محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم

عبقرية محمد صلى الله عليه و آله و سلم لعباس العقاد

طعن شاب مولع بالحضارة و الفلسفة الغربية في شخص النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم ) قائلا أن بطولة محمد إنما هي بطولة سيف و دماء، و كان هذا الشاب يحسب أن التطاول على الأنبياء من لوازم الإطلاع على الفلسفة و العلوم الحديثة، وكان ذلك في بيت محمود عباس العقاد في إحدى الجلسات التي جمعت بين العقاد و عدد من الأدباء و المثقفين.

و قد تزامنت هذه الجلسة مع ذكرى المولد النبوي الشريف في إحدى السنوات ، و قد رد الحضور ردا شديدا على هذا الشاب مما دعاه للاعتذار عن مقولته ثم انصرف من الجلسة، لكن أحد الحضور اقترح على العقاد أن يكتب كتابا عن النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) وفق المناهج الحديثة بدلا من تلقي المسلمين معلوماتهم عن عظمة النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) من كتابات المستشرقين.

و قد عزم العقاد على هذا لكنه لم يكتب هذا الكتاب المنشود إلا بعد ثلاثين عاما من هذا العزم، و قد كتب أخر سطر منه في يوم مولد النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) أيضا.

واعتبر العقاد أن الثلاثين عاما هذه كانت لازمة كي يتهيأ علميا و فكريا و نفسيا لمثل هذا العمل الهام..”عبقرية محمد” صلى الله عليه و آله و سلم.

و في مقدمة الكتاب أشار العقاد إلى أن كتابه هذا ليس كتابة للسيرة النبوية و لا شرحا للإسلام أو دفاعا عنه أو مجادلة لخصومه “إنما الكتاب تقدير لعبقرية محمد بالمقدار الذي يدين به كل إنسان و لا يدين به المسلم فقط، و بالحق الذي يثبت له الحب في قلب كل إنسان و ليس في قلب كل مسلم فقط”.

واعتبر العقاد أن هذا الزمان يحتاج من يخلصه من أزماته و لن يصلح لمصلح أن يهدي قومه و هو مغموط الحق معرض للجفوة و هو يقصد بذلك النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم)، كما أشار العقاد إلى أن الناس قد اجترأوا على العظمة في زماننا لأن شيوع الحقوق العامة قد أغرى أناسا من صغار النفوس على إنكار الحقوق الخاصة حقوق العلية النادرين الذين ينصفهم التميز و تظلمهم المساواة، و قد ظلم هذا الفهم الخاطئ للمساواة حقوق العظماء السابقين، و قد أغرى الناس بهذا الظلم غرورهم بتقدم العصر الحديث، و اعتقادهم أنه قد أتى بالجديد الناسخ للقديم في كل شئ.. حتى في ملكات النفوس و الأذهان، و هي مزية خالدة لا ينسخ فيها الجديد القديم حسب تعبير العقاد.

العالم كان ملائما للبعثة النبوية

أول فصل في كتاب العقاد يثبت أن العالم كان ملائما للبعثة النبوية فيه و قد جاءت في الوقت المناسب من حيث أحوال الفرس و الروم و العرب و قريش فخلاصة الحال حسب تعبير العقاد “عالم يتطلع إلى نبي و مدينة تتطلع إلى نبي و قبيلة و بيت و أبوان بأصلح ما يكونون لإنجاب ذلك النبي”.

عبقرية الداعي

أما الفصل التالي “عبقرية الداعي” فهو لا يقل في روعته عن روعة العقاد المعهودة و من أبرز ما فيه إبرازه أن المؤمنين لم يؤمنوا ابتغاء لذة الجنة و إلا لكان المترفون من صناديد الكفر أحرص على مثل هذه اللذة فلم يكن أبو لهب أزهد في اللذة من عمر، لكن هناك فارق واحد بين من سبق للإيمان ومن تخلف عنه حسب رأي العقاد ذلك هو الفارق بين الأخيار و الأشرار.. بين من يعقلون و يصغون للقول و من يستكبرون و لا يصغون للقول.

و في نفس الفصل يبرز أن المؤمنين هم من كان يجرد عليهم المشركون السيف فالمؤمنون كانوا مطاردين و مضطهدين تحت وطأة سيوف الكفار فكيف يكونوا آمنوا خوفا من السيف و يضرب مثالا بإسلام عمر عندما ذهب للنبي صلى الله عليه و آله و سلم متوشحا سيفه فخافه المسلمون لكن حمزة قال ائذنوا له إلى أخر القصة المشهورة فعمر الذي جاء ليسلم هو من كان يحمل السيف و ليس داعيه هو الذى حمل عليه السيف.

عبقرية محمد العسكرية

و في فصل “عبقرية محمد العسكرية” يسعى بنجاح إلى إقناع القارئ بعدالة السلوك العسكري للنبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) و مبرراته، كما يعقد مقارنات هامة بين القتال عند المسلمين و اليهود و المسيحيين، كما يعقد مقارنات بين الإنجازات في فنون الحرب لدى هتلر و نابليون و بين النبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) ليقول في نهاية الفصل:

“إن عبقرية محمد في قيادته لعبقرية ترضاها فنون الحرب و المروءة و شريعة الله و الناس و الحضارة في أحدث عصورها و المنصفون من الأصدقاء و الأعداء”.

ويتابع: “قد سمعنا كثيرا فى العصور الحديثة عن المقاومة التى تتجنب العنف ولا تعتمد على غير وجه الحق والحجة .. سمعنا بها فى الحركة الهندية التى قام على رأسها غاندى وقد استبعد البعض أن يتفق المسلمون مع تلك المقاومة السلبية لاعتقادهم أن الإسلام قد شرع للقتال، ولكن المثل الذى قدمه النبى محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم فى رحلة الحديبية يبين أن الإسلام قد أخذ من كل وسائل الدعوة بنصيب يجرى فى حينه مع مناسباته وأسبابه، وقد خرج النبي محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى مكة فى رحلة الحديبية حاجاً لا غازياً” .. بمثل هذه العبارات برهن العقاد على عبقرية النبي السياسية.

محمد في التاريخ

و هكذا إلى أخر الكتاب حيث يثبت عبقرية النبي الإدارية و في الفصاحة و في الصداقة و في الرئاسة و في الحياة الزوجية و الأسرية و كذا في عبوديته لله تعالى.

و يختم الكتاب بفصل “محمد في التاريخ” و فيه يشير إلى أن الإيجاز يغني في هذا الفصل “لأن العالم كله صفحات تنبئنا بمكان النبي محمد فيه. محمد في نفسه بالغ في العظمة وفقا لكل مقياس صحيح في عصور الحضارة….فالتاريخ كله بعد محمد متصل به مرهون بعمله، و إن حادثا واحدا من أحداثه الباقية لم يكن ليقع في الدنيا كما وقع لولا ظهور محمد و ظهور عمله”. بحسب تعبير عملاق الأدب العربى الحديث محمود عباس العقاد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت هذا الموضوع في جريدة الدستور المصرية بالعدد الأسبوعى، وفي مدونتى القديمة.

القضاء والقدر

تعرف على جانب من أسرار القضاء والقدر

يمثل القدر أحد أبرز المسائل الغيبية في العقيدة الإسلامية كما أنه يثير العديد من الإشكاليات مما جعله مزلة أقدام وبابًا ضَل فيه الكثيرون، لأنهم حاولوا الإطلاع علي أسرار وخفايا موضوع هو من أخص خصائص عالم الغيب الذي اختص الله بعلمه فلم يطلع علي غيبه أحداً إلا من اصطفى من أنبيائه ورسله، بل إن هؤلاء المرسلين أنفسهم لم يُطلعهم تعالى علي كل شيء بل أطلعهم على ما أراد لحكمةٍ بالغةٍ قضاها.

ولما كانت قضيه القضاء والقدر بهذه الخطورة فإن الله لم يترك خلقه هكذا ضلالاً جهالًا في بابها مما يعين الشيطان عليهم، حاشا له أن يفعل ذلك بل أقام منارات الهدى في باب القدر فلا يضل عن هداها إلا هالك. ومن هذه المنارات ترغيب المؤمنين في الإيمان بالغيب والتسليم به والصبر علي حلو القدر ومره والتبشير بثوابه وحسن جزائه في العاقبة سواء في الدنيا أو الأخرة.

ولم تقتصر منارات الهدي في موضوع القضاء والقدر علي هذا بل إن الكتاب والسنة سلكا مسلكاً آخر لتقوية إيمان المؤمنين وإعانتهم على الصبر على مر القدر، والشكر على حلوه دون اليأس في الأولى ودون الكبر والإغترار في الثانية، و نقصد بهذا المسلك الآخر هو مسلك تجسيد بعض المفاهيم التي تضع حركة القضاء والقدر في إطارٍ واضحٍ ومفهوم تجسيدًا ماديًا في الواقع الذي نعيشه، وهذا التجسيد لا نقصد به ما ورد في الكتاب والسُنة من ضرب الأمثال بل نقصد به ما ورد فيهما من وقائع لقصصٍ حقيقيةٍ حدثت في أزمنةٍ مختلفة وظهر الجانب الغيبي في هذا القصص بارزاً في عالم الشهادة، ولاشك أن تصفح هذا القصص لا يكسب القارئ علماً ببعض مرامي القضاء والقدر فقط بل أيضاً يعطي إيمانه بالغيب قوةً تقترب في درجتها من قوة من تصديقه بالمحسوسات التي يشاهدها في عالم الشهادة، ولعل هذا من أقوى دوافعنا لتصفح أمثلةٍ عن هذا القصص، ولكن لابد أن نلاحظ قبل أن نبدأ في هذا التصفح أن هذا القَصَص نوعان:

النوع الأول: قصص كاملة لأحداث محددة قصها علينا الوحي في الكتاب والسُنة من مبدئها إلي منتهاها، وكان منتهاها واضحاً فيه النهايتين الدنيوية والأخروية لهذه الأحداث مما أعطاها وضوحاً ظاهراً فالظلم والتكبر قد يحلو لبعض النفوس ويستهويها هذا في البداية فقط، لكن تأتي العاقبة بعد سنوات لتبين لنا عاقبة هذا الأمر الذي قدر له في بداية الأحداث أن يكون بطل الأحداث فيها غنيًا أو ذا صحةٍ أو قوةٍ أو جمال أو غير ذلك مما يحلو لنا، وهذا في كل القصص القرآني الذي يندرج تحت هذا النوع.

ولنضرب مثالين اثنين فقط علي هذا النوع من القصص، وهما قصة أصحاب الحديقة وقصة قارون.

قصة أصحاب الحديقة

فالأولي مذكورة في سورة القلم قال الله تعالى : {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ* أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ* فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [القلم: 17-33] ومختصر القصة في كتب التفسير أن رجلاً صالحاً كان يملك بستاناً، وكان يعطي جزءاً من ثماره صدقة للفقراء كنصيب ثابت لهم من محصول البستان عند كل حصاد, فلما مات عزم أبناؤه علي الاستئثار بالمحصول ومنع الفقراء منه، فأرسل الله عليه ناراً أحرقته عن أخره فصار البستان بعدما احترق أسودًا كسواد الليل المظلم، فلما رأي أبناء الرجل الصالح هذا المنظر راجعوا أنفسهم وندموا وتابوا عن فعلتهم.

وفي هذه القصة يبدو قضاء الشر في عاقبتة خير لهم لأنهم تابوا، وكذلك هو عقوبة بسبب عزمهم علي البخل، و فيها أن حفظ الله للبستان زمن أبيهم كان عاقبة من عواقب عمله الصالح وهو قضاء خير له وإن بدا هذا الإنفاق شراً عند البخلاء.

قصة قارون مع بني إسرائيل

والقصة الثانية: قصة قارون قال الله تعالي في سورة القصص { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ* قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّـهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 76-83]

وفيها ما هو مشهور من القصة من حسن مظهر قارون وغناه وما أسبغ الله عليه من نعم، وكذلك فخره وبطره فالفرح المذكور والذى نهوه عنه هو البطر والأشر لا السرور، وكل هذه الأشياء بدت للبعض في بداية الأحداث أنها قدر خير له وإن كان هو نفسه نفي دور القدر في غناه وقوته ولكن تأتى نهاية الأحداث بما لم يتوقعه هو وكل الموافقين على سلوكه، حيث خسف الله به وبغناه الأرض, فالقصة تظهر لقصار النظر عواقب الأمور التى بدا أنها قدر حلو منذ بدايتها لكنها كانت استدراجاً وكانت شرا له دنيوياً وأخروياً.

ولاشك أن هذا النوع من القصص بالغ التأثير في هداية ذوي العقول والبصيرة لكن قد يصعب علي البعض فهمه أو استمرار تذكره، وقد يغلبهم تعجلهم في التفكير والنظر فلا يرون العظة البالغة والعبرة الخطيرة في هذا القصص المسترسل والسائر عبر عشرات السنين بأحداث وئيدة الخطي إلي حد كبير، وهنا تأتي وظيفة النوع الثاني من القصص المستقي من الوحي.

نوع أخر من القصص القرآنى

وهو النوع الثاني: وهو قصص أورد مشهداً أو أكثر من مشاهد القدر الواقعية الظاهرة في عالم الشهادة (أي في الواقع المشاهد) ثم قام شخص (أو الوحي) في نفس وقت وقوعها بتفسير جوانبها الغيبية وإزاحة الستار عن أسرارها غير المشاهدة وذلك ببيان واضح ومباشر، وهذه القصص كثيرة في الكتاب والسنة وفيما يلي نذكر جانباً منها للاعتبار والتذكر:

قصة البشارة بميلاد إسحاق عليه السلام

ومن هذه الأحداث الواقعية التي دخل الوحي طرفاً في صياغتها وتفسيرها مباشرة مخاطباً أصحابها حدث تبشير الملائكة سيدنا إبراهيم (عليه السلام) و زوجته بإسحاق وبعده يعقوب فلما تعجبت زوجته بين لها الملائكة أن هذا قدر الله يفعل ما يشاء قال الله تعالى في سورة (هود): {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ* قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود: 71-72]

قصة البشارة بميلاد يحيى عليه السلام

وكذلك زكريا (عليه السلام) لما بشرته الملائكة بيحيى تعجب فجاءه ردٌ مماثل في المعنى قاله الله تعالى في مريم%22″>سورة مريم {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا *قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا* قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا * قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا * فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} [ مريم: 2-15]

قصة السيدة مريم عليها السلام

ومن هذا النوع أيضا من القصص قصة السيدة مريم مع ميلاد إبنها عيسى عليه السلام قال تعالى في سورة الأنبياء {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 91] , وقال الله في سورة مريم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 16-33] .فرزقت المسيح علي رغم منها ورغم ما ظنته أنه شرٌ لها إلا إنه كان رحمة للعالمين بل سينزل أخر الزمان ليصير وقتها رحمة لأهل ذلك الزمان أيضاً، ومريم هذه هي التي قالت أمها عنها يوم ولادتها إنها أنثي كأنها تشعر أنها لن تقدم من الخير ما يستطيع أن يقدمه الذكر لما نذرت لله مولودها، ومع ذلك فهذه الأنثى ارتقت في مدارج الإيمان والعمل الصالح حتى صارت سيدة نساء عصرها وأية من آيات الله علي مر العصور ورمز العفة والطهارة والصلاح كما قال الله تعالي في سورة آل عمران: { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 42-43] . فعلًا ذكرها مع أنها أنثي كما قالت أمها في سورة آل عمران: { إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 35-36] . فلا يأس من الإصطفاء أيا كان الجنس. حول قصة جالوت مع بني إسرائيل وفي هذا الإطار العام والسريع تأتي أيضاً قصة نصر مؤمني بني إسرائيل علي جالوت كما جاءت في سورة البقرة وفي الأحاديث النبوية الصحيحة.فلا يأس مع نصر المؤمنين علي عدوهم رغم قلتهم (إذ كانوا نحو ثلاثمائه فقط) مادموا ملتزمين بأمر الله وسنته في خلقه. هذه الأحداث عامة وسريعة وتسير في اتجاه متشابه تقريباً وهو مبررات أقداره لأنها ترمي إلي حكمه بالغة اقتضاها الله.

قصة موسى مع الخضر عليهما السلام

ثم نجد أحداثًا أخرى أكثر تفصيلاً وتنوعاً تذكر طرفاً منها أيضاً لمجرد التذكرة والإشارة لا الحصر ولا الاستقصاء فمنها قصة الخضر مع سيدنا موسي (عليه السلام) قال الله تعالي في سورة الكهف: {قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا* فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا *قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا* قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا* فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا *وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 66-82]

وفيها بيان لجانب من مرامي القدر المر في أنواع مختلفة من الأحداث مثل حدث فقد المال والذي تمثل هنا في خرق السفينة والمرمي الحقيقي هنا هو حفظ المال لا فقده وذلك بحفظ السفينة من أن يستولى عليها الملك, ثم نرى كذلك حدث فقد النفس متمثلا في قتل الغلام والمرمي الحقيقي هنا هو حفظ دين الوالدين المؤمنين وحفظ الدين مقدم علي حفظ النفس, ثم أيضاً نري حدث فقد المجهود أو بذل العمل دون مقابل مادي ورأي القدر فيه هو حفظ مال ضعفاء لكن المرمي أبعد من ذلك و هو أن أباهما كان صالحاً وهو يعني ما هو أبعد بشأن حفظ المال إذ يشير بذلك إلى قدر الله فى خلقه بحفظ ذرية كل صالح ومالهم بما فيهم ذرية نفس هذا الذي يبذل عمله ومجهوده دون مقابل مادي وإنما يبذل لوجه الله.

قصة الذي تكلم في المهد

ونري حدثاً آخر واضحاً في قصة الطفل الذي تكلم في المهد وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم فقال «بينا طفل يرضع من أمه فمر رجل راكب علي دابه فارهه وشارة حسنة فقالت أمه اللهم إجعل إبني مثل هذا فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه فقال اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل علي ثديه فجعل يرضع فكأني أنظر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يحكي إرتضاعه بأصبعه السبابة في فيه فجعل يمصها ثم قال ومرا بجاريه وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت وهي تقول : حسبي الله ونعم الوكيل, فقالت أمه اللهم لا تجعل إبني مثلها، فترك الرضاعة ونظر إليها، فقال اللهم إجعلني مثلها, فهنالك تراجعا الحديث (أي الطفل الرضيع وأمه) فقالت مر رجل حسن الهيئة، فقلت اللهم اجعل إبني مثله فقلت لا تجعلني مثله، ومررنا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون (زنيت سرقت) فقلت اللهم لا تجعل إبني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها, قال إن ذلك الرجل جبار فقلت اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون زنيت ولم تزن وسرقت ولم تسرق فقلت اللهم إجعلني مثله» .[البخاري- الفتح 6 (3436)، مسلم (2550) واللفظ له]

فهنا هذا الصبي أشار للحكمه من القدر في لون من قدر الخير وهو الجمال الظاهر في الهيئة والملبس ويبين أن وراءه كبره تجبره الذى هو لون من قدر الشر.

كما يبين الحكمة من القدر الذي ظاهره الشر في صورة الظلم الواقع على الجارية وأن وراءه خيراً وفيرا وثوابا عظيمًا، والأمثلة في ذلك المجال كثيرة وغزيرة وجديرة بأن تفرد بالبحث والكتابة.

ـــــــــــــــــــــ

هذا المقال كنت كتبته فى المعتقل عام 1998م.

دارفور

مشكلة دارفور فرصة للنظر في أنفسنا بعمق.. ملاحظات شاملة

يقال إن مؤامرة غربية صهيونية لتفتيت السودان كخطوة نحو تفتيت وإضعاف العالم العربي هى التى تجرى فى دارفور، فبغض النظر عن تفصيل هذه المؤامرة لوصدقناها، وبغض النظر عن نفيها لونفيناها، فإن المشكلة الحقيقية واقعة فعلا وإستغلها من إستغلها لتحقيق أهدافه وأجندته الخاصة، ولكن لابد قبل أن نقذف بكل سلبياتنا نحو غيرنا أو نعلقها على شماعة غيرنا أن ننظر بعمق فى أنفسنا أولا.

وإننا نلاحظ حول مشكلة دارفور وغيرها ما يلى:

الملاحظةالأولى: إهمال الحكومات المركزية العربية لتنمية ورعاية المناطق الريفية و الأطراف رغم أننا ننتمى للحضارة الإسلامية وتعاليم الفقه الإسلامى تقضى بأن تصرف الزكاة فى البلد الذى خرجت منه.

الملاحظة الثانية: كما نلاحظ أن الدولة العربية المعاصرة رغم أن أمد إستقلالها قارب على النصف قرن، ورغم حديثها وحديث مثقفيها المتواصل عن التقدم والتنوير والحداثة…..الخ فإنها ما زالت عاجزة عن حماية أمنها الوطنى فى معناه الشامل سياسيا وإقتصاديا وعسكريا وأمنيا وإجتماعيا(ولن أقول القومى لأن الحال ما نرى) حتى رأينا زوال دولة عربية كبرى قديمة الإستقلال كالعراق وتآكل دولة شاسعة كالسودان التى إستقلت من نصف قرن، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

الملاحظة الثالثة: هل التنسيق العربى أو التعاون العربى فى أوقات الخطر الداهم هو أمر ميئوس منه، ففى الماضى إعتقد المحللون السياسيون والإستراتيجيون العرب أن حالة الخطر ستوحد العرب أو على الأقل ستدفعهم لتعاون واسع يشبه تدريجيا الإتحاد الأوروبى أو حلف الناتو، لكن أحداث السنوات العشر الأخيرة أثبتت أن ذلك لن يحدث أبدا فى ظل الأوضاع الراهنة.

الملاحظة الرابعة: أن المجتمع العربى والشعوب العربية رغم أنها مازالت تنبض بالحياة لكنها ضعيفة الوعى وضعيفة الحركة فقد راينا فى تاريخنا العربى البعيد والقريب حركات شعبية تمنع قادتها من التعاون مع الأعداء وتقف حائطا صلدا ضد إختراق الأعداء لجسد المجتمع، وبينما تجتر ذاكرتنا هذا التاريخ المجيد فإننا نرى اليوم قوى إجتماعية وحركات سياسية ذات شعبية تنادى بالتدخل الأجنبى أو تهلل وتصفق له بل وتحض عليه.

الملاحظة الخامسة: نلاحظ أيضا عقم العقل العربى وجموده فالأزمات غير النمطية تحتاج لحلول غير نمطية تتولد من تفكير خلاق وغير نمطى.و مشكلتنا السياسية لاحل لها إلا بالإنفتاح والعدل فى توزيع جميع الموارد السياسية و الإقتصادية والإستراتجية، ورغم أن الحالة ستؤل إلى الأحسن حينئذ إلا ان ذلك كله يحتاج حلولا غير نمطية أيضا.وهذه الجملة هى مفتاح الحل لكل المشاكل، ومفتاح كل الأبواب المغلقة لكن بالأفعال وليس بالأقوال.

ـــــــــــــــــــــــــــ

هذا المقال كنت قد كتبته فى المعتقل تعليقا على أحداث دارفور عام 2004 م وتم نشره فى جريدة القدس العربى فى لندن بالعدد4781 بتاريخ 6 أكتوبر2004م.