تطبيق الشريعة الاسلامية

تحكيم الشريعة الإسلامية في مصر… رد على ماجد عطية

وصلنا من الأستاذ ماجد عطية (رئيس تحرير جريدة وطني سابقا) تعليقا على موضوع “63% من المسيحيين يؤيدون تطبيق الشريعة الاسلامية”، فوجدنا أنه من حق القارئ علينا أن نعلق على التعليق في نقاط حتى تزداد الأفكار وضوحا على النحو التالي:

أولاً: ركز الأستاذ ماجد في تعليقه على أن استطلاع الرأى الذي ذكرناه في الموضوع قديم جدا و يرجع لعصر الرئيس السادات و يرتكز على أهوائه في اظهار الدولة على أنها اسلامية، و الحقيقة أن استطلاع الرأي لم يبدأ العمل في اعداده أيام السادات بل بدأ تحديدا عام 1982م و تم الانتهاء منه عام 1984م ثم جرى نشره عام 1985م، فهو ليس بالقدم الذى ذكره أ/ ماجد، كما أنه في عصر الرئيس مبارك، وقد سقط سهوا تاريخ الاصدار (1985م) أثناء تحرير الموضوع، و لم نعتمد على هذا الاستطلاع وحده بل اعتمدنا على استطلاع حديث جدا أجراه معهد جالوب الأمريكي وهو قد أجرى فى صيف 2007 وأعلن عنه هذا الصيف 2008م في كثير من وسائل الاعلام فلو أن علة الرفض عند أ/ ماجد القدم فها هو الحديث يؤيد القديم.

ثانياً: من مرتكزات ماجد عطية في الطعن على تقرير المركز القومي للبحوث كون الذى أشرف على البحث «صلاح عبد المتعال» و هو من الاخوان المسلمين حسب قوله، لكن حقيقة الأمر أن الذي أشرف على البحث الدكتور “أحمد المجدوب” و ليس “صلاح عبد المتعال” و يمكن للأستاذ ماجد أن يرجع لسجلات المركز ليطمئن قلبه. ثالثا: استدل ماجد عطية على صحة طعنه في البحث أن جريدة الدعوة الناطقة بلسان الاخوان قد احتفت بالبحث، و رغم أن هذا خطأ واضح في الاستدلال، إلا أنه فاته أن جريدة الدعوة كان قد صادرها الرئيس السادات في 5 سبتمبر 1981م أي قبل صدور البحث بأكثر من أربع سنوات، فكيف تحتفي بالبحث و هي موقوفة؟!

ثالثا: إذا كان الأستاذ قد ذكرنا مشكورا بأصول العلمية والمهنية فقد كان عليه أن يرفق برده صورة من غلاف وصفحة مجلة الدعوة التى قال أنها رحبت بالتقرير (رغم تأكيدنا الجازم أن هذا العدد غير موجود أصلا) فضلاً عن أن ترحيب أى وسيلة إعلام بخبر ما لا يعنى نفيه أو تكذيبه بل العبرة بالواقع الحقيقى وليس بمن أيد أو رفض.

رابعاً: ألمح أ/ ماجد بما يشبه التصريح فى رابعاً إلى فبركة الاستطلاع ولم يذكر لنا دليلاً واحداً على ذلك.

وطبعاً ليس من المفيد أن ننفى بغير دليل واقعة ثابتة فالاستطلاع صدر باسم المركز وطبعه ووزعه المركز فلابد لمن يريد أن يطعن فيه أن يأتى بدلائل تفوق ذلك قوة مثل استطلاع آخر أجراه مركز أخر بنفس قيمة وموضوعية مركز البحوث و تكون نتيجته مختلفة.

خامساً: تطرق أ/ ماجد لما أسماه بعربدة التطرف فى طول البلاد وعرضها، ورغم خلافنا مع ما طرحه من كون سلاح المتطرفين قد وجه فقط للمسيحيين بينما الحقيقة أن أغلب من تم قتلهم هم من المسلمين سواء الشرطة أو الإداريين أو أبناء الجماعات الاسلامية نفسها أو حتى المارة فى الشارع ولم يكن هذا السلاح يستهدف بالأساس المسيحيين بعكس ما قاله أ/ ماجد وبعيداً عن الدخول فى مناقشة هذه القضية فنحن نسأل أ/ ماجد ما علاقة ذلك باستطلاع رأى جميع الشعب (مسلمين و مسيحيين) عن تطبيق الشريعة و كلامنا لا علاقة له لا بتطرف ولا بفتنة طائفية نحن نتكلم عن رأى الشعب ولو كان رأى الشعب غير هذا لذكرناه فنحن لم نوجه الشعب لرأى بل ذكرنا رأيه بكل تجرد.

سادساً: وهذا يدفعنا لأن نوجه لـ أ/ ماجد سؤالاً مشروعاً مشوباً بريبة مشروعة أيضاً وهو أننا اعتمدنا فى ذكر رأى الشعب على تقريرين الأول للمركز القومى للبحوث الاجتماعية «وهو مركز أكاديمى تابع للحكومة المصرية» والثانى تقرير مركز جالوب الأمريكى ذى الشهرة والثقة العالمية الواسعة فلماذا ركز فى رده على المصرى ولم يرد بكلمة على تقرير مركز جالوب الذى أتى بنفس النتائج هل لأن مركز جالوب أمريكانى ولا يمكن همزه ولمزه بالولاء للإخوان المسلمين أو غيرهم؟!

على العموم نحن نعتبر أن عدم رده على تقرير جالوب يعني أنه موافق عليه وهذا التقرير رأى أن 91% من المصريين يؤيدون تطبيق الشريعة واعتبر 85% من المؤيدين هؤلاء أن الشريعة تحمى حقوق الأقليات ورأى 97% منهم أنها تحمى حقوق الإنسان، فهل معهد جالوب أيضاً يشرف عليه واحد من الإخوان المسلمين يا أستاذ ماجد؟!!

سابعاً: أما واقعة الحوارات التى أجراها مع المستشار مأمون الهضيبى رحمه الله وممثلى الإخوان المسلمين فهذه رغم أهميتها التاريخية ليست لها علاقة بما نشرناه عن رأى الشعب وتوجهاته إزاء تطبيق الشريعة فكون الإخوان استشهدوا بتقرير فهو أمر لا يقدح فيه كما أنه لا دخل له بما نشرناه لأن هذا الحوار كله يرجع تاريخه لما بعد التقرير ربما بعشر سنوات كما أن حوار فريق من الإخوان مع فريق من الأقباط لا يقدح فى تقرير شبه رسمى وتقرير أخر دولى عن اتجاهات عامة الشعب وهذا أشرنا له فى الثلث الأخير من موضوعنا إذ قلنا أن النخبة من الإسلاميين والعلمانيين يتحاورون ويتجادلون فكرياً حول تطبيق الشريعة الإسلامية دون أن يلتفتوا أو يضعوا فى حسبانهم رأى الشعب واتجاهاته ورأى الشعب هو صميم الديمقراطية.

ومع ذلك وقع أ/ ماجد فى نفس الخطأ عندما حاول أن يجرنا لجدالات فكرية بين أقباط وإخوان مسلمون، و هؤلاء مهما كانت مكانتهم فهم جميعاً يمثلون نخبة فكرية من الأقباط والإسلاميين ولا يجوز لأي نخبة (مسلمة أو قبطية) أن تحجر على رأى أغلبية الشعب مسلمين وأقباط واتجاهات هذه الأغلبية المسلمة والمسيحية على حد سواء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبته فى الأصل للعدد الأسبوعى من جريدة الدستور المصرية ونشر بها كما نشرته في مدونتى القديمة.

حسنى مبارك

مستقبل العمل السياسى للحركات الإسلامية في مصر

قاطع الإخوان المسلمون انتخابات اتحاد طلاب الجامعات بسبب الضغوط الأمنية، و قبل ذلك قاطعوا انتخابات المحليات.

و من قبل ومن بعد فإن كثيرا من النقابات المهنية المصرية تقبع منذ سنوات تحت ما يسمى بالحراسة القضائية ومن ثم السيطرة الحكومية عليها، وهي النقابات التي يمارس الإخوان المسلمون العمل السياسي من خلال خوض انتخابات مجالس إدارتها والتحرك من خلالها.

هذا عن الإخوان، أما السلفيون، فإن غالبية مجموعاتهم لا تمارس العمل السياسي، و المجموعات القليلة التي كانت تمارس شيئا من العمل السياسي عبر انتخابات اتحادات الطلبة وكذا النقابات المهنية تراجعت تماما عن المحاولة في هذا المجال بعد أن رأت انسداد الأفق السياسي بالدرجة التي دفعت الإخوان – وهم الأقوى والأكثر خبرة- للانسحاب من هذه العملية.

و لم يبق لهذه المجموعات السلفية المسيسة من العمل السياسي سوى الكلام في شئون سياسية عامة من منظورها الإسلامي عبر دروسهم المسجدية المحدودة، ومواقعهم على شبكة الانترنت وشرائط الكاسيت، لاسيما و أن هذه المجموعات السلفية المسيسة ليس لها موضع قدم على الفضائيات الإسلامية المصنفة على أنها سلفية.

بقى التيار الجهادي و الذي خرج من الساحة السياسية في مصر منذ سنوات لعدة أسباب، فتنظيم الجهاد المصري ابتعد منذ سنوات طويلة عن أي ممارسة للعمل السياسي السلمي و التصق أكثر فأكثر بالعمل المسلح، و صاحب ذلك تدهور قوته تنظيميا وانحسار ما كان قد تمتع به من شعبية وجماهيرية إثر نجاحه في اغتيال السادات، ومن ثم انزوى تنظيم الجهاد ولم يعد له أي وجود حقيقي في الساحة السياسية أو الإسلامية المصرية.

تنظيم القاعدة الذي ربما صار له موضع قدم في مصر – على حساب تنظيم الجهاد المصري- ليس لديه رغبة و لا إمكانات لخوض غمار العمل السياسي في مصر ولا غيرها حتى الآن.

أما تنظيم الجماعة الإسلامية فقد حزم أمره بعدما طرح ما أسماه مبادرة وقف العنف منذ أكثر من عشر سنوات بالبعد عن العمل السياسي، بل أجهز على كل التكهنات والظنون مؤخرا بإصداره بيانا في أول أيام العيد الفائت طالب فيه كل فصائل الحركة الإسلامية بترك العمل في المجال السياسي للحكومة فقط، وطالب الحكومة في مقابل ذلك أن تطلق للحركات الإسلامية فرصة العمل الدعوي الديني.

صحيح أن الإخوان وعددا من الإسلاميين المستقلين قد رفضوا دعوة الجماعة الإسلامية، و صحيح أن الكثيرين قد اعتبروا أن ما تفعله الجماعة الإسلامية هذا هو من صميم العمل السياسي لكنه يصب لصالح الحكومة أو على الأقل لا ينطلق من خندق المعارضة، وأيا كان الأمر فإن ذلك كله يشير لانزواء الجماعة الإسلامية بعيدا عن العمل السياسي المعارض أو المنافس للحكومة.

و استقراء خريطة موقف القوى الإسلامية من العمل السياسي الإسلامي على هذا النحو يطرح علينا سؤالا هاما بقوة وهو: ما هو مستقبل العمل السياسي الإسلامي في مصر؟

الواقع أن توقع هذا المستقبل لا يتوقف على واقع الحركات الإسلامية فقط لأن الحركة الإسلامية ليست هي اللاعب الوحيد بل هناك لاعبون آخرون.

منهم المحليون: مثل الحكومة بأجنحتها المختلفة، ومثل القوى العلمانية المعارضة (رغم ضعفها البين و أفول نجمها)، ومثل الإسلاميين المستقلين لاسيما الأجيال الشابة التي تنشط على شبكة الإنترنت.

كما أنه يوجد اللاعبون الدوليون وهم: الغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) و إسرائيل وإيران والمنظمات الغربية غير الحكومية.

و يمكن استشراف مستقبل العمل السياسي الإسلامي من خلال تفحص مواقف كل لاعب من هؤلاء اللاعبين على حدة:

أولا- اللاعبون الدوليون:

1- الغرب: من المنتظر أن تؤدي نتائج الأزمة المالية العالمية و نتائج الهزائم الأمريكية و الغربية وهزائم حلفائهم في أفغانستان والعراق والصومال إلى تغير النظام الدولي بدرجة ستؤدي لتخفيف الضغط عن الحركات الإسلامية بعامة والحركات الإسلامية غير المسلحة بشكل خاص وهذا سيصب في مصلحة حركة هذه التيارات سياسيا كل في محيطه، كما أن هزائم الغرب وحلفائهم ستستخدم دعويا لضم مزيد من الأنصار للحركات الإسلامية بكافة اتجاهاتها.

2- إسرائيل: بعد الهزائم و الأزمات المذكورة التي مني بها الغرب و حلفاؤه ستتعلم إسرائيل أنها يجب أن تتعامل مع الحركات الإسلامية و بالتالي ستفضل التعامل مع التيارات ذات الطبيعة السلمية، كما أنها ستتعامل مع التيارات المسلحة التي لن تجد بدا من التعامل معها كحماس، كما أنها لن تمانع من التفاهم و التعاون مع جهات لديها نمط من البرجماتية يدفعها للتفاهم مع إسرائيل و أبرز مثال على ذلك هو إيران وحزب الله والقوى الشيعية العراقية ونحوها، ولن تتفاهم إسرائيل (و لا الغرب بطبيعة الحال) مع القاعدة أو الجهاد المصري أو السلفية الجهادية في أي مكان لأنها غير مضطرة لذلك لا الآن و لا في المدى المنظور، لكنها (هي و الغرب) قد تضطر للتفاهم مع طالبان و شباب المجاهدين في الصومال إذا انتصرتا و سيطرتا، لاسيما و أن طالبان و شباب المجاهدين أكثر عقلانية ورغبة في التفاهم.

3- إيران: ستستمر إيران في غض الطرف عن الحركات الجهادية السنية ما دامت تستنزف الغرب وحلفاءه في المنطقة بما لا يهدد مصالح إيران ولا أتباعها و لا مناطق نفوذها، كما ستستمر إيران بنجاح في السعي لتقسيم المصالح ومناطق النفوذ في المنطقة بينها وبين الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، ولن تألوا إيران وأتباعها جهدا في التضحية بالحركات الإسلامية السنية التي تساعد التضحية بها على تحقيق الأهداف الإيرانية.

4- المنظمات الغربية غير الحكومية: ستستمر هذه المنظمات في دعم قضايا الحريات و حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة ومكافحة العولمة بما يخدم أهدافها التي قامت من أجلها و التي تؤمن بها، وسيستمر وجود هذه المنظمات في إتاحة ميادين للعمل السياسي الإسلامي دفعا لقدر من المظالم التي تتعرض لها الحركات الإسلامية في شتى بقاع الأرض.

ثانيا- اللاعبون المحليون:

1- الحكومة المصرية: من الطبيعي أن تزداد استقلالية الحكومة المصرية في القرار بعدما يترسخ النظام الدولي الجديد والذي ستتوزع فيه القوة بين عواصم دول عدة كروسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي بجانب الولايات المتحدة بعدما كانت محصورة في الولايات المتحدة فقط طوال الـ 18 عاما الماضية، وتعطي هذه الاستقلالية للحكومة قدرات أكبر قي البطش بمعارضيها، لكن هناك عامل آخر مضاد و لكنه أقل تأثيرا وهو انتعاش الاتجاهات الدولية المدافعة عن الحريات و حقوق الإنسان لا سيما في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية لكن توزع القوة الدولية على عدد من العواصم سيعطي للحكومة مزيدا من القدرات في مجال مقاومة الضغوط الدولية الداعية للحفاظ على حقوق الإنسان، و لكن نظرا لأن كل واقع جديد غالبا ما يحمل قدرا من الفرص بنفس القدر الذي يحمله من المخاطر فإن توزع القوة الدولية بين عدد من الأقطاب الدولية و الإقليمية يحمل بين طياته العديد من الفرص للحركة الإسلامية بنفس القدر الذي يحمله من المخاطر.

2- القوى العلمانية المعارضة: و هي رغم ضعفها البين و أفول نجمها إلا أن صوتها العالي بسبب ما تتمتع به من نفوذ في وسائل الإعلام غالبا ما يؤدى لأضرار جسيمة منها التشويش على الدعوة الإسلامية من الناحية الفكرية بسبب عدم اهتمام الحركة الإسلامية بوسائل الإعلام، و بسبب السيطرة العلمانية شبه الكاملة على وسائل الإعلام، كما أن هذا النفوذ الإعلامي العلماني كثيرا ما هيأ الأجواء السياسية لتوجيه ضربات أمنية خطيرة لفصائل الحركة الإسلامية، كما لعب دور المحرض على مثل هذه الضربات، ولعل من أبرز الأمثلة القريبة على ذلك ما فعلته جريدة المصري اليوم القاهرية اليومية منذ عامين تقريبا عبر حملتها الصحفية على ما أسمته بالعرض العسكري لطلبة الإخوان المسلمين في جامعة الأزهر، وسوف يستمر العلمانيون على هذا النمط في المستقبل.

لكن هناك علمانيين متعاطفين مع الحركة الإسلامية أو على الأقل منصفون معها وهؤلاء يحسن بالحركة الإسلامية مد جسور التفاهم معهم والاستفادة من خبراتهم ونفوذهم لخدمة العمل الإسلامي.

3- الإسلاميون المستقلون: و نقصد بهم الذين لا ينتمون لأي من الجماعات الإسلامية المشهورة لاسيما الأجيال الشابة التي تنشط على شبكة الانترنت بشكل كبير، وهؤلاء سيكون لهم دور كبير ومؤثر في مستقبل الحركة الإسلامية بعامة وفي مجال العمل السياسي الإسلامي بخاصة، لأن هذه الأجيال يغلب عليها الاهتمام بالسياسة كما أنهم نشيطون جدا ولديهم حماس كبير كما أن شبكة الانترنت تمثل مؤثرًا كبيرًا في مستقبل العالم الإسلامي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني والثقافي، وهؤلاء الشباب هم الأكثر قدرة على استعمال الإنترنت حتى الآن ولا شك أن قدراتهم و خبراتهم سوف تتطور جدا بمرور الوقت و سيصبحون أكثر تأثيرًا مع ملاحظة أنهم متمردون في كثير من الأحيان على الجماعات الإسلامية التقليدية القائمة.

و في ضوء كل ما سبق يمكننا أن نستشرف مستقبل السلوك السياسي للحركات الإسلامية المصرية بسهولة في ضوء التفاعل بين ذلك كله.

الشريعة الاسلامية - صورة تعبيرية

أغلبية الأقباط يؤيدون تطبيق الشريعة الاسلامية في مصر

يؤيد 96.2% من المصريين تطبيق الشريعة الاسلامية في الحكم خاصة الحدود بينما يعارض تطبيقها 3.2%، و يطالب 64% من المصريين أن تكون الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد للتشريع.

هذا ما أكده استطلاعان للرأي أجريا على عينة متنوعة من الشعب المصري.

استطلاع المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بالقاهرة 

ففي استطلاع للرأي أجراه المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بالقاهرة، واعتمد على عينة تم انتقائها بدقة كي تكون ممثلة لكافة فئات و طبقات الشعب المصري، حول موقف الشعب المصري من تطبيق الشريعة الإسلامية و تحديدا الموقف من “الحدود”.

و قد بلغ حجم العينة التي أجريت عليها عملية استطلاع الرأي 2427 شخصا، منهم %93.3من المسلمين و6.3 % من الأقباط ، على اعتبار أن هذه هي نسبة الأقباط في اجمالي تعداد السكان الذي أجري عام 1976م، و قد تنوعت العينة لتشمل كافة الفئات من حيث الطبقة و العمر و التعليم و المهنة و الحالة الإجتماعية و محال الإقامة التي شملت القاهرة و الإسكندرية و بور سعيد و عواصم حضر بحري و عواصم حضر قبلي إلى جانب مواطن النشأة التي شملت ما سبق، بالإضافة إلى ريف بحري و ريف قبلي.

و رغم وجود جوانب عديدة للشريعة الإسلامية غير عقوبات الحدود، إلا أن هيئة البحث اختارت لسبب ما أن يدور بحثها حول الرأي في عقوبات الحدود الشرعية التي تتمثل في:

1- الزنا

2- القذف

3- شرب الخمر

4- السرقة

5- قطع الطريق

6- الردة (أي خروج المسلم من الدين الإسلامي).

 و قد طبع المركز القومي للبحوث نتيجة الإستطلاع في كتاب مكون من نحو 400 صفحة، و لكننا هنا لن نطيل على القارئ بذكر المؤشرات و الأرقام الكثيرة التي احتوتها هذه الدراسة القيمة، بل سنقتصر على ذكر أهم المؤشرات و الإتجاهات التي حوتها الدراسة و ما يدعمها من أرقام.

 ما هوالموقف من تطبيق الشريعة الإسلامية؟

وافقت أغلبية العينة الكلية على تطبيق الحدود و ذلك بنسبة 96.2% و عارض تطبيقها 3.2%، و في عينة المسلمين على حدة ترتفع نسبة الموافقين إلى 98% في مقابل 1.3% معارضون و 0.3% محايدون، أما عينة المسيحيين على حدة فإن نسبة الموافقة فيها تنخفض إلى 63% و ترتفع نسبة المعارضين إلى 31% و كذلك المحايدين حيث بلغت نسبتهم 6%.هل نطبق الشريعة فوريا أم تدريجيا؟

31% من العينة الإجمالية تقف مع التطبيق الفوري، بينما رأى 69% أن التطبيق يجب أن يكون تدريجيا.أما عينة المسلمين منفردة فنسبة المؤيديين للتدرج 69%، و نفس الشئ في عينة المسيحيين منفردة حيث أيد 68% منهم التدرج، لكن عينة المسلمين رأى 75% منهم أن هذا التدرج لا ينبغي أن يتجاوز 5 سنوات كحد أقصى للمرحلة الإنتقالية بينما أيد فكرة الخمس سنوات 69% فقط من العينة المسيحية.

الطبقة الإجتماعية و تطبيق الشريعة

 أيدت أغلبية الطبقة العاملة تطبيق الحدود بنسبة 90% أما أغلبية الكتابيين و الطلاب فايدت بنسبة 83% أما الإداريين و المهنيين فنزلت النسبة إلى 77%.لكن لماذا تطبيق الشريعة ؟ رأى البحث أن دوافع الموافقة لدى كل من المسحيين و المسلمين مختلفة فعلى سبيل المثال رأى 43% من المسلمين وجوب تطبيقها لأنها شريعة الله بينما رأى 23% من المسيحيين أنها شريعة الله.

هل يتم تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها أم مع غيرها من القوانين؟

رأى 65% من المسلمين تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها بينما رأى الباقون (35%) تطبيقها مع بعض القوانين الحالية بينما رأى 27% من المسيحين تطبيقها وحدها و إختار 73% من عينة المسيحيين تطبيقها مع بعض القوانين الحالية.

أما مبررات تطبيق الشريعة مع بعض القوانين الحالية فإن المسيحيين كانوا أميل لتقديم مبررات ذات طبيعة علمانية فكان ترتيب المبررات لديه كالآتي:

1- لأن بعض أفراد من الديانات الأخرى سيرفضون هذا التطبيق

2- لأن بعض القوانين الحالية تتفق مع الشريعة الإسلامية

3- لأنه من الصعب التخلي عن بعض القوانين المطبقة حاليا

4- حتى التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل للشريعة

5- حتى تتم معالجة أوجه القصور.و نذكر القارئ ان هذه هي آراء المسيحيين و ليس المسلمين.

كما يرصد البحث أن أول المبررات لدى المسيحيين كان يمثل أخرها لدى المسلمين، بينما كان أول المبررات لدى المسلمين (و هو: حتى يتم التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل) هو رابع المبررات لدى المسيحيين.لكن هل تطبيق الشريعة على كل جرائم الحدود أم على بعضها فقط؟؟

أيد 92.4% من المسلمين تطبيقها على كل الجرائم بينما انخفضت نسبة هذا التأييد لدى المسيحيين إلى 72%. وإذا طبقنا الشريعة فهل يتم تطبيقها على الجميع مسلمين و مسيحيين أم على المسلمين فقط؟

رأى 69% من المسلمين تطبيقها على الجميع، بينما رأى 31% تطبيقها على المسلمين فقط.كان هذا رأى الشعب المصري وفق استطلاع المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر.

استطلاع مؤسسة غالوب الأمريكية

أما مؤسسة غالوب الأمريكية فقد أجرت هي الأخرى استطلاعا أخر خلال لقاءات مباشرة مع عينة ضمت أكثر من 1800 من المصريين البالغين، وذلك خلال شهري مايو ويوليو 2007، كما شملت أكثر من 1000 تركي، خلال شهري مايو ويوليو 2007 أيضاً.

و أظهر الإستطلاع أن أكثر من 90% من الشعب المصري يؤيد تحكيم الشريعة الإسلامية، بينما يطالب ثُلثا المصريين تقريباً بجعلها المصدر الوحيد للتشريع.وبحسب الاستطلاع الواسع الذي أُجري في مصر وتركيا ومناطق أخرى، فقد جاء الشعب المصري في المقدمة من حيث المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية، حيث قال 91% من المصريين: إن الشريعة ينبغي أن يكون لها دور في تشريع القوانين، وهو رأي وافقهم فيه 90% من الأتراك.

وبحسب الاستطلاع الذي نشرت نتائجه وكالة أنباء “أمريكا إن أرابيك” فإن حوالي ثلثي المصريين (64 %) يعتقدون أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المصدر الوحيد للتشريع، وهو الرأي الذي عبّر عنه 7% فقط من الأتراك.لكن حوالي ثلث الأتراك (32 % فقط) رأوا أن الشريعة ينبغي أن تكون “أحد” مصادر التشريع، وهو ما أشار إليه أكثر من ثلث المصريين (35%).

كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع في هاتين الدولتين لديهم أفكار إيجابية عن الشريعة.

ومن بين المطالبين بأن تكون الشريعة أحد مصادر التشريع، رأى 97% من المصريين أن الشريعة توفر العدالة للمرأة، في مقابل 69% من الأتراك.

كما قال 85 % من المصريين المطالبين بأن تكون الشريعة مصدرًا من مصادر التشريع: إنها تحمي الأقليات، وهو ما دعمه 51% من الأتراك.

واعتبر 96% من المصريين من هذه الشريحة أن الشريعة الإسلامية تعزز من وجود نظام قضائي عادل، في مقابل 63% من الأتراك.وعبّر 97% من المصريين في هذه الفئة عن اعتقادهم بأن الشريعة تحمي حقوق الإنسان، وهو ما أشار إليه 62% من الأتراك.

كما قال 94% من المصريين المؤيدين للشريعة كأحد مصادر التشريع: إنها تعزز العدالة الاقتصادية، في حين انخفضت هذه النسبة إلى 55% بين الأتراك.

واعتبر 94% من المصريين في هذه المجموعة أن الشريعة من شأنها أن تقلل الجريمة في المجتمع، وهو نفس الرأي الذي عبر عنه 68% من الأتراك.

وأظهر الاستطلاع أن هؤلاء الذين يؤيدون تطبيق الشريعة كمصدر من مصادر التشريع لا يميلون إلى ربط الشريعة بأفكار سلبية.هذه هي ارادة أغلبية الشعب المصري و فق استطلاعات الرأي.

وهي ارادة ينبغي الإذعان لها إن كنا نتحدث عن أسلوب حكم ديمقراطي، و لكن دائما نجد من يزعم انه يتكلم باسم الشعب مدعيا تحقيقه لإرادة الأغلبية، لكنه في حقيقة الأمر لا يتحدث الا بلسان نفسه فقط.

إن رأي الشعب في تطبيق الشريعة قضية مغيبة عن النقاش الدائر حول تطبيق الشريعة، بل في بعض الأحيان زعم علمانيون أن الشعب لا يريد الشريعة.

النقاش حول تطبيق الشريعة في مصر والعالم الإسلامي

و في هذا الإطار نتابع دائما في مصر و في سائر أنحاء العالم الإسلامي نقاشا لا ينتهي و جدالا لا ينقطع بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع في الدول الإسلامية.

و إن كان الإسلاميون و العلمانيون هما طرفا النقاش فإن كلا الطرفين يدعي أنه يبتغي تحقيق مصلحة الشعوب العربية و الإسلامية و حمايتها من الديكتاتورية و حكم الإستبداد.الإسلاميون ألصقوا كل الشرور بالعلمانين بصفتهم استلموا الحكم في العالم الإسلامي منذ أتم تحرره من الإحتلال العسكري الغربي، و بالتالي فهم مسئولون عما آل إليه أمر الأمة منذئذ و حتى الآن.أما العلمانيون فظلوا يحذرون الأمة العربية و الإسلامية من شرور ما أسموه بالحكم الديني و الديكتاتورية و الإستبداد باسم الدين و الحكم الإلهي، لكن الاسلاميين ردوا عليهم بأن الحكم بالحق الالهي و الحكم الكهنوتي المرتكز على رجال الدين منافي لتعاليم الدين الاسلامي في نظام الحكم بل الحاكم في الاسلام مسئول أمام الشعب حتى قال قائل من الشعب لأفضل رجل في الأمة الاسلامية بعد رسول الله و هو أبو بكر الصديق “لو اعوججت لقومناك بسيوفنا” فامتدحه أبو بكر، كما لم يوجد أبدا في التاريخ الاسلامي نظام حكم قائم على الحق الالهي أو رجال الدين باستثناء نظرية المذهب الشيعي في الحكم و أتباعه أقل من 10% من تعداد كل مسلمي العالم، كما أنه لم يطبق في أرض الواقع الا في حالات قليلة.

كما أعلن الإخوان المسلمون أن الشريعة الإسلامية لا تتنافى مع الديمقراطية و أكدوا أنهم عندما يصلون للحكم بالإنتخاب فإنهم سيحكمون وفق قواعد الديمقراطية في اطار المرجعية الإسلامية.لكن العلمانيين قالوا أن الإسلاميين غير صادقين في توجههم الديموقراطي، و أن طرحهم للديمقراطية كأسلوب حكم مجرد ذريعة للإستيلاء على الحكم و بعدها سيمارسون الديكتاتورية الدينية و ينقلبوا على الديمقراطية.

و اعتبر العلمانيون أن معارضتهم لتطبيق الشريعة الإسلامية هو دفاع عن الديمقراطية و حقوق الشعب، و قالوا أيضا أنه دفاع عن العقل و العلم و حقوق الإنسان و حقوق الأقباط.وطالب الإسلاميون بالإحتكام لرأي الشعب في تحديد من يحكم البلاد و ذلك عبر صناديق الإقتراع في انتحابات حرة.

و رد العلمانيون بأنه من غير المنطقي أن نعطي فرصة لأعداء الديمقراطية للوصول للحكم عبر الديمقراطية لينقلبوا عليها بعد ذلك.

فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات

قلة نادرة من العلمانيين وافقوا على فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات، مثل نجيب محفوظ الذي أيد انشاء حزب اسلامي و رأى أن السماح بحزب للإسلاميين لا يمثل خطرا لأنهم لن يصلوا عبره للحكم لأن كل الأحزاب الأخرى ستتوحد في جبهة واحدة دفاعا عن العلمانية (عدم تطبيق الشريعة) لمنع وصول الإسلاميين للحكم و منع تطبيق الشريعة، و سينجح العلمانيون في منع تطبيق الشريعة، بينما سيفشل الإسلاميون في الإنتخابات حسب رأيه.و من العلمانيين من صرح بأن الشريعة غير مناسبة للعصر الحديث لأنها حسب رأيهم خاصة بزمان محدد و هو زمن النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم و مكان محدد هو شبه الجزيرة العربية و بيئتها القبلية و الصحراوية، و رد عليهم الاسلاميون بأن الاسلام صالح لكل زمان و مكان حسب نص القرآن {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107، و قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28، فكافة للناس تشمل جميع البشر في كل زمان ومكان، و كذلك رحمة للعالمين، فالعالمين تشمل كل البشر في كل زمان و مكان.كما كان بعض العلمانيين أكثر صراحة عندما انتقدوا أحكام الحدود في الشريعة الاسلامية و اعتبروها مهينة وغير انسانية، لكنهم لم يصغوا لردود الاسلاميين على هذا الاتهام، رغم أن الردود الاسلامية كانت واضحة و قوية حيث رأى الاسلاميون أن الحدود ليست هي كل الشريعة بل هي مجرد جزء من منظومة كبيرة ومتكاملة، و هذه المنظومة تعتمد على التربية النفسية و التنشئة الاجتماعية أكثر من اعتمادها على الحدود، بدليل أن الحدود لم تطبق في عصر النبي صلى الله عليه و آله وسلم الا نادرا، كما أن تطبيق كل حد له شروط تكاد تكون مستحيلة التحقيق في كثير من الأحيان، هذا كله فضلا عن القاعدة العامة و الأساسية في تطبيق الحدود و هو قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم “ادرأوا الحدود بالشبهات” بمعنى أن أي ظن يرد ببراءة المتهم في حد ما فانه يفسر لصالح براءته، و هذا كله يعزز فكرة أن الحدود هي أحد أدوات الشريعة لتقويم المجتمع و ليست هي الوسيلة الوحيدة، بل إن الوسائل الأخرى تحتل مكانة أكبر و أوسع من وسيلة اقامة الحدود، و ان كان هذا لا يقلل من اهمية الحدود كعقاب رادع يتم التلويح به وإن لم يطبق إلا قليلا، كما اعتبر الاسلاميون أن اتهام الحدود بأنها مهينة و غير انسانية هو طعن في ثوابت الدين الاسلامي الثابتة في القرآن الكريم، بل طعن في الدين نفسه لأن الله هو الذي شرعها والله نعالى يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك14، و يقول {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} فاطر31، فالله هو خبير بصير بعباده يعلم ما يصلحهم و قد أنزل شريعته وفق ما يصلحهم لا ما يهينهم أو ينتهك انسانيتهم، فما دام الأمر كذلك فالحدود لابد أنها غير مهينة و غير منافية لحقوق الانسان، لاسيما و أن الذين يعتبرونها مهينة انما ينظرون لمصلحة الشخص الذي سيقام عليه الحد و يهملون مصلحة المجتمع التي تضررت من جريمة هذا الجاني، خاصة أن إقامة الحد هي أخر المطاف في تقويم الجاني و ليس أوله.

الشريعة و استقلال القضاء

و ركز الاسلاميون في شرحهم لمنظومة الشريعة على جوانب متعددة مغايرة للحدود مثل استقلال القضاء و عدالته، و مثل العدالة الاجتماعية، و مثل الاقتصاد الاسلامي، و مثل التربية الاسلامية، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و مكافحة ظلم الحكام و الجهر بالحق في وجوههم، و قد اهتم الاسلاميون بذلك كثيرا حتى ان الدكتور على جريشة خصص جزءا من رسالته للدكتوراه لذلك تحت عنوان “شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها”، فضلا عن كتب كثيرة عامة في ذلك مثل “بينات الحل الاسلامي” للقرضاوي، و كتب اخرى كثيرة خاصة بأحد هذه الجزئيات مثل العدالة الاجتماعية أو الاقتصاد الاسلامي أو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و غيرها كثير.

لكن يبدو أن العلمانيين وجدوا أنهم سيخسرون لو أنهم استمروا في مناقشة أمر تطبيق الشريعة على هذا النحو فلجأوا لأسلوبين آخرين لمنازلة دعاة تطبيق الشريعة:

الأسلوب الأول- و قد تبناه العلمانيون ذوو الثقافة الدينية، و يتلخص هذا الأسلوب في التشكيك في العديد من مصادر الأحاديث النبوية و أقوال الصحابة لا سيما التي تفسر القرآن، و لم يكن غريبا أن ينصب الطعن على صحيح البخاري الذي يعتبر أهم و أصح كتاب لدى المسلمين بعد كتاب الله، لأنه لو انهدم أقوى كتاب سنة فلن يصمد أي كتاب سنة غيره، و لم ينزعج الاسلاميون و علماء الدين من رد حديث هنا أو هناك حتى لو كان صحيحا، لأن هذا الأمر رغم عدم موافقته للمعايير العلمية و الأسس الموضوعية للبحث في الدراسات الاسلامية فإنه ليس طريقا لهدم سائر الشريعة، لكن مكمن الخطورة الذي لاحظوه يرجع إلى أن هؤلاء الطاعنين يطعنون بلا قواعد و لا منهج محدد سوى موافقة الأمر لعقولهم كل حسب منطقه العقلي الخاص به، و من ثم فلو انتشر هذا المسلك فسيحكم كل شخص عقله في نصوص الشرع بلا مناهج بحث و بلا قواعد علمية موضوعية.. فقط وفق رأي الشخص الخاص و الذي يسميه العقلانية، و طبعا هذا الكلام غير موجود في أي علم في العالم فكل علم له قواعده و مناهج بحثه المتكاملة.. فكيف يكون الأمر في دين يتمتع بأرقى و أقوى مناهج بحث شهدها التاريخ.

ومن هنا فان الاسلاميين قالوا ان هؤلاء يريدون تقييم و نقد الاسلام وفق معايير لادينية، و الأجدر بهم بدل هذا التخفي بعباءة العقلانية أن يعلنوا أنهم يريدون تطويع الاسلام للعلمانية أو اللادينية.

الأسلوب الثاني- يقوم على المقارنة بين أقوال و برامج دعاة تطبيق الشريعة و بين المواثيق الدولية لحقوق الانسان و المعايير الديمقراطية الغربية، و الخروج من هذه المقارنة بالقول أن الدعوة لتطبيق الشريعة تقود إلى مخالفة للديمقراطية و حقوق الانسان بالمعايير الغربية و من ثم فينبغي رفض دعوة تطبيق الشريعة هذه.

و قد اهتم الاسلاميون بالرد على أهل الأسلوب الأول بينما أهملوا الرد على أهل الأسلوب الثاني.

و على كل حال فهذا الجدل المحتدم وصل لحد التراشق اللفظي الحاد بل وصل أحيانا لحد التكفير و القتل أو محاولة القتل (كما حدث مع فرج فودة الكاتب العلماني المشهور و مكرم محمد أحمد الكاتب الصحفي المعروف)، و لكن رغم سخونة هذا الجدل فإن رأي الشعب المصري بمسلميه و أقباطه ظل غائبا أو مغيبا عن ساحة الصراع الفكري حول هذه القضية خاصة من قبل العلمانيين الذين زعموا دائما حرصهم على المصلحة العامة و حقوق الإنسان و مع ذلك لم يسعوا يوما للإستماع إلى صوت الشعب الذي يزعمون الدفاع عنه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الموضوع نشرته في جريدة الدستور المصرية (العدد الأسبوعى) ثم فى موقع لواء الشريعة و مدونتي القديمة.

صواريخ روسيا

روسيا الصاعدة والنظام الدولي الجديد

كانت حرب روسيا مع جورجيا مجرد إعلان عن أن روسيا لن ترضى بعد اليوم إلا أن تكون قوة عظمى دولية، تملي إرادتها السياسية والإستراتيجية والاقتصادية، وفقًا فقط لـمصلحتها القومية وأمنها القومي.

صحيح أن الإعلان الروسي هذا كان خشنًا خشونة تجلت بسحق الجيش الجورجي بلا رحمة تحت حوافر الدب الروسي الرهيب، ولكن هذا الإعلان الخشن كان لازمًا ليستفيق العم سام، الذي كان مازال سكرانًا بنشوة القدرات التسليحية والتكنولوجية غير المسبوقة، التي يحوزها ضمن قوات الولايات المتحدة العملاقة.

موقف الولايات المتحدة والناتو من روسيا

لقد أفاق العم سام وحلفاؤه في الناتو، ليجدوا أنفسهم عاجزين عن إيقاف الدب الروسي؛ لأن قواتهم مازالت متورطة ومستنزفة في الحرب على القاعدة في كل بحار العالم ومطاراته وموانيه، فضلًا عن خسائر أمريكا والحلفاء في العراق وأفغانستان، أضف إلى ذلك قواته التي في لبنان “اليونيفيل”، وقبالة سواحل الصومال وسواحل إيران.

فعملية انتشار قوات الولايات المتحدة البرية بلغت حدها الأقصى، بينما حبست قدرتاها البحرية والجوية في مهماتها العديدة حول العالم.

المعادلات الدولية الجديدة

لقد فهمت روسيا المعادلات الدولية الجديدة، وأعد عدته جيدًا ليعود قطبًا دوليًّا فاعلًا، يملي إرادته على العالم من منظور أمنه ومصلحته القومية، وتحرك الدب الروسي ليغير الواقع الجيواستراتيجي والجيوسياسي بكل حزم وقوة، ووقفت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين مبهوتين من فاعلية واتساع حركة الدب الروسي حول العالم؛ فها هي القطع البحرية الروسية تعود للإنتشار في البحر المتوسط، وتتردد على المواني السورية مذكرة بالعصر الذهبي للقوة العسكرية السوفياتية، أيام كان الإتحاد السوفيتي قوة عظمى دولية، وقطبًا دوليًّا يتقاسم مع الولايات المتحدة السيطرة على العالم.

وتلك قطع بحرية أخرى من أسطول الشمال بينها سفينة القيادة الطراد “بيار لو غران”، الذي يتحرك بالدفع النووي والقاذف للصواريخ، والمدمرة “إميرال شابانينكو”، وسفن مواكبة تتحرك لتصل إلى فنزويلا لتجري مناورات بحرية مشتركة معها، رغم أن فنزويلا هذه تقع فيما تعتبره الولايات المتحدة فنائها الخلفي، الذي لم تسمح فيه طوال تاريخها بوجود معادٍ لها حتى أيام الحرب الباردة، لكن روسيا الآن تتحرك لتغيير الواقع الجيواستراتيجي والجيوسياسي وفقًا لمصالحها وأمنها القومي.

وهاهما القاذفتان الإستراتيجيتان من نوع “تو-160” تقيما أسبوعين في منتصف سبتمبر في فنزويلا لإجراء طلعات تدريبية، وبعد ذلك تطيران في طلعات تدريبية فوق المياه الدولية قبالة البرازيل، قبل أن تعودا إلى قواعدهما في روسيا، ويمثل هذا النوع من الطائرات القاذفة القوة الضاربة الأخطر في القوات الجوية الروسية الإستراتيجية، أي القوات التي تسخدم لإطلاق الأسلحة النووية الإستراتيجية.

زحف روسيا إلى أفريقيا

ولم يقتصر الزحف الروسي على أمريكا اللاتينية والقوقاز والشرق الأوسط، بل نجد أن الزحف الروسي يسير حثيثًا في قارة أفريقيا، حيث الشراكة في التصنيع العسكري بين روسيا ودولة جنوب إفريقيا منذ عام 2002م، كما شاركت روسيا في المعرض الدولي للسلاح في جنوب إفريقيا بجناح كبير، يشمل كل أنواع السلاح تقريبًّا، وذلك في الفترة من 17 إلى 21 سبتمبر 2008م، وتأتي هذه المشاركة في ظل إعلان روسيا عن استعدادها لمقايضة الدول الإفريقية السلاح بالمواد الخام الإفريقية؛ كالماس والقطن والأخشاب والبن.

روسيا تتجهز عسكريا

وعلى الصعيد العسكري أيضًا، بدأت القوات المسلحة الروسية في 22 سبتمبر تدريبًا استراتيجيًّا واسعًا، يشمل جميع الأراضي الروسية وأيضًا الأراضي البيلوروسية، ويشترك فيه أكثر من 50 ألف جندي وضابط، وعدة آلاف من الآلات العسكرية بما فيها الطائرات والسفن والغواصات العسكرية، سيشاركون في هذا التدريب الذي يعرف باسم “مناورة استقرار 2008″، ويستمر حتى 21 أكتوبر، وتتركز المناورات على صد هجوم جوي وفضائي على الأراضي الروسية.

ولم يقتصر النشاط الروسي على ما ذكرنا، بل يمكننا أن نجد في أخبار هذا الشهر على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

• أعلنت روسيا عن نجاح تجربة إطلاق الصاروخ “بولافا” الاستراتيجي من على متن الغواصة دميتري دونسكوي.

• أبرمت روسيا وتركيا صفقة تبلغ قيمتها حوالي 70 مليون دولار، لتزويد الجيش التركي بمنظومات “كورنيت-إي” الصاروخية المضادة للدبابات.

• اتفقت روسيا وكوبا على تفعيل التعاون المتبادل في معظم المجالات الاقتصادية بين البلدين، وذلك على هامش زيارة إيغور سيتشين نائب رئيس الوزراء الروسي إلى هافانا، وبعد زيارته إلى كوبا يبدأ إيغور سيتشين زيارة عمل إلى فنزويلا، برفقة عدد من المسئولين ورجال الأعمال الروس.

• اجتاز صاروخ “براموس” الروسي ـ الهندي الصنع 15 تجربة ناجحة؛ إذ تميز بالسرعة الفائقة التي تكسر حاجز الصوت، والقدرة التدميرية العالية، وإصابته للأهداف الثابتة والمتحركة بدقة بالغة.

• عقد مجلس الأمن الروسي اجتماعًا في أرض “فرانس جوزيف” تحت عنوان “ضمان المصالح الوطنية لروسيا في منطقة القطب الشمالي”.

بوتين و إعادة بناء الإقتصاد الروسي من جديد

لكن ما هي الأسس التي بنى عليها الروس تحركهم؟ هل هو فهمهم للمعادلات الدولية فقط، أم أن هناك أسس أخرى؟ إن الوقوف على حقيقة هذه الأسس يستلزم الرجوع قليلًا إلى الوراء، عندما انهار الإتحاد السوفيتي السابق، وبدأت القوى الروسية المرتبطة بالغرب وبالصهيونية العالمية بنهب ثرواته، والاستحواذ على مؤسساته بثرواتها وإمكاناتها الضخمة، خاصة شركات البترول والغاز الضخمة، وظهر للجميع أن نهب أموال روسيا قائم على قدم وساق ليل نهار؛ حيث كان تهريب مليارات الدولارات من روسيا إلى الخارج يتم يوميًّا بلا رحمة، وتجرع الشعب مرارات التضخم والغلاء الفاحش لسنوات تحت حكم يلتسن [أول رئيس لروسيا الإتحادية بعد انهيار الإتحاد السوفيتي]، الذي تحالف هو وأسرته مع المافيا؛ خاصة الصهيونية منها، وتعاونوا على نهب البلاد إلى أن ظهر في الأفق رجل المخابرات الروسية فلاديمير بوتين، الذي تسلم الحكم بمساندة الجيش والأجهزة الأمنية، في إطار صفقة بينهم وبين يلتسن تقضي بأن يترك يلتسن الحكم لبوتين مقابل أن لا تتم ملاحقة يلتسن وأسرته قضائيًّا بشأن النهب الذي شاركوا فيه لثروات البلاد.

وهذا الإتفاق لم يعط أي حصانة لغير يلتسن وأسرته، وبالتالي ما إن تولى بوتين الحكم حتى استخدم كل الأساليب الأمنية والقضائية ضد رجال الأعمال اليهود، وعملاء الغرب الذين نهبوا أموال روسيا واستحوذوا على ثرواتها؛ كي يستخلص منهم الشركات الروسية العملاقة التي كانوا استحوذوا عليها في صفقات مشبوهة، وهكذا ما كاد بوتين ينهي فترتي حكمه اللتين استغرقتا ثماني سنوات، حتى كانت روسيا قد وقفت على قدميها مرة أخرى، وأصبحت عملاقًا اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا من جديد.

ارتفاع أسعار النفط والغاز يدعم اقتصاد روسيا

وساعد بوتين على إعادة بناء الإقتصاد الروسي من جديد، الإرتفاع غير المسبوق في أسعار النفط والغاز، والذي تصدر منهما روسيا كميات هائلة يوميًّا تقدر بأكثر من 7 آلاف برميل نفط، فضلًا عن صادرات الغاز؛ حيث تحتل صادرات الغاز والنفط نحو 54 % من صادرات روسيا، وهكذا وقفت روسيا على أرض صلبة اقتصاديًّا تتمثل في ناتج قومي إجمالي يزيد عن 700 مليار دولار سنويًّا، واحتياطي من النقد الأجنبي والذهب ما يزيد عن 547 مليار دولار، يمثل ثالث احتياطي على مستوى العالم بعد الصين واليابان، فضلًا عن تخلصها من الديون الخارجية الضخمة، التي خلفها عصر يلتسن، والتي كانت تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

ولذلك؛ فمن السهل أن نلاحظ أن روسيا لم تعد كقوة دولية عظمى بمجرد الشعارات أو حتى القدرات العسكرية، وإنما بتخطيط ونجاح إقتصادي أوصلها لهذه الدرجة من النفوذ.

تأثير روسيا في مجريات السياسة الدولية 

وبدأ الجميع يلاحظ تأثير روسيا في مجريات السياسة الدولية سواء في الملف النووي الإيراني أو الكوري الشمالي أو في منطقة القوقاز، وبدأ الجميع يشعر بأن روسيا يمكنها أن تقول لا في أي شيء، بغض النظر عن توجهات وإرادات الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

وما فعلته روسيا من تحركها المخطط الذي أفضى بها للنهوض من كبوتها واحتلال مكان في النظام الدولي الجديد، الذي هو الآن في طور التشكل هو تصرف طبعي؛ لأن الطبعي أن تسعى الدولة ـ أي دولة ـ لتحقيق مصالحها وأمنها القومي، بعيدًا عن أي هيمنة أجنبية.

أما غير الطبيعي فهو ما تفعله دول العالم الإسلامي من الركود في هوة التخلف الإقتصادي والتكنولوجي والسياسي والعسكري، والذهاب في سبات عميق ليس له آخر، لا يعبأ بما يجري على ساحة السياسة الدولية من نظام دولي جديد في طور التشكل، وقد حجزت دول مثل روسيا والصين مكانهما في هذا النظام، وقبلهما اليابان والإتحاد الأوروبي، بينما تسعى دول أخرى جاهدة للحاق بهم، مثل: الهند و”إسرائيل” وجنوب إفريقيا والبرازيل وإيران وغيرها. وسوف يصبح هذا النظام العالمي الجديد عندما يتم تشكله نظامًا متعدد الأقطاب، مماثل للنظام الذي كان سائدًا عشية الحرب العالمية الثانية، ويمثل كل تراجع أو إخفاق للدور الأمريكي إفساحًا لهذا النظام الجديد، الذي يمشي قدمًا نحو الصدارة مُزيحًا النظام العالمي الحالي أحادي القطبية، الذي تحتل فيه الولايات المتحدة موضع القطب الأوحد المتحكم في العالم.

كل هذا يجري والعرب والمسلمون نائمون، لا يستطيع أحد أن يتكهن لهم بموضع ذي قيمة في النظام العالمي الجديد، بالضبط كما كان حالهم في كل النظم العالمية طوال العصر الحديث.

مصر

ماذا يريد الشعب ؟.. أغلبية المصريين مسلمين ومسيحيين يؤيدون تطبيق الشريعة الإسلامية

ماذا يريد الشعب؟

سؤال يطرح نفسه بشدة إن كنا نتحدث عن أسلوب حكم ديمقراطي، و لكن دائما نجد من يزعم انه يتكلم باسم الشعب مدعيا تحقيقه لإرادة الأغلبية.

و في هذا الإطار نتابع دائما في سائر أنحاء العالم الإسلامي نقاشا لا ينتهي و جدالا لا ينقطع بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع في الدول الإسلامية.

و إن كان الإسلاميون و العلمانيون هما طرفا النقاش فإن كلا الطرفين يدعي أنه يبتغي تحقيق مصلحة الشعوب العربية و الإسلامية و حمايتها من الديكتاتورية و حكم الإستبداد.الإسلاميون ألصقوا كل الشرور بالعلمانين بصفتهم استلموا الحكم في العالم الإسلامي منذ أتم تحرره من الإحتلال العسكري الغربي، و بالتالي فهم مسئولون عما آل إليه أمر الأمة منذئذ و حتى الآن.

أما العلمانيون فظلوا يحذرون الأمة العربية و الإسلامية من شرور ما أسموه بالحكم الديني و الديكتاتورية و الإستبداد باسم الدين و الحكم الإلهي.

الإخوان المسلمون: الشريعة الإسلامية لا تتنافى مع الديمقراطية

و أعلن الإخوان المسلمون أن الشريعة الإسلامية لا تتنافى مع الديمقراطية و أكدوا أنهم عندما يصلون للحكم بالإنتخاب فإنهم سيحكمون وفق قواعد الديمقراطية في اطار المرجعية الإسلامية.

لكن العلمانيين قالوا أن الإسلاميين غير صادقين في توجههم الديموقراطي، و أن طرحهم للديمقراطية كأسلوب حكم مجرد ذريعة للإستيلاء على الحكم و بعدها سيمارسون الديكتاتورية الدينية و ينقلبوا على الديمقراطية.

و اعتبر العلمانيون أن معارضتهم لتطبيق الشريعة الإسلامية هو دفاع عن الديمقراطية و حقوق الشعب، و قالوا أيضا أنه دفاع عن العقل و العلم و حقوق الإنسان و حقوق الأقباط.وطالب الإسلاميون بالإحتكام لرأي الشعب في تحديد من يحكم البلاد و ذلك عبر صناديق الإقتراع في انتحابات حرة.و رد العلمانيون بأنه من غير المنطقي أن نعطي فرصة لأعداء الديمقراطية للوصول للحكم عبر الديمقراطية لينقلبوا عليها بعد ذلك.

قلة نادرة من العلمانيين وافقوا على فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات، مثل نجيب محفوظ الذي أيد انشاء حزب اسلامي و رأى أن السماح بحزب للإسلاميين لا يمثل خطرا لأنهم لن يصلوا عبره للحكم لأن كل الأحزاب الأخرى ستتوحد في جبهة واحدة دفاعا عن العلمانية (عدم تطبيق الشريعة) لمنع وصول الإسلاميين للحكم و منع تطبيق الشريعة، و سينجح العلمانيون في منع تطبيق الشريعة، بينما سيفشل الإسلاميون في الإنتخابات حسب رأيه.

و هذا الجدل المحتدم وصل لحد التراشق اللفظي الحاد بل وصل أحيانا لحد التكفير و القتل أو محاولة القتل (كما حدث مع فرج فودة الكاتب العلماني المشهور و مكرم محمد أحمد الكاتب الصحفي المعروف)، و لكن رغم سخونة هذا الجدل فإن رأي الشعب ظل غائبا أو مغيبا عن ساحة الصراع الفكري حول هذه القضية خاصة من قبل العلمانيين الذين زعموا دائما حرصهم على المصلحة العامة و حقوق الإنسان و مع ذلك لم يسعوا يوما للإستماع إلى صوت الشعب الذي يزعمون الدفاع عنه.

إن رأي الشعب في تطبيق الشريعة قضية مغيبة عن النقاش الدائر حول تطبيق الشريعة، بل في بعض الأحيان زعم علمانيون أن الشعب لا يريد الشريعة.

رأي الشعب المصري في قضية تطبيق الشريعة الإسلامية

 ولكن بعيدا عن إدعاءات العلمانيين فما هو رأي الشعب المصري في قضية تطبيق الشريعة الإسلامية؟؟

إن التعرف على رأي الشعب في قضية ما بحيادية كاملة هو لب أي فعل ديمقراطي سليم، و عادة يتم هذا في الدول الديمقراطية عبر أحد أمرين إما صناديق الإنتخابات أو استطلاعات الرأي التي تجري بطرق علمية و موضوعية دقيقة.

و نظرا لأن الإنتخابات النزيهة ممنوعة في بلادنا، فإن استطلاعات الرأي تظل الطريق الوحيد المتاح لمعرفة رأي الشعب في قضية ما كلما سنحت الفرصة لإجراء استطلاع راي محايد و موضوعي و دقيق.و بدءا من عام 1982م و حتى عام 1984م أجرى المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بمصر استطلاعا للرأي حول موقف الشعب المصري من تطبيق الشريعة الإسلامية و تحديدا الموقف من “الحدود” واعتمد الإستطلاع على عينة تم انتقائها بدقة كي تكون ممثلة لكافة فئات و طبقات الشعب المصري.و قد بلغ حجم العينة التي أجريت عليها عملية استطلاع الرأي 2427 شخصا، منهم %93،3من المسلمين و6،3 % من الأقباط ، على اعتبار أن هذه هي نسبة الأقباط في اجمالي تعداد السكان الذي أجري عام 1976م، و قد تنوعت العينة لتشمل كافة الفئات من حيث الطبقة و العمر و التعليم و المهنة و الحالة الإجتماعية و محال الإقامة التي شملت القاهرة و الإسكندرية و بور سعيد و عواصم حضر بحري و عواصم حضر قبلي إلى جانب مواطن النشأة التي شملت ما سبق بالإضافة إلى ريف بحري و ريف قبلي.

عقوبات الحدود الشرعية

 و رغم وجود جوانب عديدة للشريعة الإسلامية غير عقوبات الحدود، إلا أن هيئة البحث اختارت لسبب ما أن يدور بحثها حول الرأي في عقوبات الحدود الشرعية التي تتمثل في:

1- الزنا

 2- القذف

3- شرب الخمر

4- السرقة

5- قطع الطريق

6- الردة (أي خروج المسلم من الدين الإسلامي)

 و قد طبع المركز القومي للبحوث نتيجة الإستطلاع في كتاب مكون من نحو 400 صفحة و لكننا هنا لن نطيل على القارئ بذكر المؤشرات و الأرقام الكثيرة التي احتوتها هذه الدراسة القيمة، بل سنقتصر على ذكر أهم المؤشرات و الإتجاهات التي حوتها الدراسة و ما يدعمها من أرقام.

 الموقف الشعبي من تطبيق الشريعة الإسلامية

 وافقت أغلبية العينة الكلية على تطبيق الحدود و ذلك بنسبة 96،2% و عارض تطبيقها 3،2%، و في عينة المسلمين على حدة ترتفع نسبة الموافقين إلى 98% في مقابل 1.3% معارضون و 0،3% محايدون، أما عينة المسيحيين على حدة فإن نسبة الموافقة فيها تنخفض إلى 63% و ترتفع نسبة المعارضين إلى 31% و كذلك المحايدين حيث بلغت نسبتهم 6%.

هل نطبق الشريعة فوريا أم تدريجيا؟

31% من العينة الإجمالية تقف مع التطبيق الفوري، بينما رأى 69% أن التطبيق يجب أن يكون تدريجيا.أما عينة المسلمين منفردة فنسبة المؤيديين للتدرج 69%، و نفس الشئ في عينة المسيحيين منفردة حيث أيد 68% منهم التدرج، لكن عينة المسلمين رأى 75% منهم أن هذا التدرج لا ينبغي أن يتجاوز 5 سنوات كحد أقصى للمرحلة الإنتقالية بينما أيد فكرة الخمس سنوات 69% فقط من العينة المسيحية.

الطبقة الإجتماعية و تطبيق الشريعة

أيدت أغلبية الطبقة العاملة تطبيق الحدود بنسبة 90% أما أغلبية الكتابيين و الطلاب فايدت بنسبة 83% أما الإداريين و المهنيين فنزلت النسبة إلى 77%.

لكن تطبيق الشريعة لماذا ؟

رأى البحث أن دوافع الموافقة لدى كل من المسيحيين و المسلمين مختلفة فعلى سبيل المثال رأى 43% من المسلمين وجوب تطبيقها لأنها شريعة الله بينما رأى 23% من المسيحيين أنها شريعة الله.

هل يتم تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها أم مع غيرها من القوانين؟

رأى 65% من المسلمين تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها بينما رأى الباقون (35%) تطبيقها مع بعض القوانين الحالية بينما رأى 27% من المسيحين تطبيقها وحدها و إختار 73% من عينة المسيحيين تطبيقها مع بعض القوانين الحالية.

أما مبررات تطبيق الشريعة مع بعض القوانين الحالية فإن المسيحيين كانوا أميل لتقديم مبررات ذات طبيعة علمانية فكان ترتيب المبررات لديهم كالآتي:

1- لأن بعض أفراد من الديانات الأخرى سيرفضون هذا التطبيق

 2- لأن بعض القوانين الحالية تتفق مع الشريعة الإسلامية

 3- لأنه من الصعب التخلي عن بعض القوانين المطبقة حاليا

4- حتى التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل للشريعة

5- حتى تتم معالجة أوجه القصور.

و نذكر القارئ ان هذه هي آراء المسيحيين و ليس المسلمين.

كما يرصد البحث أن أول المبررات لدى المسيحيين كان يمثل أخرها لدى المسلمين، بينما كان أول المبررات لدى المسلمين (و هو: حتى يتم التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل) هو رابع المبررات لدى المسيحيين.

لكن هل تطبيق الشريعة على كل جرائم الحدود أم على بعضها فقط؟؟

أيد 92،4% من المسلمين تطبيقها على كل الجرائم بينما انخفضت نسبة هذا التأييد لدى المسيحيين إلى 72%.

 إذا طبقنا الشريعة فهل يتم تطبيقها على الجميع مسلمين و مسيحيين أم على المسلمين فقط؟

رأى 69% من المسلمين تطبيقها على الجميع، بينما رأى 31% تطبيقها على المسلمين فقط.

و إذا كان هذا راى الشعب المصري عام 1984م فما هو رأيه الآن؟

تأتي الإجابة في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب الأمريكية خلال لقاءات مباشرة مع عينة ضمت أكثر من 1800 من المصريين البالغين، وذلك خلال شهري مايو ويوليو 2007، كما شملت أكثر من 1000 تركي، خلال شهري مايو ويوليو 2007 أيضاً.

و أظهر الإستطلاع أن أكثر من 90% من الشعب المصري يؤيد تحكيم الشريعة الإسلامية، بينما يطالب ثُلثا المصريين تقريباً بجعلها المصدر الوحيد للتشريع.

وبحسب الاستطلاع الواسع الذي أُجري في مصر وتركيا ومناطق أخرى، فقد جاء الشعب المصري في المقدمة من حيث المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية، حيث قال 91% من المصريين:

إن الشريعة ينبغي أن يكون لها دور في تشريع القوانين، وهو رأي وافقهم فيه 90% من الأتراك.

وبحسب الاستطلاع الذي نشرت نتائجه وكالة أنباء “أمريكا إن أرابيك” فإن حوالي ثلثي المصريين (64 %) يعتقدون أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المصدر الوحيد للتشريع، وهو الرأي الذي عبّر عنه 7% فقط من الأتراك.

لكن حوالي ثلث الأتراك (32 % فقط) رأوا أن الشريعة ينبغي أن تكون “أحد” مصادر التشريع، وهو ما أشار إليه أكثر من ثلث المصريين (35%).كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع في هاتين الدولتين لديهم أفكار إيجابية عن الشريعة.

ومن بين المطالبين بأن تكون الشريعة أحد مصادر التشريع، رأى 97% من المصريين أن الشريعة توفر العدالة للمرأة، في مقابل 69% من الأتراك.

 كما قال 85 % من المصريين المطالبين بأن تكون الشريعة مصدرًا من مصادر التشريع: إنها تحمي الأقليات، وهو ما دعمه 51% من الأتراك.

واعتبر 96% من المصريين من هذه الشريحة أن الشريعة الإسلامية تعزز من وجود نظام قضائي عادل، في مقابل 63% من الأتراك.

وعبّر 97% من المصريين في هذه الفئة عن اعتقادهم بأن الشريعة تحمي حقوق الإنسان، وهو ما أشار إليه 62% من الأتراك.

كما قال 94% من المصريين المؤيدين للشريعة كأحد مصادر التشريع: إنها تعزز العدالة الاقتصادية، في حين انخفضت هذه النسبة إلى 55% بين الأتراك.

واعتبر 94% من المصريين في هذه المجموعة أن الشريعة من شأنها أن تقلل الجريمة في المجتمع، وهو نفس الرأي الذي عبر عنه 68% من الأتراك.

وأظهر الاستطلاع أن هؤلاء الذين يؤيدون تطبيق الشريعة كمصدر من مصادر التشريع لا يميلون إلى ربط الشريعة بأفكار سلبية.

فهل عرفنا رأى الشعب المصري، و هل يتم تبنى خيار الشعب أم يظل الإدعاء بتطبيق الديمقراطية في حين أنه يتم السير في اتجاه مضاد لإتجاه الأغلبية؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشرته في جريدة الدستور المصرية

انور السادات

هل كان أنور السادات ديمقراطيا ؟؟

عندما شعر جمال عبد الناصر أن الاتحاد السوفيتي يماطل في اعطائه أسلحة هجومية من النوع الذي يمكنه من تحرير الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو1967م، راوده الأمل في أن يتمكن من الحصول على أسلحة غربية متقدمة بطريقة ما، و حرض عددا من حكام الدول العربية و على رأسهم القذافي للحصول على أسلحة غربية متقدمة، و من ثم حصل القذافي على الميراج من فرنسا، كما حصلت السعودية و العراق على مقاتلات غربية أصبح لها دور فيما بعد في حرب أكتوبر 1973م، لكن الأمر لم يقتصر لدى جمال عبد الناصر على مرارات و عقبات السلاح السوفيتي أو الغربي بل إن جمال عبد الناصر عانى من مرارات الحصار الإقتصادي الغربي على مصر، و ربما يظن البعض أن هذه المرارات قاصرة على الضعف الإقتصادي الذي عانى منه الإتحاد السوفيتي و كتلته الشرقية، و الذي انعكس تدهورا و ضعفا في قدرته على تقديم المساعدات و الإستثمارات لمصر، لكن المرارات الأبرز كانت من شعور جمال عبد الناصر من أنه صار مقيدا و ممنوعا من أن يلعب لعبته السياسية المفضلة.

تلك اللعبة التي اعتاد أن يلعبها منذ أن كان رئيسا لمجلس قيادة تنظيم الضباط الأحرار، حتى من قبل أن ينجح في القيام بثورة يوليو 1952م، بل ربما كانت هذه اللعبة المفضلة هي السبب الرئيسي في نجاح هذه الثورة، تلك اللعبة تتمثل في فتحه قنوات اتصال و اقامة علاقات مع كل القوى الدولية، و استغلاله لتعدد هذه القوى و خلافاتها من أجل تحقيق أهدافه السياسية و الإقتصادية، و كان يضم ضمن تنظيم الضباط الأحرار ضباطا من مختلف التوجهات السياسية و الأيدولوجية لتحقيق هذا الغرض، فمن الضباط الإخوان إلى الضباط الشيوعيين إلى الضباط ذوي التوجه الغربي ممن يميلون للتعاون مع انجلترا أو أمريكا أو حتى الملك فاروق، لكن الحصار الغربي على مصر منذ ستينات القرن العشرين منع جمال عبد الناصر من ممارسة اللعبة الدولية التي يفضلها للفوز على حساب الخلافات بين القوى الدولية المتعددة.

فماذا فعل جمال عبد الناصر؟؟

يحكي البعض أن جمال عبد الناصر في إحدى لحظات الغضب من السوفيت قال: “أنا سأجيب لهم اللي يعرف يتعامل مع الغرب”، و هكذا صعد أنور السادات إلى واجهة المشهد السياسي في مصر بعدما وضعه جمال عبد الناصر في صدارة المرشحين لخلافته.

لكن هل كان لأنور لسادات نفس رأي جمال عبدالناصر أم كان له رأي آخر؟؟

الإجابة تأتي واضحة في المشهد التالي: بعد توليه لرئاسة مصر بفترة وجيزة جدا سأل السادات ابراهيم سعد الدين قائلا: “كم قوة دولية كبرى في العالم يا ابراهيم؟؟

فرد ابراهيم: ما سيادتك عارف يا ريس.

قال له السادات: لكن أنا أريد أن أسمع الإجابة منك.

قال ابراهيم: اثنتان يا ريس الإتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة.

فرد السادات مستنكرا: خطأ يا ابراهيم، هناك قوة دولية واحدة هي الولايات المتحدة فقط”.

و قد يستغرب البعض من هذا التقدير السياسي لسبب أو لأخر لكن من يقرأ مذكرات الدكتور مراد راغب الذي ظل سفيرا لمصر في الاتحاد السوفيتي لفترة طويلة حتى صار من أكبر الخبراء في شئونه يدرك نفاذ بصيرة أنور السادات السياسية في هذه المسألة لا سيما و أن عددا من قادة السوفيت كانوا منذ الستينات قلقين على مستقبل الإتحاد السوفيتي بسبب تأخره التكنولوجي و الإقتصادي.

وهكذا بدأ أنور السادات حقبة رئاسته لمصر انطلاقا من هذه القناعة.

أنور السادات في الحكم

عندما تولى أنور السادات الحكم كان أمامه عقبات عديدة لكنه تغلب عليها واحدة تلو الأخرى وكانت مواجهة كل من هذه العقبات تقوده لطريق واحد سنراه بعد قليل.

في البداية كان علي أنور السادات أن يحل مشكلة الأراضي المصرية و العربية المحتلة إن سلما أو حربا، وفتح أنور السادات قناة اتصال سرية مع الولايات المتحدة محاولا حل المشكلة سلما لكن محاولاته باءت بالفشل، فلم يجد بدا من العزم على خوض الحرب ثم خاضها فعلا في أكتوبر 1973م.

السادات و الصراع على السلطة

كان على أنور السادات مواجهة مشكلة الصراع على السلطة بعيد توليه الحكم مباشرة، و فعلا حسمه لصالحه بمساعدة العديدين و منهم الفريق صادق و الذي عينه وزيرا للدفاع بعد حسم الصراع، لكنه لم ينس أن هؤلاء الذين واجهوه هم من اليسار الناصري و قريب منهم اليسار الماركسي، ولم يكد أنور السادات يقضي على خصومه داخل هيكل السلطة نفسه حتى بدأت الحركة اليسارية (بشقيها الناصري و الماركسي على حد سواء) تتحرك بفاعلية في الجامعات و التجمعات، و كان على أنور السادات الذي يعد البلاد للحرب أن يواجه هذا المد اليساري لكن باسلوب سياسي أكثر منه بوليسي فشجع الحركة الإسلامية التي كان نشاطها يتصاعد هي الأخرى كي يوازن المد اليساري المتصاعد، البعض يبالغ في تصوير هذا الإستغلال و يزعم أن أنور السادات هو الذي أنشأ هذه الجماعات الإسلامية أصلا لكن المصادر الموثوقة تؤكد أنه حاول أن يستغل الحركتين الصاعدتين باشغالهما ببعضهما البعض لا أكثر و لا أقل.

السادات والإخوان المسلمين

كان أنور السادات رغم مشاركته في عضوية محكمة الثورة التي قمعت الإخوان المسلمين و أعدمت بعضهم قد ذاق مرارة السجن السياسي، كما كان أنور السادات لصيقا بالسياسة أكثر منه بالعسكرية فهو لم يمكث في الجيش إلا حتى رتبة رائد و بعدها تمرس في مناصب سياسية و صحفية لنحو عشرين عاما حتى صار رئيسا لمصر، و حتى الفترة القصيرة نسبيا التي قضاها في الجيش كان يمارس خلالها السياسة من خلال عضويته في عدد من التنظيمات السياسية و منها تنظيم الإخوان المسلمين كما تخللتها فترة هروب من الجيش بل و رفد منه.

كان عزم أنور السادات على التوجه للتحالف مع الكتلة الغربية من أجل تحقيق أهداف مصر السياسية و الإقتصادية يقتضي أن يرتب الأوضاع الداخلية سياسيا و اقتصاديا بالشكل الذي يتفهمه المجتمع الغربي و مؤسساته و حكوماته الليبرالية، كما كان الشعب المصري قد مل الحكم البوليسي و القمع و التعذيب وبدأ يتململ ومن ثم عبر الطلبة و العمال عن نبض الشعب في مظاهرات فيراير 1966م ثم في تحركات طلابية أخرى في يناير 1972م انتهت بمصادمات بين الشرطة و الطلبة و اعتقل على اثرها عدد كبير من الطلبة و حينئذ تضامنت نقابات المهندسين و الأطباء و الصحفيين مع الطلبة المعتقلين، كما طالب العديد من المفكرين اليساريين والليبرالين بالحريات و التعددية السياسية في العديد من المواقف و المناسبات، و كان أنور السادات بحكم تكوينه و خبراته السياسية قادرا على قيادة الدولة للتحول نحو مزيد من الإنفتاح السياسي و حرية التعبير و التعددية السياسية الشكلية أو الديكورية، لا سيما و أن أنور السادات كان مطلعا على الأزمات التي كانت تعصف بالبلاد منذ نهايات حكم جمال عبد الناصر من أول الأزمة الاقتصادية التي بدأت بوادرها منذ عام 1966م وحتى أزمة المشاركة السياسية التي تبلورت بوضوح، و مرورا طبعا بأزمة الهزيمة العسكرية في يونيو 1967م فضلا عن حرب اليمن.

و هكذا بدأ أنور السادات حكمه باخراج الإخوان المسلمين من السجن و اتاحة الفرصة لهم للتحرك بشكل عملي دون أي اعتراف رسمي أو وجود قانوني، و كان ذلك كله في اطار شئ من الترتيبات السياسية مع قيادة الإخوان المسلمين.

شرعية نظام أنور السادات

لكن كان على أنور السادات أن يضع الأطر القانونية لحكمه و يؤسس لشرعيته الجديدة و من هنا كان اصداره للدستور الدائم عام 1971م و طرح شعاري سيادة القانون و دولة المؤسسات، لكن ظلت الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية و من خلفه السلطة التنفيذية من سمات دستور 1971م أسوة بحال الحقبة الناصرية.

و في ابريل 1974م أصدر أنور السادات ورقة أكتوبر و التي و إن أقرت التنظيم الواحد فإنها أشارت إلى ضرورة أن تعبر كل قوى تحالف الشعب العامل عن مصالحها المشروعة و آرائها بحيث تتضح الإتجاهات التي تحظى بتأييد الأغلبية و التي يجب أن تتبناها الدولة (و كان وقتها الإتحاد الإشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الوحيد المسموح له بالوجود و العمل و كان بمثابة الحزب الواحد الحاكم و منه تاتي الحكومة).

و بعدها بأربعة شهور أصدر أنور السادات ورقة تطوير الإتحاد الإشتراكي و دعا فيها إلى اعادة النظر في شكل التنظيم السياسي و حدد هدفه من التطوير في أن يكون الإتحاد الإشتراكي بوتقة حوار تنصهر فيها الأفكار المتعارضة و تتبلور فيها الإتجاهات.

و استطرد أنور السادات قائلا في هذه الوثيقة: ان طبيعة الأشياء أن يختلف الناس حول القضايا السياسية و الاجتماعية، و ان الاتحاد الإشتراكي الذي يمثل قوى الشعب العامل أولى به أن يأخذ بأسلوب تمثيل الاتجاهات المختلفة في قيادته حتى لا يحس اتجاه له تأييد بين القواعد أنه مبعد تماما عن المشاركة في قيادة التنظيم فيفقد شعوره بالإنتماء إليه.

و إذا كانت ورقة أكتوبر قد مهدت للتعددية السياسية التي كان أنور السادات عازما عليها فإن ورفة تطوير الإتحاد الإشتراكي كانت بمثابة الشرارة التي أطلقت العنان لعملية التحول نحو التعددية السياسية الشكلية التي شهدتها مصر لأول مرة منذ ثورة يوليو 1952م.

في البداية استغرق البحث و التقصي في لجان خاصة بالإتحاد الإشتراكي نحو السنة لتخرج في النهاية اللجنة بعدة توصيات كان أغلبها يميل لعدم التعددية الحزبية فقد كانت أغلب الأراء تميل إلى عمل منابر للرأي داخل الإتحاد الإشتراكي.

 و بعدها بنحو العام أي في مارس عام 1976م قرر أنور السادات اقامة ثلاثة منابر في الإتحاد الإشتراكي العربي لتمثل اليمين و الوسط و اليسار، فاليمين باسم “تنظيم الأحرار الإشتراكيين” و الوسط باسم “تنظيم مصر العربي الإشتراكي” و اليسار باسم “التجمع الوطني التقدمي الوحدوي” و دخلت هذه المنابر انتخابات مجلس الشعب في صيف نفس العام، و في أول اجتماع لمجلس الشعب بعد هذه الإنتخابات “11 نوفمبر 1976م” أعلن أنور السادات تحويل التنظيمات السياسية الثلاثة إلى أحزاب، ثم صدر قانون الأحزاب السياسية في يونيو 1977م.

تعدد الأحزاب

و كانت الفكرة السائدة وقتها أن أنور السادات سار بهذا التدرج الطويل ليصل بعد سبع سنوات من حكمه لنظام حزبي تعددي يحل محل الإتحاد الإشتراكي العربي بسبب المعارضة الشديدة لذلك الإجراء من قبل قادة الإتحاد الإشتراكي و النقابات العمالية حينذاك.

وعلى كل حال فقد كان تعددا حزبيا شكليا فلم يحدث أبدا أن وصل حزب معارض لأغلبية الثلثين في مجلس الشعب، و ظلت هذه الأغلبية دائما من نصيب حزب الرئيس حتى أن السادات لما أنشأ حزبا جديدا و تخلى عن عضويته لحزب مصر العربي الإشتراكي في 1978م هرول جميع أعضاء الحزب الحاكم من حزبهم “حزب مصر العربي الإشتراكي” و تركوه وانضموا للحزب الجديد الذي أنشأه الرئيس تحت “اسم الحزب الوطني الديمقراطي” وصارت للحزب الذي نشأ للتو أغلبية الثلثين بمجلس الشعب بقدرة قادر تلك الأغلبية التي كانت من دقائق هي أغلبية حزب مصر العربي الإشتراكي كما تحولت جميع المقرات التي يمتلكها حزب مصر إلى مقرات للحزب الوطني الديمقراطي و التي مازال يمتلكها حتى اليوم.

وهكذا تكون النظام الحزبي التعددي على يد رئيس مصر السابق محمد أنور السادات لكن بشكله المقيد و الديكوري، فمنذ البداية كان السادات يميل لتقييد هذه التجربة الحزبية، فتم حل مجلس الشعب الذي أفرزته انتخابات 1976م و قد كانت هذه الانتخابات بها حد كبير من النزاهة فضاق أنور السادات ذرعا بهذا المجلس و حله في عام 1979م وأجرى انتخابات أخرى لم يسمح فيها بنجاح أحد من المعارضة باستثناء ممتاز نصار الذي أفلت من مقصلة التزوير بأعجوبة.

ديمقراطية لها أنياب

و مع مرور الوقت بدأ أنور السادات يضيق بالديمقراطية التي أقامها و بدأ يتكلم عن ديمقراطية لها أنياب، و أصدر العديد من القوانين التي أطلقت عليها المعارضة “ترسانة القوانين سيئة السمعة” و منها قانون الإشتباه و قانون حماية الجبهة الداخلية و غيرها من القوانين المقيدة للحريات كما ألغى اللائحة الطلابية الصادرة عام 1976م و وضع بدلا منها لائحة عرفت بلائحة 1979م لتقييد النشاط الطلابي و منع الطلبة من خوض غمار العمل السياسي.

وأدخل تعديلات على قانون الصحافة ليقيد من حرية الصحافة التي كانت شهدت قدرا من الإزدهار بدءا من 1978م، و لم يكتف أنور السادات بذلك بل حل مجلس نقابة المحامين و اصدر قرارا بتحويل نقلبة الصحفيين إلى نادي.

و ظل التدهور هو سيد الموقف في العلاقة بين أنور السادات و بين حركات المعارضة السياسية العلمانية من يمين كالوفد و يسار كحزبي العمل و التجمع و كذلك حركات المعارضة الدينية الإسلامية و المسيحية على حد سواء مما أدى لصدور قرارات 5 سبتمبر 1981م و التي بموجبها اعتقل السادات 1500 من قادة كافة أطياف المعارضة المصرية و صادر صحف المعارضة الحزبية بالإضافة لعدد من الصحف المستقلة الناصرية و الإسلامية و المسيحية.

لحظة الغليان

و سرعان ما وصلت درجة حرارة الشارع السياسي المصري إلى درجة الغليان مما فجر الأوضاع في حادث المنصة الشهير ذلك الحادث الذي وضع نهاية لعصر الرئيس أنور السادات.

لكن أيا كانت حسنات أو سيئات رئيس مصر السابق محمد أنور السادات فيظل التاريخ يذكر له أنه الوحيد الذي عاشت مصر في عهده (في أخر سنة من عهده تحديدا) بلا قانون الطوارئ منذ ثورة يوليو 1952م، كما أدخل نوعا من التعددية الحزبية المقيدة و أطلق عنان الحرية لصحف المعارضة والصحف المستقلة في أحد مراحل حكمه كما تمتع المعارضون بقدر واسع من حرية التعبير و الحركة في أواخر عهده و حتى قرارات 5 سبتمبر 1981م بل إن المعتقلين الذين اعتقلهم ضمن هذه القرارات لم يلقوا أي تعذيب حتى مقتله بعدها بشهر و حينئذ خرج من خرج و تعرض للتعذيب من بقي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشرته في جريدة الدستور المصرية بعددها الأسبوعى وفي مدونتى القديمة.

جمال عبد الناصر في الحج

جمال عبد الناصر و الإسلام

هل كان جمال عبد الناصر متدينا أم علمانيا؟؟
و إذا كان متدينا فلماذا حارب الإخوان المسلمين و قتلهم و سجنهم عبر محاكم عسكرية قاسية و ضيق على العديد من الدعاة الإسلاميين و لماذا ألغى المحاكم الشرعية؟؟
و إذا كان علمانيا فلماذا سجن و عذب الشيوعيين و الليبراليين و لماذا قام بدعم أنشطة إسلامية من قبيل تأسيس إذاعة القرآن الكريم و إنشاء جامعة الأزهر و دعم دور الأزهر الخارجي بل و لماذا استخدم الإسلام كثيرا في خطابه السياسي؟؟
و إذا كان لنا أن نناقش موقف جمال عبدالناصر من الإسلام فلابد أن نتعرض لموقفه إزاء عدد من المؤسسات و القضايا.
و أول هذه المؤسسات هي جماعة الإخوان المسلمين الذين وثق جمال عبد الناصر علاقاته و تحالفاته معهم عشية الثورة ثم سرعان ما دخل معهم في صراع على الحكم و النفوذ, و بدأ هذا الصراع في الظهور عندما طلب الإخوان المسلمون من جمال عبدالناصر تطبيق استحقاقات هذا التحالف و المتمثلة في تطبيق الشريعة و إقامة الحكم الإسلامي, و رفض جمال عبدالناصر و تنكر لأي إتفاقات مع الإخوان تلزمه بذلك, و بدلا من ذلك طلب منهم أن يرشحوا له اثنين ليشاركو في الوزارة واحد للتعليم و آخر للأوقاف, لكن الإخوان قرروا عدم التعاون مطلقا مع عبدالناصر, كما قرروا مقاطعته من منطلق أنهم يرون أنه خانهم بإعتبار أنه تنكر لهم, و عندما خالف أحد قادة الجماعة قرار الجماعة في هذا المجال و هو الشيخ الباقوري ووافق على تولي وزارة الأوقاف قامت الجماعة بفصله من عضويتها.
و منذ ذلك الحين اشتعل الصراع بين الإخوان و عبدالناصر.
لكن على ماذا كان الصراع؟؟
من جانب عبدالناصر كان الصراع مع الإخوان المسلمين جزءا من صراع واسع على السلطة خاضه جمال عبدالناصر على عدة أصعدة مع حلفاء و زملاء الأمس مثل الشيوعيين و عدد من قادة تنظيم الضباط الأحرار مثل محمد نجيب و خالد محي الدين و يوسف صديق و عبدالمنعم عبدالرؤف و غيرهم من قادة الجيش وتنظيم الضباط الأحرار, و في هذا الإطار أحبط العديد من محاولات الإنقلاب التي قام بها ضباط في الجيش يميلون للإخوان أو الشيوعيين أو الليبرالية, و في هذا الإطار أيضا جاء صراع عبدالناصر مع الإخوان كي يستحوذ على السلطة وحده على النحو الذي آل إليه الأمر فيما بعد عندما أمكنه التخلص من أخر زملائه الأقوياء و هو عبدالحكيم عامر غداة هزيمة 1967م بعد أن كان قد تخلص من الإخوان و الشيوعيين و الليبرالين و سائر قادة الضباط الأحرار.
و هكذا كان عبدالناصر واضحا في أهدافه كما حدد وسائله بدقة و دون تردد.

الإخوان المسلمون و عبد الناصر

أما الإخوان المسلمون فقد ترددوا ما بين داعيين للرضى بما يعرضه عليهم عبدالناصر و الإستمرار في التحالف معه, و ما بين معارضين له داعيين لمقاطعته و ممارسة النضال ضده حتى إسقاطه.
و هؤلاء المعارضون لعبد الناصر من الإخوان المسلمين انقسموا أيضا إلى قسمين قسم رأى أنه يمكن معارضته و إسقاطه عبر العمل السياسي السلمي كالإضرابات و المظاهرات و نحو ذلك, بينما رأى القسم الثاني أن الأفضل هو عمل إنقلاب عسكري على عبدالناصر.
كما رأى فريق أخر من الإخوان المسلمين أن على الإخوان ترك العمل السياسي إلى حين بما في ذلك عدم اتخاذ أي مواقف مؤيدة أو معارضة تجاه جمال عبدالناصر, و ذلك بهدف التفرغ لإصلاح جماعة الإخوان المسلمين و ترتيب أوضاعها الداخلية التي كانت تعصف بها الخلافات و التناحرات لاسيما و أن عبدالناصر قد بدأ يؤجج هذه الصراعات الداخلية و يشجع فريق على حساب أخر.
و على كل حال فقد أدى تردد الإخوان و اختلافهم حول ماهية و طبيعة علاقتهم بكل من جمال عبدالناصر و الثورة, و حول الوسائل و الأساليب الواجب اتباعها في إدارة هذه العلاقة إلى ضعف و تفكك أصابا أجهزة جماعة الإخوان المسلمين مما مكن عبدالناصر من هزيمة تنظيم الإخوان المسلمين الضخم و تفكيكه ووضعه في السجن عام 1954م, و ذلك لأن جمال عبدالناصر حدد ما يريده بدقة و حزم, و نفذه عبر أجهزة الدولة السياسية و الإعلامية و الأمنية التي أجاد السيطرة عليها و تطويرها لا سيما و أنه حرص على أن يحتفظ لنفسه بمنصب وزير الداخلية بجانب منصبه الأساسي كرئيس وزراء في بداية سنوات حكم الثورة, بجانب سيطرته على الجيش و المخابرات عبر صديقه الحميم في ذلك الحين عبدالحكيم عامر.
لكن هل وجه جمال عبد الناصر ضربته للأجهزة السياسية و الأمنية للإخوان المسلمين فقط وترك الأجهزة الإعلامية و الدعوية؟؟!
في الواقع فإن جمال عبدالناصر قد وجه للإخوان ضربة شاملة ساحقة و قاسية شملت حتى الذين لم يكونوا يميلون لخوض أي مواجهة سياسية أو عسكرية مع جمال عبدالناصر و الثورة, بل إن الذين كانوا على صلة بعبدالناصر و استغلهم لتأجيج الصراع داخل أجهزة وتنظيمات الإخوان المسلمين قبيل هذه الضربة لم يسمح لهم جمال عبدالناصر بعد الضربة بأي نشاط دعوي اللهم إلا دور الشيخ الباقوري الذي كان في إطار الحكم الناصري و لصالحه.

جمال عبد الناصر و الأزهر الشريف

أما الأزهر الشريف الذي يعد أهم مؤسسة إسلامية على الإطلاق في مصر و العالم الإسلامي، فقد كان لجمال عبدالناصر معه شأن أخر ممكن أن نعتبره إستمرارا للنهج الثابت الذي بدأ الحكام في مصر ينهجونه منذ نابليون بونابرت و حتى الآن و هو نهج الإحتواء و السيطرة تحت ستار التطوير و التجديد, و في هذا الإطار نتذكر ما فعله محمد علي و من بعده خلفائه مع الأزهر الشريف و ذلك النهج تلخصه كلمة الخديو عباس حلمي التي قال فيها محددا دور الأزهر: “أول شئ أطلبه أنا و حكومتي أن يكون الهدوء سائدا في الأزهر و الشغب بعيدا عنه فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد و شغب الأفكار لأنه مدرسة دينية قبل كل شئ.إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه. و أطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائما بعيدين عن الشغب و أن تحثوا إخوانكم العلماء و كذلك الطلبة على ذلك.و من يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الجرائد و الأخذ و الرد فيها فيكون بعيدا عن الأزهر” (يقصد أن من يفعل ذلك عليه أن يبتعد عن الإنتماء للأزهر)
فالحكام منذ نابليون حتى الآن حرصوا على منع الأزهر من العمل السياسي, كما حرصوا في نفس الوقت على توظيف الإسلام و علماء الإسلام لتحقيق أهداف الحاكم السياسية كلما أمكن ذلك.
ولم يشذ جمال عبد الناصرعن ذلك النهج فاتخذ العديد من الخطوات للسيطرة على الأزهر و توظيفه لصالح أهداف نظام ثورة يوليو1952م.
و نجد عبدالناصر يحدد دور العلماء في “ارشاد المواطنين إلى حقيقة و أهداف الثورة” و “تعبئة الرأي العام في كل البلاد الإسلامية و كافة دول العالم على اعتبار أن الجهد الذي يبذله علماء المسلمين في العالم الإسلامي أو الأمة العربية في مجال مواجهة إسرائيل مازال جهدا متواضعا”.
و قد دعى جمال عبد الناصر في اطار ذلك إلى “عمل لجان في كل بلد اسلامي من أجل متابعة العمل لنصرة القضايا العربية و ذلك في إطار مواجهة إسرائيل و الإستعمار العالمي الذي يقف خلفها”.
ولكن كيف وظف جمال عبدالناصر الأزهر لتحقيق أهدافه هذه؟؟
تضمن المرسوم بقانون رقم 180 لعام 1952م أي في أول خمس شهور من حكم الثورة إلغاء الوقف الأهلي، كما كانت هناك اجراءات صحبت ذلك كله و أخرى تتابعت في السنوات التالية، أدت فيما أدت إلى وضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف، وذلك عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بأخر إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي, حتى أن الهيئة تسلمت 137 ألف فدان من أراضي الأوقاف بسعر 17.5 مثلا لضريبة الأطيان المربوطة عليها أي أن قيمة الفدان بلغت خمسين جنيها في حين زادت قيمته الحقيقية بسعر السوق في ذلك الحين على ألف جنيه, و لذلك عجزت وزارة الأوقاف عن تأدية رسالتها لأن هذه الأراضي كانت تدر على الأزهر في السنة الواحدة 8 ملايين جنيه، و بتطبيق هذه القوانين إنخفضت الإيرادات إلى 800 ألف جنيه إذ أن الريع تم تحديده بـ3% و 4% من قيمة سندات سلمت لها كبديل للأرض، فضلا عن امتناع الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن سداد الريع المستحق، الأمر الذي جعلها مدينة لوزارة الأوقاف بمبالغ مالية هائلة.

هذا فضلا عن تبديد الهيئة لأغلب هذه الأوقاف لا سيما أوقاف الخيرات الموقوفة على المساجد, و بهذا ضربت ثورة 23 يوليو الركيزة الإقتصادية لعلماء الأزهر الشريف، تلك الركيزة التي كانت تجعلهم في غنى عن أموال الحكومة، الأمر الذي كان يكفل لهم الإستقلال عن الحكومة، و يتيح لهم معارضتها دون الخوف من قطع مرتباتهم أو تشريد أسرهم من بعدهم. وعلى حين عوملت اوقاف المسلمين هذه المعاملة استثنيت أوقاف غير المسلمين من أحكام هذه القوانين، حيث وضعت لها قوانين خاصة و تركت لكل كنيسة أوقافها في حدود مائتي فدان، و ما زاد عن هذا كانت الدولة تأخذه و تدفع ثمنه بسعر السوق، و هو ما ادى في أواخر السبعينات إلى مناداة عدد من الأصوات في مجلس الشعب بمساواة أوقاف المسلمين بأوقاف المسيحيين.

إلغاء المحاكم الشرعية في مصر

ثم كان إلغاء المحاكم الشرعية في مصر خطوة بارزة قامت بها ثورة يوليو لتقليص دور الأزهر الشريف في الحياة العملية للمصريين خارج توجيه الحكومة إذ أن ممارستها لنشاطها كانت تتمتع بقدر كبير من الإستقلالية عن الحكومة خاصة في مجال المنطلقات الأيدولوجية, و عبدالناصر و ثورة يوليو كانا يهدفان لتأميم الدين لصالح نظام الحكم فكان لزاما القضاء على هذه المحاكم التي كان يستحيل تأميمها لصالح النظام الحاكم, و كانت ثورة يوليو واعية بذلك منذ البداية إذ ألغيت هذه المحاكم بقانون رقم 462 لعام 1955م, وبذا بدأت هيمنة ثورة 23 يوليو على القوة الإسلامية الأكبر في مصر و في العالم الإسلامي و هي الأزهر الشريف و علماؤه, حيث شكل إلغاء المحاكم الشرعية تحديا لنظام الشريعة الإسلامية نفسه في دولة اسلامية يعلن دستورها أن دينها الرسمي هو الإسلام.
وبإلغاء المحاكم الشرعية و بالهيمنة على إدارة الأوقاف نجح الرئيس جمال عبد الناصر فيما فشل فيه الإحتلال الغربي من الهيمنة على أبرز مؤسسة لعلماء الإسلام في العالم كله.
و قد شنت أجهزة إعلام الدولة-الثورة حملة إعلامية صاحبت ذلك كله, ووصفته بأنه ثورة جديدة تجري داخل الأزهر و تقودها الدولة من أجل التجديد و التقدم لخدمة الأزهر و الإسلام, و بلغ الأمر أن هاجم د. محمد البهي في جلسات مجلس الشعب (1961م) ما وصفه بأنه جو العداوة و الجمود الذي يسود الأزهر وقال: “إن الثورة أعطت الإصلاح للأزهر لأن الشيوخ لم يريدوه”, و كان محمد البهي أحد المواليين لعبد الناصر داخل الأزهر.
و بعد أن هيمن عبدالناصر على الأزهر و موارده الإقتصادية كان عليه ان يكرس هذه الهيمنة بقانون رسمي محدد المعالم فتم اصدار قانون تنظيم الأزهر (103 لسنة 1961م). و كي يتضح المدى الذي كبلت به الحكومة مؤسسة الأزهر قبل هذا القانون لابد أن نعود لأحداث جلسة مجلس الأمة (البرلمان) التي أقرت قانون تنظيم الأزهر, يقول فتحي رضوان: “لإجبار المجلس على الموافقة حضر رجال الثورة و جلسوا أمامنا على المنصة, و تحديدا كان على المنصة أنور السادات و كمال حسين و كمال رفعت, و هدد أنور السادات المجلس عندما علت أصوات تعارض مشروع القانون قائلا: كانت ثورة في 23 يوليو 1952م و الذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام و اليوم ثورة جديدة و سيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير”.
و وفقا للوثائق الرسمية فإنه تغيب عن جلسة إقرار القانون بمجلس الأمة 179 عضوا أي ما يعادل 49% من إجمالي أعضاء المجلس, ووفقا لنفس الوثائق الرسمية فإنه لم يعترض من الأعضاء الحاضرين سوى النائب صلاح سعده, بينما ذكر فتحي رضوان أن أكثر من نصف الحاضرين عارضوا القانون.
وهذا القانون و إن كان أعاد تنظيم الأزهر فعلا و قسمه إلى هيكل تنظيمي جديد لكنه ربط هذا التنظيم كله بجهاز الدولة و خاصة رئاسة الجمهورية بشكل مباشر, فشيخ الأزهر ووكيل الأزهر و رئيس جامعة الأزهر يعينهم رئيس الجمهورية, كما أن كافة أجهزة الأزهر الرئيسية كالمجلس الأعلى للأزهر و جامعة الأزهر و مجمع البحوث الإسلامية ينفرد رئيس الجمهورية بتعيين القيادات العليا فيها, فمجمع البحوث يرأسه شيخ الأزهر وأعضاء المجمع يعينهم رئيس الجمهورية, أما جامعة الأزهر فبالإضافة لإنفراد رئيس الجمهورية بتعيين رئيس جامعة الأزهر فعمداء الكليات يعينهم أيضا رئيس الجمهورية, و بصفة عامة فالهيكل العام الإداري و المالي للأزهر أصبح وفقا لقانون تنظيم الأزهر جزءا من الهيكل المالي و الإداري للحكومة (أي السلطة التنفيذية).

مواقف الأزهر الشريف بعد هيمنة جمال عبد الناصر عليه

و بعد كل هذا فكيف للأزهر الشريف أن يعصي لرئيس الجمهورية أمرا فضلا عن أن يعارضه؟؟
و لكن ما النتيجة العملية لهيمنة نظام ثورة يوليو على الأزهر؟؟

النتيجة أن الأزهر الشريف لم تصدر من داخله أي مواقف أو تصريحات تعارض النظام الحاكم لا من قريب ولا بعيد, بل بالعكس وقف إلى جانب جمال عبد الناصر في كل مواقفه، و من ذلك على سبيل المثال لا الحصر الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر يساند بها جمال عبدالناصر في صراعه مع محمد نجيب (الأهرام 17 فبراير 1954م), و أيضا التأييد الذي قدمه الأزهر لنظام حكم جمال عبدالناصر فيما يتعلق باتفاقية الجلاء (الأهرام 26 فبراير 1954م), و كذلك المساندة التي قدمها الأزهر لنظام حكم جمال عبد الناصر إثر الأزمة مع اسرائيل التي سبقت هزيمة يونيو1967م بإعلان تأييده لجمال عبدالناصر و مباركته لخطواته في صد عدوان الصهيونية و الإستعمار(الأهرام 25 مايو 1967م).

جمال عبد الناصر و الطرق الصوفية

أما الطرق الصوفية التي كانت تمثل وقتها نحو 3 ملايين منتسب ينتظمون في 60 طريقة فكان لها شأن أخر مع جمال عبد الناصر, إذ أيدته بوضوح في القضايا السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية الداخلية و الخارجية من البداية فعلى سبيل المثال وقفت مشيخة الطرق الصوفية مع عبدالناصر في صراعه ضد الإخوان و أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية محمد علوان بيانا في مولد الرفاعي عام 1965م أبرز فيه هذا الموقف, كما أصدر المجلس الأعلى للطرق الصوفية بيانا استنكر فيه ما أسماه المؤامرات الرجعية التي يدبرها الملك فيصل (ملك السعودية) و شاه إيران و الملك حسين (ملك الأردن) و رئيس تونس الحبيب بورقيبة (الأهرام 12ابريل 1967م), وكذلك أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية بيانا يبرر فيه و يؤيد قرارات عبدالناصر بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء في مايو 1967م (الأهرام 27مايو 1967م), و في ديسمبر 1967م سار أكبر موكب صوفي رسمي في مصر تأييدا لعبدالناصر في أعقاب هزيمة يونيو.

جمال عبد الناصر و أنصار السنة و الجمعية الشرعية و غيرها

أما الجمعيات الإسلامية المستقلة كأنصار السنة و الجمعية الشرعية و غيرها من الجمعيات المسجلة وفقا لقانون الجمعيات فقد وضعها جمال عبدالناصر تحت وصاية الدولة و عين أحد ضباط الجيش للإشراف عليها جميعا, و تندر الكثيرون من أن ضابط جيش ليس متخصصا في الدين أصبح يشرف على الجمعيات الدينية, كما كانت بعض هذه الجمعيات متعارضة في أهدافها و مناهجها مثل أنصار السنة و الجمعية الشرعية من جهة و الجمعيات الصوفية من جهة أخرى و مع ذلك أشرف هذا الضابط على هذه الجمعيات المتعارضة في آن واحد, و قد شغل هذا المنصب لبعض الوقت كمال الدين رفعت أحد الضباط الأحرار.
و هكذا نجد أن جمال عبد الناصر كما أمم الإقتصاد لصالح رأسمالية الدولة (أو ما أسماه بالإشتراكية العربية) أمم علماء الإسلام لصالح نظام حكمه, و كما أدارت ديكتاتورية دولة جمال عبدالناصر الإقتصاد و السياسة أدارت مؤسسات علماء الإسلام, و العجيب أنه منذ عصر الإنفتاح و حتى الآن تراجع الرئيسان السادات و حسني مبارك عن أغلب إجراءات الحقبة الناصرية إلا أنهما استمرا في ترسيخ تأميم الإسلام و علماء الإسلام و مساجد و جمعيات الإسلام.
و لكن ماذا عن الأنشطة و الجهود التي بذلها جمال عبدالناصر في المجال الإسلامي مثل إنشاء إذاعة القرآن الكريم (1964م) و جامعة الأزهر (1961م) و توسع المعاهد الأزهرية و إنشاء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف (1960م) و في الخارج إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (1954م)؟؟
 لقد فعل الرئيس جمال عبد الناصر ذلك كله في إطار استثماره للرأسمال الديني الذي امتلكه بالتأميم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشرته في جريدة الدستور الورقية بعددها الأسبوعى، و أيضا في مدونتي القديمة

مبارك و السادات و جمال عبد الناصر

ثورة 23 يوليو و سيطرة رأس المال على الحكم

كان ضمن الأهداف الستة المشهورة التي أعلنتها ثورة 23 يوليو 1952م منذ اللحظة الأولى من إندلاع شرارتها “القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم”, فكيف حققت الثورة هذا الهدف و ما الذي بقي منه بعد مرور 56 عاما على بدء الثورة؟؟

تقليص نفوذ كبار ملاك الأراضي الزراعية

لجأت حكومة الثورة إلى تقليص نفوذ كبار ملاك الأراضي الزراعية في مصر عبر قانون الإصلاح الزراعي الأول في سبتمبر 1952م, و التي قلصت بمقتضاه الحد الأقصى للملكية الزراعية إلى 200 فدان للفرد تقلصت إلى 100 فدان للفرد في قانون الإصلاح الزراعي الثاني عام 1961م.

و في الفترة من 1952م و حتى 1956م سعت حكومات الثورة إلى إشراك رأس المال المصري و الأجنبي في خطط و جهود التنمية الكبرى التي سعت الثورة لتنفيذها و كان معظمها صناعيا بالإضافة لمشروع السد العالي, و لا حظت الثورة تقاعس الرأسماليين الأجانب عن ضخ إستثمارات حقيقية في خطط التنمية الوطنية, و عندئذ بدأت الدولة في تمصير الإقتصاد المصري عبر التأميم و جاء ذلك في إطار خياراتها السياسية المعادية نسبيا للغرب بعيد فشل العدوان الثلاثي على مصر.

كما لاحظت حكومات الثورة تردد الرأسمالية المصرية الكبيرة في الدخول كمنفردين أو كشركاء للدولة في مشاريع إقتصادية ضخمة تتسم بقلة الربح و تأخره مما دفعها لحركة تأميمات واسعة في الستينيات فيما عرف بقرارات يوليو الإشتراكية عام 1961م, بهدف توفير رأس المال اللازم للتنمية الوطنية المخططة مركزيا على نمط الإقتصاد الإشتراكي.كانت هذه هي الدوافع التي أعلنتها الثورة لإجراءات التمصير و التأميم حينئذ, عندما لم يكن هناك صوت يعلو على صوت الثورة, و لكن عند تحليل هذه الأحداث بتأني بعيدا عن صخب الثورة و الثوار نجد أن الثورة لم تفهم طبيعة النظام الإقتصادي و السياسي الدولي الذي يرتب نتائج إقتصادية كبيرة وواضحة على أي خيار سياسي أو إقتصادي تتخذه أي وحدة من الوحدات المكونة للنظالم الدولي, و بالتالي كانت ردود أفعال نظام الثورة في مصر على السلوك الغربي إزائها تظهر حقيقة أنهم فوجئوا بها ولم يكن مرتبا لها في إطار إستراتيجية محددة طويلة الأمد قد توقعت الأحداث مسبقا.

هذا بشأن تفسير مواقف الرأسمالية الأجنبية.

الرأسمالية المصرية

أما بشأن الرأسمالية المصرية فإن الثورة لم تفهم البناء الإقتصادي الإجتماعي للمجتمع المصري, حيث أن الرأسمالية المصرية كان لها قدمان اليمنى في الزراعة و الأخرى في الصناعة و التجارة و المصارف, فعندما قطعت الثورة القدم اليمنى للرأسمالية المصرية بقوانين الإصلاح الزراعي خافت تلك الرأسمالية على قدمها الأخرى و هرولت بها تؤمنها خشية أن ينالها الثوار بالقطع هي الأخرى, هذا إذا أحسنا الظن بالثورة و الثوار, و صدقنا مقولة أن الثورة أممت الرأسماليين المصريين بسبب عزوفهم عن المشاركة في خطط التنمية الوطنية. أما إذا أسأنا الظن بالثورة و الثوار لإن بعض الظن إثم و بعضه الأخر ليس إثما و إنما كما قال الحكماء “سوء الظن من حسن الفطن” فإن التحليل الموضوعي لما حدث عشية قرارات يوليو الإشتراكية يرى أن الرأسمالية المصرية إستفادت من حركة تمصير الإقتصاد (التي شنتها الثورة في منتصف الخمسينات) كما حصدت الكثير من أرباح عملية التنمية الوطنية عبر القيام بعمليات المقاولات و توريد المعدات و قطع الغيار و الصيانة فعظمت من أرباحها و ثروتها, و جعلها ذلك في موقف قوي أعطاها القدرة و الرغبة في السعي إلى المشاركة في صنع القرار بناء على ميزان القوة الإقتصادية القائم فعلا على الأرض مما دفع جمال عبدالناصر لتوجيه هذه الضربة الإشتراكية للرأسمالية المصرية بهدف تقليص نفوذها و إضعاف قوتها لتكف عن السعي للمشاركة في صنع القرار الوطني.

و أيا كانت دوافع جمال عبد الناصر هل هذا أم ذاك أم كليهما معا، فإن التخطيط الاقتصادي المركزي أسهم في تنمية الاقتصاد المصري و تنويع مجال النشاط الإقتصادي ما بين الزراعة و الصناعة و الخدمات بعكس ما كان عليه الحال قبل الثورة, كما أنه أسهم في ضرب القوى الرأسمالية القديمة و تقليص نفوذها, و إن كانت قوى أخرى قد بدأت تظهر بالتدريج من التكنوقراط و السياسيين و العسكريين السابقين الذين أصبحوا قادة القطاع العام الذي ورث الرأسمالية المصرية و الأجنبية في مصر على حد سواء, و سنرى بعد ذلك أن أبناء و أسر هؤلاء و المتحالفين معهم من الرأسمالية القديمة أو من الحرافيش ذوي الطموح هم الذين تسيدوا الموقف بدءا من عام 1977م تاريخ بدء الإنفتاح الإقتصادي الذي أطلقه الرئيس الراحل أنور السادات.

ور غم كل التنمية التي قام بها جمال عبد الناصر فقد استلم جمال عبدالناصر الدولة المصرية و هي دائنة لبريطانيا بثلاثة ملايين جنيه استرليني و تركها و هي مدينة بثلاثة مليارات, كما استلمها و هي تشمل أقاليم مصر و السودان و غزة و تركها و قد انفصلت عنها السودان و احتلت اسرائيل غزة و سيناء كاملة (أكثر من ثلث مساحة مصر) و تحطم الجيش المصري بالكامل مرتين مرة في عام 1956م و أخرى في 1967م فضلا عن خسائر و هزائم حرب اليمن.

انور السادات يتحول إلى نظام اقتصاد السوق

و في عام 1977م قرر الرئيس أنور السادات التحول إلى نظام إقتصاد السوق فيما سمي وقتها بسياسة الإنفتاح الإقتصادي, و كما برر النظام الناصري سلوك النهج الإقتصادي الإشتراكي في رغبته لإحداث تنمية شاملة تقضي على الفقر و البطالة و التخلف و أن النظام الرأسمالي له مساؤه و لن يفي بالغرض, فإن النظام الساداتي رفع نفس الشعارات و لكنه عكسها بأن النظام الإشتراكي هو السئ الذي لا يفي بالغرض بينما النظام الرأسمالي هو الحل.و بكل سهولة و دون أي معارضة جدية تحول نظام حكم ثورة يوليو الساداتي إلى إقتصاد السوق و بقيادة نفس رجال النظام الناصري, بل لعل هؤلاء القادة هم الذين دفعوا لهذا الإتجاه بعدما أصبحوا هم الرأسماليين الجدد, فالرأسمالية المصرية الجديدة تكونت من التكنوقراط و السياسيين و العسكريين السابقين الذين أصبحوا قادة القطاع العام وأبناءهم و أسرهم و المتحالفين معهم من الرأسمالية القديمة أو من الحرافيش ذوي الطموح الذين دفعهم طموحهم للإلتصاق بهؤلاء أو هؤلاء.

الصورة الإقتصادية في مصر منذ 1977م و حتى 2008م

و أصبحت ملامح الصورة الإقتصادية منذ 1977م و حتى 2008م على النحو التالي:

تشير توجهات البنوك وسياسات الإقراض أنه فى 1979 كان كل ما حصل عليه رجال المال من قروض البنوك لا يزيد عن 800 مليون جنيه أى 15% من إجمالى القروض من البنوك التجارية الأربعة المملوكة للحكومة فى ذلك الوقت، بينما في 2001 يقفز حجم القروض الى 213 مليار جنيه ربعها تقريبا بالعملات الصعبة خرقا لكل الأعراف المصرفية وأصبح ما حصل عليه هؤلاء يمثل 80% من إجمالى القروض والتسهيلات الائتمانية التى منحتها جميع البنوك العاملة فى مصر, و تكشفت عام 2000 فضيحة هروب كبار رجال المال والأعمال بأكثر من 40 مليار جنيه، فسمعنا شعارات من قبيل تعويم العملاء و مساندة المتعثرين و التصالح مع الهاربين.

كما ظهر أن 333 رجل أعمال فقط حصلوا وحدهم على نحو 80 مليار جنيه فى صورة قروض وتسهيلات ائتمانية أى حوالى 45% من إجمالى القروض والتسهيلات التى قدمتها البنوك لرجال المال بدعم من ذوي النفوذ.كما تشير المؤشرات الإقتصادية إلى تآكل قطاع الإنتاج السلعى للدولة والمجتمع مثل الصناعة والزراعة، بل واتجهت الدولة الى التخلص من شركات القطاع العام فى أكبر عملية بيع اتهمت بالنهب وأحيطت بالشكوك والفساد الذى لم تشهد مصر مثيلا له ولا فى عهد الخديوى إسماعيل, إذ تشيرالأرقام الرسمية إلى أنه عند الشروع فى تقييم أصول شركات القطاع العام الثلاثمائة والثمانين فى عام 1991 وبمعرفة مكاتب وشركات تقييم أمريكية وغربية قدروا أصولها بنحو 100 مليار جنيه، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على تطبيق برنامج الخصخصة، باعوا نصف هذه الشركات (194 شركة) بمبلغ لا يزيد على 16.6 مليار جنية، أى أن إجمالى عمليات البيع بعد اكتمالها لن تتجاوز 35 مليار جنية.. فأين ذهب الباقى؟ ولمصلحة من؟ وما علاقتهم برجال الحكم وأبنائهم؟

واستمرارا لسياسات السادات، جرى منح المزايا الضرائبية والجمركية للمستثمرين والمستوردين، وعدلت قوانين الضرائب أكثر من خمس مرات من أجل تخفيض العبء الضريبى على أرباحهم، وألغيت ضرائب تمس دخول الأغنياء مثل ضريبتى التركات ورسم الأيلولة، كما أن الدارس المتعمق فى هيكل النظام الضريبى المصرى طوال عقد التسعينات يكتشف أن الضرائب المتحصلة من الأغنياء فى مصر لم تزد فى أفضل الأحوال على 15% من جملة الحصيلة الضريبية سنويا، وتحملت شركات القطاع العام والفقراء والحرفيين نسبة 85% من العبء الضريبي.

أما الإعفاءات الجمركية فقد قدرتها بعض الدراسات الجادة منذ عام 1974 وحتى عام 2004 بأكثر من 80 مليار جنيه استفاد بها أصحاب المشروعات ولم تنعكس بدورها إيجابيا على هيكل الأسعار فى الداخل.

و أخيرا جاء تزعم الرأسماليين الجدد للحزب الوطني و لجنة السياسات ووزارة الدكتور أحمد نظيف ليلقي الضوء على إجابة السؤال الذي بدأنا به المقال و هو ماذا تبقى من أهداف ثورة يوليو؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموضوع نشر في جريدة الدستور الورقية بعددها الأسبوعى، و أيضا في مدونتي القديمة.

جمال عبد الناصر

ثورة 23 يوليو و الديمقراطية

“إقامة حياة ديمقراطية سليمة” كانت هدفا من الأهداف الستة التي أعلنت ثورة 23 يوليو1952م أنها قامت من أجل تحقيقها, فهل حققت الثورة هذا الهدف؟؟ و إن كانت حققته فلأي مدى حققته؟؟ و إن كانت لم تحققه فلماذا لم تحققه؟؟

قد يحلو للبعض في هذا السياق أن يحلل الأفكار النظرية لثورة يوليو و يبحث عن موضع الديمقراطية فيها, و قد يستشهد البعض بأقوال جمال عبد الناصر في أوائل الستينات التي أشار فيها إلى أن الثورة لم يكن عندها نظرية, وقوله ” انا بأقول إني ماكنتش مطلوب مني ابدأ في يوم 23 يوليو اني اطلع يوم 23 يوليو معايا كتاب مطبوع واقول ان هذا الكتاب هو النظرية. مستحيل. لو كنا قعدنا نعمل الكتاب ده قبل 23 يوليو ماكناش عملنا 23 يوليو لأن ماكناش نقدر نعمل العمليتين مع بعض”.

لكن في حقيقة الأمر أن السير في تناول موضوع ثورة يوليو و الديمقراطية على هذا المنوال هو سير في طريق رسمه جمال عبد الناصر ليخفي به حقيقة أهدافه و تصوراته, و هو ما ينافي الموضوعية في تناول الموضوع.لقد إدعى الثوار في كل أحاديثهم و تصريحاتهم العمل من أجل الديمقراطية غير أن هدف “إقامة حياة ديمقراطية سليمة” الذي أعلنوه انطوى في حد ذاته على نقد مبطن للديمقراطية التي كانت قائمة قبل الثورة, كما انطوى طرح الهدف بهذه الصيغة على الإشارة أن للديمقراطية مفهوما محددا لدى الثوار مختلفا عن المفهوم السائد عبرت عنه الأهداف الستة بجملة “حياة ديمقراطية سليمة”.

مفهوم الخاص بالديمقراطية

إذن ما هو المفهوم الخاص بالديمقراطية الذي كانو يتبنونه؟؟؟

بداية لابد أن نلاحظ أن ثوار يوليو لم يكن لهم مفهوم محدد للديمقراطية أو أي تصور نظري محدد و مفصل لأي من القضايا السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية سواء منها ما انتظمته الأهداف الستة أو غيرها, و قد عبر عن ذلك عبدالناصر في أكثر من مناسبة بما في ذلك مقولته المذكورة في بداية المقال, إذن فعن ماذا كانت تعبر ثورة يوليو؟؟لقد عبرت ثورة يوليو عن رد فعل مضاد على الأوضاع البائسة و الفاسدة التي كانت سائدة في حياة مصر السياسية و الإقتصادية قبل 23 يوليو 1952م, لقد كره الجيش الوفد بسبب حادثة 22 فبراير 1942م و بسبب الفساد الذي ساد دوائر الوفد العليا, كما كره الجيش و الشعب الأحزاب و الحياة الحزبية بسبب الفساد و التزوير و المحسوبية التي سادت في ذلك الوقت, كما أمل الجيش و الشعب في أن تدخل مصر في مرحلة جديدة من تاريخها بعد ثورة 23 يوليو 1952م, و بذا بدا لدى الأغلبية من الجيش و الشعب و القوى السياسية العقائدية الصاعدة (الإخوان المسلمون و الشيوعيون و مصر الفتاة) أن أي إجراءات جديدة تتخذها الثورة كبديل عن الأوضاع السابقة ستكون أفضل من الأوضاع السابقة كما إتفق الجميع على حتمية عدم الرجوع للأوضاع السابقة قبل 23يوليو 1952م.

و من هنا كان يمكن لقادة الثورة فعل أي شئ جديد دون معارضة تذكر.

خالد محي الدين كان الوحيد الذي طالب بالديمقراطية

كان هناك خالد محي الدين الوحيد من مجلس قيادة الثورة الذي دعا لإقامة حياة ديمقراطية و نيابية سليمة لكنه لم يسانده أحد و سرعان ما أجبر على الإستقالة من المجلس و الإنتقال للمنفى الإختياري في سويسرا, كانت حجة عبدالناصر و من على رأيه في رفض إقامة نظام حكم مدني ديمقراطي سليم هو أن ذلك سيعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 23 يوليو, و هكذا إندلعت أزمة مارس المشهورة و حرك عبدالناصر مظاهرات مأجورة تدعو بسقوط الديمقراطية.

و مع ذلك ظلت الديمقراطية هي قميص عثمان لدى الثوار, فعندما اختلف محمد نجيب مع عبدالناصر والثورة رفع نجيب شعار الديمقراطية لكن نجيب تمت إزاحته و حبسه (نوفمبر 1954م), و عندما إختلف البغدادي مع عبدالناصر رفع أيضا شعار الديمقراطية و أزيح أيضا (1964م), و عندما إختلف عبدالحكيم عامر مع عبدالناصر إثر هزيمة يونيو 1967م رفع شعار الديمقراطية, لكنه أزيح أيضا.

و هكذا و رغم كل شيئ فقد تمكن عبدالناصر من التخلص من كل زملائه (بعدما تخلص من الإخوان و الشيوعيين) و الإستئثار بالحكم حتى يوم وفاته فكيف تم هذا و ما علاقة هذا بالديمقراطية؟؟

كيف انفرد جمال عبد الناصر بالحكم؟

في البداية لم يكن جمال عبد الناصر منفردا بالقرار و ذلك بحكم وجود معارضة و منافسة لدوره داخل مجلس قيادة الثورة و لكن دور عبدالناصر ما لبث ان تبلور تدريجيا بعد خروج العناصر المناؤة له من المجلس و رسوخ سلطته السياسية و بالذات بعد أن جمع بين منصبي رئيس مجلس قيادة الثورة و رئيس مجلس الوزراء في ابريل 1954م و من ثم بدأ عبدالناصر يلعب دورا رئيسيا في إتخاذ القرارات السياسية تصل إلى حد الإنفراد بالقرار, فعلى سبيل المثال قرر بمفرده الإتصال بالإتحاد السوفيتي عن طريق الصين الشعبية لطلب شراء أسلحة في ابريل 1955م دون ابلاغ مجلس قيادة الثورة و اكتفى بإبلاغ المجلس و الحصول على تأييده بعد أن تمت الإتصالات بالفعل.

و قد حدد الإعلان الدستوري الصادر في 10فبراير 1953م فترة انتقالية قوامها 3 سنوات لإنتخاب رئيس الجمهورية و إصدار دستور دائم و ناقش مجلس قيادة الثورة شكل النظام السياسي الجديد منذ أغسطس 1955م و إتجه أعضاء المجلس لإعطاء عبدالناصر دورا قياديا نهائيا في النظام الجديد, و كان الإتجاه الغالب في المجلس هو أن تنتقل السلطة إلى عبدالناصر و في هذا الصدد عارض عبدالناصر الرأي الذي طرحه عبداللطيف البغدادي بتحويل مجلس قيادة الثورة إلى مجلس جمهوري و أن تتشكل السلطة التنفيذية من وزارة مدنية اللهم إلا إذا كانت سلطة المجلس الجمهوري ذات طابع رمزي و قد طالب أيضا بإنشاء سلطة تنفيذية قوية من بعض اعضاء المجلس, و قد أيد معظم الأعضاء تفويض عبدالناصر في وضع أسس النظام الجديد, و بذا اجمع المجلس على أن عبد الناصر هو الذي يعلن النظام الجديد و يعتبر مسئولا عنه مسئولية كاملة.

جمال عبد الناصر ينهي السلطة الجماعية لمجلس قيادة الثورة

و قدم جمال عبد الناصر مشروع الدستور إلى مجلس قيادة الثورة في يناير 1956م وتم قبوله, و انتخب عبدالناصر رئيسا للجمهورية في يوليو 1956م, و بذا تغير هيكل القيادة تغيرا كاملا فقد انتهى عهد السلطة الجماعية لمجلس قيادة الثورة و أصبح كل عضو من اعضائه الذين إختارهم عبدالناصر للعمل معه مسئولين أمامه مسئولية فردية عن العمل المنوط بكل منهم, و أصبح عبد الناصر الزعيم المطلق فقد أعطاه الدستور الجديد الصادر عام 1956م سلطات سياسية خيالية.

فالمادة 131 من الدستور تقرر أن رئيس الجمهورية يضع بالإشتراك مع الوزارة السياسة العامة للحكومة في جميع النواحي السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الإدارية و يشرف على تنفيذها أي أن الرئيس يضع و ينفذ السياسات العامة. كما أعطته المادة 132 حق إقتراح القوانين و الإعتراض عليها و إصدارها. و أعطته المادة 135 سلطة لإصدار قرارات تكون لها قوة القانون فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله.

و أجازت المادة136 لرئيس الجمهورية في الأحوال الإستثنائية بناء على تفويض من مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون.

كما أعطته المادة 137 سلطة إصدار القرارات اللازمة لترتيب المصالح العامة و الإشراف على إدارتها.

هذا بالإضافة إلى سلطة إصدار لوائح الضبط و اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين و ذلك ما تضمنته المادة 138.أما المادة 143 فقد أعطته سلطة إبرام المعاهدات.

و أعطته المادة 144 سلطة إعلان حالة الطوارئ. و أعطته مادة 146 سلطة تعيين الوزراء و إعفائهم من مناصبهم.

كما أن الدستور قرر اجتماع الرئيس مع الوزراء في هيئة مجلس وزراء لتبادل الرأي في الشئون للحكومة و تصريف شئونها حسب المادة 147, و هذا يعني أنهم ليس لهم اختصاص نهائي في تلك المسائل لأن ذلك معقود لرئيس الجمهورية فالرئيس يتبادل الرأي مع مجلس الوزراء و يمارس الإختصاصات التنفيذية بنفسه و هو في ذلك لا يحتاج إلى توقيع الوزراء على القرارات التنفيذية كى تكون نافذة.

جمال عبد الناصر له حق حل مجلس الأمة 

و من ناحية أخرى أعطى الدستور الرئيس حق دعوة مجلس الأمة إلى الإنعقاد و فض دورة انعقاده كما أعطاه حق حل المجلس و في المقابل لم يعط للمجلس إلا حق إبداء رغبات أو إقتراحات للحكومة في المسائل العامة حسب المادة 92 من الدستور, أو طرح موضوع عام للمناقشة لإستيضاح سياسة الحكومة في شأنه أو تبادل الرأي فيه حسب المادة 91.

و فضلا عن كل هذه الصلاحيات الدستورية الواسعة جدا فإن مسائل السياسة الخارجية و الأمن القومي كانت مستثناة فعليا من اعمال المجلس حسبما ذكر عبدالناصر في محادثات الوحدة مع سوريا و العراق عام 1963م.

و في إطار مجلس الوزراء كان العسكريون من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين إختارهم عبدالناصر للعمل معه كوزراء في المجلس الذي تشكل برئاسته يشكلون الحركة المركزية لإتخاذ القرار حول عبدالناصر، فبحكم صلتهم السابقة بعبد الناصر كان لهؤلاء العسكريين السابقين علاقات أوثق بعبد الناصر، كما شغلوا الوزارات الرئيسة و أشرفوا على أعمال الوزراء المدنيين حسبما ذكر سيد مرعي, بيد أن دور هؤلاء العسكريين في مجلس الوزراء و في عملية إتخاذ القرار لم يكن يعني بالضرورة مشاركتهم الفعالة لجمال عبدالناصر في اتخاذ القرارات, فلم يكن لأي منهم مكانة تمكنه أن يكون مشاركا بشكل حقيقي في صنع القرارات.

و على سبيل المثال لا الحصر فإن رفاق عبد الناصر لم يعرفوا بقرار تأميم قناة السويس إلا لحظة الإعلان عنه يوم 26 يوليو 1956م.

و هكذا انفرد عبدالناصر بالحكم و تخلص من كل زملائه حتى مماته, فما علاقة هذا كله بالديمقراطية؟؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموضوع نشر في جريدة الدستور الورقية بالعدد الأسبوعى، و أيضا في مدونتي القديمة.

أسامة بن لادن

رسالة أسامة بن لادن حول الرسوم المسيئة .. ما أهميتها؟؟

أطلقت مؤسسة سحاب (الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة) بالأمس تسجيلا صوتيا لأسامة بن لادن استغرق خمس دقائق و صحبته صورة حديثة لبن لادن يمسك ببندقية هجومية حديثة, و قد هاجم بن لادن في رسالته الصوتية الاتحاد الأوروبي بسبب الرسوم المسيئة للرسول الكريم, وخاطب بن لادن من وصفهم بالعقلاء في الاتحاد الأوروبي، قائلا “إن نشر تلك الرسوم هدفه اختبار المسلمين في دينهم، والجواب هو ما ترون لا ما تسمعون فلتثكلنا أمهاتنا إن لم ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
وانتقد أسامة بن لادن التذرع بحرية التعبير لنشر الرسوم قائلا: “لا داعي إلى التحجج بقدسية حرية التعبير عندكم وقداسة قوانينكم وأنكم لن تغيروها، وإلا فعلى ما تم إعفاء الجنود الأمريكيين من الخضوع إلى قوانينكم فوق أرضكم، وعلى ما تقمعون حرية من يشكك في أرقام حادثة تاريخية”, مشيرا بذلك للمحرقة النازية لليهود.
وانتقل بن لادن بعد ذلك للهجوم على العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز قائلاً: “ثم إنكم تعلمون أن هناك رجلا واحدا يستطيع أن يوقف هذه الرسوم لو كان الأمر يعنيه وهو الملك غير المتوج في الرياض، والذي كان أمر بإيقاف هيئاتكم القانونية عن العمل بشأن التحقيق باختلاس المليارات من صفقة اليمامة.”
وأضاف زعيم القاعدة في تسجيله الصوتي أن “العداء بين البشر قديم ولكن عقلاء الأمم حرصوا في جميع العصور على الالتزام بآداب الخلاف وأخلاق القتال، إلا أنكم في صراعكم معنا تخليتم عن كثير من أخلاق القتال عمليا وإن كنتم ترفعون شعاراتها نظريا”.
وتابع قائلا إن أوروبا تستهدف عن عمد النساء والأطفال المسلمين “مجاراة لحليفها الذي أوشك هو وسياساته العدوانية على الرحيل من البيت الأبيض”، في إشارة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش.
كما شن بن لادن هجوما على بابا الفاتيكان بسبب ما اعتبره بن لادن دورا له رئيسي في حملة الرسوم المسيئة, ولذلك هاجم الذين يسعون للحوار مع الفاتيكان و اعتبر أنه لاجدوى من أي حوار معه.
و كالمعتاد اختلفت و تعددت أراء المراقبين بشأن الأهداف و المعاني التي تتضمنها هذه الرسالة المسجلة, فالبعض اعتبروها تشير إلى الإعداد لهجوم وشيك من القاعدة على أى من أقطار الإتحاد الأوروبي خاصة الدانمارك صاحبة الرسوم المسيئة, و البعض رأى أنها تتضمن أيضا رفضا للحوار مع الفاتيكان الذي يقوم به عدد من القيادات الإسلامية, و دعوة لهذه القيادات بمواجهة ما يعتبرهم أعداء للإسلام بدلا من محاورتهم.
و البعض قال إن الهجوم المرتقب على أوروبا ليس وشيكا فالرسالة في رأي هذا الفريق من المراقبين لا تشير لأي إطار زمني رغم أن التهديد فيها واضح, و اعتبروا أن الرسالة مجرد تحفيز لأنصاره ليضربوا أوروبا خاصة في الدانمارك.
و مما لاشك فيه أن هذه التحليلات تعبر في معظمها عن سوء الفهم السائد لدى دوائر تحليل الحركات الإسلامية لاسيما المراكز الغربية منها, ومما لا شك فيه أيضا أن بن لادن لا يأمل في أي استجابة من القيادات الإسلامية التي يهاجمها بسبب سكوتها على الرسومات المسيئة للرسول وبسبب حوارها مع الفاتيكان, لكنه يريد بذلك أن يحرج هذه القيادات أمام الجماهير كي تمتنع عن تأيد هؤلاء القادة و تتوجه لتأييد القاعدة.
كما أن رسائله الموجهة لأوروبا ليس الغرض منها إقناع الإدارات الأوروبية بتغيير سياساتها بقدر ما هو الغرض منها مخاطبة اليسار الأوروبي و القوى المناهضة للعولمة وللحروب الأمريكية على العراق و أفغانستان و نحوها من القوى المحبة للسلام و حوار الحضارات و هو ما يعد تطورا هاما في خطاب القاعدة و رغم أنه بدأ من فترة إلا أن مساحة الاهتمام بمخاطبة هذه القوى زادت في هذه الرسالة.
أما عن توقيت أي عملية مرتقبة للقاعدة ضد الدانمارك أو مصالحها في أي مكان في العالم فأنا أرى أنه وشيكا جدا ما لم يحدث ما يعطلها في لحظتها الأخيرة, بل ربما تقع هذه العملية يوم ميلاد النبي محمد (ص) أو قريبا منه, كتعبير رمزي من تنظيم القاعدة عن الوفاء للنبي محمد بلغة تنظيم القاعدة, و هذا ليس رجما بالغيب إنما فهما دقيقا من قولة بن لادن في رسالته “و الجواب ما ترون لا ما تسمعون” و هي كلمة قالها الخليفة العباسي المعتصم بن هارون الرشيد عندما حرك جيوشه ضد الإمبراطورية الرومانية نصرة لأسيرة مسلمة لديهم استغاثت بالمعتصم و عندما كتب المعتصم هذه المقولة للروم حرك قواته فورا و حرر الأسيرة واحتل بلاد شاسعة تابعة للروم, و هذه الواقعة مشهورة و محبوبة لدى الحركات الإسلامية بكافة اتجاهاتها الفكرية و تعبر لديهم عن اقتران الأقوال بالأفعال لدى القادة السياسيين في العصر الذهبي لتاريخ الإسلام حسب تصورهم.
يشار إلى أن آخر رسالة لبن لادن الذي يشتبه بأنه مختبئ في مكان ما على الحدود بين أفغانستان وباكستان تعود إلى 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي حذر فيها المسلمين من تقديم أي دعم للحكومة العراقية المدعومة من الولايات المتحدة ووعد بـ”تحرير فلسطين”.