روميل وهتلر

المنطقة العربية والحرب العالمية الثانية فى مذكرات ثعلب الصحراء رومل (1 من 2)

قرأت مؤخرا مذكرات ثعلب الصحراء الفيلد مارشال رومل، وكنت منذ سنوات طويلة قد قرأت وتأملت عبر العديد من المراجع الحرب العالمية الثانية ومشاريع هتلر والحلفاء من كل جوانبها السياسية والاقتصادية والإستراتيجية كما درست أغلب معاركها وإستراتيجيات هذه المعارك، ولكن قراءتى المتأخرة لمذكرات ثعلب الصحراء أوضحت لى أمورا عديدة ربما كنت غفلت عن بعضها من قبل وربما كنت نسيت بعضها الآخر، وأجد الآن أنه من المفيد كتابة محاور رئيسة عن انطباعى بعد قراءة مذكرات رومل، وأوضحها فى نقاط بالسطور التالية.

لكن قبل تقديم هذه الانطباعات يجدر بى الايضاح أن هذا المقال (بحلقتيه) ليس عرضا لمذكرات رومل ولكنه إلتقاط لدروس تكتيكية وإستراتيجية وأحيانا إدارية ونادرا سياسية اقتطعتها من كلام رومل تارة واستخلصتها من مرامى كلامه فى هذه المذكرات تارة أخرى.

-فى البداية أوضح أن هذه المذكرات هى مجموعة أوراق كتبها رومل أثناء حملته لاحتلال فرنسا ثم حملته فى أفريقيا ثم عودته لجبهة فرنسا، وطبعا كان رومل حرق أجزاء كثيرة من أوراقه عندما ساءت علاقته بـ”هتلر” كما ضاع جزء آخر من أوراقه التى لم يحرقها أثناء محاولات زوجته إخفاءها عن هتلر ثم إخفائها عن قوات الاحتلال الأمريكى لألمانيا.

-أكدت لى هذه المذكرات أن رومل كان ينتصر بمعاركه عبر موارد قليلة وأحيانا ضئيلة فقد كان ينطبق عليه المثل المصرى السائر “يصنع من الفسيخ شربات”، ووصل به الأمر فى معاركه الأخيرة بتونس أن واجه ألف دبابة بريطانية متقدمة بـ20 دبابة ألمانية فقط وتمكن من مواجهتها ثم التخلص منها والانسحاب بخسائر ضئيلة.

-كان روميل يخوض معاركه معتمدا على سرعة تحريك قواته وخفة حركتها فى ظل إجادته لتكتيكات حرب الدبابات الثقيلة واستخدامه المتميز للدبابات الألمانية التى كانت وقتها الأكثر تقدما وتفوقا فى العالم كله. (إلى أن تمكنت بريطانيا فى آخر سنوات الحرب من تصنيع دبابات ثقيلة “الجرانت” كما أن أمريكا صنعت دبابات أخرى قوية ومتقدمة أيضا بنفس التوقيت أبرزها “شيرمان”، علما أن وصول الحلفاء لتصنيع دبابات تضاهى نظيرتها الألمانية بنهايات الحرب هو من الأسباب التى مكنت الحلفاء من الانتصار فى الحرب).

-سرعة وخفة حركة القوات التى يقودها روميل لم تأت من فكر رومل الإستراتيجى هو وأغلب القادة الألمان فقط ولكنهم حققوا ذلك بفعل ميكنة قوات المشاة عبر حملها على السيارات والدبابات الخفيفة، بجانب فرق البانزر التى اعتمدت أصلا على الدبابات الألمانية الثقيلة المتقدمة بمقياس ذلك الوقت.

-أجاد رومل استخدام قوة الصدمة المتولدة من تشكيل القوات الألمانية التى دائما ما اعتمدت على فرق البانزر والمدفعية الثقيلة سواء الهاوتزر أو المضادة للطائرات أو المضادة للدبابات.

-اعتمد رومل دائما على تثبيت جبهة العدو بإيهامه بالهجوم بالمواجهة وفى نفس الوقت يحرك قواته بسرعة وخفية للالتفاف على قوات العدو ومباغتتها بسرعة وقوة من ظهرها أو أجنابها.

-حرص رومل دائما على مهاجمة العدو وملاحقته عندما يكون هذا العدو بأسوأ حالاته سواء عقب تكبده خسائر كبيرة أو قبل اكتمال قدرات هذا العدو أو اذا كان فى موقع سيئ غير محصن أو فى حالة نقص الإمدادات أو انقطاعها أو تأخرها أوبطئها عن ذلك العدو.

-كان رومل يحرص دائما على ألا تكون أجنابه أو ظهره مكشوفا غير محصن وألا يكون سهل لهجوم العدو، فكان دائما يحذر من مباغتة أجنابه أو ظهره فضلا عن جبهته، كما كان يحذر أن يضرب العدو خطوط إمداداه.

-عندما تقرأ مذكرات رومل هذه تجده يشرح دور الموارد بالتفصيل فى عملية النصر بالمعارك التى خاضها ويحلل كل مفردات هذه الموارد سواء من حيث الكميات ككميات البترول اللازم لتسيير المركبات والدبابات والطائرات وكميات الذخيرة وكميات الأسلحة المختلفة كالمدفعية والمركبات والدبابات والطائرات وذخائرها..الخ، كما يحللها من حيث النوع من حيث مدى تقدم الأسلحة التقنى ومدى غزارة نيرانها ومدى فاعلية وتأثير أنواع ذخائرها، ورغم أن هذا أمر بديهى بالنسبة للعسكريين المحترفين من أمثاله إلا أنه أمر من المهم أن نتعلمه نحن العرب بعد أن أفسد خطاب الناصريين والقوميين (وتبعهم في هذا بعض الاسلاميين) عقول العرب بمختلف توجهاتهم السياسية والدينية فصاروا لا يفكرون بالمنطق بل بالشعارات الرنانة فارغة المضمون وهو أمر يوقعنا فى نكسات وهزائم يومية نتردى فيها ونحن نتبجح بالشعارات الفارغة بكل صفاقة وكأننا لا نتكبد الهزائم والخسائر  يوميا.

-ومن الموارد المهمة التى اهتم رومل بتحليلها وشرح دورها فى عملية النصر أو الهزيمة بمعارك الحرب العالمية الثانية موارد غير مادية مثل المعنويات وخبرات القادة وطريقة تفكيرهم وتركيبتهم النفسية والإهمال الإدارى أو الفاعلية الإدارية والتحاسد الإدارى وإن كانت هذه الأمور الثلاثة الأخيرة تعرض لها بحرص أحيانا لأنه كان يكتب وهو جزء من مواطنى ألمانيا تحت حكم هتلر ولم يصلنا أو هو لم يكتب شيئا بعدما ساءت علاقته بهتلر ولا بعدما أمره هتلر بأن يتجرع السم طواعية وسرا مقابل أن يترك هتلر زوجة رومل وابنه أحياء.

واقرأ الحلقة الثانية على الرابط التالي:

المنطقة العربية والحرب العالمية الثانية فى مذكرات ثعلب الصحراء رومل (2 من 2)

حلب تحت القصف

بعد حرق حلب.. إلى أى مدى يمكن أن يعتمد المسلمون على النظام الدولى؟؟

يثير حرق حلب وقبلها إدلب وكافة سوريا وقبلهم فلسطين وأفغناستان والعراق، سؤالا مهما وهو إلى أى مدى يمكن أن يعتمد المسلمون على النظام الدولى؟؟ إجابة هذا السؤال مهمة لأنها سيترتب عليها الجزء الأكبر لطبيعة الاستراتيجية الاسلامية لاستعادة عزة وكرامة واستقلال العرب والأمة الاسلامية (لأنه لا عز للعرب بدون الإسلام).

حقيقة النظام الدولي وتطوراته

النظام الدولى ما هو إلا النظام الأوروبى للتحكم والهيمنة على العالم وهذا النظام ترجع نشأته الحالية إلى صلح وستفاليا 1648م وما تلاه من معاهدات بالسنوات التالية لأنه هو الذى أرسى دعائم نظام “ما” ينظم طبيعة وآليات العلاقة بين الدول الأوروبية بما فيها بابا الكنيسة الكاثولوكية (وما يتبعه من أملاك) وهذا النظام الأوروبى (بما حمله من تعاون وصراع وفق آليات ارتضوها) هو الذى أدار تاليا عملية تصفية الوجود السياسى الاسلامى كقوة دولية عظمى ممثلا فى الدولة العثمانية، واحتل كل العالم الاسلامى بدوله وممالكه وإماراته المتفرقة بأشكال مختلفة، هذا النظام شهد اختلالات متعددة بسبب احتدام التنافس بينهم ليخرج عن المستوى المسموح به بينهم فى ثلاثة حروب هى العالمية الأولى والثانية ثم الحرب الباردة، لكنه ظل إزاء المسلمين موحد الأهداف.

وهذا النظام الدولى تغيرت رؤوسه على مر التاريخ من دول أوروبية لأخرى إلى أن استقرت أخيرا منذ 1990 فى الولايات المتحدة الأمريكية (وهى وإن كانت خارج اوروبا إلا أنها ابنة أوروبا ثقافة وحضارة ودينا وشعبا) وحتى الآن.

البعد الشعبي في النظام الدولي

هذا النظام هو النظام الرسمى النظامى الذى يملك صنع الحدث فى العالم، ولكن لتكتمل الصورة لابد أن نعى أن هناك نظاما شعبيا يظهر وكأنه موازى لهذه النظام لأنه له مزاجه المختلف أحيانا ولأن صوته عالى جدا.

 هذا النظام الشعبى يتمثل فى حركات شعبية غير حكومية تدافع عن حقوق الانسان أو الحيوان أو البيئة أو عن قيم إنسانية أو الضعفاء والمظلومين، وهؤلاء صوتهم عالى لحد كبير فى أوروبا والولايات المتحدة بسبب طبيعة الحريات المتاحة هناك لكن تأثيرهم بشأن تعديل أو تحسين (فضلا عن تغيير) ثوابت النظام الدولى منعدمة، فقد رأينا عشرات الملايين منهم يتظاهرون فى أوروبا وأمريكا ضد غزو العراق ومع هذا تم احتلال العراق واستمروا بالتظاهر لوقف الاحتلال ولكن الاحتلال استمر حتى حققت أمريكا وأوروبا ما أردا هناك، ورأينا الملايين يتظاهرون ويحتجون ضد ممارسات الصهاينة فى فلسطين منذ عشرات السنين ومع هذا استمرت هذه الممارسات حتى اليوم بل تصاعدت وتعمقت.

كما أن هذه الحركات الشعبية كثيرا ما يتم اختراقها وتوجيهها بشكل أوبآخر من قبل النظام الرسمى (الحكومى) ولكن هذا له حديث آخر إن شاء الله.

وهذا يطرح سؤالين هما:

ما هى ثوابت النظام الدولى بشأننا؟

ما هى آليات عمل النظام الدولى تجاهنا؟

ثوابت النظام الدولي تجاه أمة الإسلام 

وبالنسبة للسؤال الأول فلا يمكن أن نفصل كل ثوابت النظام الدولى فى مقال واحد كهذا ولكن يمكننا أن نذكر ما يخصنا وهو ثوابت النظام الدولى تجاه المسلمين ومنطقتهم، ولئلا يطول الكلام نذكر التصريحات التالية التى توضح الصورة باختصار ولا تدع مجالا للشك لدى القارئ:

يقول “دزرائيلى” رئيس وزراء بريطانيا فى خطاب له فى عام 1872: “إن من الواجب على من صنعوا المدنية أن ينقلوها إلى الآخرين على شروطهم الغربية”

ويقول “هنرى كيسنجر” عقب إعلانه توقيع الانفراج مع الاتحاد السوفيتى فى 1972: “إن السياسة الخارجية  الأمريكية فى القرن القادم سوف تقوم على تهيئة نظام عالمى مستقر تحيا فيه القيم الأمريكية وتزدهر”.. وقد تم وضع هذا النص كما هو كهدف قومى فى عهد “ريجان” فجاء كما يلى: “رابعا- إقامة والحفاظ على نظام عالمى مناسب لا يحقق بقاء القيم الأمريكية فحسب بل وازدهارها”.

وتقول “مارجريت تاتشر” رئيسة وزراء بريطانيا 1988: “إن الامبريالية الأوروبية -نعم ولا أعتذر عن هذا- هى التى نقلت الحضارة إلى كثير من شعوب العالم، لقد كانت هذه هى حكاية مواهبهم وفروسيتهم”.

ويقول “فرانسوا ميتران” رئيس فرنسا فى 1990: “إن وحدة الأيديولوجية فى دول العالم بأن تسود قيم الديمقراطية الغربية هى الطريق الوحيد للتفاهم والتعاون الدولى ولأن يسود الاستقرار والسلام فى العالم”

وقال بيل كلينتون يوم تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية 1993: “إن أمريكا تؤمن أن قيمها صالحة لكل الجنس البشرى وإننا نستشعر أن علينا إلتزاما مقدسا لتحويل العالم إلى صورتنا”.

(راجع: فوزى محمد طايل، كيف نفكر استراتيجيا ، ص 298)

وخلال حملته الانتخابية ألقى رونارد ريغان خطابا بسبتمبر 1980 قال فيه: “إن إسرائيل ليست أمة فقط بل هي رمز ففي دفاعنا عن حق إسرائيل في الوجود إنما ندافع عن ذات القيم التي بنيت على أساسها أمتنا”.

ولاحظوا كلمة القيم المتكررة فى كل الأقوال الآنفة.

ويقول اللواء أ.ح – فوزى محمد طايل: “بنيت الاستراتيجية الأمريكية منذ عهد جيمى كارتر على ثلاث ركائز : نزع إرادة الجهاد من المسلمين، من خلال فرض السلام بينهم وبين إسرائيل، والحيلولة دون تحول الصحوة الاسلامية إلى نهضة حقيقية، وإحداث تشوه ثقافى واجتماعى يحول دون استعادة المسلمين لمنظومة قيمهم،وتبنت الولايات المتحدة خيار استخدام القوة فى منطقة الخليج لهذا الغرض” أ.هـ من كتابه كيف نفكر استراتيجا ص 273.

ويشير فوزى طايل إلى المبدأ الخامس والسادس من الأهداف القومية الأمريكية التى أعلنت بعهد ريجان والتى تنص على:

“- الحفاظ على النظم العلمانية الحاكمة فى المنطقة من المغرب حتى باكستانن ومنع انتقال الحماس الثورى لها والاطاحة بها.

–  إيقاف خطر الارهاب.” أ.هـ من كتاب كيف نفكر استراتيجيا ص 280.

ومن هنا فمسألة فرض القيم الغربية على العالم بعامة والاسلامى منه بخاصة وفرض حكومات ترعى هذا الأمر هو من أبرز ثوابت هذا “الغرب”، لكن قد يميل بعضهم بتلبيس الأمر على عوام الأمة الإسلامية باسم الإسلام كما فعل نيكسون فى كتابه “الفرصة السانحة” عندما دعا إلى “تعريف المسلمين بماهية الإسلام وأنه إسلام متعايش مع الغرب وقيمه الديمقراطية ويطبقها”، وكما دعى تقرير راند لتعزيز ما أسماه الاسلام  الديمقراطى، وهذا هو ما انتقده كثير من الدعاة الإسلاميين وسموه بالاسلام الأمريكى، لأنه يبرر كل قيم الغرب من رأسمالية وإباحية وتأليه الإنسان بدعواى وشعارات إسلامية (باطلة شرعا طبعا).

وقد نقلت الاقتباسات الآنفة بطولها لأقنع من لم يطلعوا على المراجع المهمة المطولة من مثل “الاتجاهات الوطنية” و”الاسلام والحضارة الغربية” لمحمد محمد حسين، و”أساليب الغزو الفكرى” و”مذاهب فكرية” لعلى جريشة، و”واقعنا المعاصر” لمحمد قطب، و”دخلت الخيل الأزهر” لجلال كشك، وغيرها.

آليات عمل النظام الدولى تجاه أمة الإسلام

ثم نأتى لإجابة السؤال الثانى وهو: ما هى آليات عمل النظام الدولى تجاهنا؟

وإجابة هذا السؤال تحتاج كتابا كاملا (وبالمثل كان سابقه) ولكننا سنوجز الأمر، فالهدف القومى الأمريكى المعلن عنه بعصر ريجان كما ذكرناه فى السطور السابقة جاء صريحا ” الحفاظ على النظم العلمانية الحاكمة فى المنطقة من المغرب حتى باكستان ومنع انتقال الحماس الثورى لها والاطاحة بها”، ولنا فى الانقلاب الأمريكى ضد مصدق فى ايران لتثبيت الشاه (عملية أجاكس 1953) عبرة لآلية قديمة، كما لنا فى الانقلاب على الربيع العربى (2011) فى تونس بأسلوب ناعم عبرة بآلية ثانية، وفى مصر بأسلوب خشن بديكور ناعم كانت آلية ثالثة، أما احتلال أفغانستان وحصار عراق صدام ثم احتلاله وتقسيم السودان وإحراق سوريا الآن فكلها آليات أخرى تمتلأ بها جعبة الغرب لاستعمالها ضدنا.

وكى نلقى الضوء على أسلوب عملهم الداخلى فى أوطاننا والشرائح الاجتماعية التى يستندون عليها نختم الموضوع بالاقتباس التالى من مذكرات مايلز كوبلاند ضابط الـCIA الذى نفذ عملية أجاكس عام 1953 التى بموجبها أطيح بحكومة مصدق بإيران وتم إعادة الشاه بموجبها، ولكنه فى الاقتباس التالى يتكلم عن حدث جرى معه أثناء إعداده لعملية مشابهة فى إيران عام 1979 لاجهاض ثورة الخمينى قبل اندلاعها بشهور: “لم أر بغايا ولكن صفوة مجتمع الجريمة الإيرانى أو يمكن القول المافيا الايرانية، لقد أدخلت إلى منزلها فرادى وجماعات من اثنين أو ثلاثة من زمر السفاحين واللصوص والمهربين ومشعلى النيران والفتن ولك أن تسمى ما شئت، وكزملائهم من المجرمين المنتعشين ماليا فى أمريكا وبريطانيا، فهم يتمتعون بعقلية الرأسمالى اليمينى لهذا كانوا يؤيدون الشاه دون تحفظ. قالت كاثى: إذا كنت تخطط لشئ ما فإن هؤلاء الرجال هم مدافعك الثقيلة” أ.هـ. من “حياة مايلز كوبلاند”، ص 360.

لكن التحليل الاجتماعى والاقتصادى المفصل للقوى الاجتماعية التى تنفذ مرامى الغرب بأرضنا له حديث آخر إن شاء الله.

خالد مشعل

خالد مشعل وعبد الفتاح مورو.. من يخاطبان ومع من يريدان أن يتشاركا؟؟

شاهدت منذ قليل فيديو  لكلمة عبد الفتاح مورو القيادى والشيخ البارز بحركة النهضة التونسية ذات الجذور الإخوانية ووجدت إشادات جماهيرية إسلامية كثيرة بها ورأيته يدعو للشراكة مع ما أسماه بالنخب الإعلامية والثقافية الموجودة فى إشارة إلى النخب العلمانية الموجودة كما أخذ يشرح أن شرعية الحكم ليست بالصندوق والانتخابات فقط بل بالسيطرة على مفاصل الحكم والتى لا تأتى إلا بشراكة هذه النخب ورضاها معتبرا أن رضا هذه النخب الثقافية والاعلامية هو رضا للشعب زاعما أنها هي التى تمثل الشعب، كما زعم عيوبا فى الاسلاميين فصدق فى بعضها لكنه بالغ فيها وأخطأ فى بعضها، وكان مما أخطأ فيه ما عبر عنه بعدم تبنى الإسلاميين ما أسماه بالقيم الانسانية العالمية التى جاءت بها كل الأديان.

وتأتى رؤيتى لهذا الفيديو على الفيس بوك اليوم بعد أيام قليلة من قراءتى لتصريحات خالد مشعل فى مؤتمر بالدوحة، والتى انتقد بها ذاته وحركته (وربما الحركات الاسلامية بعامة) فى عدم الشراكة مع الآخر فى الحكم بما فى ذلك حكم غزة.

إن الغرب يوصف بالإمبريالى فى رؤية اليسار العربى واليسار العالمى وبالإمبريالى الصليبى الصهيونى فى الرؤية الكلاسيكية للإسلاميين، ورغم هذا فإن الخطاب التصالحى مع العلمانية ومع الغرب ليس غريبا على تيار الإخوان المسلمين ولكن الغريب أن يصروا على نفس مسلكهم بعد ان كاد د.محمد مرسى رئيس مصر الأسبق (القيادى الاخوانى) أن يقبل أقدام النخب العلمانية والثقافية والإعلامية بمصر كى تتعاون معه للخروج بالبلد من أزمتها، لكنهم أبوا إلا مناوئته بالحق وبالباطل، وتحالفوا مع قائد الجيش ليطيح به حتى أطاح به، وسجنه بدعم ورضا عالمى وإقليمى،  فهذا الغرب وهذه النخب التى يغازلها خالد مشعل وعبد الفتاح مورو هى التى شردت وسجنت مرسى وبديع والشاطر والإخوان بمصر، بعدما توسلوا لها بكل وسائل التزلف كى يشاركوهم الحكم، ومع هذا لم يفهم مشعل ومورو اللعبة الدولية والإقليمية حتى الآن، أو يفهمونها ويريدون أن يلعبوا نفس دور مرسى وبديع فى مصر من يناير 2011 وحتى 3 يوليو 2013.

التبسيط والتسطيح الذي سار عليه خطاب مشعل ومورو يدعوانى لأن أرد عليه بوضوح شديد، وهو أن الغرب يحكم العالم والذى يتحكم فى الغرب نظاميا حاليا هو الولايات المتحدة الأمريكية، والقيم التى تحكم الغرب وأمريكا وتحكم سياستهم نحونا نحن العرب والمسلمون هى القيم الصليبية الصهيونية فى مجال السياسة والأخلاق والدين، أما فى مجال الاقتصاد فتحكمه قيم الرأسمالية التى أسسها وادارها ومازال يديرها اليهود الصهاينة، هذا فى التحليل التفصيلى للنظام الدولى الظاهرى والأولى، أما التحليل التفصيلى الباطنى والنهائى فهناك عدة عائلات صهيونية تسيطر على أغلب ثروات العالم، عبر امتلاكها لشركات كبرى تملك أغلب انشطة الاقتصاد بالعالم، وهذه العائلات بسيطرتها على إقتصاد العالم فهى تسيطرعلى سياسة العالم وإعلامه وجيوشه.

فمن يخاطب مشعل ومورو ومع من يريدا أن يتشاركا؟؟

وهناك أمر آخر هو: إذا كنت تريد المشاركة مع هؤلاء فهل تعلم ما الذي يريدونه منك مقابل أن يقبلوا الشراكة معك؟

فإن كنت لا تعلم فاقرأ كتاب الفرصة السانحة لنيكسون فيما كتبه عن العالم الاسلامى والمسلمين، واقرأ تقارير راند عن الاسلام الذي يجب أن تشجعه أمريكا، ثم أعلن لنا هل توافق على هذا أم ماذا؟

وملاحظة أخيرة أود توضيحها بكل صراحة وهى أن نخب اليمين واليسار فى العالم العربى أغلبيتها الغالبة ليست وطنية، وإنما هى رهينة لأجهزة محلية وإقليمية ودولية تحركها فى إطار أهداف النظم الاقليمية والدولية، ولا يستثنى من هذا إلا قلة قليلة، وهذه القلة لا حول لها ولا قوة، فهى مستضعفة بأوطانها ولا شعبية لها ولا إمكانات ذاتية لها إلا ما لا يغنى ولا يسمن من جوع.

ثورة 25 يناير

الغضب الشعبى فى مصر .. إلى أين؟

يتوقع كثيرون اندلاع احتجاجات عارمة تفضى لثورة شعبية فى مصر إثر الارتفاع الجنونى فى أسعار السلع والخدمات مع التدهور المتسارع للقوة الشرائية للجنيه المصرى، ويتوقع هؤلاء أن يكون موعد مثل هذه الاحتجاجات الأيام التالية لرفع الدعم عن سلع أساسية كوقود السيارات وما سيتبعه من إرتفاع بأسعار كافة السلع والخدمات لارتباطها جميعها بخدمة النقل بالسيارات، معارضو النظام الذين يحلمون بثورة تطيح به يأملون بوقوع هذا الحدث قريبا، بينما لم تقدم الحكومة خطة مقنعة لكبح جماح الأسعار وتأمين المواطنين اقتصاديا واجتماعيا ضد مخاطر التضخم الذى وصل لمعدلات غير مسبوقة، فهل معنى هذا أن النظام الحاكم لم يتحسب لمثل هذه الاحتجاجات ولم يضع خططا لمواجهتها؟؟ ثم ما هى خطط المعارضة لتفجير هذه الاحتجاجات أو إدارتها فور اندلاعها؟؟

سيناريوهات اندلاع احتجاجات في مصر

ليس هناك أى شك بأن أجهزة الدولة المعنية قد وضعت سيناريوهات متعددة لاندلاع احتجاجات كهذه ووضعت خططا “ما” للتعامل معها، لأنها تعمل بأسلوب علمى وموضوعى ومؤسسى فى مثل هذه المجالات، ويمكننا تخمين معالم رئيسة لهذه الخطط فى السطور التالية.

أى احتجاجات لابد أن يكون لها قوى اجتماعية تدعمها ومن المنتظر فى احتجاجات سببها ارتفاع الأسعار أن تكون الشرائح الاجتماعية الفقيرة هى عمادها ومن هنا نرى أن الحكومة بادرت منذ شهور طويلة بتخدير وتقليل غضب هذه الفئة عبر نشر منافذ توزيع السلع الرخيصة بالأماكن الفقيرة والريفية بجانب التخدير الاعلامى، ويضاف إلى ذلك النشاط الواسع فى إبعاد أذرع هذه الفئة (ممثلة فى الباعة الجائلين ونحوهم) عن الميادين الكبرى فى المدن بدءا من القاهرة الكبرى ثم نزولا للعديد من المحافظات، وإحكام السيطرة الأمنية على هذه الميدان.

مارست الحكومة سياسة قمعية ضد أى احتجاجات قامت بها المعارضة منذ 2013 وحتى الآن، وقد نجحت هذه السياسة رغم دمويتها فى تثبيت أركان النظام الحاكم حتى الآن، ولم تتمكن أى قوة معارضة من الإفلات من الأثر السلبى لهذه السياسة القمعية حتى الآن، فلم تعد جماعة الاخوان المسلمين وأنصارها من الإسلاميين قادرة على حشد احتجاجات كبيرة فى شوارع أو ميادين رئيسة وبات أغلب كوادرها المهمين إما مطارد وإما مقتول أو محبوس، كما أن القوى العلمانية واليسارية التى فجرت فاعليات احتجاجية أيام اتفاقية تيران وصنافير لم تكن لتصمد أكثر من شهر أو شهرين على الأكثر أمام صولة الآلة القمعية للنظام، وبعدها أصبحت هذه القوى شبه مشلولة عن أى حركة، أما شباب الاسلاميين الذين ظنوا أن حملهم السلاح يمكن أن يهزم النظام أو على الأقل يوقف دوران آلته الأمنية الباطشة فإنه أيضا لم يصمد كثيرا و بعد عام من تتابع أعمال مسلحة متناثرة بالقاهرة وما حولها تمكنت اليد الأمنية للحكومة من تقليم أظافر هؤلاء الشباب ولم يعد يسمع صوت قعقعة سلاحهم إلا كل عام مرة أو مرتين، وأدى هذا كله لأن يثق النظام بقدرته على السيطرة على الأوضاع أيا كانت سياساته الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن سياساته السياسية، كما وثق به داعموه وحلفاؤه بالداخل والخارج وأيقنوا أنه لا خطر عليه من أى قوى معارضة.

ولكن هل هذا الاطمئنان فى محله وكيف ستسير الأوضاع فى الشهور القادمة؟؟

الانتفاضة الشعبية

وفى الواقع فإن إنفجار انتفاضة شعبية عارمة تخرج عن السيطرة الحكومية وتعجز أجهزتها الأمنية والسياسية أمر لا يمكن توقع توقيته وإلا لما خرجت مثل هذه الانتفاضة عن السيطرة، وهو أمر حدث فى مصر مرات عديدة كما فى مظاهرات الطلبة والعمال 1968 ردا على محاكمات قادة طيران هزيمة يونيو، ثم انتفاضة الأسعار يناير 1977 وانتفاضة جنود الأمن المركزى 1986 وأخيرا ثورة 25 يناير 2011، فكل هذه الأحداث لم يتحسبها أحد قبلها واندلعت فجأة دون توقع من أى جهاز حكومى أو قوة معارضة، ومن هنا فمن الوارد انفجار الغضب الشعبى فجأة دون موعد محدد.

وفى هذه الحالة فالدوافع والمطالب ستكون اقتصادية واجتماعية وأى مطلب سياسى سيكون مرتبطا بهذه المطالب الاقتصادية الاجتماعية، وطبعا ستحاول قوى سياسية معارضة ركوب موجة الغضب هذه بعد اندلاعها وتصاعدها ولكن حجم نجاحها فى ركوب هذه الموجة واستجابة الجماهير الغاضبة لها سيكون مرتبطا بمدى فهم هذه القوة السياسية لمطالب الجماهير وتبنيها لها وتبنى شعارات تمس عقل ووجدان الجماهير الثائرة.

الغضب الثورى

ستنفجر شرارة الغضب الثورى من الشرائح الاجتماعية الدنيا وستلحق بها كثير من الشرائح الاجتماعية والفئات السياسية المعارضة الأخرى، ولكن طبيعة الجنوح للعنف التى باتت سمة سائدة بالمجتمع المصرى مع الدرجة العالية من القمع التى باتت تتعامل بها أجهزة حكومية مع المعارضة كل هذا سوف يصبغ انفجار الغضب الشعبى القادم بمصر بقدر غير مسبوق من الممارسات الشعبية العنيفة وإذا أضيف له طبيعة عبثية بسبب طبيعة الشرائح الاجتماعية البادئة بالغضب فإن هذا كله قد يفقد هذه الانتفاضة تعاطف كثير من أبناء الطبقة الوسطى التى هى عماد أى ثورة بمصر، لكن من الوارد أيضا أن يقتصر هذا العنف على التوجه لرموز الدولة وهنا فستأخذ الانتفاضة شكل آخر فإما أن تخضع لها الدولة فينتصر الغضب الشعبى ويحدث تغيير “ما” وإما أن تصمد الحكومة وهنا يحدث صراع طويل يشبه ما فى دول أخرى كسوريا وليبيا والعراق ونحوها، وإن كانت خبرات تاريخ مصر تقول أن الانتفاضات الشعبية العارمة عادة ما تخضع لها الحكومة بدرجات مختلفة.

خطط الحكومة.. و استشراف مستقبل مصر

ومن المؤكد أن الحكومة أعدت لكل هذه الاحتمالات ووضعت خطط مناسبة لاحتواءها عبر التراجع قليلا أمام الضغط الشعبى بغرض احتوائه وتبريده ثم عودة السيطرة على الأوضاع، كما حدث إثر تنحى مبارك فى 11 فبراير 2011، ويشمل هذا تشكيل حكومة تشارك فيها قوى معارضة والتصالح مع كل قوى المعارضة بما فى ذلك الإخوان.. الخ، فهى خطط احتواء وتبريد دون الإطاحة بالركائز الاجتماعية والاقتصادية وركائز السيطرة الأمنية لنظام الحكم الذى تأسس منذ يوليو 1952 والذى قام باعادة بناءه وتغيير شكله نظام “السادات/مبارك” فى الأربعين سنة 1971-2011 (وهو نفس النظام المستمر حتى الآن).

هذا هو استشراف لمستقبل الأحداث بمصر بضوء معطيات الواقع ومتغيراته وبضوء تاريخ مصر المعاصر، وهو أمر يبين أن دفة الأحداث باتت بمهب الريح نظرا لضعف قوى المعارضة وافلاس فكرها السياسى وقدراتها العملية والتراجع البالغ لتأثيرها بالأحداث.

الملك فاروق

كيف كانت مصر عشية 1952 ولماذا أخذ العسكر الحكم وما دور أمريكا في الانقلاب؟ (1)

كانت مصر عشية عام 1952 مهيئة موضوعيا للثورة، فهى محتلة من الامبراطورية البريطانية العجوز التى خرجت من الحرب العالمية الثانية محطمة ومثخنة بالجراح، وكان فساد الملك فاروق قد انتبه له أغلب عقلاء الشعب رغم محاولات الملك المستمرة للتمرد على الاحتلال البريطانى، وكان الشعب قد فقد الثقة فى الأحزاب التقليدية القائمة بما فيها حزب الوفد الذى كان سابقا له شعبية كاسحة وكان يمثل أمل الكثيرين، فأغلب الأحزاب كانت تابعة للمك واستبداده كما كانت فاسدة فى نفسها، أما الوفد فقد انكشف ولاؤه للاحتلال بعد حادثة 2 فبراير 1942 عندما أذل الوفد الملك بحراب الانجليز تلبية لرغبة بريطانيا العظمى، كما انكشف فساد الوفد وولعه بالسلطة بشكل مطرد منذ هذه الحادثة، هذا كله على المستوى السياسى.

حالة مصر الاقتصادية

أما على المستوى الاقتصادى والاجتماعى فقد كان 2% من الملاك يملكون 98% من الأراضى الزراعية بمصر (وكانت الأراضى الزراعية وقتها هى رأس المال الرئيس بالبلد) بينما كان 98% من الملاك يملكون 2% فقط من الأراضى، وكان القطاع المصرفى كله تقريبا مملوكا للأجانب وكذلك أغلب المؤسسات التجارية والصناعية الكبرى كانت مملوكة للأجانب، وكان التعليم حكرا على من يملك المال لأن التعليم لم يكن مجانيا، كما كانت المدارس قليلة ولم يكن هناك سوى جامعة واحدة هى جامعة القاهرة (وقتها كان اسمها جامعة فؤاد الأول) وإن لحقت بها جامعتان أخرتان للتو هما جامعة فاروق الأول (عين شمس حاليا) والاسكندرية.

أحوال الصحة

ولم تكن أحوال الصحة بأحسن حالا فقد كانت المستشفيات نادرة، كما كانت عملية الرعاية الصحية مكلفة ولا تتم إلا لمن يملك مصاريفها وهم نسبة ضئيلة من الشعب.

القوى الدولية بعد الحرب العالمية الثانية

نحن الآن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقد انتهت قدرة القوى العظمى القديمة بريطانيا وفرنسا (فضلا عن ألمانيا وايطاليا) وصعدت قوة الاتحاد السوفيتى قائد الماركسية وقوة الولايات المتحدة كقائدة للقوى الرأسمالية بالعالم، لم تعترف فرنسا وبريطانيا بتخلفهما بعد عن مصاف القوى الأولى بالعالم (سنرى أنهما لم يقنعا بالرجوع للصف التالى لأمريكا إلا بعد إنذار الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى ضدهما ابان العدوان الثلاثى على مصر 1956)، وفى ظل هذا الوضع الدولى الجديد قررت الولايات المتحدة أن تنغمس بنفوذها فى أقاليم العالم المختلفة بما فيها إقليم الشرق الأوسط وبالطيع يأتى على رأس دول هذا الإقليم مصر، فجاءت بعثة من عناصر الـ CIA الى مصر لدراسة الوضع، وكتبت تقريرها.. “شعب مصر مهيأ حاليا لثورة تطيح بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية ولا أحد مهيأ لقيادة مثل هذه الثورة سوى قوتين هما الماركسيون والاخوان المسلمون”.

صراع الولايات المتحدة مع القوى الماركسية 

طبعا الأمر كان خطيرا للولايات المتحدة فهى فى صراع كونى مع الماركسية التى يقودها الاتحاد السوفيتى، وقيام الماركسيين المصريين بالثورة معناه تحول مصر الى النفوذ السوفيتى بما يضعف الاستراتيجية الدولية الأمريكية فى صراعها مع السوفيت، كما أن الاخوان هم متطرفون بحسب التصنيف الأمريكى حينئذ فأمريكا لا تريد عودة الحكم الاسلامى بعد قضاء الغرب على السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

خوف المخابرات الأمريكية من اندلاع ثورة ماركسية أو إسلامية فى مصر

ووضعت المخابرات الأمريكية خطة لتلافى ثورة ماركسية أو إسلامية فى مصر، وتقوم هذه الخطة على “تلميع” الملك فاروق أمام الشعب ودفعه للقيام بثورة يقودها هو ضد الأحزاب وضد أصحاب الأموال وملاك الأراضى مستخدما ضباط جيش شباب، فيلغى الأحزاب ويصادر الأراضى ويوزعها على الفلاحين ويجعل التعليم مجانيا، ويقوم باصلاحات اجتماعية ضد الفقر، ويطرد البريطانيين ويحكم البلاد كملك مستبد بدعوى فساد الأحزاب (ويكون تابعا فى السر للأمريكان طبعا).

وحاول ضباط المخابرات الأمريكية مقابلة الملك لاقناعه بهذه الخطة وإخباره أنه بفعله هذا سيكون قد ضرب واحتوى شعارات الماركسيين والإسلاميين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويكسب تأييد الشعب وذلك كله بظل المساندة الأمريكية، ولكن الملك كان مشغولا دائما بالقمار والنساء فلم يعطهم إلا موعدا بعيدا وعندما حان الموعد كان هذا الموعد فى ملهى ليلى كان يحب الملك السهر فيه دائما وهو ملهى “الأوبرج” بشارع الهرم وكان الموعد بعد نهاية السهرة أى قبيل الفجر بقليل وعندما جلس ضباط الـ CIA مع الملك وبدأوا فى شرح الخطة له فوجئوا بأنه غط فى نوم عميق وعلا صوت شخيره لأنه كان سكران “طينة”، وهنا قرر ضباط الـCIA الاجتماع مع جمال عبد الناصر ورفاقه بعد أن كانوا يماطلونه منذ فترة…

وهذه قصة اخرى سنتابعها معكم فى الحلقة القادمة إن شاء الله.

حازم صلاح أبو اسماعيل

هوامش حول تجربة الشيخ حازم أبو اسماعيل في مصر

شخص ما قال لك: … “حذاري.. إن فلان سيأتي من وراء ظهرك من هذه الجهة ويطعنك في ظهرك فيسقطك ارضا ثم يتقدم تجاهي أنا أيضا ويطعنني بعدك”.

وظل يردد التحذير : “انظر إنه قادم وأنا حذرتك، يجب ان تصدقني لأنه سيطعنك ثم يطعنني”.

وظل يردد تحذيراته هكذا وهو ينظر للخطر قادم يحمل خنجرا حتى طعن الضحية ثم تقدم للمحذر نفسه فطعنه كما سبق وحذر من قبل في تطابق كامل مع مضمون التحذير.

هذا سيناريو لمشهد قصير يجسد بدقة ما فعله الشيخ حازم أبو إسماعيل (فرج الله عنه).

حذر وحذر وظل يحذر ويحذر ولكنه لم يتخذ أي خطوات من شأنها أن تمنع وقوع الخطر.

كان يمكن ان نعتبره مصيبا لو أنه كان قدم نفسه كمفكر أو كاتب أو داعية، دوره ينحصر في التعليم والتوعية الفكرية، لكنه قدم نفسه على أنه زعيم سياسي، وسعى لترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، كما سعى لتأسيس حزب، وقاد فاعليات سياسية شعبية.

إذن فواجبه القيام بعمل سياسي ضخم مكافئ ومناسب لضخامة الخطر، ومكافئ ومناسب لضخامة الكاريزما التي تمتع بها وجمع بها افئدة الملايين حوله، ورغم أنه قدم نفسه كفاعل سياسي لكنه اكتفى بدور خطيب الجامع الذي لا يمكنه فعل شئ سوى الخطابة وإطلاق التصريحات الإعلامية.
هامش
كتبت هذه الفقرات المحدودة بشكل سريع وعام، بناء على تساؤلات العديد من الاخوة عن رأي الشخصي في دور الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل، ولكن من المحتمل أن ندرس تجربة الشيخ حازم دراسة مستفيضة تعتمد على استقصاء السلبيات والايجابيات فيما بعد ان شاء الله.

القرآن يهدينا للصواب

كيف السبيل الى الطريق الإسلامي الثالث؟

أنا حذفت مقال توقفي عن الكتابة لئلا يكون دعوة للسلبية، وسأعمل على الاستمرار بالكتابة، لكن لدي عدة ملاحظات بشأن تعليقات الأصدقاء ربما أتعرض لها فيما بعد بشكل غير مباشر عبر كتابات منتظمة ان شاء الله.
وبشكل عام أحب أن أوضح أن سبب الميل للتوقف لم يكن أيا مما ذكره بعض المعلقين .. الأمر ببساطة حالة زهق نفسي بسبب العجز عن التصدي العملي لما يحدث هنا وهناك ليس عجزي شخصيا فقط ولكن عجز الأمة بعامة.
أمر آخر هو ما أشار إليه أحد القراء من أنه إما الكتابة وإما حمل السلاح، وأنا منذ فترة طويلة أريد الكتابة عن العمل المسلح ولكني قليل الانتاجية في الكتابة منذ فترة طويلة، وخلاصة رأي: أنني أنعم الله علي منذ نعومة اظافري بالنقد والتقييم الدائم لما اشاهده من احداث سياسية وغيرها ومن هنا فقد قيمت المحاولات المتكررة لجماعة الجهاد المصرية لتنفيذ إنقلاب عسكري بمصر باعتبارها خاطئة وغير ذات فائدة وأسوأ منها محاولات الجماعة الاسلامية منذ ١٩٨٨ وحتى ١٩٩٨ للضغط على نظام مبارك عبر عمليات مسلحة، وكل هذا له تفصيل طويل سوف أكتبه بمناسبة اخرى ان شاء الله، ولكن أريد هنا الآن أن أشدد على أهمية العلم قبل القول والعمل كما بوب الامام البخاري في صحيحه، فمرة دار نقاش بيني وبين شخص على الفيس بوك، حول العمل المسلح حيث كان هو يشدد ويحض عليه فقلت له هل درست تجربة جماعة الجهاد المصرية منذ نشأتها بمنتصف الستينات وحتى اندماجها في منظمة القاعدة عام ١٩٩٨ وكذلك تجربة الجماعة الاسلامية بمصر منذ الثمانينات وحتى ١٩٩٨؟ 
فقال لي لا ، فقلت له يجب ان تدرس جيدا اولا كل التجارب السابقة من كافة الجوانب قبل أن تتبنى رأيا.. وانتهى هنا النقاش على ما أذكر.

ولذلك فأنا كتبت إثر الانقلاب على الدكتور محمد مرسي، مستنكرا على من يدعون للعمل المسلح قائلا: ألم يستخدم هذا التكتيك سابقا وفشل؟ ما لكم تدعون له كأنه لم تسبق تجربته.
وهذا كله لا يعني موافقتي على تكتيكات الاخوان فأنا انتقدتها أيضا.

إن شخصا قتل الآلاف وحرق المئات وسجن عشرات الآلاف علانية في الشارع من أجل كرسي الحكم لايمكن أن يتنازل عن هذا الكرسي لأنك تحرجه بحشد المظاهرات في الشوارع والميادين، كما أن النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا لن يستحي من مظاهراتك ولن توجعه دماءك المسفوحة ويزيل حاكم هو صديق له والمفضل لديه، وذلك كله لسبب بسيط وهو أن هذا الحاكم لم يأت للحكم إلا بضوء أخضر من هذا النظام الدولي وبدعم منه، ويظل هذا النظام يدعمه ويدعم أي حاكم صديق للغرب مادام يقمع الحركات الاسلامية، ويمنع قيام نظام حكم يحكم بالشريعة، ومن يجادل في هذا فهو شخص لايدري شيئا عن مجريات السياسة الدولية والاقليمية منذ حملة نابليون على مصر والشام وحتى الآن.

أيضا انتقدت استراتيجيات منظمة القاعدة وتنظيم الدولة، لأسباب متعددة أوضحت عددا منها في عدد من المقالات السابقة.
الاشكالية في صنفين من الناس يصنعون الاستراتيجيات والتكتيكات او يروجون لها من بين صفوف الحركات الاسلامية:
صنف لا علم له ولا فهم ولا ابداع فهو يحفظ ويردد، وهذا كيف نناقشه؟
إن قلت أنا له لماذا حارب تنظيم الدولة ضد الجيش السوري الحر فيرد إنهم كفار، وطبعا لا أسلم له بهذا التكفير ولكن لو سلمت له به من باب الجدل فكيف أقنعه بأن الكفر في حد ذاته ليس سببا للقتال، فالفرس المجوس كانوا كفارا ومعادين للنبي صلى الله عليه واله وسلم شخصيا، ومزقوا خطابه لهم ، ومع هذا لم يحاربهم صلى الله عليه واله وسلم بل مات دون أن يوجه إليهم غزوة واحدة، وكان الروم كفارا ولم يحاربهم النبي صلى الله عليه واله وسلم غير بعد 8 سنوات من بناء دولته، وكانت الجزيرة العربية مملوءة بالكفار لكنه صلى الله عليه واله وسلم لم يحاربهم كلهم بل حارب البعض وترك البعض، وهذا كله وغيره يثبت أن الكفر وحده ليس مدعاة للحرب، بل والعداوة ليست موجبة للحرب على الفور.
ولوقلت له إن على تنظيم الدولة أو جبهة النصرة أو غيرهما كفالة الأمن الدولي والاقليمي للرعية التي يحكمونها تجده يقول لك هذه هي امكاناتهم فماذا يفعلون؟؟

فلو رددت عليه بمفهوم الردع أو التوازن أو غيره تجده لا يدرك كنه ولا جوهر هذه المفاهيم.

فهذا الصنف لم يدرس لا فقه السياسة الشرعية ولا الاستراتيجيات العسكرية ولا الاستراتيجية الشاملة ولا الأمن الدولي والاقليمي ولا السياسة الدولية فكيف تناقشه في قضايا مرتبطة بكل هذا الذي لم يدرسه، وهو يرفع في وجهك شعارات الجهاد في سبيل الله والبذل والفداء والفوز في الاخرة..الخ.
الصنف الثاني هم الرؤوس وقد درسوا الفقه وحفظوه، ولكنهم لم يحصلوا ملكة الفقه، فهم ظاهريون مع ما حفظوه من كلام ابن تيمية، و لايمكنهم الابداع الفقهي مثل ابن تيمية ابداعا يتفاعل بشكل صحيح مع المشكلات الحالية، وبعضهم درس استراتيجية وأمن وحفظ الكثير عنهما، ولكنه هو ليس استراتيجيا فهو يحفظ ويردد ولا يمكنه ابداع رؤى جديدة تحل المشكلات الحالية الصعبة، ولذلك تجدهم لا يجيدون الاستراتيجية الشاملة لحاجتها لفهم عميق وابداع وطرح تطبيقات، ولذلك فرغم رفعهم مراجع مهمة على شبكة النت وترويجها بين أتباعهم تجدها كلها في الاستراتيجيات العسكرية والتكتيك والأمن الداخلي، لاتكاد تجد منها مراجع في الاستراتيجية الشاملة ولا الأمن الدولي والاقليمي والعام والسياسة الدولية، لذلك فاستراتيجياتهم القليلة التي أطلقوها (مثل ما أطلقه أبو مصعب السوري أو صاحب كتاب التوحش) هي ثوب مملوء بالخروق و يكشف أكثر ما يستر. 
ومن هنا فالنقاش الفكري والكتابة لمثل هذا الجمهور هو امر بالغ الصعوبة.
وربما ضربت الأمثال الأخيرة من التيار الجهادي لأنهم الأكثر نقاشا ولكن نفس الصنفين موجودين لدى تيار الاخوان ومن لف لفهم الا أنهم أضعف من الجهاديين في شئون الأمن والاستراتيجية باستثناء حركة حماس.
أعرف التعليق الجاهز “وايه الحل هو أنت لا يعجبك أحدا”، وردي “نعم لا يعجبني أحد، لسبب بسيط زهو أن حالنا لا يمكن أن يعجب أحدا”، وأريد أن أهز عقول الناس وأفكارهم لتعصف أذهانهم بأفكار جديدة و يخلقوا طريقا ثالثا غير الطريقين المطروحين الآن.

 
 

المسلمون حول الكعبة المشرفة

أبواب مهجورة من العمل في سبيل الله

يتساءل كثيرون -وهم محقون- ماذا نفعل عمليا الآن؟

وإجابة هذا السؤال تفتح الباب للكلام عن أبواب مهجورة من العمل في سبيل الله أو العمل الاسلامي، لأنه في الواقع فإن كل مسلم اليوم هو على ثغر من ثغور الأمة هو مسئول عنه، علم ذلك من علمه وجهله من جهله، ويتحدد هذا الثغر بحسب الطبيعة الشخصية لكل مسلم أو مسلمة وطبيعة الفرص والامكانات المتاحة له، فمن كان محبا للعلم ولديه التكوين الشخصي الذي يؤهله لذلك فهو على ثغر العلم، ويجب عليه ان يتولاه، وصار هذا فرض عين عليه بحسب التفصيل الذي سنذكره بالسطور التالية.

الأمة الاسلامية الآن منكوبة في العلم بكل فروعه الشرعي والدنيوي، فمن لديه ميل لأي من فروع العلم الشرعي فعليه المبادرة بالطلب حتى يصل لأعلى المراتب فيه، وإن كانت فروع الفقه والعقيدة والتفسير أكثر إلحاحا بجانب تحصيل أدوات كل منها من علوم الآلة، وكذلك نحن محتاجون لعلماء نابغين في كل العلوم الدنيوية الاجتماعية منها والطبيعية.

العلوم الطبيعية

ففي العلوم الطبيعية نقلت أوروبا تقدمنا العلمي في العصور الوسطى، وطورت فيه وبنت عليه ثم تكتمت على الكثير من جوانبه الهامة، خاصة الجوانب الاكثر حداثة منه ودقة فجعلتها سرا تحرم منه منافسيها وتحرم منه بشكل صارم ابناء الدول الاسلامية والعربية، وفي نفس الوقت يقوم عملاؤها من حكام العالم الاسلامي بتجهيل المسلمين والسعي لتجريف البيئة التعليمية وعرقلة عمليات البحث العلمي كي لا نتمكن من التطور ولا اللحاق بمعارف الغرب في العلوم والتكنولوجيا، ومن ثم نتخلف في الصناعة والزراعة ويزداد اقتصادنا تدهورا ونظل رهينة لهيمنة أوروبا وأمريكا على العالم، ومن هنا فكل مسلم أو مسلمة قادر على الترقي والتقدم والنبوغ في أي من فروع العلوم الطبيعية عليه فعل هذا لكسر جزء من هذا الاحتكار العلمي والتكنولوجي والصناعي الغربي، وهو فرض عين عليه ان يركز في مجاله ليبلغ فيه منتهاه.

العلوم الاجتماعية والانسانية

اما العلوم الاجتماعية والانسانية فلدينا فيها أيضا عجز لعدة أسباب، ومن أبرز أسباب العجز أن الغرب سبقنا فيها وصبغها بعقائده ومنطلقاته الفكرية وهذه العلوم بطبيعتها تتأثر بالعقيدة والمنطلقات الفكرية والبيئة التي تنشأ فيها، وعندما نقلها العرب والمسلمون عن أوروبا وأمريكا نقلوها كما هي دون أن يحذفوا منها مؤثرات بيئة وعقيدة من طوروها، لأن كثيرا منها ابتكره المسلمون أولا كعلوم الاجتماع والاقتصاد والنفس والتربية ثم أخذتها أوروبا وطورتها، فصارت مبنية على نسق مخالف في بعض جوانبه عن عقيدة ورؤية الاسلام بقضايا هذا العلم أو ذاك، كما أن من أسباب العجز والخلل لدينا في هذه العلوم أن وضعها الاساسي هو للاستفادة في التطبيق العملي، وذلك في عمليات تطوير الواقع المعاش إلا أن أكثر من نقلها في بلادنا ساقوها مساق الترف الفكري والتشدق بالمصطلحات وركزوا على النقل والترجمة أكثر من الابداع والتطوير فيها، كما كرسوا نسبها الأوروبي والأمريكي بدلا من مفاعلتها مع واقع بيئتنا العربية والاسلامية لتستفيد منها بيئتنا وتتطور بها، ولتستفيد هذه العلوم من هذا التفاعل فتتوطن بأرضنا وفقا لخصوصياتنا الدينية والحضارية والثقافية وطبيعة مشاكلنا، وهذه الأمور تفاقم من عجزنا في العلوم الاجتماعية والسياسية وتجعل فرض كفاية على الجميع سد أوجه العجز هذه، وتجعل الأمر فرض عين على من كانت ظروفه وميوله وامكاناته تتيح له التخصص بأحد هذه العلوم والبلوغ فيها مبلغ العلماء الراسخين في أحدها.

ثغور الأمة الاسلامية

وسواء تخصص المسلم أو المسلمة في فرع من فروع العلم الشرعي أو الطبيعي أوالاجتماعي والانساني فليعلم أنه بذلك على ثغر من ثغور الأمة الاسلامية، فهو يعمل في سبيل الله، وينطبق عليه المقولة التي رددها كثير من السلف من أن مداد العلماء يساوي دماء الشهداء لأن من القواعد الفقهية المتفق عليها أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولن يتم واجب إعزاز المسلمين وحماية بيضة الإسلام إلا بالقدرة، والقدرة لن تكون إلا بهذه العلوم بجانب ما سنذكره في السطور التالية.

طبعا من الوارد أن مسلم أو مسلمة تكون طبيعته النفسية وتكوينه العقلي لا يميل أو لا يتوافق مع طلب العلم المتخصص والاشتغال بالبحث العلمي الذي ذكرناه، وهذه النوعية من المسلمين والمسلمات سيلقى على عاتقها واجب آخر تجاه أمتها وستكون مسئولة عن ثغر آخر من ثغور الأمة الإسلامية وعليها ألا يؤتى المسلمون من قبلها وهذا الثغر هو ثغر المال، فكما كل مجد وقدرة وقوة تحتاج علما شرعيا وطبيعيا واجتماعيا فإن كل مجد وقدرة وقوة تحتاج مالا أيضا، فمن لم يجد نفسه في العلم فعليه أن يحاول أن يسد ثغر المال بأن يجتهد في العمل الدنيوي الحلال ويحاول أن ينتهز كل ما يتاح له من فرص للثراء الحلال ليستخدم هذا الثراء لرفعة ومجد الاسلام والمسلمين، وينبغي أن تكون هذه نيته وعزيمته وديدنه وليكن قدوته في البذل والعطاء الصحابة الكرام خاصة الاثرياء منهم كعبد الرحمن بن عوف الذي خرج من ماله كله لله عدة مرات (أي تصدق بثروته كلها دفعة واحدة عدة مرات) ومثل عثمان بن عفان الذي جهز جيش العسرة، وينبغي أن يدرس سلوكيات أهل الثراء المعاصرين الذين وظفوا ثراءهم لخدمة قضايا كبرى (بغض النظر عن موقفنا منهم) مثل ال روتشيلد الذين كان لهم دور محوري ورئيس في تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ودعمه بل مازالوا يدعمونه حتى الآن، وكذلك روبرت مردوخ الذي سيطر بالمال على جزء مهم من اعلام استراليا ثم تمدد الى اعلام الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها، ومن المهم أن نعي أن كثيرا من أثرياء المسلمين ينفقون عشرات او ربما مئات الملايين شهريا فيما يعتبرونه أبواب بر وخير كل شهر، ولكن هذه النفقات كثير منها يذهب الى المكان او الهدف الخطأ لأسباب كثيرة يطول شرحها وليس موضعها هنا الآن، ولكن لنعلم أن الصواب هو إدارك ودراسة تجارب الصحابة رضوان الله عليهم وعلماء السلف في النفقة والتجارب المعاصرة لتوظيف المال لتحقيق الأهداف الكبرى، وعلى من وظف نفسه لثغر المال أن يعلم أنه إن كان لم يتمكن من التفرغ للعلم والدعوة فعليه مساعدة العلماء وطلبة العلم والعلماء والجامعات ومراكز البحث العلمي ومراكز التعليم والدعاة والعمل الدعوى والإعلامي، فهو سيقوم بنفس ما يقوم به العلماء او الباحثون أو الدعاة ولكن بواسطة المال، كما ان توطين التكنولوجيا المتقدمة والصناعات والزراعات المتقدمة بافئدة وبلاد المسلمين ليس عمل العلماء والباحثين فقط لكنه عمل مالي أيضا.

يبقى أمر آخر وهو ما إذا كان المسلم أو المسلمة لا يمكنه أن يكون عالما ولا باحثا ولا متعلما ولا معلما ولا ثريا فماذا يفعل؟

فهذا النوع من المسلمين والمسلمات عليه عدة واجبات أخرى مهمة لعل أبرزها ما يلي:

-أن يبلغ ما يعرفه من الخير للآخرين فكما ورد بالحديث النبوي الصحيح (رب مبلغ اوعى من سامع ورب حامل فقه لمن هو أفقه منه).

-أن يبذل ما في وسعه لمساعدة ومساندة كل الفئات الني ذكرناها في السطور السابقة.

-أن يربي أولاده وأسرته على الإسلام والخلق القويم والمفاهيم الصحيحة قدر ما يستطيع فلعل يخرج منهم من يكون من الفئات السابقة (علماء، معلمون ، باحثون، دعاة، أصحاب أموال ينفقونها في سبيل الله).

-أن يجتهد في الدعاء للأمة ففي الحديث الصحيح (إنما تنصرون بضعفائكم).

مراكز التفكير والبحوث

من يفكر للحركات الإسلامية ؟ و أين مراكز بحوثها السياسية ؟

كلنا يعلم من يفكر ويضع الدراسات لمخططى القوى الكبرى المتشابكة فى منطقتنا العربية مثل دول الاتحاد الأوروبى والناتو والولايات المتحدة وإيران وتركيا، فكل هذه الدول لها مراكز أبحاثها الحكومية وغير الحكومية، التى تفكر لها وتضع لها الدراسات، فهى بمثابة بيوت خبرة سياسية واستراتيجية  “think tank” ، فأين مراكز البحوث التى تفكر للقوى الرئيسية المتبنية لمشروع الإحياء الإسلامى، ومن يضع لها الدراسات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية وغيرها، كى يستنير بها المخططون؟

يوجد على الساحة الآن، القوى التالية:
“تنظيم الدولة”
“شبكة تنظيمات القاعدة” 
“الإخوان المسلمون” 
“منظمات الجهاد المحلى”
“السلفية الحركية”

وكلها تعلن أنها تسعى لتحقيق عملية الإحياء الإسلامى، وكلها تخوض الصراع الساخن الدائر على أشده فى أفغانستان وباكستان وإيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وكل الدول العربية فى إفريقيا تقريبًا، بالإضافة إلى مالى ونيجيريا وأثيوبيا وغيرها، فما المراكز البحثية المتفرغة للبحث والدراسة والتفكير ليل نهار لقادة هذه القوى كلها، أو بعضها؟

لا يوجد “تقريبًا”..

هناك حفنة صغيرة جدًا من مراكز البحوث الإسلامية ولكنها مع قلتها الشديدة فهى تتسم بعدد من الخصائص السلبية جدًا وأهمها أمرين: 

الأول- هناك حركة إسلامية مشهورة لها عدد من مراكز الأبحاث ــ رغم قلتها البالغة بالنسبة لحجم وأهمية الجماعة ــ إلا أنها أكثر المراكز البحثية الإسلامية العربية، لكن مراكزها البحثية تضعفها الآفة المشهورة، التى تضرب كافة مؤسسات هذه الحركة فى كل زمان ومكان، وهى أن جوهر وظيفة أى منها ليس هو تحقيق أهدافها المعلنة وإنما هدفها إتاحة فرصة عمل لأعضاء الجماعة وأحيانًا قلة من أصدقاء الجماعة المقربين ممن أعلنوا تخصصهم أو امتهانهم لهذا العمل، (الذى هو مجال معلن لعمل المؤسسة) ولا يهمهم مدى كفاءة الأشخاص هؤلاء ولا قدرتهم على تحقيق أهداف المؤسسة المعلنة..

الشىء المهم الوحيد هو الولاء للجماعة..

وهذا الأمر يفشل دائمًا مؤسسات هذه الحركة الإسلامية فلا تكاد تحقق أى من مؤسساتها أهدافها المعلنة، وإن نجحت فى الهدف غير المعلن وهو تشغيل أعضاء الجماعة، ولذلك فإن الجو العام حول هذه الجماعة يوحى بأن لديها مؤسسات متخصصة فى البحوث السياسية والاجتماعية و الإعلام والإدارة.. إلخ، وبالتالى تملك كوادر متخصصة فى معظم المجالات إلا أنهم فى حقيقة الأمر كوادر ضعيفة فى تخصصها حسبما أثبت الواقع عند اختبار المشكلات لهم فى أكثر من بلد عربى.
 وهناك عدد أقل من مراكز البحوث تتبع جماعات إسلامية أخرى أصغر وهذه قد تعد على أصابع اليد وبها نفس الآفة السابقة، فضلًا عن ضعفها وصغرها.
الأمر الثاني- هناك مراكز بحوث أقل من كل السابق لا تتبع جماعة ما ولكنها رهينة الأشخاص الذين يمولونها فلا يبحثون إلا من يريد الممول أن يبحثوه، فأبحاثهم لا تستجيب لمشكلات واقع العمل الإسلامى ومتطلباته وإنما تستجيب لرغبات المموليين، والذين غالبًا ما تكون رغباتهم غير مهمة للعمل الإسلامى والتحديات التى تواجهه.
 ربما الحل هو تكوين وقفية إسلامية لمركز بحثى كهذا بحيث لا يرتهن للممولين ولكن تبقى مشكلة أن يديره من يسند الأعمال فيه لذوى الكفاءة وليس ذوى الولاء التنظيمى أو الحزبى، وهذه مشكلة لا أعرف ما الحل لها، رغم أن تكوين الوقفية نفسها وإدارتها هو أمر تكتنفه العديد من الصعوبات. 
والعجيب أن أوروبا وأمريكا أخذوا نظام الوقف من الدين الإسلامى والحضارة الإسلامية، و يطبقونه الآن، أفضل من حالنا المعاصر.

اعتصام رابعة - صورة ارشيفية

حسابات الحركات الإسلامية في الاستراتيجية و التكتيك

يقول موريس دوفرجيه “في الصراع السياسي كما في جميع أنواع الصراع المعقدة يعمل كل امرئ وفقا لخطة تصورها من قبل و أنضجها كثيرا أو قليلا و لم يحسب فيها حساب هجماته و حدها ، بل حسب فيها أيضا حساب ردود العدو و وسائل مواجهة هذه الردود.
فهذه الخطة في القتال هي ما يسمى بالاستراتيجية، و مختلف العناصر التي تتألف منها الاستراتيجية (هجمات على العدو و أجوبة على ردوده) هي ما يسمى بالتكتيك”أ.هـ. من:  موريس دوفرجيه، المدخل الى علم السياسة ص 192.
نقلت هذا الاقتباس بنصه من أجل جملة محورية مهمة و هي ” بل حسب فيها أيضا حساب ردود العدو و وسائل مواجهة هذه الردود”، لأن هذا الأمر من أبرز نقاط الضعف لدى مخططي الحركة الاسلامية السنية في العالم كله و من أهم أمثلة ذلك أن جميع الحركات الاسلامية (بما فيها الاخوان المسلمون منذ الشيخ حسن البنا نفسه) منذ نشأتها و حتى الآن لم يحسبوا ردود فعل القوى العالمية و المحلية المعادية لهم، و في الحالات المحدودة التي حسبوا فيها جانب من رد الفعل المضاد فقدروا له من الرد ما يساوي ردا واحدا (خطوة واحدة)، و لم يتحسبوا للرد المعادي التالي لردهم على خطوة العدو الأولى.

و لنضرب مثالا من حادث قريب و هو تحسب الإخوان المسلمين في مصر من الانقلاب على محمد مرسي، فأولا جاء ردهم متأخرا، و ثانيا أعدوا لرد واحد وهو الاعتصام و التظاهر في ميداني رابعة و النهضة، و لم يتحسبوا لما بعد هذه الاعتصامات و المظاهرات.

و لنضرب مثالا آخر من اتجاه آخر و هو منظمة القاعدة عندما ضربت سفارتي أمريكا في كينيا و تنزانيا كانت أعدت خططا و تجهيزات، لضرب 120 هدفا أمريكيا حول العالم معظمها أهداف عسكرية، و لكن أميركا اعتقلت قياديا بالقاعدة بعد العمليتين بشهر و معه لاب توب به تفاصيل هذه الخطط فأحبطتها كلها، كما اعتقلت عددا كبيرا من قادة القاعدة حول العالم فأحبطت أعمالها منذئذ وحتى 2001.

فكأن المخططين الاسلاميين يفكرون كما أن الذي يعاديهم سيتلقى الضربة ثم يضع يده على خده منتظرا تحقيق هؤلاء الإسلاميين لمزيد من الخطوات و هو ساكن بلا فعل.
الوحيد الذي رأيته أشار لجانب واحد ما من هذا الأمر من بعيد هو الأستاذ فتحي يكن رحمه الله، عندما تكلم عن ظاهرة أسماها “التكامل و التآكل”، حيث أكد أنه من الملاحظ أن الحركة الاسلامية كلما اقتربت من الاكتمال من حيث بناءها و اعدادها لتحقيق هدفها فإنها تواجه هجوما من أعدائها يقضي عليها لفترة ما، بما يفرض عليها العودة من نقطة البداية من جديد عندما تتاح لها الفرصة للعمل ثانية.
و اكتفى الأستاذ يكن بهذا و لم يحلل و يبحث عن سبب هذا الأمر، فضلا عن أن يحدد علاجا أو حلا لهذه المشكلة التي تمنع الحركة اللإسلامية من تحقيق هدفها طوال قرن من الزمان و حتى الآن.
و أرجو التركيز هنا على أصل الموضوع و هو التخطيط الصحيح، بما يشمل ردود أفعال الخصوم و الرد على ردودهم بمائة خطوة للامام متسلسلة من الأفعال و ردود الأفعال المتبادلة.