النظام-الاقليمي-العربي

النظام الإقليمي العربي.. الفوضى على الأبواب

كتب- عبد المنعم منيب

ربما بدا أن سقوط النظام العربي وترنُّحَهُ إلى هاوية سحيقة من الفوضى وعدم الاستقرار قد بدأ ظهوره للعيان منذ غزو العراق للكويت عام 1990م، لكن المتفائلين يومها ظنوا أنه ربما يكون مجرد خرق كبير يصعب أن يلتئم، لكنه في النهاية سوف يلتئم على يدي راقع ماهر، ومرت السنون قاحلةً عجافًا في صحراء السياسة والإستراتيجية العربية لتعبُر الصومال فتتركها مفككة بلا حكومة، والسودان لتقسمها إلى شمال وجنوب وشرق، ثم مرت على الصحراء المغربية حيث يستمر نزاعها المزمن، والجزائر حيث الصراع الأهلي الدامي، واتسع الخرق على الراقع أو لنقل: لم يجد الخرق الراقع الماهر، ومن ثم حدث السقوط المدوي للنظام العربي عام 2004م يوم سقطت عاصمة الرشيد بغداد تحت سنابك خيل التتار الأمريكي وتحالفه الغربي المدعوم بالصمت والتعاطف العربي والإسلامي.

المسمار الأول في نعش النظام الإقليمي العربي

وكما آذنت العراق بدق المسمار الأول في نعش النظام الإقليمي العربي عام 1990م فإنها سرعان ما آذنت بدق المزيد من المسامير في نعش هذا النظام إثر سقوطها في 2004م، فانفجر الصراع الطائفي من جديد في لبنان، وتمت محاصرة سوريا غربيًّا، وتدهور الحال في السودان والصومال أكثر فأكثر، وألقت ليبيا بسلاحها للولايات المتحدة، واندلع التمرد الحوثي في اليمن، وتشرذم الفلسطينيون ومنظماتهم واحتدم صراعهم، وتجذرت الديكتاتوريات العربية، وازداد النفوذ الغربي بعامة والأمريكي منه والإسرائيلي بخاصة في العالم العربي، ولم يعد للدول العربية قدرة على الفعل أو إرادة للتأثير، سواء منها الكبرى أو الصغرى، فكلها صارت مفعولاً بها لا فاعلة.

وإزاء تدهور أحوال العرب هكذا وسقوط نظامهم الإقليمي حاولت بعض قوى الجوار الإقليمي التدخل لملء الفراغ، فتدخلت إريتريا وإثيوبيا في الصومال، وإريتريا وكينيا وتشاد في السودان، وإيران في أماكن شتى من العالم العربي، ونافست تركيا جارتها إيران في ذلك وإن بطرق وأساليب مختلفة، ولكن كل هذه التدخلات لم تعد بجدوى لا على أصحابها ولا على النظام أو الشعب العربي.

النظام الإقليمي العربي نشأ مع نشأة جامعة الدول العربية والمنظمات والمؤسسات التابعة لها والتالية لها، وازداد رسوخ هذا النظام مع تمام استقلال كل الأقطار العربية، وتصاعد نفوذ الاقتصاد العربي مع ارتفاع أسعار النفط وقبله صعود نجم العديد من الزعامات العربية التي لعبت أدوارًا سياسية دولية وإقليمية ذات طبيعة مؤثرة بشكل أو بآخر ولو على المستوى الإعلامي فقط.

نشأة جامعة الدول العربية

ولقد جاءت نشأة جامعة الدول العربية، ومن ثم النظام الإقليمي العربي، مرتبطة بضوء أخضر من قوة الاحتلال الغربي الأقوى نفوذًا في المنطقة العربية حينئذ وهي بريطانيا، كما لم ينجح النظام الإقليمي العربي وعلى رأسه جامعة الدول العربية في تجاوز العقبات ومواجهة التحديات الكبرى التي واجهته، وعلى رأسها التردي الاقتصادي والتدهور الاجتماعي والسياسي والتخلف العلمي والتكنولوجي وتحرير فلسطين أو على الأقل تحجيم إسرائيل ومنع تمددها الجغرافي والسياسي وتمدد نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري، كما فشل النظام العربي في تحقيق الوحدة العربية أو حتى مستوًى راقٍ من التعاون الإقليمي العربي في كافة المجالات، بل سار كل قطر وحبلُهُ على غاربِهِ فيما يتعلق بتحديد أولوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية ، وتفككوا سياسيًّا فسار بعضهم في رِكَاب الشرق الشيوعي (قبل أن يسقط) بينما سار بعضهم في ركاب الغرب الرأسمالي.

إضعاف الحركات الإسلامية وإشغال الجماهير العربية وتخديرها سياسيا

لكن في مقابل ذلك نجح النظام الإقليمي العربي في شيئين لا ثالث لهما، هما:

الأول: إضعاف الحركات الإسلامية، وهي حركات سياسية إسلامية تدعو للأصالة والمعاصرة والفاعلية في مواجهة التحديات المفروضة على الأمة.

الثاني: إشغال الجماهير العربية وتخديرها سياسيا بوهم التعاون والتضامن الإقليمي العربي عبر مؤتمرات جامعة الدول العربية والمنظمات والاتحادات التابعة لها، ففي كل مصيبة وخيبة أمل تصيب الأمة العربية نجد المؤتمرات تنعقد والقرارات تطلق ونسمع طحنًا ولا نرى طحينًا أبدًا، وانخدع أغلب العرب بذلك، حتى إنا لنجد المعارضين يتظاهرون مطالبين القمم العربية وجامعة الدول العربية أن تتحرك وتعمل شيئًا، بينما هذه القمم وتلك الجامعة هي من أوصل الأمة العربية والإسلامية إلى ما هي عليه الآن من التردي في هوة سحيقة من الذل والهوان والتخلف.

سقوط النظام الإقليمي العربي بافتضاح خوائه وتفاهته

والآن عندما سقط النظام الإقليمي العربي بافتضاح خوائه وتفاهته تحت سنابك تتار الناتو في بغداد وتتار أفريقيا في الصومال والسودان بدأت الفوضى تزحف أكثر فأكثر إلى قلب الأقطار العربية، وإن بنسب متفاوتة؛ فهذا تمرد الحوثيين في اليمن، وهذه صراعات طائفية وعرقية في العراق ولبنان وسوريا والسودان ومصر والجزائر، وهذه وهذه وهذه.

البعض يترقب الآتي، ويعتبر أنه الأسوأ بكل المعايير، ولكن المواطن العربي الذي تطحنه أزماته الاقتصادية والاجتماعية وتأكل أحشاءه الأمراض والأوبئة ما الذي سيخسره أو ما الذي يفكر فيه غير أن يستمر في مقاومة عوامل الفناء التي تنهش كيانه الاجتماعي وتهاجم بيته في أطراف مدينة عربية قلبها زاهٍ بينما تعشش على أطرافها أكواخ العشوائيات؟!

المراقب السياسي المهتم يتفكر ويتأمل فيجد أن اللاعبين الفاعلين الآن في المنطقة العربية منظمات معارضة أو متمردة أكثر من كونها مؤسسات رسمية؛ ففي فلسطين منظمات عدة على رأسها حماس والجهاد الإسلامي، وفي لبنان حزب الله، وفي العراق منظمات عديدة للمقاومة وللصراع الطائفي والعرقي أيضًا، وفي اليمن منظمة الحوثيين، وفي الصومال منظمة شباب المجاهدين، وفي المغرب العربي (وإن بدرجة أقل) القاعدة، وفي السودان منظمات متمردة عدة في دارفور أشهرها منظمة (العدل والمساواة) وفي الجنوب منظمة (الجيش الشعبي لتحرير السودان)، وهكذا.

اللاعبون السياسيون الآن من هم؟

لكن حتى وإن دعمت بعض القوى الدولية أو الإقليمية هذه المنظمة أو تلك فإن الفاعل الفعال والظاهر للعيان هو منظمات وليس الأقطار العربية وليس النظام الإقليمي العربي. ومن هنا فإن الفرصة وإن كانت مواتية للعب دور إيجابي من قِبل المنظمات المعارِضة ذات التوجهات النهضوية، وعلى رأسها الحركة الإسلامية الصافية الصادقة، فإن الدور الناجح الذي لعبه النظام الإقليمي العربي المنتهية صلاحيته في مواجهة الحركات الإسلامية وإضعافها ووقف نموِّها ومنع تطورها السياسي والإستراتيجي والاجتماعي ترك الحركة الإسلامية بكافة فصائلها في حالة عجز ظاهر لا تقدِر معه على الحراك السياسي الإيجابي والفعال لاستغلال الفرص المواتية، وما نشاهده من تحركات إسلامية رغم كل هذا فإنما هو بسبب الطبيعة الحيوية التي تتمتع بها الحركات الإسلامية رغم كل الندوب والجراح.

لكن على كل حال فمع كرِّ الليالي ومرور الأيام سوف تتطور الحركات الإسلامية الصادقة، وستزول عنها ندوبها وجراحها، ولسوف ترتفع لمستوى التحديات التي تواجه الأمة، فلا تعود تواجهها بشجاعة فقط حينًا وبحكمة فقط في حين آخر، بل ستواجهها بحكمة وشجاعة في كافة الأوقات.

ـــــــــــــــــــــــــــ

نشر بموقع الاسلام اليوم.

الأزمة المالية العالمية

المسلمون و الأزمة المالية العالمية

عصفت الأزمة المالية العالمية بالنظام المالي الدولي الراهن و لن يخرج العالم من الأزمة الا و قد تغيرت الخريطة المالية الدولية بما يسستتبعه ذلك من تغيير خريطة النظام السياسي الدولي بدرجة ما.

النظام الدولي الجديد

و تشير ملامح الأزمة المالية الحالية و متغيرات الواقع السياسي الدولي إلى أن النظام الدولي الجديد سيكون متعدد الأقطاب حيث ستتوزع القوة الدولية بين عدة أقطاب بعدما كانت مركزة في قطب واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية, صحيح أن التغيرات الاقتصادية و التطورات في عالم الاتصال لن تجعل الصراع او التنافس الدولي بالشكل الذي ألفه العالم على مر تاريخه, بسبب تداخل و تشابك المصالح الاقتصادية و المالية و بسبب ثورة وسائل الاتصال التي يصعب على أي أحد أن يوقفها, و لكن لا شك أن عناصر القوة و التأثير لن تظل رهنا لارادة الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بل ستتوزع فيه بين عواصم دول عدة كروسيا و الصين و الهند و اليابان و الاتحاد الأوروبي بجانب الولايات المتحدة, و من الطبيعي أن تزداد استقلالية حكومات العالم الاسلامي في صنع القرار خاصة فيما يخص سياستها مع شعوبها بعدما يترسخ النظام الدولي الجديد, و تعطي هذه الاستقلاالية لهذه الحكومات قدرات أكبر في البطش بمعارضيها.

و ان كان هناك عامل أخر مضاد و لكنه أقل تأثيرا و هو انتعاش الاتجاهات الدولية المدافعة عن الحريات و حقوق الانسان.و هذه الاستقلالية سوف تؤدي إلى مزيد من الضغط على الحركات الاسلامية عبر التدابير الحكومية القمعية و السياسية على حد سواء, لكن ستظل هذه الحكومات معرضة لضغوط المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الانسان مما يخفف قليلا من قمعها و لكنها قد تقل حساسيتها لهذه الضغوط بسبب أنه لا توجد حكومات من الأقطاب الدولية ممكن أن تدعم هذه المنظمات سوى الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة, بينما يمكن لحكومات الدول الاسلامية أن تلجأ لأقطاب دولية أخرى لا يهمها منظمات حقوق الانسان من قريب و لا من بعيد مثل الصين و روسيا و الهند أو حتى ايران أو اسرائيل (فكلتاهما قوة اقليمية عظمى) كى تستند إليها في مواجهة الغرب المساند (و لو شكليا) لقضايا الديمقراطية و حقوق الانسان.

قدرة الحكومات على القمع و الاستبداد

و رغم ذلك كله فلابد من رصد العديد من المتغيرات السياسية و الاقتصادية و تأثيرها على النحو التالي:

كما أن التعددية القطبية في النظام الدولي ستتيح لحكومات العالم الاسلامي منفذا تقاوم به الضغوط الغربية بشأن تقليل القمع و الاستبداد تجاه شعوبها, فإن الأزمة المالية و ما يتبعها من خلل اقتصادي مؤثر سيضعف قدرة هذه الحكومات على القمع و الاستبداد كل بقدر درجة أزمته لأنه من المتفق عليه أن ضعف حكومة ما اقتصاديا يتبعه ضعفها سياسيا, كما أنه كلما قلت انجازات حكومة ما الاقتصادية و السياسية كلما تآكلت شرعيتها السياسية أمام شعبها, و هذا الضعف طبعا إذا أصاب المستبدين فإنه يخدم قضية الحريات و تخفيف قبضة الاستبداد و تقليل القمع.

سيخف الضغط الدولي بدرجة ما عن الحركات الاسلامية بصفة عامة و السلمية منها بصفة خاصة كجزء من نتائج الهزائم الأمريكية و الغربية و هزائم حلفائهم في أفغانستان و العراق و الصومال, و كذلك بسبب نتائج الأزمة المالية العالمية و ما يتبعها من مشاكل اقتصادية, و هذا سيصب في مصلحة حركة هذه التيارات سياسيا كل في محيطه, كما أن هزائم الغرب و حلفائهم ستستخدم دعويا اسلاميا لضم مزيد من الأنصار للحركات الاسلامية بكافة اتجاهاتها.

بعد الهزائم و الأزمات التي مني بها الغرب و حلفاؤه ستتعلم “اسرائيل” أنها يجب أن تتعامل مع الحركات الاسلامية و بالتالي ستفضل التعامل مع التيارات ذات الطبيعة السلمية, كما أنها ستتعامل مع التيارات المسلحة التي لن تجد بدا من التعامل معها كـ”حماس”, كما أنها لن تمانع من التفاهم و التعاون مع جهات لديها نمط من البرجماتية يدفعها للتفاهم مع اسرائيل و أبرز مثال على ذلك هو ايران و حزب الله و القوى الشيعية العراقية و نحوها, و لن تتفاهم اسرائيل (و لا الغرب بطبيعة الحال) مع القاعدة أو الجهاد المصري أو السلفية الجهادية في أي مكان لأنها غير مضطرة لذلك لا الآن و لا في المدى المنظور, لكنها (هي و الغرب) قد تضطر للتفاهم مع طالبان في أفغانستان و شباب المجاهدين في الصومال إذا انتصرتا و سيطرتا على البلد, لاسيما و أن طالبان و شباب المجاهدين أكثر عقلانية و رغبة في التفاهم من القاعدة و من السلفية الجهادية.

الحركات الجهادية السنية

ستستمر ايران في غض الطرف عن الحركات الجهادية السنية ما دامت تستنزف الغرب و حلفائهم في المنطقة بما لا يهدد مصالح ايران و لا أتباعها و لا مناطق نفوذها, كما ستستمر ايران بنجاح في السعي لتقسيم المصالح و مناطق النفوذ في المنطقة بينها و بين الولايات المتحدة و الغرب , و عندما تستقر مناطق النفوذ الايرانية و تتراضى عليها مع الغرب و يتم ترسيم حدود نفوذ كل منهم بدقة فإن ايران ستحاول منع الحركات الاسلامية السنية من الحركة في مناطق نفوذها و حينئذ إما تتحول حراب الحركة الاسلامية السنية إلى ضرب ايران بدل الغرب داخل هذه المناطق أو تنسحب الحركة الاسلامية السنية من هذه المناطق تاركة لمتشددي الشيعة حرية تحويل جماهير السنة في هذه المناطق إلى التشيع كما حدث في العصر الصفوي, كما ستتعاون ايران (في حالة ترسيم خطوط مناطق النفوذ هكذا) مع الغرب لضرب الحركة الاسلامية السنية المسلحة.

هل يتغير جوهر الرأسمالية؟

سيضع العالم بقيادة الغرب تدابيرا مالية جديدة للتقليل من مخاطر تكرار الأزمات المالية المماثلة, و ستمثل هذه التعديلات تغييرا هيكليا في جوهر الرأسمالية, و رغم أنهم سيضعونها تحت مسمى “تطوير النظام الرأسمالي المعاصر” إلا أن بعضا من هذه التدابير ستقترب كثيرا من تعاليم و أحكام اقتصادية اسلامية موجودة في نص السنة النبوية المطهرة, و رغم أنهم وصلوا لها بالتجربة و الخطأ إلا أنه سيمكن للدعاة الاسلاميين الاستدلال بذلك على صلاحية أحكام الاسلام لكل زمان و مكان, و على كون الاسلام قد جاء بما فيه تحقيق مصالح البشر الدنيوية بجانب الأخروية على حد سواء, و انتهاز هذه الفرصة سيمكن دعاة الحركة الاسلامية من التوغل في فئات مجتمعية و مناطق جغرافية لم يكونوا متمكنين من الانتشار فيها من قبل, مما سيعطي الحركة الاسلامية مزيدا من القوة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية.

سيؤدي تعدد أقطاب النظام الدولي الجديد إلى اتاحة الخيارات أمام الحركة الاسلامية سواء على المستوى الدعوي (الفضائيات و النت و نحوهما) أو على مستوى الحركة الإقتصادية و السياسية, مما يقلل (و لا يزيل) مخاطر الحصار الدولي على الأقل تجاه الحركات الاسلامية السلمية.

ستتضرر شعوب العالم الاسلامي (و أغلبها من الفقراء) من الأزمة المالية الدولية في بعض الميادين, و لكنها قد تكون أقل تضررا من الغرب, و كما أنها قد تعودت على شظف العيش, مما يعني أن انتفاع الشعوب الاسلامية من فوائد الأزمة المالية العالمية أكبر من ضررها و معظم الانتفاع سيكون سياسيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع لمجلة البيان الشهرية الصادرة في لندن و نشر بعدد جمادى الآخرة 1430هـ ، كما نشرته في مدونتى القديمة.

العالم الاسلامي

في آفاق التفكير الاستراتيجي و السياسى الإسلامى

يعتبر التفكير الاستراتيجي من أصعب أنواع التفكير ليس لكثرة قوانينه و قواعده وتشعبها و تشابكها مع العديد من العلوم الإجتماعية الأخرى و لكن بسبب أنه يحتاج قدرة كبيرة على التخيل الواقعي لمدى زمني و جغرافي كبير، بجانب استلهامه دروس التاريخ على مدى زمني كبير يشمل كل الزمن و على مدى جغرافي كبير يشمل كل العالم.

و السياسة و فكرها تلي التفكير الاستراتيجي في الصعوبة فهي رغم صعوبتها تمثل صعوبة أقل قليلا من التفكير الاستراتيجي، و هذا الفرق البسيط يتلاشى لأنه كثيرا ما تندمج السياسة بالاستراتيجية.

التأمل السياسي والاستراتيجي

على كل حال فهذه كانت مقدمة لابد منها للدخول لموضوعنا الذي هو عدد من الأفكار هدفها الدفع للتأمل السياسي والاستراتيجي من منطلق المعايير الفقهية المستقرة في مجال السياسة الشرعية، إنها دعوة لإطلاق الفكر للتأمل في آفاق السياسة و الاستراتيجية الإسلامية بأسلوب سهل يستفيد منه الجميع و يدركه و يتفاعل معه غير المتخصص ان شاء الله.

و مما يسهل عملية التفكير الاستراتيجي أن يتخيل المتفكر ما هي أهدافه و تصوراته النهائية التي يريد أن يصل اليها، و في حالة الحركة الاسلامية بكافة فصائلها الحيوية فالهدف هو إعادة الخلافة على منهاج النبوة، و التصور النهائي هو دولة إسلامية واحدة تضم كافة الأراضي الاسلامية التي يمثل فيها المسلمون أغلبية الآن.

و هذا التصور سيفرض عليك تخيل شكل هذه الدولة، و الذي سنتعرض له في هذا المقال جانب من الشكل السياسي و ليس كل الجوانب السياسية و نقصد به البناء السكاني للدولة إن جاز التعبير.

و المتأمل للرقعة الإسلامية المرجو توحيدها تحت راية خلافة راشدة على منهاج النبوة يجد أنها تضم أجناسا و أعراقا شتى و أديانا شتى و مذاهب فقهية متعددة و عقائد ومذاهب متنوعة داخل الدين الواحد.

أجناس و أعراق المسلمين

فمن حيث الأجناس و الأعراق سنجد تمثيل لمعظم الأجناس و الأعراق الاثنية المختلفة الموجودة في العالم، نعم سنجدها كلها موجودة و ممثلة في العالم الاسلامي (الدولة الاسلامية الواحدة)، كما سنجد الأديان السماوية كاليهودية و النصرانية موجودة بنسب كبيرة من عدد السكان بجانب الأغلبية المسلمة، و سنجد الأديان غير السماوية كالمجوسية و الصابئة (و ان كان لبعض الفقهاء رأي بأنهم من أصول سماوية محرفة)، كما سنجد الوثنيات المختلفة كما في جنوب السودان و في أجزاء اخرى من أفريقيا و أسيا (عباد البقر و البوذية و التاوية و غيرها).

مذاهب المسلمين

اما المسلمون فسنجد جميع مذاهبهم الفقهية كالشافعية و الأحناف و الحنابلة و المالكية و الظاهرية و غيرهم، كما سنجد جميع فرقهم العقيدية كالسنة و الشيعة و الخوارج و الصوفية و المعتزلة و الاشاعرة، سنجد هذه المذاهب و الفرق الاسلامية بكثرة و بنسب كبيرة جدا من عدد السكان.

و سنجد الكثيرين من المسلمين المخلصين الذين تلوثت عقولهم بأفكار غريبة عن الاسلام بسبب الغزو الفكري الغربي السابق.

فكيف تكون علاقة كل هذه الأعراق و الملل و النحل و المذاهب ببعضهم البعض من ناحية و بالدولة التي تحكمهم من ناحية أخرى (دولة الخلافة النبوية)؟؟

الخبرة الإسلامية التاريخية

من يرد تصور هذا المشهد بطوله و عرضه و عمقه سيحتاج استدعاء الخبرة الإسلامية التاريخية حول ذلك في عصر النبي صلى الله عليه و آله و سلم و عصر الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم أجمعين، كما أنه سيمر مرورا سريعا بقدر قليل من التريث على الخبرة الاسلامية في العصر الأموي و العصر العباسي الأول لكن مروره على هذين العصرين سيكون مرورا حذرا باستثناء عصر عمر بن عبدالعزيز الذي يشبه عصر الراشدين في التزامه بالأسس و المعايير الإسلامية.

و في هذا التأمل سنلاحظ التسامح الإسلامي مع التنوع الديني و العرقي و المذهبي في إطار من الحزم و الوحدة، و سيتأمل حرية الرأي و حرية الفكر و حرية التعبير الكبيرة، سيجد وحدة مقترنة بالتنوع و حزما مقترنا بالتسامح و حرية منضبطة بالثوابت الإسلامية.

زيارة الى المستقبل

و لسنا بصدد تفصيل هذا الآن و لكن نريد فقط أن نتحرك بأفكارنا في رحلة الى المستقبل يصحبها عبق الماضي التليد بأمجاده الموضوعية العملية و ليست فقط أمجاده الوجدانية و الحماسية كي يمكننا أن نتغلب على الفكر القاصر الذي يبتعد كثيرا عن أدنى أبجديات التفكير الاستراتيجي و السياسي المنضبط بضوابط الشرع الاسلامي.

لابد في هذه الرحلة أو الزيارة الى المستقبل أن نتخيل متطلبات الدولة الإسلامية الناجحة من تجانس و تعايش اجتماعي و شعبي و من استقرار سياسي و اقتصادي و من تكاتف و تكافل اجتماعي و اقتصادي شامل ومن تقدم و تنمية و تطور مستمر في كافة المجالات.

و بعدما نتخيل كل هذا و نحدد معالمه الرئيسة لابد أن نعود إلى واقعنا المعاش و نرتب خططا و تصورات و مناهج و مواقف تنبني على مقتضيات التفكير المستقبلي الذي حددناه بزيارتنا للمستقبل بعقولنا على النحو المذكور آنفا، و مجموع هذا كله سيمثل البناء المتكامل لفكرنا السياسي و الاستراتيجي.

الضوابط و القواعد الفقهية

و عندما نتم ذلك كله في إطار من الضوابط و القواعد الفقهية، سنتمكن من الوصول الى مستوى ناضج من التفكير السياسي و الاستراتيجي الإسلامي، كما سنستطيع أن نرتقي بوجداننا الى مواكبة هذا النضج السياسي والاستراتيجي مما يساهم في جعل أعمالنا في نفس مستوى تفكيرنا من النضج و العمق، لأنه أحيانا يكون تفكيرنا منضبطا شرعيا و إستراتيجيا و لكن وجداننا و مشاعرنا تكون على حالة مختلفة، لذلك لابد من التوحد بين التفكير و الوجدان.

 و هذا المستوى من الفكر و الوجدان سيغير من طبيعة أعمالنا و أنشطتنا المعاصرة لأنه سيكون منطلقا جديدا من أرض جديدة عقليا و وجدانيا، ليست جديدة فقط في صلابتها و لكن أيضا جديدة في طبيعة و أنواع مكوناتها.

و اذا كنا فيما مضى من سطور قد بسطنا سبيلا للتفكير السياسي و الاستراتيجي، فان سؤالا يطرح نفسه بشكل طبيعي بعد كل هذا الكلام و هو:

كيف يتمكن المرء من ممارسة هذا النوع من التفكير أو بتعبير أدق ما هي الأدوات العلمية التي تساعد المرء على سلوك هذا المسلك من التفكير؟

أول هذه الأدوات هو فقه السياسة الشرعية فهو القاعدة الأساسية في ضبط التفكير بالمعايير الشرعية في السياسة و الإستراتيجية خاصة فيما يتعلق بالقواعد و الضوابط الفقهية في مجال السياسة و الاقتصاد و الإستراتيجية، و ينبغي الاهتمام بأصول الفقه لأنه منهج الفهم و الاستنباط لكل ما ذكرناه من موضوعات شرعية كما أن التركيز على باب مقاصد الشريعة أمر هام جدا في مجال الاستفادة بعلم أصول الفقه كأداة من أدوات التفكير السياسي و الاستراتيجي.

 و يلزم الذي يبحث في السياسة و الإستراتيجية أن يلم الماما مناسبا بفهم صحيح لعلوم العقيدة و الملل و النحل، و التاريخ الاسلامي و التاريخ بعامة، بالاضافة لعلوم الاقتصاد السياسي والاجتماع و جانب من الجغرافيا البشرية.

هذا كله فضلا عن علمي السياسة و الإستراتيجة الذين هما لب تخصصه.

لكن هذا كله لا يشغلنا عن أمر مهم و هو القدرة العالية على التخيل و التوقع من خلال الأطر العلمية المذكورة.

التناقضات الدولية

المسلمون و التناقضات الدولية المقبلة

خلال السنوات القليلة القادمة سوف يتبلور نظام دولي جديد، وسيكون متعدد الأقطاب، و تعدد أقطاب القوى الدولية يعكس في حقيقة الأمر شكلا من أشكال الاختلاف أو التناقض الدولي، فماذا يفعل المسلمون ازاء هذا الوضع الجديد في السياسة الدولية؟؟

تعدد الأقطاب في النظام الدولي

إن تعدد الأقطاب في النظام الدولي بما يصحبه من تناقضات و اختلافات دولية يحمل بين طياته العديد من الفرص و المخاطر، و لندع المخاطر جانبا في هذا المقال و لنركز على الفرص.الفرص تتمثل في امكانيات تبديد قوى العدو و استنزافها بل تحجيمها باستغلال مساندة قوة قطب آخر متناقض مع العدو، كما تتمثل في الحصول على فوائد من أحد الأقطاب بحجة التحالف معه ضد قطب أخر أو بحجة نبذ التحالف مع عدوه من الأقطاب الأخرى.و رغم أن النظام الدولي متعدد الأقطاب يتيح فرصا أكبر من النظام ثنائي القطبية الا أن العديد من القوى الدولية الصاعدة الآن و التي من المنتظر أن تلعب دورا كبيرا كأقطاب دولية في النظام الدولي الذي نقف على أعتابه استفادت من الثنائية القطبية بين الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة في بناء قوتها الذاتية الاستراتيجية و الاقتصادية و التكنولوجية و من هذه الدول: الهند و الصين و الكوريتين و تايوان و اليابان و ودول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا.

الهند و كوريا الشمالية

فالهند و كوريا الشمالية استفادتا من علاقاتهما بالاتحاد السوفيتي السابق في بناء قوتهما العسكرية الذاتية القائمة على تصنيع محلي الى حد كبير لا سيما في مجال الأسلحة الاستراتيجية كالصواريخ متوسطة و بعيدة المدى و الأسلحة النووية و الكيميائية و جانب من قطع الغيار المهمة و أسلحة ثقيلة اخرى، و كذلك فعلت الصين في سنوات نشأتها الأربع الأولى و التي حازت فيها ركيزتها الصناعية العسكرية الرئيسة و الأولى في الصواريخ و الطائرات و الدبابات و الأسلحة النووية عبر علاقاتها السوفيتية فصنعت نسخا صينية بحتة من الطائرات و الدبابات و الصواريخ السوفيتية في هذا الوقت، هذا بجانب استفادتهم جميعا في مجال دعم قواهم الاقتصادية و التكنولوجية بعامة.

اليابان و دول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا 

كوريا الجنوبية و تايوان و اليابان و دول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا استفادوا جميعا من علاقاتهم بشكل أو بأخر بالولايات المتحدة الأمريكية القطب المناوئ و المنافس للإتحاد السوفيتي السابق فانتفعوا في تطوير اقتصادياتهم و تصنيعهم و تعليمهم و تسليحهم مما أهلهم الآن للعب دور محوري في نظام دولي جديد متعدد الاقطاب.الهند التي كانت حليفة للاتحاد السوفيتي السابق سرعان ما استوعبت حقيقة انهياره فنقلت صداقتها الى السيد الأوحد (الولايات المتحدة) لتواصل تطوير اقتصادها و تصنيعها وتسليحها كما استفادت من مرحلة الانهيار السوفيتي بأن اشترت منه سلاحا و تكنولجيا متقدمة جدا بأثمان زهيدة.

الصين

الصين عندما قاطعها الاتحاد السوفيتي في منتصف الخمسينات تقريبا ظلت محاصرة نسبيا من القوتين العظميين الى أن نجحت في اقامة علاقات مع الولايات المتحدة مطلع السبعينات لتستفيد اقتصاديا و سياسيا و بدرجة كبيرة تكنولوجيا.هكذا تستفيد الدول و القوى من السياسة الدولة و تعدد الأقطاب فيها.

أما في عالمنا العربي و الاسلامي فلا تكاد تجد نموذجا يشبه هذه النماذج التي بنت مستقبلها بتخطيط و تنفيذ استراتيجي دقيق، ففي حالة مصر التي بدأت عهدا جديدا بانقلاب 23 يوليو 1952 م بفارق ثلاث سنوات فقط عن نشأة دولة الصين الشعبية التي نشأت بالثورة الشيوعية عام 1949م و في طور نشأة دولة الهند (استقلت عن التاج البريطاني عام1947م و أعلنت الجمهورية 1950م) مع ذلك فالمقارن لحال الهند و الصين اليوم من جهة و حال مصر من جهة أخرى لا يجد وجها للمقارنة لا اقتصاديا و لا تكنولوجيا و لا استراتيجيا.

الثنائية القطبية

و هكذا استفادت العديد من القوى الدولية بالثنائية القطبية سابقا مما يشير الى استفادة قوى دولية عديدة في المستقبل القريب بالتعددية القطبية المنتظرة في النظام الدولي الجديد، لكن ذلك يشير ايضا لعدم استفادة القوى العربية و الاسلامية بهذه التعددية القطبية المنتظرة بالضبط كما لم يستفيدوا بالثنائية القطبية السابقة.

أما الحركة الاسلامية بكافة أطيافها الفكرية فهى لا تكاد تلقي بالا لهذه الأمور رغم اهميتها.

استفادة النبي صلى الله عليه و آله و سلم من التناقضات الدولية

و لعل من المفيد هنا ان نشير في عجالة ليس فقط الى استفادة النبي صلى الله عليه و آله و سلم من التناقضات الدولية بل و سعيه الى خلق هذه التناقضات كي يستفيد منها:

فمن أمثلة استفادته بالتناقضات الدولية القائمة اقامته صلى الله عليه و آله و سلم للتحالفات مع القبائل المحيطة بقريش من عدة جوانب مما سهل له عملية حصار قريش اقتصاديا مما أدى بعد عدة سنوات لعقد هدنة صلح الحديبية مع قريش بعدما عضتها الحرب و الحصار الاقتصادي النبوي.

أما من أمثلة خلقه للتناقضات الدولية كي يستفيد منها في عمله السياسي و الاستراتيجي فهو ما فعله أيام غزوة الأحزاب من تسريبه معلومات حددها بدقة زرعت بذور التناقض و الشقاق بين يهود خيبر و قريش مما فصم عرى التحالف بينهما، ذلك التحالف الذي كان قادرا بأن يهدد دولة المدينة استراتيجيا لو أنه استمر قائما.

كذلك فإن من أمثلة سعي النبي صلى الله عليه و آله و سلم لخلق التناقضات الدولية بين اعدائه ما حاوله من بذل جزء من ثمار المدينة لثقيف مقابل تخليهم عن تحالفهم مع قريش و تركها و الرجوع عن غزو المدينة أيام غزوة الخندق.

و لعل الاشارة الأقوى في هذا المجال تأتي من ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم عندما أملى نص وثيقة صلح الحديبية، فنص فيها على بند غاية في الأهمية فيما يتعلق بموضوعنا، و هذا البند هو الذي يقول أن من أراد أن يدخل في حلف مع قريش فليدخل و يصير بذلك ملتزما بموقف قريش في الاتفاقية، و من أراد أن يدخل في حلف مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم فليدخل و يصير بذلك ملتزما بموقف النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الاتفاقية، ليعزز بهذا النص حالة الاستقطاب بين القبائل ما بين محالف للنبي صلى الله عليه و آله و سلم، و ما بين محالف لقريش تمهيدا لساعة الحسم التى حانت فيما بعد يوم فتح مكة، عندما سار النبي صلى الله عليه و آله و سلم اليها بعشرة آلاف مقاتل كثير منهم كانوا من القبائل التي دخلت في جانب النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أسلمت و اطاعته.

تطبيق الشريعة الاسلامية

تحكيم الشريعة الإسلامية في مصر… رد على ماجد عطية

وصلنا من الأستاذ ماجد عطية (رئيس تحرير جريدة وطني سابقا) تعليقا على موضوع “63% من المسيحيين يؤيدون تطبيق الشريعة الاسلامية”، فوجدنا أنه من حق القارئ علينا أن نعلق على التعليق في نقاط حتى تزداد الأفكار وضوحا على النحو التالي:

أولاً: ركز الأستاذ ماجد في تعليقه على أن استطلاع الرأى الذي ذكرناه في الموضوع قديم جدا و يرجع لعصر الرئيس السادات و يرتكز على أهوائه في اظهار الدولة على أنها اسلامية، و الحقيقة أن استطلاع الرأي لم يبدأ العمل في اعداده أيام السادات بل بدأ تحديدا عام 1982م و تم الانتهاء منه عام 1984م ثم جرى نشره عام 1985م، فهو ليس بالقدم الذى ذكره أ/ ماجد، كما أنه في عصر الرئيس مبارك، وقد سقط سهوا تاريخ الاصدار (1985م) أثناء تحرير الموضوع، و لم نعتمد على هذا الاستطلاع وحده بل اعتمدنا على استطلاع حديث جدا أجراه معهد جالوب الأمريكي وهو قد أجرى فى صيف 2007 وأعلن عنه هذا الصيف 2008م في كثير من وسائل الاعلام فلو أن علة الرفض عند أ/ ماجد القدم فها هو الحديث يؤيد القديم.

ثانياً: من مرتكزات ماجد عطية في الطعن على تقرير المركز القومي للبحوث كون الذى أشرف على البحث «صلاح عبد المتعال» و هو من الاخوان المسلمين حسب قوله، لكن حقيقة الأمر أن الذي أشرف على البحث الدكتور “أحمد المجدوب” و ليس “صلاح عبد المتعال” و يمكن للأستاذ ماجد أن يرجع لسجلات المركز ليطمئن قلبه. ثالثا: استدل ماجد عطية على صحة طعنه في البحث أن جريدة الدعوة الناطقة بلسان الاخوان قد احتفت بالبحث، و رغم أن هذا خطأ واضح في الاستدلال، إلا أنه فاته أن جريدة الدعوة كان قد صادرها الرئيس السادات في 5 سبتمبر 1981م أي قبل صدور البحث بأكثر من أربع سنوات، فكيف تحتفي بالبحث و هي موقوفة؟!

ثالثا: إذا كان الأستاذ قد ذكرنا مشكورا بأصول العلمية والمهنية فقد كان عليه أن يرفق برده صورة من غلاف وصفحة مجلة الدعوة التى قال أنها رحبت بالتقرير (رغم تأكيدنا الجازم أن هذا العدد غير موجود أصلا) فضلاً عن أن ترحيب أى وسيلة إعلام بخبر ما لا يعنى نفيه أو تكذيبه بل العبرة بالواقع الحقيقى وليس بمن أيد أو رفض.

رابعاً: ألمح أ/ ماجد بما يشبه التصريح فى رابعاً إلى فبركة الاستطلاع ولم يذكر لنا دليلاً واحداً على ذلك.

وطبعاً ليس من المفيد أن ننفى بغير دليل واقعة ثابتة فالاستطلاع صدر باسم المركز وطبعه ووزعه المركز فلابد لمن يريد أن يطعن فيه أن يأتى بدلائل تفوق ذلك قوة مثل استطلاع آخر أجراه مركز أخر بنفس قيمة وموضوعية مركز البحوث و تكون نتيجته مختلفة.

خامساً: تطرق أ/ ماجد لما أسماه بعربدة التطرف فى طول البلاد وعرضها، ورغم خلافنا مع ما طرحه من كون سلاح المتطرفين قد وجه فقط للمسيحيين بينما الحقيقة أن أغلب من تم قتلهم هم من المسلمين سواء الشرطة أو الإداريين أو أبناء الجماعات الاسلامية نفسها أو حتى المارة فى الشارع ولم يكن هذا السلاح يستهدف بالأساس المسيحيين بعكس ما قاله أ/ ماجد وبعيداً عن الدخول فى مناقشة هذه القضية فنحن نسأل أ/ ماجد ما علاقة ذلك باستطلاع رأى جميع الشعب (مسلمين و مسيحيين) عن تطبيق الشريعة و كلامنا لا علاقة له لا بتطرف ولا بفتنة طائفية نحن نتكلم عن رأى الشعب ولو كان رأى الشعب غير هذا لذكرناه فنحن لم نوجه الشعب لرأى بل ذكرنا رأيه بكل تجرد.

سادساً: وهذا يدفعنا لأن نوجه لـ أ/ ماجد سؤالاً مشروعاً مشوباً بريبة مشروعة أيضاً وهو أننا اعتمدنا فى ذكر رأى الشعب على تقريرين الأول للمركز القومى للبحوث الاجتماعية «وهو مركز أكاديمى تابع للحكومة المصرية» والثانى تقرير مركز جالوب الأمريكى ذى الشهرة والثقة العالمية الواسعة فلماذا ركز فى رده على المصرى ولم يرد بكلمة على تقرير مركز جالوب الذى أتى بنفس النتائج هل لأن مركز جالوب أمريكانى ولا يمكن همزه ولمزه بالولاء للإخوان المسلمين أو غيرهم؟!

على العموم نحن نعتبر أن عدم رده على تقرير جالوب يعني أنه موافق عليه وهذا التقرير رأى أن 91% من المصريين يؤيدون تطبيق الشريعة واعتبر 85% من المؤيدين هؤلاء أن الشريعة تحمى حقوق الأقليات ورأى 97% منهم أنها تحمى حقوق الإنسان، فهل معهد جالوب أيضاً يشرف عليه واحد من الإخوان المسلمين يا أستاذ ماجد؟!!

سابعاً: أما واقعة الحوارات التى أجراها مع المستشار مأمون الهضيبى رحمه الله وممثلى الإخوان المسلمين فهذه رغم أهميتها التاريخية ليست لها علاقة بما نشرناه عن رأى الشعب وتوجهاته إزاء تطبيق الشريعة فكون الإخوان استشهدوا بتقرير فهو أمر لا يقدح فيه كما أنه لا دخل له بما نشرناه لأن هذا الحوار كله يرجع تاريخه لما بعد التقرير ربما بعشر سنوات كما أن حوار فريق من الإخوان مع فريق من الأقباط لا يقدح فى تقرير شبه رسمى وتقرير أخر دولى عن اتجاهات عامة الشعب وهذا أشرنا له فى الثلث الأخير من موضوعنا إذ قلنا أن النخبة من الإسلاميين والعلمانيين يتحاورون ويتجادلون فكرياً حول تطبيق الشريعة الإسلامية دون أن يلتفتوا أو يضعوا فى حسبانهم رأى الشعب واتجاهاته ورأى الشعب هو صميم الديمقراطية.

ومع ذلك وقع أ/ ماجد فى نفس الخطأ عندما حاول أن يجرنا لجدالات فكرية بين أقباط وإخوان مسلمون، و هؤلاء مهما كانت مكانتهم فهم جميعاً يمثلون نخبة فكرية من الأقباط والإسلاميين ولا يجوز لأي نخبة (مسلمة أو قبطية) أن تحجر على رأى أغلبية الشعب مسلمين وأقباط واتجاهات هذه الأغلبية المسلمة والمسيحية على حد سواء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبته فى الأصل للعدد الأسبوعى من جريدة الدستور المصرية ونشر بها كما نشرته في مدونتى القديمة.

الشريعة الاسلامية - صورة تعبيرية

أغلبية الأقباط يؤيدون تطبيق الشريعة الاسلامية في مصر

يؤيد 96.2% من المصريين تطبيق الشريعة الاسلامية في الحكم خاصة الحدود بينما يعارض تطبيقها 3.2%، و يطالب 64% من المصريين أن تكون الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد للتشريع.

هذا ما أكده استطلاعان للرأي أجريا على عينة متنوعة من الشعب المصري.

استطلاع المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بالقاهرة 

ففي استطلاع للرأي أجراه المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بالقاهرة، واعتمد على عينة تم انتقائها بدقة كي تكون ممثلة لكافة فئات و طبقات الشعب المصري، حول موقف الشعب المصري من تطبيق الشريعة الإسلامية و تحديدا الموقف من “الحدود”.

و قد بلغ حجم العينة التي أجريت عليها عملية استطلاع الرأي 2427 شخصا، منهم %93.3من المسلمين و6.3 % من الأقباط ، على اعتبار أن هذه هي نسبة الأقباط في اجمالي تعداد السكان الذي أجري عام 1976م، و قد تنوعت العينة لتشمل كافة الفئات من حيث الطبقة و العمر و التعليم و المهنة و الحالة الإجتماعية و محال الإقامة التي شملت القاهرة و الإسكندرية و بور سعيد و عواصم حضر بحري و عواصم حضر قبلي إلى جانب مواطن النشأة التي شملت ما سبق، بالإضافة إلى ريف بحري و ريف قبلي.

و رغم وجود جوانب عديدة للشريعة الإسلامية غير عقوبات الحدود، إلا أن هيئة البحث اختارت لسبب ما أن يدور بحثها حول الرأي في عقوبات الحدود الشرعية التي تتمثل في:

1- الزنا

2- القذف

3- شرب الخمر

4- السرقة

5- قطع الطريق

6- الردة (أي خروج المسلم من الدين الإسلامي).

 و قد طبع المركز القومي للبحوث نتيجة الإستطلاع في كتاب مكون من نحو 400 صفحة، و لكننا هنا لن نطيل على القارئ بذكر المؤشرات و الأرقام الكثيرة التي احتوتها هذه الدراسة القيمة، بل سنقتصر على ذكر أهم المؤشرات و الإتجاهات التي حوتها الدراسة و ما يدعمها من أرقام.

 ما هوالموقف من تطبيق الشريعة الإسلامية؟

وافقت أغلبية العينة الكلية على تطبيق الحدود و ذلك بنسبة 96.2% و عارض تطبيقها 3.2%، و في عينة المسلمين على حدة ترتفع نسبة الموافقين إلى 98% في مقابل 1.3% معارضون و 0.3% محايدون، أما عينة المسيحيين على حدة فإن نسبة الموافقة فيها تنخفض إلى 63% و ترتفع نسبة المعارضين إلى 31% و كذلك المحايدين حيث بلغت نسبتهم 6%.هل نطبق الشريعة فوريا أم تدريجيا؟

31% من العينة الإجمالية تقف مع التطبيق الفوري، بينما رأى 69% أن التطبيق يجب أن يكون تدريجيا.أما عينة المسلمين منفردة فنسبة المؤيديين للتدرج 69%، و نفس الشئ في عينة المسيحيين منفردة حيث أيد 68% منهم التدرج، لكن عينة المسلمين رأى 75% منهم أن هذا التدرج لا ينبغي أن يتجاوز 5 سنوات كحد أقصى للمرحلة الإنتقالية بينما أيد فكرة الخمس سنوات 69% فقط من العينة المسيحية.

الطبقة الإجتماعية و تطبيق الشريعة

 أيدت أغلبية الطبقة العاملة تطبيق الحدود بنسبة 90% أما أغلبية الكتابيين و الطلاب فايدت بنسبة 83% أما الإداريين و المهنيين فنزلت النسبة إلى 77%.لكن لماذا تطبيق الشريعة ؟ رأى البحث أن دوافع الموافقة لدى كل من المسحيين و المسلمين مختلفة فعلى سبيل المثال رأى 43% من المسلمين وجوب تطبيقها لأنها شريعة الله بينما رأى 23% من المسيحيين أنها شريعة الله.

هل يتم تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها أم مع غيرها من القوانين؟

رأى 65% من المسلمين تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها بينما رأى الباقون (35%) تطبيقها مع بعض القوانين الحالية بينما رأى 27% من المسيحين تطبيقها وحدها و إختار 73% من عينة المسيحيين تطبيقها مع بعض القوانين الحالية.

أما مبررات تطبيق الشريعة مع بعض القوانين الحالية فإن المسيحيين كانوا أميل لتقديم مبررات ذات طبيعة علمانية فكان ترتيب المبررات لديه كالآتي:

1- لأن بعض أفراد من الديانات الأخرى سيرفضون هذا التطبيق

2- لأن بعض القوانين الحالية تتفق مع الشريعة الإسلامية

3- لأنه من الصعب التخلي عن بعض القوانين المطبقة حاليا

4- حتى التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل للشريعة

5- حتى تتم معالجة أوجه القصور.و نذكر القارئ ان هذه هي آراء المسيحيين و ليس المسلمين.

كما يرصد البحث أن أول المبررات لدى المسيحيين كان يمثل أخرها لدى المسلمين، بينما كان أول المبررات لدى المسلمين (و هو: حتى يتم التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل) هو رابع المبررات لدى المسيحيين.لكن هل تطبيق الشريعة على كل جرائم الحدود أم على بعضها فقط؟؟

أيد 92.4% من المسلمين تطبيقها على كل الجرائم بينما انخفضت نسبة هذا التأييد لدى المسيحيين إلى 72%. وإذا طبقنا الشريعة فهل يتم تطبيقها على الجميع مسلمين و مسيحيين أم على المسلمين فقط؟

رأى 69% من المسلمين تطبيقها على الجميع، بينما رأى 31% تطبيقها على المسلمين فقط.كان هذا رأى الشعب المصري وفق استطلاع المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر.

استطلاع مؤسسة غالوب الأمريكية

أما مؤسسة غالوب الأمريكية فقد أجرت هي الأخرى استطلاعا أخر خلال لقاءات مباشرة مع عينة ضمت أكثر من 1800 من المصريين البالغين، وذلك خلال شهري مايو ويوليو 2007، كما شملت أكثر من 1000 تركي، خلال شهري مايو ويوليو 2007 أيضاً.

و أظهر الإستطلاع أن أكثر من 90% من الشعب المصري يؤيد تحكيم الشريعة الإسلامية، بينما يطالب ثُلثا المصريين تقريباً بجعلها المصدر الوحيد للتشريع.وبحسب الاستطلاع الواسع الذي أُجري في مصر وتركيا ومناطق أخرى، فقد جاء الشعب المصري في المقدمة من حيث المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية، حيث قال 91% من المصريين: إن الشريعة ينبغي أن يكون لها دور في تشريع القوانين، وهو رأي وافقهم فيه 90% من الأتراك.

وبحسب الاستطلاع الذي نشرت نتائجه وكالة أنباء “أمريكا إن أرابيك” فإن حوالي ثلثي المصريين (64 %) يعتقدون أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المصدر الوحيد للتشريع، وهو الرأي الذي عبّر عنه 7% فقط من الأتراك.لكن حوالي ثلث الأتراك (32 % فقط) رأوا أن الشريعة ينبغي أن تكون “أحد” مصادر التشريع، وهو ما أشار إليه أكثر من ثلث المصريين (35%).

كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع في هاتين الدولتين لديهم أفكار إيجابية عن الشريعة.

ومن بين المطالبين بأن تكون الشريعة أحد مصادر التشريع، رأى 97% من المصريين أن الشريعة توفر العدالة للمرأة، في مقابل 69% من الأتراك.

كما قال 85 % من المصريين المطالبين بأن تكون الشريعة مصدرًا من مصادر التشريع: إنها تحمي الأقليات، وهو ما دعمه 51% من الأتراك.

واعتبر 96% من المصريين من هذه الشريحة أن الشريعة الإسلامية تعزز من وجود نظام قضائي عادل، في مقابل 63% من الأتراك.وعبّر 97% من المصريين في هذه الفئة عن اعتقادهم بأن الشريعة تحمي حقوق الإنسان، وهو ما أشار إليه 62% من الأتراك.

كما قال 94% من المصريين المؤيدين للشريعة كأحد مصادر التشريع: إنها تعزز العدالة الاقتصادية، في حين انخفضت هذه النسبة إلى 55% بين الأتراك.

واعتبر 94% من المصريين في هذه المجموعة أن الشريعة من شأنها أن تقلل الجريمة في المجتمع، وهو نفس الرأي الذي عبر عنه 68% من الأتراك.

وأظهر الاستطلاع أن هؤلاء الذين يؤيدون تطبيق الشريعة كمصدر من مصادر التشريع لا يميلون إلى ربط الشريعة بأفكار سلبية.هذه هي ارادة أغلبية الشعب المصري و فق استطلاعات الرأي.

وهي ارادة ينبغي الإذعان لها إن كنا نتحدث عن أسلوب حكم ديمقراطي، و لكن دائما نجد من يزعم انه يتكلم باسم الشعب مدعيا تحقيقه لإرادة الأغلبية، لكنه في حقيقة الأمر لا يتحدث الا بلسان نفسه فقط.

إن رأي الشعب في تطبيق الشريعة قضية مغيبة عن النقاش الدائر حول تطبيق الشريعة، بل في بعض الأحيان زعم علمانيون أن الشعب لا يريد الشريعة.

النقاش حول تطبيق الشريعة في مصر والعالم الإسلامي

و في هذا الإطار نتابع دائما في مصر و في سائر أنحاء العالم الإسلامي نقاشا لا ينتهي و جدالا لا ينقطع بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع في الدول الإسلامية.

و إن كان الإسلاميون و العلمانيون هما طرفا النقاش فإن كلا الطرفين يدعي أنه يبتغي تحقيق مصلحة الشعوب العربية و الإسلامية و حمايتها من الديكتاتورية و حكم الإستبداد.الإسلاميون ألصقوا كل الشرور بالعلمانين بصفتهم استلموا الحكم في العالم الإسلامي منذ أتم تحرره من الإحتلال العسكري الغربي، و بالتالي فهم مسئولون عما آل إليه أمر الأمة منذئذ و حتى الآن.أما العلمانيون فظلوا يحذرون الأمة العربية و الإسلامية من شرور ما أسموه بالحكم الديني و الديكتاتورية و الإستبداد باسم الدين و الحكم الإلهي، لكن الاسلاميين ردوا عليهم بأن الحكم بالحق الالهي و الحكم الكهنوتي المرتكز على رجال الدين منافي لتعاليم الدين الاسلامي في نظام الحكم بل الحاكم في الاسلام مسئول أمام الشعب حتى قال قائل من الشعب لأفضل رجل في الأمة الاسلامية بعد رسول الله و هو أبو بكر الصديق “لو اعوججت لقومناك بسيوفنا” فامتدحه أبو بكر، كما لم يوجد أبدا في التاريخ الاسلامي نظام حكم قائم على الحق الالهي أو رجال الدين باستثناء نظرية المذهب الشيعي في الحكم و أتباعه أقل من 10% من تعداد كل مسلمي العالم، كما أنه لم يطبق في أرض الواقع الا في حالات قليلة.

كما أعلن الإخوان المسلمون أن الشريعة الإسلامية لا تتنافى مع الديمقراطية و أكدوا أنهم عندما يصلون للحكم بالإنتخاب فإنهم سيحكمون وفق قواعد الديمقراطية في اطار المرجعية الإسلامية.لكن العلمانيين قالوا أن الإسلاميين غير صادقين في توجههم الديموقراطي، و أن طرحهم للديمقراطية كأسلوب حكم مجرد ذريعة للإستيلاء على الحكم و بعدها سيمارسون الديكتاتورية الدينية و ينقلبوا على الديمقراطية.

و اعتبر العلمانيون أن معارضتهم لتطبيق الشريعة الإسلامية هو دفاع عن الديمقراطية و حقوق الشعب، و قالوا أيضا أنه دفاع عن العقل و العلم و حقوق الإنسان و حقوق الأقباط.وطالب الإسلاميون بالإحتكام لرأي الشعب في تحديد من يحكم البلاد و ذلك عبر صناديق الإقتراع في انتحابات حرة.

و رد العلمانيون بأنه من غير المنطقي أن نعطي فرصة لأعداء الديمقراطية للوصول للحكم عبر الديمقراطية لينقلبوا عليها بعد ذلك.

فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات

قلة نادرة من العلمانيين وافقوا على فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات، مثل نجيب محفوظ الذي أيد انشاء حزب اسلامي و رأى أن السماح بحزب للإسلاميين لا يمثل خطرا لأنهم لن يصلوا عبره للحكم لأن كل الأحزاب الأخرى ستتوحد في جبهة واحدة دفاعا عن العلمانية (عدم تطبيق الشريعة) لمنع وصول الإسلاميين للحكم و منع تطبيق الشريعة، و سينجح العلمانيون في منع تطبيق الشريعة، بينما سيفشل الإسلاميون في الإنتخابات حسب رأيه.و من العلمانيين من صرح بأن الشريعة غير مناسبة للعصر الحديث لأنها حسب رأيهم خاصة بزمان محدد و هو زمن النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم و مكان محدد هو شبه الجزيرة العربية و بيئتها القبلية و الصحراوية، و رد عليهم الاسلاميون بأن الاسلام صالح لكل زمان و مكان حسب نص القرآن {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107، و قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28، فكافة للناس تشمل جميع البشر في كل زمان ومكان، و كذلك رحمة للعالمين، فالعالمين تشمل كل البشر في كل زمان و مكان.كما كان بعض العلمانيين أكثر صراحة عندما انتقدوا أحكام الحدود في الشريعة الاسلامية و اعتبروها مهينة وغير انسانية، لكنهم لم يصغوا لردود الاسلاميين على هذا الاتهام، رغم أن الردود الاسلامية كانت واضحة و قوية حيث رأى الاسلاميون أن الحدود ليست هي كل الشريعة بل هي مجرد جزء من منظومة كبيرة ومتكاملة، و هذه المنظومة تعتمد على التربية النفسية و التنشئة الاجتماعية أكثر من اعتمادها على الحدود، بدليل أن الحدود لم تطبق في عصر النبي صلى الله عليه و آله وسلم الا نادرا، كما أن تطبيق كل حد له شروط تكاد تكون مستحيلة التحقيق في كثير من الأحيان، هذا كله فضلا عن القاعدة العامة و الأساسية في تطبيق الحدود و هو قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم “ادرأوا الحدود بالشبهات” بمعنى أن أي ظن يرد ببراءة المتهم في حد ما فانه يفسر لصالح براءته، و هذا كله يعزز فكرة أن الحدود هي أحد أدوات الشريعة لتقويم المجتمع و ليست هي الوسيلة الوحيدة، بل إن الوسائل الأخرى تحتل مكانة أكبر و أوسع من وسيلة اقامة الحدود، و ان كان هذا لا يقلل من اهمية الحدود كعقاب رادع يتم التلويح به وإن لم يطبق إلا قليلا، كما اعتبر الاسلاميون أن اتهام الحدود بأنها مهينة و غير انسانية هو طعن في ثوابت الدين الاسلامي الثابتة في القرآن الكريم، بل طعن في الدين نفسه لأن الله هو الذي شرعها والله نعالى يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك14، و يقول {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} فاطر31، فالله هو خبير بصير بعباده يعلم ما يصلحهم و قد أنزل شريعته وفق ما يصلحهم لا ما يهينهم أو ينتهك انسانيتهم، فما دام الأمر كذلك فالحدود لابد أنها غير مهينة و غير منافية لحقوق الانسان، لاسيما و أن الذين يعتبرونها مهينة انما ينظرون لمصلحة الشخص الذي سيقام عليه الحد و يهملون مصلحة المجتمع التي تضررت من جريمة هذا الجاني، خاصة أن إقامة الحد هي أخر المطاف في تقويم الجاني و ليس أوله.

الشريعة و استقلال القضاء

و ركز الاسلاميون في شرحهم لمنظومة الشريعة على جوانب متعددة مغايرة للحدود مثل استقلال القضاء و عدالته، و مثل العدالة الاجتماعية، و مثل الاقتصاد الاسلامي، و مثل التربية الاسلامية، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و مكافحة ظلم الحكام و الجهر بالحق في وجوههم، و قد اهتم الاسلاميون بذلك كثيرا حتى ان الدكتور على جريشة خصص جزءا من رسالته للدكتوراه لذلك تحت عنوان “شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها”، فضلا عن كتب كثيرة عامة في ذلك مثل “بينات الحل الاسلامي” للقرضاوي، و كتب اخرى كثيرة خاصة بأحد هذه الجزئيات مثل العدالة الاجتماعية أو الاقتصاد الاسلامي أو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و غيرها كثير.

لكن يبدو أن العلمانيين وجدوا أنهم سيخسرون لو أنهم استمروا في مناقشة أمر تطبيق الشريعة على هذا النحو فلجأوا لأسلوبين آخرين لمنازلة دعاة تطبيق الشريعة:

الأسلوب الأول- و قد تبناه العلمانيون ذوو الثقافة الدينية، و يتلخص هذا الأسلوب في التشكيك في العديد من مصادر الأحاديث النبوية و أقوال الصحابة لا سيما التي تفسر القرآن، و لم يكن غريبا أن ينصب الطعن على صحيح البخاري الذي يعتبر أهم و أصح كتاب لدى المسلمين بعد كتاب الله، لأنه لو انهدم أقوى كتاب سنة فلن يصمد أي كتاب سنة غيره، و لم ينزعج الاسلاميون و علماء الدين من رد حديث هنا أو هناك حتى لو كان صحيحا، لأن هذا الأمر رغم عدم موافقته للمعايير العلمية و الأسس الموضوعية للبحث في الدراسات الاسلامية فإنه ليس طريقا لهدم سائر الشريعة، لكن مكمن الخطورة الذي لاحظوه يرجع إلى أن هؤلاء الطاعنين يطعنون بلا قواعد و لا منهج محدد سوى موافقة الأمر لعقولهم كل حسب منطقه العقلي الخاص به، و من ثم فلو انتشر هذا المسلك فسيحكم كل شخص عقله في نصوص الشرع بلا مناهج بحث و بلا قواعد علمية موضوعية.. فقط وفق رأي الشخص الخاص و الذي يسميه العقلانية، و طبعا هذا الكلام غير موجود في أي علم في العالم فكل علم له قواعده و مناهج بحثه المتكاملة.. فكيف يكون الأمر في دين يتمتع بأرقى و أقوى مناهج بحث شهدها التاريخ.

ومن هنا فان الاسلاميين قالوا ان هؤلاء يريدون تقييم و نقد الاسلام وفق معايير لادينية، و الأجدر بهم بدل هذا التخفي بعباءة العقلانية أن يعلنوا أنهم يريدون تطويع الاسلام للعلمانية أو اللادينية.

الأسلوب الثاني- يقوم على المقارنة بين أقوال و برامج دعاة تطبيق الشريعة و بين المواثيق الدولية لحقوق الانسان و المعايير الديمقراطية الغربية، و الخروج من هذه المقارنة بالقول أن الدعوة لتطبيق الشريعة تقود إلى مخالفة للديمقراطية و حقوق الانسان بالمعايير الغربية و من ثم فينبغي رفض دعوة تطبيق الشريعة هذه.

و قد اهتم الاسلاميون بالرد على أهل الأسلوب الأول بينما أهملوا الرد على أهل الأسلوب الثاني.

و على كل حال فهذا الجدل المحتدم وصل لحد التراشق اللفظي الحاد بل وصل أحيانا لحد التكفير و القتل أو محاولة القتل (كما حدث مع فرج فودة الكاتب العلماني المشهور و مكرم محمد أحمد الكاتب الصحفي المعروف)، و لكن رغم سخونة هذا الجدل فإن رأي الشعب المصري بمسلميه و أقباطه ظل غائبا أو مغيبا عن ساحة الصراع الفكري حول هذه القضية خاصة من قبل العلمانيين الذين زعموا دائما حرصهم على المصلحة العامة و حقوق الإنسان و مع ذلك لم يسعوا يوما للإستماع إلى صوت الشعب الذي يزعمون الدفاع عنه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الموضوع نشرته في جريدة الدستور المصرية (العدد الأسبوعى) ثم فى موقع لواء الشريعة و مدونتي القديمة.

مصر

ماذا يريد الشعب ؟.. أغلبية المصريين مسلمين ومسيحيين يؤيدون تطبيق الشريعة الإسلامية

ماذا يريد الشعب؟

سؤال يطرح نفسه بشدة إن كنا نتحدث عن أسلوب حكم ديمقراطي، و لكن دائما نجد من يزعم انه يتكلم باسم الشعب مدعيا تحقيقه لإرادة الأغلبية.

و في هذا الإطار نتابع دائما في سائر أنحاء العالم الإسلامي نقاشا لا ينتهي و جدالا لا ينقطع بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع في الدول الإسلامية.

و إن كان الإسلاميون و العلمانيون هما طرفا النقاش فإن كلا الطرفين يدعي أنه يبتغي تحقيق مصلحة الشعوب العربية و الإسلامية و حمايتها من الديكتاتورية و حكم الإستبداد.الإسلاميون ألصقوا كل الشرور بالعلمانين بصفتهم استلموا الحكم في العالم الإسلامي منذ أتم تحرره من الإحتلال العسكري الغربي، و بالتالي فهم مسئولون عما آل إليه أمر الأمة منذئذ و حتى الآن.

أما العلمانيون فظلوا يحذرون الأمة العربية و الإسلامية من شرور ما أسموه بالحكم الديني و الديكتاتورية و الإستبداد باسم الدين و الحكم الإلهي.

الإخوان المسلمون: الشريعة الإسلامية لا تتنافى مع الديمقراطية

و أعلن الإخوان المسلمون أن الشريعة الإسلامية لا تتنافى مع الديمقراطية و أكدوا أنهم عندما يصلون للحكم بالإنتخاب فإنهم سيحكمون وفق قواعد الديمقراطية في اطار المرجعية الإسلامية.

لكن العلمانيين قالوا أن الإسلاميين غير صادقين في توجههم الديموقراطي، و أن طرحهم للديمقراطية كأسلوب حكم مجرد ذريعة للإستيلاء على الحكم و بعدها سيمارسون الديكتاتورية الدينية و ينقلبوا على الديمقراطية.

و اعتبر العلمانيون أن معارضتهم لتطبيق الشريعة الإسلامية هو دفاع عن الديمقراطية و حقوق الشعب، و قالوا أيضا أنه دفاع عن العقل و العلم و حقوق الإنسان و حقوق الأقباط.وطالب الإسلاميون بالإحتكام لرأي الشعب في تحديد من يحكم البلاد و ذلك عبر صناديق الإقتراع في انتحابات حرة.و رد العلمانيون بأنه من غير المنطقي أن نعطي فرصة لأعداء الديمقراطية للوصول للحكم عبر الديمقراطية لينقلبوا عليها بعد ذلك.

قلة نادرة من العلمانيين وافقوا على فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات، مثل نجيب محفوظ الذي أيد انشاء حزب اسلامي و رأى أن السماح بحزب للإسلاميين لا يمثل خطرا لأنهم لن يصلوا عبره للحكم لأن كل الأحزاب الأخرى ستتوحد في جبهة واحدة دفاعا عن العلمانية (عدم تطبيق الشريعة) لمنع وصول الإسلاميين للحكم و منع تطبيق الشريعة، و سينجح العلمانيون في منع تطبيق الشريعة، بينما سيفشل الإسلاميون في الإنتخابات حسب رأيه.

و هذا الجدل المحتدم وصل لحد التراشق اللفظي الحاد بل وصل أحيانا لحد التكفير و القتل أو محاولة القتل (كما حدث مع فرج فودة الكاتب العلماني المشهور و مكرم محمد أحمد الكاتب الصحفي المعروف)، و لكن رغم سخونة هذا الجدل فإن رأي الشعب ظل غائبا أو مغيبا عن ساحة الصراع الفكري حول هذه القضية خاصة من قبل العلمانيين الذين زعموا دائما حرصهم على المصلحة العامة و حقوق الإنسان و مع ذلك لم يسعوا يوما للإستماع إلى صوت الشعب الذي يزعمون الدفاع عنه.

إن رأي الشعب في تطبيق الشريعة قضية مغيبة عن النقاش الدائر حول تطبيق الشريعة، بل في بعض الأحيان زعم علمانيون أن الشعب لا يريد الشريعة.

رأي الشعب المصري في قضية تطبيق الشريعة الإسلامية

 ولكن بعيدا عن إدعاءات العلمانيين فما هو رأي الشعب المصري في قضية تطبيق الشريعة الإسلامية؟؟

إن التعرف على رأي الشعب في قضية ما بحيادية كاملة هو لب أي فعل ديمقراطي سليم، و عادة يتم هذا في الدول الديمقراطية عبر أحد أمرين إما صناديق الإنتخابات أو استطلاعات الرأي التي تجري بطرق علمية و موضوعية دقيقة.

و نظرا لأن الإنتخابات النزيهة ممنوعة في بلادنا، فإن استطلاعات الرأي تظل الطريق الوحيد المتاح لمعرفة رأي الشعب في قضية ما كلما سنحت الفرصة لإجراء استطلاع راي محايد و موضوعي و دقيق.و بدءا من عام 1982م و حتى عام 1984م أجرى المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بمصر استطلاعا للرأي حول موقف الشعب المصري من تطبيق الشريعة الإسلامية و تحديدا الموقف من “الحدود” واعتمد الإستطلاع على عينة تم انتقائها بدقة كي تكون ممثلة لكافة فئات و طبقات الشعب المصري.و قد بلغ حجم العينة التي أجريت عليها عملية استطلاع الرأي 2427 شخصا، منهم %93،3من المسلمين و6،3 % من الأقباط ، على اعتبار أن هذه هي نسبة الأقباط في اجمالي تعداد السكان الذي أجري عام 1976م، و قد تنوعت العينة لتشمل كافة الفئات من حيث الطبقة و العمر و التعليم و المهنة و الحالة الإجتماعية و محال الإقامة التي شملت القاهرة و الإسكندرية و بور سعيد و عواصم حضر بحري و عواصم حضر قبلي إلى جانب مواطن النشأة التي شملت ما سبق بالإضافة إلى ريف بحري و ريف قبلي.

عقوبات الحدود الشرعية

 و رغم وجود جوانب عديدة للشريعة الإسلامية غير عقوبات الحدود، إلا أن هيئة البحث اختارت لسبب ما أن يدور بحثها حول الرأي في عقوبات الحدود الشرعية التي تتمثل في:

1- الزنا

 2- القذف

3- شرب الخمر

4- السرقة

5- قطع الطريق

6- الردة (أي خروج المسلم من الدين الإسلامي)

 و قد طبع المركز القومي للبحوث نتيجة الإستطلاع في كتاب مكون من نحو 400 صفحة و لكننا هنا لن نطيل على القارئ بذكر المؤشرات و الأرقام الكثيرة التي احتوتها هذه الدراسة القيمة، بل سنقتصر على ذكر أهم المؤشرات و الإتجاهات التي حوتها الدراسة و ما يدعمها من أرقام.

 الموقف الشعبي من تطبيق الشريعة الإسلامية

 وافقت أغلبية العينة الكلية على تطبيق الحدود و ذلك بنسبة 96،2% و عارض تطبيقها 3،2%، و في عينة المسلمين على حدة ترتفع نسبة الموافقين إلى 98% في مقابل 1.3% معارضون و 0،3% محايدون، أما عينة المسيحيين على حدة فإن نسبة الموافقة فيها تنخفض إلى 63% و ترتفع نسبة المعارضين إلى 31% و كذلك المحايدين حيث بلغت نسبتهم 6%.

هل نطبق الشريعة فوريا أم تدريجيا؟

31% من العينة الإجمالية تقف مع التطبيق الفوري، بينما رأى 69% أن التطبيق يجب أن يكون تدريجيا.أما عينة المسلمين منفردة فنسبة المؤيديين للتدرج 69%، و نفس الشئ في عينة المسيحيين منفردة حيث أيد 68% منهم التدرج، لكن عينة المسلمين رأى 75% منهم أن هذا التدرج لا ينبغي أن يتجاوز 5 سنوات كحد أقصى للمرحلة الإنتقالية بينما أيد فكرة الخمس سنوات 69% فقط من العينة المسيحية.

الطبقة الإجتماعية و تطبيق الشريعة

أيدت أغلبية الطبقة العاملة تطبيق الحدود بنسبة 90% أما أغلبية الكتابيين و الطلاب فايدت بنسبة 83% أما الإداريين و المهنيين فنزلت النسبة إلى 77%.

لكن تطبيق الشريعة لماذا ؟

رأى البحث أن دوافع الموافقة لدى كل من المسيحيين و المسلمين مختلفة فعلى سبيل المثال رأى 43% من المسلمين وجوب تطبيقها لأنها شريعة الله بينما رأى 23% من المسيحيين أنها شريعة الله.

هل يتم تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها أم مع غيرها من القوانين؟

رأى 65% من المسلمين تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها بينما رأى الباقون (35%) تطبيقها مع بعض القوانين الحالية بينما رأى 27% من المسيحين تطبيقها وحدها و إختار 73% من عينة المسيحيين تطبيقها مع بعض القوانين الحالية.

أما مبررات تطبيق الشريعة مع بعض القوانين الحالية فإن المسيحيين كانوا أميل لتقديم مبررات ذات طبيعة علمانية فكان ترتيب المبررات لديهم كالآتي:

1- لأن بعض أفراد من الديانات الأخرى سيرفضون هذا التطبيق

 2- لأن بعض القوانين الحالية تتفق مع الشريعة الإسلامية

 3- لأنه من الصعب التخلي عن بعض القوانين المطبقة حاليا

4- حتى التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل للشريعة

5- حتى تتم معالجة أوجه القصور.

و نذكر القارئ ان هذه هي آراء المسيحيين و ليس المسلمين.

كما يرصد البحث أن أول المبررات لدى المسيحيين كان يمثل أخرها لدى المسلمين، بينما كان أول المبررات لدى المسلمين (و هو: حتى يتم التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل) هو رابع المبررات لدى المسيحيين.

لكن هل تطبيق الشريعة على كل جرائم الحدود أم على بعضها فقط؟؟

أيد 92،4% من المسلمين تطبيقها على كل الجرائم بينما انخفضت نسبة هذا التأييد لدى المسيحيين إلى 72%.

 إذا طبقنا الشريعة فهل يتم تطبيقها على الجميع مسلمين و مسيحيين أم على المسلمين فقط؟

رأى 69% من المسلمين تطبيقها على الجميع، بينما رأى 31% تطبيقها على المسلمين فقط.

و إذا كان هذا راى الشعب المصري عام 1984م فما هو رأيه الآن؟

تأتي الإجابة في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب الأمريكية خلال لقاءات مباشرة مع عينة ضمت أكثر من 1800 من المصريين البالغين، وذلك خلال شهري مايو ويوليو 2007، كما شملت أكثر من 1000 تركي، خلال شهري مايو ويوليو 2007 أيضاً.

و أظهر الإستطلاع أن أكثر من 90% من الشعب المصري يؤيد تحكيم الشريعة الإسلامية، بينما يطالب ثُلثا المصريين تقريباً بجعلها المصدر الوحيد للتشريع.

وبحسب الاستطلاع الواسع الذي أُجري في مصر وتركيا ومناطق أخرى، فقد جاء الشعب المصري في المقدمة من حيث المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية، حيث قال 91% من المصريين:

إن الشريعة ينبغي أن يكون لها دور في تشريع القوانين، وهو رأي وافقهم فيه 90% من الأتراك.

وبحسب الاستطلاع الذي نشرت نتائجه وكالة أنباء “أمريكا إن أرابيك” فإن حوالي ثلثي المصريين (64 %) يعتقدون أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المصدر الوحيد للتشريع، وهو الرأي الذي عبّر عنه 7% فقط من الأتراك.

لكن حوالي ثلث الأتراك (32 % فقط) رأوا أن الشريعة ينبغي أن تكون “أحد” مصادر التشريع، وهو ما أشار إليه أكثر من ثلث المصريين (35%).كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع في هاتين الدولتين لديهم أفكار إيجابية عن الشريعة.

ومن بين المطالبين بأن تكون الشريعة أحد مصادر التشريع، رأى 97% من المصريين أن الشريعة توفر العدالة للمرأة، في مقابل 69% من الأتراك.

 كما قال 85 % من المصريين المطالبين بأن تكون الشريعة مصدرًا من مصادر التشريع: إنها تحمي الأقليات، وهو ما دعمه 51% من الأتراك.

واعتبر 96% من المصريين من هذه الشريحة أن الشريعة الإسلامية تعزز من وجود نظام قضائي عادل، في مقابل 63% من الأتراك.

وعبّر 97% من المصريين في هذه الفئة عن اعتقادهم بأن الشريعة تحمي حقوق الإنسان، وهو ما أشار إليه 62% من الأتراك.

كما قال 94% من المصريين المؤيدين للشريعة كأحد مصادر التشريع: إنها تعزز العدالة الاقتصادية، في حين انخفضت هذه النسبة إلى 55% بين الأتراك.

واعتبر 94% من المصريين في هذه المجموعة أن الشريعة من شأنها أن تقلل الجريمة في المجتمع، وهو نفس الرأي الذي عبر عنه 68% من الأتراك.

وأظهر الاستطلاع أن هؤلاء الذين يؤيدون تطبيق الشريعة كمصدر من مصادر التشريع لا يميلون إلى ربط الشريعة بأفكار سلبية.

فهل عرفنا رأى الشعب المصري، و هل يتم تبنى خيار الشعب أم يظل الإدعاء بتطبيق الديمقراطية في حين أنه يتم السير في اتجاه مضاد لإتجاه الأغلبية؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشرته في جريدة الدستور المصرية

جمال عبد الناصر في الحج

جمال عبد الناصر و الإسلام

هل كان جمال عبد الناصر متدينا أم علمانيا؟؟
و إذا كان متدينا فلماذا حارب الإخوان المسلمين و قتلهم و سجنهم عبر محاكم عسكرية قاسية و ضيق على العديد من الدعاة الإسلاميين و لماذا ألغى المحاكم الشرعية؟؟
و إذا كان علمانيا فلماذا سجن و عذب الشيوعيين و الليبراليين و لماذا قام بدعم أنشطة إسلامية من قبيل تأسيس إذاعة القرآن الكريم و إنشاء جامعة الأزهر و دعم دور الأزهر الخارجي بل و لماذا استخدم الإسلام كثيرا في خطابه السياسي؟؟
و إذا كان لنا أن نناقش موقف جمال عبدالناصر من الإسلام فلابد أن نتعرض لموقفه إزاء عدد من المؤسسات و القضايا.
و أول هذه المؤسسات هي جماعة الإخوان المسلمين الذين وثق جمال عبد الناصر علاقاته و تحالفاته معهم عشية الثورة ثم سرعان ما دخل معهم في صراع على الحكم و النفوذ, و بدأ هذا الصراع في الظهور عندما طلب الإخوان المسلمون من جمال عبدالناصر تطبيق استحقاقات هذا التحالف و المتمثلة في تطبيق الشريعة و إقامة الحكم الإسلامي, و رفض جمال عبدالناصر و تنكر لأي إتفاقات مع الإخوان تلزمه بذلك, و بدلا من ذلك طلب منهم أن يرشحوا له اثنين ليشاركو في الوزارة واحد للتعليم و آخر للأوقاف, لكن الإخوان قرروا عدم التعاون مطلقا مع عبدالناصر, كما قرروا مقاطعته من منطلق أنهم يرون أنه خانهم بإعتبار أنه تنكر لهم, و عندما خالف أحد قادة الجماعة قرار الجماعة في هذا المجال و هو الشيخ الباقوري ووافق على تولي وزارة الأوقاف قامت الجماعة بفصله من عضويتها.
و منذ ذلك الحين اشتعل الصراع بين الإخوان و عبدالناصر.
لكن على ماذا كان الصراع؟؟
من جانب عبدالناصر كان الصراع مع الإخوان المسلمين جزءا من صراع واسع على السلطة خاضه جمال عبدالناصر على عدة أصعدة مع حلفاء و زملاء الأمس مثل الشيوعيين و عدد من قادة تنظيم الضباط الأحرار مثل محمد نجيب و خالد محي الدين و يوسف صديق و عبدالمنعم عبدالرؤف و غيرهم من قادة الجيش وتنظيم الضباط الأحرار, و في هذا الإطار أحبط العديد من محاولات الإنقلاب التي قام بها ضباط في الجيش يميلون للإخوان أو الشيوعيين أو الليبرالية, و في هذا الإطار أيضا جاء صراع عبدالناصر مع الإخوان كي يستحوذ على السلطة وحده على النحو الذي آل إليه الأمر فيما بعد عندما أمكنه التخلص من أخر زملائه الأقوياء و هو عبدالحكيم عامر غداة هزيمة 1967م بعد أن كان قد تخلص من الإخوان و الشيوعيين و الليبرالين و سائر قادة الضباط الأحرار.
و هكذا كان عبدالناصر واضحا في أهدافه كما حدد وسائله بدقة و دون تردد.

الإخوان المسلمون و عبد الناصر

أما الإخوان المسلمون فقد ترددوا ما بين داعيين للرضى بما يعرضه عليهم عبدالناصر و الإستمرار في التحالف معه, و ما بين معارضين له داعيين لمقاطعته و ممارسة النضال ضده حتى إسقاطه.
و هؤلاء المعارضون لعبد الناصر من الإخوان المسلمين انقسموا أيضا إلى قسمين قسم رأى أنه يمكن معارضته و إسقاطه عبر العمل السياسي السلمي كالإضرابات و المظاهرات و نحو ذلك, بينما رأى القسم الثاني أن الأفضل هو عمل إنقلاب عسكري على عبدالناصر.
كما رأى فريق أخر من الإخوان المسلمين أن على الإخوان ترك العمل السياسي إلى حين بما في ذلك عدم اتخاذ أي مواقف مؤيدة أو معارضة تجاه جمال عبدالناصر, و ذلك بهدف التفرغ لإصلاح جماعة الإخوان المسلمين و ترتيب أوضاعها الداخلية التي كانت تعصف بها الخلافات و التناحرات لاسيما و أن عبدالناصر قد بدأ يؤجج هذه الصراعات الداخلية و يشجع فريق على حساب أخر.
و على كل حال فقد أدى تردد الإخوان و اختلافهم حول ماهية و طبيعة علاقتهم بكل من جمال عبدالناصر و الثورة, و حول الوسائل و الأساليب الواجب اتباعها في إدارة هذه العلاقة إلى ضعف و تفكك أصابا أجهزة جماعة الإخوان المسلمين مما مكن عبدالناصر من هزيمة تنظيم الإخوان المسلمين الضخم و تفكيكه ووضعه في السجن عام 1954م, و ذلك لأن جمال عبدالناصر حدد ما يريده بدقة و حزم, و نفذه عبر أجهزة الدولة السياسية و الإعلامية و الأمنية التي أجاد السيطرة عليها و تطويرها لا سيما و أنه حرص على أن يحتفظ لنفسه بمنصب وزير الداخلية بجانب منصبه الأساسي كرئيس وزراء في بداية سنوات حكم الثورة, بجانب سيطرته على الجيش و المخابرات عبر صديقه الحميم في ذلك الحين عبدالحكيم عامر.
لكن هل وجه جمال عبد الناصر ضربته للأجهزة السياسية و الأمنية للإخوان المسلمين فقط وترك الأجهزة الإعلامية و الدعوية؟؟!
في الواقع فإن جمال عبدالناصر قد وجه للإخوان ضربة شاملة ساحقة و قاسية شملت حتى الذين لم يكونوا يميلون لخوض أي مواجهة سياسية أو عسكرية مع جمال عبدالناصر و الثورة, بل إن الذين كانوا على صلة بعبدالناصر و استغلهم لتأجيج الصراع داخل أجهزة وتنظيمات الإخوان المسلمين قبيل هذه الضربة لم يسمح لهم جمال عبدالناصر بعد الضربة بأي نشاط دعوي اللهم إلا دور الشيخ الباقوري الذي كان في إطار الحكم الناصري و لصالحه.

جمال عبد الناصر و الأزهر الشريف

أما الأزهر الشريف الذي يعد أهم مؤسسة إسلامية على الإطلاق في مصر و العالم الإسلامي، فقد كان لجمال عبدالناصر معه شأن أخر ممكن أن نعتبره إستمرارا للنهج الثابت الذي بدأ الحكام في مصر ينهجونه منذ نابليون بونابرت و حتى الآن و هو نهج الإحتواء و السيطرة تحت ستار التطوير و التجديد, و في هذا الإطار نتذكر ما فعله محمد علي و من بعده خلفائه مع الأزهر الشريف و ذلك النهج تلخصه كلمة الخديو عباس حلمي التي قال فيها محددا دور الأزهر: “أول شئ أطلبه أنا و حكومتي أن يكون الهدوء سائدا في الأزهر و الشغب بعيدا عنه فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد و شغب الأفكار لأنه مدرسة دينية قبل كل شئ.إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه. و أطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائما بعيدين عن الشغب و أن تحثوا إخوانكم العلماء و كذلك الطلبة على ذلك.و من يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الجرائد و الأخذ و الرد فيها فيكون بعيدا عن الأزهر” (يقصد أن من يفعل ذلك عليه أن يبتعد عن الإنتماء للأزهر)
فالحكام منذ نابليون حتى الآن حرصوا على منع الأزهر من العمل السياسي, كما حرصوا في نفس الوقت على توظيف الإسلام و علماء الإسلام لتحقيق أهداف الحاكم السياسية كلما أمكن ذلك.
ولم يشذ جمال عبد الناصرعن ذلك النهج فاتخذ العديد من الخطوات للسيطرة على الأزهر و توظيفه لصالح أهداف نظام ثورة يوليو1952م.
و نجد عبدالناصر يحدد دور العلماء في “ارشاد المواطنين إلى حقيقة و أهداف الثورة” و “تعبئة الرأي العام في كل البلاد الإسلامية و كافة دول العالم على اعتبار أن الجهد الذي يبذله علماء المسلمين في العالم الإسلامي أو الأمة العربية في مجال مواجهة إسرائيل مازال جهدا متواضعا”.
و قد دعى جمال عبد الناصر في اطار ذلك إلى “عمل لجان في كل بلد اسلامي من أجل متابعة العمل لنصرة القضايا العربية و ذلك في إطار مواجهة إسرائيل و الإستعمار العالمي الذي يقف خلفها”.
ولكن كيف وظف جمال عبدالناصر الأزهر لتحقيق أهدافه هذه؟؟
تضمن المرسوم بقانون رقم 180 لعام 1952م أي في أول خمس شهور من حكم الثورة إلغاء الوقف الأهلي، كما كانت هناك اجراءات صحبت ذلك كله و أخرى تتابعت في السنوات التالية، أدت فيما أدت إلى وضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف، وذلك عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بأخر إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي, حتى أن الهيئة تسلمت 137 ألف فدان من أراضي الأوقاف بسعر 17.5 مثلا لضريبة الأطيان المربوطة عليها أي أن قيمة الفدان بلغت خمسين جنيها في حين زادت قيمته الحقيقية بسعر السوق في ذلك الحين على ألف جنيه, و لذلك عجزت وزارة الأوقاف عن تأدية رسالتها لأن هذه الأراضي كانت تدر على الأزهر في السنة الواحدة 8 ملايين جنيه، و بتطبيق هذه القوانين إنخفضت الإيرادات إلى 800 ألف جنيه إذ أن الريع تم تحديده بـ3% و 4% من قيمة سندات سلمت لها كبديل للأرض، فضلا عن امتناع الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن سداد الريع المستحق، الأمر الذي جعلها مدينة لوزارة الأوقاف بمبالغ مالية هائلة.

هذا فضلا عن تبديد الهيئة لأغلب هذه الأوقاف لا سيما أوقاف الخيرات الموقوفة على المساجد, و بهذا ضربت ثورة 23 يوليو الركيزة الإقتصادية لعلماء الأزهر الشريف، تلك الركيزة التي كانت تجعلهم في غنى عن أموال الحكومة، الأمر الذي كان يكفل لهم الإستقلال عن الحكومة، و يتيح لهم معارضتها دون الخوف من قطع مرتباتهم أو تشريد أسرهم من بعدهم. وعلى حين عوملت اوقاف المسلمين هذه المعاملة استثنيت أوقاف غير المسلمين من أحكام هذه القوانين، حيث وضعت لها قوانين خاصة و تركت لكل كنيسة أوقافها في حدود مائتي فدان، و ما زاد عن هذا كانت الدولة تأخذه و تدفع ثمنه بسعر السوق، و هو ما ادى في أواخر السبعينات إلى مناداة عدد من الأصوات في مجلس الشعب بمساواة أوقاف المسلمين بأوقاف المسيحيين.

إلغاء المحاكم الشرعية في مصر

ثم كان إلغاء المحاكم الشرعية في مصر خطوة بارزة قامت بها ثورة يوليو لتقليص دور الأزهر الشريف في الحياة العملية للمصريين خارج توجيه الحكومة إذ أن ممارستها لنشاطها كانت تتمتع بقدر كبير من الإستقلالية عن الحكومة خاصة في مجال المنطلقات الأيدولوجية, و عبدالناصر و ثورة يوليو كانا يهدفان لتأميم الدين لصالح نظام الحكم فكان لزاما القضاء على هذه المحاكم التي كان يستحيل تأميمها لصالح النظام الحاكم, و كانت ثورة يوليو واعية بذلك منذ البداية إذ ألغيت هذه المحاكم بقانون رقم 462 لعام 1955م, وبذا بدأت هيمنة ثورة 23 يوليو على القوة الإسلامية الأكبر في مصر و في العالم الإسلامي و هي الأزهر الشريف و علماؤه, حيث شكل إلغاء المحاكم الشرعية تحديا لنظام الشريعة الإسلامية نفسه في دولة اسلامية يعلن دستورها أن دينها الرسمي هو الإسلام.
وبإلغاء المحاكم الشرعية و بالهيمنة على إدارة الأوقاف نجح الرئيس جمال عبد الناصر فيما فشل فيه الإحتلال الغربي من الهيمنة على أبرز مؤسسة لعلماء الإسلام في العالم كله.
و قد شنت أجهزة إعلام الدولة-الثورة حملة إعلامية صاحبت ذلك كله, ووصفته بأنه ثورة جديدة تجري داخل الأزهر و تقودها الدولة من أجل التجديد و التقدم لخدمة الأزهر و الإسلام, و بلغ الأمر أن هاجم د. محمد البهي في جلسات مجلس الشعب (1961م) ما وصفه بأنه جو العداوة و الجمود الذي يسود الأزهر وقال: “إن الثورة أعطت الإصلاح للأزهر لأن الشيوخ لم يريدوه”, و كان محمد البهي أحد المواليين لعبد الناصر داخل الأزهر.
و بعد أن هيمن عبدالناصر على الأزهر و موارده الإقتصادية كان عليه ان يكرس هذه الهيمنة بقانون رسمي محدد المعالم فتم اصدار قانون تنظيم الأزهر (103 لسنة 1961م). و كي يتضح المدى الذي كبلت به الحكومة مؤسسة الأزهر قبل هذا القانون لابد أن نعود لأحداث جلسة مجلس الأمة (البرلمان) التي أقرت قانون تنظيم الأزهر, يقول فتحي رضوان: “لإجبار المجلس على الموافقة حضر رجال الثورة و جلسوا أمامنا على المنصة, و تحديدا كان على المنصة أنور السادات و كمال حسين و كمال رفعت, و هدد أنور السادات المجلس عندما علت أصوات تعارض مشروع القانون قائلا: كانت ثورة في 23 يوليو 1952م و الذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام و اليوم ثورة جديدة و سيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير”.
و وفقا للوثائق الرسمية فإنه تغيب عن جلسة إقرار القانون بمجلس الأمة 179 عضوا أي ما يعادل 49% من إجمالي أعضاء المجلس, ووفقا لنفس الوثائق الرسمية فإنه لم يعترض من الأعضاء الحاضرين سوى النائب صلاح سعده, بينما ذكر فتحي رضوان أن أكثر من نصف الحاضرين عارضوا القانون.
وهذا القانون و إن كان أعاد تنظيم الأزهر فعلا و قسمه إلى هيكل تنظيمي جديد لكنه ربط هذا التنظيم كله بجهاز الدولة و خاصة رئاسة الجمهورية بشكل مباشر, فشيخ الأزهر ووكيل الأزهر و رئيس جامعة الأزهر يعينهم رئيس الجمهورية, كما أن كافة أجهزة الأزهر الرئيسية كالمجلس الأعلى للأزهر و جامعة الأزهر و مجمع البحوث الإسلامية ينفرد رئيس الجمهورية بتعيين القيادات العليا فيها, فمجمع البحوث يرأسه شيخ الأزهر وأعضاء المجمع يعينهم رئيس الجمهورية, أما جامعة الأزهر فبالإضافة لإنفراد رئيس الجمهورية بتعيين رئيس جامعة الأزهر فعمداء الكليات يعينهم أيضا رئيس الجمهورية, و بصفة عامة فالهيكل العام الإداري و المالي للأزهر أصبح وفقا لقانون تنظيم الأزهر جزءا من الهيكل المالي و الإداري للحكومة (أي السلطة التنفيذية).

مواقف الأزهر الشريف بعد هيمنة جمال عبد الناصر عليه

و بعد كل هذا فكيف للأزهر الشريف أن يعصي لرئيس الجمهورية أمرا فضلا عن أن يعارضه؟؟
و لكن ما النتيجة العملية لهيمنة نظام ثورة يوليو على الأزهر؟؟

النتيجة أن الأزهر الشريف لم تصدر من داخله أي مواقف أو تصريحات تعارض النظام الحاكم لا من قريب ولا بعيد, بل بالعكس وقف إلى جانب جمال عبد الناصر في كل مواقفه، و من ذلك على سبيل المثال لا الحصر الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر يساند بها جمال عبدالناصر في صراعه مع محمد نجيب (الأهرام 17 فبراير 1954م), و أيضا التأييد الذي قدمه الأزهر لنظام حكم جمال عبدالناصر فيما يتعلق باتفاقية الجلاء (الأهرام 26 فبراير 1954م), و كذلك المساندة التي قدمها الأزهر لنظام حكم جمال عبد الناصر إثر الأزمة مع اسرائيل التي سبقت هزيمة يونيو1967م بإعلان تأييده لجمال عبدالناصر و مباركته لخطواته في صد عدوان الصهيونية و الإستعمار(الأهرام 25 مايو 1967م).

جمال عبد الناصر و الطرق الصوفية

أما الطرق الصوفية التي كانت تمثل وقتها نحو 3 ملايين منتسب ينتظمون في 60 طريقة فكان لها شأن أخر مع جمال عبد الناصر, إذ أيدته بوضوح في القضايا السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية الداخلية و الخارجية من البداية فعلى سبيل المثال وقفت مشيخة الطرق الصوفية مع عبدالناصر في صراعه ضد الإخوان و أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية محمد علوان بيانا في مولد الرفاعي عام 1965م أبرز فيه هذا الموقف, كما أصدر المجلس الأعلى للطرق الصوفية بيانا استنكر فيه ما أسماه المؤامرات الرجعية التي يدبرها الملك فيصل (ملك السعودية) و شاه إيران و الملك حسين (ملك الأردن) و رئيس تونس الحبيب بورقيبة (الأهرام 12ابريل 1967م), وكذلك أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية بيانا يبرر فيه و يؤيد قرارات عبدالناصر بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء في مايو 1967م (الأهرام 27مايو 1967م), و في ديسمبر 1967م سار أكبر موكب صوفي رسمي في مصر تأييدا لعبدالناصر في أعقاب هزيمة يونيو.

جمال عبد الناصر و أنصار السنة و الجمعية الشرعية و غيرها

أما الجمعيات الإسلامية المستقلة كأنصار السنة و الجمعية الشرعية و غيرها من الجمعيات المسجلة وفقا لقانون الجمعيات فقد وضعها جمال عبدالناصر تحت وصاية الدولة و عين أحد ضباط الجيش للإشراف عليها جميعا, و تندر الكثيرون من أن ضابط جيش ليس متخصصا في الدين أصبح يشرف على الجمعيات الدينية, كما كانت بعض هذه الجمعيات متعارضة في أهدافها و مناهجها مثل أنصار السنة و الجمعية الشرعية من جهة و الجمعيات الصوفية من جهة أخرى و مع ذلك أشرف هذا الضابط على هذه الجمعيات المتعارضة في آن واحد, و قد شغل هذا المنصب لبعض الوقت كمال الدين رفعت أحد الضباط الأحرار.
و هكذا نجد أن جمال عبد الناصر كما أمم الإقتصاد لصالح رأسمالية الدولة (أو ما أسماه بالإشتراكية العربية) أمم علماء الإسلام لصالح نظام حكمه, و كما أدارت ديكتاتورية دولة جمال عبدالناصر الإقتصاد و السياسة أدارت مؤسسات علماء الإسلام, و العجيب أنه منذ عصر الإنفتاح و حتى الآن تراجع الرئيسان السادات و حسني مبارك عن أغلب إجراءات الحقبة الناصرية إلا أنهما استمرا في ترسيخ تأميم الإسلام و علماء الإسلام و مساجد و جمعيات الإسلام.
و لكن ماذا عن الأنشطة و الجهود التي بذلها جمال عبدالناصر في المجال الإسلامي مثل إنشاء إذاعة القرآن الكريم (1964م) و جامعة الأزهر (1961م) و توسع المعاهد الأزهرية و إنشاء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف (1960م) و في الخارج إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (1954م)؟؟
 لقد فعل الرئيس جمال عبد الناصر ذلك كله في إطار استثماره للرأسمال الديني الذي امتلكه بالتأميم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشرته في جريدة الدستور الورقية بعددها الأسبوعى، و أيضا في مدونتي القديمة