محمد البرادعي

تصريحات البرادعي حول التغيير السياسي في مصر مليئة بالأوهام

التغيير السياسي في مصر يشغل أغلب القوى السياسية المصرية ومن هنا جاء الاهتمام بتصريحات الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية و أبرز المعارضين الآن لنظام الرئيس حسني مبارك، حيث دعا جميع قوى المعارضة والأحزاب السياسية المصرية لمقاطعة الانتخابات البرلمانية و الانتخابات الرئاسية المقبلة و أسمى هذه الانتخابات بالديكورية, و أكد الدكتور البرادعي أنه في حالة نجاح الدعوة لمقاطعة الانتخابات لن يستطيع النظام أن يبقي يومًا واحدًا، و أضاف: هذا متوقف علي مدي نجاحنا في إقناع جميع الأحزاب المؤثرة والقوي السياسية المختلفة بمقاطعة الانتخابات الديكورية وتقديم المصالح الوطنية علي المصالح الشخصية الضيقة.

و قال البرادعي: إننا مطالبون حاليًا بتحكيم عقولنا وليست عواطفنا وأن نفكر في أساليب غير تقليدية من بينها اللجوء للشعب مباشرة، ففي ظل عدم وجود انتخابات نزيهة باعتراف النظام نفسه وفي ظل غياب الأحزاب الحقيقية والنقابات ليس من المطلوب أن نبدأ معركة التغيير بثورة الجياع والعنف ولكن علينا أن نبدأ بالأساليب السلمية للوصول إلي انتخابات نزيهة.

و تبدو هذه التصريحات للدكتور البرادعي منطقية و متوازنة لأول وهلة لكن التعمق في تحليل محتواها يظهر احتوائها على عدة ألغام, فأول هذه الألغام و أوضحها هو قوله إذا نجحنا في إقناع جميع الأحزاب المؤثرة …الخ و اللغم هنا هو ماذا لو لم تنجح يا دكتور البرادعي في إقناعهم و خاض كثير منهم الانتخابات؟ ما هو خيارك السياسي في هذه الحالة؟ لا سيما و قد صرحت سابقا أنت و العديد من قادة حركتك التغيرية أن العصيان المدني هي ورقتكم الأخيرة, و في حالة فشل البرادعي في حمل أغلبية الشعب و قواه السياسية على مقاطعة الانتخابات فإن ذلك معناه أن حركة التغيير التي يقودها ستكون أعجز عن إقناع الأغلبية بالقيام بعملية العصيان المدني.

أما اللغم الثاني فقوله علينا اللجوء للأساليب السلمية للوصول لانتخابات نزيهة, فهذا الكلام رغم أنه صحيح فإنه متناقض مع دعوته لمقاطعة الانتخابات, إذ أن مقاطعة الانتخابات حتى لو نجحت فهي لن تهز شعرة في جسد النظام الديكتاتوري الحاكم, فمقاطعة الانتخابات لا تجدي في الدول التي تحكمها نظم استبدادية تزور الانتخابات لأنها ستزورها و ستزعم أن الإقبال على الانتخابات كان كبيرا بشكل غير مسبوق, كما إن نظم الحكم المستبدة جلدها سميك فلا تحس بأي وخز ضمير و لا بأي حرج سياسي حتى ولو لم يذهب للانتخابات أحد فنحن لسنا هنا في انجلترا أو السويد نحن في الشرق الأوسط حيث العراقة في الديكتاتورية و الاستبداد, و بالتالي فإن الأساليب السلمية للوصول إلى انتخابات نزيهة تقتضي دخول الانتخابات ليس لأنها لن يتم تزويرها و لكن لتعبئة الشعب و تدريبه على العمل الجماعي المنظم السياسي و السلمي تمهيدا لمزيد من الأعمال الجماعية السياسية الأخرى في مناسبات تالية.

و إذا كنا مطالبين حاليًا بتحكيم عقولنا وليست عواطفنا كما يقول البرادعي (و هنا لغم آخر) فإن ذلك يقتضي أن نفهم أن الأغلبية العظمى من الشعب المصري تتسم بقدر كبير من السلبية السياسية إما خوفا من القمع الحكومي و إما يأسا من حدوث أي نتيجة ايجابية للنضال من اجل التغيير و إما إعراضا عن العمل العام لحساب الشأن الخاص في ظل الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها أغلبية الشعب حيث يناضل الواحد منهم نضالا مريرا بشكل يومي لمجرد الحفاظ على اقل من الحد الأدنى لمتطلبات العيش له و لأسرته, و إذا فهمنا ذلك فعلينا أن نصوغ الحلول المناسبة لهذه المشكلات بشكل عقلاني و منطقي أي نقنع كل هؤلاء بحتمية المشاركة في النضال من أجل التغيير السياسي, و هذا يقتضي أعمالا جماهيرية لتثقيف و تعبئة الجماهير بشكل سلمى لا الانغماس في الأحلام الوردية التي عاشها قادة المعارضة المصرية منذ السبعينات و حتى الآن من انه يكفي الدعوة لمظاهرة أو مقاطعة الانتخابات أو مقاطعة جهة ما حتى يتغير الكون , فهذا كله حرق للمراحل و قفز فوق درجات السلم للوصول لأخره قبل المرور بأوله و هيهات أن ينجح أحد في ذلك حتى لو كان من الأنبياء.

الفتنة الطائفية في مصر صورة أرشيفية

الفتنة الطائفية بين التاريخ و الجغرافيا في مصر

عزز حوار الأنبا بيشوي يوم الأربعاء 15 سبتمبر مع المصري اليوم العديد من الهواجس بين العديد من المراقبين حول إمكانية اندلاع الفتنة الطائفية في مصر, و كانت تطورات أحداث قضية كاميليا شحاتة منذ شهرين و ما صحبها من ردود أفعال متنوعة قد أثارت مثل هذه المخاوف, و لكن لا شك أن مصر عصية على الفتنة الطائفية بين المسلمين و الأقباط منذ دخل الإسلام مصر, فتاريخ مصر و جغرافيتها تشهد على وحدة و تجانس الشعب المصري مع تنوع دياناته و عقائده, فالمسيحية لم تشهد حرية اعتقاد و عبادة إلا في ظل الحكم الإسلامي الذي حررها من نير الاستعباد و الاضطهاد الروماني الذي كان يتدخل في أدق شئون العقيدة لدى المسيحيين المصريين و يسعى لإكراههم و إرغامهم على الاعتقاد بمذهب الدولة البيزنطية في مجال الاعتقاد المسيحي, و عندما دخل عمرو بن العاص مصر كان قادة رجال الدين المسيحي المصريون هاربين من حكام مصر الرومان و متخفين في صحراء مصر خوفا من البطش و القمع الروماني لهم, و ما إن حكم المسلمون مصر حتى أطلقوا حريات المسيحيين الأمر الذي أدى إلى تحول أغلب المسيحيين المصريين إلى اعتناق الإسلام بعد عقود من الفتح الإسلامي لمصر, و من هنا صار أغلب المصريين مسلمين بسبب سماحة الإسلام و احترامه لغير المسلمين و عدله مع جميع مواطنيه بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق أو الدين, لا يمكن لأحد أن يزعم أن أغلبية مواطني مصر المسلمين هم من العرب, لأن الجيش العربي الذي فتح مصر لم يتجاوز عدده الأربعة آلاف مقاتل.

و حتى لو حدثت هجرات عربية بعد ذلك فمستحيل أن تكون بعدد يفوق عدد سكان مصر بكل هذه النسبة لا سيما إذا قارناه بعدد العرب من سكان الجزيرة العربية اليوم الذي لا يصل مجموعهم لأربعين مليون بينما عدد سكان مصر الآن نحو 85 مليون نسمة, فالقول بأنمسلمي مصر هم العرب الفاتحون و إنكار أن أغلب المصريين الذين كانوا مسيحيين قد دخلوا في الإسلام كل هذا استكبار و مكابرة تجافي التاريخ و الجغرافيا و المنطق العلمي السليم.

و من ناحية تاريخية أخرى فإن مواطني مصر المسيحيين ظلوا في ترابط مع مسلميها حتى في أحلك الظروف فحتى أيام الحروب الصليبية لم يحاول أغلب مسيحي مصر الانشقاق و التعاون مع الغزاة بل ظلوا يدعمون المجهود الحربي الإسلامي ضد الصليبيين, و نفس الشئ تكرر في حملة لويس التاسع الصليبية على دمياط ثم في العصر الحديث في الحملة الفرنسية و بعدها أيام الاحتلال الانجليزي في كل هذه المراحل وقفت أغلبية المسيحيين المصريين مع مواطنيهم المسلمين يدعمون نضال المسلمين ضد الغزاة, هذا كله من حيث التاريخ, فتاريخ علاقة المسيحيين و المسلمين المصريين هو تاريخ من التعايش و التجانس الدائم و لا يشوش على ذلك القليل من التوترات التي افتعلها أو يفتعلها جهال أو متطرفي أي طرف لأن ذلك من القليل النادر الذي لا ينبني عليه حكم عام.

أما من حيث الجغرافيا فإن بيوت و مواطن بل و حتى مقابر المسلمين و المسيحيين المصريين متجاورة و متداخلة بحيث لو شاء أحد الأعداء الخارجيين أو المتطرفين الداخليين أن يقسم البلاد إلى دولة مسيحية و أخرى مسلمة فإنه لن يجد أي سبيل إلى ذلك بسبب تداخل و ترابط مواطن كلا الفريقين من المصريين, فلا يوجد في مصر حي يخلو من مسلمين و مسيحيين معا, و لا توجد منطقة في مصر أو محافظة يمكن القول بأنها منطقة أو محافظة مسيحية فقط بعكس دول أخرى حدث فيها فتن طائفية على خلفيات دينية أو عرقية و ساعد على ذلك فيها التحيزات المناطقية.

و هكذا فإن تاريخ و جغرافية مصر تقفان ضد الفتنة الطائفية بين المصريين مسلمين و مسيحيين, و أي شخص يعمل على بذر بذور الفتنة الطائفية فهو يعمل ضد التاريخ و الجغرافيا… ترى هل يمكن لأحد أن يغلب التاريخ و الجغرافيا؟!

حسني مبارك صورة أرشيفية

أزمة الكهرباء في مصر والفتنة الطائفية

لو كتبت عن الأزمة التى أثارتها قضية إسلام كامليا شحاتة زوجة كاهن دير مواس، فأنا متأكد أن بعض القراء سوف يعلق بما معناه إحنا فى إيه ولا إيه كفاية علينا أزمة الكهرباء في مصر وأزمة الماء وغيرهما، والأحسن أن تكتب بشأنهما بدلا من قضية إسلام كاميليا شحاتة.

والواقع أن القضيتين مترابطتان من جانب مهم جدا وهو طبيعة نظام الحكم الذى يحكم البلاد، فأى نظام حكم وظيفته الأهم والأبرز هى إدارة الموارد (تنميتها وتنظيمها وتوزيعها) وهذه الموارد لا تشمل الموارد الاقتصادية فقط ولكن تشمل أيضا الموارد السياسية، ومن هنا فإن ما يجرى من سوء فى إدارة الموارد وعدم عدالة توزيعها لا يقتصر فقط على الموارد الاقتصادية بل هو يشمل أيضا الموارد السياسية من مشاركة فى صنع القرار الوطنى و حريات عامة سياسية وشخصية ودينية وعدالة وغير ذلك.

فنظام حكم الحزب الوطنى الحاكم حول البلاد لمجموعة دويلات لها تميزها فى الحصول على ما تشاء من موارد اقتصادية وسياسية بينما هناك دويلات الفقراء الذين لا يحصلون على شىء من هذه الموارد لا الاقتصادية ولا السياسية.

فمثلا هل يمكن لفقراء مصر أن يؤثروا فى صنع القرار العام فى مصر بنفس درجة تأثير البابا شنودة أو أى رجل أعمال بارز من الحجم الثقيل؟ وهل يمكن لأى مزارع أو بدوى مصرى أن يحصل على مساحة واسعة من أراضى الصحراء بنفس السهولة والحرية والمميزات التى يحصِّلها أى دير قبطى أو أى رجل أعمال من الوزن الثقيل؟

وفى هذا الإطار يمكننا فهم قضية كامليا شحاتة ووفاء قسطنطين وكافة القبطيات اللاتى تحولن للإسلام وقامت الدولة بالقبض عليهن وتسليمهن قسرا للكنيسة القبطية التى اعتقلتهن بحجج مختلفة فى كنائس وأديرة لا تخضع للقانون المصرى ولا للقضاء المصرى كما هو واضح من تصرفات الكنيسة القبطية بصفة عامة فى السنوات الأخيرة.

طبعا تصريحات كثيرة صدرت عن مصادر كنسية بأن كامليا شحاتة أو وفاء قسطنطين أو غيرهما لم يسلمن ويستدل بها المغفلون والمتغافلون على أن هؤلاء النسوة لم يسلمن وتتناسى هذه المصادر الكنسية بل قل الكنيسة القبطية أنهم هم وكنيستهم جميعا متهمون بقهر وقمع عدد من النسوة لمنعهن من ممارسة حق مهم من حقوقهن هو حق حرية الاعتقاد وهو حق كفله الدستور والقانون المصرى، فضلا عن جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان فكيف سيصدقهم أحد، ثم كيف يصدقهم عاقل بينما هم مستمرون فى هذا القمع لحرية الاعتقاد ومستمرون فى حبس كل من تختار ترك المسيحية لأى سبب من الأسباب، فلماذا يعلنون هم أن كامليا شحاتة أو وفاء قسطنطين غير مسلمة وهم مستمرون فى اعتقالها (بل هناك إشاعات أن وفاء قسطنطين قد قتلت تحت التعذيب بأحد الأديرة) لماذا لا يتركونها تعيش بحرية كمصرية حرة وتقرر هى ما تريد أن تعتقده وتعلن هى حقيقة هذا القرار؟ أليس كل هذا دليل على أنهن أسلمن ومحتجزات لدى الكنيسة لهذا السبب.

وعندما وجدوا أن الوضع بات أشد ضغطا عليهم بشأن إسلام كامليا شحاتة دخل الأزهر على الخط ووجدنا المسئول عن إشهار الإسلام بالأزهر يزعم أن كامليا لم تتقدم بطلب لإشهار إسلامها ويتناسى هذا الشيخ أن الإسلام لا ينعقد فقط بالتسجيل فى الكشوف التى لديه، فالمسلمون دأبوا على الإسلام قبل اختراع هذه الكشوف وقبل وجود الأزهر نفسه ولم يطعن أحد فى هذا الإسلام كما أن هذا الشيخ وموظفيه متهمون بأنهم عرقلوا إسلام كامليا فهم خصوم لكامليا فكيف نصدق كلام خصم لها من شأنه أن يضرها بلا دليل.

نرجع للكهرباء، كما شاب الفساد طريقة إدارة الموارد السياسية للبلاد فميزت فئات على فئات فى السياسة فهى فعلت الشئ نفسه بشأن الاقتصاد فميزت رجال الأعمال الموالين لها وللحزب الحاكم على سائر الشعب فانهارت شبكة الكهرباء على دماغ الفقراء لصالح المقاولين والشركات التى نفذت هذه الشبكة بنقود الشعب فنفذوها دون المواصفات، كما ميزت الحكومة إسرائيل على الشعب فأمدتها بالغاز المصرى بدلا من أن تمد محطات الكهرباء المصرية به، وأيضا ميزت رجال الأعمال وإسرائيل أيضا الذين ظلوا يعرقلون المشروع النووى المصرى فاستجابت لهم الدولة إذعانا للامتيازات التى تتمتع بها إسرائيل ورجال الأعمال فى مصر.

وهكذا تعيش مصر أزهى عصور الامتيازات التى يختص بها المحظوظون دون أغلبية أبناء مصر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا الموضوع في موقع جريدة اليوم السابع.

محمود عباس أبو مازن

فلسطين وأوهام السياسة العربية

بدأت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة غير المباشرة على أساس أجندة سياسية تعتمد على أساس أن تسير المفاوضات تقريبية بشكل غير مباشر لمدة أربعة أشهر، وبعد ذلك يتم الانتقال إلى “المفاوضات المباشرة” إذا ما تحقق تقدم، وإذا ما أجاب نتنياهو على “أسئلة الأمن والحدود”، كما على النحو الذى طالب به الفلسطينيون، ولم يمض أكثر من شهرين حتى انتقل الإسرائيليون والأمريكيون إلى المطالبة بالدخول فى المفاوضات المباشرة، دون أن تتقدم تلك المحادثات التقريبية خطوة واحدة.

ولاحظنا هجوماً ثلاثياً أمريكيا وإسرائيلياً وأوروبياً مركزاً منسقاً على السلطة والعرب لإجبارهم على الذهاب إلى المفاوضات المباشرة.. فماذا كان رد فعل السلطة الفلسطينية؟

رئيس السلطة محمود عباس توجه للدول العربية ممثلة فى الجامعة العربية فى مسعى تكلل بحصوله على موافقة العرب على توجه السلطة للمفاوضات المباشرة دون شروط، وذلك عندما وافقت لجنة مبادرة السلام العربية قبل أسبوعين تقريباً على ذلك، وإن تركت توقيتها وكيفيتها لرئيس السلطة.

ثم عاد محمود عباس يعلن أنه كى يعود للمفاوضات المباشرة بلا شروط، فإنه يريد دعماً سياسياً من الدول الكبرى، مطالباً الرباعية (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى وروسيا) أن تكرر بيانها الذى أصدرته فى مارس الماضى، والذى يدعو إسرائيل لوقف الاستيطان والتوصل إلى اتفاق خلال 24 شهرًا.

وتقول السلطة، إنها تريد دولة فلسطينية على أراضى 1967 عاصمتها القدس الشرقية على أساس حل الدولتين، وهو حل لا شك أن الاستيطان يعوقه، أما نتانياهو فهو لم يعلن حتى الآن تجميد الاستيطان.

وقال رئيس دائرة المفاوضات فى منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، إن السلطة تريد محادثات مباشرة لكن “بجدول أعمال محدد وسقف زمنى محدد، وأن تقوم إسرائيل بوقف الاستيطان بما يشمل القدس، وقبول مرجعية الدولتين على حدود عام 1967 مع تبادل متفق عليه”.

ونسى عريقات أو تناسى أن الضغط الإسرائيلى والمؤيد من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى هدفه شىء واحد محدد هو عودة المفاوضات المباشرة بلا قيد أو شرط.

وأثناء ذلك كله وبعده يمكننا قراءة الأخبار التالية فى مختلف وسائل الميديا: “قالت الخارجية الأمريكية إن الوزيرة هيلارى كلينتون بحثت بيان الرباعية مع الأمين العام الأممى بان كى مون ومبعوث الرباعية تونى بلير ووزير الخارجية الروسى سيرغى لافروف.

وقال المتحدث باسم الخارجية فيليب كراولى إن واشنطن تؤيد إصدار مثل هذا البيان إذا كان يسمح بالانتقال إلى المحادثات المباشرة”.

“قال نتنياهو فى لقاء مع ميتشل فى القدس إنه متمسك بالمفاوضات المباشرة، وهو هدف تتشاطره معه الإدارة الأمريكية، كما قال المبعوث الأمريكى”.

فلماذا هذا التكالب الثلاثى على إجبار الضحية للذهاب إلى مفاوضات ميئوس من نتيجتها؟! ولماذا كثرة الكلام عن هذه المفاوضات وخطواتها رغم أن كل هذه المفاوضات أموراً فارغة وليس لها أى مضمون و لن تحقق أى هدف؟

فى الواقع فإن الحكومة الإسرائيلية تطبق فى هذا المجال مقولة لوزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كسينجر، قال فيها “أوهم الآخرين بأنك تتحرك فى حين تكون ثابتا”، وهذه المقولة واضح أنها أساس التحركات الأميركية-الإسرائيلية المشتركة فى حدوتة المفاوضات، وذلك ليس تطورا طارئا على السياسات الإسرائيلية أو الأمريكية فى المنطقة، بل هى إستراتيجية إسرائيلية وأمريكية و أوروبية ثابتة بشأن العمليات السياسية (و الاقتصادية أحيانا) فى العالم الاسلامى منذ أن تدهورت قدراته ومكانته السياسية والإستراتيجية.

ولعل السؤال الذى يطرح نفسه الآن هو ما الغاية من هذه الاستراتيجية التى يمارسونها تجاهنا؟

الإجابة بسيطة لكنها مؤلمة وهى: أنهم يمارسون علينا عمليات التخدير لئلا نيأس فنلجأ إلى استراتيجيات وتكتيكات أخرى فى أى عملية سياسية على نحو مضاد لأهدافهم ومصالحهم، وكلنا يذكر مؤتمرات القمة العربية الطارئة أو المنتظمة التى لا تنتج أى شىء مفيد للعالم العربى أو للقضية الفلسطينية والتى رغم ذلك تتكلف مئات الملايين من الدولارات كان أطفال فلسطين أولى بها، ولكنها طبعاً مفيدة لأمريكا وإسرائيل لأنها قطعا تخدر الشعوب العربية التى تظل تنتظر وتنتظر النتائج والتحركات والقرارات العربية دون أن يتحقق شىء ودون أن تيأس الشعوب العربية فتلجأ إلى طرق وأساليب أخرى لحل مشاكلها أملاً فى الجامعة العربية وقراراتها، لذلك فإنه ما لم تفهم الشعوب العربية حقيقة هذه الأوهام السياسية فإنها ستظل تنتظر وتنتظرإلى يوم القيامة دون أدنى جدوى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت في موقع جريدة اليوم السابع.

رجب طيب أردوغان في تركيا

رجب طيب أردوغان ماذا يفعل في تركيا و المنطقة؟

منذُ أيام وجَّه الدكتور أيمن الظواهري -الرجل الثاني في شبكة القاعدة- اللَّوْم للحكومة التركيَّة التي يقودها رجب طيب أردوغان بشأن العديد من القضايا، من أول مشاركتها في حرب الناتو على أفغانستان، وحتى تسييرها أساطيل الحرية لفك الحصار عن غزة, وتزامن هذا اللوم مع فترة حساسة سياسيًّا في الداخل التركي، بعدما أمرتْ محكمة تركية مؤخرًا باعتقال أكثر من مائة من المتَّهَمين في التخطيط لانقلاب عسكري على حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ذي الجذور الإسلاميَّة, وجاء على رأس هؤلاء المتهمين عددٌ من أكبر وأبرز قادة الجيش السابقين والحاليين, وجاء هذا في إطار القضيَّة المعروفة باسم المطرَقَة الثقيلة التي اتُّهم فيها عدد من أبرز رموز العلمانيين بالجيش ومراكز مدنِيَّة هامة أخرى, ويأتي هذا الإجراء الأخير بعدما أمرت محكمة تركية عليا أخرى منذ نحو شهر بالإفراج عن نفس المتَّهَمين فيما ظهر وكأنه صراع بين قُوى متصارعة داخل الهيئة القضائية بعضها مناوئ لحزب العدالة ومساند للقوى العلمانية وبعضها موالٍ لحزب العدالة، ومناوئ للعلمانيين الذين ظلُّوا قرابة سبعين عامًا منذ أتاتورك وحتى الآن يحتلون أبرز مراكز النفوذ والتأثير في الجيش والشرطة وهيئات التدريس في الجامعات، فضلًا عن مناصب القضاء.

وفي 12 سبتمبر المقبل يجري استفتاء عام في تركيا على الإصلاحات التي يقول أردوغان أن هناك حاجةً إليها لكي يصبح الدستور متماشِيًا مع الديمقراطيات الأوروبية, وتشمل هذه الإصلاحات بشكلٍ أساسي طريقة تشكيل المحكمة الدستوريَّة واللجنة العليا للقضاة والادِّعَاء والطريقة التي تحدّد انتخاب الأعضاء فيها وأسلوب إلغاء حزب ما من الأحزاب السياسية أو تجميده أو وقفه عن العمل السياسي, وتعارض المعارضة -التي هي في الحقيقة علمانية- هذه التعديلات الدستورية بحجَّة أنها من شأنِها أن تحكم سيطرة حزب العدالة والتنمية على الحكم.

أردوغان ذو الخلفيَّة الإسلامية والتاريخ النضالي الإسلامي تحت قيادة أستاذِه أربكان هل هذا فقط ما فعله ويفعلُه منذ وصولِه للحُكْم قبل ثماني سنوات عبر انتخاباتٍ نيابية كانت نتيجتها مفاجئةً في البداية؟

لا يَعنينا هنا ما يُقال عن دورٍ تركي متنامٍ في الشرق الأوسط والمنطقة العربية, أو موقف بدا للبعض بطوليًّا إزاء الطغيان الإسرائيلي والعَجْرَفة الصهيونية، كما لا يعنينا ما يُقال عن تنامي العلاقة التركية مع سوريا أو إيران… الذي يهمُّنا هو التساؤل عما عسى أن يكون قدَّمه أردوغان وحزبه الموصوف بالإسلامِي للقضية الإسلاميَّة، خاصةً في شقها السياسي, فغاية كل حركة إسلاميَّة تسعى للحكم هو تطبيق الشرع الإسلامي في الحُكْم, والسير سياسيًّا واقتصاديًّا بمقتضاه, الكثير من الإسلاميين بكل أطيافهم الفكرية انزعجوا من النمط والشكل غير الإسلامي الذي بدا عليه حزب العدالة والتنمية في الكثير من ممارساتِه وقوانينه وسلوكه التشريعي والدولي, فمن الرضوخ للضغوط الأوروبية بالامتناع عن حظر الزنا إلى تعاونِه من خلال الناتو في الحرب على أفغانستان وغير ذلك الكثير, فهل هذا يعني أن أردوغان وحزب العدالة مُعادٍ للإسلام أو على الأقلّ غير معنيٍّ بالحكم وَفْقَ أحكام الشريعة الإسلامية التي هي جوهر الهدف الإسلامي الأسمى في كل العصور وعبر كل الحركات الإسلامية؟

أم أن حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة أردوغان قد عدل في العقيدة الإسلامية ليجعل إقامة حكم الشريعة وعودة الخلافة الإسلامية الراشِدة على منهاج النبوَّة أمورًا ليست هامة، وبذا رسَّخ ما اعتبره بعض المراقبين (بما فيهم أوروبيون وأمريكان) أنه تيار إسلامي سمُّوه بالعلماني؟

أغلب الإسلاميين العرب من كل التيارات غير راضين عن أداء ولا أفكار حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة أردوغان, لأنه لم يجسِّد الحلم الإسلامي في مجال الحُكم لا في سياسته الداخلية ولا الخارجية, حيث في الداخل الدعارة والزنا مباحان والشريعة غيرُ حاكمةٍ بصفة عامة, وحيث في الخارج علاقاته الوثيقة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو والسعي الحثيث للالتحاق بالاتحاد الأوروبي.

أعداء أردوغان وحزب العدالة في داخل تركيا يعتبرون أن الحزب ماكر وله أجندة خفيَّة لتحويل تركيا إلى الحكم الإسلامي عبر خطَط مَاكِرة ومتدرِّجة وغير متعجِّلَة.

ولفهم ما يجري في تركيا على يد العدالة والتنمية ينبغي ألا نقف كثيرًا عند إجابة سؤال: ماذا يفعل أردوغان وحزب العدالة في تركيا؟

لأن الاقْتصار على ذلك سيُدْخِلنا في نفس الحلقة المفرَغة من الجدل الذي عرضنا له في السطور السابقة.

إذنْ فلنركز أكثر على إجابة سؤال آخر هو: ما هي أهم النتائج التي ستسبب فيها أعمال حزب العدالة والتنمية في تركيا في الفترة المقبِلة؟

لنرجعْ مرة أخرى لفهم حقيقة وجوهر الإصلاحات الجديدة للحزب, فجوهر الإصلاحات الجديدة من شأنها التغيير من بنية المحكمة الدستورية بزيادة عدد أعضائها الحاليين وتغيير طريقة تعيين أعضائها بحيث لا تظلُّ المحكمة الدستورية تتفرد بأعضائها الحاليين بالرقابة والهيمنة على قرارات البرلمان أو أي قرارات أخرى ولا تظلّ عقبة أمام أي تعديلات منطقية في الدستور أو القوانين, كما أن الإصلاحات الجديدة تفعل الشيء نفسَه مع المجلس الأعلى للقضاة والمدّعين العامين الذين يشكِّلُون مع المحكمة الدستورية دولة داخل الدولة بعد صعوبة قيام العسكر بانقلابات عسكرية, فالمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء أصبحا الأداة الوحيدة لدى العلمانيين لعرقلة خطوات حزب العدالة والتنمية في تغيير القوانين.

ومن أهمّ التعديلات الجديدة محاكمة العسكريين الذين لا يزالون في خدمتهم أمام محاكم عسكرية إذا لم يقتصر الجرم على شئون عسكرية فقط.

أيضًا سيكون الأتراك في 12 سبتمبر بالذات، ذكرى انقلاب 1980 العسكري، أمام فرصة تصفِيَة الحسابات مع قادة الانقلاب، بحيث لا يتجرأ، أو هكذا يفترض، أي جنرال عسكري على القيام بانقلاب عسكري جديد لأن المحاكمة ستنتظرُه، بينما كان القانون السابق يستثني قادة انقلاب 12 سبتمبر من أي محاكمة.

يُضاف إلى ذلك ما فعله حزب العدالة من تخفيف القيود عن الحجاب والشعائر الإسلامية في الجامعات والمصالح الحكوميَّة, ومنع أو تخفيف عمليات الفصل من العمل التي كانت تَطَال المتعاطفين مع العقيدة والشريعة الإسلامية في أجهزة الأمن والقضاء والجامعات.

ويمكنُ أن نلاحظ بسهولة نتائج وأثار ما يفعلُه حزب العدالة والتنمية في تركيا في مجالَيْن:

الأول- المجال الدستوريّ والقانوني المتعلِّق بنظام الحكم, وهنا نجد أن هذه الحزمة من الإصْلاحات التي سيتمُّ الاستفتاء عليها وغيرها من الإصْلاحات الدستوريَّة التي رسَّخَها حزب العدالة والتنمية من قبلُ أو يسعى لترسيخها مستقبلًا بزعامة أردوغان ستؤدي جميعها إلى تقلُّص النفوذ العلماني في الجيش وأجهزة الأمن وأجهزة القضاء، كما أنها ستحمي القُوى الإسلامية التركية السلميَّة، وتفسحُ لها المجال في هذه الأجهزة وكذلك في الجامعات والبرلمان, وستعملُ على منع تكرار حظر الأحزاب الإسلامية عبر القضاء، فضلًا عن الانقلاب عليها عبْر الجيش.

الثاني- المجال المجتمعي (إن جاز التعبير), حيث ستفسح إجراءات تخفيف القيود عن الحجاب والتديُّن في الجامعات والمصالح الحكومية لمزيدٍ من انتشار الدعوة الإسلامية والعمل الإسلامي الداعي لأسْلَمة المجتمع.

وتحقق هاتان النتيجتان أمرًا مهمًّا لا يُقلِّل من أهميتهما أنهما أقلّ من الطموح الإسلامي الواجب شرعًا، وهو الحُكْم بالشَّرْع الحنيف كاملًا دون نقْص, لأننا الآن لا نحدِّد ما نريد، لكننا نصف واقعًا جديدًا ستئولُ إليه أسوأُ دولة علمانية في العالم الإسلامي، بل أول من أدخل العلمانية للحُكْم في العالم الإسلامي وروَّجَ له بالتطبيق, كما أننا لا نناقش الآن ما كان ينبغي أن يفعَلَه أردوغان والعدالة أو ما كان يمكنُهُما فعلُه, إنما نحاول أن نفهمَ حجم ما تَمَّ فعلًا.

ولا ننسى في هذا الصَّدَد قاعدة فقهية هامة، وهي أن الضرورات تُبيح المحظورات, وتركيا كان يُسيطر عليها العلمانيون بالحديد والنار, وحتى حزب العدالة نفسه سَعَوْا لحظره قضائيًّا ففشلوا, كما سعوا للقيام بانقلاب عسكري عليه ففشلوا حتى الآن, وهذه قصة أخرى جديرة بالدراسة لنعلم كيف تغلب العدالة والتنمية التركي على الجيش والقضاء، ولاعب مع ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.

جمال مبارك و علاء مبارك

خلافة مبارك و رجاله

عاد الحديث من جديد هذا الأسبوع عن مستقبل نظام حكم الرئيس مبارك و عن من سيخلف الرئيس في حكم البلاد لاسيما و أن صحفا أجنبية على رأسها مجلة الاكونوميست البريطانية و موقع قناة cnn الأمريكية قد تكلموا عن شائعات تتعلق بصحة الرئيس, و أيا كان الأمر فالله تعالى جعل لكل حي نهاية طال عمر صاحبها أم قصر, و لكن أنظمة الحكم لا تتحدد وفق شخص واحد فقط, فكلنا لاحظنا أن رجال حُكْم الرئيس أنور السادات هم رجال حُكْم الرئيس حسني مبارك, بل إن الكثير من رجال حُكْم الرئيس جمال عبد الناصر صاروا رجالا ل أنور السادات و من عاش منهم لعصر حسني مبارك استمر كجزء من منظومة الحكم في عهده.

رجال حُكْم حسني مبارك 

و ايا من كان سيخلف الرئيس حسني مبارك في الحكم فإن رجال حُكْم حسني مبارك سيستمرون ضمن منظومة الحكم بشكل أو بآخر, لأن الرئيس الجديد لابد له من منظومة يعمل من خلالها و المنظومة الحالية موجودة و جاهزة و لا مبرر للتخلص منها اللهم إلا إذا كان القادم الجديد لديه مشروع تغييري و جاء مقتنعا بحتمية اجتثاث رجال الحكم الحالي و احلال آخرين من غيرهم, أما لو أراد تغييرهم لمجرد عدم ثقته بهم فقط من جهة مدى ولائهم له فهذا لن يؤدي للتغيير لأنهم جميعا سرعان ما سيغيرون جلدهم و يبذلون الولاء له لأن دينهم هو كرسي الحكم فهو مصدر ثروتهم و ولي نعمتهم, و حتى لو اجتث القادم الجديد رجال الحكم الحالي و أحل مكانهم آخرين فلا توجد أي ضمانة تضمن لنا أن الفساد لن يتسلل لقلوب و سلوك القادمين الجدد لمنظومة الحكم, صحيح أن طول المكث في الحكم دون رقابة و لا محاسبة يولد الفساد, لكن الفساد عندنا عشش في منظومة الحكم من اول البواب و حتى أعلى مستوى و مستحيل أن يغير القادم الجديد كل الموظفين من أول البواب و حتى الوزير مهما كانت نيته حسنة و مهما كان يريد التغيير, و الأهم من ذلك كله أن الأوضاع التي خلقت الفساد المالي و الاداري و الترهل و عدم الفاعلية الادارية و تقديم أهل الواسطة على أهل الخبرة و التخصص كل هذه الأوضاع ستظل سائدة و تفرخ الشياطين ما لم يتم الغائها و اقامة قواعد و اسس جديدة تقوم على العدل و الشفافية و تقديم و تقدير أهل العلم و الخبرة و إلغاء الوساطة و المحسوبية و تدعيم أليات الرقابة الشعبية و الادارية و المالية.

التغيير والشعب

القادم الجديد مهما كان لديه الدافع القوى للتغيير إلى الأحسن فهو لن يتمكن من احداث هذا التغيير في الآليات مالم يكن له سند شعبي قوي لا ليسانده فقط ضد قوى الظلام و الفساد التي تعشش في أروقة الحكم و لكن أيضا كي تستفزه دائما للتغيير و لإتمام مشروع التغيير بكل آلياته بدلا من الركون لراحة ابقاء الوضع على ما هو عليه, التغيير بهذا المعنى هو تغيير دستوري يؤدى لدعم الحريات العامة و اتاحة و دعم انتخابات حرة لنواب الشعب على كل المستويات سواء في النقابات و النوادي المهنية و الجامعات و المجالس الجامعية و المحلية أو على مستوى مجلس النواب أو على مستوى الرئاسة, و كذلك لابد ان يتيح الدستور و القانون مراقبة و محاسبة كل السلطات سواء التنفيذية أو القضائية فلا أحد فوق المسائلة بما في ذلك الرئيس.

التغيير لا ينبغي فقط أن يكون في الآليات التي تحكم و تسير منظومة الحكم بل هناك تغيير الواقع الاقتصادي و الاجتماعي الذي صنعه الحكم الفاسد الآن, فاموال الدولة التي تم نهبها لابد أن تعود للدولة سواء كانت شركات أو مصانع أو أراض بيعت في صفقات مشبوهة أو سواء كانت تسهيلات بأشكال مختلفة تم تمريرها لرموز المنظومة الحاكمة الحالية ليبنون بها ثرواتهم المشبوهة و يعلون بها على رقاب العباد و يصيحون هل من مزيد, و تغيير الواقع الاجتماعي و الاقتصادي لابد أن يشمل اشباع حاجات الطبقات الفقيرة التي طحنها الجوع و المرض في ظل النظام الحالي كما لابد و أن يعوض الطبقة الوسطى التي كاد النظام الحالي أن يدفعها للتسول من شدة الحاجة بعدما اعتصرها حتى آخر قرش لديها.

بدون تغيير آليات الحكم و الرجال الذين يمثلون منظومة الحكم و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية التي صنعها الحكم بدون ذلك كله فلا كلام عن أي تغيير الا من باب الخداع و تبييض وجه القادم الجديد أيا كان.

القوي الشعبية المعارضة الفاعلة

أما القوي الشعبية المعارضة الفاعلة فإن مسئوليتها تتلخص في الوعي بذلك و نشر هذا الوعي و تعميمه على كل طوائف الشعب و النضال من أجله, ففرصة التغيير لن تأتي من السماء على طبق من ذهب للحالمين و للكتاب السطحيين الذي يبسطون الأمور, لابد من الوعي بحقيقة التغيير المنشود و كذلك الوعي بحقيقة التغيير الذي ربما يحدث اليوم أو غدا.

لاشك انه لو تغير الحاكم غدا و سعى لتبييض وجهه في بداية حكمه ببعض التغييرات الشكلية فإن كوكبة الكتاب و السياسيين المعارضين سيدركون بعد وهلة بسيطة أن هذا مجرد دجل سياسي و لا يمثل تغييرا حقيقيا لكنه سيكون من المفيد جدا لحركة المعارضة و مشروعها التغييري أن تدرك حقيقة و مدى التغيير من أول دقيقة حتى تبني موقفا سياسيا جماهيريا سليما من القادم الجديد من أول لحظة يضيع عليه فرصة أن ينعم و لو لساعة بتبييض وجهه.

لو جاء جمال مبارك للحكم خلفا لأبيه أو حتى لو جاء غيره و استمرت منظومة الحكم بنفس الآليات الحالية لن يتغير شئ لكن على المعارضة أن تستخدم ذلك لتكتسب زخما جديدا و مصداقية أكبر و أرضية جماهيرية أوسع و هذا حديث يطول و من ثم فله مجال آخر ان شاء الله لأن المساحة انتهت الآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 نشر هذا الموضوع في جريدة الدستور المصرية.

مصر

مصر أبيض و أسود و ألوان .. 3 أصناف مجتمعية

في مصر وزراء يتحايلون بأساليب شتى و يبيعون بطرق مختلفة أراض و أشياء عديدة ملك للدولة, يبيعونها لمحاسيبهم أرخص من التراب, و الدولة بأجهزتها الرقابية العديدة التي تعد الأنفاس على معارضيها تغط في نوم عميق ازاء ما يقوم به السادة الوزراء و غيرهم من كبراء الحزب الوطني من التربح من مناصبهم عبر أملاك الدولة, إذ بعد مهزلة بيع القطاع العام و المشروعات الانتاجية التي كانت تمتلكها الدولة أرخص من التراب, اتجه الكبراء إلى بيع أراضي الدولة بنفس الطرق المشبوهة أو لنقل الموصومة, حكى لي بعض العاملين السابقين بمصنع منتجات زيوت القطن بالقناطر الخيرية أن الشركة كان لها فرعان و كان مكسب الفرعين سنويا يزيد على 30 مليون جنيها صافيا, فتم بيع الفرعين لمستثمر بمبلغ 70 مليون جنيه فقط, كما أعطوا المشترى حرية تصفية المصنع إذا وجد انه غير مربح و بيعه كأرض سكنية, و لينظر القارئ الكريم لهذا البند الاعجازي, فالمفروض نبيع مصنع و نشترط على المشتري أن يضخ استثمارات جديدة و يشغل عمال اضافيين, لكننا بالعكس نعطيه حق تصفية المصنع و بيعه أرض كأرض سكنية رغم ما نعرفه عن ارتفاع سعر الأرض السكنية لا سيما عندما تكون على كورنيش النيل في القناطر كما هو حال هذا المصنع البائس, وفعلا لم يكذب المستثمر المزعوم الخبر, فأوقف انتاج المصنع لسنة, فخسر المصنع فباع ماكينات خطوط انتاجه بعشرات الملايين, و سرح عماله, و باع الأرض كأرض سكنية بسعر للمتر لا يقل عن 4 آلاف جنيه و يقال أن مجموع سعرها بلغ أكثر من مائة مليون, هل نرى أن هذه صفقة مشبوهة؟ طبعا مشبوهة جدا.. فأين أجهزتنا الرقابية.. أين الجهاز المركزي للمحاسبات و أين النيابة الادارية و أين الأجهزة الأمنية و أين النيابة العامة.. بل أين الضمير العام و الخاص في مصر كلها؟

و أيا كان الأمر:

لقد أسمعت إذ ناديت حيا .. و لكن لا حياة لمن تنادي

مصر ليست هي فقط رجال الأعمال الطفيليين

و من ناحية اخرى فمصر ليست هي فقط رجال الأعمال الطفيليين الذين كونوا ثرواتهم عبر نهب الثروات المصرية العامة دون أن يتحملوا مشقة العمل الجاد المنتج و المفيد, فمصر فيها رجال آخرون بذلوا و مازالوا يبذلون الغالي و النفيس من أجل عزة هذا الوطن و تقدمه و رفعته, و يأتي على رأس هؤلاء العلماء الأجلاء في أروقة الجامعات و غرفات المعامل و مراكز البحوث المحترمة المتعددة, فمن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر العلماء الذين توصلوا لاستنباط سلالات من القمح و الأرز و الذرة يمكن زراعتها بالماء المالح، وفي أي نوع من التربة مهما كانت قاحلة، من أجل إنتاج سلالات أكثر تحملا للملوحة والجفاف، وذلك بغرض توفير المصادر المائية لاستخدامها لري محاصيل أخري، وكذلك إمكانية استخدام مصادر أخري للري مثل مياه الصرف الزراعي ومياه الآبار و مياه البحر ذات الملوحة المرتفعة، و من هنا يمكن زراعة ملايين الأفدنة في الصحراء المصرية القاحلة عبر ريها بماء البحر (و هي كثيرة لا تنفد بإذن الله), و للقارئ الكريم أن يتصور حجم وفرة الانتاج الزراعي التي سوف تحدث لو زرعنا الصحراء بماء البحر من هذه المحاصيل الثلاثة لا سيما أنه باستمرار البحوث ممكن استنباط أنواع من المحاصيل الأخرى كالخضروات مثلا يمكن أن تروى أيضا بالماء المالح.

و هناك العالم المصري الآخر بالمركز القومي للبحوث الذي ابتكر فكرة تنقية مياه الصرف باستخدام ورد النيل الذي عادة ما يمتص الرصاص من الماء و يتغذى عليه, كما ابتكر طريقة لصناعة الطوب من ورد النيل الذي من المنتظر أن يتكاثر و يُنْتَج بوفرة من الأحواض التي سوف تُسْتخدم في تنقية مياه الصرف.

آلاف المخلصين الجادين

و هناك آلاف العلماء و الفنيين المتخصصين في الطاقة النووية الذين يعانون من المرتبات الهزيلة و الأدوات و المعدات و المعامل الأكثر هزالا و مع ذلك مازالوا يعملون بدأب و مثابرة من أجل خدمة هذا الوطن لا يبتغون سوى الخير لهذا البلد حتى و لو على حساب راحتهم الشخصية هم و أسرهم في زمن أصبح أجر الراقصة أو لاعب الكرة في شهر أكبر من أجر ألف عالم نووى مصري في أعوام.

ليس هدفي من ذكر هذه النماذج أن اطالب الحكومة بالالتفات لهذه الأبحاث و هؤلاء العلماء و العمل بمقتضى أفكارهم الخلاقة, لأنني فقدت أي أمل في أي حكومة يشكلها الحزب الحاكم, و أيقنت أن قادة و كبراء هذا الحزب لا يبغون غير مصالحهم الشخصية الضيقة التي تخصهم هم و اسرهم, فكبراء الحزب الحاكم لا تحركهم فقط شهواتهم الشخصية بل يكمن وراء هذه الشهوات عقل ضيق يتسم بالجمود و التقليدية و هذه التقليدية محكومة بطريقة تفكير أسيرة للفكر الرأسمالي الغربي الكلاسيكي أو لنقل لا تعرف سوى التبعية الفكرية للفكر الاقتصادي الذي يسوقه لهم سادتهم في البنك و صندوق النقد الدولي و المؤسسات الاقتصادية الأوروبية و الأمريكية, فكل طموحهم هو ترويج اقتصاد الخدمات و على رأسها السياحة و الترفيه, و هو اقتصاد غير مستقر و غير مضمون لأنه عرضة للتقلبات الدولية, أما الاقتصاد المنتج الحقيقي من زراعة و صناعة و توطين التكنولوجيا المتقدمة فهذا ليس فقط بعيد عن عقول سادة و كبراء الحزب الحاكم بل هو بالأحرى بعيد عن ذقونهم.

إن هدفي من ذكر كل هذه النماذج المشبوهة و المخلصة هو ان أنبه ان مصر ليست كلها ظلام لكن فيها هذا و ذاك, صحيح أن الغلبة أو الظهور الآن للشر لكن لاشك ان لكل شر نهاية, كما أن نماذج الخير الموجودة في البلد لا بد أن تشجع عامة الشعب و خاصة الشباب على اتخاذ هذه النماذج الخيرة كقدوة لها و أن لا يفتتنوا بسادة و كبراء الحزب الحاكم حتى لا يأتوا يوم القيامة فيقولوا: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}الأحزاب67.

مصطفى أبو اليزيد

قيادة منظمة القاعدة هل يتولاها سعودي أو باكستاني بعد مصرع أبي اليزيد؟

ما مصير قيادة منظمة القاعدة بعد مصرع مصطفى أبو اليزيد؟؟، إذ عندما تولى مصطفى أبو اليزيد القيادة العامة في منظمة القاعدة في أفغانستان اعتبرت كثير من المصادر الجهادية المطلعة ان هذا دليل على افلاس القاعدة عسكريا، نظرا لأن معظم أنشطة مصطفى أبو اليزيد انحصرت في السابق في المجال الاقتصادي حتى أنه اشتهر بين قادة و أعضاء القاعدة طوال الـ 15 عاما الأخيرة باسم الشيخ سعيد المحاسب بصفته كان يتولى أعمال الحسابات لأموال تابعة للقاعدة و لابن لادن شخصيا.

و الآن عندما أعلنت القاعدة نبأ استشهاد أبو اليزيد و زوجته و ثلاثة من بناته و حفيدته و عدد من جيرانه, فإن المسئوليين الأمريكيين أعلنوا بدورهم أن هذا نصر و انجاز أمريكي كبير في اطار الحرب على الارهاب, نفس الشئ لاحظناه سابقا بشأن أبي أيوب المصري عندما تولى القيادة العسكرية للقاعدة في العراق إذ سخرت بعض المصادر مما اعتبروه قلة خبرة أبي أيوب باعتباره مجاهدا شابا لم يكن ذا شأن هام في معسكرات جماعة الجهاد المصري في أفغانستان في التسعينات, فكيف به يصير على رأس قيادة القاعدة في العراق؟

و لكن عندما لقي مصرعه مؤخرا اعتبرت الولايات المتحدة و حلفائها العراقيين أن هذا نصر كبير لهم على القاعدة, و هذا كله دليل على أن الصراع بين القاعدة و بين الولايات المتحدة هو صراع ممتد لكنه يتكون من حلقات متوالية أو مسلسلة تسلم كل حلقة منها الاخرى في استمرارية واضحة.

الصراع بين القاعدة و الولايات المتحدة

الصراع بين القاعدة و الولايات المتحدة هو حرب طويلة و أي حرب لابد فيها من سقوط قتلى, و لكن الحادث حتى الان في هذه الحرب أن سقوط القتلي لا يؤثر في نتيجة أو مجريات الحرب بدرجة ملموسة فهي أشبه بحرب استنزاف صمد كل طرف من اطرافها ازاء الأخر و أظهر الجلد فلا يتراجع لمقتل قائد هنا أو هناك, فقد تم قتل أحد أعظم القادة العسكريين للقاعدة صبحي أبو ستة (المشهور بأبي حفص المصري) في القتال مع الناتو في افغانستان عام 2001 و تولي بدلا منه مصطفى أبو اليزيد و لم يؤثر ذلك في أداء القاعدة العسكري في أفغانستان و لا في العراق في مواجهة الناتو و حلفائه, و قتل أبو عمر البغدادي و أبو ايوب المصري و لم يؤثر ذلك على قدرات القاعدة في العراق و نفس الشئ حدث الآن حيث قتل مصطفي ابو اليزيد المعروف بأبي اليزيد المصري و الموجود على لائحة مجلس الأمن للجهات المحظور التعامل معها ماليا لصلتها بتمويل الارهاب و الموجود على قائمة المطلوبين الدوليين الأمريكية و قائمة المطلوبين لجهاز الامن المصري و مع ذلك فغدا أو بعد غد ستولي القاعدة مسئولا جديدا كقائد عام للقادة في أفغانستان ومن المتوقع أن تعلن عن ذلك خلال أيام او أسابيع فالقاعدة حتى الان نجحت في افراز و استنساخ قادتها, و كما عهدنا من سوابق تاريخ القاعدة فإن أدائها لن يتأثر بذلك و سيصير القائد القادم هو القائد الرابع منذ تأسيس القاعدة.

أبو عبيدة البنشيري

و كان القائد الأول هو أبو عبيدة البنشيري (غرق عام 1994 و اسمه الحقيقي علي الرشيدى مصري الجنسية) و خلفه ابو حفص المصري ثم خلفه أبو اليزيد المصري, لكن هل يكون القائد الرابع للقاعدة مصري ايضا أم ستذهب القيادة هذه المرة لسعودي أو يمني و هما الجنسيتان اللتان تمثلان العدد الأكبر بين مقاتلي القاعدة في افغانستان أم تغازل القاعدة الباكستانيين و تولي باكستانيا و تخرج القيادة العسكرية لأول مرة ليس عن المصريين فحسب بل عن العرب بعامة؟! تولية باكستاني أمر مستبعد باعتبار ان العرب لهم احترام غير عادي في قلوب الأفغان و الباكستانيين و هو أحترام سيحتاجه حتما القائد الجديد للمحافظة على استمرار العلاقات المتميزة بين القاعدة و حركة طالبان في كل من أفغانستان و باكستان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا التقرير  بجريدة الدستور المصرية.

الدمار في قطاع غزة صورة أرشيفية

من يحاصر قطاع غزة و من يكسر الحصار؟

من يحاصر قطاع غزة و من يكسر الحصار؟، لقد رددت بعض وسائل الاعلام مؤخرا أن عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية سوف يزور غزة قريبا, و لو صحت هذه الأخبار ستكون هذه هي الزيارة الثانية له في غضون أسبوعين، و الأمين العام للجامعة العربية كان قد زار غزة في منتصف يونيو 2010 و دعا لكسر الحصار عن قطاع غزة, و السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو : من يحاصر قطاع غزة حتى نقوم بكسر ذلك الحصار؟

معلوم أن اسرائيل لها حدود مع غزة من جهتين بريتين فقط هما الشمال و الشرق أما الغرب فبحر و مياه دولية وأما الجنوب فحدود الشقيقة مصر التي تتربع على معبر رفح الشهير, فلمن يوجه السيد عمرو موسى ندائه لكسر الحصار لاسرائيل أم لمصر؟

حدود غزة البحرية محاصرة من قبل القوات البحرية الاسرائيلية, و ليس لدى العرب و لا غيرهم ارادة سياسية لمواجهة عسكرية بحرية مع اسرائيل لكسر حصارها لشاطئ غزة على البحر المتوسط, و كلنا رأينا ما حدث مع محاولة الاختراق السلمي لهذا الحصار الاسرائيلي في موقعة أسطول الحرية.

أما حدود غزة البرية مع اسرائيل فلا أمل في فتحها عبر نداء السيد عمرو موسى فلمن يوجه موسى ندائه إذن؟

لم يبق سوى مصر التي تزعم زورا منذ 15 يوما أن معبر رفح مفتوح لأجل غير مسمى, فهل وجه موسى ندائه لمصر؟

لفهم ألاعيب السياسة العربية عامة و المصرية خاصة الكامنة وراء زيارة الأمين العام للجامعة العربية لقطاع غزة المحاصر منذ ثلاث سنوات لا بد من الرجوع بالذاكرة قليلا للخلف.

حيث سنلاحظ أن زيارة موسى جاءت متأخرة جدا إذ سبقته سلسلة طويلة من الزيارات لمسؤولين غربيين ودوليين سلطت الضوء على حصار غزة

– قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة غزة في 20 يناير 2009

– وأتبع بان كي مون هذه الزيارة بأخرى في 21مارس من العام الحالي.

– وفي أوائل فبراير 2009 زار قطاع غزة وفد من مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة السيناتور جون كيري.

– وفي 28 فبراير 2009 قام المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا يرافقه وزير خارجية النرويج يوناس غار شتور بزيارة قطاع غزة.

– و في أواخر أبريل 2009 اجتمع وفد برلماني إسكتلندي مع نواب من كتلة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) البرلمانية في زيارة للقطاع.

– وفي منتصف يونيو 2009، زار الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر غزة والتقى رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية.

– وفي منتصف يناير 2010، وصل قطاع غزة وفد من البرلمان الأوروبي ضم 56 نائبا ووزيرا يمثلون 12 دولة.

– وفي فبراير 2010، وصل وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن إلى قطاع غزة على رأس وفد مكون من عشرة أشخاص.

– وفي 18 مارس 2010 قامت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون بزيارة قطاع غزة بعد أن تراجعت إسرائيل عن منعها من هذه الزيارة عن طريق المعابر الإسرائيلية.

– وفي مطلع مايوالماضي وصل وفد حكومي من جنوب أفريقيا يرأسه إبراهيم إبراهيم نائب وزير خارجية جنوب أفريقيا إلى غزة و شملت الزيارة لقاء مع إسماعيل هنية.

و زيارة عمرو موسى هذه لم تأت في سياق تداعيات أسطول الحرية فقط بل إنها تاتي في سياق احساس العرب برسوخ قدم حماس في غزة بقدر لا يمكن اقتلاعها معه إذ سبق و زار وفد برلماني عربي يضم 47 برلمانياً قطاع غزة في يونيو أيضا, و من هنا يأتي التساؤل عن دلالات تحرك العرب “الرسميين” بعد ثلاث سنوات من حصار غزة؟ بالقطع هو ليس مجرد تقليد لخواجات و عرب و أتراك أسطول الحرية.

في واقع الأمر هناك عدة امور تدفع لتغيير موقف العالم الغربي (أوروبا و الولايات المتحدة) من حصار قطاع غزة

الأمر الأول- الزخم الواسع الذي طال تحركات العديد من قوى المجتمع المدني في أوروبا و العديد من دول العالم المساندة للحق الفلسطيني و خاصة حق قطاع غزة في الحياة, الأمر الذي دفع تحركات هذه القوى لدفع الأمور بالشكل الذي فضح القمع الغاشم الصهيوني كما حدث في كارثة أسطول الحرية مما كشف الوجه القبيح لاسرائيل الأمر الذي سبب احراجا لمناصريها في الغرب و خاصة الولايات المتحدة.

الأمر الثاني- ترسيخ حماس لوجودها القوي سياسيا و اجتماعيا بعدما كانت رسخت وجودها أمنيا و عسكريا عبر نجاحها في منع اسرائيل من اقتحام غزة في يناير 2009, و من هنا علم العالم اجمع بما في ذلك اسرائيل أنه لا مناص من التعامل مع حماس كأحد مفرادات الأمر الواقع على الأرض.

الأمر الثالث- اتجاه أوباما في استراتيجيته الجديدة الى عزل متطرفي القاعدة عن بقية المسلمين بما فيهم الاسلاميين الأمر الذي يحتم ابعاد حماس عن الانجذاب لمعسكر القاعدة الذي بدأ يتحرك على استحياء داخل قطاع غزة, و رغم أن حماس تسوق خطابا معتدلا يتجافى مع خطاب القاعدة إلا أن محاولات الاستمرار بعزل حماس قد تضعها في الزاوية الأمر الذي يحمل معه مخاطر دفعها لتغيير اتجاهها و لو بالتدريج.

الأمر الرابع- السعي لاحتواء ايران يلزم معه تفكيك محور تحالفاتها الاقليمية و لو بتحييد بعض الحلفاء و إذا كانت حماس اضعف حلفاء ايران في المنطقة فهي ليست أقلهم خطورة خاصة ازاء اسرائيل.

و من هنا نفهم أبعاد زيارة موسى لغزة , و لذلك نجد صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية تقول قبل زيارة عمرو موسى بيوم واحد “إن محمود عباس أبلغ الرئيس الأمريكي أوباما أنه يعارض رفع الحصار البحري عن غزة لأن ذلك “يقوي حماس”

و أنه “يوافق على فتح المعابر الحدودية في قطاع غزة وتخفيف الحصار ولكن بالطرق التي لا تؤدي إلى تقوية حماس”.

وقالت الصحيفة أن ” عباس شدد على رفع الحصار بالتدريج وبحرص شديد بحيث لا يظهر وكأنه نصر لحركة حماس”, و لم تنس الصحيفة العبرية بالطبع أن تقول أن مصر تؤيد موقف عباس بالكامل.

و لذلك كله نجد أن اسرائيل بدأت تتحرك تحت مسمى تخفيف الحصار عن قطاع غزة, و يركزون في ذلك على الجانب البري بينما ستستمر الحدود البحرية لغزة محاصرة لضمان السيطرة عل نوعية السلع التي ستسمح اسرائيل بدخولها للقطاع, و من المنتظر أن تسعى اسرائيل لتعزيز الحصار البحرى على غزة بقوات أوروبية تحت راية قوات دولية بذريعة الخطر الارهابي الناتج عن امكانية تهريب سلاح لما يسمى بالارهابيين الفلسطينيين في قطاع غزة عبر البحر, و تهدف اجراءات السماح بمزيد من السلع الغذائسة لغزة مع تدويل الحصار البحري إلى تبييض وجه اسرائيل الدولي بعدما أساءت له وقائع تصديها لأساطيل الحرية, أما الرسميون العرب فبسبب معرفتهم بهذا السيناريو الاسرائيلي فإنهم باتوا يهاجمون الحصار و يزعمون سعيهم لفكه بهدف تبييض وجوههم لدى شعوبهم و هم آمنون أن هذا لن يغضب اسرائيل و لا أتباعها في الولايات المتحدة و أوروبا بسبب سياسة اسرائيل الجديدة تجاه هذا الأمر, و في نفس الاطار يمكننا فهم التصريحات الأوروبية و تصريحات البيت الأبيض و تصريحات المبعوث الأمريكي ميتشل بشأن عدم قبول حصار غزة, في اطار تمثيلي عجيب و كأن حصار غزة لم يبدأ قبل ثلاث سنوات و إنما بدأ قبل يوم فقط, أم ترى هل كان القوم نائمون طوال ثلاث سنوات و لم يستيقظوا إلا الآن فقط.

مظاهرة احتجاجا على مقتل خالد سعيد

خالد سعيد و الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي

قضية خالد سعيد تتجسد فيها كل معاني السياسة المصرية القائمة على ديكتاتورية يحرسها قمع و تعذيب المواطنين و تتوازن في ذلك بشكل عجيب مع علاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة بكل ما يجسداه من نفاق بشأن قضايا الحكم الديمقراطي و الحريات و حقوق الانسان, فالاحتجاجات الشعبية بشأن مقتل خالد سعيد على يد الشرطة ممتدة منذ مقتله و حتى الآن, و مع ذلك لم تبادر الحكومة للاعتراف بدور للشرطة في الحادث إلا بعد صدور بيان من الاتحاد الأوروبي و تصريح رسمي أمريكي يطالبان الحكومة المصرية بمحاكمة المسئولين عن مقتل خالد سعيد, و من هنا تأتي خطوة النظام في تقديم شرطيين للمحاكمة أحدهما رقيب و الأخر أمين شرطة, فالنظام ليس من عادته و أسسه التي يسير عليها أن يعاقب حراسه على تعذيب أو قسوة أو حتى قتل, و أتحدى أن يذكر لي أحد أن أيا من حراس النظام صدر ضده حكم بسجن طويل نافذ جراء تعذيب أو قتل المتهمين أو المسجونين في سجون و معتقلات النظام طوال الثلاثين عاما الماضية, كما أن النظام ليس من عادته أن يستجيب لضغوط الشعب لأن الاستجابة لضغوط الشعب ضرب من ضروب الديمقراطية التي يأباها النظام و يستكبر عنها و يستعلي عليها لأن الشعب من وجهة نظره لم يبلغ مبلغ الرشد بعد فليس فيه من هو في حكمة الرئيس أو الوزير أو المدير و من ثم فلا يجوز الاستماع لصوت الشعب ولا الاستجابة لمطالبه و أمانيه لأنه ليس مؤهلا للحكم, و كلنا يعرف من هو المؤهل فقط للاستئثار بالحكم دون الشعب و قواه السياسية المعارضة للنظام.

النظام فقط يستجيب للضغوط الخارجية ليس فقط لأنها مرهونة بالمساعدات الخارجية الاقتصادية و السياسية و الأمنية و لكن لأنها أيضا قصيرة النفس قصيرة الهدف فهدفها تبييض وجه النظام أمام الرأي العام الأوروبي و الأمريكي المخدوع بأن حكامه يراعون قواعد الديمقراطية و الحرية و حقوق الانسان في علاقاتهم مع حلفائهم الخارجيين و لا يقدمون مساعداتهم إلا لمن يراعي هذه المعايير, و بالتالي فالنظام لا يخسر شيئا عندما يستجيب للضغوط الغربية في هذا المجال, و العملية سهلة..عدة تصريحات مصرية رسمية تندد بالتعذيب و تقيد الطوارئ بالارهاب و المخدرات و تنفي وجود اعتقالات و تمجد في الحرية و الديمقراطية و حقوق الانسان..صناعة مجلس تزعم أنه لحقوق الانسان..تقديم شرطي أو اثنان او حتى ثلاثة من الرتب الدنيا للمحاكمة ثم صدور حكم مخفف عنهم أو حكم مع ايقاف التنفيذ ثم رجوعهم للخدمة بعد انفاذ الحكم المخفف و القصير ليقوموا بحماية النظام عبر القمع و التعذيب مرة أخرى مع ما يتخلل ذلك من مكافاءات و حوافز (راجع قصة الضابط رشاد نبيه في قضية تعذيب عماد الكبير), أما لو استجاب النظام لمطالب الشعب و قواه المعارضة فالنتيجة غير مضمونة لأن الشعب يطالب بتداول السلطة و محاسبة المسئولين عن الخراب الذي عاشته و تعيشه البلاد من جراء النظام الحاكم و حزبه, و من ثم فنتيجة الاستجابة لضغوط الشعب عواقبها وخيمة على النظام الحاكم لذا فمستحيل أن يستجيب للشعب.

تقديم الشرطيان للمحاكمة جاء بقرار من النائب العام و النائب العام رغم أنه ممثل الشعب و أحد أركان السلطة القضائية إلا أنه يتم تعيينه من قبل رئيس الدولة رأس السلطة التنفيذية, و لا يصح أن نطالب بتعيين النائب العام بقرار من أغليبة مجلس الشعب لأن أغليبة مجلس الشعب لا تمثل الشعب لأنها اغلبية جاءت عبر انتخابات شهد القاصي و الداني بتزويرها, فهي أغلبية مزيفة.

و هناك مئات بل ربما آلاف البلاغات بالتعذيب و اساءة المعاملة و الاعتقال خارج نطاق القانون مركونة في أدراج النيابة, لكن القانون لا يتيح لأحد تقديمها للمحاكم غير النائب العام و سيادته لم يقدم أيا منها منذ ثلاثين عاما و حتى الآن سوى ثلاث أو أربع قضايا لها ظروفها و جاءت كلها بالبراءة أو الحكم المخفف أو مع إيقاف التنفيذ و كان أشهرها محاكمة أربعين من ضباط الشرطة في منتصف الثمانينات بشان اتهامهم بتعذيب متهمي قضية الجهاد الكبرى عام 1981, و جاءت الأحكام بالبراءة و تبوأ جميع الضباط المشمولين فيها أكبر المناصب في وزارة الداخلية و في الدولة و مازال كثير منهم حتى الآن في بعض هذه المناصب حتى كتابة هذه السطور, بل لو تتبع احد الأسماء التي اتهمت بالتعذيب سواء قضائيا أو اعلاميا في الثلاثين عاما الأخيرة لوجد أن مناصب هامة عديدة ظلت حكرا على هؤلاء.

و من هنا فأتوقع أن يصدر حكما مخففا أو مع ايقاف التنفيذ ضد الشرطيين الذين تمت احالتهما للمحاكمة في قضية خالد سعيد ليس لأني أتهم القضاء بالتسيس و لكن لأن عقوبة التعذيب في القانون المصري تتراوح بين يوم حبس و ثلاث سنوات كحد أقصى, فالتعذيب ليس جناية بل هو مجرد جنحة, كما أنهما لم يحالا بتهمة التعذيب لكن بتهمة القسوة فقط, أما القبض بدون وجه حق و هي تهمتهم الثانية فرغم أنها جناية لكن هناك ما سيدعو قانونيا لتخفيفها لحسن نيتهما لأن القتيل عليه حكم غيابي و كان بحوزته بانجو بل ربما أثبتا أحقيتهما في القبض عليه لأن وجود البانجو معه قد يمثل حالة تلبس, و هكذا تنتهي القصة, لكن على كل حال سيتوجب على القاضي الذي سيحاكمهما الاجابة على سؤالين مهمين هو: كيف ابتلع خالد سعيد لفافة البانجو تو محاولتهما القبض عليه و مع ذلك لم يمت حتى تم القبض عليه و تعذيبه؟ أم أنه مات تو البلع و مع ذلك أصاباه بما به من اصابات و هو ميت؟ أم أنهما سيطرا عليه و مع ذلك تركا له البانجو ليبلعه؟

و السؤال الثاني: هل هذان الشرطيان كانا يمشيان هكذا دون ضابط يرأسهما و يتصرفان هكذا دون الرجوع لضابط المباحث و لو عبر اللاسلكي أو التليفون المحمول؟ و هل هذه هي قواعد العمل في الشرطة.. كل بمفرده؟