد نجحت الديكتاتورية القائمة في مصر منذ الاحتلال البريطاني 1882م في ترسيخ توازن قُوَىَ مجتمعي قائم على وجود نسبة محدودة من المتدينين (الذين بات يطلق علي نشطائهم اسم “الاسلاميون”) لا تملك القيام بتأثير فعال في مجريات الأمور العامة مهما كان نشاطها و ارتفاع صوتها, مع وجود نخبة محدودة من العلمانيين المرتبطين بقوى غربية (صورة الاستعمار الجديد) و يملكون مقاليد السلطة و القوة, مع وجود كتل اخرى من القوميين و الليبرالين و الماركسيين كلها تعارض الحكم لكنها معزولة لسبب أو لأخر و بدعم مباشر من النظام لهذا العزل عن أمرين:

الأول- الامساك بزمام القوة السياسية في الدولة.

و الأمر الثاني- امكانيات تعبئة و تنظيم عامة الجماهير في البلاد.

أما بقية المجتمع فقد حافظ نظام الحكم على جعله كتلة صامتة و سلبية إزاء الشئون العامة خاصة شئون الحكم و السياسة.

التوازن داخل التيارات السياسية

و لقد أقام النظام الحاكم عدة توازنات أخرى داخل كل كيان أو تكتل سياسي فالاسلاميون بين جماعاتهم المختلفة توازن, فهناك توازن بين السلفيين و الاخوان و بعضهما البعض و بين الاثنين من جهة و بين الجهاديين من جهة اخرى توازن آخر و هناك توازن بين هؤلاء جميعا من جهة و بين جماعات التكفيريين, و نفس الشئ نجده داخل القوى السياسية العلمانية المعارضة فهناك توازن بين فصائل الناصريين و القوميين المتعددة و المختلفة و جميعهم من جهة يحكمهم توازن ما مع الماركسيين بكافة مجموعاتهم و الكل يتوازن بشكل أو بآخر مع المعارضة الليبرالية و جميع المعارضة غير الاسلامية يحكمها توازن مع كل الاسلاميين……. و هكذا سلسلة لا تكاد تنتهي من التوازنات يأكل بعضها بعضا لصالح النظام الحاكم إذ لا يمسك بمفاتيح هذه السلسلة من التوازنات غير النظام الحاكم و أجهزته الأمنية و السياسية وحدها, و كلما لاح في الأفق نذير اختلال لهذا التوازن فإن قوى الحكم الداخلية و كذلك القوى الخارجية المساندة لنظام الحكم و الساهرة علي سلامة هذا التوازن تقوم بإعادة التوازن إلى سابق عهده بالحيلة حينا و بالقوة و القمع في أغلب الأحيان, مع ملاحظة أن هذا القمع قد يتستر بغطاء من القوانين و القرارات الرسمية.

معادلات اللعبة السياسية الدولية

و هناك عملية سياسية اخرى تستخدم ورقة وجود هذه القوى المختلفة في معادلات اللعبة السياسية الدولية و الاقليمية, حيث يستخدم النظام وجود الاسلاميين السياسي و الدعوى للضغط على الغرب لكسب تأييد الأخير المطلق للنظام الحاكم تحت تهديد أن البديل هم الاسلاميون, و كذلك التذرع بالوجود القوي للاسلاميين بالشارع السياسي المصري لرفض العديد من الاملاءات الغربية في مجالات كبعض الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية المخالفة لثوابت المجتمع الشرقي أو الاسلامي, و من هنا فالنسبة التي حصل عليها الاخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لم تكن مفاجأة للنظام بل مقصودة لتحقيق اهداف عديدة, و نفس الشئ بالنسبة لوجود المعارضة الليبرالية أو القومية أو اليسارية فهى موظفة من قبل النظام لمخاطبة الغرب بأن هناك حريات و ممارسات ديمقراطية و تقدم مطرد في الاصلاح السياسي.

الاخوان المسلمون في مصر طوال القرن الأخير

الاخوان المسلمون في مصر طوال القرن الأخير تحركوا في أغلب الأوقات في إطار لم يهدد هذا التوازن القائم و هذه المعادلات السياسية المكرسة, فعمل الاخوان المسلمين لم ينجح في إختراق المنظومة المسيطرة على مقدرات القوة السياسية في البلاد اللهم الا في حالات نادرة و حتى في الحالات النادرة التي نجح الاخوان المسلمون في ذلك فإنهم لم يستعملوا هذه القوة السياسية بالشكل المناسب, حتى أطلق البعض على جماعة الاخوان المسلمين جماعة الفرص الضائعة.

و كذلك فجماعة الاخوان المسلمين لم تنجح في تحقيق اختراق واسع و فعال للكتلة الصامتة من أغلبية الشعب, و ربما كاد هذا الاختراق أن يحدث مرة واحدة في تاريخنا المعاصر في نهاية السبعينات من القرن الميلادي الماضي بفعل الحركة الدعوية التي قامت بها كل من “جماعة التبليغ و الدعوة” و مجموعات اسلامية عديدة استخدمت التكتيكات الدعوية لـ “جماعة التبليغ و الدعوة”, لكن سرعان ما أدت أحداث صدام الجهاديين مع النظام الحاكم بجانب عوامل عديدة إلى ترسيخ سياسات حكومية تقيد حركة الدعوة بصفة عامة و تمنع هذه التكتيكات بصفة خاصة, و ذلك كله في إطار استراتيجية حكومية ضد الحركة الاسلامية مستمرة بشكل واضح منذ عام 1986 و حتى الآن و هي أشبه ما تكون بمزيج من استراتيجيتي “الاحتواء” و “الردع المرن” المعروفتان في الصراع الدولي.

هل الاخوان المسلمون جماعة كبيرة ذات عقل صغير؟

و بسبب التزام الاخوان المسلمين اختيارا أو اكراها بمقتضيات هذه المعادلات السياسية التي رسخها النظام الحاكم فإنهم لا يستطيعون دفع صراعهم مع الحكم إلى أبعد من هذه المعادلات بانشاء معادلات جديدة أو الاخلال بتوازن القُوَىَ القائم, و هذه الحالة من التفكير السياسي و الاستراتيجي لدى الاخوان المسلمين دفع البعض لاعتبار جماعة الاخوان المسلمين جماعة كبيرة ذات عقل صغير رغم ما في هذا التعبير من مبالغة.

و مما لا شك فيه أيضا أن هذا الالتزام الاخواني بالمعادلات السياسية التي كرسها و يكرسها النظام لا يأتي فقط خوفا من زيادة جرعة البطش من قبل النظام بقدر ما هو تعبير عن طبيعة التفكير السياسي و الاستراتيجي داخل المطبخ السياسي لجماعة الاخوان المسلمين فالعقليات التي تحكم هؤلاء القادة اعتادت على عدم الاكتراث بآثار القمع الحكومي فقد اعتادوا ادارة الجماعة تحت القصف القمعي للنظام بكل درجات هذا القصف الذي شهدوه منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي كما أن القسوة التي تم قمع جماعة الاخوان المسلمين بها منذ ثورة يوليو 1952 و حتى عهد الرئيس السادات خلقت لدى قادة الجماعة السياسيين حذرا ربما نراه زائدا عن الحد المناسب لمثل هذا العمل السياسي الذي يتصدى له الاخوان المسلمون الآن و في مثل هذه الظروف من الحراك السياسي و فرص التغيير و الفشل و التردي الذريع الذي وصل له النظام السياسي المصري, فهل مازالت عقول قادة جماعة الاخوان المسلمين مسجونة في التجربة المريرة للجماعة مع عبدالناصر أم أن الجماعة تعايشت مع القصف الحكومي بقدر تعايشها مع وجود نظام الحكم نفسه و استمراره؟

هذا السؤال يحتاج اجابة واضحة من قيادة الاخوان المسلمين ليس بالقول و لكن بالفعل, فلا أحد يطالبهم بما وراء الممكن لكن الجميع يطالبونهم باستغلال أقصى ما يمكن لا سيما و أن السياسة هي فن الممكن.

و تبقى أسئلة تتعلق بتأثير هذه الاعتقالات على جماعة الاخوان المسلمين من قبيل هل يتفلت الأعضاء تاركين كيان الاخوان المسلمين بسبب القمع؟ و من قبيل هل تتمكن الجماعة من القيام بنفس أدوارها التي كانت تقوم بها قبل الاعتقالات؟ و هل تتصاعد الاعتقالات أم تنحسر؟

في الواقع ربما يتفلت القليل من أعضاء الجماعة الحديثي عهد بها و لكن الجماعة سرعان ما ستعوض هذه التفلت بمزيد من الأعضاء الجدد الأكثر التزاما و انضباطا تنظيميا .

و ستظل جماعة الاخوان المسلمين تقوم بأدوارها المحصورة في المعادلات السياسية الراسخة و المكرسة في مصر منذ عقود.

أما تصاعد الاعتقالات أو انحسارها فهو محصور في القرار الحكومي الملتزم بحفظ توازن القُوَىَ القائم على ألا تخرج كل قوة سياسية في مصر عن الدور المرسوم لها بعناية داخل أروقة الحكم المصري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشر في موقع الاسلام اليوم و في جريدة الدستور المصرية اليومية الورقية.

قادة الاخوان المسلمون و صراع الأجيال

الإخوان المسلمون .. بين صراع الأجيال وصراع الأفكار

في إطار حملة الاعتقالات الأخيرة التي شنتها الأجهزة الأمنية في مصر ضد العديد من كوادر جماعة الإخوان المسلمين هل يمكن القول بأن القوة والقدرة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر قد اهتزت؛ بسبب الخلافات العديدة على مستوى قيادة الجماعة ومكتب الإرشاد بين المحافظين والإصلاحيين التي أُشيع عنها الكثير منذ فترة قصيرة.. الأمر الذي جرَّأ الأجهزة الأمنية على شنّ مثل هذه الحملة القاسية ضد عدد من قادة وكوادر الجماعة.

د.محمود عزت وبعده د. محمد بديع هما أشهر من تناولتهم التقارير الصحفية وقصص الأخبار أيام الخلافات التي شهدتها قيادة جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة انتخابات مجلس الإرشاد، وبعدها انتخاب ومبايعة المرشد الثامن للجماعة، ذلك المنصب الذي تولاه منذ فترة قصيرة د. محمد بديع, ولكن هل هذان الرجلان هما أبرز اللاعبين بين قادة الجماعة؟ أم أنهم مجرد رمزين لعدد أكبر من اللاعبين؟ وبصفة عامة هل ما تم إعلانه من خلافات تمثِّل الأبعاد الحقيقية للعبة القيادة داخل جماعة الإخوان المسلمين؟ أم أن هناك أبعادًا عديدة أخرى للعبة السياسية داخل الجماعة لم تتكشف أبعادها بعد؟

لقد تفجرت الخلافاتُ بشكل علني وبأسلوب يعتبر الأكثر حدَّة منذ أكثر من خمسين عامًا داخل جماعة الإخوان المسلمين, وقد تسببت قسوة وحدة هذه الخلافات في أكبر جماعة معارضة في مصر وأعرق وأكبر حركة إسلامية سياسية في العالم في إطلاق دخان كثيف صرف بصر أكثر المراقبين عن تحولات كبرى شهدتها جماعة الإخوان المسلمين في خِضَمّ هذه الخلافات.

و رغم الجدل الشديد الذي تشهده ساحات المراقبين السياسيين المهتمين بالحركات الإسلامية إلا أن منهجًا عميقًا ومناسبًا لفهم هذه الحركات الإسلامية لم يتبلورْ بعدُ، واكتفى أغلبية المراقبين بتحليل سطحي وتبسيطي من قبيل القسمة التقليدية إلى محافظين وإصلاحيين.

فهل فعلًا لا تعكس خلافات الإخوان الأخيرة سوى الصراع بين الإصلاح والمحافظة كما يردِّد الجميع؟ أم أن هناك مرحلة جديدة كما قال د. عصام العريان؟ وإذا كان الإخوان قد انتقلوا إلى مرحلة جديدة فما ملامح هذه المرحلة؟

إن نظرةً شاملةً لتطور أوضاع القيادة داخل جماعة الإخوان المسلمين منذ أعاد الأستاذ عمر التلمساني تأسيسها في منتصف السبعينيات، وحتى الآن تشير إلى مرورها بمرحلة واحدة منذئذٍ وحتى يوم انتخاب د. محمد بديع كمرشد ثامن لجماعة الإخوان مؤخرًا، هذه المرحلة تختص بمستوى وجيل مَن يحتل منصب المرشد العام، حيث كان منصب المرشد العام حكرًا على الباقين من مكتب الإرشاد القديم الذي كان متوليًا القيادة حتى تَمَّ حلّ الجماعة أثناء صدامها مع نظام عبد الناصر, فتولى التلمساني ثم حامد أبو النصر ثم مصطفى مشهور ثم مأمون الهضيبي ثم مهدي عاكف, وكل هؤلاء كانوا من الجيل الذي عاصر الإخوان في الأربعينيات من القرن العشرين وحتى وفاة كل منهم عدا الأستاذ عاكف الذي امتنع عن الترشح لمنصب المرشد لفترة تالية، واعتزل المنصب وهو على قيد الحياة (أطال الله عمره), إذن فالملمح الأول من ملامح المرحلة الجديدة هو انتقال منصب المرشد من جيل إخوان الأربعينيات إلى جيل إخوان الستينيات ممثَّلين في المرشد الثامن وهو الدكتور محمد بديع.

لكن هل هذا يعني سيطرة جيل الستينيات أو ما يُعرف بجيل سيد قطب (باعتبار سيد قطب كان أشهر رموز هذا الجيل) على مكتب الإرشاد ومن ثَمَّ على الجماعة لهذا السبب؟

في الواقع أن جيل الستينيات لا يوجد منه في عضوية مجلس الإرشاد الجديد (الثمانية عشر) سوى ثلاثة هم د. محمد بديع ود. محمود عزت والأستاذ جمعة أمين, بينما يوجد ثلاثة عشر عضوًا من جيل السبعينيات الذين هم جيل د. عبد المنعم أبو الفتوح (الذي لم يدخل مكتب الإرشاد هذه المرة) ود. عصام العريان, إذن فمن أبرز التحولات التي مرت بها جماعة الإخوان في خضم خلافاتها الأخيرة أيضًا هو نقل الثقل في مركز الإرشاد من جيل الأربعينيات والستينيات إلى جيل السبعينيات مع إدخال واحد من جيل الثمانينيات إلى مكتب الإرشاد ربما لأول مرة وهو الدكتور عبد الرحمن البرّ, هذا كله مع عدم وقوع أي قطيعة مع جيل الأربعينيات؛ إذ أن هناك عضوًا واحدًا من هذا الجيل في مكتب الإرشاد هو الدكتور رشاد البيومي، فضلًا عن أن مهندس كل هذه التغيرات هو الأستاذ مهدي عاكف الذي قاد هذا التحول هو من جيل الأربعينيات.

صحيح أن دخول جيل السبعينيات لمكتب الإرشاد بدأ بدخول د.عبد المنعم أبو الفتوح عام 1987، لكن مع ذلك احتاج الأمر نحو عشرين عامًا لتصير الغلبة المطلقة في مكتب الإرشاد لجيل السبعينيات، سواء في الانتخابات السابقة أم في آخر انتخابات.

ولكن كيف تكون الغلبة في مكتب الإرشاد لجيل السبعينيات بينما المرشد هو من جيل الستينيات؟

من الواضح أن الجماعة تسير بخطًى ثابتة نحو نقل القيادة في الجماعة لجيلي السبعينيات والثمانينيات, إذ سيصعب على قامة تالية لمهدي عاكف أن لا تترسم خطاه وتتأسى بخطته في ضخّ دماء جديدة في جسم قيادة الإخوان, وسيصعب على أي مرشد قادم أن يتشبث بالمنصب فترةً طويلة.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن انتقال القيادة من جيلي الأربعينيات والستينيات إلى جيلي السبعينيات والثمانينيات سيؤدي إلى درجة أكبر من شيوع أو توزع القوة المؤثرة في صناعة القرار داخل جماعة الإخوان المسلمين, لأن الرمزية التاريخية التي تمتع بها جيلا الأربعينيات والستينيات لا يمكن أن يدّعيها أي من جيل السبعينيات أو الثمانينيات, ولذلك نرى أن مكتب الإرشاد السابق تصدى بسهولة لرأي المرشد بتصعيد د. العريان رغم الرمزية التاريخية التي يمثلها مهدي عاكف، وذلك في أول إشارة واضحة لتحول الإخوان إلى المؤسسية في صنع القرار بغضّ النظر عن المكانات التاريخية لرموز الأربعينيات والستينيات التي كانت تحسم القرار في اتجاهٍ أو آخر, لقد انساق الكتَّابُ والمراقبون للتحليل في اتجاه صراع المحافظين والإصلاحيين دون أن يفطنوا لهذه النقطة، وهي أنه حدث المزيد من توزع القوة بين قادة الإخوان، إذ لم يعد يمكن لفرد أن يمسك بكل خيوط لعبة صنع القرار حتى لو كان المرشد السابع مهدي عاكف ذا الشرعية التاريخية وكاريزما التنظيم الخاص، ولا حتى نائبه الأول محمد حبيب رغم ثقافته السياسية, ومن المدهش في هذا التحول أن الذي غضب من بعض آثاره (في قضية تصعيد العريان بدون انتخاب) هو قائد هذا التحول أصلًا الأستاذ مهدي عاكف (أحد أعظم مرشدي الإخوان عبر تاريخهم) وذلك عندما أعفى كثيرًا من قادة الجماعة من بعض قيود السلطة المركزية الموكولة للمرشد، وأعطى للكثيرين حرية الحركة والكلام بل واتخاذ القرار في إطار “شفافية وانفتاح” منظم بدقة، وهذا نقل الجماعة لمرحلة جديدة هامة وواعدة، وليس كما يظن البعض أنها مرحلة انغلاق أو تفكُّك.

في المرحلة الجديدة أغلب القادة من جيل واحد أو من جيلين متقاربين، ولا يفضل أحدهم على الآخر بأي رمزية أو شرعية تاريخية أو نحوها, فالقرار سيخضع لنقاش وأخذ ورد من الجميع على قدم المساواة.

ورغم كل هذا فلا يمكن اعتبار أن التحول الجديد في جماعة الإخوان هو مجرد صراع أجيال، بل بالعكس، فما أثاره الكثيرون من خلافات ذات طبيعة سياسية وفكرية له وجه من الصحة، لكنَّ فيه شيًا من التخبط, نعم هناك فريق له خبرات سياسية واسعة يرفع شعارات التغيير والإصلاح في الإخوان، ويدلي لوسائل الإعلام بأفكار راقت للكثيرين خارج الإخوان، ولم ترُقْ لكثيرين داخل الإخوان، لكن هذا الصراع هو صراع يعكس تعدُّد اتجاهات الاجتهاد السياسي داخل الإخوان، ولا يعكس صراعًا بين الأجيال؛ لأن مثلًا عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب هما من جيل السبعينيات، بينما الأغلبية من مجلس الإرشاد الجديد هم أيضًا من نفس الجيل، بل هناك اسم ما زال البعض يشن عليه حربًا لا هوادة فيها، باعتباره من المحافظين والقطبين و….الخ هو د محمود غزلان، ومع ذلك فمحمود غزلان من نفس جيل السبعينيات وزميل للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح, وهذا يعني أنه إذا كانت الجماعة نقلت قيادتها في مرحلتها الجديدة إلى جيل السبعينيات، فإن هذا الجيل ليس شيئًا واحدًا، بل إن هناك خلافات في الاجتهادات السياسية والفكرية لدى هذا الجيل، وإن توزع القوة في الجماعة واعتمادها على الآليات المؤسسية في صنع القرار سوف يثري روح الشورى، (بلغة الحركات الإسلامية) أو روح الديمقراطية (بلغة السياسة المعاصرة) داخل الجماعة, وما أزمة الانتخابات الأخيرة في الجماعة ومواقف وانتقادات د.عبد المنعم أبو الفتوح ود. محمد حبيب وتعليقات د. عصام العريان ود. محمود غزلان، ما كل هذا إلا المخاض العسير الذي ستولد على إثره آليات مناسبة داخل الجماعة؛ لإدارة اللعبة السياسية داخلها، وسيكون من أهم قواعد هذه الآليات الاحتكام لنتائج الانتخابات لحلّ الخلافات بعد تعديل اللوائح الداخلية والرضا برأي الأغلبية والالتزام به والاكتفاء في أغلب عمليات النقد والاعتراض على القنوات الداخلية للجماعة, أما مَن سيعاند هذه التحولات الجديدة فإنه لن يجد له مكانًا إلا في زوايا النسيان، مهما كان تاريخه؛ لأن عجلة التاريخ إذا دارت فإنها تدور للأمام نحو المستقبل، فلا تلتفت حينئذٍ لتاريخ أحد كائنًا من كان .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع لموقع اسلام تودي و تم نشره به.