إسرائيل تقصف غزة - صورة أرشيفية

إسرائيل أغرقت العرب فى بحر من نار و ذل و دم .. فما هو الحل؟

(1)

إسرائيل تحرق غزة و العالم كله يتفرج بلا حراك.. شئ طبيعي فإسرائيل لها نفوذ بالغ على العالم كله بما يمنع أي حكومة في العالم من أن تفتح فمها بكلمة لوم واحدة على الإجرام الإسرائيلي.

إذن فما الذي يجعل العالم الاسلامي ساكتا كغيره؟

الاجابة بسيطة فحكوماته رهينة أيضا لتأثير النفوذ الاسرائيلي، فلا أمل فيها.

أما شعوب الأمة الاسلامية فهي الأمل الوحيد و هي موضوعنا الذي سنتكلم فيه، و لكن قبل أن نتكلم عن الأمة لا بد من الاشارة لأمر هام جدا و هو أن المذابح و المحارق الاسرائيلية للعرب عامة و الفلسطينيين بصفة خاصة بلاء مزمن بدأ منذ 1948م و حتى الآن، و لم تنجح كل الطرق و الأساليب العربية منذئذ و حتى الآن في التصدي للمشروع الصهيوني و منعه من تحقيق أهدافه، و من هنا كانت أهمية رفض كل الوسائل التي سلكها كل من تصدي لاسرائيل من القادة العرب منذئذ و حتى الآن، من مثل الاعتماد على الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو الدول الكبرى أو المجتمع الدولي أو المنظمات الدولية أو الاقليمية بما في ذلك جامعة الدول العربية و القمم العربية و مبادرات السلام، و القرارات الدولية و …الخ، فكل ذلك لم يجد نفعا طوال ستين عاما أغرقت فيها اسرائيل العرب في بحر من نار و ذل و دم.

و هذا لا يعني أن نقبل فقط ما طرحته و تطرحه القوى الشعبية العربية من تحركات معتادة كالمظاهرات و الهتافات و الخطب و الشجب والتنديد و نحو ذلك، لأن ذلك كله جربناه أيضا طوال ستين عاما دون جدوى اللهم الا مزيدا من الذل و القهر نترجعهما صباح مساء بطعم العلقم.

اذن فما الحل؟

الحل بيد الشعوب العربية و الاسلامية لكنه حل مختلف عن كل ماسبق، اذ يجب أن تسفعنا النار التي تصلاها غزة لنستيقظ و ننخلع من نمطيتنا التي اعتادت العجز، فننطلق في آفاق التغيير و الاصلاح و من ثَمَ إيقاف المحرقة و المقصود ليس المحرقة الدائرة منذ أيام بل الدائرة منذ 60 عاما ليس في غزة وحدها بل في كل أنحاء العالم الاسلامي.

(2)

الأمة الاسلامية ليست فقيرة في مقومات القوة بل بالعكس هي ثرية في هذه المقومات، لكنها تعيش عصر تدهور سياسي كالذي عاشته أيام الحقبة الصليبية، فعندما هاجم الصليبيون المشرق العربي لم تكن الأمة فقيرة لكنها كانت مبتلاة بحكام مبددين و مستبدين و فاشلين، فهم مبددون بددوا ثروات الأمة و نهبوها، و هم مستبدون انفردوا بالحكم بعيدا عن إرادة الأمة و اختيارها، و هم فاشلون لأنهم فشلوا في كل شئ عدا قمعهم شعوبهم.

كانت الأمة الاسلامية في عصر الهجمة الصليبية وافرة العدد و العدة تملك المال و الرجال و السلاح و الحصون لكنها لم تملك القيادة التي يمكنها أن توظف هذا كله في أي شئ مفيد لأمتها، لقد اقتصرت مهاراتهم فقط على قهر شعوبهم و قمعها و الاستئثار بالحكم دونها.

نفس الشئ نجده اليوم.. الأمة الاسلامية غنية بمقومات القوة لكنها ابتليت بحكام يجثمون على صدورها و لا وظيفة لهم الا قمع شعوبهم و الاستئثار بثروات بلادهم و حراسة المشروع الصهيوني و الغربي في المنطقة بل في العالم، فحكامنا حائط الصد الأول ضد الشعوب الاسلامية المناهضة للمشروع الصهيوني و الغربي.

حكامنا المتشددون

و من لا يصدق هذا فليتفحص مواقف حكامنا المتشددين و ليس المتهمين بالتواطؤ مع اسرائيل، سنجد أن متشددي حكامنا اليوم جل جهدهم الآن هو الدعوة لعقد قمة عربية طارئة، و دعوة مجلس الأمن الدولي لادانة العدوان الاسرائيلي على غزة، و دعوة الدول العربية المطبعة مع اسرائيل لقطع علاقتها معها أو سحب سفيرها منها!!

بل إن حاكم سوريا زعيم التشدد العربي المزعوم منذ 35 عاما لم تطلق قواته طلقة واحدة تجاه اسرائيل، رغم عربدة قوات اسرائيل مرارا في أرضه و سمائه حتى أن الطائرات الحربية الاسرائيلية اعتادت التنزه فوق القصر الجمهوري السوري من حين لآخر دون أن يطلق عليها طلقة واحدة!!

هذا هو حال حكامنا المتشددين و منه تتبين حال غيرهم من المتنازلين أو المعتدلين أو الموالسين أو ….الخ.

و من هنا يظهر جانب من الأزمة و هي أزمة القيادة، و لكن ليس الأزمة كلها أزمة قيادة، فهناك أزمة في الشعوب نفسها، كما أن حل أزمة القيادة هو مسئولية الشعوب نفسها، فلا بد أن تخرج من الشعوب قيادة جديدة.

(3)

أزمة القيادة في العالم العربي

إذا كنا تبينا أننا نعيش أزمة قيادة، فلابد أن نلاحظ أنها ليست أزمة قيادة في النظام الحاكم فقط بل هي أيضا أزمة قيادة بين علماء الإسلام ، و أزمة قيادة داخل الحركة الإسلامية الواسعة بكل تياراتها، و أزمة قيادة داخل تيارات المعارضة بكل أطيافها فالقيادة في هذه التجمعات كلها عاجزة عن التعامل بشكل ناجح مع التحديات المفروضة، هم يحاولون و يجتهدون، لكن حتى الآن لم تظهر القيادة المبدعة التي تستطيع أن تتغلب على العقبات و التحديات المفروضة على امتنا العربية و الإسلامية، نعم هناك تآمر دولي و إقليمي و محلي لمنع هذه الأمة من أن تنهض من جديد و لكن هذا التآمر هو أحد التحديات الكبرى التي يتوجب على القيادة الفذة أن تواجهها و تتغلب عليها.

و إذا كنا نتكلم عن أزمة القيادة و القيادات فينبغي أن نلاحظ أيضا أزمة الأمة أو الشعب أو الجنود، فالله تعالى سيحاسب كل شخص بمفرده عن عمله الشخصي، صحيح أن الحساب يكون بقدر الامكانات و القدرات فحساب العالم ليس كحساب الجاهل و حساب الصحيح ليس كحساب المريض، و لكن في النهاية فالكل سيحاسب عن العمل الشخصي و عن العمل العام، و هناك واجبات عامة على كل مسلم ينبغي أن يقوم بها في الفضاء العام و ذلك من شعب الإيمان التي ذكر النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق، ومن العمل العام رفع الظلم و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بما في ذلك المنكر السياسي و الاقتصادي و المعروف السياسي و الاقتصادي، لا سيما أن المسلم مفروض عليه حفظ مقاصد الإسلام الضرورية الستة و هي بالترتيب:

الدين.

و النفس.

و العقل.

و العرض.

و المال.

والنسل.

و من هنا يمكننا أن ندرك حجم الأزمة في صفوف الشعب المتمثلة في السلبية العامة و عدم السعي للاشتغال بالعمل العام خاصة ما كان منه مختص بالعمل الديني أو السياسي الإصلاحي.

و لكن حتى لا نغالي في تحديد حجم خطيئة الشعب في سلوكه مسلك السلبية تجاه الشأن العام لابد أن نشير لحجم القمع السياسي الذي تعرض له الشعب عبر سنوات طويلة، و من هنا نعود مرة أخرى لدور النخبة (أي القيادة و الناشطين البارزين) التي ينبغي عليها تجاوز هذا التحدي.

(4)

كيف نوقف محرقة غزة؟

الحاصل فيما يتعلق بموضوعنا الراهن و هو محرقة غزة أننا نحتاج لعمل ذي أهداف بعيدة المدى بجانب الأعمال قريبة المدى، لأن الأعمال قصيرة المدى أثبت الواقع و التاريخ أنها غير مؤئرة فالمحارق و المصائب مازالت تحيق بالمسلمين منذ مئات السنين و لم تجد المواقف و الأعمال قصيرة المدى شيئا، و ما أكثر الاحتجاجات الجماهيرية المناصرة لقضايا المسلمين الدولية و الاقليمية و المحلية و مع ذلك يسير أعداء الأمة بخطى ثابته و يحققون أهدافهم باطراد يحسدون عليه.

أما نحن فنصيبنا الهزيمة و الصياح… نعم لابد من العمل العام و لا بد من الاحتجاج و لابد من السعي للضغط من أجل مناصرة اخواننا المسلمين في كل مكان، و لكن يتحتم ألا يشغلنا ذلك عن العمل طويل المدى بخطى راسخة من أجل النهوض بالأمة نهضة حضارية كبرى تستعيد بها أمجادها التليدة، و لن يتم ذلك الا بأن نجهز اجهازا تاما على أمراضنا الحضارية و الدينية، فنتخلص من قابليتنا للاستعمار و قابليتنا للاستبداد و قابليتنا للظلم و قابليتنا للجهل.

و ذلك لأن أحد أمراضنا الكبرى أن العمل اليومي يستغرقنا و يعوقنا عن العمل بعيد المدى أو العمل الاستراتيجي، و بذا يستنزفنا أعداؤنا باطراد.

و لنتذكر جميعا ما يحدث لنا مع كل حادث أليم تصاب به أمتنا فنجد منا الغضب و الصياح و التظاهر و بعد قليل من أيام أو شهور نمرض بمرض التعود على الألم و التعايش معه و نهدأ و ينتهي صياحنا و مظاهرتنا و في نفس الوقت يترسخ الألم و تتعمق المصيبة و تصبح جزءا من كياننا، فالأراضي المحتلة محتلة و الحكام المستبدون يزدادون استبدادا و قمعا لشعوبهم، فلنحطم التعود و التعايش مع المشاكل و المصائب كي نوجد لها حلولا جذرية و حقيقية و لا نكتفي بالمحاولات الاحتجاجية و الاصلاحية قصيرة المدى قصيرة النفس كيلا تحترق غزة و فسطين و العراق و أفغانستان و كل بلاد الاسلام مرات أخرى في الأعوام القادمة.

التناقضات الدولية

المسلمون و التناقضات الدولية المقبلة

خلال السنوات القليلة القادمة سوف يتبلور نظام دولي جديد، وسيكون متعدد الأقطاب، و تعدد أقطاب القوى الدولية يعكس في حقيقة الأمر شكلا من أشكال الاختلاف أو التناقض الدولي، فماذا يفعل المسلمون ازاء هذا الوضع الجديد في السياسة الدولية؟؟

تعدد الأقطاب في النظام الدولي

إن تعدد الأقطاب في النظام الدولي بما يصحبه من تناقضات و اختلافات دولية يحمل بين طياته العديد من الفرص و المخاطر، و لندع المخاطر جانبا في هذا المقال و لنركز على الفرص.الفرص تتمثل في امكانيات تبديد قوى العدو و استنزافها بل تحجيمها باستغلال مساندة قوة قطب آخر متناقض مع العدو، كما تتمثل في الحصول على فوائد من أحد الأقطاب بحجة التحالف معه ضد قطب أخر أو بحجة نبذ التحالف مع عدوه من الأقطاب الأخرى.و رغم أن النظام الدولي متعدد الأقطاب يتيح فرصا أكبر من النظام ثنائي القطبية الا أن العديد من القوى الدولية الصاعدة الآن و التي من المنتظر أن تلعب دورا كبيرا كأقطاب دولية في النظام الدولي الذي نقف على أعتابه استفادت من الثنائية القطبية بين الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة في بناء قوتها الذاتية الاستراتيجية و الاقتصادية و التكنولوجية و من هذه الدول: الهند و الصين و الكوريتين و تايوان و اليابان و ودول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا.

الهند و كوريا الشمالية

فالهند و كوريا الشمالية استفادتا من علاقاتهما بالاتحاد السوفيتي السابق في بناء قوتهما العسكرية الذاتية القائمة على تصنيع محلي الى حد كبير لا سيما في مجال الأسلحة الاستراتيجية كالصواريخ متوسطة و بعيدة المدى و الأسلحة النووية و الكيميائية و جانب من قطع الغيار المهمة و أسلحة ثقيلة اخرى، و كذلك فعلت الصين في سنوات نشأتها الأربع الأولى و التي حازت فيها ركيزتها الصناعية العسكرية الرئيسة و الأولى في الصواريخ و الطائرات و الدبابات و الأسلحة النووية عبر علاقاتها السوفيتية فصنعت نسخا صينية بحتة من الطائرات و الدبابات و الصواريخ السوفيتية في هذا الوقت، هذا بجانب استفادتهم جميعا في مجال دعم قواهم الاقتصادية و التكنولوجية بعامة.

اليابان و دول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا 

كوريا الجنوبية و تايوان و اليابان و دول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا استفادوا جميعا من علاقاتهم بشكل أو بأخر بالولايات المتحدة الأمريكية القطب المناوئ و المنافس للإتحاد السوفيتي السابق فانتفعوا في تطوير اقتصادياتهم و تصنيعهم و تعليمهم و تسليحهم مما أهلهم الآن للعب دور محوري في نظام دولي جديد متعدد الاقطاب.الهند التي كانت حليفة للاتحاد السوفيتي السابق سرعان ما استوعبت حقيقة انهياره فنقلت صداقتها الى السيد الأوحد (الولايات المتحدة) لتواصل تطوير اقتصادها و تصنيعها وتسليحها كما استفادت من مرحلة الانهيار السوفيتي بأن اشترت منه سلاحا و تكنولجيا متقدمة جدا بأثمان زهيدة.

الصين

الصين عندما قاطعها الاتحاد السوفيتي في منتصف الخمسينات تقريبا ظلت محاصرة نسبيا من القوتين العظميين الى أن نجحت في اقامة علاقات مع الولايات المتحدة مطلع السبعينات لتستفيد اقتصاديا و سياسيا و بدرجة كبيرة تكنولوجيا.هكذا تستفيد الدول و القوى من السياسة الدولة و تعدد الأقطاب فيها.

أما في عالمنا العربي و الاسلامي فلا تكاد تجد نموذجا يشبه هذه النماذج التي بنت مستقبلها بتخطيط و تنفيذ استراتيجي دقيق، ففي حالة مصر التي بدأت عهدا جديدا بانقلاب 23 يوليو 1952 م بفارق ثلاث سنوات فقط عن نشأة دولة الصين الشعبية التي نشأت بالثورة الشيوعية عام 1949م و في طور نشأة دولة الهند (استقلت عن التاج البريطاني عام1947م و أعلنت الجمهورية 1950م) مع ذلك فالمقارن لحال الهند و الصين اليوم من جهة و حال مصر من جهة أخرى لا يجد وجها للمقارنة لا اقتصاديا و لا تكنولوجيا و لا استراتيجيا.

الثنائية القطبية

و هكذا استفادت العديد من القوى الدولية بالثنائية القطبية سابقا مما يشير الى استفادة قوى دولية عديدة في المستقبل القريب بالتعددية القطبية المنتظرة في النظام الدولي الجديد، لكن ذلك يشير ايضا لعدم استفادة القوى العربية و الاسلامية بهذه التعددية القطبية المنتظرة بالضبط كما لم يستفيدوا بالثنائية القطبية السابقة.

أما الحركة الاسلامية بكافة أطيافها الفكرية فهى لا تكاد تلقي بالا لهذه الأمور رغم اهميتها.

استفادة النبي صلى الله عليه و آله و سلم من التناقضات الدولية

و لعل من المفيد هنا ان نشير في عجالة ليس فقط الى استفادة النبي صلى الله عليه و آله و سلم من التناقضات الدولية بل و سعيه الى خلق هذه التناقضات كي يستفيد منها:

فمن أمثلة استفادته بالتناقضات الدولية القائمة اقامته صلى الله عليه و آله و سلم للتحالفات مع القبائل المحيطة بقريش من عدة جوانب مما سهل له عملية حصار قريش اقتصاديا مما أدى بعد عدة سنوات لعقد هدنة صلح الحديبية مع قريش بعدما عضتها الحرب و الحصار الاقتصادي النبوي.

أما من أمثلة خلقه للتناقضات الدولية كي يستفيد منها في عمله السياسي و الاستراتيجي فهو ما فعله أيام غزوة الأحزاب من تسريبه معلومات حددها بدقة زرعت بذور التناقض و الشقاق بين يهود خيبر و قريش مما فصم عرى التحالف بينهما، ذلك التحالف الذي كان قادرا بأن يهدد دولة المدينة استراتيجيا لو أنه استمر قائما.

كذلك فإن من أمثلة سعي النبي صلى الله عليه و آله و سلم لخلق التناقضات الدولية بين اعدائه ما حاوله من بذل جزء من ثمار المدينة لثقيف مقابل تخليهم عن تحالفهم مع قريش و تركها و الرجوع عن غزو المدينة أيام غزوة الخندق.

و لعل الاشارة الأقوى في هذا المجال تأتي من ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم عندما أملى نص وثيقة صلح الحديبية، فنص فيها على بند غاية في الأهمية فيما يتعلق بموضوعنا، و هذا البند هو الذي يقول أن من أراد أن يدخل في حلف مع قريش فليدخل و يصير بذلك ملتزما بموقف قريش في الاتفاقية، و من أراد أن يدخل في حلف مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم فليدخل و يصير بذلك ملتزما بموقف النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الاتفاقية، ليعزز بهذا النص حالة الاستقطاب بين القبائل ما بين محالف للنبي صلى الله عليه و آله و سلم، و ما بين محالف لقريش تمهيدا لساعة الحسم التى حانت فيما بعد يوم فتح مكة، عندما سار النبي صلى الله عليه و آله و سلم اليها بعشرة آلاف مقاتل كثير منهم كانوا من القبائل التي دخلت في جانب النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أسلمت و اطاعته.

صواريخ روسيا

روسيا الصاعدة والنظام الدولي الجديد

كانت حرب روسيا مع جورجيا مجرد إعلان عن أن روسيا لن ترضى بعد اليوم إلا أن تكون قوة عظمى دولية، تملي إرادتها السياسية والإستراتيجية والاقتصادية، وفقًا فقط لـمصلحتها القومية وأمنها القومي.

صحيح أن الإعلان الروسي هذا كان خشنًا خشونة تجلت بسحق الجيش الجورجي بلا رحمة تحت حوافر الدب الروسي الرهيب، ولكن هذا الإعلان الخشن كان لازمًا ليستفيق العم سام، الذي كان مازال سكرانًا بنشوة القدرات التسليحية والتكنولوجية غير المسبوقة، التي يحوزها ضمن قوات الولايات المتحدة العملاقة.

موقف الولايات المتحدة والناتو من روسيا

لقد أفاق العم سام وحلفاؤه في الناتو، ليجدوا أنفسهم عاجزين عن إيقاف الدب الروسي؛ لأن قواتهم مازالت متورطة ومستنزفة في الحرب على القاعدة في كل بحار العالم ومطاراته وموانيه، فضلًا عن خسائر أمريكا والحلفاء في العراق وأفغانستان، أضف إلى ذلك قواته التي في لبنان “اليونيفيل”، وقبالة سواحل الصومال وسواحل إيران.

فعملية انتشار قوات الولايات المتحدة البرية بلغت حدها الأقصى، بينما حبست قدرتاها البحرية والجوية في مهماتها العديدة حول العالم.

المعادلات الدولية الجديدة

لقد فهمت روسيا المعادلات الدولية الجديدة، وأعد عدته جيدًا ليعود قطبًا دوليًّا فاعلًا، يملي إرادته على العالم من منظور أمنه ومصلحته القومية، وتحرك الدب الروسي ليغير الواقع الجيواستراتيجي والجيوسياسي بكل حزم وقوة، ووقفت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين مبهوتين من فاعلية واتساع حركة الدب الروسي حول العالم؛ فها هي القطع البحرية الروسية تعود للإنتشار في البحر المتوسط، وتتردد على المواني السورية مذكرة بالعصر الذهبي للقوة العسكرية السوفياتية، أيام كان الإتحاد السوفيتي قوة عظمى دولية، وقطبًا دوليًّا يتقاسم مع الولايات المتحدة السيطرة على العالم.

وتلك قطع بحرية أخرى من أسطول الشمال بينها سفينة القيادة الطراد “بيار لو غران”، الذي يتحرك بالدفع النووي والقاذف للصواريخ، والمدمرة “إميرال شابانينكو”، وسفن مواكبة تتحرك لتصل إلى فنزويلا لتجري مناورات بحرية مشتركة معها، رغم أن فنزويلا هذه تقع فيما تعتبره الولايات المتحدة فنائها الخلفي، الذي لم تسمح فيه طوال تاريخها بوجود معادٍ لها حتى أيام الحرب الباردة، لكن روسيا الآن تتحرك لتغيير الواقع الجيواستراتيجي والجيوسياسي وفقًا لمصالحها وأمنها القومي.

وهاهما القاذفتان الإستراتيجيتان من نوع “تو-160” تقيما أسبوعين في منتصف سبتمبر في فنزويلا لإجراء طلعات تدريبية، وبعد ذلك تطيران في طلعات تدريبية فوق المياه الدولية قبالة البرازيل، قبل أن تعودا إلى قواعدهما في روسيا، ويمثل هذا النوع من الطائرات القاذفة القوة الضاربة الأخطر في القوات الجوية الروسية الإستراتيجية، أي القوات التي تسخدم لإطلاق الأسلحة النووية الإستراتيجية.

زحف روسيا إلى أفريقيا

ولم يقتصر الزحف الروسي على أمريكا اللاتينية والقوقاز والشرق الأوسط، بل نجد أن الزحف الروسي يسير حثيثًا في قارة أفريقيا، حيث الشراكة في التصنيع العسكري بين روسيا ودولة جنوب إفريقيا منذ عام 2002م، كما شاركت روسيا في المعرض الدولي للسلاح في جنوب إفريقيا بجناح كبير، يشمل كل أنواع السلاح تقريبًّا، وذلك في الفترة من 17 إلى 21 سبتمبر 2008م، وتأتي هذه المشاركة في ظل إعلان روسيا عن استعدادها لمقايضة الدول الإفريقية السلاح بالمواد الخام الإفريقية؛ كالماس والقطن والأخشاب والبن.

روسيا تتجهز عسكريا

وعلى الصعيد العسكري أيضًا، بدأت القوات المسلحة الروسية في 22 سبتمبر تدريبًا استراتيجيًّا واسعًا، يشمل جميع الأراضي الروسية وأيضًا الأراضي البيلوروسية، ويشترك فيه أكثر من 50 ألف جندي وضابط، وعدة آلاف من الآلات العسكرية بما فيها الطائرات والسفن والغواصات العسكرية، سيشاركون في هذا التدريب الذي يعرف باسم “مناورة استقرار 2008″، ويستمر حتى 21 أكتوبر، وتتركز المناورات على صد هجوم جوي وفضائي على الأراضي الروسية.

ولم يقتصر النشاط الروسي على ما ذكرنا، بل يمكننا أن نجد في أخبار هذا الشهر على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

• أعلنت روسيا عن نجاح تجربة إطلاق الصاروخ “بولافا” الاستراتيجي من على متن الغواصة دميتري دونسكوي.

• أبرمت روسيا وتركيا صفقة تبلغ قيمتها حوالي 70 مليون دولار، لتزويد الجيش التركي بمنظومات “كورنيت-إي” الصاروخية المضادة للدبابات.

• اتفقت روسيا وكوبا على تفعيل التعاون المتبادل في معظم المجالات الاقتصادية بين البلدين، وذلك على هامش زيارة إيغور سيتشين نائب رئيس الوزراء الروسي إلى هافانا، وبعد زيارته إلى كوبا يبدأ إيغور سيتشين زيارة عمل إلى فنزويلا، برفقة عدد من المسئولين ورجال الأعمال الروس.

• اجتاز صاروخ “براموس” الروسي ـ الهندي الصنع 15 تجربة ناجحة؛ إذ تميز بالسرعة الفائقة التي تكسر حاجز الصوت، والقدرة التدميرية العالية، وإصابته للأهداف الثابتة والمتحركة بدقة بالغة.

• عقد مجلس الأمن الروسي اجتماعًا في أرض “فرانس جوزيف” تحت عنوان “ضمان المصالح الوطنية لروسيا في منطقة القطب الشمالي”.

بوتين و إعادة بناء الإقتصاد الروسي من جديد

لكن ما هي الأسس التي بنى عليها الروس تحركهم؟ هل هو فهمهم للمعادلات الدولية فقط، أم أن هناك أسس أخرى؟ إن الوقوف على حقيقة هذه الأسس يستلزم الرجوع قليلًا إلى الوراء، عندما انهار الإتحاد السوفيتي السابق، وبدأت القوى الروسية المرتبطة بالغرب وبالصهيونية العالمية بنهب ثرواته، والاستحواذ على مؤسساته بثرواتها وإمكاناتها الضخمة، خاصة شركات البترول والغاز الضخمة، وظهر للجميع أن نهب أموال روسيا قائم على قدم وساق ليل نهار؛ حيث كان تهريب مليارات الدولارات من روسيا إلى الخارج يتم يوميًّا بلا رحمة، وتجرع الشعب مرارات التضخم والغلاء الفاحش لسنوات تحت حكم يلتسن [أول رئيس لروسيا الإتحادية بعد انهيار الإتحاد السوفيتي]، الذي تحالف هو وأسرته مع المافيا؛ خاصة الصهيونية منها، وتعاونوا على نهب البلاد إلى أن ظهر في الأفق رجل المخابرات الروسية فلاديمير بوتين، الذي تسلم الحكم بمساندة الجيش والأجهزة الأمنية، في إطار صفقة بينهم وبين يلتسن تقضي بأن يترك يلتسن الحكم لبوتين مقابل أن لا تتم ملاحقة يلتسن وأسرته قضائيًّا بشأن النهب الذي شاركوا فيه لثروات البلاد.

وهذا الإتفاق لم يعط أي حصانة لغير يلتسن وأسرته، وبالتالي ما إن تولى بوتين الحكم حتى استخدم كل الأساليب الأمنية والقضائية ضد رجال الأعمال اليهود، وعملاء الغرب الذين نهبوا أموال روسيا واستحوذوا على ثرواتها؛ كي يستخلص منهم الشركات الروسية العملاقة التي كانوا استحوذوا عليها في صفقات مشبوهة، وهكذا ما كاد بوتين ينهي فترتي حكمه اللتين استغرقتا ثماني سنوات، حتى كانت روسيا قد وقفت على قدميها مرة أخرى، وأصبحت عملاقًا اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا من جديد.

ارتفاع أسعار النفط والغاز يدعم اقتصاد روسيا

وساعد بوتين على إعادة بناء الإقتصاد الروسي من جديد، الإرتفاع غير المسبوق في أسعار النفط والغاز، والذي تصدر منهما روسيا كميات هائلة يوميًّا تقدر بأكثر من 7 آلاف برميل نفط، فضلًا عن صادرات الغاز؛ حيث تحتل صادرات الغاز والنفط نحو 54 % من صادرات روسيا، وهكذا وقفت روسيا على أرض صلبة اقتصاديًّا تتمثل في ناتج قومي إجمالي يزيد عن 700 مليار دولار سنويًّا، واحتياطي من النقد الأجنبي والذهب ما يزيد عن 547 مليار دولار، يمثل ثالث احتياطي على مستوى العالم بعد الصين واليابان، فضلًا عن تخلصها من الديون الخارجية الضخمة، التي خلفها عصر يلتسن، والتي كانت تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

ولذلك؛ فمن السهل أن نلاحظ أن روسيا لم تعد كقوة دولية عظمى بمجرد الشعارات أو حتى القدرات العسكرية، وإنما بتخطيط ونجاح إقتصادي أوصلها لهذه الدرجة من النفوذ.

تأثير روسيا في مجريات السياسة الدولية 

وبدأ الجميع يلاحظ تأثير روسيا في مجريات السياسة الدولية سواء في الملف النووي الإيراني أو الكوري الشمالي أو في منطقة القوقاز، وبدأ الجميع يشعر بأن روسيا يمكنها أن تقول لا في أي شيء، بغض النظر عن توجهات وإرادات الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

وما فعلته روسيا من تحركها المخطط الذي أفضى بها للنهوض من كبوتها واحتلال مكان في النظام الدولي الجديد، الذي هو الآن في طور التشكل هو تصرف طبعي؛ لأن الطبعي أن تسعى الدولة ـ أي دولة ـ لتحقيق مصالحها وأمنها القومي، بعيدًا عن أي هيمنة أجنبية.

أما غير الطبيعي فهو ما تفعله دول العالم الإسلامي من الركود في هوة التخلف الإقتصادي والتكنولوجي والسياسي والعسكري، والذهاب في سبات عميق ليس له آخر، لا يعبأ بما يجري على ساحة السياسة الدولية من نظام دولي جديد في طور التشكل، وقد حجزت دول مثل روسيا والصين مكانهما في هذا النظام، وقبلهما اليابان والإتحاد الأوروبي، بينما تسعى دول أخرى جاهدة للحاق بهم، مثل: الهند و”إسرائيل” وجنوب إفريقيا والبرازيل وإيران وغيرها. وسوف يصبح هذا النظام العالمي الجديد عندما يتم تشكله نظامًا متعدد الأقطاب، مماثل للنظام الذي كان سائدًا عشية الحرب العالمية الثانية، ويمثل كل تراجع أو إخفاق للدور الأمريكي إفساحًا لهذا النظام الجديد، الذي يمشي قدمًا نحو الصدارة مُزيحًا النظام العالمي الحالي أحادي القطبية، الذي تحتل فيه الولايات المتحدة موضع القطب الأوحد المتحكم في العالم.

كل هذا يجري والعرب والمسلمون نائمون، لا يستطيع أحد أن يتكهن لهم بموضع ذي قيمة في النظام العالمي الجديد، بالضبط كما كان حالهم في كل النظم العالمية طوال العصر الحديث.

انور السادات

هل كان أنور السادات ديمقراطيا ؟؟

عندما شعر جمال عبد الناصر أن الاتحاد السوفيتي يماطل في اعطائه أسلحة هجومية من النوع الذي يمكنه من تحرير الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو1967م، راوده الأمل في أن يتمكن من الحصول على أسلحة غربية متقدمة بطريقة ما، و حرض عددا من حكام الدول العربية و على رأسهم القذافي للحصول على أسلحة غربية متقدمة، و من ثم حصل القذافي على الميراج من فرنسا، كما حصلت السعودية و العراق على مقاتلات غربية أصبح لها دور فيما بعد في حرب أكتوبر 1973م، لكن الأمر لم يقتصر لدى جمال عبد الناصر على مرارات و عقبات السلاح السوفيتي أو الغربي بل إن جمال عبد الناصر عانى من مرارات الحصار الإقتصادي الغربي على مصر، و ربما يظن البعض أن هذه المرارات قاصرة على الضعف الإقتصادي الذي عانى منه الإتحاد السوفيتي و كتلته الشرقية، و الذي انعكس تدهورا و ضعفا في قدرته على تقديم المساعدات و الإستثمارات لمصر، لكن المرارات الأبرز كانت من شعور جمال عبد الناصر من أنه صار مقيدا و ممنوعا من أن يلعب لعبته السياسية المفضلة.

تلك اللعبة التي اعتاد أن يلعبها منذ أن كان رئيسا لمجلس قيادة تنظيم الضباط الأحرار، حتى من قبل أن ينجح في القيام بثورة يوليو 1952م، بل ربما كانت هذه اللعبة المفضلة هي السبب الرئيسي في نجاح هذه الثورة، تلك اللعبة تتمثل في فتحه قنوات اتصال و اقامة علاقات مع كل القوى الدولية، و استغلاله لتعدد هذه القوى و خلافاتها من أجل تحقيق أهدافه السياسية و الإقتصادية، و كان يضم ضمن تنظيم الضباط الأحرار ضباطا من مختلف التوجهات السياسية و الأيدولوجية لتحقيق هذا الغرض، فمن الضباط الإخوان إلى الضباط الشيوعيين إلى الضباط ذوي التوجه الغربي ممن يميلون للتعاون مع انجلترا أو أمريكا أو حتى الملك فاروق، لكن الحصار الغربي على مصر منذ ستينات القرن العشرين منع جمال عبد الناصر من ممارسة اللعبة الدولية التي يفضلها للفوز على حساب الخلافات بين القوى الدولية المتعددة.

فماذا فعل جمال عبد الناصر؟؟

يحكي البعض أن جمال عبد الناصر في إحدى لحظات الغضب من السوفيت قال: “أنا سأجيب لهم اللي يعرف يتعامل مع الغرب”، و هكذا صعد أنور السادات إلى واجهة المشهد السياسي في مصر بعدما وضعه جمال عبد الناصر في صدارة المرشحين لخلافته.

لكن هل كان لأنور لسادات نفس رأي جمال عبدالناصر أم كان له رأي آخر؟؟

الإجابة تأتي واضحة في المشهد التالي: بعد توليه لرئاسة مصر بفترة وجيزة جدا سأل السادات ابراهيم سعد الدين قائلا: “كم قوة دولية كبرى في العالم يا ابراهيم؟؟

فرد ابراهيم: ما سيادتك عارف يا ريس.

قال له السادات: لكن أنا أريد أن أسمع الإجابة منك.

قال ابراهيم: اثنتان يا ريس الإتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة.

فرد السادات مستنكرا: خطأ يا ابراهيم، هناك قوة دولية واحدة هي الولايات المتحدة فقط”.

و قد يستغرب البعض من هذا التقدير السياسي لسبب أو لأخر لكن من يقرأ مذكرات الدكتور مراد راغب الذي ظل سفيرا لمصر في الاتحاد السوفيتي لفترة طويلة حتى صار من أكبر الخبراء في شئونه يدرك نفاذ بصيرة أنور السادات السياسية في هذه المسألة لا سيما و أن عددا من قادة السوفيت كانوا منذ الستينات قلقين على مستقبل الإتحاد السوفيتي بسبب تأخره التكنولوجي و الإقتصادي.

وهكذا بدأ أنور السادات حقبة رئاسته لمصر انطلاقا من هذه القناعة.

أنور السادات في الحكم

عندما تولى أنور السادات الحكم كان أمامه عقبات عديدة لكنه تغلب عليها واحدة تلو الأخرى وكانت مواجهة كل من هذه العقبات تقوده لطريق واحد سنراه بعد قليل.

في البداية كان علي أنور السادات أن يحل مشكلة الأراضي المصرية و العربية المحتلة إن سلما أو حربا، وفتح أنور السادات قناة اتصال سرية مع الولايات المتحدة محاولا حل المشكلة سلما لكن محاولاته باءت بالفشل، فلم يجد بدا من العزم على خوض الحرب ثم خاضها فعلا في أكتوبر 1973م.

السادات و الصراع على السلطة

كان على أنور السادات مواجهة مشكلة الصراع على السلطة بعيد توليه الحكم مباشرة، و فعلا حسمه لصالحه بمساعدة العديدين و منهم الفريق صادق و الذي عينه وزيرا للدفاع بعد حسم الصراع، لكنه لم ينس أن هؤلاء الذين واجهوه هم من اليسار الناصري و قريب منهم اليسار الماركسي، ولم يكد أنور السادات يقضي على خصومه داخل هيكل السلطة نفسه حتى بدأت الحركة اليسارية (بشقيها الناصري و الماركسي على حد سواء) تتحرك بفاعلية في الجامعات و التجمعات، و كان على أنور السادات الذي يعد البلاد للحرب أن يواجه هذا المد اليساري لكن باسلوب سياسي أكثر منه بوليسي فشجع الحركة الإسلامية التي كان نشاطها يتصاعد هي الأخرى كي يوازن المد اليساري المتصاعد، البعض يبالغ في تصوير هذا الإستغلال و يزعم أن أنور السادات هو الذي أنشأ هذه الجماعات الإسلامية أصلا لكن المصادر الموثوقة تؤكد أنه حاول أن يستغل الحركتين الصاعدتين باشغالهما ببعضهما البعض لا أكثر و لا أقل.

السادات والإخوان المسلمين

كان أنور السادات رغم مشاركته في عضوية محكمة الثورة التي قمعت الإخوان المسلمين و أعدمت بعضهم قد ذاق مرارة السجن السياسي، كما كان أنور السادات لصيقا بالسياسة أكثر منه بالعسكرية فهو لم يمكث في الجيش إلا حتى رتبة رائد و بعدها تمرس في مناصب سياسية و صحفية لنحو عشرين عاما حتى صار رئيسا لمصر، و حتى الفترة القصيرة نسبيا التي قضاها في الجيش كان يمارس خلالها السياسة من خلال عضويته في عدد من التنظيمات السياسية و منها تنظيم الإخوان المسلمين كما تخللتها فترة هروب من الجيش بل و رفد منه.

كان عزم أنور السادات على التوجه للتحالف مع الكتلة الغربية من أجل تحقيق أهداف مصر السياسية و الإقتصادية يقتضي أن يرتب الأوضاع الداخلية سياسيا و اقتصاديا بالشكل الذي يتفهمه المجتمع الغربي و مؤسساته و حكوماته الليبرالية، كما كان الشعب المصري قد مل الحكم البوليسي و القمع و التعذيب وبدأ يتململ ومن ثم عبر الطلبة و العمال عن نبض الشعب في مظاهرات فيراير 1966م ثم في تحركات طلابية أخرى في يناير 1972م انتهت بمصادمات بين الشرطة و الطلبة و اعتقل على اثرها عدد كبير من الطلبة و حينئذ تضامنت نقابات المهندسين و الأطباء و الصحفيين مع الطلبة المعتقلين، كما طالب العديد من المفكرين اليساريين والليبرالين بالحريات و التعددية السياسية في العديد من المواقف و المناسبات، و كان أنور السادات بحكم تكوينه و خبراته السياسية قادرا على قيادة الدولة للتحول نحو مزيد من الإنفتاح السياسي و حرية التعبير و التعددية السياسية الشكلية أو الديكورية، لا سيما و أن أنور السادات كان مطلعا على الأزمات التي كانت تعصف بالبلاد منذ نهايات حكم جمال عبد الناصر من أول الأزمة الاقتصادية التي بدأت بوادرها منذ عام 1966م وحتى أزمة المشاركة السياسية التي تبلورت بوضوح، و مرورا طبعا بأزمة الهزيمة العسكرية في يونيو 1967م فضلا عن حرب اليمن.

و هكذا بدأ أنور السادات حكمه باخراج الإخوان المسلمين من السجن و اتاحة الفرصة لهم للتحرك بشكل عملي دون أي اعتراف رسمي أو وجود قانوني، و كان ذلك كله في اطار شئ من الترتيبات السياسية مع قيادة الإخوان المسلمين.

شرعية نظام أنور السادات

لكن كان على أنور السادات أن يضع الأطر القانونية لحكمه و يؤسس لشرعيته الجديدة و من هنا كان اصداره للدستور الدائم عام 1971م و طرح شعاري سيادة القانون و دولة المؤسسات، لكن ظلت الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية و من خلفه السلطة التنفيذية من سمات دستور 1971م أسوة بحال الحقبة الناصرية.

و في ابريل 1974م أصدر أنور السادات ورقة أكتوبر و التي و إن أقرت التنظيم الواحد فإنها أشارت إلى ضرورة أن تعبر كل قوى تحالف الشعب العامل عن مصالحها المشروعة و آرائها بحيث تتضح الإتجاهات التي تحظى بتأييد الأغلبية و التي يجب أن تتبناها الدولة (و كان وقتها الإتحاد الإشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الوحيد المسموح له بالوجود و العمل و كان بمثابة الحزب الواحد الحاكم و منه تاتي الحكومة).

و بعدها بأربعة شهور أصدر أنور السادات ورقة تطوير الإتحاد الإشتراكي و دعا فيها إلى اعادة النظر في شكل التنظيم السياسي و حدد هدفه من التطوير في أن يكون الإتحاد الإشتراكي بوتقة حوار تنصهر فيها الأفكار المتعارضة و تتبلور فيها الإتجاهات.

و استطرد أنور السادات قائلا في هذه الوثيقة: ان طبيعة الأشياء أن يختلف الناس حول القضايا السياسية و الاجتماعية، و ان الاتحاد الإشتراكي الذي يمثل قوى الشعب العامل أولى به أن يأخذ بأسلوب تمثيل الاتجاهات المختلفة في قيادته حتى لا يحس اتجاه له تأييد بين القواعد أنه مبعد تماما عن المشاركة في قيادة التنظيم فيفقد شعوره بالإنتماء إليه.

و إذا كانت ورقة أكتوبر قد مهدت للتعددية السياسية التي كان أنور السادات عازما عليها فإن ورفة تطوير الإتحاد الإشتراكي كانت بمثابة الشرارة التي أطلقت العنان لعملية التحول نحو التعددية السياسية الشكلية التي شهدتها مصر لأول مرة منذ ثورة يوليو 1952م.

في البداية استغرق البحث و التقصي في لجان خاصة بالإتحاد الإشتراكي نحو السنة لتخرج في النهاية اللجنة بعدة توصيات كان أغلبها يميل لعدم التعددية الحزبية فقد كانت أغلب الأراء تميل إلى عمل منابر للرأي داخل الإتحاد الإشتراكي.

 و بعدها بنحو العام أي في مارس عام 1976م قرر أنور السادات اقامة ثلاثة منابر في الإتحاد الإشتراكي العربي لتمثل اليمين و الوسط و اليسار، فاليمين باسم “تنظيم الأحرار الإشتراكيين” و الوسط باسم “تنظيم مصر العربي الإشتراكي” و اليسار باسم “التجمع الوطني التقدمي الوحدوي” و دخلت هذه المنابر انتخابات مجلس الشعب في صيف نفس العام، و في أول اجتماع لمجلس الشعب بعد هذه الإنتخابات “11 نوفمبر 1976م” أعلن أنور السادات تحويل التنظيمات السياسية الثلاثة إلى أحزاب، ثم صدر قانون الأحزاب السياسية في يونيو 1977م.

تعدد الأحزاب

و كانت الفكرة السائدة وقتها أن أنور السادات سار بهذا التدرج الطويل ليصل بعد سبع سنوات من حكمه لنظام حزبي تعددي يحل محل الإتحاد الإشتراكي العربي بسبب المعارضة الشديدة لذلك الإجراء من قبل قادة الإتحاد الإشتراكي و النقابات العمالية حينذاك.

وعلى كل حال فقد كان تعددا حزبيا شكليا فلم يحدث أبدا أن وصل حزب معارض لأغلبية الثلثين في مجلس الشعب، و ظلت هذه الأغلبية دائما من نصيب حزب الرئيس حتى أن السادات لما أنشأ حزبا جديدا و تخلى عن عضويته لحزب مصر العربي الإشتراكي في 1978م هرول جميع أعضاء الحزب الحاكم من حزبهم “حزب مصر العربي الإشتراكي” و تركوه وانضموا للحزب الجديد الذي أنشأه الرئيس تحت “اسم الحزب الوطني الديمقراطي” وصارت للحزب الذي نشأ للتو أغلبية الثلثين بمجلس الشعب بقدرة قادر تلك الأغلبية التي كانت من دقائق هي أغلبية حزب مصر العربي الإشتراكي كما تحولت جميع المقرات التي يمتلكها حزب مصر إلى مقرات للحزب الوطني الديمقراطي و التي مازال يمتلكها حتى اليوم.

وهكذا تكون النظام الحزبي التعددي على يد رئيس مصر السابق محمد أنور السادات لكن بشكله المقيد و الديكوري، فمنذ البداية كان السادات يميل لتقييد هذه التجربة الحزبية، فتم حل مجلس الشعب الذي أفرزته انتخابات 1976م و قد كانت هذه الانتخابات بها حد كبير من النزاهة فضاق أنور السادات ذرعا بهذا المجلس و حله في عام 1979م وأجرى انتخابات أخرى لم يسمح فيها بنجاح أحد من المعارضة باستثناء ممتاز نصار الذي أفلت من مقصلة التزوير بأعجوبة.

ديمقراطية لها أنياب

و مع مرور الوقت بدأ أنور السادات يضيق بالديمقراطية التي أقامها و بدأ يتكلم عن ديمقراطية لها أنياب، و أصدر العديد من القوانين التي أطلقت عليها المعارضة “ترسانة القوانين سيئة السمعة” و منها قانون الإشتباه و قانون حماية الجبهة الداخلية و غيرها من القوانين المقيدة للحريات كما ألغى اللائحة الطلابية الصادرة عام 1976م و وضع بدلا منها لائحة عرفت بلائحة 1979م لتقييد النشاط الطلابي و منع الطلبة من خوض غمار العمل السياسي.

وأدخل تعديلات على قانون الصحافة ليقيد من حرية الصحافة التي كانت شهدت قدرا من الإزدهار بدءا من 1978م، و لم يكتف أنور السادات بذلك بل حل مجلس نقابة المحامين و اصدر قرارا بتحويل نقلبة الصحفيين إلى نادي.

و ظل التدهور هو سيد الموقف في العلاقة بين أنور السادات و بين حركات المعارضة السياسية العلمانية من يمين كالوفد و يسار كحزبي العمل و التجمع و كذلك حركات المعارضة الدينية الإسلامية و المسيحية على حد سواء مما أدى لصدور قرارات 5 سبتمبر 1981م و التي بموجبها اعتقل السادات 1500 من قادة كافة أطياف المعارضة المصرية و صادر صحف المعارضة الحزبية بالإضافة لعدد من الصحف المستقلة الناصرية و الإسلامية و المسيحية.

لحظة الغليان

و سرعان ما وصلت درجة حرارة الشارع السياسي المصري إلى درجة الغليان مما فجر الأوضاع في حادث المنصة الشهير ذلك الحادث الذي وضع نهاية لعصر الرئيس أنور السادات.

لكن أيا كانت حسنات أو سيئات رئيس مصر السابق محمد أنور السادات فيظل التاريخ يذكر له أنه الوحيد الذي عاشت مصر في عهده (في أخر سنة من عهده تحديدا) بلا قانون الطوارئ منذ ثورة يوليو 1952م، كما أدخل نوعا من التعددية الحزبية المقيدة و أطلق عنان الحرية لصحف المعارضة والصحف المستقلة في أحد مراحل حكمه كما تمتع المعارضون بقدر واسع من حرية التعبير و الحركة في أواخر عهده و حتى قرارات 5 سبتمبر 1981م بل إن المعتقلين الذين اعتقلهم ضمن هذه القرارات لم يلقوا أي تعذيب حتى مقتله بعدها بشهر و حينئذ خرج من خرج و تعرض للتعذيب من بقي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشرته في جريدة الدستور المصرية بعددها الأسبوعى وفي مدونتى القديمة.