التناقضات الدولية

المسلمون و التناقضات الدولية المقبلة

خلال السنوات القليلة القادمة سوف يتبلور نظام دولي جديد، وسيكون متعدد الأقطاب، و تعدد أقطاب القوى الدولية يعكس في حقيقة الأمر شكلا من أشكال الاختلاف أو التناقض الدولي، فماذا يفعل المسلمون ازاء هذا الوضع الجديد في السياسة الدولية؟؟

تعدد الأقطاب في النظام الدولي

إن تعدد الأقطاب في النظام الدولي بما يصحبه من تناقضات و اختلافات دولية يحمل بين طياته العديد من الفرص و المخاطر، و لندع المخاطر جانبا في هذا المقال و لنركز على الفرص.الفرص تتمثل في امكانيات تبديد قوى العدو و استنزافها بل تحجيمها باستغلال مساندة قوة قطب آخر متناقض مع العدو، كما تتمثل في الحصول على فوائد من أحد الأقطاب بحجة التحالف معه ضد قطب أخر أو بحجة نبذ التحالف مع عدوه من الأقطاب الأخرى.و رغم أن النظام الدولي متعدد الأقطاب يتيح فرصا أكبر من النظام ثنائي القطبية الا أن العديد من القوى الدولية الصاعدة الآن و التي من المنتظر أن تلعب دورا كبيرا كأقطاب دولية في النظام الدولي الذي نقف على أعتابه استفادت من الثنائية القطبية بين الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة في بناء قوتها الذاتية الاستراتيجية و الاقتصادية و التكنولوجية و من هذه الدول: الهند و الصين و الكوريتين و تايوان و اليابان و ودول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا.

الهند و كوريا الشمالية

فالهند و كوريا الشمالية استفادتا من علاقاتهما بالاتحاد السوفيتي السابق في بناء قوتهما العسكرية الذاتية القائمة على تصنيع محلي الى حد كبير لا سيما في مجال الأسلحة الاستراتيجية كالصواريخ متوسطة و بعيدة المدى و الأسلحة النووية و الكيميائية و جانب من قطع الغيار المهمة و أسلحة ثقيلة اخرى، و كذلك فعلت الصين في سنوات نشأتها الأربع الأولى و التي حازت فيها ركيزتها الصناعية العسكرية الرئيسة و الأولى في الصواريخ و الطائرات و الدبابات و الأسلحة النووية عبر علاقاتها السوفيتية فصنعت نسخا صينية بحتة من الطائرات و الدبابات و الصواريخ السوفيتية في هذا الوقت، هذا بجانب استفادتهم جميعا في مجال دعم قواهم الاقتصادية و التكنولوجية بعامة.

اليابان و دول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا 

كوريا الجنوبية و تايوان و اليابان و دول الاتحاد الأوروبي و البرازيل و جنوب أفريقيا استفادوا جميعا من علاقاتهم بشكل أو بأخر بالولايات المتحدة الأمريكية القطب المناوئ و المنافس للإتحاد السوفيتي السابق فانتفعوا في تطوير اقتصادياتهم و تصنيعهم و تعليمهم و تسليحهم مما أهلهم الآن للعب دور محوري في نظام دولي جديد متعدد الاقطاب.الهند التي كانت حليفة للاتحاد السوفيتي السابق سرعان ما استوعبت حقيقة انهياره فنقلت صداقتها الى السيد الأوحد (الولايات المتحدة) لتواصل تطوير اقتصادها و تصنيعها وتسليحها كما استفادت من مرحلة الانهيار السوفيتي بأن اشترت منه سلاحا و تكنولجيا متقدمة جدا بأثمان زهيدة.

الصين

الصين عندما قاطعها الاتحاد السوفيتي في منتصف الخمسينات تقريبا ظلت محاصرة نسبيا من القوتين العظميين الى أن نجحت في اقامة علاقات مع الولايات المتحدة مطلع السبعينات لتستفيد اقتصاديا و سياسيا و بدرجة كبيرة تكنولوجيا.هكذا تستفيد الدول و القوى من السياسة الدولة و تعدد الأقطاب فيها.

أما في عالمنا العربي و الاسلامي فلا تكاد تجد نموذجا يشبه هذه النماذج التي بنت مستقبلها بتخطيط و تنفيذ استراتيجي دقيق، ففي حالة مصر التي بدأت عهدا جديدا بانقلاب 23 يوليو 1952 م بفارق ثلاث سنوات فقط عن نشأة دولة الصين الشعبية التي نشأت بالثورة الشيوعية عام 1949م و في طور نشأة دولة الهند (استقلت عن التاج البريطاني عام1947م و أعلنت الجمهورية 1950م) مع ذلك فالمقارن لحال الهند و الصين اليوم من جهة و حال مصر من جهة أخرى لا يجد وجها للمقارنة لا اقتصاديا و لا تكنولوجيا و لا استراتيجيا.

الثنائية القطبية

و هكذا استفادت العديد من القوى الدولية بالثنائية القطبية سابقا مما يشير الى استفادة قوى دولية عديدة في المستقبل القريب بالتعددية القطبية المنتظرة في النظام الدولي الجديد، لكن ذلك يشير ايضا لعدم استفادة القوى العربية و الاسلامية بهذه التعددية القطبية المنتظرة بالضبط كما لم يستفيدوا بالثنائية القطبية السابقة.

أما الحركة الاسلامية بكافة أطيافها الفكرية فهى لا تكاد تلقي بالا لهذه الأمور رغم اهميتها.

استفادة النبي صلى الله عليه و آله و سلم من التناقضات الدولية

و لعل من المفيد هنا ان نشير في عجالة ليس فقط الى استفادة النبي صلى الله عليه و آله و سلم من التناقضات الدولية بل و سعيه الى خلق هذه التناقضات كي يستفيد منها:

فمن أمثلة استفادته بالتناقضات الدولية القائمة اقامته صلى الله عليه و آله و سلم للتحالفات مع القبائل المحيطة بقريش من عدة جوانب مما سهل له عملية حصار قريش اقتصاديا مما أدى بعد عدة سنوات لعقد هدنة صلح الحديبية مع قريش بعدما عضتها الحرب و الحصار الاقتصادي النبوي.

أما من أمثلة خلقه للتناقضات الدولية كي يستفيد منها في عمله السياسي و الاستراتيجي فهو ما فعله أيام غزوة الأحزاب من تسريبه معلومات حددها بدقة زرعت بذور التناقض و الشقاق بين يهود خيبر و قريش مما فصم عرى التحالف بينهما، ذلك التحالف الذي كان قادرا بأن يهدد دولة المدينة استراتيجيا لو أنه استمر قائما.

كذلك فإن من أمثلة سعي النبي صلى الله عليه و آله و سلم لخلق التناقضات الدولية بين اعدائه ما حاوله من بذل جزء من ثمار المدينة لثقيف مقابل تخليهم عن تحالفهم مع قريش و تركها و الرجوع عن غزو المدينة أيام غزوة الخندق.

و لعل الاشارة الأقوى في هذا المجال تأتي من ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم عندما أملى نص وثيقة صلح الحديبية، فنص فيها على بند غاية في الأهمية فيما يتعلق بموضوعنا، و هذا البند هو الذي يقول أن من أراد أن يدخل في حلف مع قريش فليدخل و يصير بذلك ملتزما بموقف قريش في الاتفاقية، و من أراد أن يدخل في حلف مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم فليدخل و يصير بذلك ملتزما بموقف النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الاتفاقية، ليعزز بهذا النص حالة الاستقطاب بين القبائل ما بين محالف للنبي صلى الله عليه و آله و سلم، و ما بين محالف لقريش تمهيدا لساعة الحسم التى حانت فيما بعد يوم فتح مكة، عندما سار النبي صلى الله عليه و آله و سلم اليها بعشرة آلاف مقاتل كثير منهم كانوا من القبائل التي دخلت في جانب النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أسلمت و اطاعته.

حسنى مبارك

مستقبل العمل السياسى للحركات الإسلامية في مصر

قاطع الإخوان المسلمون انتخابات اتحاد طلاب الجامعات بسبب الضغوط الأمنية، و قبل ذلك قاطعوا انتخابات المحليات.

و من قبل ومن بعد فإن كثيرا من النقابات المهنية المصرية تقبع منذ سنوات تحت ما يسمى بالحراسة القضائية ومن ثم السيطرة الحكومية عليها، وهي النقابات التي يمارس الإخوان المسلمون العمل السياسي من خلال خوض انتخابات مجالس إدارتها والتحرك من خلالها.

هذا عن الإخوان، أما السلفيون، فإن غالبية مجموعاتهم لا تمارس العمل السياسي، و المجموعات القليلة التي كانت تمارس شيئا من العمل السياسي عبر انتخابات اتحادات الطلبة وكذا النقابات المهنية تراجعت تماما عن المحاولة في هذا المجال بعد أن رأت انسداد الأفق السياسي بالدرجة التي دفعت الإخوان – وهم الأقوى والأكثر خبرة- للانسحاب من هذه العملية.

و لم يبق لهذه المجموعات السلفية المسيسة من العمل السياسي سوى الكلام في شئون سياسية عامة من منظورها الإسلامي عبر دروسهم المسجدية المحدودة، ومواقعهم على شبكة الانترنت وشرائط الكاسيت، لاسيما و أن هذه المجموعات السلفية المسيسة ليس لها موضع قدم على الفضائيات الإسلامية المصنفة على أنها سلفية.

بقى التيار الجهادي و الذي خرج من الساحة السياسية في مصر منذ سنوات لعدة أسباب، فتنظيم الجهاد المصري ابتعد منذ سنوات طويلة عن أي ممارسة للعمل السياسي السلمي و التصق أكثر فأكثر بالعمل المسلح، و صاحب ذلك تدهور قوته تنظيميا وانحسار ما كان قد تمتع به من شعبية وجماهيرية إثر نجاحه في اغتيال السادات، ومن ثم انزوى تنظيم الجهاد ولم يعد له أي وجود حقيقي في الساحة السياسية أو الإسلامية المصرية.

تنظيم القاعدة الذي ربما صار له موضع قدم في مصر – على حساب تنظيم الجهاد المصري- ليس لديه رغبة و لا إمكانات لخوض غمار العمل السياسي في مصر ولا غيرها حتى الآن.

أما تنظيم الجماعة الإسلامية فقد حزم أمره بعدما طرح ما أسماه مبادرة وقف العنف منذ أكثر من عشر سنوات بالبعد عن العمل السياسي، بل أجهز على كل التكهنات والظنون مؤخرا بإصداره بيانا في أول أيام العيد الفائت طالب فيه كل فصائل الحركة الإسلامية بترك العمل في المجال السياسي للحكومة فقط، وطالب الحكومة في مقابل ذلك أن تطلق للحركات الإسلامية فرصة العمل الدعوي الديني.

صحيح أن الإخوان وعددا من الإسلاميين المستقلين قد رفضوا دعوة الجماعة الإسلامية، و صحيح أن الكثيرين قد اعتبروا أن ما تفعله الجماعة الإسلامية هذا هو من صميم العمل السياسي لكنه يصب لصالح الحكومة أو على الأقل لا ينطلق من خندق المعارضة، وأيا كان الأمر فإن ذلك كله يشير لانزواء الجماعة الإسلامية بعيدا عن العمل السياسي المعارض أو المنافس للحكومة.

و استقراء خريطة موقف القوى الإسلامية من العمل السياسي الإسلامي على هذا النحو يطرح علينا سؤالا هاما بقوة وهو: ما هو مستقبل العمل السياسي الإسلامي في مصر؟

الواقع أن توقع هذا المستقبل لا يتوقف على واقع الحركات الإسلامية فقط لأن الحركة الإسلامية ليست هي اللاعب الوحيد بل هناك لاعبون آخرون.

منهم المحليون: مثل الحكومة بأجنحتها المختلفة، ومثل القوى العلمانية المعارضة (رغم ضعفها البين و أفول نجمها)، ومثل الإسلاميين المستقلين لاسيما الأجيال الشابة التي تنشط على شبكة الإنترنت.

كما أنه يوجد اللاعبون الدوليون وهم: الغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) و إسرائيل وإيران والمنظمات الغربية غير الحكومية.

و يمكن استشراف مستقبل العمل السياسي الإسلامي من خلال تفحص مواقف كل لاعب من هؤلاء اللاعبين على حدة:

أولا- اللاعبون الدوليون:

1- الغرب: من المنتظر أن تؤدي نتائج الأزمة المالية العالمية و نتائج الهزائم الأمريكية و الغربية وهزائم حلفائهم في أفغانستان والعراق والصومال إلى تغير النظام الدولي بدرجة ستؤدي لتخفيف الضغط عن الحركات الإسلامية بعامة والحركات الإسلامية غير المسلحة بشكل خاص وهذا سيصب في مصلحة حركة هذه التيارات سياسيا كل في محيطه، كما أن هزائم الغرب وحلفائهم ستستخدم دعويا لضم مزيد من الأنصار للحركات الإسلامية بكافة اتجاهاتها.

2- إسرائيل: بعد الهزائم و الأزمات المذكورة التي مني بها الغرب و حلفاؤه ستتعلم إسرائيل أنها يجب أن تتعامل مع الحركات الإسلامية و بالتالي ستفضل التعامل مع التيارات ذات الطبيعة السلمية، كما أنها ستتعامل مع التيارات المسلحة التي لن تجد بدا من التعامل معها كحماس، كما أنها لن تمانع من التفاهم و التعاون مع جهات لديها نمط من البرجماتية يدفعها للتفاهم مع إسرائيل و أبرز مثال على ذلك هو إيران وحزب الله والقوى الشيعية العراقية ونحوها، ولن تتفاهم إسرائيل (و لا الغرب بطبيعة الحال) مع القاعدة أو الجهاد المصري أو السلفية الجهادية في أي مكان لأنها غير مضطرة لذلك لا الآن و لا في المدى المنظور، لكنها (هي و الغرب) قد تضطر للتفاهم مع طالبان و شباب المجاهدين في الصومال إذا انتصرتا و سيطرتا، لاسيما و أن طالبان و شباب المجاهدين أكثر عقلانية ورغبة في التفاهم.

3- إيران: ستستمر إيران في غض الطرف عن الحركات الجهادية السنية ما دامت تستنزف الغرب وحلفاءه في المنطقة بما لا يهدد مصالح إيران ولا أتباعها و لا مناطق نفوذها، كما ستستمر إيران بنجاح في السعي لتقسيم المصالح ومناطق النفوذ في المنطقة بينها وبين الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، ولن تألوا إيران وأتباعها جهدا في التضحية بالحركات الإسلامية السنية التي تساعد التضحية بها على تحقيق الأهداف الإيرانية.

4- المنظمات الغربية غير الحكومية: ستستمر هذه المنظمات في دعم قضايا الحريات و حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة ومكافحة العولمة بما يخدم أهدافها التي قامت من أجلها و التي تؤمن بها، وسيستمر وجود هذه المنظمات في إتاحة ميادين للعمل السياسي الإسلامي دفعا لقدر من المظالم التي تتعرض لها الحركات الإسلامية في شتى بقاع الأرض.

ثانيا- اللاعبون المحليون:

1- الحكومة المصرية: من الطبيعي أن تزداد استقلالية الحكومة المصرية في القرار بعدما يترسخ النظام الدولي الجديد والذي ستتوزع فيه القوة بين عواصم دول عدة كروسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي بجانب الولايات المتحدة بعدما كانت محصورة في الولايات المتحدة فقط طوال الـ 18 عاما الماضية، وتعطي هذه الاستقلالية للحكومة قدرات أكبر قي البطش بمعارضيها، لكن هناك عامل آخر مضاد و لكنه أقل تأثيرا وهو انتعاش الاتجاهات الدولية المدافعة عن الحريات و حقوق الإنسان لا سيما في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية لكن توزع القوة الدولية على عدد من العواصم سيعطي للحكومة مزيدا من القدرات في مجال مقاومة الضغوط الدولية الداعية للحفاظ على حقوق الإنسان، و لكن نظرا لأن كل واقع جديد غالبا ما يحمل قدرا من الفرص بنفس القدر الذي يحمله من المخاطر فإن توزع القوة الدولية بين عدد من الأقطاب الدولية و الإقليمية يحمل بين طياته العديد من الفرص للحركة الإسلامية بنفس القدر الذي يحمله من المخاطر.

2- القوى العلمانية المعارضة: و هي رغم ضعفها البين و أفول نجمها إلا أن صوتها العالي بسبب ما تتمتع به من نفوذ في وسائل الإعلام غالبا ما يؤدى لأضرار جسيمة منها التشويش على الدعوة الإسلامية من الناحية الفكرية بسبب عدم اهتمام الحركة الإسلامية بوسائل الإعلام، و بسبب السيطرة العلمانية شبه الكاملة على وسائل الإعلام، كما أن هذا النفوذ الإعلامي العلماني كثيرا ما هيأ الأجواء السياسية لتوجيه ضربات أمنية خطيرة لفصائل الحركة الإسلامية، كما لعب دور المحرض على مثل هذه الضربات، ولعل من أبرز الأمثلة القريبة على ذلك ما فعلته جريدة المصري اليوم القاهرية اليومية منذ عامين تقريبا عبر حملتها الصحفية على ما أسمته بالعرض العسكري لطلبة الإخوان المسلمين في جامعة الأزهر، وسوف يستمر العلمانيون على هذا النمط في المستقبل.

لكن هناك علمانيين متعاطفين مع الحركة الإسلامية أو على الأقل منصفون معها وهؤلاء يحسن بالحركة الإسلامية مد جسور التفاهم معهم والاستفادة من خبراتهم ونفوذهم لخدمة العمل الإسلامي.

3- الإسلاميون المستقلون: و نقصد بهم الذين لا ينتمون لأي من الجماعات الإسلامية المشهورة لاسيما الأجيال الشابة التي تنشط على شبكة الانترنت بشكل كبير، وهؤلاء سيكون لهم دور كبير ومؤثر في مستقبل الحركة الإسلامية بعامة وفي مجال العمل السياسي الإسلامي بخاصة، لأن هذه الأجيال يغلب عليها الاهتمام بالسياسة كما أنهم نشيطون جدا ولديهم حماس كبير كما أن شبكة الانترنت تمثل مؤثرًا كبيرًا في مستقبل العالم الإسلامي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني والثقافي، وهؤلاء الشباب هم الأكثر قدرة على استعمال الإنترنت حتى الآن ولا شك أن قدراتهم و خبراتهم سوف تتطور جدا بمرور الوقت و سيصبحون أكثر تأثيرًا مع ملاحظة أنهم متمردون في كثير من الأحيان على الجماعات الإسلامية التقليدية القائمة.

و في ضوء كل ما سبق يمكننا أن نستشرف مستقبل السلوك السياسي للحركات الإسلامية المصرية بسهولة في ضوء التفاعل بين ذلك كله.

دارفور

مشكلة دارفور فرصة للنظر في أنفسنا بعمق.. ملاحظات شاملة

يقال إن مؤامرة غربية صهيونية لتفتيت السودان كخطوة نحو تفتيت وإضعاف العالم العربي هى التى تجرى فى دارفور، فبغض النظر عن تفصيل هذه المؤامرة لوصدقناها، وبغض النظر عن نفيها لونفيناها، فإن المشكلة الحقيقية واقعة فعلا وإستغلها من إستغلها لتحقيق أهدافه وأجندته الخاصة، ولكن لابد قبل أن نقذف بكل سلبياتنا نحو غيرنا أو نعلقها على شماعة غيرنا أن ننظر بعمق فى أنفسنا أولا.

وإننا نلاحظ حول مشكلة دارفور وغيرها ما يلى:

الملاحظةالأولى: إهمال الحكومات المركزية العربية لتنمية ورعاية المناطق الريفية و الأطراف رغم أننا ننتمى للحضارة الإسلامية وتعاليم الفقه الإسلامى تقضى بأن تصرف الزكاة فى البلد الذى خرجت منه.

الملاحظة الثانية: كما نلاحظ أن الدولة العربية المعاصرة رغم أن أمد إستقلالها قارب على النصف قرن، ورغم حديثها وحديث مثقفيها المتواصل عن التقدم والتنوير والحداثة…..الخ فإنها ما زالت عاجزة عن حماية أمنها الوطنى فى معناه الشامل سياسيا وإقتصاديا وعسكريا وأمنيا وإجتماعيا(ولن أقول القومى لأن الحال ما نرى) حتى رأينا زوال دولة عربية كبرى قديمة الإستقلال كالعراق وتآكل دولة شاسعة كالسودان التى إستقلت من نصف قرن، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

الملاحظة الثالثة: هل التنسيق العربى أو التعاون العربى فى أوقات الخطر الداهم هو أمر ميئوس منه، ففى الماضى إعتقد المحللون السياسيون والإستراتيجيون العرب أن حالة الخطر ستوحد العرب أو على الأقل ستدفعهم لتعاون واسع يشبه تدريجيا الإتحاد الأوروبى أو حلف الناتو، لكن أحداث السنوات العشر الأخيرة أثبتت أن ذلك لن يحدث أبدا فى ظل الأوضاع الراهنة.

الملاحظة الرابعة: أن المجتمع العربى والشعوب العربية رغم أنها مازالت تنبض بالحياة لكنها ضعيفة الوعى وضعيفة الحركة فقد راينا فى تاريخنا العربى البعيد والقريب حركات شعبية تمنع قادتها من التعاون مع الأعداء وتقف حائطا صلدا ضد إختراق الأعداء لجسد المجتمع، وبينما تجتر ذاكرتنا هذا التاريخ المجيد فإننا نرى اليوم قوى إجتماعية وحركات سياسية ذات شعبية تنادى بالتدخل الأجنبى أو تهلل وتصفق له بل وتحض عليه.

الملاحظة الخامسة: نلاحظ أيضا عقم العقل العربى وجموده فالأزمات غير النمطية تحتاج لحلول غير نمطية تتولد من تفكير خلاق وغير نمطى.و مشكلتنا السياسية لاحل لها إلا بالإنفتاح والعدل فى توزيع جميع الموارد السياسية و الإقتصادية والإستراتجية، ورغم أن الحالة ستؤل إلى الأحسن حينئذ إلا ان ذلك كله يحتاج حلولا غير نمطية أيضا.وهذه الجملة هى مفتاح الحل لكل المشاكل، ومفتاح كل الأبواب المغلقة لكن بالأفعال وليس بالأقوال.

ـــــــــــــــــــــــــــ

هذا المقال كنت قد كتبته فى المعتقل تعليقا على أحداث دارفور عام 2004 م وتم نشره فى جريدة القدس العربى فى لندن بالعدد4781 بتاريخ 6 أكتوبر2004م.