من التاريخ

متى تنتزع حركة”ما” قيادة الأمة العربية ومتى يزيحها التاريخ للصفوف الخلفية؟

كتب- عبد المنعم منيب

هناك تعميمات أشبه بقوانين التاريخ الحتمية يغفل عنها كتاب وباحثون بل ومحللون سياسيون كثر في عالمنا العربي والإسلامي بسبب عدم اعتنائهم بدراسة التاريخ جيًدا والتأمل في تفاصيل أحداثه ومجمل اتجاهاتها، وخاصةً في التاريخ الإسلامي.

ومن هذه التعميمات المغفول عنها أن أي تيار أو توجه نشأ بالحركة الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية في التاريخ الإسلامي لم يزل من الواقع منذ نشأته وحتى الآن زوالًا عضويًا تامًا، وحتى عند أفول أي توجه أو تيار فهذا الأفول هو في حقيقته أفول إزدهاره وهيمنته وليس معناه زواله عضويًا من الواقع بالكلية، ولنتذكر معًا أغلب الحركات الفكرية والاجتماعية والسياسية في تاريخنا الإسلامي..

حركات في التاريخ الإسلامي

-الخوارج بعصر الفتنة الكبرى زمن أمير المؤمنين علي بن أبى طالب، ويستمر وجودهم حتى الآن.

-تيار الملكية في النظام السياسي منذ نشأته مع الدولة الأموية وما بعدها من ممالك إسلامية وهو مستمر حتى الآن كما يجد أسسه الفكرية في الجامية حاليًا.

-تيار التشيع لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفرقه المختلفة، بدأ منذ عهد أمير المؤمنين علي ومستمر حتى الآن.

-ومن فرق التشيع فرقة الشيعة الإسماعيلية مؤسسي الدولة الفاطمية ومنهم القرامطة وغيرهم ورغم محاربة صلاح الدين الأيوبي (ومن قبله وبعده من سلاطين المسلمين) ضدهم ومن ثم هزيمتهم إلا أنهم مازالوا موجودين حتى الآن ولهم كياناتهم ونشاطهم وتأثيرهم وإقتصادهم وإن انقسموا لعدة فرق.

-ونجد المعتزلة والأشاعرة والمرجئة والصوفية ونحوهم بكل تفريعاتهم وكلهم يوجد لهم امتدادات فكرية ونظامية مستمرة حتى الآن.

– الزنادقة ونحوهم من حركات مارقة كالخرمية والبابكية ودعاة وحدة الوجود وحاملي أفكار ثورة الزنج ونحو هذا فلا شك أن لهم امتدادات لأفكارهم حتى الآن وإن تلونت بألوانٍ حركيةٍ واجتماعية أخرى، وساقت شعارات تبدو جديدة في صياغتها ولكنها تعبر عن جوهر نفس هذه الحركات التي يظن الكثيرون دروسها وزوال وجودها.
وهكذا.. حتى فى عصرنا الحديث بل فى آخر مائة سنة نشأت جماعاتٌ وحركاتٌ وتيارات فكرية وسياسية واجتماعية في عالمنا العربي والإسلامي ولكن كلما انتهى عصر إزدهار أي منها فسرعان ما تتوارى قليلًا وتجلس فى الصفوف الأخيرة بواقعنا دون أن يزول وجودها العضوي من الواقع، فهي تفسح الصفوف الأولى للقوى الصاعدة، سواء كان صعودها حقيقيًا بتحقيق نجاحاتٍ حقيقية أو كان صعودها لا سبب له إلا تعلق الجماهير بأماني وآمال يحلمون بتحقيقها على يد هذا الصاعد الجديد.

آمال وأحلام الجماهير العربية والإسلامية

فالكل يأخذ دوره لينجز آمال وأحلام الجماهير العربية والإسلامية بشكلٍ أو آخر سواء كان صادقًا أو دجالًا سواء كان ذكيًا أو أخرقًا ثم تكشف الأيام حقيقته فإما ينجز فيطول بقاؤه بالصف الأول، وإما تنكشف حقيقة عجزه عن الإنجاز وعجزه عن تقديم مخرجات تتناسب مع أحلام الجماهير وآمالها وحينئذ تدهسه عجلة التاريخ وتدفعه حركة الأحداث إلى الصفوف الخلفية، ربما ينزوي ويراقب في صمتٍ وربما يظل متربصًا فرصةً قد تلوح في المستقبل ولكن منطق التاريخ (الذي هو سنة الخالق جل وعلا) تأبى أن يعاندها فاشل، فمن رسب في الإمتحان فأنى له أن يفلح فى تقديم الاستجابة الصحيحة للتحدي في أي امتحان تالي مادام مستمرًا على حاله الذي تسبب في إخفاقه في الإمتحان من قبل، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال آية 53]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد من الآية: 11]، كما قال عزو جل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران 165] ، وقال الله تعالى أيضًا: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}  [آل عمران من الآية: 140].

زيارة ميسي إلى مصر والفقر المنتشر

خاطرة غريبة حول زيارة ميسى إلى مصر

كتب- عبد المنعم منيب

أمس كنت فى العمل ليلا فرأيت على الشاشات حفلة ميسى ورأيت لقطات الابتسامات والسعادة البالغة على وجوه الوزراء الحاضرين ورأيت ما بالحفل من بزخ معروف ان هدفه جذب السياحة لمصر.. ولكن .. لسبب لا أعلمه قفز لذهنى فى هذه اللحظة شاه إيران الأخير محمد رضا بهلوى وما كان يقيمه من حفلات اتسمت بالبذخ بينما كان مواطنوه فى العاصمة طهران يعيشون مع مياه الصرف (المجارى) وربما شرب بعضهم منها أو استعملها ببعض حاجاته..
تقرير منظمة حقوقية مصرية
ويأتى هذا الحفل بنفس اليوم الذى صدر به تقرير لمنظمة حقوقية مصرية معتمدا على بيانات وارقام حكومية وأكد ان ١٠٪ من اغنى المصريين ينفقون ١٠٠ ضعف من ما ينفقه افقر ١٠ ٪ من المصريين فى الحضر بينما فى الريف ينفق الاغنى ٧٠ ضعف الأفقر.. ونشرت رويترز عرضا للتقرير، وربما هذا ما ضغط على ذهنى.
على العموم مش عارف إيه فكرنى بالمجحوم رضا بهلوى فى ظل فرحة المصريين بميسى وفرحة زملائى وتغزل بعضهم بالبنات العريانة اللى غنت فى الحفل بينما نعت آخرون هذه البنات بألفاظ ما اقدرش اكتبها.

ترامب

هل حكم دونالد ترامب لأمريكا الآن سيجلب النصر للمسلمين؟؟.. آراء وردود

كتب- عبد المنعم منيب

يفرح كثير من الأخوة بحكم دونالد ترامب الآن فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكتب بعضهم منوها بما سيأتى من نصر للمسلمين بسببه، وكتب أحد الأفاضل مؤيدا لهذا الرأى وقال: ” وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
الرجل يحارب معقل النظام العالمي الجديد نيابة عنا ههههه
من مسقط الرأس والنَّاس متشائمة ههههه”.
فعلقت عليه وقلت: “نعم لكن هو يريد أن يحل محله نظاما عالميا آخر على هواه هو ومن معه”.
فهو ضدنا أيضا لكن بطريقة أخرى.
فرد على شارحا رأيه وقال: “أقصد أن الفائدة ستحصل لنا قبل أن ينجح في فرض نظامه الجديد، أو قد ينجحون هم في مواجهته و تثبيت نظامهم العالمي الحالي، فهذا الصدام سيأخذ جهد و خسائر مالية هامة، وعلينا نحن المسلمين استغلال الظرف أفضل استغلال والا لن تتاح لنا فرصة كهذه أبدا”.
فرددت عليه متسائلا تساؤلا استنكاريا، وقلت: “كيف نستفيد ونحن لسنا عندنا لا موارد ولا أدوات، وأهم الموارد والأدوات هي الفكر الاستراتيجى السليم الموضوعى المبدع، والقيادة الاستراتيجية الذكية المبدعة ووحدة الصف؟؟؟!!!!”
فأجابنى مقترحا الحل من وجهة نظره: “هذا ما يجب العمل عليه، بجمع العلماء و المفكرين و المثقفين الشرفاء المؤمنين، و تكوين إطار سياسي يجمعهم و يبدأ في وضع خريطة لاسترداد أوطاننا، ويجب ان ننظر الى مصر و ليبيا و تونس كقطر واحد و نعمل على ذلك الأساس”.انتهى رده علي.
وفى واقع الأمر فالحل بالتوافق وتوحيد النخب الموجودة فعلا هو أمر حاوله كثيرون، فى مصر وفى بقاع شتى من العالم، منذ بدايات القرن العشرين الميلادى وحتى اليوم، ولم يجنوا سوى الفشل لسبب بسيط جدا، وواضح جدا، وهو أن هذه النخب المراد توحيدها هى هى التى صنعت هذا التشرذم، لأهواء بعضها، ولجهالة بعضها الآخر، فكيف سيخرجون من جلدهم الأصلى (أى الأهواء والجهالات) ويمحون واقعا هم صانعوه وهم حراسه؟؟!!
لذلك كله رددت على صديقنا ذى الظن الحسن وقلت له: “لافائدة ولا أمل فى النخب الحالية فى العالم الاسلامى، فلو فيها أى فائدة لما وصل الواقع لما نحن عليه الآن، وإنما الأمل فى نشوء نخب جديدة، ترتقي إلى مستوى التحديات علميا ودينيا، رغم أنه أمل ضعيف بسبب ما نراه من تمرد كثير من الشباب على خبرات التاريخ، وإعراضهم عن التحصيل العلمى المتخصص.. لكن ان كان هناك أمل فهو فى تكون نخب علمية وحركية جديدة”… والله الموفق والمستعان.

الحرب في سوريا

هل خلافات المسلمين لا تحسم إلا بالقتال وسفك الدماء ؟؟

تثير أحداث اقتتال عدد من الفصائل والحركات الإسلامية فى سوريا هذه الأيام مسألة غاية فى الأهمية وهى: كيف يدير المسلمون بعامة والحركات الاسلامية بخاصة خلافاتهم؟؟

ظاهرة الاقتتال الإسلامى/الإسلامى
لأن ظاهرة الاقتتال الإسلامى/الإسلامى هذه تكررت وبشكل خطير فى العصر الحديث، فاقتتلت فصائل مسماة بالإسلامية فى أفغانستان بعدما انتصروا على الاحتلال الروسى وتحولت أفراح النصر إلى بحور من دماء الشعب الأفغانى، وعاشت أفغانستان حالة من الفتن المسلحة وسفك الدماء لعدة سنوات إلى أن تشكلت حركة طالبان وقهرت جميع الأطراف وحكمت أفغانستان كدولة واحدة (تقريبا) لكن لم تعترف بها أى دولة فى العالم سوى باكستان والسعودية، إلى أن داهمها الغزو الأمريكى بنهاية عام 2001 فقضى عليها ونصب نظاما عميلا له هناك.
واقتتل الإسلاميون المختلفون أيضا فى الصومال حيث جرت بحور من دم بين “المحاكم الاسلامية” التى حكمت الصومال لفترة وبين حركة “الشباب المجاهدين”.
وتكرر ويتكرر مشهد صراعات الإسلاميين فى كل مكان بالعالم بأشكال شتى، فحين يكون هناك سلاح يستخدم السلاح، وعندما لا يكون هناك سلاح فهناك أساليب لا تقل فى فداحة ضررها عن السلاح مثل التشهير وإطلاق التهم الباطلة، ومثل إبلاغ أجهزة معادية بأن الشخص أو الجهة هذه أو تلك هى إرهابية أو متطرفة، ومثل الصمت عن ذبح فصيل إسلامى ما بدعوى أنه إرهابى أو متطرف، وفى كثير من الأحيان جرى الإعلان عن تأييد هذا الذبح وفى بعض الأحيان جرت المشاركة فى الذبح، ووصل الأمر فى حالات أخرى لمشاركة جهات لا خلاف فى عدم إسلامها وعدواتها للاسلام وللأمة الإسلامية (مثل أمريكا والناتو) فى غزو دول إسلامية كأفغانستان والعراق وغيرها، أو إطلاق الفتاوى بوجوب أو جواز مشاركتها فى العدوان على المسلمين.
فهل معنى هذا أن حل الاقتتال الإسلامى/الإسلامى هو أن يفوز فصيل على الجميع ويقهرهم ويمنع اقتتالهم؟؟ 
وبتعبير أكثر تجريدا وتعميما: هل خلافات المسلمين وبالأخص الحركات الاسلامية لا تحسم إلا بالقتال ولا ينتهى اقتتالهم وسفكهم للدماء إلا بإنتصار أحد الفصائل وهيمنتها على الباقين بقوة السلاح؟؟   

التعصب الحزبى والمذهبى
لا نجد بالدراسات المنشورة (فى حد علمى) دراسة علمية موضوعية محايدة لهذه الظاهرة وتصور علمى شرعى لسبل حل هذه الأزمة، وكل الذى نجده (فى حدود ما اطلعت عليه) دراسات وكتابات تعميمية عن أدب الخلاف وفقه الخلاف والحوار والتعدد والتنوع الفقهى ونحو ذلك، وهذا سببه أمران:
الأول-اعتلاء أشخاص لايهتمون بالعلم ولا الموضوعية لمناصب القيادة والتأثير والتوجيه فى الحركات الاسلامية بالعالم كله، فهم إما ممن لايعلمون أو أنهم ممن يعلمون علما غطى على نوره التعصب الحزبى والمذهبى فذهب بفائدته وثمرته فصاروا مثلهم مثل من لا يعلمون فى قراراتهم وسلوكهم، وبالتالى فكلا النوعين لا يهتمون بدراسة هذه “الظاهرة/الأزمة” علميا وإيجاد الحلول العلمية والموضوعية لها.
الثانى-تصميم جميع مفكرى وعلماء وكتاب وقادة كافة الحركات الإسلامية القائمة (أو أغلبها) على أن لايروا إلا أنفسهم فهم يعتبرون أن أى جماعة أو شخص من خارج جماعتهم لا يمثل عملا إسلاميا ولا يفيد الأمة الإسلامية ويعتبرون مسلكه خاطئ ويعطل انتصار العمل الإسلامى، (ويقصدون بالعمل الإسلامى ما تقوم به جماعتهم فقط) ويعتبرون أن أى عمل يقوم به من سواهم يجر الويلات والانتكاسات على الأمة الإسلامية، حتى لو كان هذا العمل هو نفس عملهم إلا أنه لا يرفع رايتهم، ومن هنا فكل فريق لايعترف بأى فريق إسلامى آخر، ولذا كل منهم يرى أنه لا حل إلا بإزاحة الآخرين من الوجود لأنه يرى أنه لامبرر لوجودهم بل ويرى أن وجودهم يعطله.

ما هو الحل؟
ومن هنا فالحل يحتاج أن يقوم الباحثون المستقلون عن الجماعات والأحزاب ممن تجردوا من التعصب الحزبى والفكرى بدراسة الظاهرة علميا موضوعيا فى إطار السياسة والاستراتيجية الشرعية، وأن يروجوا هذه الدراسات التى تحمل حلولا عملية بين شباب المسلمين ليخلقوا رأيا عاما ضاغطا على هذه الجماعات المتحزبة المتعصبة.
كما ينبغى أن يسعى الكتاب والناشطون وأصحاب المنابر بجانب الباحثين والعلماء إلى ترسيخ فكرة أن واقع العمل الإسلامى والحركات الإسلامية هو واقع متعدد ومتنوع وأن هذا التعدد والتنوع هو من قبيل المذاهب الفقهية التى يعذر فيها بالتأويل والتى ينبغى التعايش معها فهى لا حل لها لا فكرى ولا فقهى ولا عسكرى، فجميع أراء العلماء الموجودة حتى الآن بكتب الفقه الموسوعية منذ عهد الصحابة والتابعين وحتى يومنا هذا مازالت موجودة وظلت موجودة وتجد من يتبناها ويدرسها ويعمل بها عبر جميع العصور الإسلامية ولم يتمكن بحث فقهى أو فكرى مهما بلغ من قوة أن يزيل رأيا مخالفا له من منظومة الفقه الإسلامى فطبيعة الحياة وطبيعة الإسلام تقبل وتتعايش مع التعدد والتنوع وهكذا ازدهرت حضارة المسلمين وسادوا الدنيا لقرون كثيرة متتالية.

مذاهب العمل الإسلامى
وكى نكون صرحاء فنحن نحدد هنا بكل وضوح أن مذاهب العمل الإسلامى الآن هى من قبيل الاجتهاد فى السياسة الشرعية التى هى فرع من علم الفقه، وهذه المذاهب الآن تبلورت كالتالى:
-مذهب الفريق الأكبر من الإخوان المسلمين ومن نحا نحوهم فى كل أرجاء العالم ممن يرون أنه لاسبيل لوجود إسلامى إلا بالتعايش مع النظم القائمة بما فيها النظام الدولى الذى تهيمن عليه الآن الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبى وما تفرع عنه من نظم إقليمية وحكام لدول العالم، ويرون أنه لايجوز مناوئة هذا النظام ولا حمل السلاح ضده.
-مذهب شبكة القاعدة وفروعها المختلفة والتيار العام من “الجهاديين العالميين” الذين يرون أن هذا النظام الدولى هو نظام معادى ومحارب للاسلام والمسلمين ولا سبيل لنهضة الأمة إلا بتحطيمه عبر الدخول فى حرب دائمة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والناتو حتى ولو لم تمتلك إمكانات وموارد ذات بال اقتصادية أو تسليحية أو سياسية.
-مذهب الإسلاميين القُطريين (ومنهم من انبثقوا عن الإخوان ومنهم جهاديون) الذين رأوا أنهم لو ساروا على نهج المذهب الأول (مذهب الإخوان) فلن يقيموا دولة أو لن يحققوا أى من أهدافهم لأن النظام الدولى لن يسمح لهم بذلك، وأنهم لو سلكوا مسلك مذهب القاعدة فإن النظام الدولى والإقليمى سيسحقهم لضعفهم وقلة مواردهم، ومن هنا تولد مذهبهم القائم على إقامة دولة إسلامية قُطرية ليس لها أهداف أو شعارات دولية، ولا حتى إقليمية معلنة، فهم يعلنون أن هدفهم هو إصلاح واقعهم القُطرى على النهج الإسلامى وفقط، وذلك هروبا من الدخول فى صدام مع قوى دولية او إقليمية.

ومثال ذلك الاتجاه متمثل فى حركة حماس فى غزة وأحرار الشام بسوريا وحركة طالبان أفغانستان منذ نشأتها وحتى الآن، بما فى ذلك فترة حكمها لأفغانستان كدولة حتى بداية الغزو الأمريكى عام 2001، وهناك قُوى إسلامية مشابهة عدة فى أماكن أخرى، وهم يرون أنهم وإن كان النظام الدولى والنظم الإقليمية لم يتغاضوا عنهم وعارضوهم معارضات شتى إلا أن هذه المعارضات هى أقل من معارضتهم لشبكة القاعدة، ويعتبرون أن هذا يثبت صحة مذهبهم القُطرى هذا.
-مذهب الاسلاميين الدعويين وهؤلاء يرون أن الانغماس فى أى عمل سياسى سيجر عليهم متاعب تعرقل عملهم الدعوى (وهو عمل دعوى وخيرى وعلمى ونحوه) كما أنه سيجبرهم على تبنى إما تملق النظام الدولى والإقليمي والمحلى وهو ما قد يتحرجون منه شرعا، وإما معارضة هذه النظم وهو ما سيؤدى لنهايتهم بحسب رأيهم فالأسلم لهم (بحسب مذهبهم هذا) هو البعد عن السياسة والانشغال بالعمل الدعوى، وهؤلاء مثل جماعات التبليغ والدعوة وجمعيات إسلامية كثيرة بكافة أنحاء العالم لها أسماء شتى مثل أنصار السنة المحمدية بمصر والسودان والجمعية الشرعية بمصر وغير ذلك.
وكل مذهب من هذه الأربعة له تفريعات شتى.
ولكن بداية الحل هو أن نعترف أن كل مذهب من هذه المذاهب هو مذهب إسلامى نشأ وسيستمر موجودا بالواقع بشكل أو بآخر سواء قلنا بصحته أو جزمنا بخطأه، وأنه لا مناص من التعامل معه تعاملا يحقق مصالح الأمة الإسلامية ودين الإسلام ولا سبيل لتصفيته وجوديا وإزالته نهائيا من الواقع، لأن هذا الاعتراف والتعامل بالتعايش وبشكل من أشكال التعاون هو السبيل الذى سار عليه المسلمون فى أزمنة عزهم ومجدهم وهذا هو الواقع الذى لن يتغير حتى لو خبطنا رأسنا فى الصخر، وخبط الرأس فى الصخر هو والاقتتال  بالسلاح بين المسلمين وبعضهم البعض سيان. 
وصدق الشاعر:
كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها…. فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ

رفسنجاني و الثورة الايرانية

المحطات المهمة فى حياة رفسنجانى حارس الثورة الإيرانية وصانع الملوك

كتب- عبد المنعم منيب


رحل على أكبر هاشمى رفسنجانى عن عمر يناهز الـ 83 عاما بعدما صنع وقاد معظم الانعطافات الكبرى فى دولة الثورة الإيرانية منذ نجاح الثورة عام 1979 وحتى وفاته منذ أيام، بدءا من إقناعه الخمينى بإلغاء تحريمه تأسيس حزب مرورا بوقف الحرب مع العراق والتعاون مع الشيطان الأكبر “الولايات المتحدة” وروسيا والصين وصولا لتعيينه خامنيئ خليفة للخمينى بدون الانتخابات التى ينص عليها الدستور.

الذراع اليُمنى للخمينى

كان رفسنجانى أحد أذرع الخمينى المهمة (إن لم يكن الأهم) داخل إيران بعد نفي الخمينى للخارج، حتى يمكن القول بأنه صار دينامو الثورة منذ منتصف السبعينات، وعندما نجحت الثورة عام 1979 ضد شاه إيران وعاد الخمينى إلى إيران اتخذ رفسنجانى مقرا له ولزملائه الموالين للخمينى بالقرب من منزل الخمينى، وذلك بهدف حماية الخميني من ناحية وتسهيل التواصل معه حول قرارات الدولة والثورة من ناحية أخرى، ورغم أن رفسنجانى شهد رفض الخمينى طوال السنوات السابقة لإنشاء أى حزب أو تنظيم سياسى إلا أنه دخل على الخمينى فزعا وقال له “مش عارفين نمسك البلد لازم ننشئ منظمة”، فرد عليه الخمينى متجهما وقال له: اذهب واعمل حزب”، بحسب رواية رفسنجانى فى مذكراته الشخصية الصادرة فى 2005، وأسس ساعتها رفسنجانى حزبا يمثل خط الامام الخمينى قاد به الصراعات التى انتهت بالتمكين للخمينى ورجاله من الحكم المطلق فى إيران، ولا نعلم ما إذا كانت هذه هى أول مرة يدفع فيها رفسنجانى “إمامه الخمينى” لتغيير رأيه أم لا؟ ولكننا نعلم أنها لم تكن المرة الأخيرة.

فى عام 1988 عندما كان رفسنجانى يتولى رئاسة البرلمان الإيرانى ويتولى قيادة الجيش بأمر من الخمينى، خشى رفسنجانى أن يموت الخمينى دون إيقاف الحرب مع العراق فلا يمكن لأى خليفة له أن يوقفها، لأن الإمام مات وهو مصمم على استمرارها بحسب عقيدتهم وقتها، فتوجه للخمينى وأقنعه أن استمرار الحرب هو فى غير مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأنه ينبغى إيقافها على الفور، ووقتها ظهر صوت الخمينى واهنا عبر إذاعة طهران ليقول: “كان أهون على أن أتجرع السم بدلا من أن أوقف الحرب مع العراق ولكن إيثارا لمصلحة الجمهورية الإسلامية فقد قررت إيقافها” وبعد هذا الحدث بقليل مات الخمينى.

صانع الملوك

بموت الخمينى دخلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى إشكالية من يخلف الإمام كمرشد أعلى للدولة، يقود الدولة بصلاحيات واسعة مدى حياته خلفا للخمينى وفقا للدستور الذى باركه وسار عليه الخمينى أصلا، وقبل أن تطبق إيران الآلية الدستورية التى تقضى بانتخاب المرشد الأعلى التالى للخمينى، برز هاشمى رفسنجانى الذراع اليمنى للخمينى ليعلن أن الخمينى أسر له بأن “على خامنيئ هو أولى شخص بتولى منصب المرشد الأعلى كخليفة له”، وأذعن الجميع لرواية رفسنجانى، وأصبح على خامنيئ المرشد الأعلى للدولة خلفا للخمينى بدون أن ينتخبه أحد، ليكتسب رفسنجانى لقبا جديدا هو لقب “صانع الملوك”.

صفقة مع الشيطان الأكبر بعهد ريجان

وفى حين تولى خامنئي منصب المرشد فاز رفسنجانى فى الإنتخابات، ليتولى منصب رئيس الجمهورية خلفا لخامنئي، واستمر “صانع الملوك” فى رئاسة الجمهورية لمدتين متتاليتين ليرسخ اتجاهات جديدة فى سياسة إيران الداخلية والخارجية، ففى السياسة الخارجية واصل رفسنجانى توطيد تعاون إيران مع كل من روسيا والصين منافستا الولايات المتحدة، ليعيد بناء الجيش ويسلحه بعد حرب الثمانى سنوات مع العراق، والتى عانى ايران فيها من حصار عالمى يمنع تسليح إيران، ولم يكن تعاونه مع كل من “الاتحاد السوفيتى/روسيا” والصين فى التسلح وفى صناعة السلاح سهلا، إذ كانت الثورة الإيرانية تعتبر الاتحاد السوفيتى والصين مثلهما مثل الولايات المتحدة مجرد شياطين، ولا يجوز التعامل معهم، ومن هنا كافح رفسنجانى منذ قيادته للبرلمان والجيش الإيرانى فى حياة الخمينى من أجل توجيه الدولة الإيرانية للتعامل مع الصين والاتحاد السوفيتى، خاصة بعدما توقفت الولايات المتحدة عن مسايرة رفسنجانى طويلا بعد فضيحة “إيران- كونترا” التى كشفت حصول رفسنجانى على سلاح أمريكى، وذلك ضمن صفقة سرية شاركت فيها “CIA” وتاجر سلاح إسرائيلى بعهد الرئيس الأمريكى ريجان، وكان هذا مقابل الافراج عن رهائن أمريكيين، رغم أن الاسم الرسمى لأمريكا وقتها فى إيران كان هو الشيطان الأكبر بحسب شعارات الخمينى والثورة الإيرانية.

تقارب مع السعودية وانتقد سب الصحابة

وفى مجال السياسة الخارجية أيضا، سعى رفسنجانى للتقارب مع السعودية وتحسين علاقاته بدول الجوار السنية، دون أن يخل بالتزامات الثورة الإيرانية تجاه المنظمات الشيعية العراقية واللبنانية واليمنية وغيرها، تلك المنظمات التى ظلت تنمو منذ عهد الخمينى، لنرى حصادها اليوم فى المحور الشيعى الممتد بالمنطقة العربية والعالم اليوم.

وفى السياسة الداخلية، عمل رفسنجانى على تطوير الاقتصاد الإيرانى، ليصبح إقتصادا مختلطا تتسع فيه رقعة القطاع الخاص، ليسير مساندا لإقتصاد الدولة الذى ظل بعد الثورة مهيمنا على أغلب القطاعات، وفى نفس الوقت أسس لصناعات مدنية وعسكرية، ولكن جاءت العسكرية أكثر لاسيما صناعة الصواريخ، كما سعى لتطوير برنامجا نوويا إيرانيا.

وذكر رفسنجانى فى مذكراته أنه دافع عن أهل السنة ذات مرة أيام شاه إيران عندما رد على علامة شيعى ذكر أن يهودى واحد أفضل من كل أهل السنة، فهاجمه رفسنجانى ورد عليه، كما أن رفسنجانى انتقد علنا فى العام الماضى قيام الشيعة بسب الصحابة، والاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)، ودعا الشيعة لعدم استثارة أهل السنة بهذه الممارسات كما دعاهم للسعى لرأب الصدع بين الشيعة والسنة.

وكما ظل رفسنجانى زعيما للاصلاحيين الشيعة فقد ظل فى نفس الوقت قريبا من المحافظين، لذلك وصفه المراقبون بأنه إصلاحى بقلب محافظ، وعند اشتداد الصراع بين الجناحين كان ينفر المحافظون منه لدرجة أنه تم منعه من خوض الانتخابات الرئاسية عام 2013، بدعوى تقدم عمره لكن مساندته لروحانى أدت لفوز الأخير بمنصب رئيس الجمهورية.

ولكن هل فعلا تنقسم نخبة إيران الحاكمة لاصلاحيين ومحافظين؟؟ أم أنه مجرد توزيع أدوار؟؟.. وهذا موضوع آخر يمكنك قراءته هنا على هذا الرابط.

منطق عصرنا

مات الجن الأزرق.. فمتى نعيش منطق عصرنا؟؟

الآن إذا مات الجن الأزرق.. ايه بيحصل؟؟ بيحصل انه بيكثر البحث عن معلومات عنه على الانترنت وتكثر الصحف ورقية او الكترونية من الكتابة عنه، أى تروج أى كتابة عنه.

وأنا رغم أنى باحث أصلا لكنى أيضا صحفى ودماغى شغالة صحافة وإعلام وأحاول أطور نفسى إعلاميا، وألاحظ أننى عندما أكتب عن مسألة متداولة ومعاشة يقبل عليها القراء أكثر من إقبالهم على موضوع نظرى، فأجد الجن الأزرق مات فأستغل حالة (السوق الإعلامى) وأكتب أفكارا “أراها مفيدة” فى إطار الكلام عن الجن الأزرق الذى مات.

أسلوب صحفي عادى ومعروف

وهذا أسلوب صحفي عادى ومعروف فأنت تغلف دواء غير مستساغ (وهو هنا صعوبة الأفكار النظرية على الفهم لميل النفس للراحة وعدم إعمال الفكر) بحلوى محبوبة (وهى هنا قضية رائجة)، وفجأة تجد قراء يغفلون هذا كله ويناقشون كيف تتكلم عن الجن الأزرق وهو سليل إبليس وهو كافر .. الخ ويخرجونا عن الأفكار التى نريد لفت الانتباه لها..
وهذا حدث عندما كتبنا عن هاشمي رفسنجانى ومما قاله أحد الأخوة لماذا تمجده الآن بعدما مات رغم أن الواجب هو الشماتة فيه..

رغم أنى أولا لم أمجده وثانيا سبق وكتبت عدة مرات (خلال الـ ١٠ سنوات الأخيرة) منبها على أهمية الاستفادة من تجربة إيران فى نجاحاتها وسلبياتها كأى تجربة فى العالم.

كيسنجر أحد أبرز علماء السياسة

عندنا الآن كيسنجر أحد أبرز علماء السياسة والدبلوماسية فى العصر الحديث وعمره فاق ٩٠ عاما الآن وسيموت غدا.. وساكتب عن فوائد فى علمه وأفكاره حينئذ.. وأؤكد لكم من الآن أنه عندما أكتب هذا سيعلق بعض الأخوة : (الا تعلم أنه يهودى كافر .. ألا تحذر الأخوة من سمومه وتشمت بهلاكه).. وسيعلق آخر (ألم تقرأ كتاب كذا ومذكرات كذا وتعلم أنه دعم إسرائيل ضد العرب سنة كذا وكذا)… يا أخ أنت وهو أنا قرأت لكنى أتكلم عن موضوع آخر .. فأرجوكم ركزوا معى شوية وركزوا فى الموضوع.

طبعا هناك مخاوف من أن يقرأ الموضوع عن رفسنجانى شخص غير مؤهل عقيديا فيميل للتشيع او يقرأ عن كيسنجر فيميل لليهودية، لكن هذه المخاوف تشبه الوصف الملغى فى أحكام القياس بعلم أصول الفقه لأن تقاليد العلم عند المسلمين لم تمنع الكتابة عن علم نافع لمثل هذا السبب، وكان أجدر بالمعلقين المتخوفين ان يقولوا خذوا بالكم المقصود الانتفاع بكذا واحذروا من كذا  بدلا من أن يخروجوا بنا عن مرامى وفوائد الموضوع..
وفى النهاية لا أصادر رأيكم ولكن أضع نقطة نظام لمن شاء… وتقبلوا احترامى لكم جميعا.

العمالة الوافدة فى الكويت والسعودية صورة ارشيفية

لماذا تعلق الكويت والسعودية مشكلاتها الاقتصادية على العمالة الوافدة؟

يبدو أن هناك محاولة فى السعودية والكويت لتصوير أن أى خلل اقتصادى يعانيه الشعب سببه العمالة الاجنبية، وأريد أن أذكرهم بمن أسس البنية التحتية كلها بالخليج أصلا منذ نشأة دول الخليج.
البنية التحتية بالخليج كله أقصد من أسسها من مهندسين وأطباء ومدرسين من أول مدرسى ابتدائى، حتى المدرسىين لدرجة الدكتوراه بالجامعة بل ومؤلفى مناهج الدراسة بكل المراحل، ناهيك عن العمال والفنيين بكل تخصص، نعم أخذوا أجرا ولكن لم يصنعوا للخليج مشكلة، وإنما صنعوا له بنيته الحضارية الحالية بالبناء والصحة والتعليم.
ويجب أن يلاحظ شعب الخليج أن ألمانيا استعانت بالعمالة التركية بعد الحرب العالمية الثانية لتعيد بناء نفسها، لكنها لم تطردهم ولم توبخهم بعدما صارت ثانى اقتصاد بالعالم كله بعد أمريكا، بل إن ألمانيا أعطت العمال الذين بنوها بعد الحرب العالمية الثانية الجنسية، رغم أن أغلبهم مسلمون اتراك ومغاربة.

وأنا لا اطلب من الخليج ان يعطوا الجنسية للعمالة المسلمة، ولا حتى أن يبقوا عليها فمن حقهم أن ينظموها أو يمنعوها متى شاءوا، ولكن لاداعى لتعليق فشل حكامهم على العمالة المسكينة، وهذه العمالة هي التى بنت لهم دولهم فى وقت لم يكن يمكنهم بناءها بدون هذه العمالة.

حلب

أربعة دروس من حلب الجريحة وسوريا الحبيبة

كتب- عبد المنعم منيب

بعد مأساة حلب الأخيرة فرح أكابر المجرمين واستكبروا بينما حزن المؤمنون بل حزن كل محب للحق والحرية والعدالة مهما كانت عقيدته، وكتب عدد من كبار الكتاب الأوروبيين والأمريكيين عن ما اعتبروه “درس من حلب”، وكان أبرز ما قرأته درس كتبه أمريكى وآخر كتبه فرنسى (على ما أذكر) بالإضافة لدرس ثالث كتب عنه كل من كتب من الأخوة المسلمين عن حلب الجريحة الحبيبة، وقد كان لى رأى مختلف بشأن هذه الدروس الثلاثة حيث خالفت وجادلت فيهم كما أضفت درسا رابعا لتكون دروس حلب الحبيبة الجريحة بل دروس سوريا الحبيبة لنا نحن المسلمون هى أربعة دروس كالتالى:

الدرس الأول: هل نجح القمع وفاز الديكتاتور؟

 قالوا أثبت سقوط حلب أن الديكتاتور إذا قمع بشدة سينجح فى دفن الثورة والاستمرار فى الحكم .. وهذا ليس درسا جديدا فهو مقرر محفوظ لدى العرب والمسلمين، فالكل يعلم هذا وظل هذا متبعا بالمنطقة منذ ناصر ومنذ قالت cia لناصر اقمع المعارضة بشدة مهما تصاعدت وشعرت أنها ستنتصر وإياك أن تتفاوض معها أو تقدم أى تنازل (راجع الدراسة التى قدمتها CIA لناصر ليسير وفقها فى الحكم فى مقدمة كتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلاند).. وذكرنا بنفس النهج الغربى هذا مؤلف كتاب “الأصولية الاسلامية فى العالم العربى” الصادر بأميركا عام ١٩٨٢ (حيث مدح طريقة ناصر فى التعامل مع الحركة الاسلامية كما مدح حافظ الأسد والقذافى لأنهما الوحيدان السائران على طريقة ناصر فى مواجهة الحركات الإسلامية، ونلاحظ أن هذا جاء رغم المعاداة الظاهرية لأميركا للأنظمة الثلاثة لكن الأهم عندهم هو ضرب الاسلاميين طبعا) وهذا الكتاب كان أصلا تقريرا أعده مؤلفه بطلب من الخارجية الامريكية إثر اغتيال السادات وقدم لها فى ديسمبر ١٩٨١ ليوضح لها السياسات التى ينبغى أن تسلكها لمواجهة الحركات الاسلامية فى العالم العربى.
 إذن فأمر القمع الشديد لآخر مدى فى مواجهة المعارضة معروف للشعوب وللاسلاميين لكنهم مع الربيع العربى لاحت لهم فكرة ظنوا انها ناجعة وهى الانتفاض الشعبى بسبب سيادة عصر الجماهير بالعالم فانتفضوا وغرتهم إزاحة بن على فى تونس ومبارك بمصر وتدخل الناتو فأزاح القذافى فى ليبيا .. لكن إيران أولا ثم روسيا تاليا ساندت نظام بشار ضد ثورة الشعب السورى كما ساندته أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل عبر منع السلاح عن الثورة .. ومن هنا فالدرس ليس انتصار الديكتاتور بالقمع ولا نجاح قمعه بسبب استعانته بقوى إقليمية ودولية ولكن الدرس هو أنه لابد من تكتيكات واستراتيجيات مبدعة فى مواجهة هذا النمط من القمع، استراتيجيات وتكتيكات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية لا تقتصر على ما فعلته فعلا الثورة السورية حتى الآن بل تتعداه وتزيد عليه لتفعل كيسا وتنجح.
 إذ يجب أن تتعداه الى أشياء جديدة تستوحى وتستنبط وتطور (ولا تستنسخ) من تجارب اخرى متعددة حول العالم.

الدرس الثانى: هل ثبت أن القوى الدولية والأمم المتحدة لا يحمون الحرية والعدالة؟
 
قالوا ايضا إن من دروس سقوط شرق حلب إن النظام الدولى بما فيه الغرب والأمم المتحدة (فضلا عن ديكتاتورية الشرق الممثلة فى روسيا والصين) كل هؤلاء لا يقيمون وزنا لحماية أمن الشعوب وسلامتها والدفاع عن حقوق الانسان وأنهم سقطوا أخلاقيا ..الخ وفى الواقع فإن هذا أيضا ليس جديدا على العرب والمسلمين فسبق ان جرت مذابح لشعوب مسلمة وعربية عديدة ليس فقط بتجاهل أو تواطؤ دولى بل بأيدى الشرق تارة والغرب تارة أخرى .. وليس مجهولا ما حدث فى كل من فلسطين وأفغانستان والعراق والبوسنة وكوسوفو وتتار القرم ومسلمى الصين وبورما وأسام وكشمير الهندية وعشرية الجزائر وحقبة ناصر ومبارك بمصر والقذافى بليبيا وحماة أيام حافظ الأسد وعراق صدام وما يجرى لعرب وسنة إيران حتى الآن.. الخ 
 فكل هذا معلوم ومحفوظ لكن هناك اتجاهات إسلامية وعربية متميعة عقيديا ومغفلة سياسيا ظنت أنها يمكن أن تقنع النظام الدولى بأن يسمح للشعوب العربية والإسلامية السنية بالتحرر ولكن درس حلب الحقيقى (وسوريا) الآن جاء جليا ليسقط كل هؤلاء المغفلين سياسيا والمتميعين عقيديا ويقول لكل مسلم وعربى:
” لن تنالوا حريتكم بالتوسل والتسول وانما بالقدرة المادية والمعنوية، فافهموا جوهر هذه القدرة بكل تفاصيلها واحصلوا عليها بكل وسيلة وكل حيلة حتى تنتزعوا بها حريتكم وكرامتكم”.

الدرس الثالث: هل خلافات الجماعات السورية هى من هزمت حلب؟

كل المتكلمين والكتاب العرب والمسلمين ذكروا أن الخلافات بين القادة والزعامات وكثرة التحزبات وتفرق الجماعات هو السبب فى الهزائم فى حلب خاصة وفى سوريا عامة، وهذا توصيف خاطئ للمشكلة لأن التحزبات وخلافات الزعامات تزول أو تؤجل عندما يداهم الخظر مصالح الجميع ولكن حقيقة ما حدث هو عقد القيادة والسيادة لبعض التافهين الأغرار الذين تم تقديمهم لمناصب قيادة الأحزاب والجماعات فى الثورة السورية إما لتهورهم وحمقهم وارتفاع صوتهم ورفعهم شعارات أسخن من شعارات غيرهم وإما لإجادتهم التلبيس والدجل على جماهير أتباعهم، لأن العقلية التى تؤثر الزعامة على بقاء أمة من المسلمين وعلى بقاء أجزاء حررتها دماء ذكية من أيدى الطاغوت هى عقليات صبية يعبثون وليست عقليات زعماء وقادة يتصارعون فأى قائد أو زعيم مولع بالزعامة والرياسة ويتصارع عليها بالدم والمال لو دهمه الخطر سيؤجل طموحاته فى الرياسة لحين دفع الخطر خاصة إذا كان خطرا وجوديا كما هو الحال فى سوريا (والعراق بل والعالم العربى والاسلامى الآن عامة)، وسأسمع الأصوات تنتقد نعتى لهم بأنهم مجرد صبية عابثون جلسوا على أرائك القيادة ولكنى أرد مقدما وأصر على هذا الوصف بل وأقول إنهم إن لم تكن عقولهم عقول صبية يعبثون وإذا ثبت أن عقولهم عقول طبيعية بالغة الرشد فهم إذا مجرمون أفاقون تسلموا القيادة ليوقعوا بالأمة فى الهلاك.   

الدرس الرابع: لماذا لم تجد شجاعة الشجعان من الثوار فى حلب وسوريا؟

ومن دروس حلب أيضا المهمة أن هناك شجعان متحمسون قاتلوا فى حلب تحت الحصار حتى آخر رمق فمنهم من قتل ومنهم من أحيط به ولم يجد سبيلا سوى الانسحاب مع المنسحبين بعدما مسهم الضر الشديد، والدرس هنا هو أنه يجب أن نتعلم أن الحماس والشجاعة وحدهما لا يحسمان معركة فضلا عن حرب فهدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين هو الأخذ بالأسباب المادية فى شئون الحرب والسياسة ومقولة أننا “لا نجاهد بعدد ولا عدة وإنما نجاهد بهذا الدين” مقولة يخصصها ويشرحها بل ويعارضها مئات الأدلة من سنة النبى صلى الله عليه وآله وسلم وسنة خلفائه الراشدين فمراعاة العدد والعدة والاهتمام بالعدد والعدة فى كل معارك النبى صلى الله عليه وآله وسلم تكاد تكون متواترة تواترا معنويا إذا لو لم يكن النبى مهتما ومراعيا للعدد والعدة فلما حفر الخندق حول المدينة؟؟ (وهذا مجرد مثال والأدلة كثيرة)، وحتى فى المعارك التى قل فيها عدد المسلمين وعدتهم عن عدوهم (وهى كثيرة جدا طبعا) تم تعويض هذا النقص بحيل عسكرية معتبرة عبر خطط عسكرية مبدعة سواء خطط الهجوم أو الدفاع أو الانسحاب أو الكر والفر أو توقيت ومكان الهجوم المفاجئ أو تكتيك القتال المبدع أو المفاجئ أو اختيار مسرح عمليات غير مناسب للعدو وفيه ميزة للمسلمين، فانتصارات المسلمين الكثيرة عبر التاريخ فى معارك قل فيها عددهم وعدتهم لم تكن بسبب الحماس وارتفاع المعنويات (الناتج عن العقيدة الاسلامية) فقط بل صحب هذا شئ مما ذكرناه آنفا من الأسباب المادية العسكرية عبر ابداع عسكرى، وإنما حصر الاخباريون والمؤرخون والخطباء الحماسيون أسباب الانتصارات فى الحماس وروح التضحية وحب الاستشهاد لأسباب خاصة متعددة فتارة يكون السبب هو مواجهة موقف معين فاقتضى الحال التركيز على هذا الجانب وتارة لأن المتحدث ليس متخصصا فى الشأن العسكرى فلايدرك ولا يدرس ولا ينقل ويشرح الأمور المتعلقة بهذا الشان العسكرى وتارة لأن التعابير الخطابية تتطلب التركيز على الجوانب الحماسية والمعنوية فهى التى تسخن الخطاب فيكون له نغمة جذابة تطرب آذان السامعين فضلا عن أن ركون الناس للدنيا وتعلق قلوبهم بها صار لا حل لمواجهته غير بهذا الخطاب الحماسى ولكن عند التخطيط الإستراتيجيى للمعارك والصراعات والحروب فإن هذا وحده لا يكفى وهذا ما أثبتته “دروس شرق حلب” بل وسوريا كلها، فالحماس والتضحية والدم العربى المسلم السنى الذى نزف فى سوريا حتى الآن لم يكف لتحقيق النصر فالحماس والتضحية وحدهما لا يكفيان لحسم صراع المسلمين مع أعدائهم بل لابد من الأخذ بهدى النبى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين رضى الله عنهم فى الأخذ بالأسباب وحيازة القدرة والقوة، ولعلها ليست مصادفة أن أعظم ملاحم الإسلام وأول معركة كبرى فيه وهى “غزوة بدر الكبرى” إنما كان سببها هو خروج النبى صلى الله عليه وآله وسلم لاستهداف عير قريش التى كانت تحمل ثروة ضخمة، ومع هذا قدر الله بدلا منها ذات الشوكة وهى الاصطدام بجيش قريش المجهز بعدد وعدة، وفى الأمرين “استهداف العير والاصطدام بجيش قريش المجهز الضخم” دلالة واضحة عن أهمية حيازة القدرة وأهمية الجهاد وكسر شوكة العدو بصرامة وحسم.
ومن هنا فهذا الدرس يقضى بأن يعيد الصادقون المتحمسون حساباتهم المادية ويهتموا بالقدرة ومن ذلك تعويض نقص القدرة بالخدعة والفكر العسكرى والأمنى والسياسى الابداعى والمكر والدهاء والحيل المختلفة مع استيعاب دروس التاريخ والاستراتيجية قديما وحديثا، فالحماس والتضحية وحدهما لا يكفيان أبدا.

ثوار سوريا فى حلب - صورة أرشيفية

ما سبب اختلاف وتعدد الحركات الاسلامية فى مصر وسوريا؟؟

رغم أنى أحلل و أكتب عن الحركات الإسلامية منذ ١٩٩٠ حتى الآن وأتابعها واراقبها منذ ١٩٧٩ وصدر لى عنها خمسة كتب حتى الآن، إلا إننى حتى الآن لا احفظ ولا افهم خريطة الحركة الاسلامية فى ثورة سوريا، ولا افهم لماذا تعددوا لهذا العدد الكبير جدا الذي يستعصى على عقلى حفظه أو فهمه خاصة فى ضوء أحداث ومجازر النظام ضدهم خاصة فى حلب.
من واقع وخبرة تاريخ وتطورات الحركات الاسلامية فى مصر وخلافاتها نجد انها اختلفت فى أحد الحالات التالية:
-الخلاف حول استرتيجية التغيير قسمها الى إخوان مسلمون وجهاد وجمعيات وسلفية وقطبيين.
-الخلاف الشخصى بين القادة قسم الجهاديين الى جماعة الجهاد والجماعة الاسلامية ثم تعمق الانقسام بتمايز وتباين تكتيكات وأساليب كل من الجماعتين عن بعضهما البعض بمرور الوقت.
-الخلاف العقيدى صنع جماعة المسلمين بقيادة شكرى مصطفى منفصلة عن بقية الجماعات كما صنع جماعات ومجموعات أخرى أصغر تاليا مثل الشوقيين والناجون من النار وغيرها.
-اليد الأمنية صنعت بعض الجماعات أو المجموعات واخترقت جماعات قائمة ووجهتها كما تشاء لخدمة أهداف أجهزة الحكومة.. وبالطبع فقد اختلفت هذه الجماعات والمجموعات مع الباقين وأثارت خلافات وجدالات كثيرة بالساحة.
-الخلافات فى الأساليب والتكتيكات أزكت الخلافات المذكورة فى المحاور السابقة لكنى لم الحظ لها تأثير بخلق خلاف أساسى او تقسيم الجماعات حسبما أذكر الآن، بل بالعكس لاحظنا تسامح بين الحركات المختلفة حول هذا النوع من الاختلاف خاصة بعد ثورة يناير فى مصر وربما حتى الان وذلك بدرجة او بأخرى..
ومن هنا فأنا أتساءل أنا وغيرى كثير عن مبررات ومسوغات تعدد الفصائل والجماعات فى الثورة السورية للدرجة التى تجعل من الصعب حفظ كل هذه الأسماء والرايات التى تمثل عشرات الفصائل والكتائب والفيالق والجماعات والجيوش رغم انهم كلهم ضد بشار ويحملون ضده السلاح وكل الثوار لا يكفرون بعضهم بعضا فهم لا تفرقهم العقيدة (باستثناء داعش التى تكفر الكثيرين ممن خالفها).. فلما كل هذا الاختلاف يا قوم؟؟.
وأخشى أن يذكرنا هذا بعصر ملوك الطوائف بالأندلس عندما قال الشاعر:
مما يزهدنى فى أرض أندلس..
*****أسماء مقتدر فيها ومعتضد
ألقاب مملكة فى غير موضعها..
*****كالهر يحكى انتفاخا صولة الأسد
وأرجو من اخواننا بالثورة الشامية ألا يضيق صدرهم من تساؤلاتنا وتعليقاتنا لأن ثورتهم تهم كل الشعب العربى والأمة الإسلامية لأنها حلقة من حلقات التحرر الإسلامى والعربى وأيا كانت نتائجها فهى تجربة عربية إسلامية ينبغى أن ندرسها جيدا ونتعلم من ايجابياتها وسلبياتها.

محرقة سوريا وحلب

حول محرقة سوريا وحلب .. حسبنا الله ونعم الوكيل

لماذا تسعى فرنسا لعقد مؤتمر دولى لبحث مذابح حلب كما تتحرك قوى كبرى لعقد اجتماع لذلك بمجلس الأمن الدولى رغم وجود الفيتو الروسى والصينى ورغم معرفة اوروبا وامريكا علم اليقين ان لا شيء سيوقف روسيا وايران سوى السماح لثوار سوريا بالتسلح الحقيقى؟؟
السبب هو ان المؤتمرات الدولية بالامم المتحدة وبغيرها من المنظمات الدولية والاقليمية الحكومية تستخدم اما للالهاء او اضفاء شرعية عل باطل وتكريسه و هى هنا بحالة سوريا هدفها الهاء الشعوب حتى تنتهى القوى الكبرى من انجاز ما تريد بالقوة على الارض فعليا.
اوضح هذا للقراء الأعزاء لانى سبق وان اوصيتهم بأن يفكروا بمنطق الفاعلين، وهذا هو منطق الفاعلين الدوليين والاقليميين كما شاهدته من افعالهم وسمعته من اقوالهم طوال الثلاثين عاما السابقة وقرأته عنهم طوال التاريخ الحديث.

***

نفسى اعرف اين المشايخ والحركيين الاشاوس اللى كانوا كل شوية يهللوا من اجل الرسوم الدنماركية ويطلقون دعوات المقاطعة الاقتصادية لها؟ 
اين هم الآن مما يحدث فى حلب وسوريا كلها؟؟ الا تستحق ايران والعراق وروسيا دعوات مقاطعة وتوقيعات مشايخ وبيانات اتحاد علماء المسلمين وغيره من منظمات؟؟ 
ام ان هؤلاء كانت لهم اغراض اخرى غير الغيرة على الدين وقت رسوم الدنمارك؟؟

***

لا حل للمحرقة فى سوريا وحلب إلا بالضغط المباشر والمستمر على روسيا وإيران، خاصة ان اقتصاد الدولتين ضعيف ويعانى ولا يحتمل أى ضغط.
وما سوى هذا فلن يجدى بل يضيع الوقت ويلهى عن المحرقة فقط.