القمة العربية صورة أرشيفية

القمة العربية بالدوحة.. مصر من «الدولة الزعيمة» إلي «الدولة المقموصة»

تابع الجميع مؤتمر القمة العربية في الدوحة، ومحاولات قادة العرب قبل وأثناء القمة في مجال لم الشمل وإعادة الاعتبار للتضامن العربي المفقود وللجامعة العربية المأسوف عليها، فعلا لقد سعي حكام الدول العربية لذلك لسبب أو لآخر.

وفي هذا الوقت العصيب الذي تتعلق فيه قلوب الشعوب العربية بهذه المحاولات كما يتعلق الغريق بقشة، سارع العديد من القادة العرب للقيام بدور ما لإنقاذ ما تبقي من آمال بشأن الجامعة العربية أو علي الأقل لصناعة دور لبلادهم علي الساحة العربية،

وبينما سعت دولة صغيرة كقطر للعب دور كبير في المنطقة فقد اضطلعت دولة كبيرة كالسعودية بإنجاح قدر ما من المصالحة العربية فبدأت بنفسها فصالحت بشار الأسد ـ رئيس سورياـ ودعاه ملك السعودية لزيارة الرياض قبل القمة لتدشين هذه المصالحة، كما تمت مصالحة مماثلة بين الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز والزعيم الليبي معمر القذافي في الدوحة لدرجة أن تعانقا وطلب القذافي من العاهل السعودي نسيان الماضي ودعاه لزيارة ليبيا.

حضرت السعودية وتصالحت مع سوريا رغم أن كلا منهما يمثل رأسا لمحور مناوئ للآخر، فسوريا رأس محور الممانعة والتشدد العربي بينما السعودية هي رأس محور الاعتدال العربي مع مصر والأردن وغيرهما.

وحضرت السعودية وتصالحت مع القذافي الذي كان متهما بتحريك مؤامرة لاغتيال العاهل السعودي نفسه.

ورتبت وحضرت قطر لذلك كله لتحقق لنفسها دورا سياسيا عربيا رائدا، بعدما حققت لنفسها دورا إعلاميا عربيا بارزا عبر قناة الجزيرة، قطر فعلت هذا وهي الدولة العربية صغيرة المساحة قليلة السكان حديثة التاريخ.

لكن في خضم كل محاولات القادة العرب لرأب الصدع العربي المتفاقم غابت مصر ولم يشاهد أحد لها دوراً لا كبيراً ولا صغيراً، مصر زعيمة الوطن العربي (سابقا) غابت عن قمة الدوحة وهي التي كانت قد أسست فكرة القمم العربية قديما وفكرة دورية هذه القمم حديثا، وليس هذا هو الأمر الغريب الوحيد بشأن غياب مصر بل هناك ما هو أغرب منه وهو سبب هذا الغياب الغريب.. الرسميون المصريون صرحوا بأن غياب مصر جاء بسبب قناة الجزيرة الفضائية القطرية، وأخبار أخري تشير إلي أن الغيرة والعناد المصريين إزاء قطر ليسا بسبب فضائية الجزيرة فقط بل بسبب الأدوار التي تسعي قطر للعبها في الساحة الفلسطينية خاصة بشأن ملف الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، وكذلك الأدوار التي تلعبها في الساحة السودانية بشأن ملف دارفور.

ما ذكرته المصادر الحكومية التي أشارت لدور الجزيرة في توتر العلاقات مع دولة قطر أيده بقدر ما الاتهام الذي وجهته قناة الجزيرة- يوم الاثنين الماضي- من أن إدارة النايل سات 101 شوشت علي بث القناة لوقائع القمة العربية بالدوحة مما أدي لانقطاع الإرسال نحو عشر مرات، ورغم نفي إدارة النايل سات لذلك (نفت التهمة في التشويش لكن التشويش كان واقعاً أمام الجميع) فإن غضب مصر الرسمية من قناة الجزيرة لا يخفي علي أحد وكذلك غضبها من الدور المتنامي والمتزايد لدولة قطر في الساحة السياسية العربية.

والنتيجة النهائية للتوتر المصري الرسمي من مواقف قناة الجزيرة ودور دولة قطر هو غياب مصر عن قمة المصالحات العربية، وهكذا لم تعد المسألة علي ساحة الخلافات العربية هي بين محور التشدد والممانعة من ناحية ومحور الاعتدال من ناحية أخري بل صار الجو العام متصالحاً ولو شكلا علي الأقل مع بروز أدوار سياسية متنامية للعديد من الدول العربية علي مسرح المنطقة العربية والشرق أوسطية ككل، بينما مصر تقاطع القمم والاجتماعات والفعاليات العربية، و تقف منفردة غاضبة بجانب الحائط محاولة إثارة المشاكل لتثبت وجودها الذي هو غير موجود أصلا، فمصر كانت توالي وتعادي كبري الدول العربية (كالعراق والسعودية) في الماضي من أجل قضايا ومواقف سياسية كبري هي اليوم تغضب من قناة فضائية (الجزيرة) وتعادي دولة صغيرة كقطر لأنها حاولت أن تحل جانبا من المشاكل العربية التي تخلت مصر عن حلها، فتحولت مصر من «الدولة الزعيمة» إلي «الدولة المقموصة».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر بالعدد الأسبوعي لجريدة الدستور.

الشهيد الأستاذ سيد قطب

الرحلة إلى أمريكا من سيد قطب إلى جمال مبارك

لعبت الرحلة إلى الولايات المتحدة دورا مهما في واقعنا المعاصر فهي كانت مصدرا للالهام الاسلامي بعد رحلة سيد قطب و صافيناز كاظم إليها و هي مجال لممارسة الحرية الشخصية في اوسع صورها في رحلة الملكة نازلي إليها و هي نموذج للحرية السياسية في رحلة مصطفى أمين بينما كانت لهيكل و السادات البرزاني وغيرهم قوة سياسية لابد من الاهتمام بها و الاستفادة منها و انتهاءا برحلات جمال ابن الرئيس مبارك و التي كانت آخرها هذا الشهر تمهيدا ربما لرحلة أبيه الرئيس مبارك في الشهر القادم, لكن مصير كل من ارتحل لأمريكا اختلف عن البداية التي بدأ بها فسيد قطب أعدم و نازلي فقدت ابنتها مقتولة و مصطفى أمين سجن بتهمة التجسس لأمريكا و السادات أغتيل و البرزاني مات بالسرطان.

لعنة أمريكا

فهل هذه لعنة أمريكا على كل من ارتحل إليها؟

في هذا التقرير نستعرض الرحلة إلى أمريكا و آثارها المختلفة بالنسبة لعدد من المشاهير.

سيد قطب

أرسلت وزارة المعارف (التعليم حاليا) سيد قطب في بعثة لمدة عشرين شهرا إلى الولايات المتحدة في نهاية أربعينيات القرن الماضي, واختلف الكثيرون حول سبب هذه البعثة فرأى البعض أن البعثة كانت مجرد عطف من وزير المعارف حينذاك اسماعيل القباني على سيد قطب و تقديرا من الوزير لمواهب الرجل بينما رأى شقيقه محمد قطب أن الغرض من البعثة كان إبعاد سيد قطب عن مصر بإعتباره كان يمثل إزعاجا للسراي و الأغنياء المسيطرين على البلاد في ذلك الوقت وكانوا قد سحبوا رخصة مجلته “الفكر الجديد” أولاً، ثم أقفلوا في وجهه كل وسائل النشر.

و يرى آخرون أن أمريكا كانت تعدُّ نفسها لوراثة انجلترا في مستعمرات ما وراء البحار، ولذلك كانت تسعى لتجنيد مجموعة من قادة الفكر و السياسة ليكونوا جنوداً لها يمهدون لاستعمارها, واختاروا سيد قطب ليكون أحد هؤلاء العملاء و رجح كثيرون وجود أهداف خفية في ابتعاث سيد قطب إلى أمريكا و قالوا ان سيد كان واعيا بها, ومما يدل على ذلك ما رواه الأستاذ أحمد عبد المجيد، صاحب كتاب (الإخوان وعبد الناصر) الذي ذكرأ ن سيد قطب حدثه شخصيا، أنه كتب لرجال ثورة يوليو 1952م، مذكرة مطولة، وقدمها لهم، عن موقف المخابرات الإنجليزية والأمريكية معه أثناء رحلته لأمريكا.

و بعد عودة سيد قطب لمصر سجل مشاهداته و آراءه بشأن الولايات المتحدة في كتاب صغير سماه “أمريكا التي رأيت” وكان سيد قطب أمينا عندما سماه بهذا الاسم المحايد, و قد سجل فيه مشاهدات رحلته إلى أمريكا، و عبر هذا الكتاب عن نقلة مهمة في حياة سيد قطب, هذه النقلة سببتها رحلة امريكا، كان إتجاه سيد قطب للفكر الاسلامي قد بدأ قبل سفره لأمريكا، عندما كتب كتاب “العدالة الاجتماعية في الاسلام” الذي كتبه قبل رحلته لأمريكا بشهور قليلة، لكن رحلة أمريكا عمقت فيه الاتجاه و القناعة الاسلامية.

لقد عايش سيد قطب الواقع الإجتماعي الأمريكي، وكانت ملاحظاته شاملة لأشياء كثيرة. ومن تلك الملاحظات والتحليلات انتهى سيد قطب إلى أحكام نقدية متنوعة, و الصق صفة البدائية بالذوق الفني والإنساني لدى عامة الأمريكيين، تلك الصفة التي لا يتردد كثير من الأمريكيين في إلصاقها بالشعوب الأخرى لاسيما الشعوب الإسلامية. لكنه ذكر أن لأمريكا قيمة حقيقية، يمكن أن تنتفع به الشعوب الأخرى قائلاً إن البشرية تملك أن تستفيد كثيراً من إبداع العبقرية الأمريكية في مجالات الصناعة والإنتاج والإدارة، ولكنها تخطئ كثيراً، وتعرِّض قيمها الإنسانية الموروثة للضياع إذا ما جعلت من المثل العليا الأمريكية مثلها العليا في الشعور والسلوك.

هذا هو الإنطباع العام الذي خرج به سيد قطب من أمريكا، وقاده لمزيد من الإيمان بالقيم الإسلامية، وللبحث عن قيادة جديدة للبشرية، أرادها أن تخرج من العالم الاسلامي.و لم يقتصر أثر رحلة سيد قطب إلى أمريكا على هذا بل تطور هذا الأثر ليظهر في كتاباته التي بدأت تخرج من مرحلتيها الأدبية والتقليدية لتكتسي بالمزيد من الثورية مرورا بكتابه “معركة الاسلام و الرأسمالية” و انتهاء بـ “معالم في الطريق” الذي يعتبر التطور الفكري الأخير عنده و الذي ربما أعدم بسببه.

و في “معالم في الطريق” يقول سيد قطب: “إن قيادة الرجل الغربي للبشرية أوشكت على الزوال.. لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديا أو ضعفت من ناحية القوة الإقتصادية والعسكرية.. ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيدا من القيم يسمح له بالقيادة.. لابد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية، عن طريق العبقرية الأوروبية في الإبداع المادي، وتزود البشرية بقيم جديدة جدة كاملة بالقياس إلى ما عرفته البشرية، وبمنهج أصيل إيجابي في الوقت ذاته. والإسلام وحده يملك تلك القيم وهذا المنهج”.

ولا شك أن هذا الكلام كان حصادا من خبرة رحلته الأمريكية.

الملكة نازلي

أما الملكة نازلي فقد كانت الزوجة الثانية للملك فؤاد، و فور موت الملك فؤاد سلكت نازلي سلوكا يتجاوز كل التقاليد الملكية والشعبيية.

وفي أول رحلة مع ابنها إلي أوروبا ألقي عليها أحمد حسنين باشا شباكه ويذكر أحد رجال فاروق في مذكراته: إن قدميه ساقتاه إلي سطح السفينة فإذا به يفاجأ بحسنين ونازلي في حالة استرخاء لا يكون إلا بين العشاق.

لم تدرك الملكة الأم مسئوليتها في حماية العرش وفتحت الباب أمام شهواتها لتنطلق بلا ضوابط ولا قيود.. كانت لا تتردد في القول بأنها عاشقة محرومة وأنها في حاجة إلي الحب.

وعندما ضيق فاروق على شهواتها في مصر سافرت إلي الولايات المتحدة..

وهناك سألها مصطفي أمين: ” متي تعودين إلي القاهرة؟ ” فأجابت:” عندما يعود فاروق إلي عقله “..

ويروي مصطفي امين أنه كان علي رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي السفر إلي نيويورك لعرض مشكلة مصر علي مجلس الأمن وسأله الملك فاروق: ” هل أنت مستعد لهذه المهمة الصعبة؟ فأجاب: ” كل شيء تمام وأنا مستعد لأي مفاجأة ولكن هناك شيئا واحدا غير مستعد له هو وجود والدتك الملكة في أمريكا لإنني أخشي أن تفعل فصلا باردا بينما أعرض قضية مصر هناك “، و عندما تساءل فاروق عما يمكن أن تفعل, قال النقراشي: ” أخشي أن تذهب إلي كباريه وترقص أو تدلي بتصريح أو تقول عبارة لا تتفق مع جلال الموقف الذي نحن فيه “، فطلب منه الملك أن يعيد أمه إلي مصر، ولكن النقراشي عبر عن عدم قدرته على ذلك.

و في سنواتها الأخيرة تركت الملكة نازلي الإسلام واعتنقت الكاثوليكية.. وقد أثرت علي ابنتيها اللتين عاشتا معها في أمريكا (فايزة وفتحية) فتحولتا هما أيضا عن الإسلام.. وفتحية بالذات ماتت مقتولة, قتلها رياض غالي, ثم أطلق الرصاص علي نفسه فانتحر، و رياض غالي هذا كانت سيطرته قد وصلت علي نازلي إلي حد أنها قالت: ” إنها إذا أرادت أن تختار بين صداقتها لرياض غالي وأمومتها لفاروق فإنها ستختار صداقة رياض غالي.”

فهل كانت رحلة ملكة مصر السابقة لأمريكا مجرد وسيلة لمغامراتها الرعناء أم كانت هذه الرحلة سببا لهذه المغامرات؟

مصطفى امين

رفض والد مصطفى أمين أن يدرس مصطفى الصحافة في مصر، فسافر مصطفى إلى الولايات المتحدة لدراسة العلوم السياسية في عام 1935، وظل هناك حتى عام 1938 حيث حصل على الماجستير و طوال سنوات رحلة مصطفى امين الأمريكية لم ينقطع عن الصحافة في مصر، فقد ظل يراسل جريدة “المصري” ومجلة “آخر ساعة”.

و يقول مصطفى امين عن أثر رحلته الأمريكية: كان أكثر ما انبهرت به في أمريكا هو الحرية.. فكرة الحرية.. وكيف يستطيع أي إنسان أن يقول رأيه في كل شيء وأي شيء حتى في رئيس الجمهورية، فإنه يستطيع أن يهاجم رئيس الجمهورية من دون أن يسجن. كنت بالضبط كالذي جاء في بلد يبحث عن نسمة.. نسمة صغيرة من الحرية فإذا بي أعيش في بلد يتنفس الحرية.

و يستمر مصطفى أمين في ذكر أثر رحلته لأمريكا فيقول: لعل أكبر الدروس التي استفدت منها صحفيًا هو أنني تعلمت أن الصحافة المستقلة تنجح أكثر من أية صحافة.. وأن ولاءها الوحيد يجب أن يكون لوجهة النظر المستقلة فقط.

و لكن حرية الصحافة ليست كل ما أخذه مصطفى أمين من رحلته لأمريكا فقد توثقت علاقات مصطفى امين بأمريكيين بعضهم دبلوماسيين و بعضهم غير ذلك، مما تسبب في اتهامه من قبل أجهزة الرئيس جمال عبد الناصر بالتجسس لصالح أمريكا، و صدر الحكم عليه بالسجن المؤبد قضى منه 9 سنوات خلف القضبان من عام 1965 إلى عام 1974عندما أفرج عنه السادات بموجب عفو صحي.

محمد حسنين هيكل

الكاتب الصحفي الشهير محمد حسنين زار الولايات المتحدة في شهر أكتوبر عام 1952 وعاد منها فى أواخر شهر يناير عام 1953 ورغم بعد هذه الأحداث إلا أن هيكل يشعر حتى الآن بالدهشة لتركه القاهرة ومسرح الأحداث فيها في ذلك الوقت، كما يذكر هيكل أن هذه الفترة من أجمل ما حدث له فى حياته وقد دار حول الكرة الأرضية بذهابه إلى أمريكا عن طريق أوروبا وعودته إلى القاهرة عن طريق آسيا.

و يسرد هيكل أحداث زيارته الأولى لأمريكا قائلا: لقد كان شاغلى الأساسى هو الانتخابات الأمريكية، حيث أزيحت الحرب العالمية بكل آثارها، وظهر قائد جديد ليتولى صراع مرحلة الحرب الباردة، ذلك هو “أيزنهاور” وقد اتضح للعالم كله أنه يقبل على قيادة من نوع آخر.

ويشير هيكل إلى المهمة الثانية من زيارته لأمريكا وهى الاتصال مع الولايات المتحدة ومساعدة “على صبري” في مهمته بعد أن رأى وليم فاستر وكيل وزارة الدفاع الأمريكية أنه يمكن هناك عقد صفقة سلاح بين مصر وأمريكا، ويضيف هيكل أن الإطلالة المهمة التى نظر بها من خلال زيارته لأمريكا هى نظرة أمريكا للشرق الأوسط خاصة للإدارة الجديدة، حيث بدا واضحا أن أمريكا تقوم برسم سياسة جديدة للشرق الأوسط، ووضح أن الشرق الأوسط أصبح منطقة مفتوحة وأصبح جبهة الدفاع الأمريكية فى المرحلة المقبلة ضد المد الماركسي.

و في هذه الزيارة قابل هيكل العالم الشهير أينشتاين الذي أخبره بأنه يهودي صهيوني و أرسل عبر هيكل رسالة شفهية إلى قادة ثورة يوليو بالتساؤل عما إذا كانت لديهم الرغبة في السلام مع إسرائيل؟

و إن كانت هذه هي زيارة هيكل الأولى لأمريكا فإنها لم تكن الأخيرة، إذ تردد بعدها كثيرا عليها في العديد من المهمات السياسية أو الصحفية.

صافيناز كاظم

بدأت رحلة صافيناز كاظم الفكرية في الخمسينيات منذ أن تخرجت من كلية الآداب قسم الصحافة بجامعة القاهرة واشتغلت بهذه المهنة ولمع نجمها وذاع صيتها.

وحينما وجدت في نفسها حباً للفن العالمي سافرت إلى أمريكا عام 1960م لتدرس الفن والأدب العالمي وعادت عام 1966م ومعها ماجستير في المسرح، ولكنها بدلاً من أن تنحاز للثقافة الغربية عادت لتتجه للفكر الاسلامي.

تقول صافيناز كاظم: حدث لي تطور فكري ونمو في التزامي بالإسلام.. أنني كنت دائماً مسلمة والإسلام ركن أساسي في البيت الذي نشأت فيه، لكن في بداياتي الأولى ولأن التغريب كان شديداً في الخمسينيات والستينيات فكان لابد أن نطلع على الأدب العالمي، ولم يكن هذا خطأ فكان لابد أن نطلع على الأدب العالمـي فنشتاق إلى تراثنا، وهذا التطور لم يأت فجأة، فرحلتي لأمريكا جعلتني أدرك أن تراثهم وجذورهم هي الفكر الإغريقي والحضارة الإغريقية.

وتضيف صافيناز: عندها قلت لنفسي إنني لم آت من هنا، وتساءلت في نفسي: فمن أين أتيت..؟ وهذا دفعني إلى العودة لقراءة تراثي العربي الإسلامي، وأول ما عرفت كان سيد قطب حيث عرفته في أمريكا فقرأت كتابه: “العدالة الاجتماعية في الإسلام” باللغة الإنجليزية.

و تؤكد صافيناز: كان لابد أن أقرأ أدبيات ديني، وشعرت أنني حينما أعود إلى مصر سأبحث عن ذلك.

مصطفى البرزاني

أما مصطفى البرزاني مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد دخل في صراع مسلح من اجل إقامة دولة مستقلة للأكراد في العراق في بدايات القرن العشرين، وخلال قيادته للحركة الكردية تقلب البارزاني في تحالفاته مع أطراف عديدة لدعم حركاته المسلحة.

وبقيت علاقته بإسرائيل من اكثر العلاقات وأوثقها، و يفسر البعض تحالفات البرزاني بأنه عندما فشل في الإعتماد على الاتحاد السوفيتي السابق فقد فكر في البديل وبحث عن طريق يوصله إلى الولايات المتحدة الأميركية، و اقتنع أن الطريق إلى الولايات المتحدة تمر بإسرائيل، و قام البرزاني بعدة زيارات لإسرائيل كان أولها في العام 1968، و بعدها أصبح باب الولايات المتحدة مفتوحا امامه على مصراعيه.

و انتعشت علاقاته بالولايات المتحدة حتى وقع معها اتفاقية عام 1972 و التي تقوم امريكا بموجبها بمساندة حركته إلا أنه في عام 1975 عقد العراق اتفاقية مع إيران أنهت طهران بموجبها دعمها لحركة البرزاني, و قيل ان كيسنجر نفسه الذي وقع الإتفاقية مع مصطفى البرزاني في 1972 قد ساند عقد اتفاقية ايران مع العراق على حساب الأكراد، مما اعتبره الأكراد خذلانا أمريكيا لهم و للبرزاني شخصيا، وانهارت قوات البرزاني وبدأ من جديد رحلة لجوء إلى أميركا قبل أن يموت في 1 مارس 1979 بامريكا بسبب مرض السرطان.

البابا شنودة الثالث

عرض البابا شنودة الثالث زيارة الكنائس القبطية بالولايات المتحدة الأمريكية، فسمح له السادات بذلك, وطلب السادات من سفير مصر فى واشنطن أن يكون مرافقاً للبابا فى اللقاءات المهمة.

وغطت مجلة الكرازة (و هي مجلة الكنيسة القبطية في مصر) أخبار زيارة البابا إلى واشنطن، وكانت عناوين العدد رقم 17 الصادر بتاريخ 29 أبريل 1977 إستقبال حافل لقداسة البابا فى نيويورك – أول بابا للإسكندرية يزور الولايات المتحدة الأمريكية – الصحف الأمريكية تنشر أخبار الزيارة فى صفحاتها الأولى – قداسة البابا يلتقى بالرئيس كارتر فى البيت الأبيض بواشنطن – الرئيس كارتر يتحدث عن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر . و قد حضر سفير مصر فى واشنطن الدكتور أشرف غربال لقاء بابا الأقباط مع الرئيس الأمريكى كارتر، كما حضر اللقاء الأنبا صمؤيل أسقف الخدمات العامة ومسؤل الكنيسة القبطية عن العلاقات العامة الدولية.

وقال كارتر لشنودة : ” إن الرئيس السادات قال له أنه معجب بالبابا شنودة” …. وقال كارتر أيضا : ” أنه سمع أن عدد الأقباط سبعة ملايين ” وتطابقت وجهه نظر البابا مع ما قاله كارتر من أن عدد الأقباط فعلا 7 مليون وليس 2 مليون وثلث كما سجلت إحصائيات الحكومة.

و منذ زيارة بابا الأقباط الأولى لأمريكا تعددت زيارته لها ما بين زيارات عمل بصفته رئيسا لكل الكنائس القبطية في العالم بما في ذلك أقباط الولايات المتحدة، و ما بين زيارت للعلاج، و قد سببت علاقات البابا بأمريكا جدلا كثيرا بسبب النشاط الواسع و الضاغط لأقباط المهجر في الولايات المتحدة، خاصة ضد النظام الحاكم في مصر و قد تسببت تحركاتهم ومظاهراتهم ضد الرئيس السادات عام 1981م أثناء زيارته لأمريكا في توتر العلاقة بين السادات و البابا شنودة، ووصل هذا التوتر إلى عزل السادات شنودة من منصب البابوية و تعيين لجنة تشرف على المنصب، و لم ينتهي هذا الوضع إلا بعد مصرع الرئيس السادات بفترة.

و اتهم العديدون الباب شنودة باستعمال أقباط المهجر خاصة في امريكا كورقة ضغط ضد النظام في مصر بهدف تحقيق مكاسب، و ربما هذا ما دعى الكنيسة للإعلان مؤخرا عن رفضها للمظاهرات التي ينوي الأقباط تنظيمها في امريكا أثناء الزيارة المقبلة للرئيس مبارك الشهر القادم.

أنور السادات

تولى الرئيس السادت الحكم و العلاقات بين مصر و امريكا مقطوعة وسعى عبر قنوات سرية عدة للاستفادة من الولايات المتحدة في حل الصراع العربي الاسرائيلي، و تكللت مساعي السادات هذه بزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لمصر في عام 1974، و بعدها و في نفس العام زار السادات الولايات المتحدة لأول مرة في حكمه، و منذئذ تعددت زيارات السادات لأمريكا حتى صار يزورها كل عام بناء على نصيحة سفيره المخضرم في أمريكا أشرف غربال،و لهذه النصيحة قصة ذكرها أشرف غربال الذي كان مكلفا من السادات باعداد دراسة عن كيفية الاستفادة من العلاقات الأمريكية المصرية، و قد خلص غربال إلى أهمية أن يزور رئيس مصر الولايات المتحدة مرة كل عام يقابل فيها قيادات الكونجرس من الحزبين الديمقراطي و الجمهوري، و الشخصيات البارزة في مراكز البحوث و رجال الاعلام و عدد من كبار رجال الأعمال و قادة جماعات الضغط هناك، كي يحافظ على علاقة قوية بين رئيس مصر و سائر القوى المؤثرة في سياسات الولايات المتحدة.

حسني مبارك

و قد سار الرئيس مبارك على هذه الطريقة في زيارة الولايات المتحدة مرة كل عام بعد توليه الرئاسة و حتى إدارة جورج بوش الابن، الذي ساءت في عهده علاقة الرئيس مبارك بالادارة الأمريكية بدرجة ما و حينئذ أناب مبارك احمد نظيف تارة و عدد من الوزراء و رجال الأعمال تارة اخرى في زيارة الولايات المتحدة، فضلا عن دور نجله جمال في هذه الزيارات، و لكن للرئيس مبارك قصص مع زيارة امريكا أبرزها ما ذكره الدكتور ايمن نور في إحدى مقالاته عن أخر زيارة زارها مبارك لأمريكا في عهد الرئيس السادات، حيث ذكر أن نائب رئيس الجمهورية حسني مبارك عندما زار الولايات المتحدة قبيل حادث المنصة، و قال السادات لأشرف غربال احضر مع مبارك كل مقابلاته في أمريكا و أرسل غربال للسادات انه حضر مع مبارك جميع مقابلاته عدا مقابلته الوحيدة مع مدير الـ “CIA“، و غضب السادات و عبر عن غضبه بشدة لنائبه حسني مبارك لدى عودته من امريكا، لكن لم يلبث السادات أن أغتيل و تولى مبارك الحكم.

و يستعد الرئيس مبارك لزيارة امريكا الشهر القادم كسالف عهده قبل توتر علاقاته الشخصية مع جورج بوش الابن, و قد قيل الكثير عن هذه الاستعدادات من قبيل اطلاق صراح أيمن نور و تصريح بعض قادة الحزب الوطني بامكانية السماح للاخوان بحزب رسمي، و الحديث عن الاصلاحات السياسية و الاقتصادية، لكن ربما أهم ما تم في مجال الاعداد لزيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة كان زيارة نجله جمال لأمريكا هذا الشهر.

جمال مبارك

وقصة رحلة جمال مبارك لأمريكا فيها العديد من جوانب الاثارة، و أول هذه الجوانب هو انه زار أمريكا كثيرا لكن أشهر هذه الزيارت و اكثرها إثارة للجدل زيارته السرية لها في مارس 2006، عندما اكتشفتها مراسلة الجزيرة بالصدفة أثناء وجودها في البيت الأبيض، و في هذه الزيارة قابل جمال مبارك كل من الرئيس بوش نفسه و كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية و آخرين.

و هاجت الدنيا في مصر و ماجت بسبب هذه الزيارة التي ليس لها وصف دستوري باعتبار جمال مبارك لا يحتل أي منصب حكومي، و أيضا بسبب سريتها، و اعتبرها الكثيرون دليلا واضحا على عملية توريث الحكم الذي يجري الاعداد لها على قدم و ساق حسب رأيهم، و قدمت المعارضة في مجلس الشعب استجوبات عدة للحكومة و مع ذلك لم تلق أي اجابة شافية.

و جاءت زيارة جمال مبارك الأخيرة و التي جرت في مارس أيضا لكن عام 2009 لتثير مزيدا من الجدل حول احتمالات نقل الحكم في مصر من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال، و أيضا التساؤلات حول الدور الحقيقي الذي يقوم به جمال مبارك داخل منظومة الحكم في مصر.

و اعتبر كثيرون أن هذه الزيارة تأتي تمهيدا لزيارة الرئيس حسني مبارك و لتسوية عدد من الملفات الساخنة العالقة بين البلدين أو على الأقل تهدئتها، و هنا يرد سؤال مهم و هو ما القدرة أو المكانة التي يتمتع بها جمال مبارك لدى أمريكا كي يقوم بهذا الدور؟؟

و إذا كان الرئيس السادات اعتاد على زيارة أمريكا في أبريل من كل عام و تبعه في هذا التقليد الرئيس مبارك فلماذا زار جمال مبارك امريكا في مارس 2006؟؟ و في مارس 2009؟؟

هل يريد أن يرسي تقليدا جديدا بأن يزور أمريكا في مارس من كل عام قبيل زيارة الرئيس؟؟

و إذا كان هذا معتادا في بعض الأنظمة بأن يقوم نائب الرئيس او رئيس وزرائه بزيارة ممهدة لزيارة الرئيس فهل يشغل جمال مبارك منصب النائب الفعلي للرئيس أو منصب رئيس الوزراء؟؟

لكن أهم سؤال هو: ما النتيجة المتوقعة لرحلة جمال مبارك لأمريكا على حياته السياسية و الفكرية بصفة عامة؟؟ و هذا سؤال لم تظهر اجابته بعد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت في الصفحة الأخيرة من العدد الأسبوعي لجريدة الدستور.

علي خامنئ المرشد الأعلى للثورة الايرانية

الحركة الإسلامية ولعبة الأمم في العالم الإسلامي

تشير المؤشرات الأخيرة حول السياسات الأمريكية الجديدة في العالم الإسلامي وفي قلبه الشرق الأوسط إلى وجود مقبولين في جنة الصياغة الأمريكية الجديدة للعالم الإسلامي، ومنبوذين منها.

أو بلغة أدق، لنقل أن هناك فائزين ربحوا على خلفية الدور الذي قاموا به في مواجهة السياسة الأمريكية في عهد هجمة بوش الابن على العالم الإسلامي، وهناك من تريد الولايات المتحدة ـ بقيادة أوباما ـ أن تستبعدهم من جني ثمار نجاحهم في هذه المواجهة.

إيران وسوريا وحزب الله اللبناني

المدهش في هذا الأمر أن الذين تريد الولايات المتحدة الإقرار بقبولهم هم من خاضوا الصراع مع إدارة بوش بحذر شديد وحسابات دقيقة؛ وهم إيران وسوريا وحزب الله اللبناني، بينما الذين خاضوا الصراع بقوة كبيرة وشجاعة متناهية، وهم حركة طالبان في أفغانستان وباكستان وحلفاؤهما، وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، والمجاهدون في الصومال، والمجاهدون في العراق والشيشان وغيرهما، فلا تنوي الولايات المتحدة أن تعترف بفوزهم حتى الآن ومن ثم عدم قبولهم في الخارطة الجديدة، بل بالعكس فإنها تنوي التحالف مع الفائزين، الذين اعترفت بفوزهم من أجل القضاء على الفائزين الذين لم تعترف لهم بالفوز.

كان الجهد العسكري الحقيقي والتضحيات الأكبر من نصيب الحركات الإسلامية التي لا تريد الولايات المتحدة أن تعترف لها بالنصر، بينما كان الجهد الأساسي لإيران وسوريا وحزب الله هو سياسي وإعلامي بالأساس بجانب دعم مالي و”لوجستي” محدد قدموهما لبعض المنظمات الفلسطينية والعراقية، بينما لم يقدموا لغيرها شيئًا يُذكر.

وهذا معناه أن الولايات المتحدة ما زالت متمسكة بتوجهاتها العدائية تجاه الحركة الإسلامية السُنِّية في العالم الإسلامي، رغم كل الصراع الدموي الذي خاضته وكل الخسائر التي تكبدتها في المنطقة الإسلامية، وهي لا تفعل ذلك من منطلق الثأر لضحاياها مثلًا؛ لأن الأمر لو كان مقتصرًا على هذا الدافع لاعترفت بالحركات الإسلامية السُنِّية السلمية المنتشرة في العالم الإسلامي، واعترفت بحقوقها، ولكانت اعترفت بحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين والشيشان؛ حيث أنها لم تقتل أو تهاجم قوات أمريكية، لكن الولايات المتحدة لم تفعل أيًّا من ذلك، بل اقتصرت على الانفتاح على إيران وسوريا وحزب الله؛ بهدف التحالف معهم من أجل الاستمرار في التصدي للحركات الإسلامية السنِّية في العالم الإسلامي، بما في ذلك الحركات الفلسطينية التي هي متحالفة مع إيران وحزب الله بالأساس.

هل هذا يعكس التزامًا أمريكيًّا بمواجهة أي مشروع إسلامي حضاري وسياسي شامل في إطار الالتزام الغربي بعدم قيام دولة إسلامية حقيقة؟

ذلك الالتزام الذي نشأ بعدما نجح الغرب في القضاء على الخلافة العثمانية شكلًا بعد الحرب العالمية الأولى، بعدما كانوا قد أجهزوا عليها مضمونًا قبل ذلك بعشرات السنوات.

ومنذئذٍ استقر النظام الدولي والنظم الإقليمية المتفرعة منه على أساس من القوانين والقواعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الغربية، ولم يعد هناك أي دور لأي مرجعية إسلامية في النظام الدولي والنظم الإقليمية السائدة، كما لم تعد هناك أي جهة متنفذة في النظام الدولي أو النظم الإقليمية تدافع عن المصالح الحقيقة للمسلمين وتنافح عنهم بقوة، وتملك أوراق ضغط حقيقية تضغط بها في هذا الاتجاه.

وتحافظ الولايات المتحدة ـ حاملة لواء الحضارة الغربية ـ وحلفاؤها على هذا الوضع، وتواجه كل من يحاول تغيير هذا الوضع أو تحريكه من سكونه.

كان خط الدفاع الأمريكي الأول في عهد بوش الابن هو القوات الأمريكية، وكانت القوات الحليفة لها ـ من الناتو وقوات كثير من دول العالم وأجهزتها الأمنية ـ هي خط الدفاع الثاني، يتشابك معه حلفاء الولايات المتحدة ووكلاؤها من حكام العالم الإسلامي وأجهزتهم الأمنية.

الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي

أما في عهد أوباما، فالصياغة بدأت تختلف من حيث السعي لإعادة صياغة سياسات الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي، فالقوات الأمريكية وقوات حلفائها قد نزفت كثيرًا، وفوق ذلك فقد فشلت في تحقيق الهيمنة والسيطرة الأمريكية والغربية على مقدرات العالم الإسلامي؛ وأرهقها هذا النزيف المستمر، حتى أن أقرب حلفاء الولايات المتحدة ـ كندا والمملكة المتحدة كمثال ـ قد قرروا أنه لا يمكن الاستمرار في السكوت على نزيف قواتهم في العراق وأفغانستان وغيرها، وبدأت انسحابات الحلفاء من أماكن مختلفة، ربما أبرزها انسحاب أثيوبيا من الصومال تحت ضربات المجاهدين.

لذلك ستسعى الولايات المتحدة لوضع صياغتها الجديدة لسياسات هيمنتها على العالم الإسلامي عبر إعادة ترتيب خطوط دفاعها، حيث سيأتي حكام العالم الإسلامي_ أصدقاء الولايات المتحدة أو وكلاؤها وأجهزتهم الأمنية_ الذين سهرت الولايات المتحدة على تدريبهم وإعدادهم كخط دفاع أول، ونظرًا للفشل النسبي الذي حاق بهؤلاء الوكلاء في السنوات الأخيرة؛ فإن إدارة أوباما قررت الإعلان عن رغبتها في اعتماد وكلاء جدد لها في العالم الإسلامي ترى فيهم القدرة على النجاح فيما فشل فيه الوكلاء القدامى.

المحور الإيراني السوري والحركات الإسلامية المعتدلة

وقد حددت الولايات المتحدة القوى المرغوب فيها كوكلاء جدد لها بالعالم الإسلامي في مجموعتين:

الأولى ـ المحور الإيراني السوري وحليفهم الأصغر حزب الله، وينضوي تحت هذا المحور كل الحركات الإسلامية الشيعية في مختلف دول العالم؛ لأنها تخضع لسيطرة وسياسات إيران وحزب الله.

الثانية ـ كل من يظهر “اعتداله” من الحركات الإسلامية السُنِّية في الأماكن الساخنة؛ مثل: أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين، ولذلك فإن هناك شروطًا يجب توافرها لاعتماد هذه المجموعة كوكلاء لأمريكا والغرب في العالم الإسلامي:

1- أن يكون مجال نفوذ هذه القوى داخل المناطق الساخنة في المنطقة الإسلامية؛ لأن الولايات المتحدة وحلفاءها ليس لديهم أي استعداد لتقديم تنازل الاعتراف بوجود سياسي لحركة إسلامية إلا في المناطق التي انهزم فيها مشروع الهيمنة الأمريكي الغربي، ولم يعد له أي خيار ذي بال إلا اعتماد وكيل جديد يأتي من داخل الحركة الإسلامية التي هزمت المشروع الأمريكي بكل خطوط دفاعاته، سواء كانت الأجهزة الأمريكية أو وكلاؤها المحليون.

2- أن تكون هذه الحركة “معتدلة”، و”مفهوم الاعتدال” يعني الوفاء بالشروط السياسية والعقائدية لمشروع الهيمنة الأمريكية، والشروط العقائدية معروفة ومشهورة؛ فهي تتلخص في تبني الإسلام بمفهومه الذي بات يُعرف بالإسلام الأمريكي، ذلك المفهوم الذي يفرغ الإسلام من محتواه الحقيقي لصالح مبادئ ومعايير الحضارة الغربية الحديثة في أبعادها الاجتماعية والثقافية، أما الشروط السياسية فهي تختلف من منطقة لأخرى حسب ظروفها، (اعتراف حماس بشروط الرباعية كمثال على هذه الشروط، واختلافها من منطقة إلى منطقة، إذ لا يُشترط على إسلاميي العراق المشاركين في الحكم أو على حكمت يار في أفغانستان أن يوافقوا على هذه الشروط).

3- أن تكون الحركة الإسلامية “المعتدلة” المزمعة قادرة، أو يُظن فيها القدرة على النجاح في إضعاف أو القضاء على الحركات الإسلامية، التي تعتبرها الولايات المتحدة والغرب مناوئة لها في المجال الجغرافي المحدد.

وهكذا بدأت لعبة الأمم الجديدة في العالم الإسلامي مع بدايات تحرك إدارة باراك أوباما _ومعه الغرب_ لإنقاذ الهيمنة الأمريكية، في العالم الإسلامي بعد تصاعد مواجهة حركات المقاومة الإسلامية لهذه الهيمنة، ولكن السؤال الذي تبقى الإجابة عليه معلقة: هل تنجح اللعبة أم تخفق؟

الجهاديون الجدد صورة أرشيفية

الجهاديون الجدد

منذ عام 2000م تقريبا لم نعد نسمع تقريبا عن نشاط ذا بال لأي من مجموعات و خلايا تنظيم الجهاد أو الجماعة الاسلامية داخل مصر بل و ربما خارجها أيضا, ليس فقط لما قيل و يقال عن مبادرة وقف العنف للجماعة الاسلامية و مراجعات فكرية لتنظيم الجهاد و لا بسبب النجاحات التي حققتها اجهزة الأمن بشأن ضرب أو تحجيم هذين التنظيمين لأبعد مدى و لكن أيضا لسبب أهم من ذلك كله و هو توجه التيار الجهادي إلى منعطف جديد و ربما يمثل إعلام منظمة القاعدة العلامة الأبرز التي حدث عندها هذا التحول, و قبل أن نسترسل في متابعة التحولات العميقة التي لحقت بالمجموعات الاسلامية المسلحة مع مطلع القرن الواحد و العشرين في مصر لابد أن نتذكر معا عددا من التواريخ الهامة المتعلقة بهذه الفترة لا سيما و أن كل تاريخ من هذه التواريخ له قصة و كل قصة لها دلالة:

 في مايو 2001 تم القبض على تنظيم مسلح عرف باسم تنظيم الوعد, و تم محاكمة أعضائه أمام محكمة عسكرية أصدرت أحكاما متفاوتة عليهم, و أثبتت التحقيقات أن بعض أعضاء التنظيم سعوا للسفر إلى كل من كوسوفو أو الشيشان أو البوسنة بغرض الجهاد هناك و قد نجح بعضهم في السفر إلى بعض هذه المناطق كما حاول بعضهم السفر إلى فلسطين المحتلة, كما جمعوا مئات الألوف من الجنيهات و أرسلوها لبعض هذه الجبهات, كما هربوا سلاحا للمقاومة في غزة, و استقدموا خبيرا في المتفجرات من مسلمي روسيا ليدربهم, كما حاولوا ان يدخلوا خبيرا مماثلا لغزة لتدريب المقاومة على صناعة المتفجرات المتقدمة, و لكن المدهش في قصة هذا التنظيم أنه كان مكونا من شباب من السلفيين و هو تيار مسالم لا يؤيد حمل السلاح و لا ارتكاب اعمال عنف, و لكنهم طبعا حدث لهم تحول فكري ما دفعهم لتكوين هذا التنظيم و هذا التحول هو ما سنحاول التعرف على أسبابه و طبيعته في السطور التالية لكن بعد استقراء بقية قصص التنظيمات المسلحة في هذه الفترة.

 في يناير 2003 أعلنت اجهزة الأمن عن القبض على تنظيم جديد اسمه “جند الله” كان يخطط لنسف السفارتين الأمريكية و الاسرائيلية و عدد من المصالح الأمريكية بالقاهرة, و كان أغلب اعضاء هذا التنظيم من ذوى اتجاهات اسلامية مسالمة كـ “السلفين” و “التبليغ و الدعوة” ونحوهم قبل الاشتراك في هذا التنظيم, و كان أغلبهم من الشباب الناجح في حياته العملية و كان بينهم عدد قليل من ضباط الجيش السابقين من ذوي الرتب الصغيرة و كان أحدهم ضابط مهندس و كان هناك آخر ضابط طيار, و لكنهم لسبب ما قرروا تكوين هذا التنظيم و في البداية سعوا للسفر للقتال في الشيشان أو فلسطين لكنهم فشلوا و استقر رايهم في النهاية على استهداف المصالح الإسرائيلية و الأمريكية بمصر, و اتخذوا عدة خطوات ناجحة بهدف إنشاء مصنع لمادة الـ “تي إن تي” شديدة الإنفجار تحت ستار مصنع صابون كي يوفروا لعملياتهم الكميات اللازمة من المتفجرات, لكنهم ألقي عليهم القبض قبل أن يتحركوا.

 بعيد غزو العراق في 2003م تم القبض على تنظيم يضم أكثر من مائة من الشباب أغلبهم من الأطباء و المهندسين المتميزين و طلبة الجامعات و أطلق عليه وقتها تنظيم الانترنت, و كان يهدف للجهاد في فلسطين و العراق, و قد قبض على البعض منهم بواسطة السلطة الوطنية الفلسطينية بعد نجاحهم في التسلل إلى غزة فعلا و تم تسليمهم للسلطات المصرية, كما تم القبض على احدهم في بنجلاديش بواسطة الـ “سى آى إيه” عندما كان يحاول الاتصال بأحد من القاعدة له صلة بالعراق ليسهل له طريق لإنتقال أعضاء التنظيم للعراق, و الغريب في هذا التنظيم أن كل اعضائه كانوا اعضاء سابقين في جماعة “التبليغ و الدعوة” و هي جماعة دعوية تحرم على أعضائها الكلام في السياسة أو في شئون الحركات الاسلامية او في الخلافات الفقهية و تلتزم إلتزاما كاملا بتعليمات أجهزة الأمن.

 في أكتوبر من العام 2004 هزّ انفجار كبير فندق هيلتون في طابا أسفر عن قتلى وجرحى أغلبهم من السياح الاسرائيلين.وفي يوليو من العام 2005 تم تفجير مرافق سياحية في شرم الشيخ أسفرت أيضاً عن قتلى وجرحى. وفي إبريل من العام 2006 استهدفت منطقة دهب بانفجار مماثل. و في الحوادث الثلاثة تم اتهام “تنظيم التوحيد والجهاد” و هو تنظيم اسلامي سري كل اعضائه من أبناء سيناء, و كانوا قبل تأسيس هذا التنظيم لايؤيدون العمل المسلح لكنهم تحولوا مع بداية إنتفاضة الأقصى (سبتمبر 2000م) إلى فكر منظمة القاعدة الذي درسوه عبر الإنترنت, و أسسوا هذا التنظيم و سعوا للسفر للجهاد في الخارج (الشيشان و كوسوفو و فلسطين) لكنهم فشلوا في الوصول لأي من هذه الجبهات فقرروا مهاجمة اهدافا داخل سيناء إعتبروها اسرائيلية و غربية فكانت هذه الحوادث الثلاثة.

 في7 ابريل 2005م فجر شاب نفسه في خان الخليلي بهدف قتل سياح, و في 30 ابريل 2005م فجر شاب أخر نفسه بنفس الغرض في ميدان عبدالمنعم رياض, بينما و في نفس الوقت أطلقت فتاتان النار على أتوبيس سياحي في ميدان السيدة عائشة ثم انتحرتا, و تبين من التحقيقات بعد ذلك أن الحوادث الثلاثة تتعلق بمجموعة جهادية واحدة, يقودها إيهاب يسري الذي فجر نفسه في ميدان عبدالمنعم رياض, و ان هذه المجموعة بنت استراتيجيتها على مهاجمة الأوروبيين و الأمريكيين استجابة للأفكار التي تدعو لها القاعدة عبر شبكة الانترنت, كما تبين من خلال التحقيقات مع نفس المجموعة أنه توجد مجموعة اخرى بقيادة أشرف سعيد كانت تختلف مع رأي إستهداف الأجانب و كانت تتبنى رأي تنظيم الجهاد المصري من استهداف العدو القريب الذي هو السلطة و عدم استهداف العدو البعيد الذي هو امريكا و اسرائيل, و قد مات أشرف سعيد هذا في السجن أثناء التحقيقات و قيل انه انتحر.

 في ديسمبر 2008م أعلنت مصادر أمنية القبض على مجموعة جهادية من محافظتي الشرقية و كفر الشيخ, و يقال أن أعضاء هذه المجموعة كانوا ينتمون قبل ذلك للسلفيين و لجماعة أنصار السنة و من المعروف عن كلا الاتجاهين أنهما لا يؤيدان أي اعمال مسلحة أو اعمال العنف.

و لا شك أن هذه التنظيمات التي اشرنا لقصصها ليست هي كل التنظيمات التي تم كشفها في هذه الفترة بل بالعكس يمكن القول ان هذه مجرد عينة تمثل 15% فقط مما تم كشفه, لكن كل بقية التنظيمات التي لم نشر لها كان كل ما فعلته انها حاولت أن تساعد اعضائها على السفر للقتال في العراق او فلسطين و بعضها لم يحاول إنما فكر في ذلك فقط.

و هنا يأتي دور التساؤل حول سبب ميل هؤلاء الشباب للتخلى عن إتجاهاتهم الاسلامية السلمية و التحول للإتجاه العنيف او المسلح, و تأتي الإجابة السريعة و الجاهزة التي يسهل على الكثيرين اطلاقها:

إنها القاعدة ….

إنها مواقع النت التابعة للقاعدة….

إنها شبكة الإنترنت التي توفر الحرية لإرهابي القاعدة لنشر أفكارهم…

لكن هذه الإجابات هي إجابات سطحية و متسرعة, لأن شبكة الإنترنت كما انها تعطي الحرية للقاعدة لنشر ارائها فهي تعطي حرية اكبر منها لكافة الإتجاهات الإسلامية و غير الإسلامية بل و الإباحية لنشر افكارها و توجهاتها…

فلماذا يختار بعض الشباب الاسلامي المسالم أفكار القاعدة التي تحمل العنف و العداء المسلح لإسرائيل و اوروبا و امريكا و يتركون ما دون ذلك؟

هل يمكن القول أن القاعدة تفوقت إعلاميا على كل الإتجاهات الأخرى الإسلامية و غير الإسلامية في الترويج لمبادئها و اهدافها عبر الإنترنت بينما اخفق الأخرون؟

هذا القول روج له رسميون أمريكيون في مناسبات عدة.لكن الدقة تتطلب منا أن نقول أن الولايات المتحدة و اوروبا و اسرائيل نجحوا في الاستحواذ على كراهية ملايين العرب والمسلمين في شتى أنحاء العالم بسبب مواقف القوى الثلاث في كل من فلسطين و العراق و افغانستان و الشيشان و البوسنة و كوسوفو و الصومال و غيرها, كما نجحوا بظلمهم و إهانتهم للعرب و المسلمين أن يجذبوا اهتمام ملايين من الشباب ما كانوا ليهتموا بالشئون السياسية لولا الظلم البين و المهانة البالغة التي توقعها القوى الثلاث على الأمة العربية و الاسلامية بأسرها ليس فقط بالاحتلال و لكن عبر دعم و مساندة الديكتاتوريات المستبدة و أجهزتها القمعية في العالم الاسلامي بأسره ضد الشعوب الاسلامية.

أن إعلام القاعدة إن كان قد نجح فهو قد نجح في أنه طرح هدفا يمكن أن يجتذب عدد غير قليل من الشباب و هو مقاومة الاحتلال في الجبهات المفتوحة (أفغانستان, الشيشان, العراق, فلسطين…الخ) ثم يخطو بعدها خطوة اخرى بالشباب قائلا لماذا لا توجهون ضرباتكم لمصالح هؤلاء المحتلين في بلادكم؟كان و مازال تنظيم الجهاد المصري و من على شاكلته في أي مكان يختلفون و يتجادلون مع الإتجاهات الاسلامية الأخرى حول ما إذا كان حكام بلاد المسلمين كفار أم مسلمين. تنظيم الجهاد يحكم بكفرهم تارة لعدم الحكم بالشريعة و تارة لتبعيتهم لأمريكا, و لكن أغلب التيارات الاسلامية كالتبليغ و السلفيين و نحوهم يختلفون معهم في ذلك.و ايضا كان الجهاديون القدامى و مازالوا يختلفون و يتجادلون و يبذلون جهدا كبيرا في سوق الحجج على شرعية العمليات المسلحة ضد السلطة في أي بلد اسلامي.لكن جماعة التبليغ و الدعوة و هي أشبه ما تكون بجماعة صوفية تهتم بالأخلاق و السلوكيات الشخصية فقط و تنغلق أمام كل ما سوى ذلك, من كان سيستطيع ان يقنع بعضا من شباب مثل هذه الجماعة برفع السلاح و السعي للقتال سوى الممارسات الأمريكية و الإسرائيلية في العالم الاسلامي؟ و جماعات السلفيين التي تغلق على نفسها كل الأبواب لتتفرغ للصلاة و الأذكار و دراسة العلوم الشرعية و بث خطب الوعظ و الإرشاد بعيدا عن أي رائحة للعمل السياسي, من كان سيبرهن لشبابها على حتمية القتال في الجبهات المختلفة سوى الصور الدامية للممارسات الغربية و الاسرائيلية في العالم الاسلامي فضلا عن مساندة الحكام المستبدين؟نعم القاعدة نجحت و لكن نجاحها ليس في الدعوة و التجنيد بقدر ما هو نجاح في توظيف الواقع و توجيهه و تقديم الدعم للنشطاء الجدد.شباب التنظيمات الجديدة هذه أكيد أنهم غاضبون مثل كل العرب و المسلمين من الواقع المرير الذي تعيشه الأمة, لكنهم لم يكونوا ليقتنعوا بالسعي لقلب نظام الحكم على النحو الذي كانت تحاوله التنظيمات القديمة كالجهاد و الجماعة الاسلامية, إما لصعوبة هذا المسلك و بعده عن مستوى خبراتهم او مداركهم أو لعدم قناعتهم بجدواه, فضلا عن ان بعضهم غير مقتنع بشرعيته من الناحية الفقهية أصلا.لكنهم يسهل عليهم جميعا الاقتناع بالقتال في الجبهات المتعددة المفتوحة في عدة بقاع من العالم الاسلامي, و لا يختلف اثنان على شرعية مقاومة المحتل بما في ذلك العلماء الحكوميون.

كما أن بعضا منهم يسهل عليه الاقتناع بتوجيه ضربات لما يعتبره مصالح غربية في البلاد كالسياحة و نحوها لعجزه عن الوصول للجبهات المشتعلة في فلسطين و العراق و أفغانستان و الشيشان و غيرها. و لكن هناك سؤال يطرح نفسه بشدة بشأن المستوى المتزايد من العمى و العبثية التي كثيرا ما يوصف بها العنف الذي تقوم به هذه الجماعات الجديدة؟و يمكننا أن ندرك أبعاد هذه الطبيعة التي توصف بها أعمال الجماعات الجديدة إذا استحضرنا في أذهاننا الصورة النفسية و الفكرية التي وصفناها في السطور السابقة للخلفية الفكرية و النفسية لأعضاء و قادة هذه التنظيمات, إذ كيف تتوقع سلوك شخص شبه منعزل عن كثير من خبرات الحياة ليست فقط السياسية بل و الإجتماعية, شخص وقف نفسه أصلا للدين و التدين في أبعاده الأخلاقية و التعبدية في جو من العزلة أو شبه العزلة الاجتماعية بجانب عزلة سياسية تامة, ثم شعر بالذل و المهانة مما يحيق بأمته و إقتنع أن كل مواطن ينتمي لإسرائيل أو للغرب بصفة عامة هو مشارك في إذلال و إهانة و إستعباد و نهب الأمة الاسلامية و أن من قتل من المسلمين لوجوده عرضا في مكان قتال الأعداء فإنه سيبعث على نيته و لا إثم عليه.إن عبثية و عمى عنف الجماعات الجديدة هو مجرد بروفة لما يمكن ان يكون عليه الوضع إذا ما قرر القطاع الواسع من الجماهير غير المسيسة أن يعبر عما يموج بداخله من مشاعر الغضب و الحنق على واقع لا يرتضيه سواء كان هذا الواقع داخلي أو خارجي أو الإثنين معا.

لقد عبأت اسرائيل و الغرب فئات و شرائح إجتماعية لم تكن لتهتم بالسياسة أو تشتغل بها, ثم جاءت القاعدة فوجهتهم للطريق ليس فقط بتحديد الأهداف و لكن بشرح الأساليب و الطرق فمن يفتح أي من مئات المواقع المنتسبة للقاعدةعلى شبكة الإنترنت يجد ملفات للتحميل تحمل العناوين التالية:

 الإعداد البدني : ملف يحتوي على 9 كتب حول الإعداد البدني والتمارين والكراتيه وغيرها

 موسوعة الأمن للمجاهدين : وتشمل 12 من دروس أمنية للمجاهدين وكيفية مواجهة المحققين وغيرها

 موسوعة العبوات الناسفة : وهي موسوعة مكونة من عدة ملفات عن صناعة العبوات الناسفة وكيفية توجيهها

 موسوعة دورة التنفيذ : وهي موسوعة من 15 كتاب منوع عن مهارات التنفيذ والقتال

 موسوعة الأسلحة والذخائر : وهي موسوعة من 29 ملف عنالأسلحة والتعامل معها والذخائر

 موسوعة المتفجرات : وهي موسوعة مكونة من 53 كتاب عنصناعة المتفجرات وكيفية استخدامها وغيرها

 موسوعة حرب العصابات : وهي موسوعة مكونة من 58 كتاب عن فنون حرب العصابات وكيفية قيادتها وغيرها

 منوعات عسكرية : وهو عبارة عن ملف جمع به أكثر من عشرين موضوع عن الصواريخ والقنص والحبور السموم والطبوغرافيا وغيرها

 موسوعة الكتب العسكرية : وهو عبارة عن ملف جمع به 28 كتابا عسكريا عن الفنون العسكرية.

 كتاب الأمن والإستخبارات ( عدد الصفحات : 720)

 كتاب حرب العصابات

 كتاب البقاء في الظروف الصعبة

 الإسعافات الأولية : ملف يحوي كتب وفوائد حول الإسعافات الأولية للجرحى.

هذا على سبيل المثال لا الحصر, لأن هذه المواقع تحمل أيضا الكثير الكثير من الموضوعات الفكرية و السياسية و الفقهية و العقائدية.

فالقاعدة عبر مواقعها الكثيرة إفتتحت ما يشبه الجامعة ليس فقط لفنون العمل المسلح و ما يلزمه من أمن و تصنيع و طب و لكن للفكر و السياسة بما في ذلك ترجمة تقارير الصحف الأمريكية و البريطانية و غيرها بشكل يومي, فبمجرد ما يضع المتعاطفون الجدد قدمهم على اول درجة في سلم القاعدة إلا و يجدوا أنفسهم أمام منظومة متكاملة, نعم نختلف نحن معها في العديد من الجوانب لكن المتعاطفين الجدد يذوبون لحد كبير في محتواها لاسيما و هم قادمون من عالم منعزل عن الفكر و الممارسة السياسية و أحيانا منعزل عن المجتمع بأسره.

ثم يأتي البعض اليوم محاولا أن يستثمر هذا الوضع الغاضب لمصلحته فيقول بأن التضييق على الجماعات الاسلامية المعتدلة هو السبب, و لنا أن نوجه لأصحاب هذا الرأي سؤالا واحدا هو:

لو فتحت الدولة حرية العمل للمعتدلين الاسلاميين بينما استمرت اسرائيل و الغرب في طغيانهم إزاء العالم الاسلامي هل ستتوقف أمواج الغضب التي تلقي بآلاف الشباب في العالم الاسلامي إلى العنف العبثي؟ و هل لو استمر القمع و الديكتاتورية يحكمان العالم الاسلامي فهل سيتوقف البعض عن الظن بأن إنفجار الغضب العام وحده هو الكفيل بتداول السلطة؟

ــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع للعدد الاسبوعي من جريدة الدستور و تم نشره بها.

السلاح الاستراتيجي الايراني

ماذا لو امتلكت ايران سلاحا نوويا ؟

تحذر التقارير الصحفية و التحليلات السياسية سواء منها الغربية أو العربية من امتلاك ايران للسلاح النووي, و تصوره كأنه مشكلة المشاكل المعاصرة ذات الخطر على الأمن الدولي و الاقليمي على حد سواء.

و رغم أن امتلاك ايران لأسلحة نووية سيعطيها قوة و ميزة استراتيجية كبرى ازاء العالم و كذلك ازاء الاقليم الذي تقع فيه الا ان تصوير خطر السلاح النووي الايراني على العالم و على المنطقة العربية مبالغ فيه لأسباب كثيرة و قبل أن نتعرض لأسباب هذه المبالغة لابد أن نعرض لأثر السلاح النووي الايراني المرتقب على المنطقة العربية و العالم على حد سواء:

أولا- أثر السلاح النووي الإيراني على المنطقة و العالم

1- أثر السلاح النووي الإيراني على المنطقة العربية:

تصور التقارير المختلفة أن امتلاك ايرن للسلاح النووي سيؤدي لاستباحتها المنطقة العربية لا سيما ان منطقة الخليج المجاورة لها مباشرة منطقة رخوة استراتيجيا, و في الحقيقة فان امتلاك ايران للسلاح النووي و تسابقها في مجال التسلح لخلق توازن عسكري مع كل من اسرائيل و الغرب -الذي تملأ قواعده مياه الخليج و البحر الحمر وخليج عدن و المحيط الهندي- هذا التسابق سيؤدي على المدى المتوسط و البعيد الى اضعاف ايران و انهيار نظامها السياسي الحالي ما لم يطور من نفسه و يوازن في سياساته العامة بين متطلبات التسلح و متطلبات التنمية الاقتصادية و البشرية والتكنولوجية.

أما ان أصر النظام الايراني الحالي على استراتيجياته الحالية في ادارة الدولة فسوف يكون مصيره أسوا من مصير الاتحاد السوفيتي السابق. و لا شك انه لاخطر على المنطقة العربية بعامة و الخليج بخاصة من التسلح الايراني سواء على المدى القريب أو المدى البعيد, ليس بسبب الوجود العسكري الدولي في المنطقة و لا للأهمية الحيوية التي تمثلها المنطقة للعالم بأسره بما في ذلك القوى الدولية النووية الكبرى الصاعدة مثل الهند و الصين, و لا لهشاشة الدولة الايرانية اقتصاديا و تكنولوجيا ليس بسبب ذلك كله فقط بل أيضا –و هو الأهم- لأن السلاح النووي ليس له التأثير الاستراتيجي أو التكتيكي الذي يدعيه المنظرون الاستراتيجيون التقليديون, و بعيدا عن الدخول في تفاصيل استراتيجية متخصصة فاننا يكفينا الاشارة إلى ان اسرائيل المتفوقة عسكريا نوويا و تقليديا على جميع العرب لم تستطع طوال سنوات عمرها الستين أن تفرض ارادتها السياسية على العرب اللهم الا بتخاذلهم عندما احتلت ما احتلت من أرض مازالت مستنزفة فيها عبر المقاومة الشعبية (السلمية تارة و المسلحة تارة) و عبر الحروب النظامية سواء حرب الاستنزاف 1968-1970 على الجبهة المصرية و 1973م على الجبهة السورية, أو الحروب النظامية المختلفة 1948 و 1973 و 1982 و 2006م و أخيرا حرب غزة 2009م, و لم تستطع اسرائيل طوال كل هذه الفترة أن تستعبد العرب كما تقتضي قوانين علم الاستراتيجية الكلاسيكية الخاصة بالتوازن العسكري و الردع النووي و نحو ذلك.

ما الذي غلب و ألغي هذه الكلاسيكات الاستراتيجية؟؟

انها الارادة العربية و الاسلامية, و هذه الارادة هي التي دفعت عدة دول عربية كبرى لتبني مبادئ استراتيجية جديدة للردع كي تحيد الرادع الاستراتيجي الاسرائيلي غير التقليدي و تمثلت هذه الاستراتيجيات العربية في الرادع فوق التقليدي و هو الأسلحة الكيماوية و البيولوجية بواسطة الصواريخ أرض أرض متوسطة المدى و التي يمكنها أن تنطلق من هذه الدول لتطال كل جزء من مساحة الكيان الصهيوني.

ثم أتت الحرب الأفغانية الروسية لتهزم المقاومة الأفغانية (و بمساندة المجاهدين العرب) أكبر قوة عسكرية برية نووية في العالم عبر حرب غير نظامية و تؤسس لمفاهيم استراتيجية جديدة سميت بعد الحرب الصومالية الأمريكية و عمليات القاعدة باسم “الحرب الغير متماثلة” او ” الحرب الغير متناظرة”.

و من هنا نخلص ببساطة إلى ان ايران المسلحة نوويا و المتفوقة عسكريا لن تستعبد لا الخليج العربي و لا المنطقة العربية اذ يمكن لدول هذه المنطقة ردع ايران بالاعتماد على احدى استراتيجيتين أو حتى المزج بينهما و هما:

استراتيجية الرادع فوق التقليدي.

أو استراتيجية الحرب الغير متماثلة.

و نحن لا نحب أن تنشب حرب باردة بين العرب و ايران كما هو الحال مع دول أخرى أيا كانت الاستراتيجية التي ستعتمد عليها هذه الحرب, و لكننا أشرنا لهذا كله كي نثبت ان ما يسمى بالخطر الايراني سواء النووي او التقليدي هو مبالغ فيه بشكل كبير.

2- أثر السلاح النووي الايراني على اسرائيل:

و اذا كان هذا حال العرب مع إسرائيل و هم أضعف تسليحا منها فهل سيؤثر التسلح النووي الايراني على اسرائيل؟في الواقع أن تأثيره محدود اللهم الا على أحد الاتجاهات الاسترتيجية الذي يزعمون احيانا أنه موجود في اسرائيل و الذي يرى أن التخلص من الخطر الايراني غير ممكن الا بضرب ايران بقنبلة نووية أو بضربة تقليدية ساحقة تماثل في قوتها القنبلة النووية, أما غير ذلك فاسرائيل حساسة جدا تجاه الردع التقليدي وحده لأن مساحتها و عدد سكانها صغير لا يتحمل حربا حقيقة قوية تطال القلب الحيوي للدولة.

3- أثر السلاح النووي الايراني على العالم:

توجد دول كثيرة كبرى سيكون لتسلح ايران نوويا تأثيرا عليها و سنذكر فيما يلي كلا منها على حدة:

 الهند: ستؤدي قوة ايران العسكرية بعامة و النووية بخاصة إلى اخلال التوازن العسكري في المنطقة لغير مصلحة الهند لأن ايران ستمثل عامل كبح للنفوذ و المطامع الهندية في المنطقة لا سيما أن الهند حليفة الغرب و اسرائيل و عدو لباكستان التي هي بدورها حليفة لدول الخليج, و قوة ايران ستخلق واقعا استراتيجيا جديدا يزيد خيارات التحالف الاستراتيجي أمام العرب و الباكستان, و ازدياد هذه الخيارات في حد ذاته مفيد استراتيجيا حتى و لو لم يتم استغلاله.

 باكستان: ما قيل سلبا للهند ينقلب ايجابا بالنسبة لباكستان لا سيما و ان عامل الدين و محدودية المصالح الباكستانية هنا يلعبان لصالح عدم التنافس بين ايران و باكستان استراتيجيا و لا سيما و أن الصين منافس الهند اللدود هي حليف مهم لكل من باكستان و ايران, لكن أي توتر استراتيجي أو حرب باردة خليجية ايرانية قد ينعكس سلبا على العلاقات الايرانية الباكستانية .

 الشرق الأقصى: ستكون القوة الايرانية مقيدة لتمدد قوى الشرق الأقصى (كالهند و الصين و اليابان و كوريا الجنوبية) استراتيجيا نحو الخليج ما لم تتحالف ايران مع أي من هذه القوى و تتقاسم معها النفوذ في ظل غيبة ارادة عربية استراتيجية, و خاصة في حالة الصين حليفة ايران.

 روسيا: لا يهمها كثيرا التسلح الايراني لأنها تعرف أسراره جيدا و يمكنها االتغلب عليه بسهولة, كما أن قوة ايران النظامية بالنسبة لقوة الروس كشعرة بالنسبة لمجمل شعر ثور ضخم.

 الاتحاد الأوروبي: هو أبعد عن التأثر بالقوة الايرانية باستثناء موضوع النفط الخليجي لكن التأثر الأكبر هو خوفهم على تآكل الهيمنة الأمريكية و الغربية على مقدرات المنطقة من ناحية و هو أمر مستبعد وكذلك خوفهم من الشعارات الايرانية الجوفاء التي تهدد بازالة اسرائل من الوجود, و كل الاستراتيجيين يعلمون جيدا أن ايران لن تفعل ذلك ليس فقط لأن النظام الايراتي برجماتي و له جسور مفتوحة مع الغرب بل و مع اسرائيل و لكن أيضا لأن ايران متأكدة و خائفة من رد الفعل الاسرائيلي و الأمريكي بل و الفرنسي الذي سيكون لاشك رد فعل نووي ساحق.

 الولايات المتحدة: وما يقال عن أوروبا يقال عن الولايات المتحدة أيضا في هذا الشأن, لكن بقى ان نقول أن كل من اسرائيل و الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة قد يلجئان للتفاهم مع ايران و اقتسام النفوذ لو وجدوا صيغة مناسبة لذلك مع ايران بأن تخفض ايران مطامعها أما لو لم يجدى هذا الطريق فان الاحتواء القائم على الحرب الباردة سيكون هو سبيلهم مع ايران بالضبط كما فعلوا مع الاتحاد السوفيتي السابق.

ثانيا- أسباب المبالغة في الخطر الايراني الاستراتيجي

ترجع هذه الأسباب الى رغبة الولايات المتحدة و الغرب في استغلال هذا التخويف في دفع العرب لشراء الأسلحة الغربية لامتصاص عائدات النفط الضخمة من جهة و للضغط على العرب و الايرانيين نفسيا و الاستفادة من نتائج هذا الضغط في استراتيجياتهم المقبلة في المنطقة سواء ازاء الايرانيين أو ازاء العرب على حد سواء.

و على كل حال فالدول العربية الكبرى بالمنطقة كمصر و السعودية قد أعدت للأمر عدته لأن لديها مراكز استراتيجية متخصصة على مستوى عالي من الكفاءة و قد سبقت و خاضت هذه الأمور في مجال تحقيق الردع تجاه اسرائيل و أيضا ازاء ايران أيام الحرب العراقية الايرانية عندما اشترت وقتها السعودية صواريخ ريح الشرق من الصين و مداها 2300كلم في سرية تامة حينئذ.

و الخلاصة:

أن الخطر الايراني موجود لكنه خطر يسهل توقيه و الدول العربية الكبرى و تحديدا مصر و السعودية لديها القدرة و الخبرة لاتمام عملية التوازن الاستراتيجي معه و تحقيق الردع المناسب له لو أرادتا ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــ

 الموضوع قد تم نشره في العديد من مواقع الويب الإسلامية مثل موقعي العصر و المختصر و غيرهما.

المسلمون يدعون الله -صورة أرشيفية

المسلمون و إبادة غزة … بين العجز و الدعاء والجهاد

عندما تسلط الجيش الإسرائيلي بآلته الحربية الطاغية على أهالي غزة بالقتل و الحرق و الدمار انقسم العالم الاسلامي إلى معسكرين معسكر الحكام و معسكر الشعوب, و تخاذل الحكام و وقفوا موقفا متواطئا مع إسرائيل و من تعاطف منهم مع الفلسطينين تعاطف بالقول فقط, و نظرا لأن الشعوب لا تملك شيئا في صنع قرار بلادها ولا تملك أن تعمل أي عمل حقيقي يمثل مساندة إيجابية فعالة لأهالي غزة كتحريك الجيوش أو قطع البترول عن الدول التي تساند إسرائيل أو إمداد المقاومة بالسلاح, فإن ذلك كان حافزا لأن يجتهد المسلمون بالمساجد في الدعاء على إسرائيل.

و الدعاء على الأعداء و المعتدين أمر مشروع في الإسلام و فعله النبي صلى الله عليه و آله و سلم كما فعله الأنبياء من قبله. فنبي الله نوح عليه السلام أخبر عنه القرآن أنه دعا على الكافرين من قومه فقال تعالى ” وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً{26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً{27}” (سورة نوح)و دعا موسى على فرعون و قومه قال تعالى ” وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ” (يونس88) كما دعا النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم على أعدائه في العديد من المواقف ففي مرة دعا على قريش بأن تحيق بها ازمة إقتصادية كالتي حاقت بأهل مصر في عصر يوسف عليه السلام فقد روى البخاري عن عبدالله بن مسعود قال: ” إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مِنْ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنْ الْجُوعِ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ”.

كما دعا النبي صلى الله عليه و آله و سلم على قبائل عربية أخرى حاربته أو ناصبته العداء و قتلت أصحابه و دعا على قبائل يهودية لنفس الأسباب, لكن العلماء حددوا إطارا و ادابا للدعاء و ذلك جمعا بين ألفاظ و مناسبات الأحاديث الخاصة بأمور الدعاء فقال إبن حجر في تعليقه على الحديث المذكور في الدعاء بالقحط و الأزمة الإقتصادية على قريش: ” الدُّعَاء عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالْقَحْطِ يَنْبَغِي أَنْ يُخَصّ بِمَنْ كَانَ مُحَارِبًا دُون مَنْ كَانَ مُسَالِمًا” (فتح الباري شرح صحيح البخاري جـ3 ص 439).

و ذلك لأن هناك روايات في دعاء النبي صلى الله عليه و آله و سلم على قبائل مضر دعا فيها لبعض قبائلها مثل حديث أبي هريرة : “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الصُّبْحِ” (البخاري حديث 951)، و لذلك اورده البخاري في نفس الباب ليضع الدعاء على الأعداء في إطاره الصحيح, فالدعاء هنا ليس على كل الكفار لكفرهم و إنما هو دعاء على الكفار المحاربين اما المسالم منهم فهذا ليس مجال الدعاء عليه.

و من هنا فقد ثارت بعض المشكلات في صيغ الدعاء في بعض المساجد, فالمعتاد ان يدعو الإمام بالهلاك على ما يسميهم بـ “اليهود المعتدين” أو “اليهود المغتصبين”, و لكن في قليل من الحالات ربما يقول الإمام “اللهم عليك باليهود الضالين أعداءك اعداء الدين” مثلا و في الواقع فهو لا يقصد في قلبه أن يدعو على كل يهودي في الأرض و إنما يقصد هؤلاء الذين يعتدون على الفلسطينين لكنه سبقه لسانه دون تركيز منه في مرامي اللفظ, و لكن بعض المصلين ذوي الثقافة السياسية ربما طمحوا أن يدعوا أئمة المساجد على الصهاينة فقط بإعتبار أن الصهيونية هي سبب ذلك العدوان و الإحتلال و ليس مجرد اليهودية و ان هناك يهود غير صهاينة, و لكن من الصعب أن يلم كل أئمة المساجد بهذا التفصيل لكن أكثرهم إن لم يكن جميعهم يدركون و يقصدون بدعائهم “اليهود المحتلين و من ساندهم في أي مكان في العالم” و لذلك يكثر على لسانهم لفظ “اليهود المعتدين” أو “اليهود المغتصبين”, احترازا من اليهود المسالمين إن وجدوا.

و المسلمون هم دعاة بناء و ليسوا دعاة هدم لذلك فهم يأملون في هداية الخلائق جميعا و لذلك لما كان للنبي صلى الله عليه و آله و سلم راجعا من الطائف حزينا من سوء موقفهم من الإسلام و قبلها كان حزينا من موقف قريش المعاند “أرسل إليه ربه ملك الجبال فسأله أن يطبق على قومه الأخشبين فقال : بل استأني لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده” (رواه الطبراني عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب), فالمسلمون يميلون للتعاون و الحوار أملا في أن يفضي ذلك للإيمان أكثر من ميلهم للقتل و الصراع و الدعاء بهلاك الأعداء, لكن في أزمة غزة هذه وجد المسلمون أنفسهم بين نارين.. نار الحكم المستبد في بلادهم الذي يمنعهم من نصرة أهل غزة و نار الإسرائيلين الذين يصلون أهل غزة نار الفسفور الأبيض و لا يملكون لها دفعا و لا دفاعا فلجأوا إلى الله يضجون إليه بالدعاء في المساجد كل صلاة، و هذا ليس عيبا إلا إذا ظنوا أنهم بمجرد قيامهم بهذا الدعاء قد فعلوا ما عليهم و تحللوا مما يجب عليهم من نصرة إخوانهم و نجدتهم من نار الإحتلال.

فالنبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يكن يركن للدعاء فقط، بل كان يتخذ تدابير عديدة من أجل تحقيق أهداف الدعوة فهو كان يتحرك بين الناس في مكة يدعوهم للإسلام، و كان يعرض نفسه على قبائل العرب و سافر للطائف ليعرض على قادتها الإسلام، و لما لم يأت ذلك كله بالنتيجة المرجوة هاجر للمدينة المنورة و أحدث فيها تنمية إقتصادية، و بنى بها جيشه و أعاد تأسيس قواعد التكتيك القتالي بما لم يكن قد عرفه العرب في المدينة أو حتى في كل الجزيرة العربية، وحتى في غزوة بدر الذي إشتهر دعاؤه و إلحاحه في الدعاء فيها لم يقم بهذا الدعاء إلا بعد ان رتب الجيش و حدد لكل شخص موقعه و عمله في القتال، و حدد خطة القتال و قطع الماء عن قريش و حصرهم في ارض غير مناسبة و بعد ذلك كله جلس يدعو الله أن ينصر جنوده.

و في غزوة الخندق حفر الخندق و حصن المدينة و وضع أهالي المدينة من النساء و الأطفال في قلاع و حصون المدينة، و رتب لهم السلاح و الحراسات و حشد كل القادرين على حمل السلاح لحماية المدينة، و حماية الخندق الذي يحميها ومع و بعد ذلك أخذ يدعو.

فالدعاء ليس وسيلة وحيدة و لا هو يخرج صاحبه من دائرة المسئولية العملية بمجرد أن دعا بل الدعاء وسيلة من الوسائل.

و النبي صلى الله عليه و آله و سلم هو خير من دعا، و هو أفضل من دعا، و هو الأقرب إلى الله، و مع ذلك لم يمت إلا و قد تحرك كثيرا، و أوذي كثيرا بسبب حركته في الدعوة إلى الله، و حوصر في شعب ابي طالب وفي المدينة إبان غزوة الخندق، و كاد يقتل بسبب عمله لله، كما حرك هجرتين للحبشة، و هاجر إلى المدينة، و عاد و فتح مكة، و غزا و أرسل عشرات الغزوات في كل أنحاء الجزيرة العربية، بل و غزا الروم.

و من المشهور (كما جاء في البخاري و غيره) أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم رد عسكريا بسرعة على نقض قريش لمعاهدة الحديبية عندما ساندوا قبيلة بكر الكافرة في قتل اعدادا من قبيلة خزاعة المسلمة و لقد جاء عمرو بن سالم سيد خزاعة للنبي صلى الله عليه و آله و سلم بالمسجد النبوي فقال له:

يَا رَبّ إِنِّي نَاشِـد مُحَمَّـدًا حِلْـف أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا

*****فَانْصُرْ هَدَاك اللَّه نَصْرًا أَيَّـدَا وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأْتُوا مَدَدًا

إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِـدَا وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُـؤَكَّـدَا

*****هُمْ بَيَّتُونَا بَالْوَتِيرِ هُجَّـدًا وَقَـتَلُونَـا رُكَّـعًا وَ سُـجَّـدًا

وَزَعَمُوا أَنْ لَسْت أَدْعُوأَحَدًا وَهُـمْ أَذَلُّ وَأَقَـلُّ عَـدَدًا

فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردا على هذه الإستغاثة كلمة و احدة: “نُصِرَتْ يَا عَمْرو بْن سَالِم “، و جهز الحيش من عشرة آلاف مقاتل و فتح مكة، فكان نصره لقتلى مسلمي خزاعة بيد حلفاء قريش هو سحق قريش نفسها هي و حلفائها، و لم يكتف بالدعاء لخزاعة أو التبرع لها بالمال و الغذاء أو حتى السلاح.

و عندما صعدت روحه صلى الله عليه و آله و سلم إلى بارئها كان جيشا مجهزا مستعدا يقف على أطراف المدينة ينتظر أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم لينطلق ليغزو الروم، إنتقاما لخسائر المسلمين في معركة مؤته مع الروم, فحتى و هو صلى الله عليه و آله و سلم في نزع الموت الأخير كانت جيوشه جاهزة للتحرك، و لم يكتف بالدعاء و هو على فراش الموت، بل كان مصمما و هو على فراش الموت على الإنتقام لقتلى المسلمين، و كان كلما أفاق من سكرة من سكرات الموت يقول أنفذوا بعث أسامة، و لكن الصحابة لم يطاوعهم قلبهم بأن يغادروا المدينة و النبي  صلى الله عليه و آله و سلم في مرض شديد، فتأخروا في حركتهم، و كان الصديق رضي الله عنه واعيا بهدي النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فأصر على إنفاذ أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بإرسال الجيش ليغزو الروم بعيد موت النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وذلك رغم ردة كل الجزيرة العربية و تآمرها على دولة الإسلام و قال الصديق قولته المشهورة: “و الله لو لعبت الكلاب بخلاخيل أمهات المؤمنين بالمدينة ما حللت لواء عقده النبي صلى الله عليه و آله وسلم “.

فهكذا لم يكتف النبي صلى الله عليه و آله و سلم و خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم بالدعاء في مواطن الجهاد، بل كان جهادهم قتالا بجانب الدعاء حتى و هم على فراش الموت.

مجلس الشعب المصري صورة أرشيفية

تأميم الفتوى لصالح رئيس الجمهورية في مصر

وافقت لجنة الاقتراحات بمجلس الشعب المصري على مشروع بقانون يعاقب من يفتي بدون أن يحمل ترخيصا رسميا خاصا و قد أثار ذلك جدلا واسعا ، فأيد البعض هذا القانون المقترح و طالبوا بحتمية قصر الإفتاء على الأزهريين فقط معتبرين أنهم المؤهلون دون غيرهم لتلك العملية، بينما عارض آخرون القانون المقترح؛ و رأوا أنه مجرد وسيلة قمعية لتكميم الأفواه.

مشروع القانون الجديد تقدم به النائب عن الحزب الوطني د. مصطفي الجندي، وتضمن حبس من يفتي في الشئون الدينية عبر وسائل الإعلام بدون رخصة رسمية من سنة إلى ثلاث سنوات.وفي تصريحات صحفية أوضح الجندي أنه سيتم إضافة مادة لقانون العقوبات في جرائم اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها دون حق، وتنص المادة المقترحة على أن: “كل من أفتى فتوى في أمور دينية عبر أي وسيلة من وسائل الإعلام سواء المسموعة أو المقروءة أو المرئية، بدون أن تكون له صفة رسمية كجهة اختصاص، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث”.وأشار إلى أن “عقوبة الحبس تكون وجوبا على كل من يدلي بفتوى عبر أي وسيلة إعلامية، أو أي طريق آخر دون أن يكون حاصلا على شهادة معتمدة من دار الإفتاء، وموقعة من فضيلة المفتي نفسه بالترخيص لحاملها بالفتوى”.وكان د.مصطفى الجندي قد ذكر دوافعه للتقدم بمشروع ذلك القانون في تصريحات صحفية فقال: إن تحريض حسن نصر الله للمصريين أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، ضد قيادتهم السياسية وحكومتهم، وتحريضه للجيش، متسترا بخطاب ديني ومدعوما بدعاة فضائيات موالين لفكره بحماس، أطلق موجة من الفتاوى الدينية التي لم تجد من يتصدى لها ويقوم بتفنيدها.و أضاف: إن “من أهم أسباب مشروع القانون الذي تقدمت به لمنع فوضى الفتاوى في الفضائيات الدينية، هو مقاومة مد الفتاوى الشيعية الذي استشرى خلال الحرب الإسرائيلية على غزة وجعل شعوبنا فريسة للخطب الشيعية الحمساوية”و إعتبر أن “حزب الله حاول خلال حرب إسرائيل على غزة تحت ستار فتاوى الجهاد، أن يشعل الثورة في مصر بدعوى مساندة حماس في حربها ضد إسرائيل”.و قد ذكر الدكتور مصطفى الجندي آلية ضبط من يفتي بدون ترخيص، فقال إن لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب حددت لجنة لاختبار كل من يريد الإفتاء، يتكون أعضاؤها من مفتى الجمهورية وشيخ الأزهر ورئيس مجمع البحوث الإسلامية ورئيس محكمة النقض”.وأشار إلى أن : ” مهمة هذه اللجنة ستكون اختبار كل من يريد الإفتاء للناس في الفضائيات وتقدير مدى صلاحيته للإفتاء”جدير بالذكر أن كل من مفتي الجمهورية و رئيس مجمع البحوث الاسلامية و شيخ الأزهر و رئيس محكمة النقض الذين تتكون منهم اللجنة كلهم يتم تعينهم بقرار منفرد من رئيس الجمهورية دون أي قيد أو شرط, و بالتالي فنحن أمام لجنة معينة من رئيس الجمهورية شخصيا تملك منع أو منح المواطن حق الإعلان عن رأيه بدعوى أنه مؤهل أو غير مؤهل, إذن نحن أمام لجنة تشبه لجنة الأحزاب تلك اللجنة التي منعت نشوء أي حزب جديد بدعاوى عدم أهلية البرامج الحزبية المقدمة فلم تسمح بنشوء أي حزب جديد, أو أننا أمام تصاريح جديدة تصدر ظاهريا من مؤسسة دينية بينما أن قرارها الأساسي يصدر من مباحث أمن الدولة كما يحدث في تصريحات الخطابة بالمساجد التي منعت أي أحد لا ترضى عنه أمن الدولة من القاء أي كلمة في مسجد حتى لو كان من كبار الفقهاء الأكاديميين خريجي الأزهر.و قد اعتبر البعض أن المشروع الحالي هو امتداد لمطالبة سابقة من الدكتور علي جمعة مفتي مصر بأن يتم إنشاء مجلس أعلى للإفتاء؛ لمراقبة فتاوى الفضائيات، والدعوة إلى استبعاد غير المؤهلين.و قد رددت مصادر صحفية أن الدافع لتحريك هذا القانون الآن هو مواقف الدعاة المستقلين في الفضائيات أيام أزمة غزة تلك المواقف التي كانت معارضة للموقف الحكومي من الأزمة.وانقسم الأزهريون أنفسهم إزاء القانون المقترح فأيده بعضهم و من أشهر المؤيدين مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة ووزير الأوقاف الدكتور محمود زقزوق الذي قال: “كل من هب ودب أصبح يصدر فتوى، ومنهم علماء الفضائيات، ولابد من سرعة إصدار ذلك القانون لردع هؤلاء الذين يصدرون فتاوى تصرف المسلمين عن قضاياهم الأساسية، وتأخذهم للانشغال بقضايا تافهة وفرعية”و في نفس الوقت رفض القانون المقترح العديد من الأزهرين و على رأسهم الدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر الذي قال في تصريحات صحفية: “لا أستطيع أن أكمم الأفواه، وكل من يريد كلمة حق من فتواه يتحمل حسنتها أو وزرها، ومن يقل فتوى سليمة أشكره ومن يخطئ أنصحه، ولا يمكننى أن أصدر قانوناً يحرم شخصاً من إبداء رأيه، وكل عالم من حقه الاجتهاد، ولكن علينا كمؤسسات دينية، وكعلماء، أن نقدم النصح لمن يصدر الفتوى وأن نرده إلى الدين الصحيح”, كما رفضه الشيخ “السيّد عسكر” عضو مجلس الشعب والأمين العام المساعد السابق لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر مؤكداً أنه وزملاءه أعضاء الكتلة البرلمانية للإخوان، والنواب المستقلين سيقومون بالطعن في دستورية ما وصفه بـ”القانون المشبوه”.وشكّك “عسكر” في نوايا الحكومة من وراء تمرير مشروع القانون، وقال في تصريحات صحفية: “إنها تسعى من وراء إقراره إلى تحقيق أهداف سياسية، وإنه لا يهمها ولا يشغلها على الإطلاق حماية الدين أو الدفاع عنه”.وأضاف: “إن الهدف من ذلك هو تأميم الفتوى، وحصرها في مشايخ السلطة والعلماء الذين يدورون في فلكها ويتقرّبون إليها، بعدما ضاق صدر الحكومة من آراء الفقهاء أو الفتاوى التي تخالف سياستها”.و يثير القانون المقترح العديد من الاشكاليات الواقعية و القانونية و السياسية و الفقهية. فعلى صعيد الإشكاليات الواقعية كانت أبرز الفتاوى التي أثارت استياء الرأي العام في العامين الآخيرين هي:1- “فتوى تحريم الخروج في المظاهرات” و التي أفتت بها الدكتورة سعاد صالح عميدة إحدي كليات جامعة الازهر. 2- “فتوي ارضاع المرأة زميلها في العمل” أفتى بها الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر.3- “فتوي التبرك ببول النبي صلى الله عليه و آله و سلم” أفتى بها مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة.4- “فتوي جواز افتتاح الفنادق لحمامات سباحة تخصص لاستحمام المرأة باللبن” أفتى بها مفتي الجمهورية الدكتور على جمعة أيضا.و كلها مصدرها علماء من كبار الأكاديميين في الأزهر الشريف و ليس دعاة الفضائيات الذين يسن القانون الجديد لإسكاتهم.أما على صعيد الإشكاليات القانونية فإن القانون المقترح يخالف الدستور المصري, فالدستور المصري يؤكد على حرية التعبير عن الرأي وعدم جواز تقييد هذه الحرية مهما كانت الأسباب؛ حيث تنص المادة 47 من الباب الثالث من الدستور تحت عنوان “الحريات والحقوق والواجبات العامة” على أن “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالأقوال أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون؛ لأن النقد الذاتي والنقد البناء ضمانة لسلامة البناء الوطني”.كما يخالف هذا القانون المواثيق الدولية لحقوق الانسان و هي مواثيق ملزمة لكل دول العالم بما فيها مصر, حيث تنص المادة 18 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنها بالتعليم أو الممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها، سواء أكان ذلك سرا أو مع جماعة.أكما تنص المادة 19 منه على أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق آراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، ودون تقيد بالحدود الجغرافية”.و بناء على ذلك فيمكن لأي متضرر من هذا القانون أن يطعن بعدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية العليا في حال صدوره لمخالفته للدستور و للمواثيق الدولية لحقوق الانسان التي وقعت عليها مصر فصارت في قوة الدستور.أما الإشكاليات السياسية التي يثيرها القانون فهي كثيرة فمنها أن كل المعارضين للقانون سينظرون له على أنه تكميم للأفواه لمصلحة الحكومة مما سيعني معارضة شديدة للقانون على أرض الواقع عبر كسر الدعاة و العلماء الذين يستهدفهم القانون للحظر الذي تريد الحكومة فرضه, فهذا القانون في حال السعي لتطبيقه سيصطدم بواقع مستقر على نطاق واسع جدا واقع إجتماعي و سياسي و ديني, ففئات إجتماعية واسعة ترتبط بمئات الدعاة و العلماء من غير الأزهريين و تتواصل معهم عبر الإنترنت و الفضائيات و شرائط الكاسيت بعدما أغلقت أجهزة الأمن المساجد في وجوههم بدعوى عدم الحصول على تصريح وزارة الأوقاف, و هذه الفئات تصم آذانها إزاء كل ما هو حكومي في مجال الفتوى و شئون الدين و لن تستسلم لأي حظر حكومي إزاء من يثقون فيهم من الدعاة, فماذا ستفعل الحكومة لو أصدرت القانون؟؟من المرجح أن هذا القانون ستصدره الحكومة و من المرجح أيضا أنها لن تطبقه حرفيا خاصة في البداية بل سينضم إلى ترسانة القوانين سيئة السمعة كقانون الإشتباه و قانون العيب و غيرهما, و تظل الحكومة محتفظة به في غمده مع سائر القوانين القمعية لتشهره من حين لآخر بشكل انتقائي ضد الحالات الأخطر بالنسبة لها من الدعاة المعارضين لها, و من ثم يتحسس بقية الدعاة رقابهم أثناء إصدارهم الفتاوى خشية أن تطالها صولة هذا القانون, فيتم تدجينهم (لا قدر الله) بالتدريج فينحسر بالتالي الواقع الاجتماعي الحالي المرتبط بالدعاة و يضعف فتتمكن الحكومة حينئذ من السيطرة عليه, و هكذا ستلتف الحكومة على فورة حماس المعارضين حاليا للقانون و الذين هدد بعضهم بالإعتصام أمام مجلس الشعب بينما هدد أكثرهم بكسر الحظر الذي سيفرضه هذا القانون و لو أدى بهم ذلك إلى السجن.أما الإشكاليات الفقهية أمام هذا القانون فهي كثيرة جدا و جوهرية, و منها أن الاسلام دين فيه قدر كبير من الحرية الدينية و التسامح مع الخلاف الديني و الفقهي فلم يحدد جهة واحدة تحتكر هي الكلام في الدين و الفقه و تحجر على غيرها ذلك, صحيح أن هناك مقومات و شروط للفتوى و المفتي لكن هذه الشروط و المقومات ليست بالضيق و الحجر الإحتكار الذي تهدف إليه الحكومة من سن هذا القانون.و لابد أولا أن نفرق بين الفتوى و بين مطلق الكلام في الدين أو في الشئون العامة انطلاقا من الدين, فالفتوى هي رأي فقهي في واقعة جديدة ليس لها مثيل في نصوص القرآن أو نصوص السنة, و هذا ما يسمى إجتهادا في الفقه أو في الدين و هو له شروطه و مقوماته العلمية الي ينبغي توافرها في المجتهد أو الفقيه الذي يقوم بعملية الإفتاء هذه و سنأتي لتفصيل ذلك فيما بعد.أما لو أن للواقعة مثيل في القرآن أو في الحديث فإن المتكلم أو المبلغ لحكم الدين فيها لا يعتبر مفتيا لأنه مجرد ناقل لآية قرآنية أو حديث نبوي, و هذا ليس له شروط ذات بال لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال “بلغوا عني و لو آية” و قال صلى الله عليه و آله و سلم أيضا: “نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا ، سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لاَ فِقْهَ لَهُ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ”, فتبليغ شئون الدين الثابتة في الكتاب و السنة لا شروط لها إلا جودة الذاكرة أي القدرة على الحفظ فقط, فهل يحتاج أحد لتصريح ليعمل بهذين الحديثين اللذين يأمران بتبليغ تعاليم الاسلام؟؟و كذلك الكلام في الشئون العامة كأزمة غزة و فلسطين أو حقوق الإنسان و الحريات وغيرها من القضايا العامة السياسية, و كذلك القضايا الاقتصادية كأزمة إحتكار رجال الأعمال للعديد من السلع, أو القضايا الثقافية كهبوط مستوى العديد من الأعمال الفنية و إسفافها أو تدني مستوى التعليم و غير ذلك من القضايا العامة لا يمكن القول أن على من يتعرض للكلام بشأنها من منطلق ديني لابد أن يكون مستجمعا شروط المفتي و حاصلا على إجازة الإفتاء أو تصريح وزارة الأوقاف الذي هو تصريح مباحث أمن الدولة, فهذا شئ لم يحدث أبدا عبر التاريخ الاسلامي بكل عصوره سواء منها العصور المزدهرة أو العصور المظلمة على حد سواء. وحتى الإفتاء في الأمور التي لم يرد فيها نص من قرآن أو سنة فهذا فيه نوع من النقل أيضا, ذلك أن كتب الفقه القديمة و الحديثة فيها ملايين الفاتوى الجاهزة بشأن العديد من الأمور التي حدثت منذ موت النبي صلى الله عليه و آله و سلم و حتى الآن, و كل الفقهاء مجمعين منذ القدم و حتى الآن (بما في ذلك الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية) على أنه يجوز لكل أحد عنده القدرة على قراءة هذه الفتاوى و نقلها أن يقرأها و ينقلها لمن سأل عن حكم أمر تتعلق به هذه الفتوى الموجودة في كتاب, و لا يشترط في هذا الذي ينقل أن يكون مفتيا مستجمعا شروط المفتي و لا مقومات المجتهد.و بذا تنحصر الفتيا التي تستلزم شخصا ذا سمات معينة و شروط محددة في مجالات ضيقة, و لا تستلزم إصدار قانون قمعي بوليسي لحصرها, ليس فقط لأنها مجالات محدودة و لكن أيضا لأن الحكام في العالم الاسلامي منذ عصر الخلفاء الراشدين و مرورا بعصور الأمويين و العباسيين و المماليك و العثمانيين و الطوائف و الأيوبيين و جميع الملوك و الأمراء و الحكام الذين حكموا العالم الإسلامي على مر العصور لم يجرؤ أحد منهم على العصف بحرية التعبير الفقهي و الديني عبر آلية محكمة مثل هذا القانون المزمع إصداره.و لابد أن نلاحظ أن التسامح مع التنوع و الحرية الفقهية التي تمثل الفتوى أبرز صورها لا تعني الفوضى, و إصدار الفتوى من قبل كل من هب و دب, و لكن الضابط الذي حدده أكثر الفقهاء لضبط إيقاع الفتوى هو ضابط الرأي العام …. الرأي العام لدى الفقهاء الذين يلفظون بأرائهم كل من أفتى بغير علم أو كثر خطأه أو غفلته و سوء تقديره للأمور….. و الرأي العام للمجتمع ككل الذي يترقب رأى الفقهاء العام و يتلقفه ليتمكن من تمييز الطيب من الخبيث من بين المتكلمين في الفقه و الدين.أما الآلية التي يريد أن يحددها القانون المزمع إصداره فهي آلية لا تتفق مع جوهر و و مقصد الفقهاء من إطلاق حرية التعبير و البحث الفقهي, لأن الفقهاء عندما ذكروا ضابط الرأي العام ذكروا أن هناك طريق آخر لتحديد الفقيه الذي تتوفر فيه شروط الإفتاء و هو طريق إمتحان المفتي و إجازته من قبل العلماء الأقدم منه, و لكنهم مع ذلك حددوا طريق الرأي العام بين مجتمع العلماء كطريق أخر, فلو قال أنصار القانون المزمع أن العصر تقدم و لابد من الإمتحان و الإجازة فيقال لهم لقد كان الإمتحان و الإجازة موجودان في الماضي و مع ذلك أباح الفقهاء ظهور المفتي عبر قبول الرأي العام لمجتمع العلماء له و ذلك حفاظا على حرية البحث الفقهي و حرية التعبير عن الرأي الفقهي لئلا يصبح الفقه فقه حاكم أو صاحب سطوة. صحيح أن بعض الفقهاء الأحناف قد نصوا قديما على جواز منع إفتاء من أسموه بالفقيه الماجن أي الذي يفتي بغير علم, و لكن هذا رأي فريق محدود أولا, و ثانيا ما هي الضمانات التي تكفل سلامة التطبيق في ظل الإتجاه القمعي البوليسي الذي يسير وفقه نظامنا الحاكم و الكثير من النظم الحاكمة في العالم الاسلامي و التي تريد عبره مصادرة الدين و احتكاره لصالحها و تكميم أفواه كل معارضيها بدعاوى متعددة.ثم إذا حجر نظامنا الحاكم على الفقيه الماجن فمن يحجر على مجون نظامنا الحاكم الذي ولى نفسه هذا الحكم بالقمع و التزوير؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في العدد الأسبوعي من جريدة الدستور بالقاهرة 18 فبراير 2009 .

إسرائيل تقصف غزة - صورة أرشيفية

إسرائيل أغرقت العرب فى بحر من نار و ذل و دم .. فما هو الحل؟

(1)

إسرائيل تحرق غزة و العالم كله يتفرج بلا حراك.. شئ طبيعي فإسرائيل لها نفوذ بالغ على العالم كله بما يمنع أي حكومة في العالم من أن تفتح فمها بكلمة لوم واحدة على الإجرام الإسرائيلي.

إذن فما الذي يجعل العالم الاسلامي ساكتا كغيره؟

الاجابة بسيطة فحكوماته رهينة أيضا لتأثير النفوذ الاسرائيلي، فلا أمل فيها.

أما شعوب الأمة الاسلامية فهي الأمل الوحيد و هي موضوعنا الذي سنتكلم فيه، و لكن قبل أن نتكلم عن الأمة لا بد من الاشارة لأمر هام جدا و هو أن المذابح و المحارق الاسرائيلية للعرب عامة و الفلسطينيين بصفة خاصة بلاء مزمن بدأ منذ 1948م و حتى الآن، و لم تنجح كل الطرق و الأساليب العربية منذئذ و حتى الآن في التصدي للمشروع الصهيوني و منعه من تحقيق أهدافه، و من هنا كانت أهمية رفض كل الوسائل التي سلكها كل من تصدي لاسرائيل من القادة العرب منذئذ و حتى الآن، من مثل الاعتماد على الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو الدول الكبرى أو المجتمع الدولي أو المنظمات الدولية أو الاقليمية بما في ذلك جامعة الدول العربية و القمم العربية و مبادرات السلام، و القرارات الدولية و …الخ، فكل ذلك لم يجد نفعا طوال ستين عاما أغرقت فيها اسرائيل العرب في بحر من نار و ذل و دم.

و هذا لا يعني أن نقبل فقط ما طرحته و تطرحه القوى الشعبية العربية من تحركات معتادة كالمظاهرات و الهتافات و الخطب و الشجب والتنديد و نحو ذلك، لأن ذلك كله جربناه أيضا طوال ستين عاما دون جدوى اللهم الا مزيدا من الذل و القهر نترجعهما صباح مساء بطعم العلقم.

اذن فما الحل؟

الحل بيد الشعوب العربية و الاسلامية لكنه حل مختلف عن كل ماسبق، اذ يجب أن تسفعنا النار التي تصلاها غزة لنستيقظ و ننخلع من نمطيتنا التي اعتادت العجز، فننطلق في آفاق التغيير و الاصلاح و من ثَمَ إيقاف المحرقة و المقصود ليس المحرقة الدائرة منذ أيام بل الدائرة منذ 60 عاما ليس في غزة وحدها بل في كل أنحاء العالم الاسلامي.

(2)

الأمة الاسلامية ليست فقيرة في مقومات القوة بل بالعكس هي ثرية في هذه المقومات، لكنها تعيش عصر تدهور سياسي كالذي عاشته أيام الحقبة الصليبية، فعندما هاجم الصليبيون المشرق العربي لم تكن الأمة فقيرة لكنها كانت مبتلاة بحكام مبددين و مستبدين و فاشلين، فهم مبددون بددوا ثروات الأمة و نهبوها، و هم مستبدون انفردوا بالحكم بعيدا عن إرادة الأمة و اختيارها، و هم فاشلون لأنهم فشلوا في كل شئ عدا قمعهم شعوبهم.

كانت الأمة الاسلامية في عصر الهجمة الصليبية وافرة العدد و العدة تملك المال و الرجال و السلاح و الحصون لكنها لم تملك القيادة التي يمكنها أن توظف هذا كله في أي شئ مفيد لأمتها، لقد اقتصرت مهاراتهم فقط على قهر شعوبهم و قمعها و الاستئثار بالحكم دونها.

نفس الشئ نجده اليوم.. الأمة الاسلامية غنية بمقومات القوة لكنها ابتليت بحكام يجثمون على صدورها و لا وظيفة لهم الا قمع شعوبهم و الاستئثار بثروات بلادهم و حراسة المشروع الصهيوني و الغربي في المنطقة بل في العالم، فحكامنا حائط الصد الأول ضد الشعوب الاسلامية المناهضة للمشروع الصهيوني و الغربي.

حكامنا المتشددون

و من لا يصدق هذا فليتفحص مواقف حكامنا المتشددين و ليس المتهمين بالتواطؤ مع اسرائيل، سنجد أن متشددي حكامنا اليوم جل جهدهم الآن هو الدعوة لعقد قمة عربية طارئة، و دعوة مجلس الأمن الدولي لادانة العدوان الاسرائيلي على غزة، و دعوة الدول العربية المطبعة مع اسرائيل لقطع علاقتها معها أو سحب سفيرها منها!!

بل إن حاكم سوريا زعيم التشدد العربي المزعوم منذ 35 عاما لم تطلق قواته طلقة واحدة تجاه اسرائيل، رغم عربدة قوات اسرائيل مرارا في أرضه و سمائه حتى أن الطائرات الحربية الاسرائيلية اعتادت التنزه فوق القصر الجمهوري السوري من حين لآخر دون أن يطلق عليها طلقة واحدة!!

هذا هو حال حكامنا المتشددين و منه تتبين حال غيرهم من المتنازلين أو المعتدلين أو الموالسين أو ….الخ.

و من هنا يظهر جانب من الأزمة و هي أزمة القيادة، و لكن ليس الأزمة كلها أزمة قيادة، فهناك أزمة في الشعوب نفسها، كما أن حل أزمة القيادة هو مسئولية الشعوب نفسها، فلا بد أن تخرج من الشعوب قيادة جديدة.

(3)

أزمة القيادة في العالم العربي

إذا كنا تبينا أننا نعيش أزمة قيادة، فلابد أن نلاحظ أنها ليست أزمة قيادة في النظام الحاكم فقط بل هي أيضا أزمة قيادة بين علماء الإسلام ، و أزمة قيادة داخل الحركة الإسلامية الواسعة بكل تياراتها، و أزمة قيادة داخل تيارات المعارضة بكل أطيافها فالقيادة في هذه التجمعات كلها عاجزة عن التعامل بشكل ناجح مع التحديات المفروضة، هم يحاولون و يجتهدون، لكن حتى الآن لم تظهر القيادة المبدعة التي تستطيع أن تتغلب على العقبات و التحديات المفروضة على امتنا العربية و الإسلامية، نعم هناك تآمر دولي و إقليمي و محلي لمنع هذه الأمة من أن تنهض من جديد و لكن هذا التآمر هو أحد التحديات الكبرى التي يتوجب على القيادة الفذة أن تواجهها و تتغلب عليها.

و إذا كنا نتكلم عن أزمة القيادة و القيادات فينبغي أن نلاحظ أيضا أزمة الأمة أو الشعب أو الجنود، فالله تعالى سيحاسب كل شخص بمفرده عن عمله الشخصي، صحيح أن الحساب يكون بقدر الامكانات و القدرات فحساب العالم ليس كحساب الجاهل و حساب الصحيح ليس كحساب المريض، و لكن في النهاية فالكل سيحاسب عن العمل الشخصي و عن العمل العام، و هناك واجبات عامة على كل مسلم ينبغي أن يقوم بها في الفضاء العام و ذلك من شعب الإيمان التي ذكر النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق، ومن العمل العام رفع الظلم و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بما في ذلك المنكر السياسي و الاقتصادي و المعروف السياسي و الاقتصادي، لا سيما أن المسلم مفروض عليه حفظ مقاصد الإسلام الضرورية الستة و هي بالترتيب:

الدين.

و النفس.

و العقل.

و العرض.

و المال.

والنسل.

و من هنا يمكننا أن ندرك حجم الأزمة في صفوف الشعب المتمثلة في السلبية العامة و عدم السعي للاشتغال بالعمل العام خاصة ما كان منه مختص بالعمل الديني أو السياسي الإصلاحي.

و لكن حتى لا نغالي في تحديد حجم خطيئة الشعب في سلوكه مسلك السلبية تجاه الشأن العام لابد أن نشير لحجم القمع السياسي الذي تعرض له الشعب عبر سنوات طويلة، و من هنا نعود مرة أخرى لدور النخبة (أي القيادة و الناشطين البارزين) التي ينبغي عليها تجاوز هذا التحدي.

(4)

كيف نوقف محرقة غزة؟

الحاصل فيما يتعلق بموضوعنا الراهن و هو محرقة غزة أننا نحتاج لعمل ذي أهداف بعيدة المدى بجانب الأعمال قريبة المدى، لأن الأعمال قصيرة المدى أثبت الواقع و التاريخ أنها غير مؤئرة فالمحارق و المصائب مازالت تحيق بالمسلمين منذ مئات السنين و لم تجد المواقف و الأعمال قصيرة المدى شيئا، و ما أكثر الاحتجاجات الجماهيرية المناصرة لقضايا المسلمين الدولية و الاقليمية و المحلية و مع ذلك يسير أعداء الأمة بخطى ثابته و يحققون أهدافهم باطراد يحسدون عليه.

أما نحن فنصيبنا الهزيمة و الصياح… نعم لابد من العمل العام و لا بد من الاحتجاج و لابد من السعي للضغط من أجل مناصرة اخواننا المسلمين في كل مكان، و لكن يتحتم ألا يشغلنا ذلك عن العمل طويل المدى بخطى راسخة من أجل النهوض بالأمة نهضة حضارية كبرى تستعيد بها أمجادها التليدة، و لن يتم ذلك الا بأن نجهز اجهازا تاما على أمراضنا الحضارية و الدينية، فنتخلص من قابليتنا للاستعمار و قابليتنا للاستبداد و قابليتنا للظلم و قابليتنا للجهل.

و ذلك لأن أحد أمراضنا الكبرى أن العمل اليومي يستغرقنا و يعوقنا عن العمل بعيد المدى أو العمل الاستراتيجي، و بذا يستنزفنا أعداؤنا باطراد.

و لنتذكر جميعا ما يحدث لنا مع كل حادث أليم تصاب به أمتنا فنجد منا الغضب و الصياح و التظاهر و بعد قليل من أيام أو شهور نمرض بمرض التعود على الألم و التعايش معه و نهدأ و ينتهي صياحنا و مظاهرتنا و في نفس الوقت يترسخ الألم و تتعمق المصيبة و تصبح جزءا من كياننا، فالأراضي المحتلة محتلة و الحكام المستبدون يزدادون استبدادا و قمعا لشعوبهم، فلنحطم التعود و التعايش مع المشاكل و المصائب كي نوجد لها حلولا جذرية و حقيقية و لا نكتفي بالمحاولات الاحتجاجية و الاصلاحية قصيرة المدى قصيرة النفس كيلا تحترق غزة و فسطين و العراق و أفغانستان و كل بلاد الاسلام مرات أخرى في الأعوام القادمة.

العالم الاسلامي

في آفاق التفكير الاستراتيجي و السياسى الإسلامى

يعتبر التفكير الاستراتيجي من أصعب أنواع التفكير ليس لكثرة قوانينه و قواعده وتشعبها و تشابكها مع العديد من العلوم الإجتماعية الأخرى و لكن بسبب أنه يحتاج قدرة كبيرة على التخيل الواقعي لمدى زمني و جغرافي كبير، بجانب استلهامه دروس التاريخ على مدى زمني كبير يشمل كل الزمن و على مدى جغرافي كبير يشمل كل العالم.

و السياسة و فكرها تلي التفكير الاستراتيجي في الصعوبة فهي رغم صعوبتها تمثل صعوبة أقل قليلا من التفكير الاستراتيجي، و هذا الفرق البسيط يتلاشى لأنه كثيرا ما تندمج السياسة بالاستراتيجية.

التأمل السياسي والاستراتيجي

على كل حال فهذه كانت مقدمة لابد منها للدخول لموضوعنا الذي هو عدد من الأفكار هدفها الدفع للتأمل السياسي والاستراتيجي من منطلق المعايير الفقهية المستقرة في مجال السياسة الشرعية، إنها دعوة لإطلاق الفكر للتأمل في آفاق السياسة و الاستراتيجية الإسلامية بأسلوب سهل يستفيد منه الجميع و يدركه و يتفاعل معه غير المتخصص ان شاء الله.

و مما يسهل عملية التفكير الاستراتيجي أن يتخيل المتفكر ما هي أهدافه و تصوراته النهائية التي يريد أن يصل اليها، و في حالة الحركة الاسلامية بكافة فصائلها الحيوية فالهدف هو إعادة الخلافة على منهاج النبوة، و التصور النهائي هو دولة إسلامية واحدة تضم كافة الأراضي الاسلامية التي يمثل فيها المسلمون أغلبية الآن.

و هذا التصور سيفرض عليك تخيل شكل هذه الدولة، و الذي سنتعرض له في هذا المقال جانب من الشكل السياسي و ليس كل الجوانب السياسية و نقصد به البناء السكاني للدولة إن جاز التعبير.

و المتأمل للرقعة الإسلامية المرجو توحيدها تحت راية خلافة راشدة على منهاج النبوة يجد أنها تضم أجناسا و أعراقا شتى و أديانا شتى و مذاهب فقهية متعددة و عقائد ومذاهب متنوعة داخل الدين الواحد.

أجناس و أعراق المسلمين

فمن حيث الأجناس و الأعراق سنجد تمثيل لمعظم الأجناس و الأعراق الاثنية المختلفة الموجودة في العالم، نعم سنجدها كلها موجودة و ممثلة في العالم الاسلامي (الدولة الاسلامية الواحدة)، كما سنجد الأديان السماوية كاليهودية و النصرانية موجودة بنسب كبيرة من عدد السكان بجانب الأغلبية المسلمة، و سنجد الأديان غير السماوية كالمجوسية و الصابئة (و ان كان لبعض الفقهاء رأي بأنهم من أصول سماوية محرفة)، كما سنجد الوثنيات المختلفة كما في جنوب السودان و في أجزاء اخرى من أفريقيا و أسيا (عباد البقر و البوذية و التاوية و غيرها).

مذاهب المسلمين

اما المسلمون فسنجد جميع مذاهبهم الفقهية كالشافعية و الأحناف و الحنابلة و المالكية و الظاهرية و غيرهم، كما سنجد جميع فرقهم العقيدية كالسنة و الشيعة و الخوارج و الصوفية و المعتزلة و الاشاعرة، سنجد هذه المذاهب و الفرق الاسلامية بكثرة و بنسب كبيرة جدا من عدد السكان.

و سنجد الكثيرين من المسلمين المخلصين الذين تلوثت عقولهم بأفكار غريبة عن الاسلام بسبب الغزو الفكري الغربي السابق.

فكيف تكون علاقة كل هذه الأعراق و الملل و النحل و المذاهب ببعضهم البعض من ناحية و بالدولة التي تحكمهم من ناحية أخرى (دولة الخلافة النبوية)؟؟

الخبرة الإسلامية التاريخية

من يرد تصور هذا المشهد بطوله و عرضه و عمقه سيحتاج استدعاء الخبرة الإسلامية التاريخية حول ذلك في عصر النبي صلى الله عليه و آله و سلم و عصر الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم أجمعين، كما أنه سيمر مرورا سريعا بقدر قليل من التريث على الخبرة الاسلامية في العصر الأموي و العصر العباسي الأول لكن مروره على هذين العصرين سيكون مرورا حذرا باستثناء عصر عمر بن عبدالعزيز الذي يشبه عصر الراشدين في التزامه بالأسس و المعايير الإسلامية.

و في هذا التأمل سنلاحظ التسامح الإسلامي مع التنوع الديني و العرقي و المذهبي في إطار من الحزم و الوحدة، و سيتأمل حرية الرأي و حرية الفكر و حرية التعبير الكبيرة، سيجد وحدة مقترنة بالتنوع و حزما مقترنا بالتسامح و حرية منضبطة بالثوابت الإسلامية.

زيارة الى المستقبل

و لسنا بصدد تفصيل هذا الآن و لكن نريد فقط أن نتحرك بأفكارنا في رحلة الى المستقبل يصحبها عبق الماضي التليد بأمجاده الموضوعية العملية و ليست فقط أمجاده الوجدانية و الحماسية كي يمكننا أن نتغلب على الفكر القاصر الذي يبتعد كثيرا عن أدنى أبجديات التفكير الاستراتيجي و السياسي المنضبط بضوابط الشرع الاسلامي.

لابد في هذه الرحلة أو الزيارة الى المستقبل أن نتخيل متطلبات الدولة الإسلامية الناجحة من تجانس و تعايش اجتماعي و شعبي و من استقرار سياسي و اقتصادي و من تكاتف و تكافل اجتماعي و اقتصادي شامل ومن تقدم و تنمية و تطور مستمر في كافة المجالات.

و بعدما نتخيل كل هذا و نحدد معالمه الرئيسة لابد أن نعود إلى واقعنا المعاش و نرتب خططا و تصورات و مناهج و مواقف تنبني على مقتضيات التفكير المستقبلي الذي حددناه بزيارتنا للمستقبل بعقولنا على النحو المذكور آنفا، و مجموع هذا كله سيمثل البناء المتكامل لفكرنا السياسي و الاستراتيجي.

الضوابط و القواعد الفقهية

و عندما نتم ذلك كله في إطار من الضوابط و القواعد الفقهية، سنتمكن من الوصول الى مستوى ناضج من التفكير السياسي و الاستراتيجي الإسلامي، كما سنستطيع أن نرتقي بوجداننا الى مواكبة هذا النضج السياسي والاستراتيجي مما يساهم في جعل أعمالنا في نفس مستوى تفكيرنا من النضج و العمق، لأنه أحيانا يكون تفكيرنا منضبطا شرعيا و إستراتيجيا و لكن وجداننا و مشاعرنا تكون على حالة مختلفة، لذلك لابد من التوحد بين التفكير و الوجدان.

 و هذا المستوى من الفكر و الوجدان سيغير من طبيعة أعمالنا و أنشطتنا المعاصرة لأنه سيكون منطلقا جديدا من أرض جديدة عقليا و وجدانيا، ليست جديدة فقط في صلابتها و لكن أيضا جديدة في طبيعة و أنواع مكوناتها.

و اذا كنا فيما مضى من سطور قد بسطنا سبيلا للتفكير السياسي و الاستراتيجي، فان سؤالا يطرح نفسه بشكل طبيعي بعد كل هذا الكلام و هو:

كيف يتمكن المرء من ممارسة هذا النوع من التفكير أو بتعبير أدق ما هي الأدوات العلمية التي تساعد المرء على سلوك هذا المسلك من التفكير؟

أول هذه الأدوات هو فقه السياسة الشرعية فهو القاعدة الأساسية في ضبط التفكير بالمعايير الشرعية في السياسة و الإستراتيجية خاصة فيما يتعلق بالقواعد و الضوابط الفقهية في مجال السياسة و الاقتصاد و الإستراتيجية، و ينبغي الاهتمام بأصول الفقه لأنه منهج الفهم و الاستنباط لكل ما ذكرناه من موضوعات شرعية كما أن التركيز على باب مقاصد الشريعة أمر هام جدا في مجال الاستفادة بعلم أصول الفقه كأداة من أدوات التفكير السياسي و الاستراتيجي.

 و يلزم الذي يبحث في السياسة و الإستراتيجية أن يلم الماما مناسبا بفهم صحيح لعلوم العقيدة و الملل و النحل، و التاريخ الاسلامي و التاريخ بعامة، بالاضافة لعلوم الاقتصاد السياسي والاجتماع و جانب من الجغرافيا البشرية.

هذا كله فضلا عن علمي السياسة و الإستراتيجة الذين هما لب تخصصه.

لكن هذا كله لا يشغلنا عن أمر مهم و هو القدرة العالية على التخيل و التوقع من خلال الأطر العلمية المذكورة.

التناقضات الدولية

المسلمون و التناقضات الدولية المقبلة

خلال السنوات القليلة القادمة سوف يتبلور نظام دولي جديد، وسيكون متعدد الأقطاب، و تعدد أقطاب القوى الدولية يعكس في حقيقة الأمر شكلا من أشكال الاختلاف أو التناقض الدولي، فماذا يفعل المسلمون ازاء هذا الوضع الجديد في السياسة الدولية؟؟

تعدد الأقطاب في النظام الدولي

إن تعدد الأقطاب في النظام الدولي بما يصحبه من تناقضات و اختلافات دولية يحمل بين طياته العديد من الفرص و المخاطر، و لندع المخاطر جانبا في هذا المقال و لنركز على الفرص.الفرص تتمثل في امكانيات تبديد قوى العدو و استنزافها بل تحجيمها باستغلال مساندة قوة قطب آخر متناقض مع العدو، كما تتمثل في الحصول على فوائد من أحد الأقطاب بحجة التحالف معه ضد قطب أخر أو بحجة نبذ التحالف مع عدوه من الأقطاب الأخرى.و رغم أن النظام الدولي متعدد الأقطاب يتيح فرصا أكبر من النظام ثنائي القطبية الا أن العديد من القوى الدولية الصاعدة الآن و التي من المنتظر أن تلعب دورا كبيرا كأقطاب دولية في النظام الدولي الذي نقف على أعتابه استفادت من الثنائية القطبية بين الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة في بناء قوتها الذاتية الاستراتيجية و الاقتصادية و التكنولوجية و من هذه الدول: الهند و الصين و الكوريتين و تايوان و اليابان و ودول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا.

الهند و كوريا الشمالية

فالهند و كوريا الشمالية استفادتا من علاقاتهما بالاتحاد السوفيتي السابق في بناء قوتهما العسكرية الذاتية القائمة على تصنيع محلي الى حد كبير لا سيما في مجال الأسلحة الاستراتيجية كالصواريخ متوسطة و بعيدة المدى و الأسلحة النووية و الكيميائية و جانب من قطع الغيار المهمة و أسلحة ثقيلة اخرى، و كذلك فعلت الصين في سنوات نشأتها الأربع الأولى و التي حازت فيها ركيزتها الصناعية العسكرية الرئيسة و الأولى في الصواريخ و الطائرات و الدبابات و الأسلحة النووية عبر علاقاتها السوفيتية فصنعت نسخا صينية بحتة من الطائرات و الدبابات و الصواريخ السوفيتية في هذا الوقت، هذا بجانب استفادتهم جميعا في مجال دعم قواهم الاقتصادية و التكنولوجية بعامة.

اليابان و دول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا 

كوريا الجنوبية و تايوان و اليابان و دول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا استفادوا جميعا من علاقاتهم بشكل أو بأخر بالولايات المتحدة الأمريكية القطب المناوئ و المنافس للإتحاد السوفيتي السابق فانتفعوا في تطوير اقتصادياتهم و تصنيعهم و تعليمهم و تسليحهم مما أهلهم الآن للعب دور محوري في نظام دولي جديد متعدد الاقطاب.الهند التي كانت حليفة للاتحاد السوفيتي السابق سرعان ما استوعبت حقيقة انهياره فنقلت صداقتها الى السيد الأوحد (الولايات المتحدة) لتواصل تطوير اقتصادها و تصنيعها وتسليحها كما استفادت من مرحلة الانهيار السوفيتي بأن اشترت منه سلاحا و تكنولجيا متقدمة جدا بأثمان زهيدة.

الصين

الصين عندما قاطعها الاتحاد السوفيتي في منتصف الخمسينات تقريبا ظلت محاصرة نسبيا من القوتين العظميين الى أن نجحت في اقامة علاقات مع الولايات المتحدة مطلع السبعينات لتستفيد اقتصاديا و سياسيا و بدرجة كبيرة تكنولوجيا.هكذا تستفيد الدول و القوى من السياسة الدولة و تعدد الأقطاب فيها.

أما في عالمنا العربي و الاسلامي فلا تكاد تجد نموذجا يشبه هذه النماذج التي بنت مستقبلها بتخطيط و تنفيذ استراتيجي دقيق، ففي حالة مصر التي بدأت عهدا جديدا بانقلاب 23 يوليو 1952 م بفارق ثلاث سنوات فقط عن نشأة دولة الصين الشعبية التي نشأت بالثورة الشيوعية عام 1949م و في طور نشأة دولة الهند (استقلت عن التاج البريطاني عام1947م و أعلنت الجمهورية 1950م) مع ذلك فالمقارن لحال الهند و الصين اليوم من جهة و حال مصر من جهة أخرى لا يجد وجها للمقارنة لا اقتصاديا و لا تكنولوجيا و لا استراتيجيا.

الثنائية القطبية

و هكذا استفادت العديد من القوى الدولية بالثنائية القطبية سابقا مما يشير الى استفادة قوى دولية عديدة في المستقبل القريب بالتعددية القطبية المنتظرة في النظام الدولي الجديد، لكن ذلك يشير ايضا لعدم استفادة القوى العربية و الاسلامية بهذه التعددية القطبية المنتظرة بالضبط كما لم يستفيدوا بالثنائية القطبية السابقة.

أما الحركة الاسلامية بكافة أطيافها الفكرية فهى لا تكاد تلقي بالا لهذه الأمور رغم اهميتها.

استفادة النبي صلى الله عليه و آله و سلم من التناقضات الدولية

و لعل من المفيد هنا ان نشير في عجالة ليس فقط الى استفادة النبي صلى الله عليه و آله و سلم من التناقضات الدولية بل و سعيه الى خلق هذه التناقضات كي يستفيد منها:

فمن أمثلة استفادته بالتناقضات الدولية القائمة اقامته صلى الله عليه و آله و سلم للتحالفات مع القبائل المحيطة بقريش من عدة جوانب مما سهل له عملية حصار قريش اقتصاديا مما أدى بعد عدة سنوات لعقد هدنة صلح الحديبية مع قريش بعدما عضتها الحرب و الحصار الاقتصادي النبوي.

أما من أمثلة خلقه للتناقضات الدولية كي يستفيد منها في عمله السياسي و الاستراتيجي فهو ما فعله أيام غزوة الأحزاب من تسريبه معلومات حددها بدقة زرعت بذور التناقض و الشقاق بين يهود خيبر و قريش مما فصم عرى التحالف بينهما، ذلك التحالف الذي كان قادرا بأن يهدد دولة المدينة استراتيجيا لو أنه استمر قائما.

كذلك فإن من أمثلة سعي النبي صلى الله عليه و آله و سلم لخلق التناقضات الدولية بين اعدائه ما حاوله من بذل جزء من ثمار المدينة لثقيف مقابل تخليهم عن تحالفهم مع قريش و تركها و الرجوع عن غزو المدينة أيام غزوة الخندق.

و لعل الاشارة الأقوى في هذا المجال تأتي من ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم عندما أملى نص وثيقة صلح الحديبية، فنص فيها على بند غاية في الأهمية فيما يتعلق بموضوعنا، و هذا البند هو الذي يقول أن من أراد أن يدخل في حلف مع قريش فليدخل و يصير بذلك ملتزما بموقف قريش في الاتفاقية، و من أراد أن يدخل في حلف مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم فليدخل و يصير بذلك ملتزما بموقف النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الاتفاقية، ليعزز بهذا النص حالة الاستقطاب بين القبائل ما بين محالف للنبي صلى الله عليه و آله و سلم، و ما بين محالف لقريش تمهيدا لساعة الحسم التى حانت فيما بعد يوم فتح مكة، عندما سار النبي صلى الله عليه و آله و سلم اليها بعشرة آلاف مقاتل كثير منهم كانوا من القبائل التي دخلت في جانب النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أسلمت و اطاعته.