القرآن يهدينا للصواب

كيف السبيل الى الطريق الإسلامي الثالث؟

أنا حذفت مقال توقفي عن الكتابة لئلا يكون دعوة للسلبية، وسأعمل على الاستمرار بالكتابة، لكن لدي عدة ملاحظات بشأن تعليقات الأصدقاء ربما أتعرض لها فيما بعد بشكل غير مباشر عبر كتابات منتظمة ان شاء الله.
وبشكل عام أحب أن أوضح أن سبب الميل للتوقف لم يكن أيا مما ذكره بعض المعلقين .. الأمر ببساطة حالة زهق نفسي بسبب العجز عن التصدي العملي لما يحدث هنا وهناك ليس عجزي شخصيا فقط ولكن عجز الأمة بعامة.
أمر آخر هو ما أشار إليه أحد القراء من أنه إما الكتابة وإما حمل السلاح، وأنا منذ فترة طويلة أريد الكتابة عن العمل المسلح ولكني قليل الانتاجية في الكتابة منذ فترة طويلة، وخلاصة رأي: أنني أنعم الله علي منذ نعومة اظافري بالنقد والتقييم الدائم لما اشاهده من احداث سياسية وغيرها ومن هنا فقد قيمت المحاولات المتكررة لجماعة الجهاد المصرية لتنفيذ إنقلاب عسكري بمصر باعتبارها خاطئة وغير ذات فائدة وأسوأ منها محاولات الجماعة الاسلامية منذ ١٩٨٨ وحتى ١٩٩٨ للضغط على نظام مبارك عبر عمليات مسلحة، وكل هذا له تفصيل طويل سوف أكتبه بمناسبة اخرى ان شاء الله، ولكن أريد هنا الآن أن أشدد على أهمية العلم قبل القول والعمل كما بوب الامام البخاري في صحيحه، فمرة دار نقاش بيني وبين شخص على الفيس بوك، حول العمل المسلح حيث كان هو يشدد ويحض عليه فقلت له هل درست تجربة جماعة الجهاد المصرية منذ نشأتها بمنتصف الستينات وحتى اندماجها في منظمة القاعدة عام ١٩٩٨ وكذلك تجربة الجماعة الاسلامية بمصر منذ الثمانينات وحتى ١٩٩٨؟ 
فقال لي لا ، فقلت له يجب ان تدرس جيدا اولا كل التجارب السابقة من كافة الجوانب قبل أن تتبنى رأيا.. وانتهى هنا النقاش على ما أذكر.

ولذلك فأنا كتبت إثر الانقلاب على الدكتور محمد مرسي، مستنكرا على من يدعون للعمل المسلح قائلا: ألم يستخدم هذا التكتيك سابقا وفشل؟ ما لكم تدعون له كأنه لم تسبق تجربته.
وهذا كله لا يعني موافقتي على تكتيكات الاخوان فأنا انتقدتها أيضا.

إن شخصا قتل الآلاف وحرق المئات وسجن عشرات الآلاف علانية في الشارع من أجل كرسي الحكم لايمكن أن يتنازل عن هذا الكرسي لأنك تحرجه بحشد المظاهرات في الشوارع والميادين، كما أن النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا لن يستحي من مظاهراتك ولن توجعه دماءك المسفوحة ويزيل حاكم هو صديق له والمفضل لديه، وذلك كله لسبب بسيط وهو أن هذا الحاكم لم يأت للحكم إلا بضوء أخضر من هذا النظام الدولي وبدعم منه، ويظل هذا النظام يدعمه ويدعم أي حاكم صديق للغرب مادام يقمع الحركات الاسلامية، ويمنع قيام نظام حكم يحكم بالشريعة، ومن يجادل في هذا فهو شخص لايدري شيئا عن مجريات السياسة الدولية والاقليمية منذ حملة نابليون على مصر والشام وحتى الآن.

أيضا انتقدت استراتيجيات منظمة القاعدة وتنظيم الدولة، لأسباب متعددة أوضحت عددا منها في عدد من المقالات السابقة.
الاشكالية في صنفين من الناس يصنعون الاستراتيجيات والتكتيكات او يروجون لها من بين صفوف الحركات الاسلامية:
صنف لا علم له ولا فهم ولا ابداع فهو يحفظ ويردد، وهذا كيف نناقشه؟
إن قلت أنا له لماذا حارب تنظيم الدولة ضد الجيش السوري الحر فيرد إنهم كفار، وطبعا لا أسلم له بهذا التكفير ولكن لو سلمت له به من باب الجدل فكيف أقنعه بأن الكفر في حد ذاته ليس سببا للقتال، فالفرس المجوس كانوا كفارا ومعادين للنبي صلى الله عليه واله وسلم شخصيا، ومزقوا خطابه لهم ، ومع هذا لم يحاربهم صلى الله عليه واله وسلم بل مات دون أن يوجه إليهم غزوة واحدة، وكان الروم كفارا ولم يحاربهم النبي صلى الله عليه واله وسلم غير بعد 8 سنوات من بناء دولته، وكانت الجزيرة العربية مملوءة بالكفار لكنه صلى الله عليه واله وسلم لم يحاربهم كلهم بل حارب البعض وترك البعض، وهذا كله وغيره يثبت أن الكفر وحده ليس مدعاة للحرب، بل والعداوة ليست موجبة للحرب على الفور.
ولوقلت له إن على تنظيم الدولة أو جبهة النصرة أو غيرهما كفالة الأمن الدولي والاقليمي للرعية التي يحكمونها تجده يقول لك هذه هي امكاناتهم فماذا يفعلون؟؟

فلو رددت عليه بمفهوم الردع أو التوازن أو غيره تجده لا يدرك كنه ولا جوهر هذه المفاهيم.

فهذا الصنف لم يدرس لا فقه السياسة الشرعية ولا الاستراتيجيات العسكرية ولا الاستراتيجية الشاملة ولا الأمن الدولي والاقليمي ولا السياسة الدولية فكيف تناقشه في قضايا مرتبطة بكل هذا الذي لم يدرسه، وهو يرفع في وجهك شعارات الجهاد في سبيل الله والبذل والفداء والفوز في الاخرة..الخ.
الصنف الثاني هم الرؤوس وقد درسوا الفقه وحفظوه، ولكنهم لم يحصلوا ملكة الفقه، فهم ظاهريون مع ما حفظوه من كلام ابن تيمية، و لايمكنهم الابداع الفقهي مثل ابن تيمية ابداعا يتفاعل بشكل صحيح مع المشكلات الحالية، وبعضهم درس استراتيجية وأمن وحفظ الكثير عنهما، ولكنه هو ليس استراتيجيا فهو يحفظ ويردد ولا يمكنه ابداع رؤى جديدة تحل المشكلات الحالية الصعبة، ولذلك تجدهم لا يجيدون الاستراتيجية الشاملة لحاجتها لفهم عميق وابداع وطرح تطبيقات، ولذلك فرغم رفعهم مراجع مهمة على شبكة النت وترويجها بين أتباعهم تجدها كلها في الاستراتيجيات العسكرية والتكتيك والأمن الداخلي، لاتكاد تجد منها مراجع في الاستراتيجية الشاملة ولا الأمن الدولي والاقليمي والعام والسياسة الدولية، لذلك فاستراتيجياتهم القليلة التي أطلقوها (مثل ما أطلقه أبو مصعب السوري أو صاحب كتاب التوحش) هي ثوب مملوء بالخروق و يكشف أكثر ما يستر. 
ومن هنا فالنقاش الفكري والكتابة لمثل هذا الجمهور هو امر بالغ الصعوبة.
وربما ضربت الأمثال الأخيرة من التيار الجهادي لأنهم الأكثر نقاشا ولكن نفس الصنفين موجودين لدى تيار الاخوان ومن لف لفهم الا أنهم أضعف من الجهاديين في شئون الأمن والاستراتيجية باستثناء حركة حماس.
أعرف التعليق الجاهز “وايه الحل هو أنت لا يعجبك أحدا”، وردي “نعم لا يعجبني أحد، لسبب بسيط زهو أن حالنا لا يمكن أن يعجب أحدا”، وأريد أن أهز عقول الناس وأفكارهم لتعصف أذهانهم بأفكار جديدة و يخلقوا طريقا ثالثا غير الطريقين المطروحين الآن.

 
 

حسن الترابى

هل كان حسن الترابى مجددا في أصول الفقه

منذ وفاة دكتور حسن الترابي وأنا أكبح نفسي ولا أريد أن أخوض فيما خاض فيه البعض بشأن أفكاره، لا في منشور ولا في مقال واكتفيت بتعليق خفيف ما عند احد انصاره لسببين:
الاول- أن الدكتور أفضى لما قدم ولا جدوى من اجترار أمور مرت ومع الوقت ستدفن معه لحد ما وصارت امام الله أكثر مما هي أمام البشر.
الثاني- أني أظن ان تأثيره منحصر في السودانيين، وبدرجة تالية بعض أنصار تيار الإخوان المسلمين حول العالم، وسينحسر هذا التأثير أكثر بمرور الوقت، بفعل التغيرات العميقة التي تشهدها الساحة الإسلامية التي تمر حاليا بحالة سيولة وتغير، بفعل انها مرحلة انتقالية لعصر إسلامي جديد.
ولكن.. قرأت عدة مقالات منذ قليل -أبرزها في موقع عربي كبير- تفخم بشكل زائد في ما تعتبره فكرا عميقا ومعقدا، ومتبحرا في علوم علماء السلف مع علوم العصر، واصفة لغته بأنها أعلى من أن يفهمها شباب الصحوة (خاصة السلفيين)، لأنها مزيج بين لغة الشاطبي وهيجل…

واستفزني كل هذا التفخيم والتضخيم ليس فقط لاني اعتبر هذا التضخيم كاذبا، ولكن لأني أعتبره فارغا من المضمون، فلغة الشاطبي في واقع الأمر هي لغة سهلة يفهمها كل طالب علم شرعي متوسط، فضلا عن المتقدمين والباحثين، وأين الصعوبة في لغة الشاطبي من لغة أمثال الآمدي والرازي وقبلهما الجويني والغزالي وغيرهم من علماء أصول الفقه.
لقد قرأت كتاب “تجديد أصول الفقه “للدكتور حسن الترابي منذ نحو ثلاثين عاما، وهو لدي يمكنني أن أراجعه، وأكتب تقويما تفصيليا عنه إلا أن رغبتي بعدم الانغماس في هذا النقاش المندلع يجعلني أقول كلمة مجملة عنه في فقرة واحدة أظنها كافية.
الكتاب في واقع الأمر هو كتيب لا يمكن شكلا أن يكون تجديدا لعلم عميق مدون في مئات المجلدات الكبيرة و هو علم أصول الفقه، أما مضمونا فهو لم يقدم أي “أصول فقه” لا جديد ولا قديم، فالرجل أثار دخانا كثيفا عبر مقدمات واقتراحات لم تتضمن اي فكرة سوى فكرة واحدة، هي أننا بحاجة لتجديد علم أصول الفقه القديم وطرح علم جديد ونحو ذلك، ثم بعد كل هذا الدخان الكثيف لم يقدم الدكتور الترابي علم أصول فقه جديد كي يقيمه الباحثون والعلماء تقييما علميا، من حيث إحكامه وتكامله ودقته وموضوعيته ووفائه بالأهداف الفقهية المرجوة، وقبل كل هذا ومعه وبعده امكانية تقييم مدى التزامه بمرجعية الكتاب والسنة والإجماع، لأن الكتاب والسنة وإجماع العلماء هو مرجعية أي علم شرعي.

لقد فعل الترابي هذا وكأنه يهدف لزلزلة او قلقلة بناء ما ثم تركه مهزوزا (حسب ظنه هو ومريديه) دون أن يكلف نفسه عناء وضع بديل له، ومع هذا ظل الدكتور الترابي وأنصاره حتى الآن يدندنون حول وجوب تجديد أصول الفقه، و أن الدكتور حسن الترابي رحمه الله جدده أو عمل على تجديده،  ويروجون لذلك، وكل منصف محايد خارج أنصار الدكتور حسن الترابي يسأل: أين هو أصول الفقه الجديد الذي طرحه الدكتور حسن الترابي كي نعرفه أولا ثم ندرسه ونقيمه ونناقشه ثانيا؟!!

المسلمون حول الكعبة المشرفة

أبواب مهجورة من العمل في سبيل الله

يتساءل كثيرون -وهم محقون- ماذا نفعل عمليا الآن؟

وإجابة هذا السؤال تفتح الباب للكلام عن أبواب مهجورة من العمل في سبيل الله أو العمل الاسلامي، لأنه في الواقع فإن كل مسلم اليوم هو على ثغر من ثغور الأمة هو مسئول عنه، علم ذلك من علمه وجهله من جهله، ويتحدد هذا الثغر بحسب الطبيعة الشخصية لكل مسلم أو مسلمة وطبيعة الفرص والامكانات المتاحة له، فمن كان محبا للعلم ولديه التكوين الشخصي الذي يؤهله لذلك فهو على ثغر العلم، ويجب عليه ان يتولاه، وصار هذا فرض عين عليه بحسب التفصيل الذي سنذكره بالسطور التالية.

الأمة الاسلامية الآن منكوبة في العلم بكل فروعه الشرعي والدنيوي، فمن لديه ميل لأي من فروع العلم الشرعي فعليه المبادرة بالطلب حتى يصل لأعلى المراتب فيه، وإن كانت فروع الفقه والعقيدة والتفسير أكثر إلحاحا بجانب تحصيل أدوات كل منها من علوم الآلة، وكذلك نحن محتاجون لعلماء نابغين في كل العلوم الدنيوية الاجتماعية منها والطبيعية.

العلوم الطبيعية

ففي العلوم الطبيعية نقلت أوروبا تقدمنا العلمي في العصور الوسطى، وطورت فيه وبنت عليه ثم تكتمت على الكثير من جوانبه الهامة، خاصة الجوانب الاكثر حداثة منه ودقة فجعلتها سرا تحرم منه منافسيها وتحرم منه بشكل صارم ابناء الدول الاسلامية والعربية، وفي نفس الوقت يقوم عملاؤها من حكام العالم الاسلامي بتجهيل المسلمين والسعي لتجريف البيئة التعليمية وعرقلة عمليات البحث العلمي كي لا نتمكن من التطور ولا اللحاق بمعارف الغرب في العلوم والتكنولوجيا، ومن ثم نتخلف في الصناعة والزراعة ويزداد اقتصادنا تدهورا ونظل رهينة لهيمنة أوروبا وأمريكا على العالم، ومن هنا فكل مسلم أو مسلمة قادر على الترقي والتقدم والنبوغ في أي من فروع العلوم الطبيعية عليه فعل هذا لكسر جزء من هذا الاحتكار العلمي والتكنولوجي والصناعي الغربي، وهو فرض عين عليه ان يركز في مجاله ليبلغ فيه منتهاه.

العلوم الاجتماعية والانسانية

اما العلوم الاجتماعية والانسانية فلدينا فيها أيضا عجز لعدة أسباب، ومن أبرز أسباب العجز أن الغرب سبقنا فيها وصبغها بعقائده ومنطلقاته الفكرية وهذه العلوم بطبيعتها تتأثر بالعقيدة والمنطلقات الفكرية والبيئة التي تنشأ فيها، وعندما نقلها العرب والمسلمون عن أوروبا وأمريكا نقلوها كما هي دون أن يحذفوا منها مؤثرات بيئة وعقيدة من طوروها، لأن كثيرا منها ابتكره المسلمون أولا كعلوم الاجتماع والاقتصاد والنفس والتربية ثم أخذتها أوروبا وطورتها، فصارت مبنية على نسق مخالف في بعض جوانبه عن عقيدة ورؤية الاسلام بقضايا هذا العلم أو ذاك، كما أن من أسباب العجز والخلل لدينا في هذه العلوم أن وضعها الاساسي هو للاستفادة في التطبيق العملي، وذلك في عمليات تطوير الواقع المعاش إلا أن أكثر من نقلها في بلادنا ساقوها مساق الترف الفكري والتشدق بالمصطلحات وركزوا على النقل والترجمة أكثر من الابداع والتطوير فيها، كما كرسوا نسبها الأوروبي والأمريكي بدلا من مفاعلتها مع واقع بيئتنا العربية والاسلامية لتستفيد منها بيئتنا وتتطور بها، ولتستفيد هذه العلوم من هذا التفاعل فتتوطن بأرضنا وفقا لخصوصياتنا الدينية والحضارية والثقافية وطبيعة مشاكلنا، وهذه الأمور تفاقم من عجزنا في العلوم الاجتماعية والسياسية وتجعل فرض كفاية على الجميع سد أوجه العجز هذه، وتجعل الأمر فرض عين على من كانت ظروفه وميوله وامكاناته تتيح له التخصص بأحد هذه العلوم والبلوغ فيها مبلغ العلماء الراسخين في أحدها.

ثغور الأمة الاسلامية

وسواء تخصص المسلم أو المسلمة في فرع من فروع العلم الشرعي أو الطبيعي أوالاجتماعي والانساني فليعلم أنه بذلك على ثغر من ثغور الأمة الاسلامية، فهو يعمل في سبيل الله، وينطبق عليه المقولة التي رددها كثير من السلف من أن مداد العلماء يساوي دماء الشهداء لأن من القواعد الفقهية المتفق عليها أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولن يتم واجب إعزاز المسلمين وحماية بيضة الإسلام إلا بالقدرة، والقدرة لن تكون إلا بهذه العلوم بجانب ما سنذكره في السطور التالية.

طبعا من الوارد أن مسلم أو مسلمة تكون طبيعته النفسية وتكوينه العقلي لا يميل أو لا يتوافق مع طلب العلم المتخصص والاشتغال بالبحث العلمي الذي ذكرناه، وهذه النوعية من المسلمين والمسلمات سيلقى على عاتقها واجب آخر تجاه أمتها وستكون مسئولة عن ثغر آخر من ثغور الأمة الإسلامية وعليها ألا يؤتى المسلمون من قبلها وهذا الثغر هو ثغر المال، فكما كل مجد وقدرة وقوة تحتاج علما شرعيا وطبيعيا واجتماعيا فإن كل مجد وقدرة وقوة تحتاج مالا أيضا، فمن لم يجد نفسه في العلم فعليه أن يحاول أن يسد ثغر المال بأن يجتهد في العمل الدنيوي الحلال ويحاول أن ينتهز كل ما يتاح له من فرص للثراء الحلال ليستخدم هذا الثراء لرفعة ومجد الاسلام والمسلمين، وينبغي أن تكون هذه نيته وعزيمته وديدنه وليكن قدوته في البذل والعطاء الصحابة الكرام خاصة الاثرياء منهم كعبد الرحمن بن عوف الذي خرج من ماله كله لله عدة مرات (أي تصدق بثروته كلها دفعة واحدة عدة مرات) ومثل عثمان بن عفان الذي جهز جيش العسرة، وينبغي أن يدرس سلوكيات أهل الثراء المعاصرين الذين وظفوا ثراءهم لخدمة قضايا كبرى (بغض النظر عن موقفنا منهم) مثل ال روتشيلد الذين كان لهم دور محوري ورئيس في تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ودعمه بل مازالوا يدعمونه حتى الآن، وكذلك روبرت مردوخ الذي سيطر بالمال على جزء مهم من اعلام استراليا ثم تمدد الى اعلام الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها، ومن المهم أن نعي أن كثيرا من أثرياء المسلمين ينفقون عشرات او ربما مئات الملايين شهريا فيما يعتبرونه أبواب بر وخير كل شهر، ولكن هذه النفقات كثير منها يذهب الى المكان او الهدف الخطأ لأسباب كثيرة يطول شرحها وليس موضعها هنا الآن، ولكن لنعلم أن الصواب هو إدارك ودراسة تجارب الصحابة رضوان الله عليهم وعلماء السلف في النفقة والتجارب المعاصرة لتوظيف المال لتحقيق الأهداف الكبرى، وعلى من وظف نفسه لثغر المال أن يعلم أنه إن كان لم يتمكن من التفرغ للعلم والدعوة فعليه مساعدة العلماء وطلبة العلم والعلماء والجامعات ومراكز البحث العلمي ومراكز التعليم والدعاة والعمل الدعوى والإعلامي، فهو سيقوم بنفس ما يقوم به العلماء او الباحثون أو الدعاة ولكن بواسطة المال، كما ان توطين التكنولوجيا المتقدمة والصناعات والزراعات المتقدمة بافئدة وبلاد المسلمين ليس عمل العلماء والباحثين فقط لكنه عمل مالي أيضا.

يبقى أمر آخر وهو ما إذا كان المسلم أو المسلمة لا يمكنه أن يكون عالما ولا باحثا ولا متعلما ولا معلما ولا ثريا فماذا يفعل؟

فهذا النوع من المسلمين والمسلمات عليه عدة واجبات أخرى مهمة لعل أبرزها ما يلي:

-أن يبلغ ما يعرفه من الخير للآخرين فكما ورد بالحديث النبوي الصحيح (رب مبلغ اوعى من سامع ورب حامل فقه لمن هو أفقه منه).

-أن يبذل ما في وسعه لمساعدة ومساندة كل الفئات الني ذكرناها في السطور السابقة.

-أن يربي أولاده وأسرته على الإسلام والخلق القويم والمفاهيم الصحيحة قدر ما يستطيع فلعل يخرج منهم من يكون من الفئات السابقة (علماء، معلمون ، باحثون، دعاة، أصحاب أموال ينفقونها في سبيل الله).

-أن يجتهد في الدعاء للأمة ففي الحديث الصحيح (إنما تنصرون بضعفائكم).

مشاهد من مضايا بسوريا

لماذا لا نواجه أنفسنا و نعترف بأخطائنا لنتغلب على هزائمنا ؟

أشعر بأن هناك حالة نفسية منتشرة بيننا وهي حالة الهروب من مواجهة أخطاءنا وإخفاقاتنا السياسية والاستراتيجية و أي من عوامل القصور في أنفسنا، تلك العوامل والأخطاء التي تسببت في حالة الهزيمة والهوان التي حلت بأغلب الحركات الإسلامية السنية وبالتالي تعيشها الأمة الإسلامية الآن.

و من هنا فكلما ذكر كاتب أحد أخطاءنا نجد أننا ندافع وندفع النصيحة أو التقييم بدعوى الظروف الصعبة والضغوط والمؤامرات والخيانة والغدر، فإن رد علينا الناصح او كاتب التقييم بأن حزب الله و الحوثيين حققا نجاحات قالوا: هؤلاء شيعة، وتساندهم إيران وهم عملاء لأمريكا وإسرائيل، فإن قال لكن حماس وأردوغان نجحا رغم انهم ليسوا من الشيعة ولا عملاء، ردوا : لا، هم متهاونون او متنازلون أو الأمرين معا.

وهكذا ندافع عن هزيمتنا وأخطاءنا وكأنه لا أحد في العالم تحاك المؤامرات ضده غيرنا، ولا أحد مستهدف غيرنا، ولا أحد يمارس الصراع السياسي تحت الضغوط غيرنا، ونرفض أن ننتفع بدروس سياسية واستراتيجية من ما تفعله إيران وحزب الله لأنهم شيعة، ومن حماس والجهاد الفلسطيني لأنهم متهاونون بالتعامل مع الشيعة وغيرهم، ونرفض التعلم من أردوغان لأنه متهاون وعميل لأمريكا وإسرائيل وعلماني.

ونعزف عن دراسة ما فعلته وتفعله باكستان وماليزيا وكوريا و الصين أيضا بسبب خلافات الفكر والعقيدة، وكأن الدين يأمرنا بمثل هذه العزلة الغريبة، وكأن النبي صلى الله عليه وأله وسلم لم يسن لنا منهج المقارنة بشكل عام ومع المتفوق بشكل خاص، والانفتاح على كل مفيد عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (هممت أن أنهي عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم)، وعندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لو كان الايمان بالثريا لتناوله رجال من الفرس)، وعندما أرسل مجموعة من صحابته صلى الله عليه وآله وسلم الى جنوب بلاد الروم لتعلم صناعة المنجنيق وأمرهم ان يتعلموها كأهلها، وعندما أمر صحابيا بتعلم اللغة السريانية ليترجم له، وعندما أمر أسرى بدر من قريش بتعليم أطفال المسلمين الكتابة، وعندما قبل اقتراح سلمان الفارسي بحفر الخندق، وعندما استعان صلى الله عليه وآله وسلم في هجرته بمرشد وثني..

إلى غير ذلك مما يشهد ويثبت أن العلم والحكمة ضالة المؤمن.. لا أن نرفض العلم والحكمة بذرائع شتى، ونُعجب بل نفتخر بفشلنا ونمجده، شأننا في ذلك شأن كل ديكتاتور مستبد، لا يقبل تغيير ولا تطوير ويتغنى بفشله وهزائمه، زاعما أنها أمجاد وإنجازات.

القوات الأمريكية في العراق

الوجود العسكري الأمريكي والتركي في العراق وسوريا وموضعه من السنة الربانية

منذ عدة أيام لاحظت خبر وصول قطع بحرية روسية إلى قرب سواحل سوريا وتحمل صواريخ كروز يزيد مداها عن ألفي كم، وقالت روسيا أن هدفها دفاعي وما أن رجعت للبيت حتى وجدت خبر وصول قوات أمريكية الى العراق يصل عددها لأكثر من 1800 مقاتل بمعداتهم، أول تساؤل كان قفز لذهني مع الوصول الصاروخي الروسي ولكن سرعان ما جاء اول طرف للاجابة مع الوصول الامريكي، فروسيا عرفت نية الولايات المتحدة للتواجد العسكري لمزاحمة الاجندة الروسية وربما جانب من الاجندة الايرانية/الشيعية فعززت روسيا وجودها لتحد من مخاطر هذه المزاحمة، وتتابعت بعد ذلك بيوم او يومين الأخبار لتؤكد هذا الظن، فأمريكا تقرر ارسال الفرقة ١٠١ للعراق وهي فرقة محمولة جوا لها خبرة بالعراق وشاركت بدور فعال في غزو العراق أيام بوش الابن، ونجد جون بايدن يعلن من تركيا أنه إذا لم ينجح الحل السياسي في ‫سوريا‬ فإن الولايات المتحدة وتركيا‬ لن تسكتا وستتدخلان عسكريا لضرب الارهاب في سوريا وأردوغان يعلن ان ‫‏أكراد‬ سوريا وتركيا هم كداعش سواء وان تركيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا و ‫قطر‬ لن تسمح للإرهاب بالتمدد في سوريا وأن تركيا لن تسمح بتموضع روسي في شمال سوريا.
ليس هدفي هنا سوق التحليل السياسي وانما هدفي أن أتخذه مدخلا لذكر قاعدة مهمة في مجال فهم فلسفة حركة الأحداث أو ماهو القانون الذي تتحرك الأحداث وفقه (وهي نفسها ما تسمى بفلسفة التاريخ) ومن ثم نفهم مستقبل أي أحداث او نتوقع مسارها العام على الأقل، فعندما دخلت روسيا بغشمها وإجرامها الى سوريا وسفكت دماء اهلنا هناك اسودت الدنيا في أعيننا جميعا ولكنني كنت أعلم بل أيقن أن أمرهم وأمر إيران/الشيعة لن يتم و سوف تسحقهم عجلة التاريخ وربما كتبت عن هذا كثيرا وقتها، الآن تتضح صورة سنن الله الثابتة التي لا تتبدل في مجال حركة الأحداث وأول معلم من معالم هذه السنة هي قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [سورة آل عمران ١٤٠- ١٤١]
فلا مناص من هذه المداولة (بغض النظر عن تفاصيل حكمة وأسباب المداولة).
ولعل مما يوضح المدوالة هذه أيضا قوله صلى الله عليه وآله وسلم (حق على الله أن لا يرتفع شئ من الدنيا إلا وضعه) [رواه البخاري وأبوداود والنسائي].
وهنا يبرز سؤال مهم وهو: ما هي آليات تحقق هذه المداولة؟
ولا شك انه توجود عدد من الآليات التفصيلية في هذا المجال وردت في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلا أن أبرز هذه الآليات وأكثرها كلية هي آلية المدافعة (أي الصراع)، قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [سورة البقرة 251].
وقال سبحانه أيضا: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [سورة الحج 40].
وقد كتبنا تفصيلا عن مفهوم هذا التدافع أو الصراع و ركائزه أو أنساقه الفرعية في مقال سابق هنا.
وبعيدا عن أي تفصيلات اخرى فإننا نريد أن نشير إلى أنه اذا شاهدنا علوا للظلم أو الظالم فلا ينبغي أن نظن أن هذه هي نهاية المطاف فالأيام دول، وما ارتفع شئ إلا وضعه الله، فإن نازعتنا أنفسنا متسائلة: كيف؟ فلنرد عليها بقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).

موازين القوى الاستراتيجية - صورة أرشيفية

موازين القوى الاستراتيجية بين الإفراط و التفريط عند أمتنا الإسلامية المعاصرة

مسألة توازن القوى أو الميزان الاستراتيجي أو موازين القوى الاستراتيجية هي ضحية شخص لديه افراط  أو آخر لديه تفريط من قادة و أبناء الحركة الإسلامية.

فهناك متهور ومندفع متجاهل لحقائق الميزان الاستراتيجي مدعيا أنه بالايمان وحده سيقلب كل الموازين، وهذا بينا فساده مرارا سابقا اذ سنة الله في خلقه الأخذ بالأسباب وإلا لما استغرق النبي صلى الله عليه واله و سلم 23 عاما للتمكين للإسلام في الجزيرة العربية ثم استغرق خليفته نحو السنتين لترسيخ هذا التمكين، ولم يخرق الله سنته الكونية في جهاد النبي صلى الله عليه و آله و سلم ولا في جهاد الصديق ولا أعفاهم من الأخذ بالاسباب الكونية.

وكان صلى الله عليه و آله و سلم يلبس درعين ويحرص على تطوير جيشه ودولته، وفي مجال تطويره صلى الله عليه و آله و سلم للجيش فلنتأمل المقارنة بين جيش معركة بدر الكبرى، حيث كلهم مشاة وكثير منهم بلا دروع وبين جيش فتح مكة حيث كانت كتيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرين والأنصار كلهم فرسان ولايرى منهم إلا عيونهم من دروع الحديد التي غطت أجسامهم، وغير هذا كثير مثل استخدامه المنجنيق وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول من أدخله الجزيرة العربية.

ويكفي في هذا المجال أن علماء الإسلام قديما وحديثا اتفقوا على أن القيام بالواجب منوط بالإستطاعة وأن العاجز يسقط عنه الواجب، ولاشك أن الذي عليه تحديد مقياس الاستطاعة هو الاستراتيجي المدرك لأبعاد وطبيعة موازين القوى، وليس العوام ولا القادة الذين تنحصر قدراتهم الادارية أو السياسية أو العسكرية في المستوى التكتيكي.

وعلى الجانب الآخر نجد الإفراط والمبالغة في تصور طبيعة الميزان الاستراتيجي، ومن ثم الانبطاح إزاءه بحجة (ايش نعمل في ظرف كهذا.. كل الظروف والقوى ضدنا أو كانت ضدنا…الخ) و هنا دائما يحضرني واقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد 13 عاما صبرا ودعوة في مكة وليس معه الا نحو 154 مؤمنا، و يهاجر للمدينة و يؤسس دولته هناك، فما كان الميزان الاستراتيجي حينئذ في الجزيرة العربية؟ وكيف كان وضع النبي صلى الله عليه و اله و سلم و صحبه؟ وكيف كان وضع مكة و قريش في هذا الميزان؟!…
ثم يحضرني حال الصديق أبي بكر عندما ارتد العرب و لم يعد مسلما معه سوى مكة والمدينة والطائف بينما كل الجزيرة العربية ضده هم والفرس والروم.. فكيف كان الميزان الاستراتيجي بينه و بين كل هؤلاء حينئذ؟! و هل انبطح أبو بكر أو لانت قناته بدعوى (ما فيش غير كده) او بدعوى (كل القوى ضدي و انا وحدي انا و الصحابة)؟!

مراكز التفكير والبحوث

من يفكر للحركات الإسلامية ؟ و أين مراكز بحوثها السياسية ؟

كلنا يعلم من يفكر ويضع الدراسات لمخططى القوى الكبرى المتشابكة فى منطقتنا العربية مثل دول الاتحاد الأوروبى والناتو والولايات المتحدة وإيران وتركيا، فكل هذه الدول لها مراكز أبحاثها الحكومية وغير الحكومية، التى تفكر لها وتضع لها الدراسات، فهى بمثابة بيوت خبرة سياسية واستراتيجية  “think tank” ، فأين مراكز البحوث التى تفكر للقوى الرئيسية المتبنية لمشروع الإحياء الإسلامى، ومن يضع لها الدراسات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية وغيرها، كى يستنير بها المخططون؟

يوجد على الساحة الآن، القوى التالية:
“تنظيم الدولة”
“شبكة تنظيمات القاعدة” 
“الإخوان المسلمون” 
“منظمات الجهاد المحلى”
“السلفية الحركية”

وكلها تعلن أنها تسعى لتحقيق عملية الإحياء الإسلامى، وكلها تخوض الصراع الساخن الدائر على أشده فى أفغانستان وباكستان وإيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وكل الدول العربية فى إفريقيا تقريبًا، بالإضافة إلى مالى ونيجيريا وأثيوبيا وغيرها، فما المراكز البحثية المتفرغة للبحث والدراسة والتفكير ليل نهار لقادة هذه القوى كلها، أو بعضها؟

لا يوجد “تقريبًا”..

هناك حفنة صغيرة جدًا من مراكز البحوث الإسلامية ولكنها مع قلتها الشديدة فهى تتسم بعدد من الخصائص السلبية جدًا وأهمها أمرين: 

الأول- هناك حركة إسلامية مشهورة لها عدد من مراكز الأبحاث ــ رغم قلتها البالغة بالنسبة لحجم وأهمية الجماعة ــ إلا أنها أكثر المراكز البحثية الإسلامية العربية، لكن مراكزها البحثية تضعفها الآفة المشهورة، التى تضرب كافة مؤسسات هذه الحركة فى كل زمان ومكان، وهى أن جوهر وظيفة أى منها ليس هو تحقيق أهدافها المعلنة وإنما هدفها إتاحة فرصة عمل لأعضاء الجماعة وأحيانًا قلة من أصدقاء الجماعة المقربين ممن أعلنوا تخصصهم أو امتهانهم لهذا العمل، (الذى هو مجال معلن لعمل المؤسسة) ولا يهمهم مدى كفاءة الأشخاص هؤلاء ولا قدرتهم على تحقيق أهداف المؤسسة المعلنة..

الشىء المهم الوحيد هو الولاء للجماعة..

وهذا الأمر يفشل دائمًا مؤسسات هذه الحركة الإسلامية فلا تكاد تحقق أى من مؤسساتها أهدافها المعلنة، وإن نجحت فى الهدف غير المعلن وهو تشغيل أعضاء الجماعة، ولذلك فإن الجو العام حول هذه الجماعة يوحى بأن لديها مؤسسات متخصصة فى البحوث السياسية والاجتماعية و الإعلام والإدارة.. إلخ، وبالتالى تملك كوادر متخصصة فى معظم المجالات إلا أنهم فى حقيقة الأمر كوادر ضعيفة فى تخصصها حسبما أثبت الواقع عند اختبار المشكلات لهم فى أكثر من بلد عربى.
 وهناك عدد أقل من مراكز البحوث تتبع جماعات إسلامية أخرى أصغر وهذه قد تعد على أصابع اليد وبها نفس الآفة السابقة، فضلًا عن ضعفها وصغرها.
الأمر الثاني- هناك مراكز بحوث أقل من كل السابق لا تتبع جماعة ما ولكنها رهينة الأشخاص الذين يمولونها فلا يبحثون إلا من يريد الممول أن يبحثوه، فأبحاثهم لا تستجيب لمشكلات واقع العمل الإسلامى ومتطلباته وإنما تستجيب لرغبات المموليين، والذين غالبًا ما تكون رغباتهم غير مهمة للعمل الإسلامى والتحديات التى تواجهه.
 ربما الحل هو تكوين وقفية إسلامية لمركز بحثى كهذا بحيث لا يرتهن للممولين ولكن تبقى مشكلة أن يديره من يسند الأعمال فيه لذوى الكفاءة وليس ذوى الولاء التنظيمى أو الحزبى، وهذه مشكلة لا أعرف ما الحل لها، رغم أن تكوين الوقفية نفسها وإدارتها هو أمر تكتنفه العديد من الصعوبات. 
والعجيب أن أوروبا وأمريكا أخذوا نظام الوقف من الدين الإسلامى والحضارة الإسلامية، و يطبقونه الآن، أفضل من حالنا المعاصر.

وسائل الاعلام - صورة أرشيفية

موقف بعض الإسلاميين من وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية

مقولة (أنت تأخذ معلوماتك من وسائل إعلام الكفار)، التى يرفعها بعض الإسلاميين فى وجه كل تحليل نقدى لسلوكهم السياسى أو الاستراتيجى هى مقولة باطلة، وإن كانت توجد بها جزئية صغيرة صادقة فهى جزئية مبالغ فيها، لأن وسائل الإعلام الأوربية والأمريكية هى موجهة بالأساس لمواطنيها كأبرز مصدر للأخبار والمعلومات، فلابد أن تصدق بدرجة كبيرة، وإلا نبذوها، كما أن تنافس وسائل الإعلام هذه لأسباب تجارية أو سياسية أو أيديولوجية تجعل عملية إخفاء المعلومات صعبة ولو حدثت أحيانا فإنها لا تدوم وبالجملة فلا يمكن أن يخفوا المعلومات الجوهرية طوال الوقت، لاسيما فى عصر تويتر والفيس بوك والمدونات، حيث يمكن لأى محرر أن يعلن ما منعوا نشره، فضلا عن استقباحهم للكذب والفبركة فى هذا المجال كقيمة عليا لديهم بعكس الإعلام الدجال فى العالم الثالث، هذا عن واقع الأمر، أما عن الحكم الشرعى فقد ذكر علماء كبار من السلف الصالح كالسيوطى وغيره أنه يمكن الاعتماد على ما ينقله كافرون مادام كذبهم فى هذا النقل مستبعد وضربوا مثالا باعتماد علماء الإسلام جميعا على قبول ما نقله الوثنيون من العرب من أشعار العرب من مرحلة ما قبل الإسلام وحتى بعيد ظهور الإسلام، واعتماد علماء اللغة وأصول الفقه والتفسير والفقه على هذه الأشعار فى الاستدلال، رغم أنها هى المنقولة عبر كفار، وأورد السيوطى هذا الكلام فى مرجعه الشهير والمهم فى مجال علم مصطلح الحديث “تدريب الرواى فى شرح تقريب النواوي”، كما أنه موجود فى مراجع مهمة أخرى عديدة.

وسائل الاعلام الموجهة من حكومات

يبقى أن نشير إلى عدة أمور على النحو التالى:
أول أمر وهو مهم كى يكون الكلام دقيقا وهو أن مواقع الويب أو الفضائيات الخاصة بمؤسسات إعلامية غربية (خاصة الممول منها من وزارات خارجية بلادها كالحرة والبى بى سي BBC ) الموجهة للعرب باللغة العربية غير معنية بكلامنا عن الصدق النسبى لدى وسائل الإعلام الغربية لأن تتبع هذه الجهات يثبت عدم حيادها فى كثير أو قليل من الأحيان، وعلى سبيل المثال فذات مرة رأيت تقريرا عن الاعتقال والاختفاء القسرى بمصر منشورا على BBC الإنجليزية بصفحة الموقع الرئيسية، وظل منشورا عليها، بينما لم يظهر أبدًا على مثيلتها BBC باللغة العربية.. وهذا مجرد مثال.

ولكن على سبيل المثال أيضًا أظن أن مواقع فرانس 24 ومونت كارلو باللغة العربية أكثر حرية رغم أنى لم أتابعهما باللغة الفرنسية لأنى لا أعرفها.

الأمر الثانى – كلامى بشكل عام منصب على المعلومات وليس التحليل ولا الرأي، لأن التحليل رهين منهاجية المحلل وشخصيته، وكذلك مقالات الرأى رهينة بتوجه ورأى صاحبها.

الأمر الثالث- أن كلامى لا يعنى التسليم بأى كلام يرد فى أى من هذه الوسائل، ولكنه يعتبر ويقارن بغيره للتأكد من صحته ومن ضمن ما يقارن به منطق الأحداث ومنطق التاريخ ومنطق الواقع الاجتماعي.. وهذا طبيعى ففى علم الحديث، إنما علمنا صدق الراوى الصادق وكذب الكاذب بالمقارنة.
الأمر الرابع- قد يرى البعض بعد قراءة كل هذا التفصيل أن الأمر يحتاج جهدا وخطوات مركبة ومعقدة، وهذا طبيعى لأنه من غير المعقول أن يتصدر شخص للكلام فى الأمور العامة وإصدار الأحكام، التى تحدد مسارًا للأمة دون عناء وجهد وقراءة ومقارنة وتفكر.

أجهزة الاستخبارات الكبرى في العالم

ومن ناحية أخرى يجب أن نفهم أن طريقة عمل أجهزة الاستخبارات الكبرى في العالم، التى تهتم بمتابعة المعلومات وتحليلها يشمل متابعة ما تبثه وسائل الاعلام، فمن المعروف أن جهاز المعلومات بداخل كل أجهزة الاستخبارات الكبرى في العالم ينقسم إلى عدة أقسام:
القسم الأول- يستقى المعلومات عبر متابعة ما يسمونه بالمصادر العلنية، ويقوم هذا القسم على متابعة كافة وسائل الإعلام من فضائيات ووكالات الأنباء وصحف ومجلات ومواقع الويب، ويقوم بتجميع المعلومات منها وتصنيفها وتحليلها وتقديم تقارير بها مرتبة ومصنفة إلى ذوى الشأن.
القسم الثاني- وهو مختص بالمصادر السرية، وهذا يعتمد على فرعين آخرين:
فرع التجسس الإلكترونى والقائم على تجميع المعلومات عبر التجسس على الاتصالات واعتراضها سواء تليفونات أو ويب أو التصوير عبر الأقمار الصناعية وطائرات التجسس والتنصت.
والفرع الثاني- يقوم على زرع أشخاص عملاء كجواسيس فى قلب الهدف بجانب العلاقات مع زعماء وقادة مطلعين ويقبلون تقديم المعلومات لهذه الجهة.
ومن هنا فالمصادر العلنية التى يستخف بها أكثر أبناء الحركات الاسلامية ويقلل بعضهم من شأنها هي مصادر معتبرة كأحد مصادر المعلومات بدرجة ليست قليلة فى كافة أجهزة الاستخبارات الكبرى لجمع المعلومات، تلك المعلومات التي تستخدم في اعداد التقارير وتقدير الموقف الذي يُقدم عادة لقادة الدول الكبرى والمتوسطة ويساهم في صنع قراراتهم.

الاستخبارات مفتوحة المصدر وشبكة الانترنت

واشتهر اليوم مصطلح “الاستخبارات مفتوحة المصدر” وصار يستخدمه كثير من الصحفيين والاعلاميين بتشدق أو تفاخر كأنه شيء غريب وجديد وصعب، بينما هو نفسه أسلوب استخدام المصادر العلنية لجمع المعلومات وتنصنيفها ثم تحليلها، لكنه صار أسهل وأغزر مادة بسبب وجود شبكة الانترنت، حيث صارت وكالات الانباء والصحف والمجلات والقنوات التليفزيونية كلها متاحة بكبسة زر، بل زاد عليها وسائل الإعلام الجديد مثل السوشيال ميديا والمدونات والمنتديات وتطبيقات التواصل الاجتماعي والانساني الكثيرة، وبجانب ذلك صارت توجد برمجيات وتطبيقات يمكنها البحث عن الأشخاص او المعلومات، وجمع المعلومات اللازمة من أجل تحليل سلوك ومواقف الأشخاص في كافة المجالات، فضلا عن تتبع أرقام موبايلاتهم وتحديد أماكن وجودهم بالتوقيت الدقيق، سواء عبر الموبايل الذي يستخدمونه أو عبر استخدامهم شبكة الاتصال بالانترنت، أو أماكن وتوقيتات استخدام كارت البنك في الدفع أو نحوه سواء في سوق أو ماكينة ATM أو شيء متصل بالانترنت او الموبايل، ناهيك عن اختراق شبكات كاميرات المراقبة العامة أو الخاصة لتحديد وجود شخص ما أو شيء ما في مكان و زمان ما.

ومن هنا فالدعوة لإهمال أي من المصادر العلنية للمعلومات أيا كان مصدره بذريعة أي شعار عاطفي أو حماسي فهو درب من دروب السذاجة والبلاهة والدجل.

 

قصف ثورة الشعب السوري

دعوة للتفكر في حال المسلمين اليوم

يتعطش المسلمون للانتصارات والبطولات، وذلك منذ الهزيمة المريعة التى أوقعتها دول أوربا بالعالم الإسلامى فى العصر الحديث، خاصة منذ القرن 19 الميلاد وحتى الآن، وهذا أدى لأزمة خطيرة، وهى أن أنواعا من متهورين وانتهازيين ومتاجرين بقضايا الإسلام والمسلمين ومتصدرين للقيادة بغير كفاءة ولا استحقاق استغلوا هذا التعطش لتحقيق رغباتهم الشخصية، وذلك عبر ركوب واستغلال مشاعر المسلمين وخداعهم بانتصارات أحيانًا وقتية قصيرة العمر، وفى أغلب الأحيان هى وهمية أو افتراضية ولا تمت للواقع الحقيقى بصلة.

لقد كان من الممكن أن تمثل دعوات الانضباط بالفقه، وبفقه السياسة الشرعية، والتعقل فى إدراك الواقع العملى طريقا بديلا يلوذ به المخلصون والصادقون، ذوو الاتزان النفسى من المسلمين، إلا أن الأمة الإسلامية كما ابتليت بالمتهورين والانتهازيين ومحبى الرياسة من غير الأكفاء، فقد ابتليت أيضا برموز متخاذلة أشربت قلوبها الجبن وحب الدنيا، استخدمت دعوات التعقل والتفكر التفقه والحكمة كستار لجبنها وتخاذلها وتعلقها بأهداب الدنيا، وهو أمر شوه وشوش الأمر فى عقول عامة المخلصين والصادقين من شباب الأمة، فصار بينهم وبين دعوات التعقل والتفقه والحكمة حاجز نفسى لارتباطها فى أذهانهم بالتخاذل والجبن، وانطلقوا يتسابقون على الهلكة تحت رايات الانتصارات الوهمية أو المؤقتة، أو حتى الافتراضية.
ولكن على كل حال فإنه لا سبيل صحيح إلا سبيل النبى الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو سبيل كتبنا عنه مرارًا سابقًا، وسنستمر فى الكتابة عنه، إن شاء الله.

قال رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم “انما العلم بالتعلم و الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتوق الشر يوقه” (حديث حسن) و قال تعالى “و لقد يسرنا القرآن الذكر فهل من مدكر “.. و قال تعالى “و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”.

اعتصام رابعة - صورة ارشيفية

حسابات الحركات الإسلامية في الاستراتيجية و التكتيك

يقول موريس دوفرجيه “في الصراع السياسي كما في جميع أنواع الصراع المعقدة يعمل كل امرئ وفقا لخطة تصورها من قبل و أنضجها كثيرا أو قليلا و لم يحسب فيها حساب هجماته و حدها ، بل حسب فيها أيضا حساب ردود العدو و وسائل مواجهة هذه الردود.
فهذه الخطة في القتال هي ما يسمى بالاستراتيجية، و مختلف العناصر التي تتألف منها الاستراتيجية (هجمات على العدو و أجوبة على ردوده) هي ما يسمى بالتكتيك”أ.هـ. من:  موريس دوفرجيه، المدخل الى علم السياسة ص 192.
نقلت هذا الاقتباس بنصه من أجل جملة محورية مهمة و هي ” بل حسب فيها أيضا حساب ردود العدو و وسائل مواجهة هذه الردود”، لأن هذا الأمر من أبرز نقاط الضعف لدى مخططي الحركة الاسلامية السنية في العالم كله و من أهم أمثلة ذلك أن جميع الحركات الاسلامية (بما فيها الاخوان المسلمون منذ الشيخ حسن البنا نفسه) منذ نشأتها و حتى الآن لم يحسبوا ردود فعل القوى العالمية و المحلية المعادية لهم، و في الحالات المحدودة التي حسبوا فيها جانب من رد الفعل المضاد فقدروا له من الرد ما يساوي ردا واحدا (خطوة واحدة)، و لم يتحسبوا للرد المعادي التالي لردهم على خطوة العدو الأولى.

و لنضرب مثالا من حادث قريب و هو تحسب الإخوان المسلمين في مصر من الانقلاب على محمد مرسي، فأولا جاء ردهم متأخرا، و ثانيا أعدوا لرد واحد وهو الاعتصام و التظاهر في ميداني رابعة و النهضة، و لم يتحسبوا لما بعد هذه الاعتصامات و المظاهرات.

و لنضرب مثالا آخر من اتجاه آخر و هو منظمة القاعدة عندما ضربت سفارتي أمريكا في كينيا و تنزانيا كانت أعدت خططا و تجهيزات، لضرب 120 هدفا أمريكيا حول العالم معظمها أهداف عسكرية، و لكن أميركا اعتقلت قياديا بالقاعدة بعد العمليتين بشهر و معه لاب توب به تفاصيل هذه الخطط فأحبطتها كلها، كما اعتقلت عددا كبيرا من قادة القاعدة حول العالم فأحبطت أعمالها منذئذ وحتى 2001.

فكأن المخططين الاسلاميين يفكرون كما أن الذي يعاديهم سيتلقى الضربة ثم يضع يده على خده منتظرا تحقيق هؤلاء الإسلاميين لمزيد من الخطوات و هو ساكن بلا فعل.
الوحيد الذي رأيته أشار لجانب واحد ما من هذا الأمر من بعيد هو الأستاذ فتحي يكن رحمه الله، عندما تكلم عن ظاهرة أسماها “التكامل و التآكل”، حيث أكد أنه من الملاحظ أن الحركة الاسلامية كلما اقتربت من الاكتمال من حيث بناءها و اعدادها لتحقيق هدفها فإنها تواجه هجوما من أعدائها يقضي عليها لفترة ما، بما يفرض عليها العودة من نقطة البداية من جديد عندما تتاح لها الفرصة للعمل ثانية.
و اكتفى الأستاذ يكن بهذا و لم يحلل و يبحث عن سبب هذا الأمر، فضلا عن أن يحدد علاجا أو حلا لهذه المشكلة التي تمنع الحركة اللإسلامية من تحقيق هدفها طوال قرن من الزمان و حتى الآن.
و أرجو التركيز هنا على أصل الموضوع و هو التخطيط الصحيح، بما يشمل ردود أفعال الخصوم و الرد على ردودهم بمائة خطوة للامام متسلسلة من الأفعال و ردود الأفعال المتبادلة.