أسامة بن لادن

هل اتجهت منظمة القاعدة للواقعية السياسية؟

رسالة للعالم أجمع, هكذا حدد أسامة بن لادن الهدف من كلمته الأخيرة التي بثتها قناة الجزيرة أول أمس الجمعة, فقد وجه بن لادن خطابه للعالم اجمع و تكلم فيه عن التغيرات المناخية و الاحتباس الحراري بشكل أساسي و أشار فيه للأزمة المالية العالمية, فقال في أولها: “أما بعد فهذه رسالة إلى العالم أجمع عن المتسببين في التغير المناخي وأخطاره بقصد أو بغير قصد، وما يجب علينا فعله”.

و تعتبر هذه اللغة جديدة على قائد القاعدة الذي سبق و قسم العالم كله إلى فسطاط الايمان و فسطاط الكفر, فضلا عن أن كلمة بن لادن الأخيرة لم يذكر فيها آية قرآنية واحدة و لا حديثا نبويا واحدا, كما أنه لم يعد يقصر دفاعه عن المسلمين المظلومين بل إنه قدم القاعدة على أنها تدافع عن ” المستضعفين والمنكوبين في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، الذين لا حول لهم ولا قوة”.

لغة التركيز على مخاطبة العالم كله و دعوته للوقوف مع القاعدة ضد الولايات المتحدة كانت واضحة جدا بشكل لا لبس فيه إذ يقول على المثال “فيا أيها الناس أهل الأرض جميعا، ليس من الإنصاف والعدل ولا من الحكمة والعقل أن يترك العبء على المجاهدين وحدهم في قضية يعم ضررها العالم أجمع، فالمطلوب منكم يسير، وهو أن تحكموا عليهم الحصار، فجدوا وبادروا في مقاطعتهم لتنقذوا أنفسكم وأموالكم وأطفالكم من التغير المناخي وتعيشوا أعزة أحرارا بعيدا عن أعتاب المؤتمرات وتوسل الحياة، فلا خير في حياة تريق ماء المحيا”, و هو في ذلك كله لا يستثنى الدول الكبرى بل يدعوها بصراحة لحصار الولايا المتحدة فيقول: ” ويجب على الدول الغنية أن تتوقف عن إقراض أميركا لأن في ذلك تمويلا لحروبها الظالمة على المستضعفين”.

لهجة الخطاب واضحة جدا و غريبة على القاعدة, و المحللون المتسرعون سيتسابقون للقول بكل سطحية أن هذا الخطاب يعكس ضعف القاعدة إذ لولا ضعفها لما طلب قائدها من العالم أجمع أن يقف مع القاعدة ضد الولايات المتحدة, لكن حقيقة الأمر ليست كذلك, فالولايات المتحدة و حلفائها يتكبدون خسائر فادحة يوميا أمام مقاتلي القاعدة في كل الجبهات المفتوحة في أفغانستان و العراق و الصومال و غيرها, صحيح أن القاعدة منذ فترة طويلة أعجزتها التدابير الأمنية في أوروبا و أمريكا الشمالية عن القيام بعمليات كبيرة هناك, لكنها جعلت من أفغانستان و العراق فيتناما صغرى للولايات المتحدة و حلفائها, و باتت الولايات المتحدة و حلفائها يبحثون عن مخرج من هناك, إذن فما الجديد الذي دفع أسامة بن لادن لتغيير خطابه السياسي لهذه الدرجة من الانفتاح على العالم و بدل من الاقتصار على محاولة كسب المسلمين و العرب عبر تبني قضاياهم الساخنة (كقضايا فلسطين و العراق و افغانستان و الشيشان و غيرها) فإنه بدأ في تبنى قضايا كونية تهم العالم أجمع مثل الاحتباس الحراري و الأزمة المالية العالمية؟

حقيقة هذه مرحلة جديدة في تطور الفكر السياسي للقاعدة و قد سبقتها تطورات أخرى سبق و أشرنا لبعضها هنا على صفحات الدستور منها محاولة الظواهري و بن لادن التوجه بخطابهم لعامة جماهير اليسار العالمي و مناوءي العولمة و كذلك تحريض أتباعهم على استخدام اساليب المظاهرات و العصيان المدني, و أخيرا جاءت هذه الكلمة يوم الجمعة الماضية بالتوجه للعالم اجمع بما في ذلك الدول الرأسمالية للتوحد ضد الولايات المتحدة, و هذا لا يعكس ضعفا لدي القاعدة بل بالعكس فهو يعكس احساسها بقرب تحقيق النصر في أفغانستان و من ثم السعى للعب دور سياسي دولي يستثمر سياسيا ثمار نصرها العسكري, فهل ستنجح القاعدة في ذلك؟

ــــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع يوم 30 يناير 2010  و  نشر في جريدة الدستور المصرية اليومية الورقية.

قادة الحكم في مصر صورة ارشيفية

الفساد يقتل إذا حكم .. نموذج مصر

عندما يحكم الفساد فإنه يقتل بلا مبالاة كل من يقف في طريقه حتى لو كان هذا الواقف قد ألقاه حظه في طريقه مصادفة دون أي قصد منه.

و رغم أن ضحايا الفساد المذكورين يسقطون صرعى كل يوم بسيف الفساد و جنوده من المفسدين لكن أكثر الناس يهتمون بأنواع أخرى من القتلة دون أن يفطنوا للفساد القاتل ظنا منهم أن المفسدين يهتمون فقط بتحصيل شهواتهم من المال و السلطة دون ميل للقتل كهدف في حد ذاته.

و على كل فالفيصل في المسألة هو أحداث الواقع.

وكلنا نذكر في السبعينات ما تردد عن إستيراد توفيق عبد الحي و غيره من رجال الأعمال لآلاف الأطنان من اللحوم و الدواجن الفاسدة و تم بيعها بشكل كامل في السوق المصرية الأمر الذي أدى للعديد من الإصابات لدى المستهلكين و إذا كانت لم تسجل حالات من الموت بشكل مباشر إلا أنه لاشك قد سجلت حالات عديدة من التسمم مجهولة السبب و ربما توفى عدد من الفقراء الذين لا يدري أحد عنهم شيئا.

ثم جاء عقد الثمانيات و التسعينات لنرى العديد من ظواهر القتل الجماعي أو شبه الجماعي و الفاعل الوحيد فيها كان دئما هو الفساد و المفسدون.

و من الملاحظ أن معظم الفاعلين في هذه الأحداث هم من المرتبطين بالسلطة أو ببعض قوى السلطة.

ولذلك أمكنهم دائما الإفلات من العقاب.

في الثمانينات سقطت عدة عمارات على رؤس سكانها و تبين أن هناك فسادا في الدوائر التي أعطت تراخيص البناء و المكاتب الهندسية التي أشرفت على عمليات البناء, و رغم أن العديد من المواطنيين الأبرياء قد ماتوا تحت أنقاضها و رغم أن من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا كما جاء في القرآن الكريم, فإن من لقى مصرعه أو أصيب و شرد بعد ذلك في التسعينات من جراء انهيار العمارات السكنية أكثر ممن لقى حتفه لنفس السبب في الثمانينات و ذلك يشير إلى تزايد الفساد في المحليات مع تقادم العمارات السكنية نسبيا بالإضافة لزلزال 1991م الذي عرى هؤلاء المسئولين الفاسدين و إن ظلت هذه التعرية دون جدوى حتى الآن.

عشرات الألاف بين قتيل و جريح و مشرد بسبب الزلزال وحده , و الفاسد الذي أخذ الرشوة كي يجيز أو يسكت عن بنايات مخالفة للقواعد القانونية لم يكن يدور في خلده أنه سيقتل أحدا لكنه لم و لن يبالي أقتل أو لم يقتل ما دام يحصل على الجنيهات التى قررها كأجر محدد على مماراسته الفاسدة.

نفس الشئ بالنسبة للمسئولين عن حوادث القطارات حيث قتل في حوادث القطارات فقط أكثر من 6 ألاف قتيل بالإضافة إلى 21ألف مصاب في 59 حادث قطار في الفترة من سنة 2000م و حتى 2006 فقط بمعدل حادث واحد كل شهر تقريبا, حتى صدرت دراسة ألمانية تقول أن مصر هي الأولى عالميا في معدلات حوادث القطارات و معدلات قتلى القطارات, و الفاسدون الذين نهبوا عوائد و مداخيل قطاع السكة الحديد لم يدر في خلدهم أنهم بهذا النهب يقتلون الآلاف و يشردون و يعذبون الآلاف ولكنهم أيضا لم يبالوا أقتلوا و شردوا أم لا فكل ما ظل يهمهم حتى الآن هو نهب هذا القطاع ذا العائد الإقتصادى الضخم.

أما حوادث الطرق التي وصلت في مصر إلى 25 ضعفا زيادة عن المعدلات العالمية و التي حصدت حتى الآن 69 ألف قتيل و جريح سنويا فإن الفاسدين الذين يتحملون مسئوليتها هم أكثر خسة من غيرهم لأنهم يتكسبون من موت هؤلاء الآلاف جنيهات قليلة , صحيح أن مجموعها يقدر بالملايين لكنه موزع على ألاف المسئولين من أول جندي المرور الذي يقبض خمسة جنيهات فقط ليمرر صاحب المخالفة التي تؤدي لمزيد من حوادث الطرق و الحاصل أنه ثمن زهيد لقتل نفس أو عدة أنفس و الفاسد لا يبالي أي عدد قتله بفساده في حادثة طريق أو أكثر انما كل ما يهمه الخمسة حنيهات.

و حريق مسرح بني سويف و نتيجة التحقيق في سبب التسيب و الإهمال الذي أدى لهذا الحريق و العدد الكبير من القتلى الذين تفحمت جثثهم بفعل التسيب و الأهمال الجسيم مثال واضح على هذا الفساد الذي لا يبالي بالمواطنين مهما قتل منهم بالعشرات أو بالآلاف بالحرق أو بالغرق أو بالفرم عل الأسفلت المهم الحصول على عائد الفساد من جنيهات مهما كانت ضئيلة أو كبيرة و تأتي نتيجة التحقيق في سبب التسيب و الإهمال الذي أدى لهذا الحريق المروع كبرهان واضح على دور الدولة الرسمي في مساندة الفساد و المفسدين مهما كانت النتيجة , لذلك اتهم الكثيرون نظام الحكم بأنه أول نظام يحكم مصر يستهدف المصريين بالقتل و التعذيب و الحرق و الغرق و السرطان و الفيروسات و ذلك منذ الفراعنة مرورا بالمماليك و العثمانيين و حتى الآن.

لقد وصل حجم الإصابة بفيروس الكبد الوبائي (c) إلى 25 % من المصريين.

كما وصلت الإصابة بالفيروس الكبدي (b) في مصر إلى 15 % علما بأنه أخطر من (c) لأن المصاب به يلقى مصرعه في غضون سنوات قليلة بينما المصاب بـفيروس (c) ربما يعيش أكثر من عشرين سنة قبل أن يلقى حتفه, و إن كان الظلم قد لعب دورا كبيرا في تدهور الرعاية الصحية عن طريق تخفيض مخصصات الصحة في الميزانية لصالح أشياء أخرى أقل أهمية و أقل نفعا للشعب مثل وزارة الداخلية و جلاديها, لكن الفساد المستشري في حكومات الحزب الوطني المتعاقبة كان له نصيب الأسد من الإستفادة من تخفيض مخصصات وزارة الصحة في الميزانية, فمن زيادة المصروفات النثرية المخصصة لكل وزير ينفقها كما يشاء بدون رقيب و قدرها البعض بنحو مليار جنيه في الشهر, إلى توريد أكياس الدم الملوثة إلى وزارة الصحة حتى زعم البعض أن كل من غسل كليته في المستشفيات العامة فقد أصيب بفيروس (c).

يضاف إلى ذلك استئثار قادة الحزب الوطني و محاسيبهم بمعظم أموال العلاج على نفقة الدولة.

و الدستور تتحدى الحكومة أن تنشر قائمة بجميع أسماء المنتفعين بالعلاج على نفقة الدولة من المستفدين بمائة ألف جنيه أو أكثر كي يعرف الشعب أين تذهب أموال الصحة التي هي قليلة أصلا, و كذلك نتحداهم أن ينشروا مفردات المصروفات النثرية الخاصة بكل وزير.

و القتل لا يقتصر على الفيروسات بل هناك القتل بالسرطان عبر المبيدات المسرطنة التي سمح يوسف والي لورد الحزب الوطني المعروف باستيراد ألاف الأطنان منها من أجل سواد عيون يوسف عبد الرحمن سكرتيره الحميم حتى وصل معدل الإصابة بالسرطان 100 ألف حالة سنويا.

و إذا كان نظام حكم الحزب الوطني قد قتل بفساده المصريين هدما ومرضا و حرقا فإنه قتلهم أيضا غرقا في مرات عديدة, و لا نقصد بذلك المهاجرين غرقا في البحر المتوسط هربا من فساد السلطة في مصر فقط بل نقصد أيضا العبارة سالم اكسبرس التي غرقت عام 1991م و كانت فرق الإنقاذ قد اتصلت بالعديد من ركاب السفينة و هي تغرق و علمت أنهم أحياء ووضعت خطتها لشق العبارة و استنقاذ الركاب قبل أن يختنقوا لكن مالك العبارة أصر على عدم شقها و قال إما تعوموها سليمة أو تتركوها و كان مالك العبارة على علاقة بمسئول كبير و اتصل به ليمنع شق العبارة و تعويمها لأن ذلك سيمنع عنه نسبة كبيرة من التأمين الذي ستصرفه له شركة التأمين, و أعطى المسئول أوامره بعدم الشق وقد كان ما أراد فتركوها تغرق و على متنها 1600 راكب اختنقوا داخل كبائنها و ما زالت السفينة حتى اليوم رابضة في قاع البحر الأحمر.

وبعد ذلك جاء عام 2006م عندما غرقت العبارة السلام 98 لمالكها صديق المسئول الكبير و ترك الناس تغرق كي يخفي المخالفات الجسيمة التى كان انقاذ العبارة سيفضحها ومنها على سبيل المثال لا الحصر أنها كانت سفينة ايطالية متهالكة خرجت من الخدمة لسوء حالتها لكن ممدوح اسماعيل اشتراها و ضاعف من حجمها ثلاث مرات إذ أضاف لها ثلاثة طوابق بالمخالفة لأية معايير للسلامة و قام بتسجيلها في بنما لسهولة الإجراءات هناك كما قام هنا باجازتها بسبب منصبه و علاقاته بالمسئول الكبير.

و هكذا يقتل الفساد إذا حكم.

اسياس أفورقي رئيس إريتريا

أريتريا واللعب مع الكبار في الشرق الأوسط

الكلام عن أريتريا ودورها الإقليمي سيَجُرُّنا للكلام عن أطراف عديدة، مثل إسرائيل وإيران وأثيوبيا والغرب، والعديد من الدول العربية، والعديد من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، وكثرة هذا الأطراف رغم صغر مساحة وموارد أريتريا تقودُنَا لحقيقة واضحة، هي أن أريتريا تريد أن تلعب دورًا أكبر من إمكاناتها الجيوسياسية، وهي بذلك تريد أن تلعب مع الكبار في جزء من العالم الإسلامي، تَمَّتْ تسميته دوليًّا بمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة في شرق إفريقيا أو القرن الإفريقي.

جوانب من تاريخ تحرير أريتريا وأثرها في التحليل السياسي

استقلت أريتريا عن أثيوبيا في 23 من مايو 1993م ولن نقف كثيرًا عند التفاصيل التاريخية، لكنّ هناك أربعَ جوانب من تاريخ تحرير أريتريا لها دلالة مهمة في مجال التحليل السياسي، لا بد لنا في البداية من الإشارة إليها:

الجانب الأول: أن حركة التحرير هذه نشأتْ أوَّلَ أمرها في السودان عام 1961م، ولم تكن تملك مقاتلين داخل أريتريا سوى 13 مقاتلًا، ولم تملك كوادِرَ خارج السودان سوى أقل من عشرةٍ، أكثر من ثلثهم هم من السودانيين. وأعطى هذا الجانب الثوار الأريتريين ثقةً كبيرة في أنفسهم ومكانتهم، حتى بعد وصولهم للحكم، بسبب تحقيقهم إنجازَ التحريرِ من العدم- إن جاز التعبير- على الأقلِّ حسب رأْيِهِم هم!

كما أن تجربتهم الثورية هذه منحتهم خبرةَ ممارسةِ السياسة بأسلوبها الكفاحي, ومن ثَمَّ نرى لجوءَهُم المتكرِّرَ للأساليب العسكرية في علاقاتهم مع الأطراف الأخرى، كما حدث مع اليمن وأثيوبيا السودان.

الجانب الثاني- أن المساندة الأهَمَّ لحركة التحرير هذه منذ البداية وحتى بعد إقامة الدولة الأريترية المستقلةِ كانتْ من الدول العربية، خاصةً سوريا ولبنان والسودان والسعودية، لاسيما أن أثيوبيا التي اعتُبِرَتْ دولة محتلة لأريتريا، هي دولةٌ حليفة بشكل أساسي لإسرائيل، كما كانت بجانب ذلك حليفةً للاتحاد السوفيتي السابق.

ويعكس هذا الجانب أهميةَ منطقة القرن الإفريقي، وكذلك السواحل الإفريقية للبحر الأحمر بالنسبة للدول العربية, كما يعكس قلقَ العرب من الوجود الإسرائيلي، سواء في أثيوبيا (مُهَدِّدًا بذلك مصر، والسودان، والصومال، واليمن، وغرب وجنوب السعودية) أم في الساحل الشرقي لإفريقيا؛ حيث يُطِلُّ على بحرٍ، كُلُّ المطلين عليه من العرب، عدا هذا الجزء من ساحل البحر الأحمر الذي أصبح الآن أريتريا.

الجانب الثالث- أنه قد تحالَفَ الثوار الأريتريون مع ثوار التجراي الأثيوبين، ابتداءً من عام 1975م, وكان الأخيرون يَسْعَوْن لاستقلال إقليم التجراي عن أثيوبيا (يمثل التجراي 7 % من سكان أثيوبيا) لكنهم تحت ضغط ثوار أريتريا غيَّرُوا وُجْهَتَهم لحكم كُلِّ أثيوبيا.. وقد وصل هذا الضغط الأريتري ذِرْوَتَهُ بحصار عسكري، وتصفياتٍ دمويَّةٍ قادها أسياس أفورقي ضدهم عام 1985م, كما دعم هذا التوجُّهَ ضغطٌ سياسي أمريكي في نفس الاتجاه، بهدف إسقاط نظام “منجستو هيلامريام” المتحالفِ مع السوفيت في ذلك الوقت.

وفي هذا الجانب نضع يَدَنَا على العُقْدَةِ التي ربما تكون نفسيَّةً بين كُلٍّ من “ملس زيناوي” (أحد قادة التيجراي وقتها، ورئيس وزراء أثيوبيا الآن)، و”أسياس أفورقي” (الأمين العام المساعد لجبهة تحرير أريتريا وقتها، والرئيس الحالي لأريتريا)؛ حيث كانت جبهة أفورقي لها اليَدُ العليا والفضل على التيجراي الإثيوبيين في دَفْعِهِم لحُكْمِ كُلِّ أثيوبيا، كما كانت جبهة أفورقي بمثابة السيد على منظمة زيناوي (جبهة تجراي أثيوبيا)، بما لها من خِبْرَاتٍ وعلاقات وموارِدَ، وقوةٍ عسكريةٍ، بينما كانت منظمة زيناوي أشبهَ بالتابع لها بدرجةٍ ما, لكن بعد حكم زيناوي لأثيوبيا بكامل مواردها الاقتصادية والبشرية (تعداد أثيوبيا نحو 70 مليون نسمة، وجيشها نحو نصف مليون).. تغَيَّرَ الوضع، وتغيَّرَت موازين القوى إزاء دولة أريتريا التي لا تملك أيّ موارد اقتصادية ذات بال، كما أن تعدادها لا يزيد عن 4 مليون نسمة، ولا تملك جيشًا بحجمِ ولا تسليح الجيش الأثيوبي, ومن هنا ثارت المشاكل بين الدولَتَيْنِ، تُغَلِّفُها مشاكل ومنازعات الحدود؛ حيث بدا أنّ كُلًّا من الدولتين يسعى لاستِتْبَاع الأخرى، والاستئثار بالدور الإقليمي الأكبر في شرق إفريقيا، وفي القرن الإفريقي ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة.

الرابع- تحالُفُ ثوار أريتريا مع أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل قَبْلَ التحرير, ومن الطبيعي أنّ تَحَالُفَ نظام “منجستو هيلامريام” مع السوفيت سَهَّلَ على معارضيه الحصولَ على الدعم الغربي, ومصادر جبهة التحرير الأريترية تزعم أنهم لم يستطيعوا الحصولَ على الدعم الغربي، لولا الدخولُ من البوابة الإسرائيلية, وهذا هو تبريرهُم الدائِمُ لعلاقاتهم الوثيقة مع الكيان الصهيوني منذئذ, ومن هنا نرى التناقُضَ بين علاقات الأريتريين بإسرائيل وعلاقاتهم بالعرب.

نعم، قد تغيَّرَ موقف العرب من مسألة العلاقة مع الكيان الصهيوني، نظرًا لوجود علاقاتٍ لعدد من الدول العربية والإسلامية مع الكيان الغاصب، لكنْ لا شك أن أريتريا وأثيوبيا حتى الآن تتنافسان في الحصول على رضا إسرائيل, وفي واقع الأمر فإن إسرائيل لا يمكنها الاستغناءُ عن أريتريا بموقعها على البحر الأحمر، من حيث إنها الدولةُ الوحيدة التي لا تنتمي للجامعة العربية، وتُطِلُّ على البحر الأحمر؛ إذ كل الدول المطلة عليه عربية, وفي نفس الوقت لا يمكن لإسرائيل الاستغناءُ عن أحد أكبر دول إفريقيا من حيث القوة الشاملة، كأثيوبيا، ولاسيما أن لها حدودًا لصيقةً مع العالم العربي, وهكذا تعتبر علاقة أريتريا مع الغرب بعامةٍ، وإسرائيل بخاصةٍ أمرًا جوهريًّا وأساسيًّا حتى الآن, ومن هنا ليس مستغربًا أن الغواصاتِ الإسرائيليةَ التي أعدَّتْهَا إسرائيل لتوجيه ضربة نووية ثانية للعرب، ترتكز في جزءٍ أساسي من إمداداتها على موانئ أريتريا، إن لم تكن أريتريا هي قاعدتها الوحيدة في المنطقة.

انحياز الغرب وإسرائيل لأثيوبيا

انحاز الغرب وإسرائيل بشكلٍ كبيرٍ لأثيوبيا في نِزَاعِها ضد أريتريا، منذ الحرب التي دارت بينهما عام 1998م, وهذا أضْفَى شيئًا من التوتُّرِ على علاقة أريتريا مع الغرب، والمفترض أن يسري هذا الأمر على إسرائيل أيضًا، لكنّ كل الدلائل تشير إلى أن العلاقاتِ بينهما ما زالت استراتيجيةً لحاجة كُلٍّ منهما للآخر, وإن كانت إسرائيل تميل أكثرَ لأثيوبيا، بسبب قيمتها من ناحية الجغرافيا السياسية والعسكرية, هذا إذا تعارضتْ علاقتها بإثيوبيا مع علاقتها بأريتريا.

وأريتريا دولةٌ فقيرةٌ جِدًّا، سواء من حيث مواردها الاقتصادية، أم من حيث اقتصادُهَا الكلي, كما أنها لا تتمتَّعُ بتاريخ خاص عريقٍ، لا في الماضي القريب، ولا البعيد, ورُغْمَ ذلك فلدى قادَتِها طُمُوح ضَخْمٌ في لَعِبِ دور كبير في شرق إفريقيا، وفي الشرق الأوسط على حَدٍّ سواء، يفوق كثيرًا من أدوار القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة.

وقد استغل قادة أريتريا أهمية موقعها على البحر الأحمر بالنسبة للاستراتيجية الإسرائيلية؛ كي يقيموا علاقاتٍ قويَّةً مع إسرائيل، ويحصلوا منها على دعم اقتصادي وعسكريٍّ هام, كما استغلوا موقعهم الجغرافي كمَنْفَذٍ شِبْهِ وحيدٍ لأثيوبيا على البحر؛ كي يضغطوا عليها، ويحوزوا قُدْرَةَ توجيه السياسة الخارجية الأثيوبية كما يشاءون، لكن أثيوبيا لم تَرْضَخْ لهم، ودخلتْ معهم حربين ساخنتين عامي 1998 و2000 , والحرب الباردة مندلعةٌ بينهما منذئذ وحتى الآن، خاصةً عبر الساحة الصومالية؛ إذْ تدعم أثيوبيا الحكومة الانتقالية، بينما تدعم أريتريا معارضي الحكومة.

وفي نفس الوقت استخدمت أريتريا قُوَّةَ التحالف الأثيوبي مع إسرائيل لِتُسَوِّقَ نفسها لدى الدول العربية، خاصةً الغنية منها على أن أريتريا هي حليفٌ للعرب، لاسيما أن العديد من أعراق أريتريا يَرْجِع إلى العرب، أو على الأقل اختلطَ بالعرب، كما أن أغلب الأريترين هم من المسلمين (أكثر من 75%), وتحتاج أريتريا للدول العربية النفطية لانقاذ اقتصادها المتداعي, ورُغْمَ حُسْنِ علاقات عددٍ من الدول العربية بأريتريا، إلا أنها ليست بالقوة، ولا الفوائد التي كانت تأملها أريتريا.

ضغط أريتريا على مصر والسودان

ومن ناحيةٍ أخرى مارست أريتريا ضغْطًا عسكريًّا غير مباشر على كلٍّ من السودان ومصر, فبالنسبة لمصر دأبتْ على احتجازِ سفن الصيد المصرية لفترات طويلة، أو مَنْعِهَا من الصيد أمام سواحلها، رُغْمَ وجود فائضٍ لديها من الأسماك، وعدم وجود سُفُنِ صيد أريترية قادرةٍ على صيد هذا الفائض, وكان الغرض من هذا الضغط تحصيلَ ضريبةٍ باهظةٍ من الصيادين المصريين.

أما بالنسبة للسودان، فقد دعمتْ أريتريا سياسيًّا وعسكريًّا منظماتِ التمرُّدِ في جنوب السودان وشَرْقِهِ وغَرْبِهِ (دارفور)، وما زالت حتى الآن, وهدفها في ذلك المساهمةُ في المخطط الغربي والصهيوني لإضعاف السودان وتفتيته، والتقَرُّب بذلك لإسرائيل والغربِ بعامة.

إريتريا تضغط على اليمن

كما مارست أريتريا ضَغْطًا عسكريًّا على اليمن عبر استيلائها بالقوةِ على جزيرة أبو حنيش الاستراتيجية في البحر الأحمر، وادِّعَاءِ امتلاكها, وأرادتْ من ذلك تعزيزَ مكانتها الاستراتيجية في البحر الأحمر بهدف المساومة بهذه المكانة مع قوة كبرى إقليمية (كإسرائيل مثلًا) أو دولية (كفرنسا والولايات المتحدة مثلًا) كي تُقَدِّمَ هي التسهيلات الاستراتيجيةَ في البحر الأحمر لهذه القوة، في مُقَابِلِ تقديم هذه القوة الْمُقَابِلَ في شكلِ دَعْمٍ سياسِيٍّ واقتصادي لأريتريا.

إريتريا وإيران

و ربما يمكننا في هذا الإطار فَهْمُ ما يُقَالُ عن وجود تسهيلاتٍ عسكرية لإيران في موانئ أريتريا، سواءٌ صَحَّتْ هذه المعلومات أم لا.

ومن ذلك كُلِّهِ يمكننا أن نفهم كيف تلعب أريتريا مع الكبار في الشرق الأوسط ،وفي شرق إفريقيا، وفي القرن الإفريقي.

أسس استراتيجية في تجربة اريتريا

ورُغْمَ خلافنا مع عقيدة أريتريا وأهدافها السياسية، فإنه لا بُدَّ من التأمل في الكيفية التي تمكَّنَتْ بها أريتريا من اكتساب مكانةٍ ودورٍ إقليميٍّ، واللعب مع الكبار في الشرق الأوسط، والقرن الإفريقي، بل والتفوق عليهم في هذا اللعب في بعض الأوقات، وتتلخَّصُ هذه الكيفية في عدةِ أُسُسٍ، نوجزها على النحو التالي:

أولا- الإدراك الكامل لمكامن القوة الذاتية أو المميزات الذاتية التي يملكها الكيان السياسي، واستخدامها لتحقيق أهدافه العليا, وهذا ما فعلته أريتريا، فهي- رُغْمَ فَقْرِهَا في الموارد الاقتصادية والبشرية- قد أدركت أنّ موقعها الجغرافي له مميزاتٌ من الممكن استغلالها في علاقاتها مع العديد من القوى الكبرى، سواءٌ سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو استراتيجيًّا, وللأسف فالعديد من القوى العربية والإسلامية لها العديدُ من المميزات، ولكنها لا تُدْرِكُها أو لا تستخدمها.

ثانيا- التصميم على تحقيق الأهداف، وسلوكُ أسلوب السياسة الكفاحِيَّةِ لتحقيق هذا الغرض، وتَحَمُّل مخاطِرِ هذا السلوك، والتعامُل مع هذه المخاطِرِ بثبات.

ثالثا- ابتكارُ الوسائل والأساليب المناسبة لتحقيقِ ذلك كُلِّه، مهما كانت هذه الأساليب جديدةً وغيرَ معتادةٍ، فأريتريا- رُغْمَ صِغَرِ جيشِهَا وضَعْفِ تسليحِه، وضَعْفِهَا الاقتصادي- تمكَنَتْ من التَصَدِّي عسكريًّا بشكل أو بآخر للعديد من القوى الأكبر منها في المنطقة، عبر حروبٍ مباشرة حِينًا، وعبر حروبٍ بالوَكَالَةِ في أحيان أخرى.

وهكذا تَمَكَّنَتْ أريتريا من اللَّعِبِ مع الكبار.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في موقع الاسلام اليوم و كذلك في مدونتي القديمة وعدد من مواقع الانترنت و أثار جدلا واسعا و تعليقات كثيرة وقتها.

القمة العربية صورة أرشيفية

القمة العربية بالدوحة.. مصر من «الدولة الزعيمة» إلي «الدولة المقموصة»

تابع الجميع مؤتمر القمة العربية في الدوحة، ومحاولات قادة العرب قبل وأثناء القمة في مجال لم الشمل وإعادة الاعتبار للتضامن العربي المفقود وللجامعة العربية المأسوف عليها، فعلا لقد سعي حكام الدول العربية لذلك لسبب أو لآخر.

وفي هذا الوقت العصيب الذي تتعلق فيه قلوب الشعوب العربية بهذه المحاولات كما يتعلق الغريق بقشة، سارع العديد من القادة العرب للقيام بدور ما لإنقاذ ما تبقي من آمال بشأن الجامعة العربية أو علي الأقل لصناعة دور لبلادهم علي الساحة العربية،

وبينما سعت دولة صغيرة كقطر للعب دور كبير في المنطقة فقد اضطلعت دولة كبيرة كالسعودية بإنجاح قدر ما من المصالحة العربية فبدأت بنفسها فصالحت بشار الأسد ـ رئيس سورياـ ودعاه ملك السعودية لزيارة الرياض قبل القمة لتدشين هذه المصالحة، كما تمت مصالحة مماثلة بين الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز والزعيم الليبي معمر القذافي في الدوحة لدرجة أن تعانقا وطلب القذافي من العاهل السعودي نسيان الماضي ودعاه لزيارة ليبيا.

حضرت السعودية وتصالحت مع سوريا رغم أن كلا منهما يمثل رأسا لمحور مناوئ للآخر، فسوريا رأس محور الممانعة والتشدد العربي بينما السعودية هي رأس محور الاعتدال العربي مع مصر والأردن وغيرهما.

وحضرت السعودية وتصالحت مع القذافي الذي كان متهما بتحريك مؤامرة لاغتيال العاهل السعودي نفسه.

ورتبت وحضرت قطر لذلك كله لتحقق لنفسها دورا سياسيا عربيا رائدا، بعدما حققت لنفسها دورا إعلاميا عربيا بارزا عبر قناة الجزيرة، قطر فعلت هذا وهي الدولة العربية صغيرة المساحة قليلة السكان حديثة التاريخ.

لكن في خضم كل محاولات القادة العرب لرأب الصدع العربي المتفاقم غابت مصر ولم يشاهد أحد لها دوراً لا كبيراً ولا صغيراً، مصر زعيمة الوطن العربي (سابقا) غابت عن قمة الدوحة وهي التي كانت قد أسست فكرة القمم العربية قديما وفكرة دورية هذه القمم حديثا، وليس هذا هو الأمر الغريب الوحيد بشأن غياب مصر بل هناك ما هو أغرب منه وهو سبب هذا الغياب الغريب.. الرسميون المصريون صرحوا بأن غياب مصر جاء بسبب قناة الجزيرة الفضائية القطرية، وأخبار أخري تشير إلي أن الغيرة والعناد المصريين إزاء قطر ليسا بسبب فضائية الجزيرة فقط بل بسبب الأدوار التي تسعي قطر للعبها في الساحة الفلسطينية خاصة بشأن ملف الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، وكذلك الأدوار التي تلعبها في الساحة السودانية بشأن ملف دارفور.

ما ذكرته المصادر الحكومية التي أشارت لدور الجزيرة في توتر العلاقات مع دولة قطر أيده بقدر ما الاتهام الذي وجهته قناة الجزيرة- يوم الاثنين الماضي- من أن إدارة النايل سات 101 شوشت علي بث القناة لوقائع القمة العربية بالدوحة مما أدي لانقطاع الإرسال نحو عشر مرات، ورغم نفي إدارة النايل سات لذلك (نفت التهمة في التشويش لكن التشويش كان واقعاً أمام الجميع) فإن غضب مصر الرسمية من قناة الجزيرة لا يخفي علي أحد وكذلك غضبها من الدور المتنامي والمتزايد لدولة قطر في الساحة السياسية العربية.

والنتيجة النهائية للتوتر المصري الرسمي من مواقف قناة الجزيرة ودور دولة قطر هو غياب مصر عن قمة المصالحات العربية، وهكذا لم تعد المسألة علي ساحة الخلافات العربية هي بين محور التشدد والممانعة من ناحية ومحور الاعتدال من ناحية أخري بل صار الجو العام متصالحاً ولو شكلا علي الأقل مع بروز أدوار سياسية متنامية للعديد من الدول العربية علي مسرح المنطقة العربية والشرق أوسطية ككل، بينما مصر تقاطع القمم والاجتماعات والفعاليات العربية، و تقف منفردة غاضبة بجانب الحائط محاولة إثارة المشاكل لتثبت وجودها الذي هو غير موجود أصلا، فمصر كانت توالي وتعادي كبري الدول العربية (كالعراق والسعودية) في الماضي من أجل قضايا ومواقف سياسية كبري هي اليوم تغضب من قناة فضائية (الجزيرة) وتعادي دولة صغيرة كقطر لأنها حاولت أن تحل جانبا من المشاكل العربية التي تخلت مصر عن حلها، فتحولت مصر من «الدولة الزعيمة» إلي «الدولة المقموصة».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر بالعدد الأسبوعي لجريدة الدستور.

عمر حسن البشير

مذكرة توقيف البشير..الأبعاد والمشاهد والنتائج

عند التأمل في المذكرة الدولية بتوقيف الفريق عمر البشير رئيس الجمهورية السودانية والتي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هذا الشهر؛ لابد وأن يتوقف العقل عند ثلاث محطات، محطة أبعاد هذا القرار القضائي الدولي، ثم المشاهد المتوقعة بناءً على هذا القرار، وأخيرًا النتائج التي قد تتمخض عنها العملية برمتها.

أولًا ـ أبعاد قرار توقيف البشير

نظرًا لسيطرة المفاهيم الغربية على التحليل السياسي في العالم كله؛ فإن هذه الأبعاد سوف تنقسم إلى البعد الدولي والبعد الإقليمي والبعد المحلي، سنجد أن البعد الدولي يشير إلى الأمم المتحدة وتحديدًا مجلس الأمن، الذي وقف خلف هذا القرار بهدف تحقيق أهداف معينة للغرب إزاء السودان، والبعد الإقليمي سيشير إلى العامل “الإسرائيلي” والإثيوبي في المنطقة، أما البعد المحلي فسيشير إلى المنافع المتحققة لمتمردي جنوب السودان “الحركة الشعبية” وغرب السودان “متمردي دارفور”.

لكن لو أردنا أن نشير لإطار إسلامي في التحليل السياسي فسوف تنقسم الأبعاد إلى بعدين فقط:1- الهيمنة الاستغلالية للغرب على العالم بصفة عامة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة، وتقودها حاليًا الولايات المتحدة.2- العالم الإسلامي ككتلة مستهدفة ومتأثرة بقرار توقيف البشير.

وإذا تأملنا في البعد الأول وهو الهيمنة الاستغلالية للغرب؛ سنجد أن هذه الهيمنة فرضها الغرب على معظم أنحاء العالم الإسلامي منذ عصر الاستعمار الغربي في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، ولكنها صارت هيمنة محكمة ومطلقة على كل أنحاء العالم الإسلامي منذ تم القضاء تمامًا على الدولة العثمانية، التي كانت آخر معاقل العالم الإسلامي سقوطًا في براثن الهيمنة الغربية بشكل كامل.

والغرب بوقوفه وراء مذكرة اعتقال البشير إنما يهدف إلى دعم مسارات إضعاف السودان عبر تفكيكه لعدة دويلات يهيمن الغرب على أغناها ويستغل ثرواتها جميعًا، ويمنع قيام دولة إسلامية بحجم وثروة السودان؛ فالسودان أكبر دولة أفريقية، ومن أكثر دول العالم الإسلامي ثراءً في مجالات الموارد الزراعية وموارد المياه والثروة المعدنية والثروة الحيوانية، ونظام حكم عمر البشير_ رغم ما عليه من تحفظات_ فإنه سار ويسير في التنمية بكل مجالاتها بخطى لا بأس بها، ففي عهده دخل التصنيع على نطاق واسع للسودان بما في ذلك تصنيع السلاح والدواء والمواد الغذائية وغيرها، كما تحسنت البنية التحتية والأداء الاقتصادي بشكل عام، فضلًا عن ازدياد قوة الجيش وأجهزة الأمن بشكل مكَّن هذا النظام من الصمود في وجه موجات طاغية من التآمر الدولي آتية من العديد من الأجهزة الأمنية الدولية العاتية؛ كأجهزة “إسرائيل” والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها، فضلًا عن أذرعهم الداخلية من المتمردين في الجنوب والشرق والغرب.وتأتي هذه المذكرة لتؤدي عملها بمساندة القوى الغربية و”إسرائيل”، وبأذرع ربما محلية من خلال المتمردين المعروفين أو غير المعروفين.

أما البعد الثاني وهو المتعلق بالعالم الإسلامي، فهو لا يشمل فقط إضعاف السودان في المدى القريب والبعيد، ولكن يشمل حرمان العالم الإسلامي من ثروات السودان التي قد تصبح في يوم من الأيام عونًا لأيٍّ من دول العالم الإسلامي ـ وفي قلبه مصر ـ على النهضة والقوة الاقتصادية، ليس هذا فقط بل ونقل هذه الثروات لأعداء العالم الإسلامي؛ “كإسرائيل” أو الغرب من خلال عملائهم في السودان ـ الحركة المتمردة في دارفور وفي جنوب السودان ـ هذا كله فضلًا عن تطويق دولة قوية كمصر ليس من جنوبها فقط، بل أيضًا من عنقها حيث أن نهر النيل شريان الحياة في مصر، وبتفكيك السودان وسيطرة “إسرائيل” والغرب على حكوماته تصبح كل دول حوض النيل تقريبًا واقعة تحت هيمنة الولايات المتحدة و”إسرائيل” بطريقة أو بأخرى.وإذا كانت السودان تمثل جسرًا عربيًّا إسلاميًّا بين مسلمي وعرب شمال أفريقيا، وبين أفريقيا السوداء، فإن من شأن الهيمنة الغربية عليها أن تقيم سدًا منيعًا أمام تواصل عرب شمال أفريقيا مع مسلمي أفريقيا السوداء.

ثانيًا ـ المشاهد المتوقعة

كثر اللغط حول المشاهد المتوقعة بشأن السودان والبشير معًا بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله، وفي الواقع فإن المشاهد كلها مطروحة على مسرح الأحداث الدولية بشأن السودان.

فتدويل حكم السودان ككل عبر تقدم قوات المتمردين من الجنوب ومن دارفور إلى العاصمة، واحتلالها عبر دعم أمريكي غربي عسكري وسياسي أمر وارد في الفترة القادمة، قد لا تقدر بالأيام أو الأسابيع لكنها لن تزيد عن سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر.

وفي حالة استمرار قدرة الأجهزة الأمنية والجيش على حفظ استقرار الحكم في الخرطوم، فخنق نظام الخرطوم سياسيًّا واقتصاديًّا عبر الولايات المتحدة وحلفائها أمر وارد بقوة، يصحبه تقطيع أوصال السودان عبر استقلال دارفور بعدما تحصل على حكم ذاتي، واستقلال الجنوب في الاستفتاء المزمع بعد سنتين، كما أن قبائل شرق السودان قد لا تمانع من أن تحظى بالدعم الأمريكي والغربي والإسرائيلي الذي تحظى به دارفور وجنوب السودان مقابل التمرد وإحياء جبهة الشرق ومن ثَمَّ الاستقلال، وحينئذٍ لن يكون هناك مانع لدى الولايات المتحدة وحلفائها من ترك البشير يهنأ مع أجهزته الأمنية القوية بحكم ولاية الخرطوم المخنوقة باسم سودان لا وجود له، إلى أن يركع أو تطلق عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها رصاصة الرحمة كما أطلقتها على عراق صدام حسين.

ثالثًا ـ نتائج العملية كلها

طبعًا النتائج كلها واضحة، وأبرزها ضياع السودان من جعبة العالم الإسلامي في هذه الفترة، وذهاب مواردها الضخمة لخدمة أعداء الأمة الإسلامية، وخنق أكبر دولة عربية وهي مصر تمهيدًا لتقطيع أوصالها هي الأخرى.

ولكن هناك نتائج جزئية خاصة بالتحليل السياسي أظهرتها هذه الأزمة؛ منها أن الصين وروسيا تواطأتا مع الولايات المتحدة وحلفائها في مجلس الأمن إذ كان وما زال في إمكانهما عرقلة صدور القرار أو تجميده بعد صدوره ولم يفعلا.

وكذلك أظهرت العملية برمتها تصميم الغرب على استمرار إضعاف العالم الإسلامي دون كلل ولا ملل؛ للحفاظ على استمرار هيمنتهم عليه واستغلاله لصالحهم، في الوقت الذي ما زال يتغنى فيه المستغربون عندنا بصداقتهم للغرب، ونقصد هنا الحكومات الغربية لأن للشعوب الغربية شأنًا آخر لا مجال لتفصيله هنا.وعلى كل حال، فإننا لا نصاب باليأس بسبب تقطيع أوصال العالم الإسلامي المتواصل من قِبل الجيوش الغربية وحلفائهم في الداخل والخارج، لأننا ننظر للمستقبل في ضوء تاريخنا التليد إذ مر بالعالم الإسلامي أوقات حالكة الظلمة مثل هذه لكنه نهض بعدها من كبوته، وثاب إلى رشده، واسترد انتصاراته {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا الموضوع في موقع الاسلام اليوم.

مجلس الشعب المصري صورة أرشيفية

تأميم الفتوى لصالح رئيس الجمهورية في مصر

وافقت لجنة الاقتراحات بمجلس الشعب المصري على مشروع بقانون يعاقب من يفتي بدون أن يحمل ترخيصا رسميا خاصا و قد أثار ذلك جدلا واسعا ، فأيد البعض هذا القانون المقترح و طالبوا بحتمية قصر الإفتاء على الأزهريين فقط معتبرين أنهم المؤهلون دون غيرهم لتلك العملية، بينما عارض آخرون القانون المقترح؛ و رأوا أنه مجرد وسيلة قمعية لتكميم الأفواه.

مشروع القانون الجديد تقدم به النائب عن الحزب الوطني د. مصطفي الجندي، وتضمن حبس من يفتي في الشئون الدينية عبر وسائل الإعلام بدون رخصة رسمية من سنة إلى ثلاث سنوات.وفي تصريحات صحفية أوضح الجندي أنه سيتم إضافة مادة لقانون العقوبات في جرائم اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها دون حق، وتنص المادة المقترحة على أن: “كل من أفتى فتوى في أمور دينية عبر أي وسيلة من وسائل الإعلام سواء المسموعة أو المقروءة أو المرئية، بدون أن تكون له صفة رسمية كجهة اختصاص، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث”.وأشار إلى أن “عقوبة الحبس تكون وجوبا على كل من يدلي بفتوى عبر أي وسيلة إعلامية، أو أي طريق آخر دون أن يكون حاصلا على شهادة معتمدة من دار الإفتاء، وموقعة من فضيلة المفتي نفسه بالترخيص لحاملها بالفتوى”.وكان د.مصطفى الجندي قد ذكر دوافعه للتقدم بمشروع ذلك القانون في تصريحات صحفية فقال: إن تحريض حسن نصر الله للمصريين أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، ضد قيادتهم السياسية وحكومتهم، وتحريضه للجيش، متسترا بخطاب ديني ومدعوما بدعاة فضائيات موالين لفكره بحماس، أطلق موجة من الفتاوى الدينية التي لم تجد من يتصدى لها ويقوم بتفنيدها.و أضاف: إن “من أهم أسباب مشروع القانون الذي تقدمت به لمنع فوضى الفتاوى في الفضائيات الدينية، هو مقاومة مد الفتاوى الشيعية الذي استشرى خلال الحرب الإسرائيلية على غزة وجعل شعوبنا فريسة للخطب الشيعية الحمساوية”و إعتبر أن “حزب الله حاول خلال حرب إسرائيل على غزة تحت ستار فتاوى الجهاد، أن يشعل الثورة في مصر بدعوى مساندة حماس في حربها ضد إسرائيل”.و قد ذكر الدكتور مصطفى الجندي آلية ضبط من يفتي بدون ترخيص، فقال إن لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب حددت لجنة لاختبار كل من يريد الإفتاء، يتكون أعضاؤها من مفتى الجمهورية وشيخ الأزهر ورئيس مجمع البحوث الإسلامية ورئيس محكمة النقض”.وأشار إلى أن : ” مهمة هذه اللجنة ستكون اختبار كل من يريد الإفتاء للناس في الفضائيات وتقدير مدى صلاحيته للإفتاء”جدير بالذكر أن كل من مفتي الجمهورية و رئيس مجمع البحوث الاسلامية و شيخ الأزهر و رئيس محكمة النقض الذين تتكون منهم اللجنة كلهم يتم تعينهم بقرار منفرد من رئيس الجمهورية دون أي قيد أو شرط, و بالتالي فنحن أمام لجنة معينة من رئيس الجمهورية شخصيا تملك منع أو منح المواطن حق الإعلان عن رأيه بدعوى أنه مؤهل أو غير مؤهل, إذن نحن أمام لجنة تشبه لجنة الأحزاب تلك اللجنة التي منعت نشوء أي حزب جديد بدعاوى عدم أهلية البرامج الحزبية المقدمة فلم تسمح بنشوء أي حزب جديد, أو أننا أمام تصاريح جديدة تصدر ظاهريا من مؤسسة دينية بينما أن قرارها الأساسي يصدر من مباحث أمن الدولة كما يحدث في تصريحات الخطابة بالمساجد التي منعت أي أحد لا ترضى عنه أمن الدولة من القاء أي كلمة في مسجد حتى لو كان من كبار الفقهاء الأكاديميين خريجي الأزهر.و قد اعتبر البعض أن المشروع الحالي هو امتداد لمطالبة سابقة من الدكتور علي جمعة مفتي مصر بأن يتم إنشاء مجلس أعلى للإفتاء؛ لمراقبة فتاوى الفضائيات، والدعوة إلى استبعاد غير المؤهلين.و قد رددت مصادر صحفية أن الدافع لتحريك هذا القانون الآن هو مواقف الدعاة المستقلين في الفضائيات أيام أزمة غزة تلك المواقف التي كانت معارضة للموقف الحكومي من الأزمة.وانقسم الأزهريون أنفسهم إزاء القانون المقترح فأيده بعضهم و من أشهر المؤيدين مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة ووزير الأوقاف الدكتور محمود زقزوق الذي قال: “كل من هب ودب أصبح يصدر فتوى، ومنهم علماء الفضائيات، ولابد من سرعة إصدار ذلك القانون لردع هؤلاء الذين يصدرون فتاوى تصرف المسلمين عن قضاياهم الأساسية، وتأخذهم للانشغال بقضايا تافهة وفرعية”و في نفس الوقت رفض القانون المقترح العديد من الأزهرين و على رأسهم الدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر الذي قال في تصريحات صحفية: “لا أستطيع أن أكمم الأفواه، وكل من يريد كلمة حق من فتواه يتحمل حسنتها أو وزرها، ومن يقل فتوى سليمة أشكره ومن يخطئ أنصحه، ولا يمكننى أن أصدر قانوناً يحرم شخصاً من إبداء رأيه، وكل عالم من حقه الاجتهاد، ولكن علينا كمؤسسات دينية، وكعلماء، أن نقدم النصح لمن يصدر الفتوى وأن نرده إلى الدين الصحيح”, كما رفضه الشيخ “السيّد عسكر” عضو مجلس الشعب والأمين العام المساعد السابق لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر مؤكداً أنه وزملاءه أعضاء الكتلة البرلمانية للإخوان، والنواب المستقلين سيقومون بالطعن في دستورية ما وصفه بـ”القانون المشبوه”.وشكّك “عسكر” في نوايا الحكومة من وراء تمرير مشروع القانون، وقال في تصريحات صحفية: “إنها تسعى من وراء إقراره إلى تحقيق أهداف سياسية، وإنه لا يهمها ولا يشغلها على الإطلاق حماية الدين أو الدفاع عنه”.وأضاف: “إن الهدف من ذلك هو تأميم الفتوى، وحصرها في مشايخ السلطة والعلماء الذين يدورون في فلكها ويتقرّبون إليها، بعدما ضاق صدر الحكومة من آراء الفقهاء أو الفتاوى التي تخالف سياستها”.و يثير القانون المقترح العديد من الاشكاليات الواقعية و القانونية و السياسية و الفقهية. فعلى صعيد الإشكاليات الواقعية كانت أبرز الفتاوى التي أثارت استياء الرأي العام في العامين الآخيرين هي:1- “فتوى تحريم الخروج في المظاهرات” و التي أفتت بها الدكتورة سعاد صالح عميدة إحدي كليات جامعة الازهر. 2- “فتوي ارضاع المرأة زميلها في العمل” أفتى بها الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر.3- “فتوي التبرك ببول النبي صلى الله عليه و آله و سلم” أفتى بها مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة.4- “فتوي جواز افتتاح الفنادق لحمامات سباحة تخصص لاستحمام المرأة باللبن” أفتى بها مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة أيضا.و كلها مصدرها علماء من كبار الأكاديميين في الأزهر الشريف و ليس دعاة الفضائيات الذين يسن القانون الجديد لإسكاتهم.أما على صعيد الإشكاليات القانونية فإن القانون المقترح يخالف الدستور المصري, فالدستور المصري يؤكد على حرية التعبير عن الرأي وعدم جواز تقييد هذه الحرية مهما كانت الأسباب؛ حيث تنص المادة 47 من الباب الثالث من الدستور تحت عنوان “الحريات والحقوق والواجبات العامة” على أن “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالأقوال أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون؛ لأن النقد الذاتي والنقد البناء ضمانة لسلامة البناء الوطني”.كما يخالف هذا القانون المواثيق الدولية لحقوق الانسان و هي مواثيق ملزمة لكل دول العالم بما فيها مصر, حيث تنص المادة 18 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنها بالتعليم أو الممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها، سواء أكان ذلك سرا أو مع جماعة.أكما تنص المادة 19 منه على أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق آراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، ودون تقيد بالحدود الجغرافية”.و بناء على ذلك فيمكن لأي متضرر من هذا القانون أن يطعن بعدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية العليا في حال صدوره لمخالفته للدستور و للمواثيق الدولية لحقوق الانسان التي وقعت عليها مصر فصارت في قوة الدستور.أما الإشكاليات السياسية التي يثيرها القانون فهي كثيرة فمنها أن كل المعارضين للقانون سينظرون له على أنه تكميم للأفواه لمصلحة الحكومة مما سيعني معارضة شديدة للقانون على أرض الواقع عبر كسر الدعاة و العلماء الذين يستهدفهم القانون للحظر الذي تريد الحكومة فرضه, فهذا القانون في حال السعي لتطبيقه سيصطدم بواقع مستقر على نطاق واسع جدا واقع إجتماعي و سياسي و ديني, ففئات إجتماعية واسعة ترتبط بمئات الدعاة و العلماء من غير الأزهريين و تتواصل معهم عبر الإنترنت و الفضائيات و شرائط الكاسيت بعدما أغلقت أجهزة الأمن المساجد في وجوههم بدعوى عدم الحصول على تصريح وزارة الأوقاف, و هذه الفئات تصم آذانها إزاء كل ما هو حكومي في مجال الفتوى و شئون الدين و لن تستسلم لأي حظر حكومي إزاء من يثقون فيهم من الدعاة, فماذا ستفعل الحكومة لو أصدرت القانون؟؟من المرجح أن هذا القانون ستصدره الحكومة و من المرجح أيضا أنها لن تطبقه حرفيا خاصة في البداية بل سينضم إلى ترسانة القوانين سيئة السمعة كقانون الإشتباه و قانون العيب و غيرهما, و تظل الحكومة محتفظة به في غمده مع سائر القوانين القمعية لتشهره من حين لآخر بشكل انتقائي ضد الحالات الأخطر بالنسبة لها من الدعاة المعارضين لها, و من ثم يتحسس بقية الدعاة رقابهم أثناء إصدارهم الفتاوى خشية أن تطالها صولة هذا القانون, فيتم تدجينهم (لا قدر الله) بالتدريج فينحسر بالتالي الواقع الاجتماعي الحالي المرتبط بالدعاة و يضعف فتتمكن الحكومة حينئذ من السيطرة عليه, و هكذا ستلتف الحكومة على فورة حماس المعارضين حاليا للقانون و الذين هدد بعضهم بالإعتصام أمام مجلس الشعب بينما هدد أكثرهم بكسر الحظر الذي سيفرضه هذا القانون و لو أدى بهم ذلك إلى السجن.أما الإشكاليات الفقهية أمام هذا القانون فهي كثيرة جدا و جوهرية, و منها أن الاسلام دين فيه قدر كبير من الحرية الدينية و التسامح مع الخلاف الديني و الفقهي فلم يحدد جهة واحدة تحتكر هي الكلام في الدين و الفقه و تحجر على غيرها ذلك, صحيح أن هناك مقومات و شروط للفتوى و المفتي لكن هذه الشروط و المقومات ليست بالضيق و الحجر الإحتكار الذي تهدف إليه الحكومة من سن هذا القانون.و لابد أولا أن نفرق بين الفتوى و بين مطلق الكلام في الدين أو في الشئون العامة انطلاقا من الدين, فالفتوى هي رأي فقهي في واقعة جديدة ليس لها مثيل في نصوص القرآن أو نصوص السنة, و هذا ما يسمى إجتهادا في الفقه أو في الدين و هو له شروطه و مقوماته العلمية الي ينبغي توافرها في المجتهد أو الفقيه الذي يقوم بعملية الإفتاء هذه و سنأتي لتفصيل ذلك فيما بعد.أما لو أن للواقعة مثيل في القرآن أو في الحديث فإن المتكلم أو المبلغ لحكم الدين فيها لا يعتبر مفتيا لأنه مجرد ناقل لآية قرآنية أو حديث نبوي, و هذا ليس له شروط ذات بال لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال “بلغوا عني و لو آية” و قال صلى الله عليه و آله و سلم أيضا: “نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا ، سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ”, فتبليغ شئون الدين الثابتة في الكتاب و السنة لا شروط لها إلا جودة الذاكرة أي القدرة على الحفظ فقط, فهل يحتاج أحد لتصريح ليعمل بهذين الحديثين اللذين يأمران بتبليغ تعاليم الاسلام؟؟و كذلك الكلام في الشئون العامة كأزمة غزة و فلسطين أو حقوق الإنسان و الحريات وغيرها من القضايا العامة السياسية, و كذلك القضايا الاقتصادية كأزمة إحتكار رجال الأعمال للعديد من السلع, أو القضايا الثقافية كهبوط مستوى العديد من الأعمال الفنية و إسفافها أو تدني مستوى التعليم و غير ذلك من القضايا العامة لا يمكن القول أن على من يتعرض للكلام بشأنها من منطلق ديني لابد أن يكون مستجمعا شروط المفتي و حاصلا على إجازة الإفتاء أو تصريح وزارة الأوقاف الذي هو تصريح مباحث أمن الدولة, فهذا شئ لم يحدث أبدا عبر التاريخ الاسلامي بكل عصوره سواء منها العصور المزدهرة أو العصور المظلمة على حد سواء. وحتى الإفتاء في الأمور التي لم يرد فيها نص من قرآن أو سنة فهذا فيه نوع من النقل أيضا, ذلك أن كتب الفقه القديمة و الحديثة فيها ملايين الفاتوى الجاهزة بشأن العديد من الأمور التي حدثت منذ موت النبي صلى الله عليه و آله و سلم و حتى الآن, و كل الفقهاء مجمعين منذ القدم و حتى الآن (بما في ذلك الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية) على أنه يجوز لكل أحد عنده القدرة على قراءة هذه الفتاوى و نقلها أن يقرأها و ينقلها لمن سأل عن حكم أمر تتعلق به هذه الفتوى الموجودة في كتاب, و لا يشترط في هذا الذي ينقل أن يكون مفتيا مستجمعا شروط المفتي و لا مقومات المجتهد.و بذا تنحصر الفتيا التي تستلزم شخصا ذا سمات معينة و شروط محددة في مجالات ضيقة, و لا تستلزم إصدار قانون قمعي بوليسي لحصرها, ليس فقط لأنها مجالات محدودة و لكن أيضا لأن الحكام في العالم الاسلامي منذ عصر الخلفاء الراشدين و مرورا بعصور الأمويين و العباسيين و المماليك و العثمانيين و الطوائف و الأيوبيين و جميع الملوك و الأمراء و الحكام الذين حكموا العالم الإسلامي على مر العصور لم يجرؤ أحد منهم على العصف بحرية التعبير الفقهي و الديني عبر آلية محكمة مثل هذا القانون المزمع إصداره.و لابد أن نلاحظ أن التسامح مع التنوع و الحرية الفقهية التي تمثل الفتوى أبرز صورها لا تعني الفوضى, و إصدار الفتوى من قبل كل من هب و دب, و لكن الضابط الذي حدده أكثر الفقهاء لضبط إيقاع الفتوى هو ضابط الرأي العام …. الرأي العام لدى الفقهاء الذين يلفظون بأرائهم كل من أفتى بغير علم أو كثر خطأه أو غفلته و سوء تقديره للأمور….. و الرأي العام للمجتمع ككل الذي يترقب رأى الفقهاء العام و يتلقفه ليتمكن من تمييز الطيب من الخبيث من بين المتكلمين في الفقه و الدين.أما الآلية التي يريد أن يحددها القانون المزمع إصداره فهي آلية لا تتفق مع جوهر و و مقصد الفقهاء من إطلاق حرية التعبير و البحث الفقهي, لأن الفقهاء عندما ذكروا ضابط الرأي العام ذكروا أن هناك طريق آخر لتحديد الفقيه الذي تتوفر فيه شروط الإفتاء و هو طريق إمتحان المفتي و إجازته من قبل العلماء الأقدم منه, و لكنهم مع ذلك حددوا طريق الرأي العام بين مجتمع العلماء كطريق أخر, فلو قال أنصار القانون المزمع أن العصر تقدم و لابد من الإمتحان و الإجازة فيقال لهم لقد كان الإمتحان و الإجازة موجودان في الماضي و مع ذلك أباح الفقهاء ظهور المفتي عبر قبول الرأي العام لمجتمع العلماء له و ذلك حفاظا على حرية البحث الفقهي و حرية التعبير عن الرأي الفقهي لئلا يصبح الفقه فقه حاكم أو صاحب سطوة. صحيح أن بعض الفقهاء الأحناف قد نصوا قديما على جواز منع إفتاء من أسموه بالفقيه الماجن أي الذي يفتي بغير علم, و لكن هذا رأي فريق محدود أولا, و ثانيا ما هي الضمانات التي تكفل سلامة التطبيق في ظل الإتجاه القمعي البوليسي الذي يسير وفقه نظامنا الحاكم و الكثير من النظم الحاكمة في العالم الاسلامي و التي تريد عبره مصادرة الدين و احتكاره لصالحها و تكميم أفواه كل معارضيها بدعاوى متعددة.ثم إذا حجر نظامنا الحاكم على الفقيه الماجن فمن يحجر على مجون نظامنا الحاكم الذي ولى نفسه هذا الحكم بالقمع و التزوير؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في العدد الأسبوعي من جريدة الدستور بالقاهرة 18 فبراير 2009 .

صواريخ المقاومة في غزة .. صورة أرشيفية

في غزة .. الأرقام تدحض حديث المرجفين

مازال المرجفون يهونون من إنجازات المقاومة الفلسطينية المحاصرة بشكل كامل منذ ثلاث سنوات و يطعنون في حقيقة النصر الكبير الذي حققته بقدر الله تعالى و فضله و إلى أعداء و أحباب المقاومة الفلسطينية على حد سواء نقرأ معا الأرقام التالية فالأرقام كما يقال لا تكذب:

أعلنت كتائب القسام (و هي الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) أنها تمكنت من إطلاق 980 صاروخاً وقذيفة، خلال الحرب، منها: 345 صاروخ قسام و 213 صاروخ جراد، و 422 قذيفة هاون.

و تصدت كتائب القسام للدبابات والآليات الصهيونية التي توغلت بـ 98 قذيفة وصاروخاً مضاداً للآليات، وتم استخدم بعض الصواريخ المضادة للدروع لأول مرة في قطاع غزة.كما فجرت كتائب القسام 79 عبوة ناسفة في الجنود الصهاينة والآليات المتوغلة.

ونفذت القسام 53 عملية قنص لجنود، وتم توثيق العديد من هذه العمليات وشوهد الجنود الصهاينة وهم يتساقطون أمام كل العالم.

و تم تنفيذ 12 كمينا محكما في مناطق التوغل، تم فيها مهاجمة جنود الاحتلال وقواتهم الخاصة، إضافة إلى 19 اشتباك مسلح مباشر مع قوات العدو وجها لوجه.و أيضا تم تنفيذ عملية استشهادية تفجيرية واحدة ضد قوات العدو.كما دمرت كتائب القسام بشكل كلي أو جزئي 47 دبابة وجرّافة وناقلة جند متوغلة في غزة.

و أيضا تمكنت كتائب القسام من إصابة أربع طائرات مروحية وطائرة استطلاع واحدة”.

و من ناحية أخرى قالت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى و هي الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنها تمكنت من استهداف الاحتلال الصهيوني خلال فترة العدوان بحوالي 174 صاروخًا، بالإضافة إلى 62 قذيفة هاون , و خاض مقاتلو كتائب الشهيد أبو علي مصطفى 11 مواجهة مسلحة مع جنود الاحتلال الصهيوني، بالإضافة إلى نجاح عناصرها في تفجير سيارة مفخخة بالتعاون مع كتائب شهداء الأقصى.

كما أن كتائب أبو على مصطفى شنوا 35 عملية استهداف لجنود وآليات الاحتلال من دبابات وجرافات بصواريخ وعبوات ناسفة وقذائف بي7 وبي 27 و آر بي جي.

و في نفس السياق ذكرت سرايا القدس الجناح العسكري لتنظيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني أنها نجحت في إطلاق 235صاروخ من طراز “قدس” وقذيفة “هاون” باتجاه المواقع والتجمعات والمغتصبات الصهيونية.

وقد أطلقت سرايا القدس 77 قذيفة “هاون” استهدفت موقع ميجن العسكري وكوسوفيم وتجمعات للآليات في شمال ووسط وشرق وجنوب القطاع، حيث أدت لإصابة عدد من الجنود الصهاينة.

و نجح مقاتلو السرايا في إطلاق 27 قذيفة (أر بي جي)، وتفجير 35 عبوة ناسفة بآليات وناقلات الاحتلال، وقواته الخاصة، وقنص سبعة جنود وخوض اشتباكات عنيفة في عدة محاور، مما نجم عنه مقتل 18 جنديًا وإصابة 56 آخرين.

الفتنة الطائفية فى مصر - صورة أرشيفية

مصر و الفتنة الطائفية .. إلى أين؟

تصاعدت حدة التوتر الطائفي في مصر في الأونة الأخيرة بين المسلمين و الأقباط، فلا يكاد يمر أسبوع في مصر الا و يحدث فتنة طائفية ما في قرية أو مدينة ما من قرى او مدن مصر، و يسهل على أي مراقب أن يتابع التوترات الطائفية بشكل يكاد يكون يومي عبر وسائل الاعلام المتعددة التي باتت تتناول هذا الشأن بصراحة كبيرة.

و تعتبر المعارك الكلامية من أخطر هذه التوترات، اذ أصبحت القضايا الطائفية يجري طرحها بصراحة و حدة كبيرة فخرج المشهد عن الصياغات الدبلوماسية و تعبيرات المجاملة التى كانت سائدة في الماضي إلى المطالب الطائفية الصريحة من قبل المسيحيين، و الاتهامات الطائفية الخطيرة جدا من جانب المسلمين.

فنجد من الأقباط من يعلن صراحة رفض تطبيق الشريعة و رفض النشاط السياسي للاخوان و يبرر تكتل الطائفة القبطية وراء زعامة بطريرك الأقباط شنودة الثالث بسبب شعار “الاسلام هو الحل” و بسبب نشاط الاخوان المسلمين السياسي و دخولهم مجلس الشعب.

و نجد من المسلمين من يهاجم الأقباط و يتهمهم بالسعي لحكم مصر عنوة كما يتهمهم بالتدريب على السلاح و تخزينه ليوم حرب أهلية طائفية منتظرة بسبب رغبة الأقباط في اطلاق شرارتها بمساندة الولايات المتحدة و الغرب.

و تعتبرشبكة الانترنت ميدانا هاما من ميادين التوتر و الصراع الطائفي المتأجج بين المصريين من مسلمين و أقباط ليس فقط على المدونات و موقع الفيس بوك و المنتديات و البالتوك والمجموعات البريدية و لكن أيضا في مجال التعليق على الكتابات المختلفة في سائر المواقع الالكترونية لسائر وسائل الاعلام.

و تأتي خطورة هذه المعارك الكلامية من أن أطرافا ليبرالية ذات شأن لم تكن محسوبة في يوم من الأيام على الحركة الاسلامية باتت تنتقد زعامة الأقباط و ممارستهم السياسية، و من أبرز هذه الأطراف في الأونة الأخيرة طارق البشري و فهمي هويدي و مصطفى بكري و ابراهيم عيسى، و كان الأخير قد دعا شنودة الثالث لفتح باب الكنيسة ليخرج منها الأقباط إلى الوطن بدل من ان يخرجوا من الوطن ليدخلوا الكنيسة.

و قد أصابت انتقادات هذه الرموز الفكرية و السياسية الليبرالية الأقباط بتوتر شديد جدا لأن الليبرالين مازالوا ورقة التوت التي يخفي بها كثير من الأقباط مطالبهم الطائفية.

الشريعة الاسلامية - صورة تعبيرية

أغلبية الأقباط يؤيدون تطبيق الشريعة الاسلامية في مصر

يؤيد 96.2% من المصريين تطبيق الشريعة الاسلامية في الحكم خاصة الحدود بينما يعارض تطبيقها 3.2%، و يطالب 64% من المصريين أن تكون الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد للتشريع.

هذا ما أكده استطلاعان للرأي أجريا على عينة متنوعة من الشعب المصري.

استطلاع المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بالقاهرة 

ففي استطلاع للرأي أجراه المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بالقاهرة، واعتمد على عينة تم انتقائها بدقة كي تكون ممثلة لكافة فئات و طبقات الشعب المصري، حول موقف الشعب المصري من تطبيق الشريعة الإسلامية و تحديدا الموقف من “الحدود”.

و قد بلغ حجم العينة التي أجريت عليها عملية استطلاع الرأي 2427 شخصا، منهم %93.3من المسلمين و6.3 % من الأقباط ، على اعتبار أن هذه هي نسبة الأقباط في اجمالي تعداد السكان الذي أجري عام 1976م، و قد تنوعت العينة لتشمل كافة الفئات من حيث الطبقة و العمر و التعليم و المهنة و الحالة الإجتماعية و محال الإقامة التي شملت القاهرة و الإسكندرية و بور سعيد و عواصم حضر بحري و عواصم حضر قبلي إلى جانب مواطن النشأة التي شملت ما سبق، بالإضافة إلى ريف بحري و ريف قبلي.

و رغم وجود جوانب عديدة للشريعة الإسلامية غير عقوبات الحدود، إلا أن هيئة البحث اختارت لسبب ما أن يدور بحثها حول الرأي في عقوبات الحدود الشرعية التي تتمثل في:

1- الزنا

2- القذف

3- شرب الخمر

4- السرقة

5- قطع الطريق

6- الردة (أي خروج المسلم من الدين الإسلامي).

 و قد طبع المركز القومي للبحوث نتيجة الإستطلاع في كتاب مكون من نحو 400 صفحة، و لكننا هنا لن نطيل على القارئ بذكر المؤشرات و الأرقام الكثيرة التي احتوتها هذه الدراسة القيمة، بل سنقتصر على ذكر أهم المؤشرات و الإتجاهات التي حوتها الدراسة و ما يدعمها من أرقام.

 ما هوالموقف من تطبيق الشريعة الإسلامية؟

وافقت أغلبية العينة الكلية على تطبيق الحدود و ذلك بنسبة 96.2% و عارض تطبيقها 3.2%، و في عينة المسلمين على حدة ترتفع نسبة الموافقين إلى 98% في مقابل 1.3% معارضون و 0.3% محايدون، أما عينة المسيحيين على حدة فإن نسبة الموافقة فيها تنخفض إلى 63% و ترتفع نسبة المعارضين إلى 31% و كذلك المحايدين حيث بلغت نسبتهم 6%.هل نطبق الشريعة فوريا أم تدريجيا؟

31% من العينة الإجمالية تقف مع التطبيق الفوري، بينما رأى 69% أن التطبيق يجب أن يكون تدريجيا.أما عينة المسلمين منفردة فنسبة المؤيديين للتدرج 69%، و نفس الشئ في عينة المسيحيين منفردة حيث أيد 68% منهم التدرج، لكن عينة المسلمين رأى 75% منهم أن هذا التدرج لا ينبغي أن يتجاوز 5 سنوات كحد أقصى للمرحلة الإنتقالية بينما أيد فكرة الخمس سنوات 69% فقط من العينة المسيحية.

الطبقة الإجتماعية و تطبيق الشريعة

 أيدت أغلبية الطبقة العاملة تطبيق الحدود بنسبة 90% أما أغلبية الكتابيين و الطلاب فايدت بنسبة 83% أما الإداريين و المهنيين فنزلت النسبة إلى 77%.لكن لماذا تطبيق الشريعة ؟ رأى البحث أن دوافع الموافقة لدى كل من المسحيين و المسلمين مختلفة فعلى سبيل المثال رأى 43% من المسلمين وجوب تطبيقها لأنها شريعة الله بينما رأى 23% من المسيحيين أنها شريعة الله.

هل يتم تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها أم مع غيرها من القوانين؟

رأى 65% من المسلمين تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها بينما رأى الباقون (35%) تطبيقها مع بعض القوانين الحالية بينما رأى 27% من المسيحين تطبيقها وحدها و إختار 73% من عينة المسيحيين تطبيقها مع بعض القوانين الحالية.

أما مبررات تطبيق الشريعة مع بعض القوانين الحالية فإن المسيحيين كانوا أميل لتقديم مبررات ذات طبيعة علمانية فكان ترتيب المبررات لديه كالآتي:

1- لأن بعض أفراد من الديانات الأخرى سيرفضون هذا التطبيق

2- لأن بعض القوانين الحالية تتفق مع الشريعة الإسلامية

3- لأنه من الصعب التخلي عن بعض القوانين المطبقة حاليا

4- حتى التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل للشريعة

5- حتى تتم معالجة أوجه القصور.و نذكر القارئ ان هذه هي آراء المسيحيين و ليس المسلمين.

كما يرصد البحث أن أول المبررات لدى المسيحيين كان يمثل أخرها لدى المسلمين، بينما كان أول المبررات لدى المسلمين (و هو: حتى يتم التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل) هو رابع المبررات لدى المسيحيين.لكن هل تطبيق الشريعة على كل جرائم الحدود أم على بعضها فقط؟؟

أيد 92.4% من المسلمين تطبيقها على كل الجرائم بينما انخفضت نسبة هذا التأييد لدى المسيحيين إلى 72%. وإذا طبقنا الشريعة فهل يتم تطبيقها على الجميع مسلمين و مسيحيين أم على المسلمين فقط؟

رأى 69% من المسلمين تطبيقها على الجميع، بينما رأى 31% تطبيقها على المسلمين فقط.كان هذا رأى الشعب المصري وفق استطلاع المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر.

استطلاع مؤسسة غالوب الأمريكية

أما مؤسسة غالوب الأمريكية فقد أجرت هي الأخرى استطلاعا أخر خلال لقاءات مباشرة مع عينة ضمت أكثر من 1800 من المصريين البالغين، وذلك خلال شهري مايو ويوليو 2007، كما شملت أكثر من 1000 تركي، خلال شهري مايو ويوليو 2007 أيضاً.

و أظهر الإستطلاع أن أكثر من 90% من الشعب المصري يؤيد تحكيم الشريعة الإسلامية، بينما يطالب ثُلثا المصريين تقريباً بجعلها المصدر الوحيد للتشريع.وبحسب الاستطلاع الواسع الذي أُجري في مصر وتركيا ومناطق أخرى، فقد جاء الشعب المصري في المقدمة من حيث المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية، حيث قال 91% من المصريين: إن الشريعة ينبغي أن يكون لها دور في تشريع القوانين، وهو رأي وافقهم فيه 90% من الأتراك.

وبحسب الاستطلاع الذي نشرت نتائجه وكالة أنباء “أمريكا إن أرابيك” فإن حوالي ثلثي المصريين (64 %) يعتقدون أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المصدر الوحيد للتشريع، وهو الرأي الذي عبّر عنه 7% فقط من الأتراك.لكن حوالي ثلث الأتراك (32 % فقط) رأوا أن الشريعة ينبغي أن تكون “أحد” مصادر التشريع، وهو ما أشار إليه أكثر من ثلث المصريين (35%).

كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع في هاتين الدولتين لديهم أفكار إيجابية عن الشريعة.

ومن بين المطالبين بأن تكون الشريعة أحد مصادر التشريع، رأى 97% من المصريين أن الشريعة توفر العدالة للمرأة، في مقابل 69% من الأتراك.

كما قال 85 % من المصريين المطالبين بأن تكون الشريعة مصدرًا من مصادر التشريع: إنها تحمي الأقليات، وهو ما دعمه 51% من الأتراك.

واعتبر 96% من المصريين من هذه الشريحة أن الشريعة الإسلامية تعزز من وجود نظام قضائي عادل، في مقابل 63% من الأتراك.وعبّر 97% من المصريين في هذه الفئة عن اعتقادهم بأن الشريعة تحمي حقوق الإنسان، وهو ما أشار إليه 62% من الأتراك.

كما قال 94% من المصريين المؤيدين للشريعة كأحد مصادر التشريع: إنها تعزز العدالة الاقتصادية، في حين انخفضت هذه النسبة إلى 55% بين الأتراك.

واعتبر 94% من المصريين في هذه المجموعة أن الشريعة من شأنها أن تقلل الجريمة في المجتمع، وهو نفس الرأي الذي عبر عنه 68% من الأتراك.

وأظهر الاستطلاع أن هؤلاء الذين يؤيدون تطبيق الشريعة كمصدر من مصادر التشريع لا يميلون إلى ربط الشريعة بأفكار سلبية.هذه هي ارادة أغلبية الشعب المصري و فق استطلاعات الرأي.

وهي ارادة ينبغي الإذعان لها إن كنا نتحدث عن أسلوب حكم ديمقراطي، و لكن دائما نجد من يزعم انه يتكلم باسم الشعب مدعيا تحقيقه لإرادة الأغلبية، لكنه في حقيقة الأمر لا يتحدث الا بلسان نفسه فقط.

إن رأي الشعب في تطبيق الشريعة قضية مغيبة عن النقاش الدائر حول تطبيق الشريعة، بل في بعض الأحيان زعم علمانيون أن الشعب لا يريد الشريعة.

النقاش حول تطبيق الشريعة في مصر والعالم الإسلامي

و في هذا الإطار نتابع دائما في مصر و في سائر أنحاء العالم الإسلامي نقاشا لا ينتهي و جدالا لا ينقطع بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع في الدول الإسلامية.

و إن كان الإسلاميون و العلمانيون هما طرفا النقاش فإن كلا الطرفين يدعي أنه يبتغي تحقيق مصلحة الشعوب العربية و الإسلامية و حمايتها من الديكتاتورية و حكم الإستبداد.الإسلاميون ألصقوا كل الشرور بالعلمانين بصفتهم استلموا الحكم في العالم الإسلامي منذ أتم تحرره من الإحتلال العسكري الغربي، و بالتالي فهم مسئولون عما آل إليه أمر الأمة منذئذ و حتى الآن.أما العلمانيون فظلوا يحذرون الأمة العربية و الإسلامية من شرور ما أسموه بالحكم الديني و الديكتاتورية و الإستبداد باسم الدين و الحكم الإلهي، لكن الاسلاميين ردوا عليهم بأن الحكم بالحق الالهي و الحكم الكهنوتي المرتكز على رجال الدين منافي لتعاليم الدين الاسلامي في نظام الحكم بل الحاكم في الاسلام مسئول أمام الشعب حتى قال قائل من الشعب لأفضل رجل في الأمة الاسلامية بعد رسول الله و هو أبو بكر الصديق “لو اعوججت لقومناك بسيوفنا” فامتدحه أبو بكر، كما لم يوجد أبدا في التاريخ الاسلامي نظام حكم قائم على الحق الالهي أو رجال الدين باستثناء نظرية المذهب الشيعي في الحكم و أتباعه أقل من 10% من تعداد كل مسلمي العالم، كما أنه لم يطبق في أرض الواقع الا في حالات قليلة.

كما أعلن الإخوان المسلمون أن الشريعة الإسلامية لا تتنافى مع الديمقراطية و أكدوا أنهم عندما يصلون للحكم بالإنتخاب فإنهم سيحكمون وفق قواعد الديمقراطية في اطار المرجعية الإسلامية.لكن العلمانيين قالوا أن الإسلاميين غير صادقين في توجههم الديموقراطي، و أن طرحهم للديمقراطية كأسلوب حكم مجرد ذريعة للإستيلاء على الحكم و بعدها سيمارسون الديكتاتورية الدينية و ينقلبوا على الديمقراطية.

و اعتبر العلمانيون أن معارضتهم لتطبيق الشريعة الإسلامية هو دفاع عن الديمقراطية و حقوق الشعب، و قالوا أيضا أنه دفاع عن العقل و العلم و حقوق الإنسان و حقوق الأقباط.وطالب الإسلاميون بالإحتكام لرأي الشعب في تحديد من يحكم البلاد و ذلك عبر صناديق الإقتراع في انتحابات حرة.

و رد العلمانيون بأنه من غير المنطقي أن نعطي فرصة لأعداء الديمقراطية للوصول للحكم عبر الديمقراطية لينقلبوا عليها بعد ذلك.

فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات

قلة نادرة من العلمانيين وافقوا على فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات، مثل نجيب محفوظ الذي أيد انشاء حزب اسلامي و رأى أن السماح بحزب للإسلاميين لا يمثل خطرا لأنهم لن يصلوا عبره للحكم لأن كل الأحزاب الأخرى ستتوحد في جبهة واحدة دفاعا عن العلمانية (عدم تطبيق الشريعة) لمنع وصول الإسلاميين للحكم و منع تطبيق الشريعة، و سينجح العلمانيون في منع تطبيق الشريعة، بينما سيفشل الإسلاميون في الإنتخابات حسب رأيه.و من العلمانيين من صرح بأن الشريعة غير مناسبة للعصر الحديث لأنها حسب رأيهم خاصة بزمان محدد و هو زمن النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم و مكان محدد هو شبه الجزيرة العربية و بيئتها القبلية و الصحراوية، و رد عليهم الاسلاميون بأن الاسلام صالح لكل زمان و مكان حسب نص القرآن {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107، و قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28، فكافة للناس تشمل جميع البشر في كل زمان ومكان، و كذلك رحمة للعالمين، فالعالمين تشمل كل البشر في كل زمان و مكان.كما كان بعض العلمانيين أكثر صراحة عندما انتقدوا أحكام الحدود في الشريعة الاسلامية و اعتبروها مهينة وغير انسانية، لكنهم لم يصغوا لردود الاسلاميين على هذا الاتهام، رغم أن الردود الاسلامية كانت واضحة و قوية حيث رأى الاسلاميون أن الحدود ليست هي كل الشريعة بل هي مجرد جزء من منظومة كبيرة ومتكاملة، و هذه المنظومة تعتمد على التربية النفسية و التنشئة الاجتماعية أكثر من اعتمادها على الحدود، بدليل أن الحدود لم تطبق في عصر النبي صلى الله عليه و آله وسلم الا نادرا، كما أن تطبيق كل حد له شروط تكاد تكون مستحيلة التحقيق في كثير من الأحيان، هذا كله فضلا عن القاعدة العامة و الأساسية في تطبيق الحدود و هو قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم “ادرأوا الحدود بالشبهات” بمعنى أن أي ظن يرد ببراءة المتهم في حد ما فانه يفسر لصالح براءته، و هذا كله يعزز فكرة أن الحدود هي أحد أدوات الشريعة لتقويم المجتمع و ليست هي الوسيلة الوحيدة، بل إن الوسائل الأخرى تحتل مكانة أكبر و أوسع من وسيلة اقامة الحدود، و ان كان هذا لا يقلل من اهمية الحدود كعقاب رادع يتم التلويح به وإن لم يطبق إلا قليلا، كما اعتبر الاسلاميون أن اتهام الحدود بأنها مهينة و غير انسانية هو طعن في ثوابت الدين الاسلامي الثابتة في القرآن الكريم، بل طعن في الدين نفسه لأن الله هو الذي شرعها والله نعالى يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك14، و يقول {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} فاطر31، فالله هو خبير بصير بعباده يعلم ما يصلحهم و قد أنزل شريعته وفق ما يصلحهم لا ما يهينهم أو ينتهك انسانيتهم، فما دام الأمر كذلك فالحدود لابد أنها غير مهينة و غير منافية لحقوق الانسان، لاسيما و أن الذين يعتبرونها مهينة انما ينظرون لمصلحة الشخص الذي سيقام عليه الحد و يهملون مصلحة المجتمع التي تضررت من جريمة هذا الجاني، خاصة أن إقامة الحد هي أخر المطاف في تقويم الجاني و ليس أوله.

الشريعة و استقلال القضاء

و ركز الاسلاميون في شرحهم لمنظومة الشريعة على جوانب متعددة مغايرة للحدود مثل استقلال القضاء و عدالته، و مثل العدالة الاجتماعية، و مثل الاقتصاد الاسلامي، و مثل التربية الاسلامية، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و مكافحة ظلم الحكام و الجهر بالحق في وجوههم، و قد اهتم الاسلاميون بذلك كثيرا حتى ان الدكتور على جريشة خصص جزءا من رسالته للدكتوراه لذلك تحت عنوان “شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها”، فضلا عن كتب كثيرة عامة في ذلك مثل “بينات الحل الاسلامي” للقرضاوي، و كتب اخرى كثيرة خاصة بأحد هذه الجزئيات مثل العدالة الاجتماعية أو الاقتصاد الاسلامي أو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و غيرها كثير.

لكن يبدو أن العلمانيين وجدوا أنهم سيخسرون لو أنهم استمروا في مناقشة أمر تطبيق الشريعة على هذا النحو فلجأوا لأسلوبين آخرين لمنازلة دعاة تطبيق الشريعة:

الأسلوب الأول- و قد تبناه العلمانيون ذوو الثقافة الدينية، و يتلخص هذا الأسلوب في التشكيك في العديد من مصادر الأحاديث النبوية و أقوال الصحابة لا سيما التي تفسر القرآن، و لم يكن غريبا أن ينصب الطعن على صحيح البخاري الذي يعتبر أهم و أصح كتاب لدى المسلمين بعد كتاب الله، لأنه لو انهدم أقوى كتاب سنة فلن يصمد أي كتاب سنة غيره، و لم ينزعج الاسلاميون و علماء الدين من رد حديث هنا أو هناك حتى لو كان صحيحا، لأن هذا الأمر رغم عدم موافقته للمعايير العلمية و الأسس الموضوعية للبحث في الدراسات الاسلامية فإنه ليس طريقا لهدم سائر الشريعة، لكن مكمن الخطورة الذي لاحظوه يرجع إلى أن هؤلاء الطاعنين يطعنون بلا قواعد و لا منهج محدد سوى موافقة الأمر لعقولهم كل حسب منطقه العقلي الخاص به، و من ثم فلو انتشر هذا المسلك فسيحكم كل شخص عقله في نصوص الشرع بلا مناهج بحث و بلا قواعد علمية موضوعية.. فقط وفق رأي الشخص الخاص و الذي يسميه العقلانية، و طبعا هذا الكلام غير موجود في أي علم في العالم فكل علم له قواعده و مناهج بحثه المتكاملة.. فكيف يكون الأمر في دين يتمتع بأرقى و أقوى مناهج بحث شهدها التاريخ.

ومن هنا فان الاسلاميين قالوا ان هؤلاء يريدون تقييم و نقد الاسلام وفق معايير لادينية، و الأجدر بهم بدل هذا التخفي بعباءة العقلانية أن يعلنوا أنهم يريدون تطويع الاسلام للعلمانية أو اللادينية.

الأسلوب الثاني- يقوم على المقارنة بين أقوال و برامج دعاة تطبيق الشريعة و بين المواثيق الدولية لحقوق الانسان و المعايير الديمقراطية الغربية، و الخروج من هذه المقارنة بالقول أن الدعوة لتطبيق الشريعة تقود إلى مخالفة للديمقراطية و حقوق الانسان بالمعايير الغربية و من ثم فينبغي رفض دعوة تطبيق الشريعة هذه.

و قد اهتم الاسلاميون بالرد على أهل الأسلوب الأول بينما أهملوا الرد على أهل الأسلوب الثاني.

و على كل حال فهذا الجدل المحتدم وصل لحد التراشق اللفظي الحاد بل وصل أحيانا لحد التكفير و القتل أو محاولة القتل (كما حدث مع فرج فودة الكاتب العلماني المشهور و مكرم محمد أحمد الكاتب الصحفي المعروف)، و لكن رغم سخونة هذا الجدل فإن رأي الشعب المصري بمسلميه و أقباطه ظل غائبا أو مغيبا عن ساحة الصراع الفكري حول هذه القضية خاصة من قبل العلمانيين الذين زعموا دائما حرصهم على المصلحة العامة و حقوق الإنسان و مع ذلك لم يسعوا يوما للإستماع إلى صوت الشعب الذي يزعمون الدفاع عنه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الموضوع نشرته في جريدة الدستور المصرية (العدد الأسبوعى) ثم فى موقع لواء الشريعة و مدونتي القديمة.

أسامة بن لادن

رسالة أسامة بن لادن حول الرسوم المسيئة .. ما أهميتها؟؟

أطلقت مؤسسة سحاب (الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة) بالأمس تسجيلا صوتيا لأسامة بن لادن استغرق خمس دقائق و صحبته صورة حديثة لبن لادن يمسك ببندقية هجومية حديثة, و قد هاجم بن لادن في رسالته الصوتية الاتحاد الأوروبي بسبب الرسوم المسيئة للرسول الكريم, وخاطب بن لادن من وصفهم بالعقلاء في الاتحاد الأوروبي، قائلا “إن نشر تلك الرسوم هدفه اختبار المسلمين في دينهم، والجواب هو ما ترون لا ما تسمعون فلتثكلنا أمهاتنا إن لم ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
وانتقد أسامة بن لادن التذرع بحرية التعبير لنشر الرسوم قائلا: “لا داعي إلى التحجج بقدسية حرية التعبير عندكم وقداسة قوانينكم وأنكم لن تغيروها، وإلا فعلى ما تم إعفاء الجنود الأمريكيين من الخضوع إلى قوانينكم فوق أرضكم، وعلى ما تقمعون حرية من يشكك في أرقام حادثة تاريخية”, مشيرا بذلك للمحرقة النازية لليهود.
وانتقل بن لادن بعد ذلك للهجوم على العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز قائلاً: “ثم إنكم تعلمون أن هناك رجلا واحدا يستطيع أن يوقف هذه الرسوم لو كان الأمر يعنيه وهو الملك غير المتوج في الرياض، والذي كان أمر بإيقاف هيئاتكم القانونية عن العمل بشأن التحقيق باختلاس المليارات من صفقة اليمامة.”
وأضاف زعيم القاعدة في تسجيله الصوتي أن “العداء بين البشر قديم ولكن عقلاء الأمم حرصوا في جميع العصور على الالتزام بآداب الخلاف وأخلاق القتال، إلا أنكم في صراعكم معنا تخليتم عن كثير من أخلاق القتال عمليا وإن كنتم ترفعون شعاراتها نظريا”.
وتابع قائلا إن أوروبا تستهدف عن عمد النساء والأطفال المسلمين “مجاراة لحليفها الذي أوشك هو وسياساته العدوانية على الرحيل من البيت الأبيض”، في إشارة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش.
كما شن بن لادن هجوما على بابا الفاتيكان بسبب ما اعتبره بن لادن دورا له رئيسي في حملة الرسوم المسيئة, ولذلك هاجم الذين يسعون للحوار مع الفاتيكان و اعتبر أنه لاجدوى من أي حوار معه.
و كالمعتاد اختلفت و تعددت أراء المراقبين بشأن الأهداف و المعاني التي تتضمنها هذه الرسالة المسجلة, فالبعض اعتبروها تشير إلى الإعداد لهجوم وشيك من القاعدة على أى من أقطار الإتحاد الأوروبي خاصة الدانمارك صاحبة الرسوم المسيئة, و البعض رأى أنها تتضمن أيضا رفضا للحوار مع الفاتيكان الذي يقوم به عدد من القيادات الإسلامية, و دعوة لهذه القيادات بمواجهة ما يعتبرهم أعداء للإسلام بدلا من محاورتهم.
و البعض قال إن الهجوم المرتقب على أوروبا ليس وشيكا فالرسالة في رأي هذا الفريق من المراقبين لا تشير لأي إطار زمني رغم أن التهديد فيها واضح, و اعتبروا أن الرسالة مجرد تحفيز لأنصاره ليضربوا أوروبا خاصة في الدانمارك.
و مما لاشك فيه أن هذه التحليلات تعبر في معظمها عن سوء الفهم السائد لدى دوائر تحليل الحركات الإسلامية لاسيما المراكز الغربية منها, ومما لا شك فيه أيضا أن بن لادن لا يأمل في أي استجابة من القيادات الإسلامية التي يهاجمها بسبب سكوتها على الرسومات المسيئة للرسول وبسبب حوارها مع الفاتيكان, لكنه يريد بذلك أن يحرج هذه القيادات أمام الجماهير كي تمتنع عن تأيد هؤلاء القادة و تتوجه لتأييد القاعدة.
كما أن رسائله الموجهة لأوروبا ليس الغرض منها إقناع الإدارات الأوروبية بتغيير سياساتها بقدر ما هو الغرض منها مخاطبة اليسار الأوروبي و القوى المناهضة للعولمة وللحروب الأمريكية على العراق و أفغانستان و نحوها من القوى المحبة للسلام و حوار الحضارات و هو ما يعد تطورا هاما في خطاب القاعدة و رغم أنه بدأ من فترة إلا أن مساحة الاهتمام بمخاطبة هذه القوى زادت في هذه الرسالة.
أما عن توقيت أي عملية مرتقبة للقاعدة ضد الدانمارك أو مصالحها في أي مكان في العالم فأنا أرى أنه وشيكا جدا ما لم يحدث ما يعطلها في لحظتها الأخيرة, بل ربما تقع هذه العملية يوم ميلاد النبي محمد (ص) أو قريبا منه, كتعبير رمزي من تنظيم القاعدة عن الوفاء للنبي محمد بلغة تنظيم القاعدة, و هذا ليس رجما بالغيب إنما فهما دقيقا من قولة بن لادن في رسالته “و الجواب ما ترون لا ما تسمعون” و هي كلمة قالها الخليفة العباسي المعتصم بن هارون الرشيد عندما حرك جيوشه ضد الإمبراطورية الرومانية نصرة لأسيرة مسلمة لديهم استغاثت بالمعتصم و عندما كتب المعتصم هذه المقولة للروم حرك قواته فورا و حرر الأسيرة واحتل بلاد شاسعة تابعة للروم, و هذه الواقعة مشهورة و محبوبة لدى الحركات الإسلامية بكافة اتجاهاتها الفكرية و تعبر لديهم عن اقتران الأقوال بالأفعال لدى القادة السياسيين في العصر الذهبي لتاريخ الإسلام حسب تصورهم.
يشار إلى أن آخر رسالة لبن لادن الذي يشتبه بأنه مختبئ في مكان ما على الحدود بين أفغانستان وباكستان تعود إلى 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي حذر فيها المسلمين من تقديم أي دعم للحكومة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة ووعد بـ”تحرير فلسطين”.