جنود الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستانة

بين أوباما وحركة طالبان أفغانستان .. هل يحسم السلاح صراع الإرادات؟

جرت الانتخابات الأفغانية مؤخرًا وسط آمال عريضة للتحالف الأوروبي الأمريكي في أن تسهم هذه الانتخابات، ليس فقط في تخفيف نزيف خسائرهم المتزايد، ولكن أيضًا في أن تسهم في إعادة صياغة الوضع الأفغاني عبر الإسراع بإنجاح المشروع الأمريكي الأوروبي في أفغانستان على النحو الذي سبق وخططه التحالف تحت مظلة قوات حلف الناتو.

فما هي آفاق المستقبل في أفغانستان.. سواء بالنسبة لقوى الاحتلال الغربي، أو بالنسبة للحكومة الأفغانية التابعة للغرب، أو بالنسبة لحركة طالبان وحلفائها؟

هذا السؤال تم طرحه مرارًا كلما ورد ذكر أفغانستان، لكنه ازداد إلحاحًا مع تطبيق سياسات أوباما الجديدة هناك، وكذلك مع إجراء الانتخابات الأفغانية هذه الأيام، والتي صاحبها تصاعد النشاط العسكري لطالبان وحلفائها.

هناك العديد من التفاعلات التي حدثت في الفترة الأخيرة تثير العديد من الأفكار حول مستقبل كل القوى الموجودة الآن على أرض أفغانستان.

فمن جهة وجَّه تقرير بمجلس العموم البريطاني مؤخرًا نقدًا لاذعًا لاستراتيجية القوات البريطانية في أفغانستان, وبغضِّ النظر عن التفاصيل فيمكننا القول بأن التقرير ركَّز على نقد تحوُّل أهداف القوات البريطانية من معاونة الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق هدف مكافحة الإرهاب والقضاء عليه إلى السعي لتحقيق ثلاثة أهداف أمريكية أخرى هي: مكافحة ما أسماه التقرير بالتمرد المسلح، ومكافحة المخدرات، وحماية حقوق الإنسان وبناء الدولة.

ورأى التقرير أن “النجاح في هذا النطاق يتطلب عددًا من العوامل يفوق إمكانيات المملكة المتحدة منفردة”.

ومن جهة أخرى، صرح القائد القادم للجيش البريطاني، الجنرال ديفيد ريتشاردز، بأن مهمة بريطانيا في أفغانستان يمكن أن تمتد لمدة 40 عامًا. وأضاف الجنرال ريتشاردز في مقابلة مع صحيفة التايمز البريطانية نشرت مؤخرًا، أن مشاركة القوات البريطانية، التي يبلغ قوامها حاليًا تسعة آلاف، يجب أن تكون متوسطة المدى. ولكنه قال: إن دور الجيش سوف يتطور. وأكد الجنرال ريتشاردز، الذي سوف يصبح رئيس هيئة الأركان العامة في الثامن والعشرين من الشهر الحالي، أنه ليست هناك فرصة لانسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأضاف: “إنني أعتقد أن بريطانيا سوف تظل متمسكة بالتزامها تجاه أفغانستان بشكل ما، في صورة دعم التنمية والحكم وإصلاح قطاع الأمن على مدى الثلاثين إلى الأربعين عامًا المقبلة”. وقال الجنرال ريتشاردز: “إننا في حاجة الآن للتركيز على تطوير الجيش الوطني الأفغاني والشرطة الوطنية الأفغانية. ومثلما حدث في العراق، فإننا سوف ننسحب عسكريًّا، ولكن هناك حاجة لأن يعلم الشعب الأفغاني وأعداؤنا أن هذا لا يعني تخلينا عن المنطقة”.

وهذا التصريح الأخير يُظهر بوضوح طبيعة الوجود الغربي وأهدافه في أفغانستان، فالوجود الأمريكي والأوروبي في أفغانستان لا يهدف فقط للقضاء على القوة العسكرية لحركة طالبان أو القاعدة؛ بل يهدف إلى تغيير المجتمع والدولة في أفغانستان كي يصير المجتمع متغربًا والدولة موالية للغرب وحلف الناتو بعامة والولايات المتحدة بشكل خاص, فأغلب أقطار العالم الإسلامي وقعت منذ مدة في براثن التغريب وسيطرة حكومات صديقة للغرب بشكل أو بآخر، بحيث صارت جميع قوى النخبة السياسية في كل هذه الأقطار لا تجرؤ على الخروج على ثوابت الفكر والسياسة الغربية بأي شكل من الأشكال, والهدف الأمريكي والغربي في أفغانستان هو إدخالها ضمن هذا النمط من الأقطار الموالية للحضارة والسياسة الأوروبو-أمريكية.

تغريب المجتمع الأفغاني

ومن هنا فإن المشكلة في أفغانستان من وجهة النظر الغربية ليست ما يسمونه بالإرهاب، لكن المشكلة هي تحقيق تغريب المجتمع الأفغاني أو على الأقل تغريب نخبة سياسية وفكرية وتمكينها من حكم البلاد وإنشاء أجهزة أمنية (جيش وشرطة واستخبارات) موالية لهذه النخبة المتغربة وقادرة على تثبيتها في الحكم وحمايتها من خطر السقوط تحت ضغط أي معارضة ذات توجه إسلامي أو معادٍ للغرب.

قوات الناتو في أفغانستان، وعلى رأسها القوات الأمريكية، فشلت في تحقيق هذا الهدف حتى الآن، رغم مرور نحو ثماني سنوات على غزوها للبلاد والانسحاب التكتيكي لحركة طالبان.

فشل الولايات المتحدة والناتو

وهناك سببان وراء فشل جهود الولايات المتحدة والناتو في تغيير المعادلة السياسية والمجتمعية في أفغانستان.

السبب الأول- هو كون المجتمع الأفغاني نفسه مستمسكًا بطبيعته الإسلامية والقبلية على حد سواء، ورافضًا الوجود الأجنبي وكل الأفكار التي تأتي عبر هذا الاحتلال الأجنبي المخالف في أفكاره لعقيدة الإسلام وأحكامه.

أما السبب الثاني- فهو إحراز حركة طالبان نجاحًا في مُصارعة الإرادة الغربية، أوشك أن يتكلل بالنصر النهائي, حتى وصل الأمر إلى تصعيد طالبان هجماتها في الآونة الأخيرة بالتزامن مع الانتخابات الأفغانية، وتمكنت من مهاجمة العاصمة الأفغانية كابول في العمق, وطالت هجمات طالبان مقر قوات الاحتلال الأجنبية في أفغانستان، إضافةً إلى القصر الرئاسي، فضلاً عن مقارِّ الشرطة والاشتباكات مع قواتها داخل كابول.

حركة طالبان أفغانستان

ولهذا النجاح الطالباني أسباب جديرة بالملاحظة والتسجيل.

فحركة طالبان أفغانستان حركة في الأصل لها قاعدتها الشعبية القوية والواسعة، ورغم كل التشويه الذي تردده الأبواق الغربية والأبواق العربية الموالية للغرب، فالحركة محبوبة، أو على الأقل مقبولة، لدى أغلبية الشعب الأفغاني بكافة أعراقه وقبائله، ورغم أن أغلبية قادة الحركة جاءوا من قبائل البشتون التي تمثِّل الأغلبية في أفغانستان إلا أن حركة طالبان دأبت في الفترات الأخيرة على القيام بعمليات عسكرية قوية في كل أنحاء شمال أفغانستان التي تمثِّل الأعراقُ غير البشتونية عصبَها الرئيس، مثل عمليات إقليم كندز وغيره، مما يشير بجلاء لاتساع شعبية حركة طالبان والرغبة في عودتها للحكم حتى بين الأعراق والقبائل غير البشتونية.

صنعت القاعدة الشعبية القوية والواسعة أحد أهم إنجازات حركة طالبان التي حققتها، ليس اليوم أو أمس فقط؛ بل منذ بداية سعي الحركة للاستيلاء على الحكم في منتصف التسعينات، وحافظت عليه منذئذ، بل وعززته.

الصلابة السياسية والاستراتيجية

كما اتسم السلوك السياسي لحركة طالبان أفغانستان بالصلابة السياسية (والصلابة شيء غير الجمود)، وتجلَّت هذه الصلابة في العديد من المواقف، مثل موقفها في رفض تأييد الاحتلال والاستسلام له، ثم رفضها أن يقوم فريق منها بالتفاوض مع الاحتلال تحت مسمى الاعتدال, وكذلك رفضها المشاركة في الحكم تحت سيادة الاحتلال بأي صورة من الصور.

وفي نفس الوقت الذي اتسم السلوك السياسي لطالبان بالصلابة السياسية والاستراتيجية فقد اتسمت حركتها بالمرونة الأسلوبية أو التكتيكية؛ فهي رحَّبت بالتحالف مع عدد من القوى التي كانت بينها وبينها صراع قبل الاحتلال، وعلى رأس هذه القوى جماعة القائد حكمت يار، أحد أبرز زعماء المجاهدين السابقين والزعيم البشتوني البارز, كما تجلت المرونة التكتيكية في تخلي طالبان عن أسلوب الدولة في القتال أو في السيطرة على الأرض في بداية مقاومة الاحتلال ثم عودتها لأسلوب الدولة في الأرض المحررة مع استمرار استخدامها أسلوب حركة المقاومة والتحرير في الأراضي غير المحرَّرة.

التصميم على تحقيق الهدف

ومن أبرز صفات حركة طالبان التي ساعدتها في تحقيق إنجازاتها في مقاومة الاحتلال التصميم على تحقيق الهدف، والعزيمة القوية في الأداء دون خوف أو تردد، وقد تجلى ذلك على مستوى القادة والجنود على حد سواء، فالقيادة مطاردة ومع ذلك لا تخاف ولا تتردد ولا تغفو عن اتخاذ القرارات الصعبة على المستويات التكتيكية أو الاستراتيجية على حد سواء, أما الجنود فينفذون بشجاعة وتضحية وتفانٍ، حتى لو كان هذا التنفيذ ضد أشرس وأكبر آلة حرب شهدها العالم المعاصر، رغم أنهم يعرفون أن ثمن ذلك هو التضحية بدمائهم وأرواحهم.

هزيمة الناتو في أفغانستان

ونتيجةً لشعور قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان بقرب الهزيمة فإنهم طالبوا الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإرسال المزيد من القوات لمواجهة هجمات حركة طالبان أفغانستان المتصاعدة.

وقد أبلغ قادة الناتو بأفغانستان المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ريتشارد هولبروك أنهم يحتاجون إلى المزيد من القوات والموارد من أجل هزيمة طالبان، خاصةً في شرق أفغانستان بالقرب من الحدود الباكستانية.

هذا على صعيد القادة العسكريين لقوات الناتو، أما على صعيد القادة السياسيين فنلاحظ بوادر شقاق، ومن ثم انهزام أو ما يسمونه انسحابًا؛ إذ وجَّه أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، زاروا كابول، رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، وأعضاء حكومته، وقالوا له: “إن صبر الولايات المتحدة ينفَد”.

وقال السيناتور الديمقراطي، روبرت كيسي: “نقلْتُ للرئيس كرزاي أن وقتًا سيحين ينفد فيه صبر الأمريكيين”.

ويؤكد المراقبون أن تدهور الحالة الأمنية في أفغانستان يخلق ضغوطًا على إدارة الرئيس أوباما كي تنظر في إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، ويشيرون إلى أن هذه الخطوة قد لا يقبلها الكونجرس والرأي العام الأمريكي.

لاسيما أن استطلاعًا للرأي أجرته، مؤخرًا، صحيفة “واشنطن بوست” ومحطة “أيه بي سي نيوز” أظهر أن معظم الأمريكيين يعتقدون أن الحرب في أفغانستان لا تستحق القتال فيها، فيما يعتقد ربع الأمريكيين فقط أن الولايات المتحدة يجب أن ترسل المزيد من القوات إلى أفغانستان.

وأيضًا فقد أكد وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، المرشح للفوز بمنصب المستشارية في انتخابات الشهر المقبل، أنه يرى ضرورة وضع جدول زمني للانسحاب العسكري من أفغانستان.

وقال شتاينماير: “بمجرد أن يتضح مَن الذي سيقود أفغانستان بعد انتخابات الخميس الماضي التي أُجريت هناك يتعين أن تبدأ المحادثات حول الفترة التي يجب أن تقضيها القوات الأجنبية في البلاد”.

وأضاف وزير الخارجية الألماني على هامش جمع انتخابي في دورتموند: “علينا أن نتفق مع الرئيس الأفغاني الجديد، فإلى متى يتعين أن تظل القوات الدولية في أفغانستان؟”.

ومن هذا كله يظهر لنا أن الناتو سيضطر للانسحاب من أفغانستان، وحينئذ سيتشبث بمَدِّ حلفائه من الأفغان بالسلاح، لكنهم سرعان ما سيسقطون تحت ضربات طالبان الساحقة وفي قبضتها القوية، إذ لا يُعقل أن يهرب الناتو ويصمد عملاؤه من الأفغان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع لموقع الاسلام اليوم و نشرته به.

أطفال صورة أرشيفية

خبيرة نفسية : كيف نشرح لأبنائنا شئون الجنس؟

نشر موقع (CNN) باللغة العربية تقريرا عن تربية الأولاد حول شئون الجنس فجاء فيه النص التالي: –

بعد تزايد معدل الانحرافات الجنسية عند الشباب، حثت المعالجة الجنسية الأمريكية، لورا بيرمان، الأهالي على تنوير أطفالهم حول المسائل الجنسية عبر إجراء أحاديث معهم عن هذه الأمر.

فترى الدكتورة أن هناك عدة طرق يمكن معالجة هذه القضية الشائكة دون التأثير سلبا على تربية الأولاد.

فبداية، ترى بيرمان، أن الأطفال والمراهقين اليوم يعرفون أكثر مما نتخيل عن الجنس، خصوصا عند بلوغهم المرحلة الإعدادية في المدرسة، فهم يتعرضون بهذا السن إلى شتى أنواع التأثيرات.

وتتراوح هذه من حصولهم على رسائل جنسية صريحة عبر هواتفهم المحمولة وصولا إلى أحاديث الزملاء التي قد تضغط عليهم لممارسة بعض الممارسات التي قد تعتبر شاذة مثل “الجنس الفموي.”

و لعلاج ذلك رأت بيرمان أنه من الضروري التحدث حول هذا الموضوع مع الأولاد منذ صغرهم ولكن على مراحل، أي أن لكل سن مرحلة في مدى شفافية الحديث معهم،وذلك كي لا يشكل انكشافهم على الجنس في العالم الخارجي صدمة لهم، ومن أجل تجنيبهم الوقوع تحت تأثيرات سلبية من رفاق السوء.

فعند بلوغهم العاشرة ترى بيرمان أنه لا ضرورة للدخول في أحاديث تفصيلية حول هذا الشأن بل يجب التركيز على أن نمو أعضائهم التناسلية أمر طبيعي ولا يدعو للخجل.

وينبغي التوضيح لهم أن المتغيرات التي تشهدها أجسامهم، ذكورا وإناثا، هي أمر طبيعي ولا عيب فيه، لأن شعورهم بالرضا عن أعضاء أجسامهم يعزز ثقتهم بأنفسهم بالإجمال.

أما في مرحلة المراهقة، فتنصح بيرمان الأبوين بالتحلي “بضبط النفس،” والحد من قوة ردود أفعالهم من أسئلة الأبناء والبنات، خصوصا وأنها قد تكون صادمة جدا، بسبب ما يسمعوه من زملائهم وما يرونه على وسائل الإعلام.

خصوصا وأن الغضب والصراخ من شأنه أن ينفر الأبناء منهم ويدفعهم للجوء إلى مصادر أخرى لإشباع فضولهم، والتي قد تكون سلبية للغاية.

ويذكر أنه حتى في الدول الأكثر انفتاحا حول المسائل الجنسية مثل أمريكا، فإن هناك إشارات إلى انعدام الحوارات بين الأهالي مع أولادهم حول الجنس، وهو الأمر الذي ظهر عند إجراء مسح، من قبل مجلتي “O “، التابعة للمذيعة أوبرا وينفري، و”17” حول عدد الأمهات اللواتي يتحدثن عن الجنس مع بناتهن.

حيث تبين أن 90 في المائة من بنات القارئات اللواتي زعمن أنهن نورن أذهان بناتهن حول هذا الموضوع، أنكرن صحة إفادات الأمهات.(انتهى تقرير السي ان ان)

و تعليقي حول هذا التقرير أنه صفعة لبعض الكتاب الذين يهاجمون الدعوة الاسلامية و التيارات الاسلامية بدعوى أن الدعاة الاسلاميين يعلمون فقه الحيض و النفاس و يهملون هموم الأمة و مصالحها العليا, ففقه الحيض و النفاس الذي يتهكمون عليه ما هو سوى باب من الفقه يسمى في كتب الفقه “كتاب الطهارة”، فيحوى فيما يحوى كل أو أغلب التغيرات البيلوجية التي يمر بها المراهقون و المراهقات في الجانب الجنسي، و كيفية التعامل معها بشكل فيه التزام شرعي، بما في ذلك الافرازات المتعددة التي تصاحب التطورات العمرية، و المصاحبة أيضا لبعض المشاعر الجنسية، مثل حالة الاثارة (المذي) و حالة الذروة (المني)، و حالات بيولوجية متعددة مرتبطة بالجهاز التناسلي (كالودي و الحيض والاستحاضة و النفاس)، كما يتم تدريس كيفية الممارسة الجنسية و العديد  من مقدماتها، وذلك في اطار تدريس موجبات الغسل و الوضوء و نواقضهما .. الخ و كلها ضمن باب الطهارة في كتب الفقه.

و تدريس هذه المادة للمراهقين يسهل على المربين تربية الأولاد في الإسلام ، و إفهامهم حقيقة الشئون الجنسية بشكل صحيح و صحي, و قد ذكر لي أحد الأصدقاء – حول تربية الأولاد – أنه كان لديه ابنان، واحد في التعليم الأزهري و الآخر في التعليم العادي، فكان أسهل عليه تفهيم الابن الذي يدرس في الأزهر، و لقد أفهم صديقي هذا ولديه هذه الأمور و هما في المرحلة الاعدادية، بينما تولت زوجته إفهام الابنة.

النقاب

هل النقاب أو الحجاب كفر بالإسلام؟؟

شهد النقاش حول النقاب تشددا ضده في العديد من المناسبات، فمن قائل إن النقاب يهدد الامن العام لأن المجرمين من الممكن أن يتخفوا وراءه ليرتكبوا الجرائم، و من قائل أنه ليس من الدين في شئ فلا يجوز لبسه، و من قائل أنه يعرقل عملية التحقق من الشخصية، إلى غير ذلك من الحجج التي نرى انها مجرد تشدد ضد قضية خلافية لكل شخص الحرية في تبني ما يشاء بشأنها.

النقاب مندوب أم واجب؟

النقاب في الشرع و حسب أراء العلماء هو من الاسلام لكنهم اختلفوا فمنهم من قال أنه مندوب أي من تفعله تأخذ ثواب و من لا تفعله فليس عليها وزر، او كما يقال باللغة الدارجة هو سنة فقط، و من العلماء من قال هو فرض، و منهم من قال هو مندوب لكنه يصير فرضا إذا خيفت الفتنة بسبب عدم ارتدائه، فهذه هي أراء العلماء السابقين عندما كان العلماء لا يتأثرون بشئ سوى حكم الشرع، و لا يهمنا هنا آراء بعض العلماء الذين يتأثرون في فتاواهم و آرائهم بمناصبهم الحكومية أو علاقاتهم بمراكز القوة أو يتأثرون بحبهم للظهور في صورة من لا تتعارض آراؤهم مع مفاهيم الحضارة الغربية الحديثة أو حتى القديمة بغض النظر عن توافق ذلك كله مع الحكم الشرعي الحقيقي أم لا.

التشدد ضد النقاب لا بد أن يكون سمة هذه الأيام مادام السيد الأوروبي غير راض عن هذا المظهر الاسلامي، و كيف لا و الهجوم على الحجاب الحقيقي نفسه لا يكل و لا يمل لا هنا و لا في أوروبا، تعرية الأنثى لجسمها سواء بكشفه و تحريره من الملابس الساترة أو بلبس الضيق أو الشفاف الذي يظهر الجسم اللابس و كأنه عاري تماما إذا جرى الكلام عنه فنحن هنا نتكلم عن الحرية و تحرير المرأة و تقدمها، أما إذا لبست الأنثى النقاب بمحض إرادتها فالحديث هنا يكون عن التشدد و الغلو في الدين و قهر المرأة و جهلها و تخلفها، الحديث عن التعري المذكور يقرنه المتحدثون بأن الإيمان في القلب و ناقص ثانية واحدة و يقولوا أن المتعرية قديسة من القديسات أو أحد أولياء الله الصالحين لأن ايمان قلبها قوي جدا، أما الحديث عن النقاب (أو حتى الحجاب الحقيقي) فيقترن بالقول بأن صاحبته ترائي بلبسها و تجهل حقيقة الإيمان و ناقص ثانية و يقولوا أنها كافرة و بنت ستين في سبعين لأنها لبست النقاب، و كأن أحد أركان الايمان أن يتخفى هذا الايمان في القلب فلا يظهر له أي أثر على الجوارح فإن ظهر له أي أثر كان ايمانا كاذبا!!!

و نفس الذين يتشددون ضد النقاب (و أحيانا ضد الحجاب) يتكلمون عن التدين المنقوص، و هنا يطرح السؤال نفسه: أنتم في كلامكم عن التدين المنقوص تطرحون أن التدين لم ينعكس في سلوك أصحابه و هذا حق إذ لابد أن ينعكس التدين (أي الايمان) و يظهر في سلوك أصحابه، أفلا ترون أن النقاب (و مثله الحجاب الحقيقي) هو سلوك شخصي لابد أن يكون انعكاسا للتدين غير المنقوص؟

هل يجب أن نفتش في ضمير المنتقبة ؟؟

و في الواقع فإن أي محتوى لابد ان ينعكس على مظاهر الشئ الذي يحتويه إلا في حالات نادرة و لأسباب محددة، و القول بأن بعض المنتقبات غير ملتزمات دينيا فهذا أمر لابد أن نتركه لله تعالي لأن القانون المصري لا يحاسب أي أحد على مدى التزامه الديني فلماذا المنتقبة بالذات سوف نفتش في ضميرها و نراقب مدى التزامها؟

تبقى الحجج السطحية التي تساق لتبرير التشدد ضد النقاب، و هي أضعف من أن تحتاج إلى رد عليها، فالقول بأنه يمكن للمجرمين التخفي في النقاب يرد عليه بأن أي عمليات تجميل ممكن للمجرمين أن يستعملوها في التخفي فامنعوها تماما لا سيما ان صاحبة النقاب يحق لأي جهة أمنية أن تتحقق من شخصيتها عبر الاطلاع على بطاقة اثبات شخصيتها في أي وقت و مطابقتها بوجهها و ممكن تقنين ذلك عبر شرطة نسائية، بينما من يعمل عملية تجميل يتغير شكله تماما، و كذلك امنعوا تداول أدوات المكياج لأنها ممكن أن تستعمل في التنكر من قبل المجرمين، و امنعوا ملابس رجال الدين الاسلامي و المسيحي على حد سواء لأنه ممكن للمجرمين أن يلبسوها لتسهل عليهم التحرك أثناء ارتكاب الجرائم.

أما القول بأن النقاب يعوق التحقق من الشخصية في كافة الاجراءات الرسمية من عقود و بيع و شراء و غير ذلك فكله كلام سطحي لأن الشرع نفسه الذي شرع النقاب شرع ازالته في حالة التعاقد أو غير ذلك من الاجراءات التي تحتاج التحقق من الشخصية ثم تعيده الأنثى المعنية لوجهها بعد إتمام الاجراء المطلوب.

و إذا ظهرت سطحية كل هذه الحجج حق لنا ان نتسائل عن سبب التشدد مع النقاب مع انه في أقل احواله هو حرية شخصية بينما يتم التساهل مع كل مظاهر الخراب و الفساد التي يعج بهما المجتمع.

ـــــــــــــــــــــــــــ

نشرت هذا المقال بمدونتي القديمة.

اسياس أفورقي رئيس إريتريا

أريتريا واللعب مع الكبار في الشرق الأوسط

الكلام عن أريتريا ودورها الإقليمي سيَجُرُّنا للكلام عن أطراف عديدة، مثل إسرائيل وإيران وأثيوبيا والغرب، والعديد من الدول العربية، والعديد من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، وكثرة هذا الأطراف رغم صغر مساحة وموارد أريتريا تقودُنَا لحقيقة واضحة، هي أن أريتريا تريد أن تلعب دورًا أكبر من إمكاناتها الجيوسياسية، وهي بذلك تريد أن تلعب مع الكبار في جزء من العالم الإسلامي، تَمَّتْ تسميته دوليًّا بمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة في شرق إفريقيا أو القرن الإفريقي.

جوانب من تاريخ تحرير أريتريا وأثرها في التحليل السياسي

استقلت أريتريا عن أثيوبيا في 23 من مايو 1993م ولن نقف كثيرًا عند التفاصيل التاريخية، لكنّ هناك أربعَ جوانب من تاريخ تحرير أريتريا لها دلالة مهمة في مجال التحليل السياسي، لا بد لنا في البداية من الإشارة إليها:

الجانب الأول: أن حركة التحرير هذه نشأتْ أوَّلَ أمرها في السودان عام 1961م، ولم تكن تملك مقاتلين داخل أريتريا سوى 13 مقاتلًا، ولم تملك كوادِرَ خارج السودان سوى أقل من عشرةٍ، أكثر من ثلثهم هم من السودانيين. وأعطى هذا الجانب الثوار الأريتريين ثقةً كبيرة في أنفسهم ومكانتهم، حتى بعد وصولهم للحكم، بسبب تحقيقهم إنجازَ التحريرِ من العدم- إن جاز التعبير- على الأقلِّ حسب رأْيِهِم هم!

كما أن تجربتهم الثورية هذه منحتهم خبرةَ ممارسةِ السياسة بأسلوبها الكفاحي, ومن ثَمَّ نرى لجوءَهُم المتكرِّرَ للأساليب العسكرية في علاقاتهم مع الأطراف الأخرى، كما حدث مع اليمن وأثيوبيا السودان.

الجانب الثاني- أن المساندة الأهَمَّ لحركة التحرير هذه منذ البداية وحتى بعد إقامة الدولة الأريترية المستقلةِ كانتْ من الدول العربية، خاصةً سوريا ولبنان والسودان والسعودية، لاسيما أن أثيوبيا التي اعتُبِرَتْ دولة محتلة لأريتريا، هي دولةٌ حليفة بشكل أساسي لإسرائيل، كما كانت بجانب ذلك حليفةً للاتحاد السوفيتي السابق.

ويعكس هذا الجانب أهميةَ منطقة القرن الإفريقي، وكذلك السواحل الإفريقية للبحر الأحمر بالنسبة للدول العربية, كما يعكس قلقَ العرب من الوجود الإسرائيلي، سواء في أثيوبيا (مُهَدِّدًا بذلك مصر، والسودان، والصومال، واليمن، وغرب وجنوب السعودية) أم في الساحل الشرقي لإفريقيا؛ حيث يُطِلُّ على بحرٍ، كُلُّ المطلين عليه من العرب، عدا هذا الجزء من ساحل البحر الأحمر الذي أصبح الآن أريتريا.

الجانب الثالث- أنه قد تحالَفَ الثوار الأريتريون مع ثوار التجراي الأثيوبين، ابتداءً من عام 1975م, وكان الأخيرون يَسْعَوْن لاستقلال إقليم التجراي عن أثيوبيا (يمثل التجراي 7 % من سكان أثيوبيا) لكنهم تحت ضغط ثوار أريتريا غيَّرُوا وُجْهَتَهم لحكم كُلِّ أثيوبيا.. وقد وصل هذا الضغط الأريتري ذِرْوَتَهُ بحصار عسكري، وتصفياتٍ دمويَّةٍ قادها أسياس أفورقي ضدهم عام 1985م, كما دعم هذا التوجُّهَ ضغطٌ سياسي أمريكي في نفس الاتجاه، بهدف إسقاط نظام “منجستو هيلامريام” المتحالفِ مع السوفيت في ذلك الوقت.

وفي هذا الجانب نضع يَدَنَا على العُقْدَةِ التي ربما تكون نفسيَّةً بين كُلٍّ من “ملس زيناوي” (أحد قادة التيجراي وقتها، ورئيس وزراء أثيوبيا الآن)، و”أسياس أفورقي” (الأمين العام المساعد لجبهة تحرير أريتريا وقتها، والرئيس الحالي لأريتريا)؛ حيث كانت جبهة أفورقي لها اليَدُ العليا والفضل على التيجراي الإثيوبيين في دَفْعِهِم لحُكْمِ كُلِّ أثيوبيا، كما كانت جبهة أفورقي بمثابة السيد على منظمة زيناوي (جبهة تجراي أثيوبيا)، بما لها من خِبْرَاتٍ وعلاقات وموارِدَ، وقوةٍ عسكريةٍ، بينما كانت منظمة زيناوي أشبهَ بالتابع لها بدرجةٍ ما, لكن بعد حكم زيناوي لأثيوبيا بكامل مواردها الاقتصادية والبشرية (تعداد أثيوبيا نحو 70 مليون نسمة، وجيشها نحو نصف مليون).. تغَيَّرَ الوضع، وتغيَّرَت موازين القوى إزاء دولة أريتريا التي لا تملك أيّ موارد اقتصادية ذات بال، كما أن تعدادها لا يزيد عن 4 مليون نسمة، ولا تملك جيشًا بحجمِ ولا تسليح الجيش الأثيوبي, ومن هنا ثارت المشاكل بين الدولَتَيْنِ، تُغَلِّفُها مشاكل ومنازعات الحدود؛ حيث بدا أنّ كُلًّا من الدولتين يسعى لاستِتْبَاع الأخرى، والاستئثار بالدور الإقليمي الأكبر في شرق إفريقيا، وفي القرن الإفريقي ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة.

الرابع- تحالُفُ ثوار أريتريا مع أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل قَبْلَ التحرير, ومن الطبيعي أنّ تَحَالُفَ نظام “منجستو هيلامريام” مع السوفيت سَهَّلَ على معارضيه الحصولَ على الدعم الغربي, ومصادر جبهة التحرير الأريترية تزعم أنهم لم يستطيعوا الحصولَ على الدعم الغربي، لولا الدخولُ من البوابة الإسرائيلية, وهذا هو تبريرهُم الدائِمُ لعلاقاتهم الوثيقة مع الكيان الصهيوني منذئذ, ومن هنا نرى التناقُضَ بين علاقات الأريتريين بإسرائيل وعلاقاتهم بالعرب.

نعم، قد تغيَّرَ موقف العرب من مسألة العلاقة مع الكيان الصهيوني، نظرًا لوجود علاقاتٍ لعدد من الدول العربية والإسلامية مع الكيان الغاصب، لكنْ لا شك أن أريتريا وأثيوبيا حتى الآن تتنافسان في الحصول على رضا إسرائيل, وفي واقع الأمر فإن إسرائيل لا يمكنها الاستغناءُ عن أريتريا بموقعها على البحر الأحمر، من حيث إنها الدولةُ الوحيدة التي لا تنتمي للجامعة العربية، وتُطِلُّ على البحر الأحمر؛ إذ كل الدول المطلة عليه عربية, وفي نفس الوقت لا يمكن لإسرائيل الاستغناءُ عن أحد أكبر دول إفريقيا من حيث القوة الشاملة، كأثيوبيا، ولاسيما أن لها حدودًا لصيقةً مع العالم العربي, وهكذا تعتبر علاقة أريتريا مع الغرب بعامةٍ، وإسرائيل بخاصةٍ أمرًا جوهريًّا وأساسيًّا حتى الآن, ومن هنا ليس مستغربًا أن الغواصاتِ الإسرائيليةَ التي أعدَّتْهَا إسرائيل لتوجيه ضربة نووية ثانية للعرب، ترتكز في جزءٍ أساسي من إمداداتها على موانئ أريتريا، إن لم تكن أريتريا هي قاعدتها الوحيدة في المنطقة.

انحياز الغرب وإسرائيل لأثيوبيا

انحاز الغرب وإسرائيل بشكلٍ كبيرٍ لأثيوبيا في نِزَاعِها ضد أريتريا، منذ الحرب التي دارت بينهما عام 1998م, وهذا أضْفَى شيئًا من التوتُّرِ على علاقة أريتريا مع الغرب، والمفترض أن يسري هذا الأمر على إسرائيل أيضًا، لكنّ كل الدلائل تشير إلى أن العلاقاتِ بينهما ما زالت استراتيجيةً لحاجة كُلٍّ منهما للآخر, وإن كانت إسرائيل تميل أكثرَ لأثيوبيا، بسبب قيمتها من ناحية الجغرافيا السياسية والعسكرية, هذا إذا تعارضتْ علاقتها بإثيوبيا مع علاقتها بأريتريا.

وأريتريا دولةٌ فقيرةٌ جِدًّا، سواء من حيث مواردها الاقتصادية، أم من حيث اقتصادُهَا الكلي, كما أنها لا تتمتَّعُ بتاريخ خاص عريقٍ، لا في الماضي القريب، ولا البعيد, ورُغْمَ ذلك فلدى قادَتِها طُمُوح ضَخْمٌ في لَعِبِ دور كبير في شرق إفريقيا، وفي الشرق الأوسط على حَدٍّ سواء، يفوق كثيرًا من أدوار القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة.

وقد استغل قادة أريتريا أهمية موقعها على البحر الأحمر بالنسبة للاستراتيجية الإسرائيلية؛ كي يقيموا علاقاتٍ قويَّةً مع إسرائيل، ويحصلوا منها على دعم اقتصادي وعسكريٍّ هام, كما استغلوا موقعهم الجغرافي كمَنْفَذٍ شِبْهِ وحيدٍ لأثيوبيا على البحر؛ كي يضغطوا عليها، ويحوزوا قُدْرَةَ توجيه السياسة الخارجية الأثيوبية كما يشاءون، لكن أثيوبيا لم تَرْضَخْ لهم، ودخلتْ معهم حربين ساخنتين عامي 1998 و2000 , والحرب الباردة مندلعةٌ بينهما منذئذ وحتى الآن، خاصةً عبر الساحة الصومالية؛ إذْ تدعم أثيوبيا الحكومة الانتقالية، بينما تدعم أريتريا معارضي الحكومة.

وفي نفس الوقت استخدمت أريتريا قُوَّةَ التحالف الأثيوبي مع إسرائيل لِتُسَوِّقَ نفسها لدى الدول العربية، خاصةً الغنية منها على أن أريتريا هي حليفٌ للعرب، لاسيما أن العديد من أعراق أريتريا يَرْجِع إلى العرب، أو على الأقل اختلطَ بالعرب، كما أن أغلب الأريترين هم من المسلمين (أكثر من 75%), وتحتاج أريتريا للدول العربية النفطية لانقاذ اقتصادها المتداعي, ورُغْمَ حُسْنِ علاقات عددٍ من الدول العربية بأريتريا، إلا أنها ليست بالقوة، ولا الفوائد التي كانت تأملها أريتريا.

ضغط أريتريا على مصر والسودان

ومن ناحيةٍ أخرى مارست أريتريا ضغْطًا عسكريًّا غير مباشر على كلٍّ من السودان ومصر, فبالنسبة لمصر دأبتْ على احتجازِ سفن الصيد المصرية لفترات طويلة، أو مَنْعِهَا من الصيد أمام سواحلها، رُغْمَ وجود فائضٍ لديها من الأسماك، وعدم وجود سُفُنِ صيد أريترية قادرةٍ على صيد هذا الفائض, وكان الغرض من هذا الضغط تحصيلَ ضريبةٍ باهظةٍ من الصيادين المصريين.

أما بالنسبة للسودان، فقد دعمتْ أريتريا سياسيًّا وعسكريًّا منظماتِ التمرُّدِ في جنوب السودان وشَرْقِهِ وغَرْبِهِ (دارفور)، وما زالت حتى الآن, وهدفها في ذلك المساهمةُ في المخطط الغربي والصهيوني لإضعاف السودان وتفتيته، والتقَرُّب بذلك لإسرائيل والغربِ بعامة.

إريتريا تضغط على اليمن

كما مارست أريتريا ضَغْطًا عسكريًّا على اليمن عبر استيلائها بالقوةِ على جزيرة أبو حنيش الاستراتيجية في البحر الأحمر، وادِّعَاءِ امتلاكها, وأرادتْ من ذلك تعزيزَ مكانتها الاستراتيجية في البحر الأحمر بهدف المساومة بهذه المكانة مع قوة كبرى إقليمية (كإسرائيل مثلًا) أو دولية (كفرنسا والولايات المتحدة مثلًا) كي تُقَدِّمَ هي التسهيلات الاستراتيجيةَ في البحر الأحمر لهذه القوة، في مُقَابِلِ تقديم هذه القوة الْمُقَابِلَ في شكلِ دَعْمٍ سياسِيٍّ واقتصادي لأريتريا.

إريتريا وإيران

و ربما يمكننا في هذا الإطار فَهْمُ ما يُقَالُ عن وجود تسهيلاتٍ عسكرية لإيران في موانئ أريتريا، سواءٌ صَحَّتْ هذه المعلومات أم لا.

ومن ذلك كُلِّهِ يمكننا أن نفهم كيف تلعب أريتريا مع الكبار في الشرق الأوسط ،وفي شرق إفريقيا، وفي القرن الإفريقي.

أسس استراتيجية في تجربة اريتريا

ورُغْمَ خلافنا مع عقيدة أريتريا وأهدافها السياسية، فإنه لا بُدَّ من التأمل في الكيفية التي تمكَّنَتْ بها أريتريا من اكتساب مكانةٍ ودورٍ إقليميٍّ، واللعب مع الكبار في الشرق الأوسط، والقرن الإفريقي، بل والتفوق عليهم في هذا اللعب في بعض الأوقات، وتتلخَّصُ هذه الكيفية في عدةِ أُسُسٍ، نوجزها على النحو التالي:

أولا- الإدراك الكامل لمكامن القوة الذاتية أو المميزات الذاتية التي يملكها الكيان السياسي، واستخدامها لتحقيق أهدافه العليا, وهذا ما فعلته أريتريا، فهي- رُغْمَ فَقْرِهَا في الموارد الاقتصادية والبشرية- قد أدركت أنّ موقعها الجغرافي له مميزاتٌ من الممكن استغلالها في علاقاتها مع العديد من القوى الكبرى، سواءٌ سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو استراتيجيًّا, وللأسف فالعديد من القوى العربية والإسلامية لها العديدُ من المميزات، ولكنها لا تُدْرِكُها أو لا تستخدمها.

ثانيا- التصميم على تحقيق الأهداف، وسلوكُ أسلوب السياسة الكفاحِيَّةِ لتحقيق هذا الغرض، وتَحَمُّل مخاطِرِ هذا السلوك، والتعامُل مع هذه المخاطِرِ بثبات.

ثالثا- ابتكارُ الوسائل والأساليب المناسبة لتحقيقِ ذلك كُلِّه، مهما كانت هذه الأساليب جديدةً وغيرَ معتادةٍ، فأريتريا- رُغْمَ صِغَرِ جيشِهَا وضَعْفِ تسليحِه، وضَعْفِهَا الاقتصادي- تمكَنَتْ من التَصَدِّي عسكريًّا بشكل أو بآخر للعديد من القوى الأكبر منها في المنطقة، عبر حروبٍ مباشرة حِينًا، وعبر حروبٍ بالوَكَالَةِ في أحيان أخرى.

وهكذا تَمَكَّنَتْ أريتريا من اللَّعِبِ مع الكبار.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في موقع الاسلام اليوم و كذلك في مدونتي القديمة وعدد من مواقع الانترنت و أثار جدلا واسعا و تعليقات كثيرة وقتها.

الأزمة المالية العالمية

المسلمون و الأزمة المالية العالمية

عصفت الأزمة المالية العالمية بالنظام المالي الدولي الراهن و لن يخرج العالم من الأزمة الا و قد تغيرت الخريطة المالية الدولية بما يسستتبعه ذلك من تغيير خريطة النظام السياسي الدولي بدرجة ما.

النظام الدولي الجديد

و تشير ملامح الأزمة المالية الحالية و متغيرات الواقع السياسي الدولي إلى أن النظام الدولي الجديد سيكون متعدد الأقطاب حيث ستتوزع القوة الدولية بين عدة أقطاب بعدما كانت مركزة في قطب واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية, صحيح أن التغيرات الاقتصادية و التطورات في عالم الاتصال لن تجعل الصراع او التنافس الدولي بالشكل الذي ألفه العالم على مر تاريخه, بسبب تداخل و تشابك المصالح الاقتصادية و المالية و بسبب ثورة وسائل الاتصال التي يصعب على أي أحد أن يوقفها, و لكن لا شك أن عناصر القوة و التأثير لن تظل رهنا لارادة الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بل ستتوزع فيه بين عواصم دول عدة كروسيا و الصين و الهند و اليابان و الاتحاد الأوروبي بجانب الولايات المتحدة, و من الطبيعي أن تزداد استقلالية حكومات العالم الاسلامي في صنع القرار خاصة فيما يخص سياستها مع شعوبها بعدما يترسخ النظام الدولي الجديد, و تعطي هذه الاستقلاالية لهذه الحكومات قدرات أكبر في البطش بمعارضيها.

و ان كان هناك عامل أخر مضاد و لكنه أقل تأثيرا و هو انتعاش الاتجاهات الدولية المدافعة عن الحريات و حقوق الانسان.و هذه الاستقلالية سوف تؤدي إلى مزيد من الضغط على الحركات الاسلامية عبر التدابير الحكومية القمعية و السياسية على حد سواء, لكن ستظل هذه الحكومات معرضة لضغوط المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الانسان مما يخفف قليلا من قمعها و لكنها قد تقل حساسيتها لهذه الضغوط بسبب أنه لا توجد حكومات من الأقطاب الدولية ممكن أن تدعم هذه المنظمات سوى الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة, بينما يمكن لحكومات الدول الاسلامية أن تلجأ لأقطاب دولية أخرى لا يهمها منظمات حقوق الانسان من قريب و لا من بعيد مثل الصين و روسيا و الهند أو حتى ايران أو اسرائيل (فكلتاهما قوة اقليمية عظمى) كى تستند إليها في مواجهة الغرب المساند (و لو شكليا) لقضايا الديمقراطية و حقوق الانسان.

قدرة الحكومات على القمع و الاستبداد

و رغم ذلك كله فلابد من رصد العديد من المتغيرات السياسية و الاقتصادية و تأثيرها على النحو التالي:

كما أن التعددية القطبية في النظام الدولي ستتيح لحكومات العالم الاسلامي منفذا تقاوم به الضغوط الغربية بشأن تقليل القمع و الاستبداد تجاه شعوبها, فإن الأزمة المالية و ما يتبعها من خلل اقتصادي مؤثر سيضعف قدرة هذه الحكومات على القمع و الاستبداد كل بقدر درجة أزمته لأنه من المتفق عليه أن ضعف حكومة ما اقتصاديا يتبعه ضعفها سياسيا, كما أنه كلما قلت انجازات حكومة ما الاقتصادية و السياسية كلما تآكلت شرعيتها السياسية أمام شعبها, و هذا الضعف طبعا إذا أصاب المستبدين فإنه يخدم قضية الحريات و تخفيف قبضة الاستبداد و تقليل القمع.

سيخف الضغط الدولي بدرجة ما عن الحركات الاسلامية بصفة عامة و السلمية منها بصفة خاصة كجزء من نتائج الهزائم الأمريكية و الغربية و هزائم حلفائهم في أفغانستان و العراق و الصومال, و كذلك بسبب نتائج الأزمة المالية العالمية و ما يتبعها من مشاكل اقتصادية, و هذا سيصب في مصلحة حركة هذه التيارات سياسيا كل في محيطه, كما أن هزائم الغرب و حلفائهم ستستخدم دعويا اسلاميا لضم مزيد من الأنصار للحركات الاسلامية بكافة اتجاهاتها.

بعد الهزائم و الأزمات التي مني بها الغرب و حلفاؤه ستتعلم “اسرائيل” أنها يجب أن تتعامل مع الحركات الاسلامية و بالتالي ستفضل التعامل مع التيارات ذات الطبيعة السلمية, كما أنها ستتعامل مع التيارات المسلحة التي لن تجد بدا من التعامل معها كـ”حماس”, كما أنها لن تمانع من التفاهم و التعاون مع جهات لديها نمط من البرجماتية يدفعها للتفاهم مع اسرائيل و أبرز مثال على ذلك هو ايران و حزب الله و القوى الشيعية العراقية و نحوها, و لن تتفاهم اسرائيل (و لا الغرب بطبيعة الحال) مع القاعدة أو الجهاد المصري أو السلفية الجهادية في أي مكان لأنها غير مضطرة لذلك لا الآن و لا في المدى المنظور, لكنها (هي و الغرب) قد تضطر للتفاهم مع طالبان في أفغانستان و شباب المجاهدين في الصومال إذا انتصرتا و سيطرتا على البلد, لاسيما و أن طالبان و شباب المجاهدين أكثر عقلانية و رغبة في التفاهم من القاعدة و من السلفية الجهادية.

الحركات الجهادية السنية

ستستمر ايران في غض الطرف عن الحركات الجهادية السنية ما دامت تستنزف الغرب و حلفائهم في المنطقة بما لا يهدد مصالح ايران و لا أتباعها و لا مناطق نفوذها, كما ستستمر ايران بنجاح في السعي لتقسيم المصالح و مناطق النفوذ في المنطقة بينها و بين الولايات المتحدة و الغرب , و عندما تستقر مناطق النفوذ الايرانية و تتراضى عليها مع الغرب و يتم ترسيم حدود نفوذ كل منهم بدقة فإن ايران ستحاول منع الحركات الاسلامية السنية من الحركة في مناطق نفوذها و حينئذ إما تتحول حراب الحركة الاسلامية السنية إلى ضرب ايران بدل الغرب داخل هذه المناطق أو تنسحب الحركة الاسلامية السنية من هذه المناطق تاركة لمتشددي الشيعة حرية تحويل جماهير السنة في هذه المناطق إلى التشيع كما حدث في العصر الصفوي, كما ستتعاون ايران (في حالة ترسيم خطوط مناطق النفوذ هكذا) مع الغرب لضرب الحركة الاسلامية السنية المسلحة.

هل يتغير جوهر الرأسمالية؟

سيضع العالم بقيادة الغرب تدابيرا مالية جديدة للتقليل من مخاطر تكرار الأزمات المالية المماثلة, و ستمثل هذه التعديلات تغييرا هيكليا في جوهر الرأسمالية, و رغم أنهم سيضعونها تحت مسمى “تطوير النظام الرأسمالي المعاصر” إلا أن بعضا من هذه التدابير ستقترب كثيرا من تعاليم و أحكام اقتصادية اسلامية موجودة في نص السنة النبوية المطهرة, و رغم أنهم وصلوا لها بالتجربة و الخطأ إلا أنه سيمكن للدعاة الاسلاميين الاستدلال بذلك على صلاحية أحكام الاسلام لكل زمان و مكان, و على كون الاسلام قد جاء بما فيه تحقيق مصالح البشر الدنيوية بجانب الأخروية على حد سواء, و انتهاز هذه الفرصة سيمكن دعاة الحركة الاسلامية من التوغل في فئات مجتمعية و مناطق جغرافية لم يكونوا متمكنين من الانتشار فيها من قبل, مما سيعطي الحركة الاسلامية مزيدا من القوة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية.

سيؤدي تعدد أقطاب النظام الدولي الجديد إلى اتاحة الخيارات أمام الحركة الاسلامية سواء على المستوى الدعوي (الفضائيات و النت و نحوهما) أو على مستوى الحركة الإقتصادية و السياسية, مما يقلل (و لا يزيل) مخاطر الحصار الدولي على الأقل تجاه الحركات الاسلامية السلمية.

ستتضرر شعوب العالم الاسلامي (و أغلبها من الفقراء) من الأزمة المالية الدولية في بعض الميادين, و لكنها قد تكون أقل تضررا من الغرب, و كما أنها قد تعودت على شظف العيش, مما يعني أن انتفاع الشعوب الاسلامية من فوائد الأزمة المالية العالمية أكبر من ضررها و معظم الانتفاع سيكون سياسيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع لمجلة البيان الشهرية الصادرة في لندن و نشر بعدد جمادى الآخرة 1430هـ ، كما نشرته في مدونتى القديمة.

أنور السادات و حسني مبارك

سياسة جمال عبد الناصر والسادات و مبارك تجاه الحركات الاسلامية

يمثل الموقف من الدين الاسلامي و من الجماعات الاسلامية علامة هامة في سجل كل من الرئيسين مبارك و السادات ليس كعلامة فارقة بين السياسات الداخلية لكل من السادات و مبارك فقط بل أيضا كمؤشر مهم يمكن الربط بينه و بين السياسة الخارجية لكل منهما بل و قوة الدولة و دورها الاقليمي و الدولي لحد ما.

و إذا اردنا تتبع سياسة السادات تجاه الاسلام و تجاه الجماعات الاسلامية فلابد ان أن نرجع قليلا للوراء و تحديدا للفترة الأخيرة من حكم جمال عبد الناصر… بل و بشكل أدق لما بعد هزيمة يونيو 1967م…

جمال عبد الناصر والدين

لقد كان عبد الناصر منذ توليه الحكم يستخدم الدين بشكل عام و الاسلامي بشكل خاص كاداة من ادوات سياسته الخارجية عبر مؤسسة الأزهر و عبر مشيخة الطرق الصوفية و عبر منظمة المؤتمر الاسلامي, و اقتصر استخدامه للدين في الداخل على الفترات التي اشتد فيها النزاع بينه و بين الاخوان المسلمين فنافسهم بخطابه الديني في اطار صراعه الحاسم معهم كما اثبت ذلك الدكتور رفعت سيد احمد في دراسته التي حصل بها على الماجستير من كلية الاقتصاد و العلوم السياسية بالقاهرة.

لكن طرأ متغيران جديدان في السياسة الداخلية الدينية لجمال عبد الناصر بعد هزيمة 1967م:

 المتغير الأول- ان جمال عبد الناصر و معاونيه استقر رأيهم لسبب او لأخر على استخدام الدين الاسلامي لاعادة تعبئة و بناء الجيش الذي انهار في اثر هزيمة 1967م, و تولى اللواء جمال الدين محفوظ ادارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة و كان أبوه من علماء الأزهر المرموقين كما أن اللواء محفوظ نفسه له كتابات اسلامية عديدة مازالت متداولة لدى الحركات الاسلامية حتى الان.

كما تم توجيه قوافل من علماء الأزهر لنشر التوعية الدينية و رفع الروح المعنوية لدى القوات المسلحة خاصة في الفرق الميدانية المتمركزة في الجبهات.

أما المتغير الثاني- فقد بدأ توجه جديد لدى جمال عبدالناصر تجاه جماعة الاخوان المسلمين يتسم بقدر من التهدئة كتمهيد لمصالحة مع جماعة الاخوان المسلمين, لكن جمال عبدالناصر مات قبل أن يشرع في مثل هذه المصالحة.

أنور السادات والحركات الإسلامية

و جاء الرئيس أنور السادات ليكمل ما بدأه جمال عبد الناصر من اتمام بناء الجيش و رفع روحه المعنوية وفق توجيه معنوي اسلامي, و السعي نحو بناء توافق سياسي داخلي واسع لتقوية الجبهة الداخلية قبل خوض المعركة مع اسرائيل بما في ذلك اجراء مصالحة ما مع الاخوان المسلمين الفصيل المعارض الأكبر.

لكن زاد على ذلك متغيران آخران طرأ كل منهما على واقع مصر في بدايات عصر السادات:

المتغير الأول- أن الحركة الاسلامية بكافة فصائلها زادت جماهيريتها و اتسعت رقعتها بسبب حالة الشعب الذي اتجه بشدة للتدين بعد هزيمة القومية العربية في 1967م على أمل ان يكون الخلاص على يد التدين بعدما فشلت العلمنة و القومية في حسم الصراع مع اسرائيل, و بذا لم تعد جماعة الاخوان المسلمين هي اللاعب الوحيد في ساحة الحركة الاسلامية, بل ظهرت تيارات جديدة و واسعة أبرزها السلفيين و الجهاد و التكفير و الهجرة و السماويين و التبليغ و الدعوة و أخيرا الجماعة الاسلامية بالصعيد.

المتغير الثاني- أن أنور السادات واجه محاولة انقلابية من الناصريين و اليساريين حلفائه و شركائه في السلطة, و كان لهؤلاء الحلفاء الغرماء قاعدتهم الجماهيرية الواسعة نسبيا في الجامعات بين الطلاب و في النقابات العمالية.كان هذان المتغيران يتفاعلان بشدة في الواقع المصري بينما السادات لم يكن قد رتب أموره بعد على المستوى الجماهيري.

تحتم على السادات أن يتغدى بالناصريين شركائه في الحكم قبل أن يتعشوا به و أطاح بهم إلى السجن فيما عرف اعلاميا بثورة التصحيح أو ثورة 15 مايو 1971م لينفرد بالحكم, لكنه لم يكن يستطيع أن يرمي بمئات أو آلاف من القواعد الشعبية الناصرية و الماركسية من الطلبة و العمال في السجن كما لم يكن ليتركهم يتحركون في ساحة العمل الشعبي منفردين, و بدل من أن يواجه السادات الجماعات الاسلامية المتنامية خاصة في الجامعات و المساجد فإنه أرخى العنان للعمل الطلابي بدرجة كبيرة و ذلك ليحدث التنفيس المانع من انفجار ساحة طلابية تغلي بسبب تأخر الحسم العسكري عن الحد المقبول شعبيا من ناحية , و من ناحية أخرى حرض الاسلاميين على اليساريين ليستنفذ قوى كل من التيارين بعضهما ببعض و ليكسر شوكة التيار اليساري المتراجع امام حركة اسلامية بازغة تتنامى قدراتها بسبب الظرف التاريخي المواتي, و ان كان لها موعد قادم للصدام مع السادات او لصدام السادات معها.

خاض الرئيس السادات حرب اكتوبر 1973م و أقام بها مشروعيه شعبيه لحكمه بعدما كانت مشروعية حكمه لا تستند سوى لثورة 23 يوليو 1952م.

مشروعية حكم أنور السادات

 و لكن هل بنى السادات مشروعية حكمه فقط على نصر أكتوبر 1973م؟

 في الحقيقة أن السادات حدد لمشروعية حكمه عدة ركائز, أولى هذه الركائز ما أسماه سيادة القانون و دولة المؤسسات و ذلك عبر ثورة التصحيح و اصدار دستور 1971م الدائم, و ثاني هذه الركائز الانفتاح الاقتصادي و الحياة الديمقراطية عبر سماحه بتعدد الاحزاب, هذا كله بجانب انتصاره في حرب اكتوبر 1973م و اتفاقيات السلام مع اسرائيل و استرداده سيناء عبر هذه الاتفاقيات.

و إذا كانت كل هذه الركائز ذات طبيعة سياسية معتادة فإن السادات ارتكزت مشروعية دولته على ركيزة أخرى أقل اعتيادا في العصر الحديث و هى الركيزة الدينية حيث اعتاد السادات ان يردد “أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة” مدغدغا بذلك مشاعر أغلبية الشعب ذي الطبيعة المتدينة….

السادات و احتواء الحركات الاسلامية

كما عمل السادات دائما على احتواء الحركات الاسلامية بمختلف اتجاهاتها فعقد اتفاقات سرية مع الاخوان المسلمين سمح لهم بمقتضاها بالعمل و الحركة ربما هدف بها أن ينجح الاخوان المسلمون في احتواء الحركات الأكثر راديكالية كالتكفير و الهجرة و الجهاد و غيرهما, و في نفس الوقت سمح للجماعات المسالمة كالسلفيين و التبليغ و الدعوة و السماويين بالعمل و الحركة كما سمح للدعاة المستقلين بالكلام في اطار و اسع من الحرية, أما الجماعات المسلحة كالجهاد و التكفير و الهجرة فقد وجه لها ضربات أمنية اجهاضية من حين لأخر قضى بها على خطرها دون أن يسعى لاستئصالها بالكامل.

كل ذلك صنع قدرا لا بأس به من التوافق السياسي لم يمنع من وجود صراع سياسي أغلبه سلمي بين القوى السياسية المختلفة عبر الصحافة الحزبية و الاسلامية و منابر المساجد حتى جاء عام 1979م.

اتفاقيات السلام مع إسرئيل

في هذا العام دخل حكم الرئيس السادات منعطفا جديدا بسبب توقيعه اتفاقيات السلام مع اسرئيل و تعميق علاقاته مع الولايات المتحدة و أوروبا الغربية, و ايضا لأسباب أخرى عديدة لعل أبرزها سعى المعارضة الاسلامية و الحزبية للارتفاع بسقف مطالبها, فالمعارضة الحزبية صارت تطمح في مزيد من الحريات السياسية و المشاركة في صنع القرار لاسيما و انها رأت أن السادات يسير بالبلاد في اتجاه مغاير لما تطمح إليه من الرشد و الشفافية في الحكم, أما المعارضة الاسلامية و التي تمثلت في جميع فصائل الحركة الاسلامية بمختلف توجهاتها فقد رأت أن الآوان قد آن ليستجيب السادات لمطالبها بعدما تعاظم و جودها في الشارع المصري و نجحت في دفع البرلمان لاصدار قرار لتقنين الشريعة الاسلامية عبر لجان خاصة تم تكليفها بذلك من البرلمان نفسه, كما أن التيارات الاسلامية على مختلف توجهاتها رفضت اتفاقات السلام مع اسرائيل كما رفضت ارتماء السادات في أحضان الغرب عبر سياسته الدولية.

الكنيسة القبطية

و من ناحية أخرى فإن الكنيسة القبطية بزعيمها الطموح سياسيا شعر بقلق من دعوات تطبيق الشريعة الاسلامية و أطلق العديد من التصريحات المعارضة للسادات من هذا المنطلق و بذا توترت العلاقات بينه و بين السادات.

و هكذا تصاعد التوتر بين السادات و مختلف القوى الحزبية و الاسلامية و القبطية, و لم يعد السادات يحتمل المنحى الحاد الذي سلكته كافة القوى في معارضته مع حلول صيف 1981م الذي كان ساخنا على المستوى السياسي لأبعد مدى لدرجة شعر فيها السادات أن عليه أن يتصادم بجميع معارضيه دفعة واحدة فكانت قرارات 5 سبتمبر 1981م و التي اعتقل بموجبها 1500 معارض من كافة القوى السياسية الحزبية و الاسلامية و القبطية, و أغلق العديد من صحف هذه القوى و فصل العديد من أساتذة الجامعات و الصحفيين و دعاة المساجد المعارضين من وظائفهم أو جمدها.

و لكن السادات جاءته الضربة من جهة لم يكن يعيرها كبير اهتمام و هي تنظيم الجهاد حيث اغتالته مجموعة من أعضاء التنظيم أثناء العرض العسكري في 6 أكتوبر 1981م.

مبارك و الحركات الإسلامية

جاء الرئيس مبارك للحكم بعدما نجا من الاغتيال حيث كان أقرب رجل للرئيس السادات في المنصة وقتما خر السادات صريعا برصاص و قنابل المهاجمين.

هل أثر هذا الموقف في السياسات التي اتبعها الرئيس مبارك فيما بعد إزاء الحركات الاسلامية؟

لم يبد أن الرئيس مبارك سعى للانتقام بعنف من الحركات الاسلامية منذ توليه الحكم و حتى 1988م رغم حادثة اغتيال السادات و ما تلاها من احداث مسلحة حمقاء خاصة في أسيوط في 8 أكتوبر 1981م عندما اغرقت الجماعة الاسلامية المدينة في الدماء.

ورغم أن مسلك الرئيس مبارك في هذه الفترة لم يتسم بالعنف لكنه اتسم بالتردد في التعامل مع التيارات الاسلامية المختلفة و كان أبرزها في ذلك الوقت و أعلاها صوتا الاخوان المسلمون و الجماعة الاسلامية و تنظيم الجهاد.

خلافات رجال مبارك حول الموقف من الحركات الإٍسلامية

تردد سياسة الرئيس مبارك إزاء الحركات الاسلامية كان مرجعه أنه كان هناك خلافا بين قادة الحزب الحاكم حول ما إذا كان ينبغي أن يكون هناك دور للحركات الاسلامية بكافة اتجاهاتها في الحياة السياسية المصرية أم لا؟

هناك فريق من قادة الحزب الحاكم كان يرى انه ينبغي أن يسمح للحركات الاسلامية بالمشاركة في الحياة السياسية و البرلمان و الاستقواء بها في مواجهة ضغوط اوروبا و أمريكا و اسرائيل بذريعة أن عندنا قوى سياسية متطرفة في البرلمان و سترفض هذا أو ذاك من المعاهدات و الاتفاقات الدولية أو حتى التوجهات السياسية و الاقتصادية التي كان يتم املائها من المنظمات الدولية كالبنك الدولي و صندوق النقد الدولي و غيره من الجهات, و كان هذا الفريق يضرب المثل بما تفعله اسرائيل من التذرع بوجود الأحزاب الدينية و اليمينية المتطرفة في الكنيست و قدرتها على اسقاط الحكومة لئلا تقبل العديد من الاملاءات الأمريكية و الأوروبية في العديد من الشئون خاصة ما يتعلق بعملية السلام مع العرب, و كان هذا الفريق يعتبر أن هذا يمثل ذكاء و نضجا سياسيا عاليا لأنه يحقق المصالح الوطنية عبر لعبة توزيع الأدوار بين القوى السياسية المختلفة سواء كانت في الحكم أو كانت في مقاعد المعارضة.

أما الفريق الآخر فقد كان يرى أنه ينبغي إستئصال الحركة الاسلامية و التخلص من أي وجود سياسي لها للتخلص من معارضتها المزعجة و سعيها الدائب للحصول على الحكم.

الفريق المؤيد لدور الحركة الاسلامية السياسي كان يرى أنهم أبناء البلد و لهم حق فيها و ان الصدام معهم سيضعف البلد بصفة عامة سواء حكومة أو معارضة.

الفريق الاستئصالي رأى أن الصدام معهم لن يعود بخسارة كبيرة على أهل الحكم لأن نشطاء الحركة الاسلامية قلة ضعيفة و لا تعني شيئا إذا تمت مقارنتها بقوة الحكومة الأمنية و انما هي مواجهة تعود بالنصر على الحزب الحاكم و بالاستئصال على الحركات الاسلامية.

و نظرا لتعذر الحوار بين كل من الجماعة الاسلامية و تنظيم الجهاد من ناحية و بين الحكومة من جهة أخرى بدءا من نهايات عام 1988م فقد سيطر الفريق الاستئصالي من قادة الحزب الحاكم على المشهد، و تأججت المواجهة المسلحة بين الأجهزة الأمنية من جهة و الجماعة الاسلامية من جهة أخرى منذئذ و حتى نهاية عام 1997م، عندما انتصرت الأجهزة الأمنية و تراجعت الجماعة الاسلامية عن أفكارها و سعت لتغيير موقفها عبر مراجعة فكرها و انتقاد تاريخها.

الصراع المسلح بين الجماعة الاسلامية و الأجهزة الأمنية

في فترة الصراع المسلح بين الجماعة الاسلامية و الأجهزة الأمنية تم اعتقال أكثر من ثلاثين ألف شخص من مختلف الجماعات الاسلامية، بما في ذلك الاخوان المسلمين أو حتى الأشخاص العاديين من أقارب أو جيران أو أصدقاء الاسلاميين، و دارت عجلة التعذيب إلى أقصاها كما تتابعت المحاكم العسكرية ليس للمسلحين و أصدقائهم فقط بل و للإخوان المسلمين و السلفيين, لقد انفتحت شهية الاستئصال و ظن أهله أنهم قادرون عليه في كل مناسبة و انقمعت المعارضة الحزبية على رائحة قمع كافة الحركات الاسلامية, و دانت ساحة الحركات الاسلامية للتدابير القمعية الا من تنظيم هنا أو مجموعة هناك تفلت و تضرب ضربتها ثم تنتهي كما حدث في عدد قليل من العمليات المسلحة في الأعوام الأخيرة, و لكن ذلك كله كان على حساب ثلاثة أشياء هي:

الأول – أن كبت و قمع الحركات الاسلامية لا يأتي بخير, لأنها حركات أصيلة في المجتمع و قمعها قد يؤدى لمفاجاءات قد لا تحدث في ظل السماح بوجود و نشاط شرعي لها, لأن التاريخ يثبت أنه ما من حركة اسلامية نجح القمع في انهاء وجودها, فضلا عن أن وجود النشاط الديني في المجتمع هو عامل ضبط اجتماعي مثله مثل الأسرة و المدرسة, و ما انتشرت التفاهة و السطحية و السلبية بين الشباب إلا في ظل تكميم أفواه الدعاة و منع المساجد من القيام بدورها في التنمية الاجتماعية و السياسية و التوعية الآخلاقية.

 الثاني – أن الجسم الأكبر من المعارضة المصرية هو في الحركة الاسلامية بمجموع اتجاهاتها المختلفة و الأداة الأقوى لديها في التعبير عن رأيها هي الكلمة عبر المسجد أو الكاسيت أو النت أو الفضائيات, و منع هذه الحركات من التعبير عن رأيها في الشئون السياسية و الاقتصادية جعل قادة الحزب الحاكم و جلهم الآن من رجال الأعمال يستأثرون بعامة الشعب فيقررون ما شاءوا من تدابير و سياسات دون معارضة قوية كان من المفترض أن يقودها المشايخ ذوى الشعبية الطاغية, و ذلك كله جعل البلد على فوهة بركان الغضب الفوضوى لأن القادة الجماهيرين المفترضين مكممي الأفواه و ممنوعين من الحركة.

 الثالث – و لعله الألصق بموضوع الملف الذي نكتب فيه و هو حجم التنازلات التي قدمها النظام الحاكم للعديد من القوى الأجنبية و على رأسها اسرائيل و الولايات المتحدة و الشركات متعددة الجنسيات بصفة عامة و في سيناء بصفة خاصة, فكل هذه التنازلات لم تتم إلا بعدما حزم النظام أمره و خاض غمار حرب الأستئصال ضد الحركة الاسلامية في التسعينات و قضى بالمواكبة معها على المعارضة الحزبية, إذ كيف يتخلص النظام من ضغط امريكى أو اوروبي أو اسرائيلي بشأن أي قضية و كل هؤلاء الأطراف يعلمون أن النظام الحاكم عندنا يمسك الحياة السياسية بقبضة من حديد و يفعل ما يريد دون عناء؟؟ إذ كلهم يعرفون أن البرلمان سيد قراره إزاء أحكام القضاء و يعرفون الأغلبية الأتوماتيكية التي يملكها الحزب الحاكم في هذا البرلمان دون أدني اهتزاز أو تغيير, بل ويعرفون أن قادة النظام الحاكم لديهم من القدرة ما يجعلهم يتجاهلون الدستور و القوانين و يمررون ما يشاءون من الاتفاقات الدولية دون عرضها على البرلمان.

و قد انتهزت اسرائيل و غيرها هذه الفرصة و حصلت على ما تريد و ربما اكثر مما تريد خاصة في سيناء لتقلص قيمة التحرير الذي قام به السادات بالحرب و بالسلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع لجريدة الدستور (العدد الأسبوعي) و تم نشره بها.

القمة العربية صورة أرشيفية

القمة العربية بالدوحة.. مصر من «الدولة الزعيمة» إلي «الدولة المقموصة»

تابع الجميع مؤتمر القمة العربية في الدوحة، ومحاولات قادة العرب قبل وأثناء القمة في مجال لم الشمل وإعادة الاعتبار للتضامن العربي المفقود وللجامعة العربية المأسوف عليها، فعلا لقد سعي حكام الدول العربية لذلك لسبب أو لآخر.

وفي هذا الوقت العصيب الذي تتعلق فيه قلوب الشعوب العربية بهذه المحاولات كما يتعلق الغريق بقشة، سارع العديد من القادة العرب للقيام بدور ما لإنقاذ ما تبقي من آمال بشأن الجامعة العربية أو علي الأقل لصناعة دور لبلادهم علي الساحة العربية،

وبينما سعت دولة صغيرة كقطر للعب دور كبير في المنطقة فقد اضطلعت دولة كبيرة كالسعودية بإنجاح قدر ما من المصالحة العربية فبدأت بنفسها فصالحت بشار الأسد ـ رئيس سورياـ ودعاه ملك السعودية لزيارة الرياض قبل القمة لتدشين هذه المصالحة، كما تمت مصالحة مماثلة بين الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز والزعيم الليبي معمر القذافي في الدوحة لدرجة أن تعانقا وطلب القذافي من العاهل السعودي نسيان الماضي ودعاه لزيارة ليبيا.

حضرت السعودية وتصالحت مع سوريا رغم أن كلا منهما يمثل رأسا لمحور مناوئ للآخر، فسوريا رأس محور الممانعة والتشدد العربي بينما السعودية هي رأس محور الاعتدال العربي مع مصر والأردن وغيرهما.

وحضرت السعودية وتصالحت مع القذافي الذي كان متهما بتحريك مؤامرة لاغتيال العاهل السعودي نفسه.

ورتبت وحضرت قطر لذلك كله لتحقق لنفسها دورا سياسيا عربيا رائدا، بعدما حققت لنفسها دورا إعلاميا عربيا بارزا عبر قناة الجزيرة، قطر فعلت هذا وهي الدولة العربية صغيرة المساحة قليلة السكان حديثة التاريخ.

لكن في خضم كل محاولات القادة العرب لرأب الصدع العربي المتفاقم غابت مصر ولم يشاهد أحد لها دوراً لا كبيراً ولا صغيراً، مصر زعيمة الوطن العربي (سابقا) غابت عن قمة الدوحة وهي التي كانت قد أسست فكرة القمم العربية قديما وفكرة دورية هذه القمم حديثا، وليس هذا هو الأمر الغريب الوحيد بشأن غياب مصر بل هناك ما هو أغرب منه وهو سبب هذا الغياب الغريب.. الرسميون المصريون صرحوا بأن غياب مصر جاء بسبب قناة الجزيرة الفضائية القطرية، وأخبار أخري تشير إلي أن الغيرة والعناد المصريين إزاء قطر ليسا بسبب فضائية الجزيرة فقط بل بسبب الأدوار التي تسعي قطر للعبها في الساحة الفلسطينية خاصة بشأن ملف الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، وكذلك الأدوار التي تلعبها في الساحة السودانية بشأن ملف دارفور.

ما ذكرته المصادر الحكومية التي أشارت لدور الجزيرة في توتر العلاقات مع دولة قطر أيده بقدر ما الاتهام الذي وجهته قناة الجزيرة- يوم الاثنين الماضي- من أن إدارة النايل سات 101 شوشت علي بث القناة لوقائع القمة العربية بالدوحة مما أدي لانقطاع الإرسال نحو عشر مرات، ورغم نفي إدارة النايل سات لذلك (نفت التهمة في التشويش لكن التشويش كان واقعاً أمام الجميع) فإن غضب مصر الرسمية من قناة الجزيرة لا يخفي علي أحد وكذلك غضبها من الدور المتنامي والمتزايد لدولة قطر في الساحة السياسية العربية.

والنتيجة النهائية للتوتر المصري الرسمي من مواقف قناة الجزيرة ودور دولة قطر هو غياب مصر عن قمة المصالحات العربية، وهكذا لم تعد المسألة علي ساحة الخلافات العربية هي بين محور التشدد والممانعة من ناحية ومحور الاعتدال من ناحية أخري بل صار الجو العام متصالحاً ولو شكلا علي الأقل مع بروز أدوار سياسية متنامية للعديد من الدول العربية علي مسرح المنطقة العربية والشرق أوسطية ككل، بينما مصر تقاطع القمم والاجتماعات والفعاليات العربية، و تقف منفردة غاضبة بجانب الحائط محاولة إثارة المشاكل لتثبت وجودها الذي هو غير موجود أصلا، فمصر كانت توالي وتعادي كبري الدول العربية (كالعراق والسعودية) في الماضي من أجل قضايا ومواقف سياسية كبري هي اليوم تغضب من قناة فضائية (الجزيرة) وتعادي دولة صغيرة كقطر لأنها حاولت أن تحل جانبا من المشاكل العربية التي تخلت مصر عن حلها، فتحولت مصر من «الدولة الزعيمة» إلي «الدولة المقموصة».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر بالعدد الأسبوعي لجريدة الدستور.

عمر حسن البشير

مذكرة توقيف البشير..الأبعاد والمشاهد والنتائج

عند التأمل في المذكرة الدولية بتوقيف الفريق عمر البشير رئيس الجمهورية السودانية والتي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هذا الشهر؛ لابد وأن يتوقف العقل عند ثلاث محطات، محطة أبعاد هذا القرار القضائي الدولي، ثم المشاهد المتوقعة بناءً على هذا القرار، وأخيرًا النتائج التي قد تتمخض عنها العملية برمتها.

أولًا ـ أبعاد قرار توقيف البشير

نظرًا لسيطرة المفاهيم الغربية على التحليل السياسي في العالم كله؛ فإن هذه الأبعاد سوف تنقسم إلى البعد الدولي والبعد الإقليمي والبعد المحلي، سنجد أن البعد الدولي يشير إلى الأمم المتحدة وتحديدًا مجلس الأمن، الذي وقف خلف هذا القرار بهدف تحقيق أهداف معينة للغرب إزاء السودان، والبعد الإقليمي سيشير إلى العامل “الإسرائيلي” والإثيوبي في المنطقة، أما البعد المحلي فسيشير إلى المنافع المتحققة لمتمردي جنوب السودان “الحركة الشعبية” وغرب السودان “متمردي دارفور”.

لكن لو أردنا أن نشير لإطار إسلامي في التحليل السياسي فسوف تنقسم الأبعاد إلى بعدين فقط:1- الهيمنة الاستغلالية للغرب على العالم بصفة عامة، والعالم الإسلامي بصفة خاصة، وتقودها حاليًا الولايات المتحدة.2- العالم الإسلامي ككتلة مستهدفة ومتأثرة بقرار توقيف البشير.

وإذا تأملنا في البعد الأول وهو الهيمنة الاستغلالية للغرب؛ سنجد أن هذه الهيمنة فرضها الغرب على معظم أنحاء العالم الإسلامي منذ عصر الاستعمار الغربي في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، ولكنها صارت هيمنة محكمة ومطلقة على كل أنحاء العالم الإسلامي منذ تم القضاء تمامًا على الدولة العثمانية، التي كانت آخر معاقل العالم الإسلامي سقوطًا في براثن الهيمنة الغربية بشكل كامل.

والغرب بوقوفه وراء مذكرة اعتقال البشير إنما يهدف إلى دعم مسارات إضعاف السودان عبر تفكيكه لعدة دويلات يهيمن الغرب على أغناها ويستغل ثرواتها جميعًا، ويمنع قيام دولة إسلامية بحجم وثروة السودان؛ فالسودان أكبر دولة أفريقية، ومن أكثر دول العالم الإسلامي ثراءً في مجالات الموارد الزراعية وموارد المياه والثروة المعدنية والثروة الحيوانية، ونظام حكم عمر البشير_ رغم ما عليه من تحفظات_ فإنه سار ويسير في التنمية بكل مجالاتها بخطى لا بأس بها، ففي عهده دخل التصنيع على نطاق واسع للسودان بما في ذلك تصنيع السلاح والدواء والمواد الغذائية وغيرها، كما تحسنت البنية التحتية والأداء الاقتصادي بشكل عام، فضلًا عن ازدياد قوة الجيش وأجهزة الأمن بشكل مكَّن هذا النظام من الصمود في وجه موجات طاغية من التآمر الدولي آتية من العديد من الأجهزة الأمنية الدولية العاتية؛ كأجهزة “إسرائيل” والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها، فضلًا عن أذرعهم الداخلية من المتمردين في الجنوب والشرق والغرب.وتأتي هذه المذكرة لتؤدي عملها بمساندة القوى الغربية و”إسرائيل”، وبأذرع ربما محلية من خلال المتمردين المعروفين أو غير المعروفين.

أما البعد الثاني وهو المتعلق بالعالم الإسلامي، فهو لا يشمل فقط إضعاف السودان في المدى القريب والبعيد، ولكن يشمل حرمان العالم الإسلامي من ثروات السودان التي قد تصبح في يوم من الأيام عونًا لأيٍّ من دول العالم الإسلامي ـ وفي قلبه مصر ـ على النهضة والقوة الاقتصادية، ليس هذا فقط بل ونقل هذه الثروات لأعداء العالم الإسلامي؛ “كإسرائيل” أو الغرب من خلال عملائهم في السودان ـ الحركة المتمردة في دارفور وفي جنوب السودان ـ هذا كله فضلًا عن تطويق دولة قوية كمصر ليس من جنوبها فقط، بل أيضًا من عنقها حيث أن نهر النيل شريان الحياة في مصر، وبتفكيك السودان وسيطرة “إسرائيل” والغرب على حكوماته تصبح كل دول حوض النيل تقريبًا واقعة تحت هيمنة الولايات المتحدة و”إسرائيل” بطريقة أو بأخرى.وإذا كانت السودان تمثل جسرًا عربيًّا إسلاميًّا بين مسلمي وعرب شمال أفريقيا، وبين أفريقيا السوداء، فإن من شأن الهيمنة الغربية عليها أن تقيم سدًا منيعًا أمام تواصل عرب شمال أفريقيا مع مسلمي أفريقيا السوداء.

ثانيًا ـ المشاهد المتوقعة

كثر اللغط حول المشاهد المتوقعة بشأن السودان والبشير معًا بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله، وفي الواقع فإن المشاهد كلها مطروحة على مسرح الأحداث الدولية بشأن السودان.

فتدويل حكم السودان ككل عبر تقدم قوات المتمردين من الجنوب ومن دارفور إلى العاصمة، واحتلالها عبر دعم أمريكي غربي عسكري وسياسي أمر وارد في الفترة القادمة، قد لا تقدر بالأيام أو الأسابيع لكنها لن تزيد عن سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر.

وفي حالة استمرار قدرة الأجهزة الأمنية والجيش على حفظ استقرار الحكم في الخرطوم، فخنق نظام الخرطوم سياسيًّا واقتصاديًّا عبر الولايات المتحدة وحلفائها أمر وارد بقوة، يصحبه تقطيع أوصال السودان عبر استقلال دارفور بعدما تحصل على حكم ذاتي، واستقلال الجنوب في الاستفتاء المزمع بعد سنتين، كما أن قبائل شرق السودان قد لا تمانع من أن تحظى بالدعم الأمريكي والغربي والإسرائيلي الذي تحظى به دارفور وجنوب السودان مقابل التمرد وإحياء جبهة الشرق ومن ثَمَّ الاستقلال، وحينئذٍ لن يكون هناك مانع لدى الولايات المتحدة وحلفائها من ترك البشير يهنأ مع أجهزته الأمنية القوية بحكم ولاية الخرطوم المخنوقة باسم سودان لا وجود له، إلى أن يركع أو تطلق عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها رصاصة الرحمة كما أطلقتها على عراق صدام حسين.

ثالثًا ـ نتائج العملية كلها

طبعًا النتائج كلها واضحة، وأبرزها ضياع السودان من جعبة العالم الإسلامي في هذه الفترة، وذهاب مواردها الضخمة لخدمة أعداء الأمة الإسلامية، وخنق أكبر دولة عربية وهي مصر تمهيدًا لتقطيع أوصالها هي الأخرى.

ولكن هناك نتائج جزئية خاصة بالتحليل السياسي أظهرتها هذه الأزمة؛ منها أن الصين وروسيا تواطأتا مع الولايات المتحدة وحلفائها في مجلس الأمن إذ كان وما زال في إمكانهما عرقلة صدور القرار أو تجميده بعد صدوره ولم يفعلا.

وكذلك أظهرت العملية برمتها تصميم الغرب على استمرار إضعاف العالم الإسلامي دون كلل ولا ملل؛ للحفاظ على استمرار هيمنتهم عليه واستغلاله لصالحهم، في الوقت الذي ما زال يتغنى فيه المستغربون عندنا بصداقتهم للغرب، ونقصد هنا الحكومات الغربية لأن للشعوب الغربية شأنًا آخر لا مجال لتفصيله هنا.وعلى كل حال، فإننا لا نصاب باليأس بسبب تقطيع أوصال العالم الإسلامي المتواصل من قِبل الجيوش الغربية وحلفائهم في الداخل والخارج، لأننا ننظر للمستقبل في ضوء تاريخنا التليد إذ مر بالعالم الإسلامي أوقات حالكة الظلمة مثل هذه لكنه نهض بعدها من كبوته، وثاب إلى رشده، واسترد انتصاراته {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا الموضوع في موقع الاسلام اليوم.

الرئيس الأمريكي أوباما

من هم اللاعبون الجدد في الشرق الأوسط ؟

أشارت المصافحة الشهيرة بين هيلاري كلينتون ـ وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ـ ووزير خارجية سوريا وليد المعلم في المؤتمر الدولي لإعمار غزة في شرم الشيخ بمصر مؤخرًا إلى الخريطة الجديدة لللاعبين في الشرق الأوسط.

فسياسة القطيعة الأمريكية ضد عدد من القوى السياسية المؤثرة في المنطقة بهدف الضغط عليها لإخضاعها لم تأت للولايات المتحدة بالنتيجة التي هدفت إليها، وجاء باراك أوباما على رأس الحزب الديمقراطي لحكم الولايات المتحدة ليحاول اعتماد سياسة جديدة قائمة على الاعتراف بدور ما لعدد من القوى بالمنطقة؛ بهدف إخراج أمريكا وحلفائها من ورطتهم في عدد من الملفات الساخنة بالمنطقة، التي صارت كلها ساخنة ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

من الصومال التي نجح فيها المجاهدون في طرد أثيوبيا حليفة الولايات المتحدة، إلى العراق التي غاصت في مستنقعه القوات الأمريكية وحلفاؤها حتى الركب، إلى لبنان التي تصدر فيها حزب الله وحلفاؤه المشهد السياسي والعسكري، إلى فلسطين الذي استعصت فيها حماس على الكسر أو التطويع أمام آلة الحرب الإسرائيلية العملاقة، وأخيرًا أفغانستان التي يجمع المراقبون على أنها في طور التحول إلى فيتنام جديدة بالنسبة لقوات الناتو التي تقودها الولايات المتحدة هناك ضد حركة طالبان وحلفائها.

جاء أوباما ليعترف لأغلب القوى التي أحرجت الولايات المتحدة وقواتها في المنطقة بدور ما، مقابل دخولها في النسق السياسي العام الذي رسمته الولايات المتحدة للمنطقة.

فهو يعرض إمكانية الاعتراف بدور سوريا الإقليمي مقابل الحد من تحالفها مع إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، أو حتى مجرد حث إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية بقوة على التفاهم مع أمريكا لدخول النسق الأمريكي للمنطقة، كما يمكن التفاهم مع حزب الله والسماح له بدور قوي في لبنان مقابل تخفيفه للعداء مع “إسرائيل”، ونفس الشيء سيحدث مع إيران، الاعتراف والسماح لها بممارسة دور إقليمي مقابل التفاهم في ملفات المنطقة الهامة؛ كالنووي والعراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان.

أما المنظمات التي يستحيل تقديم تنازلات لها مثل طالبان_ التي تسعى لاسترداد حكمها لأفغانستان_ والمنظمات الإسلامية المجاهدة، التي تريد حكمًا إسلاميًّا خالصًا في الصومال، فهذه لا يمكن أن تتساهل معها الولايات المتحدة بشكل مباشر الآن؛ لأنها لن تسمح بتحقيق مثل هذه الأهداف بسهولة؛ ولذلك فهي_ أي الولايات المتحدة الأمريكية_ بحثت في الصومال عن بديل اعتبرته معتدلًا، وهو رئيس المحاكم الإسلامية السابق “شيخ شريف شيخ أحمد”، وستحاول من خلاله احتواء بقية القوى الإسلامية الأكثر تمسكًا بالشريعة.

طالبان أفغانستان

ونفس الشيء تحاوله مع طالبان في أفغانستان، وهو إحداث انشقاق في الصف الطالباني يتيح لأمريكا بديلًا لطالبان من داخلها، يمكنه أن يقدم نسقًا سياسيًّا مقبولًا لدى أمريكا، وفي نفس الوقت قادر على احتواء طالبان والقوى الإسلامية الأفغانية، وهذا الخيار هو ما أسماه أوباما في خطاب له مؤخرًا بـ “الحوار مع القوى المعتدلة في طالبان”.

على كل حال، فنحن هنا لسنا بصدد الكلام عن تفصيلات السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط، إنما يعنينا الكلام عن اللاعبين الجدد الذين من المحتمل أن تدشنهم ـ مع أشياء أخرى ـ هذه السياسة.

إيران

وأول وأقوى اللاعبين الجدد الذين ستعترف بهم السياسة الأمريكية ـ ومن ورائها سياسة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ـ في المنطقة هو إيران بقوتها العسكرية، وعلاقاتها السياسية المتشابكة، لكن بشرط أن تكف أو على الأقل تقلل من إثارة المتاعب في وجه “إسرائيل” وفي وجه النفوذ الأمريكي بالمنطقة، وربما يصبح الشكل الجديد قائم على أن تظل معاداة إيران للغرب و”إسرائيل” على المستوى النظري فقط وليس على المستوى العملي، ولكن ذلك مرهون بالتفاهم على شكل للبرنامج النووي الإيراني يكون مقبولًا لدى أمريكا وإيران و”إسرائيل”.

سوريا

أما ثاني اللاعبين الذين ستعترف لهم الولايات المتحدة بدور بارز في الشرق الأوسط فهي سوريا، ولكن لا بد وأن يتم ذلك طبعًا في إطار النسق الأمريكي التي تزمع الولايات المتحدة إرساءه في المنطقة بالتعاون مع حلفائها، وفي هذا الإطار يمكن إدراك المغزى من سعي الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة لمد الجسور مرة أخرى مع سوريا تحت دعاوى مختلفة.

حزب الله اللبناني

ويأتي حزب الله اللبناني كثالث اللاعبين الجدد في النسق الأمريكي في المنطقة، بعدما أضنت سياساته حلفاء أمريكا في لبنان و”إسرائيل”، وبعدما ظهر للولايات المتحدة ارتباطه العضوي بإيران.

وعلى كل حال، فإذا كانت هذه رغبة الولايات المتحدة بشأن هؤلاء اللاعبين الجدد، فإن لهؤلاء اللاعبين رغبات ومطالب، ونجاح الصياغة الأمريكية الجديدة في المنطقة مرهون بقدرة كل من الولايات المتحدة وهؤلاء اللاعبين على التوافق على سقف موحد للمطالب، التي سيتم الوفاء بها لهؤلاء اللاعبين الطموحين.

تركيا وقطر

أما تركيا التي ظهرت على مسرح أحداث الشرق الأوسط بقوة في الفترة الأخيرة، ويليها دولة قطر فهما قد انتزعتا دورًا ما بارزًا بالمنطقة لكنه تم تحت سمع وبصر الحليف الأمريكي و”الإسرائيلي”، كما أن الولايات المتحدة تقبل هذا الدور وستعمل على استغلاله في ترويض سوريا وإيران وغيرهما بهدف تحقيق السياسات الأمريكية الجديدة بالمنطقة.

وإذا كان هؤلاء جميعًا هم أبرز اللاعبين الجدد الذين تعمل السياسة الأمريكية الجديدة في عهد أوباما على إدخالهم في الصياغة الأمريكية للمنطقة مقابل الاعتراف بأدوارهم الإقليمية، فإن هناك لاعبَيْن آخرَيْن من خارج المنطقة دخلا لحلبة الصراع لكن بقوتهما الذاتية السياسية والاقتصادية والعسكرية، بجانب إرادتهما وتصميمهما على لعب دور بارز في إقليم الشرق الأوسط، وهذان اللاعبان هما روسيا الاتحادية والصين الشعبية، لكن تأتي قضية قرار الجنائية الدولية باعتقال البشير أحد أبرز حلفاء الصين في إفريقيا كاختبار قوي لصدق الرغبة الصينية في لعب دور قوي في المنطقة.

ولاشك أن للولايات المتحدة هدفًا من صياغتها الجديدة للشرق الأوسط، والتي ترغب في إرسائها في عهد أوباما، وهو كما قلنا في صدر المقال: الخروج من أزماتها المختلفة في المنطقة، وهذا يعني أنها تنشئ تحالفات جديدة لتواجه بها صراعاتها في أفغانستان وفلسطين والصومال والعراق والسودان وغيرها من ملفات المنطقة الساخنة.

الشهيد الأستاذ سيد قطب

الرحلة إلى أمريكا من سيد قطب إلى جمال مبارك

لعبت الرحلة إلى الولايات المتحدة دورا مهما في واقعنا المعاصر فهي كانت مصدرا للالهام الاسلامي بعد رحلة سيد قطب و صافيناز كاظم إليها و هي مجال لممارسة الحرية الشخصية في اوسع صورها في رحلة الملكة نازلي إليها و هي نموذج للحرية السياسية في رحلة مصطفى أمين بينما كانت لهيكل و السادات البرزاني وغيرهم قوة سياسية لابد من الاهتمام بها و الاستفادة منها و انتهاءا برحلات جمال ابن الرئيس مبارك و التي كانت آخرها هذا الشهر تمهيدا ربما لرحلة أبيه الرئيس مبارك في الشهر القادم, لكن مصير كل من ارتحل لأمريكا اختلف عن البداية التي بدأ بها فسيد قطب أعدم و نازلي فقدت ابنتها مقتولة و مصطفى أمين سجن بتهمة التجسس لأمريكا و السادات أغتيل و البرزاني مات بالسرطان.

لعنة أمريكا

فهل هذه لعنة أمريكا على كل من ارتحل إليها؟

في هذا التقرير نستعرض الرحلة إلى أمريكا و آثارها المختلفة بالنسبة لعدد من المشاهير.

سيد قطب

أرسلت وزارة المعارف (التعليم حاليا) سيد قطب في بعثة لمدة عشرين شهرا إلى الولايات المتحدة في نهاية أربعينيات القرن الماضي, واختلف الكثيرون حول سبب هذه البعثة فرأى البعض أن البعثة كانت مجرد عطف من وزير المعارف حينذاك اسماعيل القباني على سيد قطب و تقديرا من الوزير لمواهب الرجل بينما رأى شقيقه محمد قطب أن الغرض من البعثة كان إبعاد سيد قطب عن مصر بإعتباره كان يمثل إزعاجا للسراي و الأغنياء المسيطرين على البلاد في ذلك الوقت وكانوا قد سحبوا رخصة مجلته “الفكر الجديد” أولاً، ثم أقفلوا في وجهه كل وسائل النشر.

و يرى آخرون أن أمريكا كانت تعدُّ نفسها لوراثة انجلترا في مستعمرات ما وراء البحار، ولذلك كانت تسعى لتجنيد مجموعة من قادة الفكر و السياسة ليكونوا جنوداً لها يمهدون لاستعمارها, واختاروا سيد قطب ليكون أحد هؤلاء العملاء و رجح كثيرون وجود أهداف خفية في ابتعاث سيد قطب إلى أمريكا و قالوا ان سيد كان واعيا بها, ومما يدل على ذلك ما رواه الأستاذ أحمد عبد المجيد، صاحب كتاب (الإخوان وعبد الناصر) الذي ذكرأ ن سيد قطب حدثه شخصيا، أنه كتب لرجال ثورة يوليو 1952م، مذكرة مطولة، وقدمها لهم، عن موقف المخابرات الإنجليزية والأمريكية معه أثناء رحلته لأمريكا.

و بعد عودة سيد قطب لمصر سجل مشاهداته و آراءه بشأن الولايات المتحدة في كتاب صغير سماه “أمريكا التي رأيت” وكان سيد قطب أمينا عندما سماه بهذا الاسم المحايد, و قد سجل فيه مشاهدات رحلته إلى أمريكا، و عبر هذا الكتاب عن نقلة مهمة في حياة سيد قطب, هذه النقلة سببتها رحلة امريكا، كان إتجاه سيد قطب للفكر الاسلامي قد بدأ قبل سفره لأمريكا، عندما كتب كتاب “العدالة الاجتماعية في الاسلام” الذي كتبه قبل رحلته لأمريكا بشهور قليلة، لكن رحلة أمريكا عمقت فيه الاتجاه و القناعة الاسلامية.

لقد عايش سيد قطب الواقع الإجتماعي الأمريكي، وكانت ملاحظاته شاملة لأشياء كثيرة. ومن تلك الملاحظات والتحليلات انتهى سيد قطب إلى أحكام نقدية متنوعة, و الصق صفة البدائية بالذوق الفني والإنساني لدى عامة الأمريكيين، تلك الصفة التي لا يتردد كثير من الأمريكيين في إلصاقها بالشعوب الأخرى لاسيما الشعوب الإسلامية. لكنه ذكر أن لأمريكا قيمة حقيقية، يمكن أن تنتفع به الشعوب الأخرى قائلاً إن البشرية تملك أن تستفيد كثيراً من إبداع العبقرية الأمريكية في مجالات الصناعة والإنتاج والإدارة، ولكنها تخطئ كثيراً، وتعرِّض قيمها الإنسانية الموروثة للضياع إذا ما جعلت من المثل العليا الأمريكية مثلها العليا في الشعور والسلوك.

هذا هو الإنطباع العام الذي خرج به سيد قطب من أمريكا، وقاده لمزيد من الإيمان بالقيم الإسلامية، وللبحث عن قيادة جديدة للبشرية، أرادها أن تخرج من العالم الاسلامي.و لم يقتصر أثر رحلة سيد قطب إلى أمريكا على هذا بل تطور هذا الأثر ليظهر في كتاباته التي بدأت تخرج من مرحلتيها الأدبية والتقليدية لتكتسي بالمزيد من الثورية مرورا بكتابه “معركة الاسلام و الرأسمالية” و انتهاء بـ “معالم في الطريق” الذي يعتبر التطور الفكري الأخير عنده و الذي ربما أعدم بسببه.

و في “معالم في الطريق” يقول سيد قطب: “إن قيادة الرجل الغربي للبشرية أوشكت على الزوال.. لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديا أو ضعفت من ناحية القوة الإقتصادية والعسكرية.. ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيدا من القيم يسمح له بالقيادة.. لابد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية، عن طريق العبقرية الأوروبية في الإبداع المادي، وتزود البشرية بقيم جديدة جدة كاملة بالقياس إلى ما عرفته البشرية، وبمنهج أصيل إيجابي في الوقت ذاته. والإسلام وحده يملك تلك القيم وهذا المنهج”.

ولا شك أن هذا الكلام كان حصادا من خبرة رحلته الأمريكية.

الملكة نازلي

أما الملكة نازلي فقد كانت الزوجة الثانية للملك فؤاد، و فور موت الملك فؤاد سلكت نازلي سلوكا يتجاوز كل التقاليد الملكية والشعبيية.

وفي أول رحلة مع ابنها إلي أوروبا ألقي عليها أحمد حسنين باشا شباكه ويذكر أحد رجال فاروق في مذكراته: إن قدميه ساقتاه إلي سطح السفينة فإذا به يفاجأ بحسنين ونازلي في حالة استرخاء لا يكون إلا بين العشاق.

لم تدرك الملكة الأم مسئوليتها في حماية العرش وفتحت الباب أمام شهواتها لتنطلق بلا ضوابط ولا قيود.. كانت لا تتردد في القول بأنها عاشقة محرومة وأنها في حاجة إلي الحب.

وعندما ضيق فاروق على شهواتها في مصر سافرت إلي الولايات المتحدة..

وهناك سألها مصطفي أمين: ” متي تعودين إلي القاهرة؟ ” فأجابت:” عندما يعود فاروق إلي عقله “..

ويروي مصطفي امين أنه كان علي رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي السفر إلي نيويورك لعرض مشكلة مصر علي مجلس الأمن وسأله الملك فاروق: ” هل أنت مستعد لهذه المهمة الصعبة؟ فأجاب: ” كل شيء تمام وأنا مستعد لأي مفاجأة ولكن هناك شيئا واحدا غير مستعد له هو وجود والدتك الملكة في أمريكا لإنني أخشي أن تفعل فصلا باردا بينما أعرض قضية مصر هناك “، و عندما تساءل فاروق عما يمكن أن تفعل, قال النقراشي: ” أخشي أن تذهب إلي كباريه وترقص أو تدلي بتصريح أو تقول عبارة لا تتفق مع جلال الموقف الذي نحن فيه “، فطلب منه الملك أن يعيد أمه إلي مصر، ولكن النقراشي عبر عن عدم قدرته على ذلك.

و في سنواتها الأخيرة تركت الملكة نازلي الإسلام واعتنقت الكاثوليكية.. وقد أثرت علي ابنتيها اللتين عاشتا معها في أمريكا (فايزة وفتحية) فتحولتا هما أيضا عن الإسلام.. وفتحية بالذات ماتت مقتولة, قتلها رياض غالي, ثم أطلق الرصاص علي نفسه فانتحر، و رياض غالي هذا كانت سيطرته قد وصلت علي نازلي إلي حد أنها قالت: ” إنها إذا أرادت أن تختار بين صداقتها لرياض غالي وأمومتها لفاروق فإنها ستختار صداقة رياض غالي.”

فهل كانت رحلة ملكة مصر السابقة لأمريكا مجرد وسيلة لمغامراتها الرعناء أم كانت هذه الرحلة سببا لهذه المغامرات؟

مصطفى امين

رفض والد مصطفى أمين أن يدرس مصطفى الصحافة في مصر، فسافر مصطفى إلى الولايات المتحدة لدراسة العلوم السياسية في عام 1935، وظل هناك حتى عام 1938 حيث حصل على الماجستير و طوال سنوات رحلة مصطفى امين الأمريكية لم ينقطع عن الصحافة في مصر، فقد ظل يراسل جريدة “المصري” ومجلة “آخر ساعة”.

و يقول مصطفى امين عن أثر رحلته الأمريكية: كان أكثر ما انبهرت به في أمريكا هو الحرية.. فكرة الحرية.. وكيف يستطيع أي إنسان أن يقول رأيه في كل شيء وأي شيء حتى في رئيس الجمهورية، فإنه يستطيع أن يهاجم رئيس الجمهورية من دون أن يسجن. كنت بالضبط كالذي جاء في بلد يبحث عن نسمة.. نسمة صغيرة من الحرية فإذا بي أعيش في بلد يتنفس الحرية.

و يستمر مصطفى أمين في ذكر أثر رحلته لأمريكا فيقول: لعل أكبر الدروس التي استفدت منها صحفيًا هو أنني تعلمت أن الصحافة المستقلة تنجح أكثر من أية صحافة.. وأن ولاءها الوحيد يجب أن يكون لوجهة النظر المستقلة فقط.

و لكن حرية الصحافة ليست كل ما أخذه مصطفى أمين من رحلته لأمريكا فقد توثقت علاقات مصطفى امين بأمريكيين بعضهم دبلوماسيين و بعضهم غير ذلك، مما تسبب في اتهامه من قبل أجهزة الرئيس جمال عبد الناصر بالتجسس لصالح أمريكا، و صدر الحكم عليه بالسجن المؤبد قضى منه 9 سنوات خلف القضبان من عام 1965 إلى عام 1974عندما أفرج عنه السادات بموجب عفو صحي.

محمد حسنين هيكل

الكاتب الصحفي الشهير محمد حسنين زار الولايات المتحدة في شهر أكتوبر عام 1952 وعاد منها فى أواخر شهر يناير عام 1953 ورغم بعد هذه الأحداث إلا أن هيكل يشعر حتى الآن بالدهشة لتركه القاهرة ومسرح الأحداث فيها في ذلك الوقت، كما يذكر هيكل أن هذه الفترة من أجمل ما حدث له فى حياته وقد دار حول الكرة الأرضية بذهابه إلى أمريكا عن طريق أوروبا وعودته إلى القاهرة عن طريق آسيا.

و يسرد هيكل أحداث زيارته الأولى لأمريكا قائلا: لقد كان شاغلى الأساسى هو الانتخابات الأمريكية، حيث أزيحت الحرب العالمية بكل آثارها، وظهر قائد جديد ليتولى صراع مرحلة الحرب الباردة، ذلك هو “أيزنهاور” وقد اتضح للعالم كله أنه يقبل على قيادة من نوع آخر.

ويشير هيكل إلى المهمة الثانية من زيارته لأمريكا وهى الاتصال مع الولايات المتحدة ومساعدة “على صبري” في مهمته بعد أن رأى وليم فاستر وكيل وزارة الدفاع الأمريكية أنه يمكن هناك عقد صفقة سلاح بين مصر وأمريكا، ويضيف هيكل أن الإطلالة المهمة التى نظر بها من خلال زيارته لأمريكا هى نظرة أمريكا للشرق الأوسط خاصة للإدارة الجديدة، حيث بدا واضحا أن أمريكا تقوم برسم سياسة جديدة للشرق الأوسط، ووضح أن الشرق الأوسط أصبح منطقة مفتوحة وأصبح جبهة الدفاع الأمريكية فى المرحلة المقبلة ضد المد الماركسي.

و في هذه الزيارة قابل هيكل العالم الشهير أينشتاين الذي أخبره بأنه يهودي صهيوني و أرسل عبر هيكل رسالة شفهية إلى قادة ثورة يوليو بالتساؤل عما إذا كانت لديهم الرغبة في السلام مع إسرائيل؟

و إن كانت هذه هي زيارة هيكل الأولى لأمريكا فإنها لم تكن الأخيرة، إذ تردد بعدها كثيرا عليها في العديد من المهمات السياسية أو الصحفية.

صافيناز كاظم

بدأت رحلة صافيناز كاظم الفكرية في الخمسينيات منذ أن تخرجت من كلية الآداب قسم الصحافة بجامعة القاهرة واشتغلت بهذه المهنة ولمع نجمها وذاع صيتها.

وحينما وجدت في نفسها حباً للفن العالمي سافرت إلى أمريكا عام 1960م لتدرس الفن والأدب العالمي وعادت عام 1966م ومعها ماجستير في المسرح، ولكنها بدلاً من أن تنحاز للثقافة الغربية عادت لتتجه للفكر الاسلامي.

تقول صافيناز كاظم: حدث لي تطور فكري ونمو في التزامي بالإسلام.. أنني كنت دائماً مسلمة والإسلام ركن أساسي في البيت الذي نشأت فيه، لكن في بداياتي الأولى ولأن التغريب كان شديداً في الخمسينيات والستينيات فكان لابد أن نطلع على الأدب العالمي، ولم يكن هذا خطأ فكان لابد أن نطلع على الأدب العالمـي فنشتاق إلى تراثنا، وهذا التطور لم يأت فجأة، فرحلتي لأمريكا جعلتني أدرك أن تراثهم وجذورهم هي الفكر الإغريقي والحضارة الإغريقية.

وتضيف صافيناز: عندها قلت لنفسي إنني لم آت من هنا، وتساءلت في نفسي: فمن أين أتيت..؟ وهذا دفعني إلى العودة لقراءة تراثي العربي الإسلامي، وأول ما عرفت كان سيد قطب حيث عرفته في أمريكا فقرأت كتابه: “العدالة الاجتماعية في الإسلام” باللغة الإنجليزية.

و تؤكد صافيناز: كان لابد أن أقرأ أدبيات ديني، وشعرت أنني حينما أعود إلى مصر سأبحث عن ذلك.

مصطفى البرزاني

أما مصطفى البرزاني مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد دخل في صراع مسلح من اجل إقامة دولة مستقلة للأكراد في العراق في بدايات القرن العشرين، وخلال قيادته للحركة الكردية تقلب البارزاني في تحالفاته مع أطراف عديدة لدعم حركاته المسلحة.

وبقيت علاقته بإسرائيل من اكثر العلاقات وأوثقها، و يفسر البعض تحالفات البرزاني بأنه عندما فشل في الإعتماد على الاتحاد السوفيتي السابق فقد فكر في البديل وبحث عن طريق يوصله إلى الولايات المتحدة الأميركية، و اقتنع أن الطريق إلى الولايات المتحدة تمر بإسرائيل، و قام البرزاني بعدة زيارات لإسرائيل كان أولها في العام 1968، و بعدها أصبح باب الولايات المتحدة مفتوحا امامه على مصراعيه.

و انتعشت علاقاته بالولايات المتحدة حتى وقع معها اتفاقية عام 1972 و التي تقوم امريكا بموجبها بمساندة حركته إلا أنه في عام 1975 عقد العراق اتفاقية مع إيران أنهت طهران بموجبها دعمها لحركة البرزاني, و قيل ان كيسنجر نفسه الذي وقع الإتفاقية مع مصطفى البرزاني في 1972 قد ساند عقد اتفاقية ايران مع العراق على حساب الأكراد، مما اعتبره الأكراد خذلانا أمريكيا لهم و للبرزاني شخصيا، وانهارت قوات البرزاني وبدأ من جديد رحلة لجوء إلى أميركا قبل أن يموت في 1 مارس 1979 بامريكا بسبب مرض السرطان.

البابا شنودة الثالث

عرض البابا شنودة الثالث زيارة الكنائس القبطية بالولايات المتحدة الأمريكية، فسمح له السادات بذلك, وطلب السادات من سفير مصر فى واشنطن أن يكون مرافقاً للبابا فى اللقاءات المهمة.

وغطت مجلة الكرازة (و هي مجلة الكنيسة القبطية في مصر) أخبار زيارة البابا إلى واشنطن، وكانت عناوين العدد رقم 17 الصادر بتاريخ 29 أبريل 1977 إستقبال حافل لقداسة البابا فى نيويورك – أول بابا للإسكندرية يزور الولايات المتحدة الأمريكية – الصحف الأمريكية تنشر أخبار الزيارة فى صفحاتها الأولى – قداسة البابا يلتقى بالرئيس كارتر فى البيت الأبيض بواشنطن – الرئيس كارتر يتحدث عن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر . و قد حضر سفير مصر فى واشنطن الدكتور أشرف غربال لقاء بابا الأقباط مع الرئيس الأمريكى كارتر، كما حضر اللقاء الأنبا صمؤيل أسقف الخدمات العامة ومسؤل الكنيسة القبطية عن العلاقات العامة الدولية.

وقال كارتر لشنودة : ” إن الرئيس السادات قال له أنه معجب بالبابا شنودة” …. وقال كارتر أيضا : ” أنه سمع أن عدد الأقباط سبعة ملايين ” وتطابقت وجهه نظر البابا مع ما قاله كارتر من أن عدد الأقباط فعلا 7 مليون وليس 2 مليون وثلث كما سجلت إحصائيات الحكومة.

و منذ زيارة بابا الأقباط الأولى لأمريكا تعددت زيارته لها ما بين زيارات عمل بصفته رئيسا لكل الكنائس القبطية في العالم بما في ذلك أقباط الولايات المتحدة، و ما بين زيارت للعلاج، و قد سببت علاقات البابا بأمريكا جدلا كثيرا بسبب النشاط الواسع و الضاغط لأقباط المهجر في الولايات المتحدة، خاصة ضد النظام الحاكم في مصر و قد تسببت تحركاتهم ومظاهراتهم ضد الرئيس السادات عام 1981م أثناء زيارته لأمريكا في توتر العلاقة بين السادات و البابا شنودة، ووصل هذا التوتر إلى عزل السادات شنودة من منصب البابوية و تعيين لجنة تشرف على المنصب، و لم ينتهي هذا الوضع إلا بعد مصرع الرئيس السادات بفترة.

و اتهم العديدون الباب شنودة باستعمال أقباط المهجر خاصة في امريكا كورقة ضغط ضد النظام في مصر بهدف تحقيق مكاسب، و ربما هذا ما دعى الكنيسة للإعلان مؤخرا عن رفضها للمظاهرات التي ينوي الأقباط تنظيمها في امريكا أثناء الزيارة المقبلة للرئيس مبارك الشهر القادم.

أنور السادات

تولى الرئيس السادت الحكم و العلاقات بين مصر و امريكا مقطوعة وسعى عبر قنوات سرية عدة للاستفادة من الولايات المتحدة في حل الصراع العربي الاسرائيلي، و تكللت مساعي السادات هذه بزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لمصر في عام 1974، و بعدها و في نفس العام زار السادات الولايات المتحدة لأول مرة في حكمه، و منذئذ تعددت زيارات السادات لأمريكا حتى صار يزورها كل عام بناء على نصيحة سفيره المخضرم في أمريكا أشرف غربال،و لهذه النصيحة قصة ذكرها أشرف غربال الذي كان مكلفا من السادات باعداد دراسة عن كيفية الاستفادة من العلاقات الأمريكية المصرية، و قد خلص غربال إلى أهمية أن يزور رئيس مصر الولايات المتحدة مرة كل عام يقابل فيها قيادات الكونجرس من الحزبين الديمقراطي و الجمهوري، و الشخصيات البارزة في مراكز البحوث و رجال الاعلام و عدد من كبار رجال الأعمال و قادة جماعات الضغط هناك، كي يحافظ على علاقة قوية بين رئيس مصر و سائر القوى المؤثرة في سياسات الولايات المتحدة.

حسني مبارك

و قد سار الرئيس مبارك على هذه الطريقة في زيارة الولايات المتحدة مرة كل عام بعد توليه الرئاسة و حتى إدارة جورج بوش الابن، الذي ساءت في عهده علاقة الرئيس مبارك بالادارة الأمريكية بدرجة ما و حينئذ أناب مبارك احمد نظيف تارة و عدد من الوزراء و رجال الأعمال تارة اخرى في زيارة الولايات المتحدة، فضلا عن دور نجله جمال في هذه الزيارات، و لكن للرئيس مبارك قصص مع زيارة امريكا أبرزها ما ذكره الدكتور ايمن نور في إحدى مقالاته عن أخر زيارة زارها مبارك لأمريكا في عهد الرئيس السادات، حيث ذكر أن نائب رئيس الجمهورية حسني مبارك عندما زار الولايات المتحدة قبيل حادث المنصة، و قال السادات لأشرف غربال احضر مع مبارك كل مقابلاته في أمريكا و أرسل غربال للسادات انه حضر مع مبارك جميع مقابلاته عدا مقابلته الوحيدة مع مدير الـ “CIA“، و غضب السادات و عبر عن غضبه بشدة لنائبه حسني مبارك لدى عودته من امريكا، لكن لم يلبث السادات أن أغتيل و تولى مبارك الحكم.

و يستعد الرئيس مبارك لزيارة امريكا الشهر القادم كسالف عهده قبل توتر علاقاته الشخصية مع جورج بوش الابن, و قد قيل الكثير عن هذه الاستعدادات من قبيل اطلاق صراح أيمن نور و تصريح بعض قادة الحزب الوطني بامكانية السماح للاخوان بحزب رسمي، و الحديث عن الاصلاحات السياسية و الاقتصادية، لكن ربما أهم ما تم في مجال الاعداد لزيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة كان زيارة نجله جمال لأمريكا هذا الشهر.

جمال مبارك

وقصة رحلة جمال مبارك لأمريكا فيها العديد من جوانب الاثارة، و أول هذه الجوانب هو انه زار أمريكا كثيرا لكن أشهر هذه الزيارت و اكثرها إثارة للجدل زيارته السرية لها في مارس 2006، عندما اكتشفتها مراسلة الجزيرة بالصدفة أثناء وجودها في البيت الأبيض، و في هذه الزيارة قابل جمال مبارك كل من الرئيس بوش نفسه و كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية و آخرين.

و هاجت الدنيا في مصر و ماجت بسبب هذه الزيارة التي ليس لها وصف دستوري باعتبار جمال مبارك لا يحتل أي منصب حكومي، و أيضا بسبب سريتها، و اعتبرها الكثيرون دليلا واضحا على عملية توريث الحكم الذي يجري الاعداد لها على قدم و ساق حسب رأيهم، و قدمت المعارضة في مجلس الشعب استجوبات عدة للحكومة و مع ذلك لم تلق أي اجابة شافية.

و جاءت زيارة جمال مبارك الأخيرة و التي جرت في مارس أيضا لكن عام 2009 لتثير مزيدا من الجدل حول احتمالات نقل الحكم في مصر من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال، و أيضا التساؤلات حول الدور الحقيقي الذي يقوم به جمال مبارك داخل منظومة الحكم في مصر.

و اعتبر كثيرون أن هذه الزيارة تأتي تمهيدا لزيارة الرئيس حسني مبارك و لتسوية عدد من الملفات الساخنة العالقة بين البلدين أو على الأقل تهدئتها، و هنا يرد سؤال مهم و هو ما القدرة أو المكانة التي يتمتع بها جمال مبارك لدى أمريكا كي يقوم بهذا الدور؟؟

و إذا كان الرئيس السادات اعتاد على زيارة أمريكا في أبريل من كل عام و تبعه في هذا التقليد الرئيس مبارك فلماذا زار جمال مبارك امريكا في مارس 2006؟؟ و في مارس 2009؟؟

هل يريد أن يرسي تقليدا جديدا بأن يزور أمريكا في مارس من كل عام قبيل زيارة الرئيس؟؟

و إذا كان هذا معتادا في بعض الأنظمة بأن يقوم نائب الرئيس او رئيس وزرائه بزيارة ممهدة لزيارة الرئيس فهل يشغل جمال مبارك منصب النائب الفعلي للرئيس أو منصب رئيس الوزراء؟؟

لكن أهم سؤال هو: ما النتيجة المتوقعة لرحلة جمال مبارك لأمريكا على حياته السياسية و الفكرية بصفة عامة؟؟ و هذا سؤال لم تظهر اجابته بعد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت في الصفحة الأخيرة من العدد الأسبوعي لجريدة الدستور.