رغم أنى أحلل و أكتب عن الحركات الإسلامية منذ ١٩٩٠ حتى الآن وأتابعها واراقبها منذ ١٩٧٩ وصدر لى عنها خمسة كتب حتى الآن، إلا إننى حتى الآن لا احفظ ولا افهم خريطة الحركة الاسلامية فى ثورة سوريا، ولا افهم لماذا تعددوا لهذا العدد الكبير جدا الذي يستعصى على عقلى حفظه أو فهمه خاصة فى ضوء أحداث ومجازر النظام ضدهم خاصة فى حلب.
من واقع وخبرة تاريخ وتطورات الحركات الاسلامية فى مصر وخلافاتها نجد انها اختلفت فى أحد الحالات التالية:
-الخلاف حول استرتيجية التغيير قسمها الى إخوان مسلمون وجهاد وجمعيات وسلفية وقطبيين.
-الخلاف الشخصى بين القادة قسم الجهاديين الى جماعة الجهاد والجماعة الاسلامية ثم تعمق الانقسام بتمايز وتباين تكتيكات وأساليب كل من الجماعتين عن بعضهما البعض بمرور الوقت.
-الخلاف العقيدى صنع جماعة المسلمين بقيادة شكرى مصطفى منفصلة عن بقية الجماعات كما صنع جماعات ومجموعات أخرى أصغر تاليا مثل الشوقيين والناجون من النار وغيرها.
-اليد الأمنية صنعت بعض الجماعات أو المجموعات واخترقت جماعات قائمة ووجهتها كما تشاء لخدمة أهداف أجهزة الحكومة.. وبالطبع فقد اختلفت هذه الجماعات والمجموعات مع الباقين وأثارت خلافات وجدالات كثيرة بالساحة.
-الخلافات فى الأساليب والتكتيكات أزكت الخلافات المذكورة فى المحاور السابقة لكنى لم الحظ لها تأثير بخلق خلاف أساسى او تقسيم الجماعات حسبما أذكر الآن، بل بالعكس لاحظنا تسامح بين الحركات المختلفة حول هذا النوع من الاختلاف خاصة بعد ثورة يناير فى مصر وربما حتى الان وذلك بدرجة او بأخرى..
ومن هنا فأنا أتساءل أنا وغيرى كثير عن مبررات ومسوغات تعدد الفصائل والجماعات فى الثورة السورية للدرجة التى تجعل من الصعب حفظ كل هذه الأسماء والرايات التى تمثل عشرات الفصائل والكتائب والفيالق والجماعات والجيوش رغم انهم كلهم ضد بشار ويحملون ضده السلاح وكل الثوار لا يكفرون بعضهم بعضا فهم لا تفرقهم العقيدة (باستثناء داعش التى تكفر الكثيرين ممن خالفها).. فلما كل هذا الاختلاف يا قوم؟؟.
وأخشى أن يذكرنا هذا بعصر ملوك الطوائف بالأندلس عندما قال الشاعر:
مما يزهدنى فى أرض أندلس..
*****أسماء مقتدر فيها ومعتضد
ألقاب مملكة فى غير موضعها..
*****كالهر يحكى انتفاخا صولة الأسد
وأرجو من اخواننا بالثورة الشامية ألا يضيق صدرهم من تساؤلاتنا وتعليقاتنا لأن ثورتهم تهم كل الشعب العربى والأمة الإسلامية لأنها حلقة من حلقات التحرر الإسلامى والعربى وأيا كانت نتائجها فهى تجربة عربية إسلامية ينبغى أن ندرسها جيدا ونتعلم من ايجابياتها وسلبياتها.
كتب- عبد المنعم منيب
بعد مأساة حلب الأخيرة فرح أكابر المجرمين واستكبروا بينما حزن المؤمنون بل حزن كل محب للحق والحرية والعدالة مهما كانت عقيدته، وكتب عدد من كبار الكتاب الأوروبيين والأمريكيين عن ما اعتبروه “درس من حلب”، وكان أبرز ما قرأته درس كتبه أمريكى وآخر كتبه فرنسى (على ما أذكر) بالإضافة لدرس ثالث كتب عنه كل من كتب من الأخوة المسلمين عن حلب الجريحة الحبيبة، وقد كان لى رأى مختلف بشأن هذه الدروس الثلاثة حيث خالفت وجادلت فيهم كما أضفت درسا رابعا لتكون دروس حلب الحبيبة الجريحة بل دروس سوريا الحبيبة لنا نحن المسلمون هى أربعة دروس كالتالى:
الدرس الأول: هل نجح القمع وفاز الديكتاتور؟
قالوا أثبت سقوط حلب أن الديكتاتور إذا قمع بشدة سينجح فى دفن الثورة والاستمرار فى الحكم .. وهذا ليس درسا جديدا فهو مقرر محفوظ لدى العرب والمسلمين، فالكل يعلم هذا وظل هذا متبعا بالمنطقة منذ ناصر ومنذ قالت cia لناصر اقمع المعارضة بشدة مهما تصاعدت وشعرت أنها ستنتصر وإياك أن تتفاوض معها أو تقدم أى تنازل (راجع الدراسة التى قدمتها CIA لناصر ليسير وفقها فى الحكم فى مقدمة كتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلاند).. وذكرنا بنفس النهج الغربى هذا مؤلف كتاب “الأصولية الاسلامية فى العالم العربى” الصادر بأميركا عام ١٩٨٢ (حيث مدح طريقة ناصر فى التعامل مع الحركة الاسلامية كما مدح حافظ الأسد والقذافى لأنهما الوحيدان السائران على طريقة ناصر فى مواجهة الحركات الإسلامية، ونلاحظ أن هذا جاء رغم المعاداة الظاهرية لأميركا للأنظمة الثلاثة لكن الأهم عندهم هو ضرب الاسلاميين طبعا) وهذا الكتاب كان أصلا تقريرا أعده مؤلفه بطلب من الخارجية الامريكية إثر اغتيال السادات وقدم لها فى ديسمبر ١٩٨١ ليوضح لها السياسات التى ينبغى أن تسلكها لمواجهة الحركات الاسلامية فى العالم العربى.
إذن فأمر القمع الشديد لآخر مدى فى مواجهة المعارضة معروف للشعوب وللاسلاميين لكنهم مع الربيع العربى لاحت لهم فكرة ظنوا انها ناجعة وهى الانتفاض الشعبى بسبب سيادة عصر الجماهير بالعالم فانتفضوا وغرتهم إزاحة بن على فى تونس ومبارك بمصر وتدخل الناتو فأزاح القذافى فى ليبيا .. لكن إيران أولا ثم روسيا تاليا ساندت نظام بشار ضد ثورة الشعب السورى كما ساندته أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل عبر منع السلاح عن الثورة .. ومن هنا فالدرس ليس انتصار الديكتاتور بالقمع ولا نجاح قمعه بسبب استعانته بقوى إقليمية ودولية ولكن الدرس هو أنه لابد من تكتيكات واستراتيجيات مبدعة فى مواجهة هذا النمط من القمع، استراتيجيات وتكتيكات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية لا تقتصر على ما فعلته فعلا الثورة السورية حتى الآن بل تتعداه وتزيد عليه لتفعل كيسا وتنجح.
إذ يجب أن تتعداه الى أشياء جديدة تستوحى وتستنبط وتطور (ولا تستنسخ) من تجارب اخرى متعددة حول العالم.
الدرس الثانى: هل ثبت أن القوى الدولية والأمم المتحدة لا يحمون الحرية والعدالة؟
قالوا ايضا إن من دروس سقوط شرق حلب إن النظام الدولى بما فيه الغرب والأمم المتحدة (فضلا عن ديكتاتورية الشرق الممثلة فى روسيا والصين) كل هؤلاء لا يقيمون وزنا لحماية أمن الشعوب وسلامتها والدفاع عن حقوق الانسان وأنهم سقطوا أخلاقيا ..الخ وفى الواقع فإن هذا أيضا ليس جديدا على العرب والمسلمين فسبق ان جرت مذابح لشعوب مسلمة وعربية عديدة ليس فقط بتجاهل أو تواطؤ دولى بل بأيدى الشرق تارة والغرب تارة أخرى .. وليس مجهولا ما حدث فى كل من فلسطين وأفغانستان والعراق والبوسنة وكوسوفو وتتار القرم ومسلمى الصين وبورما وأسام وكشمير الهندية وعشرية الجزائر وحقبة ناصر ومبارك بمصر والقذافى بليبيا وحماة أيام حافظ الأسد وعراق صدام وما يجرى لعرب وسنة إيران حتى الآن.. الخ
فكل هذا معلوم ومحفوظ لكن هناك اتجاهات إسلامية وعربية متميعة عقيديا ومغفلة سياسيا ظنت أنها يمكن أن تقنع النظام الدولى بأن يسمح للشعوب العربية والإسلامية السنية بالتحرر ولكن درس حلب الحقيقى (وسوريا) الآن جاء جليا ليسقط كل هؤلاء المغفلين سياسيا والمتميعين عقيديا ويقول لكل مسلم وعربى:
” لن تنالوا حريتكم بالتوسل والتسول وانما بالقدرة المادية والمعنوية، فافهموا جوهر هذه القدرة بكل تفاصيلها واحصلوا عليها بكل وسيلة وكل حيلة حتى تنتزعوا بها حريتكم وكرامتكم”.
الدرس الثالث: هل خلافات الجماعات السورية هى من هزمت حلب؟
كل المتكلمين والكتاب العرب والمسلمين ذكروا أن الخلافات بين القادة والزعامات وكثرة التحزبات وتفرق الجماعات هو السبب فى الهزائم فى حلب خاصة وفى سوريا عامة، وهذا توصيف خاطئ للمشكلة لأن التحزبات وخلافات الزعامات تزول أو تؤجل عندما يداهم الخظر مصالح الجميع ولكن حقيقة ما حدث هو عقد القيادة والسيادة لبعض التافهين الأغرار الذين تم تقديمهم لمناصب قيادة الأحزاب والجماعات فى الثورة السورية إما لتهورهم وحمقهم وارتفاع صوتهم ورفعهم شعارات أسخن من شعارات غيرهم وإما لإجادتهم التلبيس والدجل على جماهير أتباعهم، لأن العقلية التى تؤثر الزعامة على بقاء أمة من المسلمين وعلى بقاء أجزاء حررتها دماء ذكية من أيدى الطاغوت هى عقليات صبية يعبثون وليست عقليات زعماء وقادة يتصارعون فأى قائد أو زعيم مولع بالزعامة والرياسة ويتصارع عليها بالدم والمال لو دهمه الخطر سيؤجل طموحاته فى الرياسة لحين دفع الخطر خاصة إذا كان خطرا وجوديا كما هو الحال فى سوريا (والعراق بل والعالم العربى والاسلامى الآن عامة)، وسأسمع الأصوات تنتقد نعتى لهم بأنهم مجرد صبية عابثون جلسوا على أرائك القيادة ولكنى أرد مقدما وأصر على هذا الوصف بل وأقول إنهم إن لم تكن عقولهم عقول صبية يعبثون وإذا ثبت أن عقولهم عقول طبيعية بالغة الرشد فهم إذا مجرمون أفاقون تسلموا القيادة ليوقعوا بالأمة فى الهلاك.
الدرس الرابع: لماذا لم تجد شجاعة الشجعان من الثوار فى حلب وسوريا؟
ومن دروس حلب أيضا المهمة أن هناك شجعان متحمسون قاتلوا فى حلب تحت الحصار حتى آخر رمق فمنهم من قتل ومنهم من أحيط به ولم يجد سبيلا سوى الانسحاب مع المنسحبين بعدما مسهم الضر الشديد، والدرس هنا هو أنه يجب أن نتعلم أن الحماس والشجاعة وحدهما لا يحسمان معركة فضلا عن حرب فهدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين هو الأخذ بالأسباب المادية فى شئون الحرب والسياسة ومقولة أننا “لا نجاهد بعدد ولا عدة وإنما نجاهد بهذا الدين” مقولة يخصصها ويشرحها بل ويعارضها مئات الأدلة من سنة النبى صلى الله عليه وآله وسلم وسنة خلفائه الراشدين فمراعاة العدد والعدة والاهتمام بالعدد والعدة فى كل معارك النبى صلى الله عليه وآله وسلم تكاد تكون متواترة تواترا معنويا إذا لو لم يكن النبى مهتما ومراعيا للعدد والعدة فلما حفر الخندق حول المدينة؟؟ (وهذا مجرد مثال والأدلة كثيرة)، وحتى فى المعارك التى قل فيها عدد المسلمين وعدتهم عن عدوهم (وهى كثيرة جدا طبعا) تم تعويض هذا النقص بحيل عسكرية معتبرة عبر خطط عسكرية مبدعة سواء خطط الهجوم أو الدفاع أو الانسحاب أو الكر والفر أو توقيت ومكان الهجوم المفاجئ أو تكتيك القتال المبدع أو المفاجئ أو اختيار مسرح عمليات غير مناسب للعدو وفيه ميزة للمسلمين، فانتصارات المسلمين الكثيرة عبر التاريخ فى معارك قل فيها عددهم وعدتهم لم تكن بسبب الحماس وارتفاع المعنويات (الناتج عن العقيدة الاسلامية) فقط بل صحب هذا شئ مما ذكرناه آنفا من الأسباب المادية العسكرية عبر ابداع عسكرى، وإنما حصر الاخباريون والمؤرخون والخطباء الحماسيون أسباب الانتصارات فى الحماس وروح التضحية وحب الاستشهاد لأسباب خاصة متعددة فتارة يكون السبب هو مواجهة موقف معين فاقتضى الحال التركيز على هذا الجانب وتارة لأن المتحدث ليس متخصصا فى الشأن العسكرى فلايدرك ولا يدرس ولا ينقل ويشرح الأمور المتعلقة بهذا الشان العسكرى وتارة لأن التعابير الخطابية تتطلب التركيز على الجوانب الحماسية والمعنوية فهى التى تسخن الخطاب فيكون له نغمة جذابة تطرب آذان السامعين فضلا عن أن ركون الناس للدنيا وتعلق قلوبهم بها صار لا حل لمواجهته غير بهذا الخطاب الحماسى ولكن عند التخطيط الإستراتيجيى للمعارك والصراعات والحروب فإن هذا وحده لا يكفى وهذا ما أثبتته “دروس شرق حلب” بل وسوريا كلها، فالحماس والتضحية والدم العربى المسلم السنى الذى نزف فى سوريا حتى الآن لم يكف لتحقيق النصر فالحماس والتضحية وحدهما لا يكفيان لحسم صراع المسلمين مع أعدائهم بل لابد من الأخذ بهدى النبى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين رضى الله عنهم فى الأخذ بالأسباب وحيازة القدرة والقوة، ولعلها ليست مصادفة أن أعظم ملاحم الإسلام وأول معركة كبرى فيه وهى “غزوة بدر الكبرى” إنما كان سببها هو خروج النبى صلى الله عليه وآله وسلم لاستهداف عير قريش التى كانت تحمل ثروة ضخمة، ومع هذا قدر الله بدلا منها ذات الشوكة وهى الاصطدام بجيش قريش المجهز بعدد وعدة، وفى الأمرين “استهداف العير والاصطدام بجيش قريش المجهز الضخم” دلالة واضحة عن أهمية حيازة القدرة وأهمية الجهاد وكسر شوكة العدو بصرامة وحسم.
ومن هنا فهذا الدرس يقضى بأن يعيد الصادقون المتحمسون حساباتهم المادية ويهتموا بالقدرة ومن ذلك تعويض نقص القدرة بالخدعة والفكر العسكرى والأمنى والسياسى الابداعى والمكر والدهاء والحيل المختلفة مع استيعاب دروس التاريخ والاستراتيجية قديما وحديثا، فالحماس والتضحية وحدهما لا يكفيان أبدا.
يشن كثير من الأخوة ورموز ما يسمى بتيار السلفية الجهادية حملة واسعة من الانتقاد لفصائل من المعارضة السورية المسلحة التى تقبل التعاون مع ما تسميه السلفية الجهادية بالطاغوت التركى والطاغوت السعودى والدخول فى ما أطلقوا عليه “التحالف التركى الصليبى”، وفى الواقع فإن ما يهمنا فى هذا المقال هو تبيان الخطأ المنهجى الشرعى فى الدعاوى التى يطلقها هؤلاء الأخوة، لأن هؤلاء الأخوة ورموزهم الفقهية (بجانب تيار الاخوان المسلمين) هم من أشاعوا السطحية فى الفكر السياسى الإسلامى لشباب الحركات الاسلامية المعاصرة.
السلفية الجهادية و الإخوان المسلمون
فرموز السلفية الجهادية وعلى رأسهم أبو محمد المقدسى وأبو قتادة ومن لف لفهم يأخذون أدلة الجهاد والبراءة من الشرك والمشركين وتحريم الموالاة ونحو ذلك ليجعلوها حالة عامة لا يجوز غيرها تحت أى ظروف.
ورموز الإخوان المسلمين يأخذون أدلة مراعاة المصالح والمفاسد وتقدير المآل والأحكام الشرعية المستنبطة من صلح الحديبية وعرض النبى صلى الله عليه وآله وسلم ثلث ثمار المدينة على غطفان فى غزوة الخندق ليجعلوا هذا حالة عامة تبرر التمييع الدائم والعام وأحيانا الانبطاح التام للعدو (كما فى حالة العراق وأفغانستان مثلا).
وهو خطأ منهجى قديم، فالجبرية أخذوا بأدلة قدرة الله وتقديره الكونى ليعمومها على كل شئ بينما عكسهم المعتزلة بأخذهم الطرف الآخر من الأدلة وهى الخاصة بإرادة الله الشرعية وإثبات إرادة الانسان لينفوا إرادة الله الكونية.
ولكن الاسلام الصحيح (أهل السنة) يأخذ بطرفى الأدلة ويثبت إرادة الله الكونية والشرعية وإرادة الانسان.
ونفس الخطأ فعله الخوارج بأخذهم أدلة الوعيد وتعميمها مع إهمال أدلة الوعد والمغفرة فكفروا بالمعصية، وعكسهم المرجئة أخذوا بأدلة المغفرة فأخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان ونفوا زيادة الإيمان ونقصانه.
وهنا أيضا يبرز صحة منهج أهل السنة بالاسلام الصحيح الآخذ بجميع الأدلة دون إهمال طرف منها، فأجروا حكم أدلة الوعد والوعيد معا، دون إخلال بأى منها فلم يكفروا بالمعصية ولم يقولوا “لايضر مع الايمان ذنب لمن عمله”.
السياسة الشرعية
واليوم لدينا مشكلة أكبر بسبب هذين الفصيلين العظيمين من المسلمين “الإخوان المسلمون” و “السلفية الجهادية”، إذ كل منهما اكتفى بالأخذ بأحد طرفى الاسلام فى السياسة الشرعية ونبذ الطرف الآخر، وبجانب هذا فإن الميوعة السياسية (بل والانبطاح أحيانا) التى مارسها ومازال يصر على ممارستها الإخوان المسلمون دفعت متهورين لأن يدعوا للكفر بقواعد شرعية ثابتة ولا خلاف عليها فى فقه السياسة الشرعية من مثل تقدير المصالح والمفاسد والموازنة بينها، ومن مثل تقدير المآل ونحو هذا فأصبحت الشجاعة المفرطة التى تصل للتهور بل وأحيانا تصل للحمق هى الجهاد الشرعى الحقيقى عندهم ولا جهاد غيره وذلك لكى يباينوا منهج وطريقة الإخوان التى افتضح فسادها التطبيقى فى العديد الأماكن والمناسبات.
المولاة والمعاداة والجهاد والشهادة
والجانب الآخر من المشكلة أن إعلاء أدلة المولاة والمعاداة (الولاء والبراء) والجهاد والشهادة دون ضوابطها أظهرها بصورة التهور والحمق لدى كثيرين فجعلهم لا يبحثون ولايميلون للخيارات الجهادية والكفاحية فى سلوكهم السياسى، وهذا أيضا خطأ ضخم.
وباتت شعارات كثيرة ترفع من كلا الطرفين لا تمثل حقيقة أحكام السياسة الشرعية كما كان هدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم، ففريق ليس عنده غير القتال ثم القتال ثم القتال والفريق الأخر ليس لديه سوى الهدنة والمصالحة والتمييع دائما وأبدا ولا خيار آخر عنده.
هدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم في السياسة والحرب
وهنا نريد أن نوضح بصراحة أن كلا الفريقين لم يصب هدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم.
فالنبى صلى الله عليه وآله وسلم سلك مع المشركين الوثنيين خمس حالات هى:
السكوت عنهم (لفترة ما) دون هدنة ولا صلح ولا قتال.
القتال المنتهى بهدنة أو صلح.
القتال المنتهى بفتح للإسلام واستسلام العدو.
عقد اتفاقية هدنة أو صلح دون أن يسبقها قتال.
عقد اتفاقية هدنة أو صلح وتلاها قتال.
كما أن النبى النبى صلى الله عليه وآله وسلم سلك نفس السلوك مع أهل الكتاب بنفس الحالات السابقة.
فمن يحق له أن يضيق واسعا فيرجح حالة القتال المنتهى بفتح إسلامى واستسلام العدو وينفى الحالات الأخرى؟
لا أحد يحق له هذا لكن السلفية الجهادية ومشايخها مصرون على ذلك.
ومن يحق له أن يضيق واسعا فيرجح حالة الصلح والمهادنة على بقية الحالات؟
نعم الإخوان المسلمون وتيارهم يفعلون ذلك.
ومن المضحكات المبكيات أنهم لا يستعملون حالة السكوت بل يبادرون دائما لإطلاق الخطابات التميعية، ويستدلون بالمصالح وتقدير المآل ونحو هذا، فيشوشون عقول الشباب بشأن الفهم الصحيح لأحكام الإسلام السياسية.
ويأتى هذا ليفقد الأتباع أى رؤى سياسية وعسكرية وإستراتيجية لأن هذه العلوم تقتضى تنوع الأدوات، واستخدام وحشد وتعبئة كل الأدوات والاختيار من بين أوسع طيف من الخيارات، إلا أن أصحاب هذين المنهجين مصرون على تكبيل عقول أتباعهم ومنعها من التفكير والابداع للخروج بالأمة من أزمتها.
أعرف أن هؤلاء وهؤلاء سيقولون نحن نتخذ هذا التوجه بضوابطه الشرعية..الخ، ولا أريد الدخول فى تفصيلات تبعدنا عن لب المشكلة التى تعيشها الأمة الاسلامية بسبب سيطرة هذين الفصيلين على العقول، ولم يعد ينافسهم سوى بعض الأغرار الذين يستغلون هذه الأزمة لنقد الواقع وادعاء امتلاك الحل السحرى، رغم أنهم ليس لديهم تجربة ولا علم ولا يسعون للارتقاء بأنفسهم علميا وعمليا كى يكونوا متأهلين للتصدر، وقد كتبنا عنهم سابقاوسنكتب عنهم ان شاء الله لاحقا.
نحن نعلم أن هذين المذهبين فى العمل الاسلامى قد ترسخا ولن يقتنع أئمتهم بإصلاح الخطأ، كما نعلم أن الأغرار الذين يحاولون استغلال الأزمة للتصدر لن يتوبوا ولن يفيدوا أو يستفيدوا، ولكننا نكتب لمن يريد أن يحل الأزمة متجردا للدليل الشرعى والفهم الصحيح للواقع المعاصر.
شاهدت منذ قليل فيديو لكلمة عبد الفتاح مورو القيادى والشيخ البارز بحركة النهضة التونسية ذات الجذور الإخوانية ووجدت إشادات جماهيرية إسلامية كثيرة بها ورأيته يدعو للشراكة مع ما أسماه بالنخب الإعلامية والثقافية الموجودة فى إشارة إلى النخب العلمانية الموجودة كما أخذ يشرح أن شرعية الحكم ليست بالصندوق والانتخابات فقط بل بالسيطرة على مفاصل الحكم والتى لا تأتى إلا بشراكة هذه النخب ورضاها معتبرا أن رضا هذه النخب الثقافية والاعلامية هو رضا للشعب زاعما أنها هي التى تمثل الشعب، كما زعم عيوبا فى الاسلاميين فصدق فى بعضها لكنه بالغ فيها وأخطأ فى بعضها، وكان مما أخطأ فيه ما عبر عنه بعدم تبنى الإسلاميين ما أسماه بالقيم الانسانية العالمية التى جاءت بها كل الأديان.
وتأتى رؤيتى لهذا الفيديو على الفيس بوك اليوم بعد أيام قليلة من قراءتى لتصريحات خالد مشعل فى مؤتمر بالدوحة، والتى انتقد بها ذاته وحركته (وربما الحركات الاسلامية بعامة) فى عدم الشراكة مع الآخر فى الحكم بما فى ذلك حكم غزة.
إن الغرب يوصف بالإمبريالى فى رؤية اليسار العربى واليسار العالمى وبالإمبريالى الصليبى الصهيونى فى الرؤية الكلاسيكية للإسلاميين، ورغم هذا فإن الخطاب التصالحى مع العلمانية ومع الغرب ليس غريبا على تيار الإخوان المسلمين ولكن الغريب أن يصروا على نفس مسلكهم بعد ان كاد د.محمد مرسى رئيس مصر الأسبق (القيادى الاخوانى) أن يقبل أقدام النخب العلمانية والثقافية والإعلامية بمصر كى تتعاون معه للخروج بالبلد من أزمتها، لكنهم أبوا إلا مناوئته بالحق وبالباطل، وتحالفوا مع قائد الجيش ليطيح به حتى أطاح به، وسجنه بدعم ورضا عالمى وإقليمى، فهذا الغرب وهذه النخب التى يغازلها خالد مشعل وعبد الفتاح مورو هى التى شردت وسجنت مرسى وبديع والشاطر والإخوان بمصر، بعدما توسلوا لها بكل وسائل التزلف كى يشاركوهم الحكم، ومع هذا لم يفهم مشعل ومورو اللعبة الدولية والإقليمية حتى الآن، أو يفهمونها ويريدون أن يلعبوا نفس دور مرسى وبديع فى مصر من يناير 2011 وحتى 3 يوليو 2013.
التبسيط والتسطيح الذي سار عليه خطاب مشعل ومورو يدعوانى لأن أرد عليه بوضوح شديد، وهو أن الغرب يحكم العالم والذى يتحكم فى الغرب نظاميا حاليا هو الولايات المتحدة الأمريكية، والقيم التى تحكم الغرب وأمريكا وتحكم سياستهم نحونا نحن العرب والمسلمون هى القيم الصليبية الصهيونية فى مجال السياسة والأخلاق والدين، أما فى مجال الاقتصاد فتحكمه قيم الرأسمالية التى أسسها وادارها ومازال يديرها اليهود الصهاينة، هذا فى التحليل التفصيلى للنظام الدولى الظاهرى والأولى، أما التحليل التفصيلى الباطنى والنهائى فهناك عدة عائلات صهيونية تسيطر على أغلب ثروات العالم، عبر امتلاكها لشركات كبرى تملك أغلب انشطة الاقتصاد بالعالم، وهذه العائلات بسيطرتها على إقتصاد العالم فهى تسيطرعلى سياسة العالم وإعلامه وجيوشه.
فمن يخاطب مشعل ومورو ومع من يريدا أن يتشاركا؟؟
وهناك أمر آخر هو: إذا كنت تريد المشاركة مع هؤلاء فهل تعلم ما الذي يريدونه منك مقابل أن يقبلوا الشراكة معك؟
فإن كنت لا تعلم فاقرأ كتاب الفرصة السانحة لنيكسون فيما كتبه عن العالم الاسلامى والمسلمين، واقرأ تقارير راند عن الاسلام الذي يجب أن تشجعه أمريكا، ثم أعلن لنا هل توافق على هذا أم ماذا؟
وملاحظة أخيرة أود توضيحها بكل صراحة وهى أن نخب اليمين واليسار فى العالم العربى أغلبيتها الغالبة ليست وطنية، وإنما هى رهينة لأجهزة محلية وإقليمية ودولية تحركها فى إطار أهداف النظم الاقليمية والدولية، ولا يستثنى من هذا إلا قلة قليلة، وهذه القلة لا حول لها ولا قوة، فهى مستضعفة بأوطانها ولا شعبية لها ولا إمكانات ذاتية لها إلا ما لا يغنى ولا يسمن من جوع.
سيناريوهات اندلاع احتجاجات في مصر
ليس هناك أى شك بأن أجهزة الدولة المعنية قد وضعت سيناريوهات متعددة لاندلاع احتجاجات كهذه ووضعت خططا “ما” للتعامل معها، لأنها تعمل بأسلوب علمى وموضوعى ومؤسسى فى مثل هذه المجالات، ويمكننا تخمين معالم رئيسة لهذه الخطط فى السطور التالية.
أى احتجاجات لابد أن يكون لها قوى اجتماعية تدعمها ومن المنتظر فى احتجاجات سببها ارتفاع الأسعار أن تكون الشرائح الاجتماعية الفقيرة هى عمادها ومن هنا نرى أن الحكومة بادرت منذ شهور طويلة بتخدير وتقليل غضب هذه الفئة عبر نشر منافذ توزيع السلع الرخيصة بالأماكن الفقيرة والريفية بجانب التخدير الاعلامى، ويضاف إلى ذلك النشاط الواسع فى إبعاد أذرع هذه الفئة (ممثلة فى الباعة الجائلين ونحوهم) عن الميادين الكبرى فى المدن بدءا من القاهرة الكبرى ثم نزولا للعديد من المحافظات، وإحكام السيطرة الأمنية على هذه الميدان.
مارست الحكومة سياسة قمعية ضد أى احتجاجات قامت بها المعارضة منذ 2013 وحتى الآن، وقد نجحت هذه السياسة رغم دمويتها فى تثبيت أركان النظام الحاكم حتى الآن، ولم تتمكن أى قوة معارضة من الإفلات من الأثر السلبى لهذه السياسة القمعية حتى الآن، فلم تعد جماعة الاخوان المسلمين وأنصارها من الإسلاميين قادرة على حشد احتجاجات كبيرة فى شوارع أو ميادين رئيسة وبات أغلب كوادرها المهمين إما مطارد وإما مقتول أو محبوس، كما أن القوى العلمانية واليسارية التى فجرت فاعليات احتجاجية أيام اتفاقية تيران وصنافير لم تكن لتصمد أكثر من شهر أو شهرين على الأكثر أمام صولة الآلة القمعية للنظام، وبعدها أصبحت هذه القوى شبه مشلولة عن أى حركة، أما شباب الاسلاميين الذين ظنوا أن حملهم السلاح يمكن أن يهزم النظام أو على الأقل يوقف دوران آلته الأمنية الباطشة فإنه أيضا لم يصمد كثيرا و بعد عام من تتابع أعمال مسلحة متناثرة بالقاهرة وما حولها تمكنت اليد الأمنية للحكومة من تقليم أظافر هؤلاء الشباب ولم يعد يسمع صوت قعقعة سلاحهم إلا كل عام مرة أو مرتين، وأدى هذا كله لأن يثق النظام بقدرته على السيطرة على الأوضاع أيا كانت سياساته الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن سياساته السياسية، كما وثق به داعموه وحلفاؤه بالداخل والخارج وأيقنوا أنه لا خطر عليه من أى قوى معارضة.
ولكن هل هذا الاطمئنان فى محله وكيف ستسير الأوضاع فى الشهور القادمة؟؟
الانتفاضة الشعبية
وفى الواقع فإن إنفجار انتفاضة شعبية عارمة تخرج عن السيطرة الحكومية وتعجز أجهزتها الأمنية والسياسية أمر لا يمكن توقع توقيته وإلا لما خرجت مثل هذه الانتفاضة عن السيطرة، وهو أمر حدث فى مصر مرات عديدة كما فى مظاهرات الطلبة والعمال 1968 ردا على محاكمات قادة طيران هزيمة يونيو، ثم انتفاضة الأسعار يناير 1977 وانتفاضة جنود الأمن المركزى 1986 وأخيرا ثورة 25 يناير 2011، فكل هذه الأحداث لم يتحسبها أحد قبلها واندلعت فجأة دون توقع من أى جهاز حكومى أو قوة معارضة، ومن هنا فمن الوارد انفجار الغضب الشعبى فجأة دون موعد محدد.
وفى هذه الحالة فالدوافع والمطالب ستكون اقتصادية واجتماعية وأى مطلب سياسى سيكون مرتبطا بهذه المطالب الاقتصادية الاجتماعية، وطبعا ستحاول قوى سياسية معارضة ركوب موجة الغضب هذه بعد اندلاعها وتصاعدها ولكن حجم نجاحها فى ركوب هذه الموجة واستجابة الجماهير الغاضبة لها سيكون مرتبطا بمدى فهم هذه القوة السياسية لمطالب الجماهير وتبنيها لها وتبنى شعارات تمس عقل ووجدان الجماهير الثائرة.
الغضب الثورى
ستنفجر شرارة الغضب الثورى من الشرائح الاجتماعية الدنيا وستلحق بها كثير من الشرائح الاجتماعية والفئات السياسية المعارضة الأخرى، ولكن طبيعة الجنوح للعنف التى باتت سمة سائدة بالمجتمع المصرى مع الدرجة العالية من القمع التى باتت تتعامل بها أجهزة حكومية مع المعارضة كل هذا سوف يصبغ انفجار الغضب الشعبى القادم بمصر بقدر غير مسبوق من الممارسات الشعبية العنيفة وإذا أضيف له طبيعة عبثية بسبب طبيعة الشرائح الاجتماعية البادئة بالغضب فإن هذا كله قد يفقد هذه الانتفاضة تعاطف كثير من أبناء الطبقة الوسطى التى هى عماد أى ثورة بمصر، لكن من الوارد أيضا أن يقتصر هذا العنف على التوجه لرموز الدولة وهنا فستأخذ الانتفاضة شكل آخر فإما أن تخضع لها الدولة فينتصر الغضب الشعبى ويحدث تغيير “ما” وإما أن تصمد الحكومة وهنا يحدث صراع طويل يشبه ما فى دول أخرى كسوريا وليبيا والعراق ونحوها، وإن كانت خبرات تاريخ مصر تقول أن الانتفاضات الشعبية العارمة عادة ما تخضع لها الحكومة بدرجات مختلفة.
خطط الحكومة.. و استشراف مستقبل مصر
ومن المؤكد أن الحكومة أعدت لكل هذه الاحتمالات ووضعت خطط مناسبة لاحتواءها عبر التراجع قليلا أمام الضغط الشعبى بغرض احتوائه وتبريده ثم عودة السيطرة على الأوضاع، كما حدث إثر تنحى مبارك فى 11 فبراير 2011، ويشمل هذا تشكيل حكومة تشارك فيها قوى معارضة والتصالح مع كل قوى المعارضة بما فى ذلك الإخوان.. الخ، فهى خطط احتواء وتبريد دون الإطاحة بالركائز الاجتماعية والاقتصادية وركائز السيطرة الأمنية لنظام الحكم الذى تأسس منذ يوليو 1952 والذى قام باعادة بناءه وتغيير شكله نظام “السادات/مبارك” فى الأربعين سنة 1971-2011 (وهو نفس النظام المستمر حتى الآن).
هذا هو استشراف لمستقبل الأحداث بمصر بضوء معطيات الواقع ومتغيراته وبضوء تاريخ مصر المعاصر، وهو أمر يبين أن دفة الأحداث باتت بمهب الريح نظرا لضعف قوى المعارضة وافلاس فكرها السياسى وقدراتها العملية والتراجع البالغ لتأثيرها بالأحداث.
وظل يردد التحذير : “انظر إنه قادم وأنا حذرتك، يجب ان تصدقني لأنه سيطعنك ثم يطعنني”.
وظل يردد تحذيراته هكذا وهو ينظر للخطر قادم يحمل خنجرا حتى طعن الضحية ثم تقدم للمحذر نفسه فطعنه كما سبق وحذر من قبل في تطابق كامل مع مضمون التحذير.
هذا سيناريو لمشهد قصير يجسد بدقة ما فعله الشيخ حازم أبو إسماعيل (فرج الله عنه).
حذر وحذر وظل يحذر ويحذر ولكنه لم يتخذ أي خطوات من شأنها أن تمنع وقوع الخطر.
كان يمكن ان نعتبره مصيبا لو أنه كان قدم نفسه كمفكر أو كاتب أو داعية، دوره ينحصر في التعليم والتوعية الفكرية، لكنه قدم نفسه على أنه زعيم سياسي، وسعى لترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، كما سعى لتأسيس حزب، وقاد فاعليات سياسية شعبية.
إذن فواجبه القيام بعمل سياسي ضخم مكافئ ومناسب لضخامة الخطر، ومكافئ ومناسب لضخامة الكاريزما التي تمتع بها وجمع بها افئدة الملايين حوله، ورغم أنه قدم نفسه كفاعل سياسي لكنه اكتفى بدور خطيب الجامع الذي لا يمكنه فعل شئ سوى الخطابة وإطلاق التصريحات الإعلامية.
هامش
كتبت هذه الفقرات المحدودة بشكل سريع وعام، بناء على تساؤلات العديد من الاخوة عن رأي الشخصي في دور الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل، ولكن من المحتمل أن ندرس تجربة الشيخ حازم دراسة مستفيضة تعتمد على استقصاء السلبيات والايجابيات فيما بعد ان شاء الله.
أنا حذفت مقال توقفي عن الكتابة لئلا يكون دعوة للسلبية، وسأعمل على الاستمرار بالكتابة، لكن لدي عدة ملاحظات بشأن تعليقات الأصدقاء ربما أتعرض لها فيما بعد بشكل غير مباشر عبر كتابات منتظمة ان شاء الله.
وبشكل عام أحب أن أوضح أن سبب الميل للتوقف لم يكن أيا مما ذكره بعض المعلقين .. الأمر ببساطة حالة زهق نفسي بسبب العجز عن التصدي العملي لما يحدث هنا وهناك ليس عجزي شخصيا فقط ولكن عجز الأمة بعامة.
أمر آخر هو ما أشار إليه أحد القراء من أنه إما الكتابة وإما حمل السلاح، وأنا منذ فترة طويلة أريد الكتابة عن العمل المسلح ولكني قليل الانتاجية في الكتابة منذ فترة طويلة، وخلاصة رأي: أنني أنعم الله علي منذ نعومة اظافري بالنقد والتقييم الدائم لما اشاهده من احداث سياسية وغيرها ومن هنا فقد قيمت المحاولات المتكررة لجماعة الجهاد المصرية لتنفيذ إنقلاب عسكري بمصر باعتبارها خاطئة وغير ذات فائدة وأسوأ منها محاولات الجماعة الاسلامية منذ ١٩٨٨ وحتى ١٩٩٨ للضغط على نظام مبارك عبر عمليات مسلحة، وكل هذا له تفصيل طويل سوف أكتبه بمناسبة اخرى ان شاء الله، ولكن أريد هنا الآن أن أشدد على أهمية العلم قبل القول والعمل كما بوب الامام البخاري في صحيحه، فمرة دار نقاش بيني وبين شخص على الفيس بوك، حول العمل المسلح حيث كان هو يشدد ويحض عليه فقلت له هل درست تجربة جماعة الجهاد المصرية منذ نشأتها بمنتصف الستينات وحتى اندماجها في منظمة القاعدة عام ١٩٩٨ وكذلك تجربة الجماعة الاسلامية بمصر منذ الثمانينات وحتى ١٩٩٨؟
فقال لي لا ، فقلت له يجب ان تدرس جيدا اولا كل التجارب السابقة من كافة الجوانب قبل أن تتبنى رأيا.. وانتهى هنا النقاش على ما أذكر.
ولذلك فأنا كتبت إثر الانقلاب على الدكتور محمد مرسي، مستنكرا على من يدعون للعمل المسلح قائلا: ألم يستخدم هذا التكتيك سابقا وفشل؟ ما لكم تدعون له كأنه لم تسبق تجربته.
وهذا كله لا يعني موافقتي على تكتيكات الاخوان فأنا انتقدتها أيضا.
إن شخصا قتل الآلاف وحرق المئات وسجن عشرات الآلاف علانية في الشارع من أجل كرسي الحكم لايمكن أن يتنازل عن هذا الكرسي لأنك تحرجه بحشد المظاهرات في الشوارع والميادين، كما أن النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا لن يستحي من مظاهراتك ولن توجعه دماءك المسفوحة ويزيل حاكم هو صديق له والمفضل لديه، وذلك كله لسبب بسيط وهو أن هذا الحاكم لم يأت للحكم إلا بضوء أخضر من هذا النظام الدولي وبدعم منه، ويظل هذا النظام يدعمه ويدعم أي حاكم صديق للغرب مادام يقمع الحركات الاسلامية، ويمنع قيام نظام حكم يحكم بالشريعة، ومن يجادل في هذا فهو شخص لايدري شيئا عن مجريات السياسة الدولية والاقليمية منذ حملة نابليون على مصر والشام وحتى الآن.
أيضا انتقدت استراتيجيات منظمة القاعدة وتنظيم الدولة، لأسباب متعددة أوضحت عددا منها في عدد من المقالات السابقة.
الاشكالية في صنفين من الناس يصنعون الاستراتيجيات والتكتيكات او يروجون لها من بين صفوف الحركات الاسلامية:
صنف لا علم له ولا فهم ولا ابداع فهو يحفظ ويردد، وهذا كيف نناقشه؟
إن قلت أنا له لماذا حارب تنظيم الدولة ضد الجيش السوري الحر فيرد إنهم كفار، وطبعا لا أسلم له بهذا التكفير ولكن لو سلمت له به من باب الجدل فكيف أقنعه بأن الكفر في حد ذاته ليس سببا للقتال، فالفرس المجوس كانوا كفارا ومعادين للنبي صلى الله عليه واله وسلم شخصيا، ومزقوا خطابه لهم ، ومع هذا لم يحاربهم صلى الله عليه واله وسلم بل مات دون أن يوجه إليهم غزوة واحدة، وكان الروم كفارا ولم يحاربهم النبي صلى الله عليه واله وسلم غير بعد 8 سنوات من بناء دولته، وكانت الجزيرة العربية مملوءة بالكفار لكنه صلى الله عليه واله وسلم لم يحاربهم كلهم بل حارب البعض وترك البعض، وهذا كله وغيره يثبت أن الكفر وحده ليس مدعاة للحرب، بل والعداوة ليست موجبة للحرب على الفور.
ولوقلت له إن على تنظيم الدولة أو جبهة النصرة أو غيرهما كفالة الأمن الدولي والاقليمي للرعية التي يحكمونها تجده يقول لك هذه هي امكاناتهم فماذا يفعلون؟؟
فلو رددت عليه بمفهوم الردع أو التوازن أو غيره تجده لا يدرك كنه ولا جوهر هذه المفاهيم.
فهذا الصنف لم يدرس لا فقه السياسة الشرعية ولا الاستراتيجيات العسكرية ولا الاستراتيجية الشاملة ولا الأمن الدولي والاقليمي ولا السياسة الدولية فكيف تناقشه في قضايا مرتبطة بكل هذا الذي لم يدرسه، وهو يرفع في وجهك شعارات الجهاد في سبيل الله والبذل والفداء والفوز في الاخرة..الخ.
الصنف الثاني هم الرؤوس وقد درسوا الفقه وحفظوه، ولكنهم لم يحصلوا ملكة الفقه، فهم ظاهريون مع ما حفظوه من كلام ابن تيمية، و لايمكنهم الابداع الفقهي مثل ابن تيمية ابداعا يتفاعل بشكل صحيح مع المشكلات الحالية، وبعضهم درس استراتيجية وأمن وحفظ الكثير عنهما، ولكنه هو ليس استراتيجيا فهو يحفظ ويردد ولا يمكنه ابداع رؤى جديدة تحل المشكلات الحالية الصعبة، ولذلك تجدهم لا يجيدون الاستراتيجية الشاملة لحاجتها لفهم عميق وابداع وطرح تطبيقات، ولذلك فرغم رفعهم مراجع مهمة على شبكة النت وترويجها بين أتباعهم تجدها كلها في الاستراتيجيات العسكرية والتكتيك والأمن الداخلي، لاتكاد تجد منها مراجع في الاستراتيجية الشاملة ولا الأمن الدولي والاقليمي والعام والسياسة الدولية، لذلك فاستراتيجياتهم القليلة التي أطلقوها (مثل ما أطلقه أبو مصعب السوري أو صاحب كتاب التوحش) هي ثوب مملوء بالخروق و يكشف أكثر ما يستر.
ومن هنا فالنقاش الفكري والكتابة لمثل هذا الجمهور هو امر بالغ الصعوبة.
وربما ضربت الأمثال الأخيرة من التيار الجهادي لأنهم الأكثر نقاشا ولكن نفس الصنفين موجودين لدى تيار الاخوان ومن لف لفهم الا أنهم أضعف من الجهاديين في شئون الأمن والاستراتيجية باستثناء حركة حماس.
أعرف التعليق الجاهز “وايه الحل هو أنت لا يعجبك أحدا”، وردي “نعم لا يعجبني أحد، لسبب بسيط زهو أن حالنا لا يمكن أن يعجب أحدا”، وأريد أن أهز عقول الناس وأفكارهم لتعصف أذهانهم بأفكار جديدة و يخلقوا طريقا ثالثا غير الطريقين المطروحين الآن.
يتساءل كثيرون -وهم محقون- ماذا نفعل عمليا الآن؟
وإجابة هذا السؤال تفتح الباب للكلام عن أبواب مهجورة من العمل في سبيل الله أو العمل الاسلامي، لأنه في الواقع فإن كل مسلم اليوم هو على ثغر من ثغور الأمة هو مسئول عنه، علم ذلك من علمه وجهله من جهله، ويتحدد هذا الثغر بحسب الطبيعة الشخصية لكل مسلم أو مسلمة وطبيعة الفرص والامكانات المتاحة له، فمن كان محبا للعلم ولديه التكوين الشخصي الذي يؤهله لذلك فهو على ثغر العلم، ويجب عليه ان يتولاه، وصار هذا فرض عين عليه بحسب التفصيل الذي سنذكره بالسطور التالية.
الأمة الاسلامية الآن منكوبة في العلم بكل فروعه الشرعي والدنيوي، فمن لديه ميل لأي من فروع العلم الشرعي فعليه المبادرة بالطلب حتى يصل لأعلى المراتب فيه، وإن كانت فروع الفقه والعقيدة والتفسير أكثر إلحاحا بجانب تحصيل أدوات كل منها من علوم الآلة، وكذلك نحن محتاجون لعلماء نابغين في كل العلوم الدنيوية الاجتماعية منها والطبيعية.
العلوم الطبيعية
ففي العلوم الطبيعية نقلت أوروبا تقدمنا العلمي في العصور الوسطى، وطورت فيه وبنت عليه ثم تكتمت على الكثير من جوانبه الهامة، خاصة الجوانب الاكثر حداثة منه ودقة فجعلتها سرا تحرم منه منافسيها وتحرم منه بشكل صارم ابناء الدول الاسلامية والعربية، وفي نفس الوقت يقوم عملاؤها من حكام العالم الاسلامي بتجهيل المسلمين والسعي لتجريف البيئة التعليمية وعرقلة عمليات البحث العلمي كي لا نتمكن من التطور ولا اللحاق بمعارف الغرب في العلوم والتكنولوجيا، ومن ثم نتخلف في الصناعة والزراعة ويزداد اقتصادنا تدهورا ونظل رهينة لهيمنة أوروبا وأمريكا على العالم، ومن هنا فكل مسلم أو مسلمة قادر على الترقي والتقدم والنبوغ في أي من فروع العلوم الطبيعية عليه فعل هذا لكسر جزء من هذا الاحتكار العلمي والتكنولوجي والصناعي الغربي، وهو فرض عين عليه ان يركز في مجاله ليبلغ فيه منتهاه.
العلوم الاجتماعية والانسانية
اما العلوم الاجتماعية والانسانية فلدينا فيها أيضا عجز لعدة أسباب، ومن أبرز أسباب العجز أن الغرب سبقنا فيها وصبغها بعقائده ومنطلقاته الفكرية وهذه العلوم بطبيعتها تتأثر بالعقيدة والمنطلقات الفكرية والبيئة التي تنشأ فيها، وعندما نقلها العرب والمسلمون عن أوروبا وأمريكا نقلوها كما هي دون أن يحذفوا منها مؤثرات بيئة وعقيدة من طوروها، لأن كثيرا منها ابتكره المسلمون أولا كعلوم الاجتماع والاقتصاد والنفس والتربية ثم أخذتها أوروبا وطورتها، فصارت مبنية على نسق مخالف في بعض جوانبه عن عقيدة ورؤية الاسلام بقضايا هذا العلم أو ذاك، كما أن من أسباب العجز والخلل لدينا في هذه العلوم أن وضعها الاساسي هو للاستفادة في التطبيق العملي، وذلك في عمليات تطوير الواقع المعاش إلا أن أكثر من نقلها في بلادنا ساقوها مساق الترف الفكري والتشدق بالمصطلحات وركزوا على النقل والترجمة أكثر من الابداع والتطوير فيها، كما كرسوا نسبها الأوروبي والأمريكي بدلا من مفاعلتها مع واقع بيئتنا العربية والاسلامية لتستفيد منها بيئتنا وتتطور بها، ولتستفيد هذه العلوم من هذا التفاعل فتتوطن بأرضنا وفقا لخصوصياتنا الدينية والحضارية والثقافية وطبيعة مشاكلنا، وهذه الأمور تفاقم من عجزنا في العلوم الاجتماعية والسياسية وتجعل فرض كفاية على الجميع سد أوجه العجز هذه، وتجعل الأمر فرض عين على من كانت ظروفه وميوله وامكاناته تتيح له التخصص بأحد هذه العلوم والبلوغ فيها مبلغ العلماء الراسخين في أحدها.
ثغور الأمة الاسلامية
وسواء تخصص المسلم أو المسلمة في فرع من فروع العلم الشرعي أو الطبيعي أوالاجتماعي والانساني فليعلم أنه بذلك على ثغر من ثغور الأمة الاسلامية، فهو يعمل في سبيل الله، وينطبق عليه المقولة التي رددها كثير من السلف من أن مداد العلماء يساوي دماء الشهداء لأن من القواعد الفقهية المتفق عليها أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولن يتم واجب إعزاز المسلمين وحماية بيضة الإسلام إلا بالقدرة، والقدرة لن تكون إلا بهذه العلوم بجانب ما سنذكره في السطور التالية.
طبعا من الوارد أن مسلم أو مسلمة تكون طبيعته النفسية وتكوينه العقلي لا يميل أو لا يتوافق مع طلب العلم المتخصص والاشتغال بالبحث العلمي الذي ذكرناه، وهذه النوعية من المسلمين والمسلمات سيلقى على عاتقها واجب آخر تجاه أمتها وستكون مسئولة عن ثغر آخر من ثغور الأمة الإسلامية وعليها ألا يؤتى المسلمون من قبلها وهذا الثغر هو ثغر المال، فكما كل مجد وقدرة وقوة تحتاج علما شرعيا وطبيعيا واجتماعيا فإن كل مجد وقدرة وقوة تحتاج مالا أيضا، فمن لم يجد نفسه في العلم فعليه أن يحاول أن يسد ثغر المال بأن يجتهد في العمل الدنيوي الحلال ويحاول أن ينتهز كل ما يتاح له من فرص للثراء الحلال ليستخدم هذا الثراء لرفعة ومجد الاسلام والمسلمين، وينبغي أن تكون هذه نيته وعزيمته وديدنه وليكن قدوته في البذل والعطاء الصحابة الكرام خاصة الاثرياء منهم كعبد الرحمن بن عوف الذي خرج من ماله كله لله عدة مرات (أي تصدق بثروته كلها دفعة واحدة عدة مرات) ومثل عثمان بن عفان الذي جهز جيش العسرة، وينبغي أن يدرس سلوكيات أهل الثراء المعاصرين الذين وظفوا ثراءهم لخدمة قضايا كبرى (بغض النظر عن موقفنا منهم) مثل ال روتشيلد الذين كان لهم دور محوري ورئيس في تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ودعمه بل مازالوا يدعمونه حتى الآن، وكذلك روبرت مردوخ الذي سيطر بالمال على جزء مهم من اعلام استراليا ثم تمدد الى اعلام الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها، ومن المهم أن نعي أن كثيرا من أثرياء المسلمين ينفقون عشرات او ربما مئات الملايين شهريا فيما يعتبرونه أبواب بر وخير كل شهر، ولكن هذه النفقات كثير منها يذهب الى المكان او الهدف الخطأ لأسباب كثيرة يطول شرحها وليس موضعها هنا الآن، ولكن لنعلم أن الصواب هو إدارك ودراسة تجارب الصحابة رضوان الله عليهم وعلماء السلف في النفقة والتجارب المعاصرة لتوظيف المال لتحقيق الأهداف الكبرى، وعلى من وظف نفسه لثغر المال أن يعلم أنه إن كان لم يتمكن من التفرغ للعلم والدعوة فعليه مساعدة العلماء وطلبة العلم والعلماء والجامعات ومراكز البحث العلمي ومراكز التعليم والدعاة والعمل الدعوى والإعلامي، فهو سيقوم بنفس ما يقوم به العلماء او الباحثون أو الدعاة ولكن بواسطة المال، كما ان توطين التكنولوجيا المتقدمة والصناعات والزراعات المتقدمة بافئدة وبلاد المسلمين ليس عمل العلماء والباحثين فقط لكنه عمل مالي أيضا.
يبقى أمر آخر وهو ما إذا كان المسلم أو المسلمة لا يمكنه أن يكون عالما ولا باحثا ولا متعلما ولا معلما ولا ثريا فماذا يفعل؟
فهذا النوع من المسلمين والمسلمات عليه عدة واجبات أخرى مهمة لعل أبرزها ما يلي:
-أن يبلغ ما يعرفه من الخير للآخرين فكما ورد بالحديث النبوي الصحيح (رب مبلغ اوعى من سامع ورب حامل فقه لمن هو أفقه منه).
-أن يبذل ما في وسعه لمساعدة ومساندة كل الفئات الني ذكرناها في السطور السابقة.
-أن يربي أولاده وأسرته على الإسلام والخلق القويم والمفاهيم الصحيحة قدر ما يستطيع فلعل يخرج منهم من يكون من الفئات السابقة (علماء، معلمون ، باحثون، دعاة، أصحاب أموال ينفقونها في سبيل الله).
-أن يجتهد في الدعاء للأمة ففي الحديث الصحيح (إنما تنصرون بضعفائكم).
و من هنا فكلما ذكر كاتب أحد أخطاءنا نجد أننا ندافع وندفع النصيحة أو التقييم بدعوى الظروف الصعبة والضغوط والمؤامرات والخيانة والغدر، فإن رد علينا الناصح او كاتب التقييم بأن حزب الله و الحوثيين حققا نجاحات قالوا: هؤلاء شيعة، وتساندهم إيران وهم عملاء لأمريكا وإسرائيل، فإن قال لكن حماس وأردوغان نجحا رغم انهم ليسوا من الشيعة ولا عملاء، ردوا : لا، هم متهاونون او متنازلون أو الأمرين معا.
وهكذا ندافع عن هزيمتنا وأخطاءنا وكأنه لا أحد في العالم تحاك المؤامرات ضده غيرنا، ولا أحد مستهدف غيرنا، ولا أحد يمارس الصراع السياسي تحت الضغوط غيرنا، ونرفض أن ننتفع بدروس سياسية واستراتيجية من ما تفعله إيران وحزب الله لأنهم شيعة، ومن حماس والجهاد الفلسطيني لأنهم متهاونون بالتعامل مع الشيعة وغيرهم، ونرفض التعلم من أردوغان لأنه متهاون وعميل لأمريكا وإسرائيل وعلماني.
ونعزف عن دراسة ما فعلته وتفعله باكستان وماليزيا وكوريا و الصين أيضا بسبب خلافات الفكر والعقيدة، وكأن الدين يأمرنا بمثل هذه العزلة الغريبة، وكأن النبي صلى الله عليه وأله وسلم لم يسن لنا منهج المقارنة بشكل عام ومع المتفوق بشكل خاص، والانفتاح على كل مفيد عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (هممت أن أنهي عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم)، وعندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لو كان الايمان بالثريا لتناوله رجال من الفرس)، وعندما أرسل مجموعة من صحابته صلى الله عليه وآله وسلم الى جنوب بلاد الروم لتعلم صناعة المنجنيق وأمرهم ان يتعلموها كأهلها، وعندما أمر صحابيا بتعلم اللغة السريانية ليترجم له، وعندما أمر أسرى بدر من قريش بتعليم أطفال المسلمين الكتابة، وعندما قبل اقتراح سلمان الفارسي بحفر الخندق، وعندما استعان صلى الله عليه وآله وسلم في هجرته بمرشد وثني..
إلى غير ذلك مما يشهد ويثبت أن العلم والحكمة ضالة المؤمن.. لا أن نرفض العلم والحكمة بذرائع شتى، ونُعجب بل نفتخر بفشلنا ونمجده، شأننا في ذلك شأن كل ديكتاتور مستبد، لا يقبل تغيير ولا تطوير ويتغنى بفشله وهزائمه، زاعما أنها أمجاد وإنجازات.