ثوار سوريا فى حلب - صورة أرشيفية

ما سبب اختلاف وتعدد الحركات الاسلامية فى مصر وسوريا؟؟

رغم أنى أحلل و أكتب عن الحركات الإسلامية منذ ١٩٩٠ حتى الآن وأتابعها واراقبها منذ ١٩٧٩ وصدر لى عنها خمسة كتب حتى الآن، إلا إننى حتى الآن لا احفظ ولا افهم خريطة الحركة الاسلامية فى ثورة سوريا، ولا افهم لماذا تعددوا لهذا العدد الكبير جدا الذي يستعصى على عقلى حفظه أو فهمه خاصة فى ضوء أحداث ومجازر النظام ضدهم خاصة فى حلب.
من واقع وخبرة تاريخ وتطورات الحركات الاسلامية فى مصر وخلافاتها نجد انها اختلفت فى أحد الحالات التالية:
-الخلاف حول استرتيجية التغيير قسمها الى إخوان مسلمون وجهاد وجمعيات وسلفية وقطبيين.
-الخلاف الشخصى بين القادة قسم الجهاديين الى جماعة الجهاد والجماعة الاسلامية ثم تعمق الانقسام بتمايز وتباين تكتيكات وأساليب كل من الجماعتين عن بعضهما البعض بمرور الوقت.
-الخلاف العقيدى صنع جماعة المسلمين بقيادة شكرى مصطفى منفصلة عن بقية الجماعات كما صنع جماعات ومجموعات أخرى أصغر تاليا مثل الشوقيين والناجون من النار وغيرها.
-اليد الأمنية صنعت بعض الجماعات أو المجموعات واخترقت جماعات قائمة ووجهتها كما تشاء لخدمة أهداف أجهزة الحكومة.. وبالطبع فقد اختلفت هذه الجماعات والمجموعات مع الباقين وأثارت خلافات وجدالات كثيرة بالساحة.
-الخلافات فى الأساليب والتكتيكات أزكت الخلافات المذكورة فى المحاور السابقة لكنى لم الحظ لها تأثير بخلق خلاف أساسى او تقسيم الجماعات حسبما أذكر الآن، بل بالعكس لاحظنا تسامح بين الحركات المختلفة حول هذا النوع من الاختلاف خاصة بعد ثورة يناير فى مصر وربما حتى الان وذلك بدرجة او بأخرى..
ومن هنا فأنا أتساءل أنا وغيرى كثير عن مبررات ومسوغات تعدد الفصائل والجماعات فى الثورة السورية للدرجة التى تجعل من الصعب حفظ كل هذه الأسماء والرايات التى تمثل عشرات الفصائل والكتائب والفيالق والجماعات والجيوش رغم انهم كلهم ضد بشار ويحملون ضده السلاح وكل الثوار لا يكفرون بعضهم بعضا فهم لا تفرقهم العقيدة (باستثناء داعش التى تكفر الكثيرين ممن خالفها).. فلما كل هذا الاختلاف يا قوم؟؟.
وأخشى أن يذكرنا هذا بعصر ملوك الطوائف بالأندلس عندما قال الشاعر:
مما يزهدنى فى أرض أندلس..
*****أسماء مقتدر فيها ومعتضد
ألقاب مملكة فى غير موضعها..
*****كالهر يحكى انتفاخا صولة الأسد
وأرجو من اخواننا بالثورة الشامية ألا يضيق صدرهم من تساؤلاتنا وتعليقاتنا لأن ثورتهم تهم كل الشعب العربى والأمة الإسلامية لأنها حلقة من حلقات التحرر الإسلامى والعربى وأيا كانت نتائجها فهى تجربة عربية إسلامية ينبغى أن ندرسها جيدا ونتعلم من ايجابياتها وسلبياتها.

وسائل الاعلام - صورة أرشيفية

موقف بعض الإسلاميين من وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية

مقولة (أنت تأخذ معلوماتك من وسائل إعلام الكفار)، التى يرفعها بعض الإسلاميين فى وجه كل تحليل نقدى لسلوكهم السياسى أو الاستراتيجى هى مقولة باطلة، وإن كانت توجد بها جزئية صغيرة صادقة فهى جزئية مبالغ فيها، لأن وسائل الإعلام الأوربية والأمريكية هى موجهة بالأساس لمواطنيها كأبرز مصدر للأخبار والمعلومات، فلابد أن تصدق بدرجة كبيرة، وإلا نبذوها، كما أن تنافس وسائل الإعلام هذه لأسباب تجارية أو سياسية أو أيديولوجية تجعل عملية إخفاء المعلومات صعبة ولو حدثت أحيانا فإنها لا تدوم وبالجملة فلا يمكن أن يخفوا المعلومات الجوهرية طوال الوقت، لاسيما فى عصر تويتر والفيس بوك والمدونات، حيث يمكن لأى محرر أن يعلن ما منعوا نشره، فضلا عن استقباحهم للكذب والفبركة فى هذا المجال كقيمة عليا لديهم بعكس الإعلام الدجال فى العالم الثالث، هذا عن واقع الأمر، أما عن الحكم الشرعى فقد ذكر علماء كبار من السلف الصالح كالسيوطى وغيره أنه يمكن الاعتماد على ما ينقله كافرون مادام كذبهم فى هذا النقل مستبعد وضربوا مثالا باعتماد علماء الإسلام جميعا على قبول ما نقله الوثنيون من العرب من أشعار العرب من مرحلة ما قبل الإسلام وحتى بعيد ظهور الإسلام، واعتماد علماء اللغة وأصول الفقه والتفسير والفقه على هذه الأشعار فى الاستدلال، رغم أنها هى المنقولة عبر كفار، وأورد السيوطى هذا الكلام فى مرجعه الشهير والمهم فى مجال علم مصطلح الحديث “تدريب الرواى فى شرح تقريب النواوي”، كما أنه موجود فى مراجع مهمة أخرى عديدة.

وسائل الاعلام الموجهة من حكومات

يبقى أن نشير إلى عدة أمور على النحو التالى:
أول أمر وهو مهم كى يكون الكلام دقيقا وهو أن مواقع الويب أو الفضائيات الخاصة بمؤسسات إعلامية غربية (خاصة الممول منها من وزارات خارجية بلادها كالحرة والبى بى سي BBC ) الموجهة للعرب باللغة العربية غير معنية بكلامنا عن الصدق النسبى لدى وسائل الإعلام الغربية لأن تتبع هذه الجهات يثبت عدم حيادها فى كثير أو قليل من الأحيان، وعلى سبيل المثال فذات مرة رأيت تقريرا عن الاعتقال والاختفاء القسرى بمصر منشورا على BBC الإنجليزية بصفحة الموقع الرئيسية، وظل منشورا عليها، بينما لم يظهر أبدًا على مثيلتها BBC باللغة العربية.. وهذا مجرد مثال.

ولكن على سبيل المثال أيضًا أظن أن مواقع فرانس 24 ومونت كارلو باللغة العربية أكثر حرية رغم أنى لم أتابعهما باللغة الفرنسية لأنى لا أعرفها.

الأمر الثانى – كلامى بشكل عام منصب على المعلومات وليس التحليل ولا الرأي، لأن التحليل رهين منهاجية المحلل وشخصيته، وكذلك مقالات الرأى رهينة بتوجه ورأى صاحبها.

الأمر الثالث- أن كلامى لا يعنى التسليم بأى كلام يرد فى أى من هذه الوسائل، ولكنه يعتبر ويقارن بغيره للتأكد من صحته ومن ضمن ما يقارن به منطق الأحداث ومنطق التاريخ ومنطق الواقع الاجتماعي.. وهذا طبيعى ففى علم الحديث، إنما علمنا صدق الراوى الصادق وكذب الكاذب بالمقارنة.
الأمر الرابع- قد يرى البعض بعد قراءة كل هذا التفصيل أن الأمر يحتاج جهدا وخطوات مركبة ومعقدة، وهذا طبيعى لأنه من غير المعقول أن يتصدر شخص للكلام فى الأمور العامة وإصدار الأحكام، التى تحدد مسارًا للأمة دون عناء وجهد وقراءة ومقارنة وتفكر.

أجهزة الاستخبارات الكبرى في العالم

ومن ناحية أخرى يجب أن نفهم أن طريقة عمل أجهزة الاستخبارات الكبرى في العالم، التى تهتم بمتابعة المعلومات وتحليلها يشمل متابعة ما تبثه وسائل الاعلام، فمن المعروف أن جهاز المعلومات بداخل كل أجهزة الاستخبارات الكبرى في العالم ينقسم إلى عدة أقسام:
القسم الأول- يستقى المعلومات عبر متابعة ما يسمونه بالمصادر العلنية، ويقوم هذا القسم على متابعة كافة وسائل الإعلام من فضائيات ووكالات الأنباء وصحف ومجلات ومواقع الويب، ويقوم بتجميع المعلومات منها وتصنيفها وتحليلها وتقديم تقارير بها مرتبة ومصنفة إلى ذوى الشأن.
القسم الثاني- وهو مختص بالمصادر السرية، وهذا يعتمد على فرعين آخرين:
فرع التجسس الإلكترونى والقائم على تجميع المعلومات عبر التجسس على الاتصالات واعتراضها سواء تليفونات أو ويب أو التصوير عبر الأقمار الصناعية وطائرات التجسس والتنصت.
والفرع الثاني- يقوم على زرع أشخاص عملاء كجواسيس فى قلب الهدف بجانب العلاقات مع زعماء وقادة مطلعين ويقبلون تقديم المعلومات لهذه الجهة.
ومن هنا فالمصادر العلنية التى يستخف بها أكثر أبناء الحركات الاسلامية ويقلل بعضهم من شأنها هي مصادر معتبرة كأحد مصادر المعلومات بدرجة ليست قليلة فى كافة أجهزة الاستخبارات الكبرى لجمع المعلومات، تلك المعلومات التي تستخدم في اعداد التقارير وتقدير الموقف الذي يُقدم عادة لقادة الدول الكبرى والمتوسطة ويساهم في صنع قراراتهم.

الاستخبارات مفتوحة المصدر وشبكة الانترنت

واشتهر اليوم مصطلح “الاستخبارات مفتوحة المصدر” وصار يستخدمه كثير من الصحفيين والاعلاميين بتشدق أو تفاخر كأنه شيء غريب وجديد وصعب، بينما هو نفسه أسلوب استخدام المصادر العلنية لجمع المعلومات وتنصنيفها ثم تحليلها، لكنه صار أسهل وأغزر مادة بسبب وجود شبكة الانترنت، حيث صارت وكالات الانباء والصحف والمجلات والقنوات التليفزيونية كلها متاحة بكبسة زر، بل زاد عليها وسائل الإعلام الجديد مثل السوشيال ميديا والمدونات والمنتديات وتطبيقات التواصل الاجتماعي والانساني الكثيرة، وبجانب ذلك صارت توجد برمجيات وتطبيقات يمكنها البحث عن الأشخاص او المعلومات، وجمع المعلومات اللازمة من أجل تحليل سلوك ومواقف الأشخاص في كافة المجالات، فضلا عن تتبع أرقام موبايلاتهم وتحديد أماكن وجودهم بالتوقيت الدقيق، سواء عبر الموبايل الذي يستخدمونه أو عبر استخدامهم شبكة الاتصال بالانترنت، أو أماكن وتوقيتات استخدام كارت البنك في الدفع أو نحوه سواء في سوق أو ماكينة ATM أو شيء متصل بالانترنت او الموبايل، ناهيك عن اختراق شبكات كاميرات المراقبة العامة أو الخاصة لتحديد وجود شخص ما أو شيء ما في مكان و زمان ما.

ومن هنا فالدعوة لإهمال أي من المصادر العلنية للمعلومات أيا كان مصدره بذريعة أي شعار عاطفي أو حماسي فهو درب من دروب السذاجة والبلاهة والدجل.

 

تنظيم الدولة يضرب السعودية أثناء حربها مع الحوثيين

لماذا يضرب تنظيم الدولة في قلب السعودية أثناء حربها مع الحوثيين؟

كتبت هنا منذ فترة عن محاولات تنظيم الدولة لإثارة الأوضاع و خلط الأوراق داخل المملكة السعودية و ألمحت إلى أن هذا نوع من العمى السياسي و الإستراتيجي لدى التنظيم و قلت أن هذا يكون رأينا إذا أحسنا الظن بتنظيم الدولة، أما إذا أسأنا به الظن فسوف نقول أن التنظيم له قيادة مخترقة بحيث تعمل ما يخدم مصالح إيران و حلفها و إسرائيل و حلفها من حين لآخر .. و كالمعتاد احمرت أنوف البعض و علق أخوة أفاضل بخشونة و اتهموني بأني لا أدقق في معلوماتي.. و لكن كالعادة أيضا يصدق تحليلي و يظهر صوابه بتحققه بعد فترة من إعلاني له..

فأمس و للجمعة الثانية يستهدف تنظيم الدولة مسجدا شيعيا في المنطقة الشرقية للمملكة السعودية.. فهل معلوماتي مازالت خاطئة..

أنا أريد أن أفهم.. من الذكي الذي يظن أنه لو اشتعلت فتنة بين السنة و الشيعة في السعودية سيستفيد منها أهل السنة ؟؟ ألا يفهم أي ذكي أن المستفيد الوحيد من فتنة كهذه هو إيران لأنها لن تترك و لا يمكنها أن تترك شيعة السعودية يذبحون بسيف الدولة السعودية .. أم أن أذكياء تنظيم الدولة يظنون أن السعودية كالبحرين يمكن لإيران أن تسكت على قمع الشيعة فيها؟

إن أقوى قوتين منظمتين في المنطقة الآن هي إيران و إسرائيل و كلتاهما حلفاء للولايات المتحدة و أي تفكك و فراغات ستحدث في المنطقة ستستفيد منها إيران و إسرائيل بدعم أو غض طرف أمريكي ، و لو حدثت حرب أهلية داخل السعودية بين السنة و الشيعة كما يهدف أذكياء تنظيم الدولة فإن إيران ستغذي الشيعة بالسلاح و الأفراد إلى أن تحتل المنطقة الشرقية السعودية الغنية بالنفط و بالشيعة ، ولن يستفيد من هذه الحرب تنظيم الدولة الذكي الذي يحارب في العراق منذ 2004 و لم يمكنه حتى الساعة تحرير و لا حتى نصف العراق، و بينما لم يتمكن من تحرير العراق فإذا به يقفز في سوريا و بينما هو منغمس في معارك سوريا و العراق ينتصر مرة و ينهزم أخرى فإذا به يقفز في السعودية ليفتح معارك جديدة .. فما هذا الذكاء.. أم إنه الهروب للأمام؟؟

قلنا سابقا و نكرر.. لصالح من يتم ضرب السعودية في ظهرها و هي في هذه الحالة؟ هل لصالح السنة أم لصالح إيران؟

و أثناء كتابة هذه السطور وردت الأخبار بأن تنظيم الدولة في سوريا احتل منطقة مهمة قطع بها إمدادات المجاهدين للمناطق المحررة حديثا في سوريا ، فهل لنا أن نسأل لماذا يتحرك تنظيم الدولة عند نجاح المجاهدين السوريين في دحر النظام فيقطع الإمدادات عنهم فلمصلحة من يعمل هذا التنظيم؟

ثم ورد خبر آخر منذ ساعات أيضا أن قوات تنظيم الدولة تهاجم قوات النصرة ، و يأتي هذا الهجوم بعد يومين من إذاعة الجزيرة للمقابلة مع زعيم النصرة و التي قال فيها إن المعركة تتجه لدمشق ، فهل هجوم تنظيم الدولة على النصرة الآن هو جزاء لها لإعلان زعيمها التوجه نحو دمشق؟ و إن لم يكن هكذا فلماذا الهجوم على النصرة الآن؟؟ يا أخي ما دام لديك قوة تهاجم بها فلماذا لا تهاجم أنت النظام.. فقط النظام .. و تدع كل من يضرب في النظام في حاله؟؟

إدراك حقيقة المصالح و المفاسد و أيهما أولى بالتقديم في كل حالة من الحالات هي لب العمل السياسي و الاستراتيجي الإسلامي و يحتاج لفقه عميق لا يتوفر لمن قل علمه بالشرع الحنيف أو بالواقع و لذلك ساوى السلف بين مداد العلماء و دماء الشهداء لأنه دون علم فالمرء مهدد بأن يصبح ممن قال الله تعالى عنهم “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” الكهف آية 103-104.

أوباما رئيس الولايات المتحدة - محمد مرسي رئيس مصر السابق

كيف ولماذا طلب الإخوان المسلمون العون من أوباما ضد السيسي؟

في أيام حكم د. محمد مرسي .. لما ذهب عصام الحداد لأمريكا و قابل أوباما و جلس معه 45 دقيقة منفردا طلب منه نصائح و معلومات لكيفية السيطرة على الجيش ديمقراطيا فقال له أوباما لما ترجع مصر سأرسل لك فايل عن هذا الأمر عبر البنتاجون و لما رجع الحداد مصر فوجئ باحد أعضاء المجلس العسكري يقول له “بقى أنت رايح لحد أمريكا وأوباما علشان تقوله عاوز نصيحة في التحكم في القوات المسلحة… السيسى عرف بالموضوع، يا راجل عيب كده”.

هذه رواية محمد فهمي مراسل الجزيرة نقلا عن حوار دار بينه وبين عصام الحداد لما تقابل معه في السجن.. والعهدة على الراوي.

***

لو كانت هذه الواقعة صحيحة فأظن أن عصام الحداد لم يكن مقصده أخذ مشورة أوباما انما كان مقصده حض اوباما على دعم حكم الاخوان و الرئيس مرسي ضد العسكر و لكنه طلب هذا الدعم بصيغة المشورة حول الطرق الديمقرطية للسيطرة عليهم .. الخ .

وقد قرأت في مكان ما (لا أذكر الآن أين) أن رجب طيب أردوغان أرسل لمحمد مرسي رئيس المخابرات التركية قبل عزل مرسي بفترة وجيزة ليحذره من انقلاب وشيك، كما أن العديد من قادة الاسلاميين المصريين ذوي الرأي و الخبرة حذروا الاخوان مرارا منذ بداية حكم مرسي من انقلاب عسكري.. و الشائع بين شباب الاسلاميين في مصر أن حازم أبو اسماعيل هو من انفرد بادراك هذا الخطر العسكري و التحذير منه، لكن هذا مخالف للحقيقة فأكثر ذوي الرأي و الخبرة من الاسلاميين حذروا الاخوان من هذا الخطر، لكن الفارق أن حازم كانت أضواء الاعلام مسلطة عليه فشاع رأيه، بينما الآراء المماثلة من غيره من القادة كانت تقال في غرف مغلقة موجهة لكافة قادة الاخوان، و ممن وصلت له رسالة الاسلاميين واضحة في هذا المر كل من د. بديع و مهندس خيرت الشاطر و د. محمد مرسي نفسه في قصر الرئاسة ..

ثم ان معرفة محمد مرسي بنتيجة لجنة تقصي الحقائق و ان الاستخبارات بقيادة السيسي هي المسئولة عن قتلى التحرير وقت الثورة أو المتسترة على القناصة ألم تكن هذه كافية لتحذير مرسي و الاخوان بالخطر المحدق بوجودهم في الحكم؟؟!! ..

و هذا كله يوضح أن المشكلة ليست في عدم ادراك الخطر فكل القادة (اخوان و غير اخوان) كانوا يعرفونه جيدا و لكن المشكلة في منهج التعامل مع هذا الخطر، فالاخوان منهجهم املى عليهم اللعب بثلاث ورقات لا ثالث لهم و هم:

(1)محاولة اقناع امريكا بتأيدهم و مساندتهم ضد العسكر بتقديم أنفسهم على أنهم الاسلام المعتدل الذي سيفيد أميركا لأنه أكبر ضمانة لمكافحة المتطرفين (يقصد بهم الجهاديين كافة). 

(2)مهادنة أجهزة الدولة العميقة أمن و مخابرات و جيش و بيروقراطية فاسدة و اعلام متحالف مع كل هذه الأجهزة باقرارهم على اوضاعهم وامتيازاتهم على أمل أن يقبلوا بحكم الاخوان و لا يناهضوه.

(3)التلويح بورقة السيطرة على الشارع و القدرة على حشد مئات الألوف في مظاهرات و اعتصامات. 

و رغم أن هذه الورقات الثلاث فشلت فشلا ذريعا في تثبيت حكم الاخوان فمازال الاخوان يعتمدون عليها وحدها بهدف اسقاط حكم السيسي و اعادة د. مرسي و الاخوان الى الحكم.

***

و يرتبط بهذه الطريقة في التفكير السياسي لدى الاخوان المسلمون في مصر ما فعله اخوان اليمن مؤخرا عندما توسع الحوثيون عسكريا حتى سيطروا على معظم اراضي اليمن..

فالكثيرون يتعجبون من موقف اخوان اليمن حيث رفضوا مقاومة الحوثي بالسلاح في اليمن عندما توحش و هاجم صنعاء و مقار الاصلاح و جامعة الايمان و بيوت قادته ثم عاد الاخوان عند اندلاع عاصفة الحزم ليتخذوا موقفا مختلفا بتأييد العاصفة علنا….

و اعتبر البعض أن هذا موقف متناقض اذ لو انك تقول سلمية أو منهج اصلاحي فاستمر عليه فما هذا التناقض؟؟

يوجد أمر .. لا يلاحظه أكثرنا.. و هو أن السلمية أو ما يصطلح عليه بالمنهج الاصلاحي ليس هو ثابت الاخوان المسلمون الأساسي، لكن لديهم ثوابت أهم من ذلك و هو أن ترضى عنهم أمريكا و ما تمثله من نظام دولي فلا يتهمهم النظام الدولي بأنهم ارهابييون أو متطرفون، و من هنا حرصهم على عدم حمل السلاح هنا او هناك..

البعض يفهمهم خطأ فيتهمهم بالجبن و آخرون يتهمونهم بأنهم يحافظون على مصالحهم الاقتصادية، و كل هذا غير صحيح فالاخوان ليسوا جبناء و لا يضنون بانفسهم و أموالهم في سبيل مبادئهم و لكنهم مهتمون و مصممون على ان يرضى عنهم النظام الدولي، و يعتبرهم البديل المعتدل عن الحركات الاسلامية الأخرى، و مصممون أن ينفذوا أهدافهم عبر التفاهم مع النظام الدولي، و دون الاصطدام به و لذلك رفضوا حمل السلاح ضد الحوثي اولا، و لكن عندما أعطى النظام الدولي الضوء الأخضر للسعودية للحرب في اليمن فحينها أيد الاخوان المسلمون ما أيده النظام الدولي.

 
 

أوباما و نتنياهو

اللعبة الجديدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط

في أي سياق يأتي الاتفاق النووي الإيراني مع أوروبا و الولايات المتحدة ؟؟ إنه يأتي في سياق الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة بالشرق الأوسط.

و أتوقع أن جوهر الإستراتيجية الجديدة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية أوباما في منطقة الشرق الأوسط قائمة على ترك القوى الكبرى فيها تتصارع و من يأخذ شيئا (أرض أو نفوذ) يأخذه إلى أن تتوازن هذه القوى و تتفاهم وفقا للتوازن الجديد.
و القوى التي يتوقع لها أن تخوض الصراع حتى يتشكل النظام الإقليمي الجديد و يستقر هي:
-حلف الاعتدال العربي (التابع لأمريكا تقليديا و تاريخيا) و تتزعمه السعودية و يضم الخليج و مصر و الأردن و معه المغرب و باكستان رغم بعدهما نسبيا عن إقليم الشرق الأوسط و تساندهم إسرائيل.
-المحور الشيعي بقيادة إيران و معها أتباعها “العراق و حزب الله بلبنان و الأسد بسوريا و الحوثيون في اليمن و الأقليات الشيعية في كل من الخليج و الجزيرة العربية و تركيا و مصر”.
-المحور التركي القطري و معهما الإخوان المسلمون و يتوقع لهذا المحور التحالف مع المحور الأول بزعامة السعودية أحيانا.
-المحور الجهادي و يضم داعش و المنظمات التابعة للقاعدة و قوى الجهاد المحلي.
و لكن …………
………………
أمريكا ستدعم القوى الثلاث الأولى في سبيل إضعاف و هزيمة المحور الجهادي كما لن تترك إسرائيل وحدها في مواجهة أي محور يحاول إضعافها.. و في نفس الوقت فإن الولايات المتحدة ستدعم بدرجات مختلفة حفظ التوازن بين القوى الثلاث الأولى أي لن تسمح بهزيمة و زوال السعودية في مواجهة إيران و هكذا العكس بالعكس سواء بالنسبة لإيران و السعودية أو أي من القوي الأخرى باستثناء الجهاديين فمطلوب سحقهم أمريكيا.
و بالنسبة لإسرائيل فلا يسمح أمريكيا بإضعافها أو السيطرة عليها و دفعها للإذعان لأي من المحاور الأخرى.
و الله أعلم..

تنظيم الدولة الاسلامية صورة ارشيفية

تنظيم الدولة الإسلامية و خلافة البغدادي .. مناقشات و ردود

انتقد أحد الأخوة مقالي عن تنظيم الدولة الإسلامية فكان أهم ما قاله أنه: “مقال غير موفق وقد بني كاتبه انتقاداته علي معلومات أكثرها مغلوط والحكم علي الشيء فرع عن تصوره وكان الأجدى والأجدر قليل من البحث” فرددت عليه الرد التالي :

أنا عندما أكتب تحليلا لا أرتكز فقط على المعلومات المنشورة خاصة إذا كان التحليل خاص بالحركة الإسلامية..بل أستخدم (بفضل الله)معلومات مباشرة من مصادر موثوقة.. و هذا أيضا أعتمد عليه بشكل أساسي في تكوين معرفتي عن الواقع دائما فأنا أقدر المعلومة و أعرف قيمتها و درجتها لا سيما و أنا دراستي الأولى كانت لعلوم الحديث و ما تشمله من دراسة الأسانيد ثم تلتها دراستي للتاريخ و هي تشمل دراسة مناهج البحث و التوثيق و خاصة في مرحلة الماجستير.. فبالتالي من غير المقبول الادعاء بأني ارتكزت في التحليل على معلومات تتسم بالكذب و البهتان و هو اتهام ليس عليه أي بينة.. كما أن إنكار أن البغدادي قتل و قاتل أحرار الشام و النصرة و الجيش الحر في سوريا أمر يتساوى مع إنكار وجود الشمس..

أخ آخر كتب أن تنظيم الدولة لم يبايع القاعدة أصلا و أن تنظيم القاعدة في العراق بايع تنظيم الدولة و أن الجولاني أمير النصرة هو منشق أصلا عن تنظيم الدولة و أن مادام تنظيم الدولة أعلن الدولة الإسلامية أولا فعلى القاعدة و النصرة و غيرهم مبايعته و الدخول في طاعته..

و ردي عليه : أنت هكذا لم تفهم ما كتبته فما كتبته يقدم هدي سادة الأمة الذين بنوا عزها و نصرها و مجدها الذي نتغنى به حتى الآن هدي سيدنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم و فاروق الأمة عمر و سيدها الحسن بن علي و أمامها على بن أبي طالب و أمينها أبو عبيدة بن الجراح و عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة و سيفها المسلول خالد بن الوليد فهدي هؤلاء السادة يجعل النقاش و الجدال و الكفاح و الاجتهاد ينصب على شيئين بشكل أساسي و أولي هما :

1-لم شمل الأمة و جمع كلمتها و عدم النزاع أو الاقتتال بينها و التنازل و الزهد في الإمارة في سبيل ذلك.

2-جعل جهدهم و همهم الجهادي و بأسهم كله ضد الكفار أعداء الأمة و ليس ضد مسلمين مخالفين في الرأي أو البيعة.

لكن المتأمل في كلام هذا الأخ يدرك كم ابتعد بعد المشرقين عن هدي هؤلاء السادة فهو يناقش و يجد و يكد لإثبات إمارة البغدادي و دولته  و كيف أن إمارة الجولاني غير سليمة و كيف أن على النصرة و القاعدة الدخول في طاعة البغدادي..الخ فالجهد كله للاستحواذ على الإمارة لشخص البغدادي و الطاعة له و للدولة بدلا من أن يكون الجهد كله منصب على لم شمل المسلمين و جمع كلمتهم و توحيد صفوفهم و الزهد في الامارة و الرئاسة كخلق عام و كوسيلة لتحقيق وحدة الصف بشكل خاص. 

ملاحظة هامة أخرى كتبها أحد الأخوة و هي أن التليفونات لا تقوى على متابعة الروابط ، و هو كتب هذا لأني نشرت الرابط فقط على الفيس بينما المقال هو على مدونتي و قد رددت عليه بقولي: ماذا أفعل فالمقال قوامه 2000 كلمة فكيف أنشره في بوست على الفيس؟؟

الشيخ احمد المحلاوي

من هو الشيخ أحمد المحلاوي الذي حاصروه في مسجد القائد إبراهيم بالاسكندرية

فضيلة الشيخ احمد المحلاوي محاصر منذ صلاة الجمعة و حتى كتابة هذه السطور في مسجد القائد ابراهيم بالاسكندرية , و الكثيرون  لا يعرفون تاريخه لأنهم لم يكونوا ولدوا وقت أن كان هذا الشيخ الأزهري الجليل يناضل ضد الحكام الظلمة من أول السادات و حتى حسني مبارك و في السطور التالية سأذكر نقاط تمثل محطات رئيسة في حياة الشيخ أطال الله في عمره و بارك فيه :
– اشتهر الشيخ المحلاوي في السبعينات من القرن العشرين بصفته امام و خطيب مسجد القائد ابراهيم في الاسكندرية الذي يتناول قضايا الساعة السياسية و الاقتصادية في خطبة الجمعة و في دروسه بالمسجد و كان يصدع بالحق و يعلن معارضة سياسات السادات السياسية و الاقتصادية و كان ينتقد السلوك الاجتماعي و الاقتصادي لأسرة السادات و خاصة زوجته السيدة جيهان و كان يستند في ذلك على المعلومات التي كانت تنشرها الصحافة المصرية المعارضة و المستقلة و الاسلامية و كذلك الصحافة الاجنبية و قد ضاق السادات بمعارضته له ذرعا و كان يهاجمه في خطبه.
– عندما قرر السادات البطش بكبار رموز المعارضة من الاسلاميين و اليساريين و الليبراليين و المسيحيين أصدر قرارات اعتقال في 5 سبتمبر 1981م باسم قرارات التحفظ شملت 1500 شخصا و قال السادات وقتها أن هذه دفعة اولى و لو المعارضة لم ترتدع فسوف يصدر قرارا يشمل اعتقال 1500 آخرين .. و كان من بين المعتقلين حسنين هيكل و فؤاد سراج الدين و قيادات الأحزاب خاصة الوفد و التجمع و غيرهم و قيادات و أعضاء من الاخوان المسلمين و القطبيين و الجماعة الاسلامية و الجهاد و مستقلين .. و كان من بين من تم اعتقاله الشيخ احمد المحلاوي.
– كان اعتقال المحلاوي حينئذ له ظروف مختلفة عن بقية المعتقلين لعدة أسباب:
 فأولا – كان كل أهل الاسكندرية يحبونه لمعارضته القوية و العلنية للسادات و أيضا لأنه كان يقوم بأعمال مجتمعية و خيرية واسعة بمساعدة الفقراء و الأرامل و اليتامى سواء في مجال المعيشة أو العلاج كما كان ينسق دروسا خاصة لطلبة كليات الطب و العلوم و الهندسة  الفقراء بالمسجد كما كان يساعدهم في الحصول على الأدوات و الكتب المطلوبة لدراساتهم و لمعاملهم و كل ذلك عبر جمعه الأموال من المتصدقين و تخصيصها و توزيعها في هذه الأغراض .. و من هنا فقد خرج نحو مليون متظاهر بالاسكندرية صبيحة اعتقاله مما أجبر مباحث أمن الدولة لاطلاقه من الاعتقال لتهدئة الناس .. و بعد أن هدأ الناس بعدة أيام اعيد اعتقال الشيخ احمد المحلاوي مرة أخرى.
و ثانيا- كان الشيخ أحمد المحلاوي  أبرز معارض لنظام الحكم حينئذ من حيث كراهية السادات الشديدة له و بالتالي فإن السادات أوصى أنه ينكل به في السجن  أكثر من بقية الـ 1500 معتقل الاخرين و لذلك فكلهم تم وضعهم في سجن استقبال طرة و الذي كان احدث سجون مصر حينئذ و أكثرها آدمية (كانوا هم أول من يدخل هذا السجن فور الانتهاء من تشييده و كان يطلق عليه داخل السجون الأخرى اسم الفندق) بينما تم وضع الشيخ أحمد المحلاوي في أسوأ مكان بسجن ليمان طرة و هو عنبر التأديب حيث لم يكن يوضع في هذا المكان حينئذ سوى الخطرين جدا من المجرمين و تجار المخدرات.
و خطب السادات بعد ذلك و ذكر في خطابه فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي باسمه ثم قال قولته البذيئة المشهورة “أهو مرمي في السجن زي الكلب”.
و بعد ذلك بنحو شهر واحد و في 6 أكتوبر 1981م اغتال الملازم أول مدفعية خالد الإسلامبولي و رفاقه الرئيس محمد أنور السادات و ذكروا في تحقيقات النيابة معهم أن قتلهم للسادات جاء لعدة أسباب و منها أنه تطاول على علماء الاسلام فقال عن الشيخ حافظ سلامة “المجنون بتاع السويس” و قال عن الشيخ المحلاوي “أهو مرمي في السجن زي الكلب”.
بعدما قتل السادات أفرج حسني مبارك عن الـ 1500 معتقل الذين كان السادات قد اعتقلهم و لكن لم يسمح للمشايخ الأزهريين من العودة للخطابة و التدريس في مساجدهم و من هؤلاء المشايخ الذي خرجوا من المعتقلات و منعوا من الخطابة و تدريس العلم فضيلة الشيخ عبد الحميد كشك و د. عبد الرشيد صقر و الشيخ أحمد المحلاوي و اخرون .. الا ان الشيخ المحلاوي استمر في الطواف في محافظات مصر المختلفة يلقى الخطب و الدروس الدينية و السياسية المعارضة للرئيس المخلوع حسني مبارك مما دعا مباحث أمن الدولة للقلق من انتشار أفكاره في كافة محافظات مصر فطلبوا من وزارة الوقاف اعادته لمسجده بالاسكندرية (القائد ابراهيم ) لاشغاله به عن الطواف بالمحافظات المختلفة , و لما لم تفلح هذه الحيلة في وقف نشاط المحلاوي بالمحافظات (و كان وقتها في الخمسينات من عمره على ما أذكر) فإن مباحث أمن الدولة استخدمت القمع عبر منعه من مغادرة الاسكندرية بالقوة عبر قوات الشرطة.
و ظل الشيخ أحمد المحلاوي مجاهدا ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك بخطبة الجمعة و الدروس في مسجده بالاسكندرية لدرجة أنه في مرحلة ما  ألقى سلسلة من الخطب و الدروس يدلل فيها على كفر و ظلم و طغيان حسني مبارك و تم تسجيلها (كما حدث لجميع خطبه و دروسه) على شرائط الكاسيت و انتشرت في كل أنحاء مصر و لم يخش من مباحث أمن الدولة و لا من مبارك … و ظل الشيخ مناضلا إلى ان وهنت صحته و أحالته الأوقاف الى المعاش فلزم بيته بسبب ضعف صحته و لكن عندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011م فإن اغتباطه و فرحه بهذه الثورة التي أطاحت بالطاغية الذي فنت صحة الشيخ في النضال ضده هذا الفرح رفع روحه المعنوية مما انعكس على حالته العامة فانطلق  يشارك في فاعليات ثورية بالاسكندرية منذئذ كما عاد للخطابة بمسجده السابق “مسجد القائد ابراهيم” الى أن حاصره اليوم مجموعة من المراهقين سياسيا و حتى الان في هذا المسجد الذي شهد نضال الشيخ ضد طاغيتين من طغاة مصر (السادات و مبارك) قبل أن يولد هؤلاء المراهقون سياسيا المضللون فكريا المأجورون ماليا.
و لابد أن أذكر في النهاية شهادتي عن زهد فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي فهو رغم أن ملايين الجنيهات مرت عبر يده و وزعها على الفقراء و رغم أنه كان يمكنه السفر للعمل بالخليج و لكنه فضل الجهاد السياسي في مصر و رغم ذلك كله فقد زرت فضيلة الشيخ عام 1989م عدة مرات في شقته المكونة من غرفة (أو ربما غرفتبن) و صالة فوق سطح عمارة في الاسكندرية يسكن فيها هو و اسرته و أثاثها متواضع و لم يكن لديه سيارة و لا سكرتير و لا أي شئ ذي بال.. و أظن ان حاله كما هو حتى الآن.
هذه كلها نقاط مختصرة من حياة الشيخ أحمد المحلاوي و نضاله و لا توفي الشيخ أحمد المحلاوي حقه من الترجمة و التأريخ لكن دفعني لها أنني صدمت باجيال حالية مراهقة سياسيا و مضللة فكريا ومأجورة ماليا تحاول أن تسيطر بالبلطجة على المشهد و الشارع السياسي المصري دون أن يدركوا لا حقائق الفكر و لا التاريخ و لا السياسة لأن من يحرضونهم و يضللونهم و يستفيدون من حركتهم لن يمكنهم ذلك سوى بتزييف الحقائق لتتم عملية تضليلهم وإيجارهم بنجاح.

خيرت الشاطر الزعيم الاخواني

خيرت الشاطر الزعيم الاخواني الصاعد

خيرت الشاطر هو على رأس من تنتظر جماعة الإخوان أن يصدر حكما اليوم عليهم من قادتها، وذلك في إعادة محاكمة 40 قياديا بالجماعة على رأسهم المهندس خيرت الشاطر رجل الجماعة القوي و نائب المرشد العام، و المتوقع أن يصدر الحكم بالبراءة على الشاطر ليزيل العقبة القانونية الرئيسية التي تحول دون تولي الشاطر رئاسة حكومة الاخوان المسلمين المرتقبة ، و كان الشاطر قد حكم عليه بالسجن ثماني سنوات وخرج عقب قيام ثورة 25 يناير عبر الإفراج الصحي من المجلس العسكري و ذلك في القضية التي عرفت اعلاميا باسم «ميليشيات الإخوان بالأزهر», فمن هو خيرت الشاطر الذي تنتظر مصر الحكم عليه بالبراءة من أجل أن يتولى رئاسة الوزراء؟؟

ولد الشاطر بالدقهلية في 4/5/1950 و حصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة الإسكندرية عام 1974كما حصل على ماجستير الهندسة من جامعة المنصورة انضم الشاطر لصفوف المتدينين الذين لم يكن لهم أي لون سياسي عام 1967 حيث كان الاخوان المسلمون في السجن  و شارك في مظاهرات الطلبة الشهيرة عام 1968 و ظل ناشطا اسلاميا مستقلا إلى أن خرج الاخوان المسلمون من السجن و سعوا لاعادة بناء الجماعة من جديد  عبر احتواء طلبة الجامعة المتدينين و عندها انقسم الطلبة بين سلفيين مخالفين للاخوان و آخرين انضموا للاخوان و كان الشاطر بين من انضموا للاخوان بجامعة الاسكندرية عام 1974.

هذا الجيل الذي بنيت عليه جماعة الاخوان المسلمين منذ منتصف السبعينات ضم العديد من الرموز التي قادت الجماعة في التسعينات و لكن كان أشهرهم خيرت الشاطر و عصام العريان و عبد المنعم أبو الفتوح و ثلاثتهم اقترب من منصب المرشد لكن كل منهم تفرقت به السبل فعبد المنعم أبو الفتوح فصلته الجماعة لخروجه على قرارتها و العريان يقود حزب الجماعة بينما الشاطر آثر أن يظل ممسكا بزمام القوة في قلب الجماعةو عندما أوشكت وسائل الاعلام العلمانية أن تلمع الشاطر بصفته معتدل و حداثي و يقف ضد المحافظين في الجماعة آثر خيرت الشاطر التواري عن الاعلام عبر الامتناع عن أي تصريحات علنية لا عبره و لا عبر أسرته نظرا لأنه كان في السجن في أوج هذه الحملةفخيرت الشاطر رجل المهام الخفية إن جاز التعبير أو يحب العمل بعيدا عن الأضواء و لا ننسى أن الشاطر هو الذي أدار المفاوضات السرية التي أجراها الاخوان مع الحكومة تمهيدا لانتخابات 2005 و التي فاز فيها الاخوان بـ 20% من مقاعد مجلس الشعب و ربما رغبته في العمل خلف الكواليس هي التي جعلت لقائه الأخير الذي تم مع جون ماكين يوصف بأنه لقاء سري رغم أن الاخوان ينفون عنه السرية الآن.

و العمل خلف الكواليس ليست هي السمة الوحيدة من سمات الشاطر السياسية فهناك سمة أخرى هامة و هي اهتمامه بما يحلو للاخوان المسلمين بتسميته بطمئنة الغرب بشأن حكم الاخوان المسلمين و يبدو ان الشاطر هو أول من سك هذا المصطلح عبر مقاله الذي كتبه لجريدة (جارديانالبريطانية في عددها الصادر يوم الأربعاء 23 نوفمبر 2005عشية اكتساح الاخوان للجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب بعنوان  لا داعي للخوف منَّا” و ربما اهتمام الشاطر هذا بطمئنة الغرب هو ما دفعه لتأسيس الموقع الرسمي للاخوان المسلمين باللغة الانجليزية اسلام ويب” و الذى قام من خلاله بالتواصل مع العديد مع الجهات الغربية ممثلة في مراكز أبحاث و منظمات أوروبية و أمريكية و طمئنة الغرب حسب المصطلح الاخواني وصلت لتصريح الشاطر بان الاخوان المسلمين ملتزمين  بإتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل ،حيث ذكر  انه يوجد للإخوان المسلمين التزام بكافة الاتفاقات التي سبق التوقيع عليها وليس اتفاقية كامب ديفيد فقط  بل ايضا إتفاقية الغاز الموقعة مع إسرائيل ،وذلك لأن هذه الاتفاقية تم التوقيع عليها من قبل حكومات وليس من قبل  شخصيات مستقلة و من هنا نفهم طبيعة الحوار الذي يمكن أن يكون قد دار بين الشاطر و مكين و تردد أن بعض المصادر ألمحت إلى أن هناك اعتقادا بأن خيرت الشاطر، وافق على طلب ماكين فى اللقاء الذى استمر لمدة ساعة باطلاق الأمريكيين المتهمين بقضية التمويل من باب توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية لكن الدكتور محمود حسين الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين أكد أن لقاء خيرت الشاطر وماكين لم يتطرق لقضية التمويل.

و على كل حال فأهمية موافقة الاخوان المسلمين أو حتى السلفيين على أي تحرك كبير و هام يقوم به المجلس العسكري أمر مسلم به و إلا تعرض هذا الأمر للفشل و تراجع عنه المجلس العسكري و إن كان ذلك أمر غير معلن و وثيقة السلمي مجرد مثال بسيط على ذلك .

أما مسألة تولي الشاطر للوزارة فأمر مختلف فيه بين الشاطر و جماعة الاخوان إذ اكدت مصادر داخل الجماعة أن هناك أمران متعارضان  سيحددان مصير تولي الشاطر رئاسة وزراء وزارة الاخوان المسلمين المرتقبة الأول أن الشاطر نفسه يرفض تولي المنصب و أشارت هذه المصادر إلى أنه  سبق أن عزف عن المشاركة في مناصب حزب الحرية و العدالة أو حتى فاعلياته أما الأمر الاخر الذي يتعارض مع هذا الأمر فهو رغبة الجماعة الملحة في ان يتولي الشاطر هذا المنصبو قالت المصادر التي اشترطت عدم ذكر اسمها أن الجماعة تعتبر أن الشاطر هو طوق النجاة للجماعة لانقاذ اقتصاد مصر  و من ثم فإنها لا ترى بديلا عنه للقيام بمهمة انقاذ الاقتصاد المصري الذي شارف على الانهيارو رجحت هذه المصادر ان تنجح ضغوط الجماعة في اقناع الشاطر بقبول المنصب نزولا على رغبة دوائر الجماعة العليا و قواعدها على حد سواءو من ناحية أخرى نفت هذه المصادر ما نشرته جريدة الأهرام أمس عن أن الجماعة ترغب في ابعاد الشاطر عن منصب رئاسة الوزراء و قالت المصادر إن هذه المعلومات لا أساس لها من الصحة .

و إن كان الإعلان الدستوري للمجلس العسكري يقصر حق تشكيل الحكومة أو إقالتها على المجلس الأعلى للقوات المسلحة فلا شك أن برجماتية الشاطر و عمله الدائم خلف الكواليس و استمراره في طمئنة الولايات المتحدة و أوروبا و اسرائيل فإن ذلك كله قد يدفع الولايات المتحدة للتوسط بين الاخوان و المجلس العسكري لأجراء صفقة ما قد يكون أول ضحاياها حكومة الجنزوري الحالية

الفتنة الطائفية في مصر صورة أرشيفية

بيشوي و العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر

التصريحات الأخيرة عن القرآن الكريم والتي صدرت عن الأنبا بيشوي أثارت الكثير من ردود الأفعال وربما تركزت معظم ردود الأفعال هذه علي دحض الشبهات التي أثارتها هذه التصريحات من الناحية الموضوعية. ولكن هناك بعداً نريد أن نركز عليه في هذه التصريحات يتمثل في مدي ضرر هذه التصريحات علي العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر.

قد يظن البعض أنه لا ينبغي أن يعتقد الأنبا بيشوي أو غيره من المسيحيين أن القرآن مزيف، وأن عليه أن يعتقد أن القرآن منزل من عند الله حقا وصدقا، و في الواقع أنه لو اعتقد أي مسيحي ذلك فإنه سوف يسلم، وسيترك مسيحيته، ومن هنا فنحن المسلمين لا شأن لنا بما يعتقده المسيحيون ويتعلمونه داخل جدران الكنائس وداخل تجمعاتهم، فكل عقيدة دينية لا شك أنها تري بطلان ما سواها من عقائد وإلا لو نظر اليهود إلي المسيحية علي أنها حق لتنصروا ولو نظر المسيحيون إلي اليهودية علي أنها غير ملغية برسالة السيد المسيح عليه السلام لتحولوا لليهودية (إن كان ذلك ممكنا)، أما الإسلام فهو وإن صدَّق وآمن بجميع الرسل السابقين بمن فيهم موسي وعيسي عليهما السلام إلا أن الإسلام يري أن رسالة الإسلام التي جاء بها النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم هي خاتمة الرسالات السماوية وأن النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم هو خاتم الرسل فلا نبي بعده ولا رسالة بعده كما أن الدين الإسلامي ناسخ لكل الأديان التي قبله، وهذا كله شيء ثابت، فليس من حرية العقيدة التي أقرها الإسلام بقوله تعالي «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي» البقرة 256 أن نجبر المسيحيين علي أن يقروا بصحة الإسلام في كنائسهم ومجامعهم الخاصة، بالضبط كما ينبغي أن يتمتع المسلمون بحرية الدين والعقيدة فيذكرون في أدبياتهم وجوامعهم ومجامعهم أن الإسلام هو وحده الدين الحق قال تعالي «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» آل عمران 85، وأنكر الإسلام صلب المسيح عليه السلام فقال تعالي «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما» النساء 156-157. كما أنكر القرآن الكريم ألوهية المسيح عليه السلام وأنكر بنوته لله قال تعالي «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار، لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم» المائدة 72-73.

القضية المهمة هي كيف يمكن أن يحدث التعايش وحوار الأديان والحالة هكذا؟!

لا شك أن التعايش سهل إذا صدقت النيات لأن الإسلام يحض ليس فقط علي التعايش مع الآخر الديني ولكن علي البر به والعدل معه قال تعالي «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين أو يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين » الممتحنة 8، أما الحوار مع الآخر الديني بأسلوب حسن فقد ذكره القرآن قال تعالي « ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» العنكبوت 46، و الحوار سينصب لا شك علي تحسين حالة التعايش بين المسلمين وغير المسلمين تعايشا يسوده البر والعدل دون أن يفتش كل شخص في عقيدة الآخر ويحاكمه عليها ويوجه سهام النقد العلني للعقيدة الراسخة للآخر، علما أن علي الأغلبية واجبات أكبر بسبب ثقلها فالثقل والكبر يزيد من حجم المسئوليات الملقاة علي عاتق ذلك الكبير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت هذه المقالة في جريدة الدستور المصرية.

الانتخابات المصرية بين العلمانية والإسلام

الانتخابات المصرية القادمة بين العلمانية والإسلام

الانتخابات المصرية القادمة تأتي في ظل احتدام الصراع العقيدي والفكري وهو صراع يدور بين الفكر العلماني والعقيدة الإسلامية في مصر بشكلٍ دائم بأشكال وأساليب مختلفة، ولعل موقف التيارات الإسلامية المختلفة من انتخابات مجلس الشعب القادمة أبرز مثال على ذلك؛ حيث هناك موقف ثابت بتحريم خوض أي انتخابات برلمانيَّة ترشحًا أو تصويتًا تتبنَّاه التيارات السلفية وغيرها، كما أن هناك موقفًا يتبناه الإخوان المسلمون، قائم على المشاركة في هذه الانتخابات كلما كانت الأحوال مواتية.

أبعاد الصراع الإسلامي العلماني في مصر

ولفهْم أبعاد الصراع الإسلامي العلماني في مصر لا بدَّ من تأمُّل الفصول المختلفة لقصة هذا الصراع منذ بدايتِه, فقد اندلع جدل واسع في بدايات القرن العشرين في مصر حول الطريق الذي ينبغي أن يسلكه المصريون من أجل النهضة، وانقسم المصريون إلى فريقين, فريق يقول أنه لا سبيل للنهضة والتطوُّر إلا بتبني أطروحاتِ الفكر والحضارة الغربية المعاصرة حلوها وشرها, بينما دعا الفريق الآخر إلى حتميَّة تبنِّي المنهج الإسلامي في الدين والدنيا لإصلاح شئوننا والنهوض من كبوتِنا, الفريق الذي دعا لتبني الحضارة الغربية دعا للعلمانيَّة فيما يتعلق بمجال السياسة، ولم يستبعدْ أن يكون المواطن متدينًا فيما بينه وبين ربه، أي داخل جدران بيته ومسجده أو كنيستِه, بينما الفريق الذي تبنَّى الفكر الإسلامي رفع شعار “الإسلام دين ودولة”, كما لم يستبعد أن نستفيد من الحضارة الغربية إيجابياتها ونتجنب سلبياتها.

الفريق العلماني

الفريق العلماني رأى بشكلٍ ضمني حينًا وبشكل مباشر في معظم الأحيان أن حضارتنا العربية أو الإسلامية هي سبب تخلُّفنا عن ركب التقدم التكنولوجي الذي شهدتْه أوروبا في العصر الحديث, ولا يمكن التقدم إلا عبر التخلي عنها والتبني الكامل للحضارة الغربيَّة الحديثة في كلِّ المجالات, كما رأى كثير من أقطاب هذا الفريق أن مصر تنتمي للفراعنة ولا تنتمي للعرب، ومن ثَمَّ فتوجهُها للغرب ليس لأنه من مصلحتها فقط ولكن أيضًا لأنها لا تمتُّ للحضارة العربيَّة (حاملة رسالة الإسلام) بصلة.

الفريقُ الإسلامي

الفريقُ الإسلامي أعلن أن التخلُّف الحضاري الذي شهدته وتشهده المنطقة هو بسبب تخلِّي الأمة عن المنهج الإسلامي الأصيل وانحرافها عن تعاليم الإسلام الحقيقي, وأن الأمَّة الإسلاميَّة والعرب عندما تمسَّكوا بالإسلام كمنهج حياة دِينًا ودولة فإنهم أبدعوا حضارة زاهرة يشهد لها العالم بالتفوق، وذلك منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحتى نهاية عهود الازدهار الإسلامي, بل وحتى عهود الجمود في التاريخ الإسلامي لم تخلُ من جوانب الازدهار في بعض جوانب الفكْر والفن والعلوم.

باستمرار النقاش وبمرور الوقت نقَّح كل من الفريقين أطروحاتِه، فلم يعدْ هناك مكان للجمود على الأُطروحات التراثيَّة فقط لدى الفريق الإسلامي، ومن ثَمَّ ضعف الفصيل المنتمي لمدرسة الجمود هذه بين الفريق الإسلامي, كما لم يعدْ هناك عداءٌ لكل ما هو قديم أو تراثي عربي أو إسلامي لدى الفريق العلماني وانزوى ذوو مثل هذه الميول في زوايا هذا الفريق العلماني (باستثناء الحالة الماركسيَّة).

أغلبيَّة الشعب مطحونةً

كلُّ هذه المناقشات كانت بين النخبة الفكريَّة والثقافيَّة، بينما ظلَّت أغلبيَّة الشعب مطحونةً في البحث عن لقمة عيشها بعيدًا عن أي أفكار لا إسلاميَّة ولا علمانيَّة, ولكن تلامذة الشيخ محمد عبده أعطوا زخمًا فكريًّا وعمليًّا للفريق العلماني عندما قاد قاسم أمين (تلميذ الشيخ) ما سمَّى بحركة تحرير المرأة، وأصدر كتابيه على التتابع “تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة”, كما أعطى تلميذًا آخر للشيخ محمد عبده دفعة عمليَّة للتوجه العلماني في مجال الاقتصاد وهو طلعت حرب باشا، الذي أسَّس بنك مصر وشركاته على أُسُس رأسماليَّة بحتة لم تتأثر لا بالمنهج ولا بالحضارة الإسلامية في شيء، اللهم إلا في التصميمات المعماريَّة والديكورات الخاصة بمقارّ البنك, ثم أعطى سعد زغلول باشا دفعة عمليَّة أخرى للحركة العلمانيَّة (وسعد تلميذ للشيخ محمد عبده أيضًا) في المجالَيْن السياسي والاجتماعي عبر ثورة 1919 التي اعتمدت شعارات وأُطروحات علمانيَّة ليبراليَّة، وترجمت ذلك في دستور 1923 العريق, وهذه الحركة وإن أعطت دفعة للمشروع العلماني سياسيًّا في صورته الليبراليَّة، إلا أن ذلك كان مفيدًا للحركة الإسلاميَّة، لأن أجواء الحرية التي تتيحها الليبراليَّة مفيدة جدًّا لحركة التيار الإسلامي, إلا أن خطورة ما فعله سعد بالنسبة للحركة الإسلاميَّة تكمُن في أنه استغلَّ إنجازاتِه السياسيَّة بنجاحٍ من أجل تغيير المجتمع نحو مزيدٍ من القرب من القِيَم الاجتماعيَّة الغربيَّة، ونجح في ذلك هو وخلفاؤه، سواء من أحزاب الأقليَّة أو حزب الوفد الذي قاده من بعده مصطفى النحاس عبر مناهج التعليم وسياسات التوظيف التي كان أسَّس لها الإنجليز على يد اللورد كرومر، واستمرُّوا في متابعتها حتى خروج الاحتلال من مصر.

الاتجاه “القومي العربي”

جاءتْ ثورة يوليو باتجاه بدا أنه جديد على مصر ومختلف عن الاتجاهَيْن السابقين، وهو الاتجاه “القومي العربي”, فلا هو وطنيَّة مصريَّة كما دعا الفريق العلماني منذ مطلع القرن، ولا هو “أمميَّة إسلاميَّة” كما دعت لها الحركة الإسلامية.

كان عددٌ من قادة ثورة يوليو، وعلى رأسهم عبد الناصر والسادات وخالد محيي الدين، تلامذة لبعض الوقت لدى الإمام حسن البنا، كما استمعوا وأُعجبوا بأحمد حسين (زعيم مصر الفتاة ذي الاتجاه العروبي في آخر أيامِه) ومن ثَمَّ قد نشعر بشيء من الميول -أو بتعبير أدق المظاهر الإسلاميَّة- لدى هذا الاتجاه, ولأن هذا الاتجاه كان عروبيًّا فلم يدعُ لقطيعة مع تاريخنا وتراثنا العربي الذي هو أيضًا إسلامي, لكن أيضًا هذا الاتجاه كان علمانيًّا؛ فعبد الناصر وخالد محيي الدين وغيرهما تتلمذوا كثيرًا على رموز التيَّار الماركسي في مصر، ثم هم اختاروا العلمانيَّة في الحكم وناصبوا الإخوان المسلمين وأطروحاتِهم الإسلاميَّة العداء, ولذلك فرض عبد الناصر العلمانية في الحكم لكن هذه المرة (وبعكس سعد في ثورة 19) دون الليبراليَّة, واستمرَّ نهج نظام حكم يوليو علمانيًّا وبلا ليبراليَّة حتى اليوم.

الجدل الإسلامي العلماني

وبذلك نرى أن الجدل الإسلامي العلماني ظلَّ بين النخبة فقط حتى اليوم, أما الأخذ بالخيار العلماني في الحكم فقد فرضَه قطاعٌ من النخبة دون اختيار من الشعب عبر ثورتي 1919 و1952.

وفي هذا الإطار العام يمكن فهم لماذا ترفض أحزاب الوفد والتجمع والجبهة الوطنيَّة مسألة التحالف في الانتخابات مع الإخوان المسلمين، ولماذا ترفض العديد من القوى السياسيَّة أن يكون للإخوان المسلمين (ومن باب أولى أيّ تيَّار إسلامي آخر) حزبًا سياسيًّا أو مشاركة في الحياة السياسيَّة الحاليَّة, فكلهم يخشَوْن أن تصلَ الأمورُ إلى تخيير الشعب بين العلمانيَّة والعقيدة الإسلاميَّة, فضلًا عن الخشيَة من وصول أي تيَّار إسلامي للحكم فيقوم بعكس ما قام به العلمانيُّون حتى الآن طوال أكثر من مائة عام من تغريب المجتمع ومحاولة علمنتِه، حيث سيكون الفعْل الإسلامي بعكس ذلك كله طبعًا كما يخشى العلمانيُّون من أي قدر مناسب من التعبئة الشعبيَّة في اتجاه الفعل السياسي والاجتماعي والاقتصادي الإسلامي في مصر.

ــــــــــــــــــــــــــــ

نشرهذا الموضوع بموقع الإسلام اليوم.