الحرب بين الهند وباكستان

الحرب بين الهند و باكستان .. مع من يجب أن نقف ؟

يبدو الآن أن ما أعلنته باكستان من اسقاط 5 طائرات حربية هندية بالاضافة لمسيرة حربية هندية هو خبر صحيح، وهي 3 طائرات رافال وواحدة ميج 29 وثانية سو 30 بالاضافة الى مسيرة حربية هندية.
الرافال من أقوى الطائرات الحربية متعددة المهام في العالم، ولا يكاد يتفوق عليها سوى اف35 واف22 فقط، ولكن يبدو أن هناك صاروخا صينيا متفوق للغاية استعملوه لاسقاطها، خاصة انهم ضربوا هذه الطائرات من داخل باكستان وهي تحلق في سماء الهند لم تخرج من الحدود الهندية، فكانت مباغتة رائعة طبعا، والأمر لم يتوقف على الرافال بل اسقطت باكستان طائرة ميج 29 وثانية سو 30، وكلاهما أحدث ما تملكه ترسانة روسيا من الطائرات الحربية.
طبعا بسطاء المسلمين (و ربما بتوجيه مباشر او غير مباشر من ذباب أجهزة اسرائيل والهند والامارات والممالك اياها) بدأوا الحملة التي تخدم أهداف الهند وتخصم من قوة باكستان وهي:
((يا أخوة لا تنخدعوا بهذه الحرب فهي ليست بين الإسلام والكفر بل الحكم الباكستاني مرتد وهو علماني وملتزم بالنظام الدولي والقانون الدولي والمجاهدون في باكستان يجاهدون هناك لاسقاط النظام الباكستاني فلا تغتروا بما يجري..الخ))..انتهى.
وهؤلاء فوق كونهم موجهين او غير موجهين من الأجهزة إياها، فهم لو افترضنا صدقهم فهم في أحسن الأحوال عقلهم وطريقة تفكيرهم ومستوى فهمهم لتعاليم الاسلام وشرعته في نفس مستوى ذي الخويصرة، ذلك الرجل التميمي الذي قال لسيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وآله سلم: “اتقي الله يا محمد واعدل فإنك لا تعطينا من مال أمك وابيك”، وفي رواية زيادة بلفظ “إن هذه القسمة لم يُرد بها وجه الله”..، وهم أيضا مثل الآلاف الذين كفروا سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن معه من آلاف من كبار صحابة النبي محمد صلى الله عليه وآله سلم تحت شعار (يُحًكّم الرجال.. لا حكم الا لله).
هؤلاء لو كانوا مخلصين لله تعالى فعليهم أن يعرفوا أن مستوى فقههم الشرعي والسياسي أضعف من أن يتكلموا ويعلموا ويجهوا الجمهور، بل وبعضهم مهما تعلموا فلن يعي عقلهم مشكلات السياسة المعاصرة المعقدة، لا سيما من منظور فقه السياسة الشرعية المعاصرة، فليلزموا العبادات والتقرب إلى الله بالذكر والدعاء والصيام والقيام ويقلعوا عن السعي لتنصيب أنفسهم موجهين فكريين وسياسيين، لأنهم يضرون أنفسهم ويفسدون آخرتهم بهذا السعي الخاطيء.
ولقد كتبت لأحدهم:
“يا اخي ألا تفقه قوله تعالى ((غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5))) يا اخي تفقه أولا في دلالات هذه الآيات السياسية.. سبحان الله يا اخي تعلم قبل أن تتكلم”.
فرد بالكلام المعهود: “التمسك بالعقيدة وكذا..الخ”.
فرددت عليه:
“هل أنت تمسكك بالعقيدة أقوى وأصلب من عقيدة صحابة المرحلة المكية عندما تمنوا انتصار الروم عبدة الصليب على الفرس، وأيد الله من فوق سبع سموات هذه الأمنية وبشرهم بتحقيقها وموعد تحققها؟؟!! أمرك عجيب جدا.. يا اخي اهدأ وتفقه في الإسلام أولا وتذكر قوله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) سورة ق آية 18.”
على العموم فحالنا هو فوضى فكرية وعلمية ساعد عليها الفراغ الشامل وعززها الامكانات والموارد المجانية والسهلة التي تتيحها السوشيال ميديا والانترنت ولله در الشاعر عندما قال:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
*******ولا سراة إذا جهالهم سادوا
إذا تولى سراة الناس أمرهم
*******نما على ذاك أمر القوم وازدادوا
اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الارهاب الهندوسي ضد المسلمين في الهند

حزب بهاراتيا جاناتا وصعود الإرهاب الهندوسي ضد المسلمين في الهند

كان “نسيم قرشي” (47 عاما) يسير بالقرب من أحد المساجد في مدينة “تشابرا” بولاية “بيهار” في الهند بصحبة ابن شقيقه وإذ بمجموعة من الهندوس المتعصبين يهاجمونهما ويعتدون عليهما بالعصي ويبرحونهما ضربًا حتى فارق “نسيم قرشي” الحياة تأثرًا بهذا الاعتداء بينما نجا ابن شقيقه “فيروز” لإنه تمكن من الهرب من موقع الجريمة، ومن ثم ذهب إلى قسم الشرطة للشكوى، فعاملته الشرطة بأسلوب سيئ، وقال له أحد الضباط إن مرتكبي الواقعة ليسوا مسئولين عن وفاة عمه، وإن “فيروز” و”نسيم” يستحقان ما جرى لهما.

وتاليًا قال رئيس شرطة المدينة لصحيفة “إنديا تايمز”، إن “فيروز” و”نسيم” كانا يحملان لحومًا غير قانونية، عندما اعترضهما عدد من سكان المنطقة، ومن المتعارف عليه أن تعبير “لحوم غير قانونية” يقصد به لحم البقر بسبب تقديس الهندوس للبقرة وعبادتهم لها وسعيهم لتحريمها على المسلمين بغير وجه حق عبر ممارسة العنف والإرهاب ضد المسلمين.

واستنكر الناشطون على منصات التواصل الاجتماعي الجريمة واعتبروها مثالا على “تصاعد جرائم اليمين الهندوسي في البلاد”.

وقال عضو البرلمان ورئيس حزب اتحاد المسلمين أسد الدين عويسي: “جرائم اليمين الهندوسي تتزايد”.

كما وصفت الصحفية البارزة رنا أيوب الحادثة بأنها “دليل على الواقع الذي يعيشه المسلمون الهنود في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي”.

صعود الارهاب الهندوسي ضد المسلمين في الهند

وهذا الصعود لإرهاب المتطرفين الهندوس ضد المسلمين في الهند لا شك يرتبط بحكومة رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” زعيم حزب بهاراتيا جاناتا التي يتهمها الكثيرون في داخل الهند وخارجها بأنها تشجع الإرهاب والتطرف الهندوسي ضد المسلمين في الهند، فما هو حزب بهاراتيا جاناتا وماهي أهدافه وسياساته وأساليبه فيما يتعلق بمسلمي الهند الذين يبلغ عددهم نحو 200 مليون مسلم ومسلمة أي نحو 15% من عدد مواطني الهند؟؟
تولى حزب بهاراتيا جاناتا الحكم في الهند إثر تحقيقه فوزاً ساحقاً في الانتخابات الهندية عام 2014، لكن جذور تاريخه في الحياة السياسية الهندية يرجع إلى عام 1951 عندما تأسس حزب باراتيا جانا سانغ، والذي اندمج تاليا مع عدة أحزاب أخرى ليشكلوا حزب جاناتا عام 1977 والذي فاز بأغلبية في انتخابات عام 1977 وشكّل الحكومة، لكن سرعان ما تفكك عام 1980 ليتشكل على أنقاضه حزب بهاراتيا جاناتا في نفس العام لكنه لم يفز سوى بمقعدين فقط في البرلمان الهندي بالانتخابات العامة عام 1984.

حزب بهاراتيا جاناتا

ثم أصبح حزب بهاراتيا جاناتا أكبر حزب في البرلمان في عام 1996 لكنه لم يحز الأغلبية، وبعد الانتخابات العامة عام 1998 فإن ائتلاف “التحالف الوطني الديمقراطي” الذي تزعمه حزب بهاراتيا جاناتا شكل حكومة الهند واستمرت لعام واحد، ثم نتج عن انتخابات جديدة تشكيل حكومة “التحالف الوطني الديمقراطي” مرة أخرى واستمرت لولاية كاملة، لكن في انتخابات عام 2004، تكبد “التحالف الوطني الديمقراطي” هزيمة انتخابية ومع هذا ظل حزب بهاراتيا جاناتا حزب المعارضة الرئيسي في السنوات العشر التالية.

ليأتي بعد ذلك للحكم بفوزه المشهور في انتخابات 2014، ثم فوزه مرة أخرى في انتخابات 2019.

عقيدة الهيندوتفا

ويرتكز حزب بهاراتيا جاناتا في أيديولوجيته على “عقيدة الهيندوتفا” ويروج لها وهي عقيدة  تعبر عن القومية الهندوسية الراديكالية، وبحسب “عقيدة هيندوتفا” فإن المسلمين هم العدو الرئيس للهندوس وهم غزاة دخلاء على الهند لطالموا ظلموا الهندوس عبر التاريخ، وترتكز “هيندوتفا” على سردية مزيفة للتاريخ تزعم أن الهندوسية تعبر عن هوية الهند وتاريخها الوحيد، وكان هذا الفكر القومي الهندوسي اليميني المتطرف بدأ بالتشكل في عشرينيات القرن العشرين على يد الكاتب والسياسي “فيناياك دامودار سافاركار” حيث وضع التنظيرات الأولى لعقيدة الهيندوتفا.

وتنفي الدراسات الموضوعية لتاريخ الهند هذه السردية الهندوسية المتطرفة لأن الهندوسية تاريخيا كانت منحصرة جغرافيا في بقعة محدودة في الشمال الغربي للهند أو ما يعرف حاليا بأفغانستان وباكستان قبل أن تنتشر في حقب تاريخية تالية في بقية الجغرافيا الهندية، كما أن الهندوسية يبلغ مداها الزمني أقل بكثير من المدى الزمني لتاريخ الهند، وبجانب هذا كله فلا يمكن إغفال التأثير العميق للـ1300 عاما من الإسلام في الثقافة والمجتمع الهندي حتى اليوم بل إن من أبلغ الأدلة على عمق التأثير الإسلامي هو أنه حاليا حين يهتف المتطرفون القوميون الهندوس Jai Hind أو “النصر للهند”، فهم يستخدمون كلمة “هند” ذات الجذر الفارسي – العربي.

وقبل الصعود السياسي لحزب بهاراتيا جاناتا كانت “عقيدة الهيندوتفا” تعتبر وجهة نظر راديكالية هامشية، لا يفكر أي هندي محترم أن يتبناها كما لم تكن منتشرة بين الجمهور الهندوسي نفسه ولكن نجاح حزب بهاراتيا جاناتا في نشر هذه العقيدة بين قطاعات اجتماعية هندوسية واسعة وإلهاب حماسهم ضد الإسلام والمسلمين الهنود قد غير الواقع الاجتماعي والسياسي في الهند في الـ30 عاما الأخيرة.

التحركات الشعبوية الهندوسية المتطرفة

ومن الملاحظ أن الصعود السياسي لحزب بهاراتيا جاناتا اعتمد على التحركات الشعبوية الهندوسية المتطرفة سواء على مستوى الخطاب أو على مستوى تحريك وتعزيز أعمال العنف الطائفية ضد المسلمين.

 فعلى مستوى الخطاب نجد تركيز خطاب الحزب على تعرض الهندوس للتهميش والاستبعاد من دوائر صنع القرار بالحكومة الهندية على مدار عقود من سيطرة حزب المؤتمر الوطني الهندي، واتهامه بأنه يعمل على مهادنة واسترضاء المسلمين على حساب المعتقدات الدينية الهندوسية، والربط بين التصويت لصالح حزب بهاراتيا جاناتا وحماية العقيدة الهندوسية.

مواقف حزب بهاراتيا جاناتا تجاه باكستان وقضية كشمير

ويأتي ضمن الخطاب الهندوسي المتعصب خطاب ومواقف الحزب في السياسة الخارجية تجاه باكستان وقضية كشمير حيث ترفع عقيرة التصريحات والمواقف المتشددة ضد المسلمين –باكستان وكشمير- في إطار دغدغة مشاعر اليمين القومي الهندوسي المتعصب ورغبته في ايقاع الأذى وممارسة التنمر على المسلمين.
وعلى مستوى أحداث العنف الطائفي نجد أن هناك العديد من هذه الأحداث التي حركها واستغلها حزب بهاراتيا جاناتا ورفعت شعبيته بين الأغلبية الهندوسية بدرجة كبيرة جدا ونرصد أبرزها كالتالي:

الهجوم على مسجد بابري عام 1992 في مدينة أيوديا شمال البلاد وهدمه وأعمال العنف المتتابعة التي سبقت ذلك منذ 1989.

حادث حريق القطار في ولاية كجرات عام 2002، وأدى إلى مقتل عشرات الحجاج الهندوس، وألقي اللوم على المسلمين في الحادثة، ما أدى إلى أعمال عنف وقتل طالت مواطنين مسلمين وتدمير ممتلكاتهم ومساجدهم.

تشكيل بعض الهندوس فرق مراقبة، تتعقب تجار الماشية المسلمين، وتعترضهم وصولاً إلى قتل بعضهم رفضاً لذبح الأبقار لأنها مقدسة عند الهندوس.

احتجاجات شعبية إسلامية واسعة

وفي عام 2019 نظم المسلمون احتجاجات شعبية واسعة ردًا على إقرار البرلمان الهندي تعديلات على قانون المواطنة الصادر عام 1955، ولكن الحكومة الهندوسية وانصارها تصدوا بعنف لهذه الاحتجاجات مما أدى لسقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح من المسلمين فضلا عن اعتقال المئات.

وجاءت الاحتجاجات الإسلامية هذه بسبب أن هذه التعديلات كفلت للمهاجرين الهاربين من الاضطهاد الديني في باكستان وبنغلادش وأفغانستان، حقّ الحصول على الجنسية الهندية، إن كانوا من أتباع الديانات السيخية والهندوسية والبوذية والمسيحية والجاينيّة والزراداشتية، ولكنه استثنى المهاجرين المسلمين.

واتفق الحقوقيون على أن هذه التعديلات هي تكريس قانوني لمناخ كراهية عام، تعزّزه خطابات قادة الحزب اليميني الحاكم تجاه الأقلية المسلمة.

اليمين الهندوسي ينفث سمومه ضد المسلمين على اليوتيوب

وبجانب الأحداث الطائفية المختلفة وفي نفس إطار تأجيج المشاعر القومية الهندوسية المتطرفة أيضا تأتي عملية تغذية اتجاه شبابي في الموسيقى والغناء وهو تيار موسيقي متنام على يوتيوب وغيره من منصات التواصل الاجتماعي، ومن خلاله ينفث أنصار اليمين الهندوسي سمومهم ضد المسلمين.

وكلمات هذه الأغاني إما مسيئة للمسلمين أو تحتوي على التهديد والوعيد ضدهم وتستند إلى فكرة أن الهندوس رزحوا لقرون تحت وطأة حكم المسلمين، والآن حان الوقت لكي يدفعوا الثمن، وعادة ما تستخدم هذه الأغاني لحشد شباب الهندوس للقيام بأعمال العنف الطائفي ضد المسلمين أو ضد المساجد والممتلكات الاسلامية أو للتعبئة السياسية لصالح حزب بهاراتيا جاناتا.

حيلة إلهاب تعصب الجماهير الهندوسية ضد الإسلام والمسلمين

وبشكل عام فمن الملاحظ أنه كلما شعر حزب بهاراتيا جاناتا بخطر سياسي يهدد التأييد الشعبي الذي يتمتع به بين الجماهير الهندوسية فإنه يلجأ إلى حيلة إلهاب تعصب الجماهير الهندوسية ضد الإسلام والمسلمين، مثلما حدث في إجراءات منع المسلمات من الحجاب أو هدم بيوت المسلمين في العديد من الولايات أو سحب الجنسية من آلاف المسلمين في ولايات أخرى..إلخ.

وقد عزز حزب بهاراتيا جاناتا قاعدته الاجتماعية عبر دعمه لتأسيس أكثر من 45 ألف فرع لمنظمة “راشتريا سوايامسيفيك سانج” Rashtriya Swayamsevak Sangh اليمينية الهندوسية المتطرفة التي تملك تشكيلات شبه عسكرية، مما عزز انتشارها في مختلف الولايات الهندية ومن ثم تقوم بحشد أصوات الهندوس لصالح حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات التشريعية.

كل هذه الممارسات الطائفية والتعصب الهندوسي جعل العديد من المنظمات الحقوقية الدولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تدعو للتحذير من أن الهجمات العنيفة تتصاعد ضد المسلمين في الهند واتهمت حزب بهاراتيا جاناتا ورئيس الوزراء ناريندرا مودي بتجاهلها وفي بعض الأحيان تمكين خطاب الكراهية ضد المسلمين.

وصنّف تقرير صدر عن لجنة خبراء دوليين مستقلة في يوليو 2022 المسلمين كـ”أقلية مضطهدة” في الهند، بعد مراجعة سلسلة انتهاكات لحقوق الإنسان، وتشمل الانتهاكات اعتماد السلطات لقوانين وسياسات “تستهدف المسلمين أو تنعكس عليهم بشكل سلبي أكثر من غيرهم”، يضاف إلى ذلك فشل الدولة في الهند في حماية المسلمين من هجمات تستهدفهم، يصل بعضها حدّ القتل والتعذيب.

 الهند بين الغزل الروسي والغزل الغربي 

أما في مجال السياسة الدولية فلاشك أن ناريندرا مودي زعيم حزب بهاراتيا جاناتا –رئيس وزراء الهند الحالي- يستغل التحولات الراهنة في النظام الدولي وما يشهده العالم من استقطاب دولي حاد وسعي القوى الكبرى لإعادة صياغة التحالفات الدولية، حيث يريد التحالف الأوروبوأمريكي استمالة الهند لصفه إزاء اصطفاف روسيا والصين ضد التحالف الغربي، بعد أن نجح ذلك التحالف الغربي في توثيق معاهداته الأمنية والعسكرية والسياسية مع العديد من قوى الشرق الكبرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية واندونيسيا فضلا عن استراليا وذلك تتويجا للتحالف الاقتصادي القديم مع هذه القوى.

وفي ذات الوقت ترغب روسيا في استثمار العلاقات التاريخية الطويلة مع الهند الممتدة منذ الاتحاد السوفيتي السابق بهدف تحويلها إلى تحالف استراتيجي يدعم اصطفاف دولي تأمله روسيا ضد الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي منذ 1990 وحتى الأمس القريب.

ولا شك أن ناريندرا مودي يستغل الغزل الروسي للهند من جهة والغزل الغربي من جهة أخرى لتدعيم قدرة الهند الشاملة وصعودها في النظام الدولي الجديد بما سينعكس بلا شك بدرجة ما على استمرار قوة ناريندرا مودي السياسية وحزبه “بهاراتيا جاناتا” في الداخل الهندي.

ومن المتوقع أن الصعود الاقتصادي الهندي في المرحلة القادمة سوف تتعزز فرصه لأن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون إلى جعل الهند مصنع العالم كبديل عن الصين وذلك بهدف إبطاء الصعود الصيني كقطب دولي وبالتالي فإن تريليونات الدولارات من الاستثمارات الدولية سوف تتجه بدرجة ما إلى الهند في الفترة القادمة و كانت هذه الاستثمارات الأمريكية والأوروبية واليابانية قد انتقلت للاستثمار في الصين بصفتها مصنع العالم في العقود الثلاثة السابقة بناء على التوجه الأمريكي والغربي حينئذ، ولكن هذا التوجه بدأ يتغير الآن خوفا من عواقب صعود التنين الصيني وبدأ يتجه إلى الفيل الهندي.

ابتلاء المؤمن

الحكمة من ابتلاء المؤمن والكافر .. وهل الوفرة مقدمة للهلاك؟

كتب- عبد المنعم منيب

إن الوفرة تؤدي فى أغلب الأحوال إلى الإسراف سواء فى السلوك الشخصي أو الإداري أو العسكري أو السياسي فضلا عن السلوك الإجتماعي وذلك من سنن الله القدرية الكونية، ولذلك يتجه علماء النفس والتربية والاجتماع والإدارة والعلوم السياسية والعسكرية والاقتصادية إلى لجم جماح الإسراف والفساد الذي تسببه الوفرة عبر تدابير متعددة تختلف باختلاف المجال ولكن كلها قائمة على التضييق على الفاعل تضييقا يجري اختياره نوعا وكما بدقة كى لا يعدو كونه تربية أو اختبارا أو تدريبا أو تمرينا أو ضبطا لازما كى لا يحدث الفساد أو الترهل والتراخي أو ضعف العزيمة أو سوء تقدير العواقب وخلل ميزان المصالح والمفاسد والتى كلها من جوانب الإسراف الناتج عن الوفرة.

الوفرة والإسراف

والأدلة على أن الوفرة تؤدي غالبا للإسراف والفساد عديدة ومنها قوله تعالى: “وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ. وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ. وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ” (الزخرف آيات 23-25).
ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: “وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ” (الشورى آية 27).
ومنها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “..فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تُبْسَطَ عليكم الدنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا فتهلككم كما أهلكتهم” (رواه البخارى ومسلم وأحمد وغيرهم أنظر الجامع الكبير للسيوطي حديث رقم 3436).
وليس معنى هذا أن على المؤمن أن يزهد فى الموارد الدنيوية وينبذها بالكلية فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم “نِعِمَّا بِالمَالِ الصَّالِحِ للِرَّجُلِ الصَّالحِ”. (رواه أحمد فى مسنده والبخاري فى الأدب المفرد والحاكم وغيرهم، وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني أنظر السلسلة الضعيفة للألباني ضمن التعليق على حديث رقم 2042).

مقياس الخطأ والصواب في السلوك المالي

ولعل الحديث النبوي التالي يوضح المقياس الدقيق للسلوك المناسب الذي يجعل الوفرة مفيدة وغير مفسدة لأصحابها ويشير لبعض جوانب الوفرة المفسدة فقال صلى الله عليه وآله وسلم “إِنَّما أخَافُ عَلَيْكُمْ مِن بَعْدِى مَا يُفْتحُ عَلَيكُم مِنْ زَهْرَة الدُّنْيَا وَزِينَنِهَا، قَالَ رجُلٌ: أَوَ يَأتِى الخَيْرُ بِالشَّر يَا رَسْولَ اللَّه؟ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَأتِى الخْيَرُ بِالشَّرِّ، وإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أوْ يُلِمُّ إِلَّا آكلَةَ الخَضَر، فَإِنَّها أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتقْبَلَتِ الشَّمْسَ فَثَلَطَت وبَالَت ثُمَّ رَتَعَت، وَإنَّ هَذَا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَنِعْمَ صَاحِبُ المُسْلِم هُوَ، لِمَنْ أعْطَاهْ المِسكيِنَ، والْيَتيمَ، وابْن السبيل، فَمَنْ أخَذَهُ بَحَقَهِ وَوَضَعَهُ فِى حَقِّه فَنعْمَ المَعُونةُ هُوَ، وَمَنْ أخَذَهُ بَغَيْر حَقَه كَانَ كَالَّذِى يأكل وَلَا يَشْبَعُ وَيَكون عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الَقيَامَة”(رواه البخاري ومسلم وغيرهما أنظر الجامع الكبير للسيوطي حديث رقم 7695)
فهذا الحديث يوضح أن الوفرة المحمودة هي التي تأتي بطرق مشروعة وتستهلك فى طاعة الله “مَنْ أخَذَهُ بَحَقَهِ وَوَضَعَهُ فِى حَقِّه” وفق نص الحديث، وحكمها فى هذه الحالة أنها “نعْمَ المَعُونةُ” كما فى نص الحديث الآنف، وهو نفس المعنى فى الحديث الذي قبله حين قال “نِعِمَّا بِالمَالِ الصَّالِحِ” أي الذي جاء بطرق مشروعة، و”للِرَّجُلِ الصَّالحِ” أي الذي ينفقه فى طاعة الله.
والمقصود بطاعة الله أعم من الصلاة والحج والعمرة والزكاة والجهاد في سبيل الله والصدقات لأن مفهوم الطاعة في الإسلام شامل ومعروف إذ يشمل حتى الإنفاق على الأسرة وصلة الرحم والوقف على طلبة العلم والبحث العلمي ورعاية المرضى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصيحة لمن يحتاجها..الخ، والأدلة على ذلك كثيرة ويطول المقال بذكرها وهي مشهورة ومعروفة.

حكم الانفاق على الأمور الحياتية

وليس المقصود أن المال لا ينفق فقط إلا على الطاعة المحضة فكثير من الأمور الحياتية هو من باب الطاعة فمثلا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم “إنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك” (رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم انظر إرواء الغليل للألباني حديث رقم 899)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “..وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: “أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر” (رواه مسلم وأحمد والبخاري فى الأدب المفرد وغيرهم وانظر الصحيحة للألباني رقم 454).
وفضلا عن ذلك فقد نبهنا القرآن لمراعاة الحياة الدنيا فقال تعالى “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (النحل آية 97)، وقال تعالى على لسان قوم قارون “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ”(القصص آية 77).

أنواع الوفرة

والوفرة التي نقصدها ليست المال فقط ولكنها تشمل كل موارد الحياة الدنيا مثل الصحة البدنية والولد والزواج والانتصار فى الصراعات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية بجانب المال، والأدلة على هذا الشمول كثيرة فى الكتاب والسنة وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك يحاسب الله الناس يوم القيامة علي أمهات هذه الموارد كما ورد فى الحديث النبوي الشريف “لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه وعن علمه ما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه” (رواه الترمذي فى سننه عن أبي برزة وقال حسن صحيح وصححه الألباني فى الصحيحة 946، وله روايات متعددة منها عن معاذ وابن عباس وغيرهما)، وقال تعالى: “ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ”(التكاثر آية 8).

أنواع البلاء والحكمة من ورائه

وانطلاقا من هذا الشمول فى مفهوم الوفرة فإن الله تعالى يبتلي عباده مؤمنهم وكافرهم فى هذه المجالات فى الحياة الدنيا قال تعالى: “لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ”(آل عمران آية 186) وقال تعالى أيضا: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” (البقرة آية 214) ، فابتلاء المؤمن معروفة حكمته فالابتلاء يأتي لتربيته وتهذيبه كي يتخلص من مضار الوفرة و يستقيم على أمر الله، فالبلاء تقويم لأخطاء المؤمن، وهذا الابتلاء يؤدى أخرويا لتكفير ذنوب المؤمن ورفع درجاته والأدلة على ذلك مشهورة معروفة.

 الهدف من ابتلاء الكافر

 ولكن ما هو الهدف من ابتلاء الكافر؟؟ 
هنا لابد من التأمل فى حقيقة السنة الربانية القدرية الكونية التي تنتظم ضمنها كل حركة الكون وفى قلبها حركة الإنس والجن مؤمنهم وكافرهم وهى يلخصها قول رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: “لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل عليه السلام إلى الجنة فقال أنظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فنظر إليها فرجع فقال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر بها فحفت بالمكاره فقال اذهب إليها فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فنظر إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره فقال وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد قال اذهب فانظر إلى النار وإلى ما أعددت لأهلها فيها فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضا فرجع فقال وعزتك لا يدخلها أحد فأمر بها فحفت بالشهوات فقال ارجع فانظر إليها فنظر إليها فإذا هي قد حفت بالشهوات فرجع وقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها” (رواه أحمد وأبوداود والنسائي والترمذي وابن حبان في صحيحه وغيرهم، وقال الترمذي حسن صحيح وصححه الألباني، وقال شعيب الأرناؤوط إسناده حسن، انظر صحيح ابن حبان بتحقيق الأرناؤوط ، ط الرسالة ، حديث رقم 7394).

فهذا الحديث يوضح أن أعمال المكلفين تعترض بعضها المشقة حينا وتدفع لبعضها الآخر شهوات المكلفين ورغباتهم المحبوبة لهم.
 فهى إن كانت من الأعمال المؤدية إلى الجنة فإنها تكتنفها المشقات وإن كانت مؤدية للنار فهي تحركها الشهوات والرغبات.
 كما أن للكفار فى هذه المنظومة شأنا محددا يشبه ما يحدث للمسلم وهو الأخذ بالضر لعلهم يرجعون، فهذا جزء من الابتلاء الذي يعتري الكافرين.
وكذلك هناك جزء من ابتلاء الكافرين إنما يهدف لانتظام حركة الكون فى مسار متوازن بدرجة كبيرة فى حركته التاريخية وهو معنى قوله تعالى: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ” [البقرة:251]..
وبذا يجتمع عندنا ثلاثة أسس مهمة تحدد حركة الأحداث أو حركة التاريخ وهي:
-المشقة تكتنف الأعمال الموصلة للجنة و تكتنف الناس كلهم بمراحل مختلفة من حياتهم لترجعهم لطريق الجنة.
-الرغبات الخاطئة هى المحركة والدافعة لكل الأعمال الموصلة للنار.
-الصراع بين الأقطاب الكونية مستمر ما بقيت الدنيا وهو صراع بين الخير والشر وكذا صراع داخل مجتمع الشر وكذا صراع داخل مجتمع الخير. (راجع ماسبق وكتبناه هنا)    
 فالسنة الربانية القدرية الكونية قضت بأن تكون الدنيا دار اختبار لا دار قرار والمشقات في طريق الخير والحق هي من أدوات هذا الاختبار كما أن تسهيل طرق الشر والباطل وشدة نزوع النفوس لهذا الشر أو الباطل هي أيضا من أدوات هذا الاختبار، ومن ضمن كل من المشقات و التسهيلات في هذا المجال أمر الصراع بين قوى الحق والباطل، وايضا هناك الصراع داخل مجتمع الحق نفسه بين قواه المختلفة، والصراع داخل مجتمع الباطل والفساد بين قواه المختلفة المكونة له، وهذا الصراع كنا قد شرحناه في تحليل سابق لنا هنا بعنوان: “خريطة الصراع السياسي في منظور التحليل الإسلامي” فليراجعه من شاء.

 

مواجهة اليأس

لماذا نكد ونكافح رغم أن الحياة قصيرة؟ .. دليل مختصر لمواجهة اليأس والإحباط بالعمل

كتب- عبد المنعم منيب

كثير من الناس ينتابهم أحيانا شعور بأن الحياة قصيرة وبأن مستقبلهم غير مضمون، مما يدفعهم للتقاعس عن السعي للنجاح والتطور في الحياة ويقعدون عن العمل، حيث يفقدون الدافع للعمل أو السعي لتحقيق هدف مهم و يفقدون أي أمل.

وفي حالات أخرى ينتاب الإنسان شعور بأن العمر قد تقدم به وبأن النجاح لا قيمة له بعد الآن، وبالتالي يصل لنفس النتيجة السابقة وهي التقاعس عن السعي للنجاح والتطور في الحياة، وفقدان الدافع للعمل سواء كان عملا اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا أو دينيا([1]).

وهذا النمط من التفكير يفتح أبوابا من اليأس والإحباط والفشل، ولكن المسلم ستزول عنه كافة دواعي اليأس وكل هذه الأوهام الفاسدة لو تأمل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ([2]) فَلْيَغْرِسْهَا”([3])، وقد ورد أيضا بلفظ: “إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ”([4]).

والسؤال ما فائدة زرع الفسيلة أثناء بدء القيامة بينما الفسيلة تحتاج لسبع سنوات حتى تنتج؟؟ والإجابة أن المسلم سيثاب بغرسها وحتى لو لم تنبت فهو سيثاب لأنه أطاع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بتنفيذ أمره في هذا الحديث كما سيثاب بنيته في أن يزرع، ومعلوم ما في الزرع من ثواب دلت عليه أحاديث عدة([5]) ، فإنك لو زرعت زرعا بنية الحصول على الثواب المترتب على الزرع فإنك لا شك تثاب حتى ولو مات الزرع لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ”([6])، وهذا كله هو من دلالات حديث زرع الفسيلة ومعناه الظاهر، كما يدل على أن علينا الاستمرار في العمل الديني والدنيوي بنية نيل ما عند الله من ثواب لأن على المسلم العديد من التكليفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الواجبة والمندوبة، فتكليفات المسلم ليست محصورة في العبادات الشخصية فيما بينه وبين ربه من إيمان و إخلاص و ذكر ودعاء وصلاة وصيام وزكاة وصدقات وحج وتوبة وإنابة ونحوها فقط، بل هو مرتبط بتكليفات اجتماعية واقتصادية وسياسية واجبة ومندوبة وعليه محذورات اجتماعية واقتصادية وسياسية ما بين مكروهة ومحرمة.

وجوب العمل الصالح -اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي

 ومن هنا فالحديث يشير لاستمرار المسلم في العمل في كل هذه المجالات حتى أخر نفس في حياته، فالحديث يدل على وجوب العمل الصالح -اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي- حتى لو ظننا أنه لن يحقق نتائجه لسبب خارج عن قدرتنا وعن الأسباب القدرية الكونية المأمورين بمراعاتها في أعمالنا، فما دمنا التزمنا بشروط العمل من الإخلاص لله تعالي، والالتزام باتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإننا مأجورون إن شاء الله، والنتيجة هي بقدر الله وهذه الدلالة يؤيدها قوله تعالي: ((وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ)) سورة الرعد آية 40، و قوله تعالى: ((وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ)) سورة يونس آية 46، وقوله تعالى: ((فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)) سورة غافر آية 77، فدلالة الآيات تتجه بوضوح إلى أن على المسلم أن يقوم بواجبه مخلصا لله متبعا للشرع ثم النتائج هي حسبما قدر الله، فلا يمكننا أن نقول: “إن العمل الواجب علينا شرعا الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لن يحقق النتيجة المرجوة فينبغي ألا نعمله” فهذا الطرح ليس مقبولا شرعا، فضلا عن أنه يفتح أبواب شر من التقاعس والتقصير والسلبية في الواجبات بشبهات شتى، كما إنه يفتح أبواب الإحباط والأمراض النفسية والاجتماعية، ولذلك كله قال تعالي: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)) (سورة الحجر آية 99) واليقين هو الموت حسبما اتفق المفسرون ومن هنا فنحن مأمورون بالعمل حتى الموت.

ما قل وكفى خير مما كثر وألهى

والترغيب في العمل لأخر نفس في الحياة إنما المقصود به ما تعلق بأعمال الآخرة وان كان ظاهرها دنيويا، كأن يكون عمل صالح له بُعْدٌ اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي أو حتى عبادة فردية، ولكن ما نشاهده في سلوكيات بعض المسلمين من الدأب والكد بل والكفاح من أجل تحصيل مزيد من متاع الدنيا فهو خارج عن مضمون ومقصود هذا المقال، لأن مجمل نصوص الكتاب والسنة تدل دلالة واضحة على وجوب القصد والاعتدال بشأن متاع الدنيا مادام مقصودا لذاته، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنَبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى”([7]).

وقد قال تعالى حاكيا عن قوم قارون نصيحتهم له فقال تعالى: ((إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) سورة القصص من الآيتين 76-77، وهذه الآيات رغم وجازتها إلا إنها تمثل قواعدا ذهبية تحدد السلوك الإسلامي الصحيح ازاء متاع الدنيا اذ تحدد:

  • عدم الاستمتاع المحرم ((لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)) ومعلوم ان الاستمتاع المشروع يورث فرحا ليس مذموما.
  • استخدام متاع الدنيا ومواردها وإمكاناتها من أجل ارضاء الله تعالى ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ)).
  • أخذ نصيب من متاع الدنيا للمحافظة على نفسك وحيوتك ((وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)) وذلك طبعا في إطار حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم آنف الذكر “يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى”.
  • التأكيد على الكرم والاحسان بما أنعم الله عليك به من متاع الدنيا ((وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)).
  • عدم استخدام ما منحه الله لك من قدرات ومتاع الدنيا في الإفساد ((وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)).

وبذلك تنتظم وتتكامل منظومة سلوك المسلم دينيا ودنيويا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا طوال حياته وحتى وفاته فلا يعرقله يأس، ولا يهلكه نهم وولع غير مشروع بالدنيا وزينتها.

ونسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])البعض تصدى لهذه الحالة بحديث مشهور لكنه لا أصل له وهو: “اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا” وقد أورد العلامة الألباني في سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة هذا الحديث برقم 8 ج1 ص 63 وما بعدها وقال تعليقا عليه: “لا اصل له مرفوعا وورد موقوفا على أحد الصحابة بأسانيد بعضها ضعيف وبعضها فيه كذاب” أ.هـ باختصار، انظر: سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة، ط دار المعارف، الرياض 1412، أولي، كما اورده بلفظ آخر هو “أصلحوا دنياكم، واعملوا لآخرتكم، كأنكم تموتون غدا” وعلق عليه قائلا: “ضعيف جدا” أ.هـ، انظر المصدر نفسه حديث رقم 874 ج2 ص266 وما بعدها.

([2])الفسيلة: النخلة الصغيرة أو ما نسميه في عصرنا الحالي ((الشتلة)).

([3]) رواه الامام أحمد في مسنده، انظر حديث رقم 12902 ج20 ص251، ط مؤسسة الرسالة، أولى، بيروت 1421هـ، تحقيق شعيب الارناؤوط وآخرون، وعلق عليه محققه قائلا: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة، فمن رجال مسلم.. ثم قال: وأخرجه الطيالسي، وعبد بن حميد والبخاري في “الأدب المفرد” والبزار. أ. هـ

([4])نفس المصدر، حديث رقم 12981 ج20 ص296، وقال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم. وانظر (12902). أ. هـ

([5]) على سبيل المثال لا الحصر قول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” رواه البخاري برقم 2361 -واللفظ له- و رواه أيضا مسلم ومالك والترمذي وأحمد.

([6]) رواه البخاري حديث رقم 1 كما رواه أيضا أبو داود وابن ماجه وغيرهما.

([7])رواه أحمد في مسنده برقم 22135 ورواه أيضا ابن حبان و الطيالسي وأورده العلامة الألباني في سلسلة الحديث الصحيحة برقم 443 وقال: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقال الهيثمي :”رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح”. أ.هـ انظر: محمد ناصر الدين الالباني، سلسلة الحديث الصحيحة، ط مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض 1415هـ، الطبعة الأولى، ج1 ص804 و ما بعدها.

 

النصر والهزيمة

ما هي السياسة وما هي أساطير العمل السياسي وخرافات الهزيمة و النصر ؟؟

كتب- عبد المنعم منيب

ما هي السياسة وما هي أساطير العمل السياسي وخرافات الهزيمة و النصر؟؟ لفهم إجابة هذا السؤال يجب أن نعرف معنى السياسة أولا.

ولقد اختلف العلماء فى تعريف السياسة على أقوال عديدة مشهورة.

ولكن السياسة فى التجريد النهائي هى أن تصنع الأحداث أو تستغل الفرص التي تسنح فى الأحداث (التى لم تصنعها) بما يحقق ما تريده وصولا  لتحقيق أهدافك.
وأرى أن هذا التعريف الذي أوردناه هنا الآن هو أدق تعريف لأن من أدركه بفهم عميق فإنه يتمكن من ممارسة السياسة بالأساليب الصحيحة على المسارات التكتيكية والاستراتيجية.
فضابط السياسة السليمة والخاطئة هو مدى ما تحققه لك من القدرة على صنع أغلب الأحداث (أى الأخذ بزمام المبادرة) وانتهاز فرص الأحداث التي لم تصنعها كي تحقق أهدافك إن على المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي، وبالتالى فما يحقق ذلك هو صواب وما لا يحقق أيا من ذلك فهو خطأ وكل ذلك يجب أن يكون فى إطار الالتزام الكامل بالمبادىء والقيم الأخلاقية الإسلامية وضوابط الشرع الحنيف.

إذن ما ضابط القرب او البعد من تحقيق أهدافك؟؟

الضابط هو أن يتحقق الهدف كاملا بحيث لا يسع أى أحد أن ينكر تحققه بما فى ذلك أعداؤك وخصومك فيعترف الجميع بتحققه ولا يجادل أحد فى تحققه، أو أن تقترب من تحقيق هدفك اقترابا مهما ولا يشهد اقترابك هذا تراجعات ضخمة أو تراجعات تعجز عن تجاوزها بسرعة ويشهد بهذا “الإقتراب” أنصارك ولا ينكره أو يجادل بشأن هذا الاقتراب من تحقيق الهدف المنصفون من خصومك واعدائك وذوي العقل منهم، أما التراجعات المؤثرة المقبولة فهى من مثل هزيمة ” غزوة أحد ” حيث عاد المسلمون فى اليوم التالى بمطاردة جيش قريش بنفس جيش المسلمين الذي شهد الهزيمة دون دعمه بأى قوات جديدة وهذه المطاردة هى المعروفة في السيرة النبوية باسم غزوة حمراء الأسد فليراجعها من شاء بتفاصيلها، وكذا تراجع مثل هزيمة حنين حيث ما لبث أن فاء المسلمون وتخطوا الهزيمة وأنهوا المعركة بانتصار كامل (و لنراجع تفاصيلها أيضا في كتب السيرة والحديث).
أما التراجعات والهزائم الكبرى التي تشهدها حركات سياسية إسلامية وغير إسلامية بل وتشهدها معظم دول المسلمين فهى ليست مقبولة ولا يعتبر أصحابها قد اقتربوا من تحقيق أهدافهم لأنهم خسروا خسائر ضخمة وعجزوا عن تعويضها بسرعة مثل سرعة غزوة حمراء الأسد وأسرع منها الانتقال من الهزيمة إلى النصر فى غزوة حنين، وطبعا هناك أمثلة كثيرة مشابهة للعودة سريعا لتحقيق الهدف والانتصار الكامل فى الصراع أو المنافسة ولكن لا أريد ذكرها كى لا تكثر الأفكار فتتوه عنا الفكرة الأساسية، ولكن يمكن للقارىء أن يتفكر مليا في الأحداث الجارية القريبة وأحداث التاريخ المعاصر فسيجد العديد من أمثلة العودة السريعة وبقوة للهدف والفوز.
 وإذ حددنا فى بداية المقال تعريفا للسياسة ثم حددنا فى الفقرات التالية ضابط الصواب والخطأ فى مسارات وتوجهات وأساليب العمل السياسي فينبغي أن نوضح فى نهاية المقال أن أساليب السياسة (التكتيك)، وتوجهات ومسارات السياسة (الاستراتيجية) هى شاملة ومتكاملة ومرنة فى أغلبها فهى (كما ذكرنا سابقا هنا) تتوسل لأهدافها بكل الأساليب و بالشيء وضده:
الكلام أو الصمت.
الحرب أو السلم.
القوة أو الضعف.
الإقناع أو الإكراه.
اللين أو الشدة.
الإقتحام أو الإحجام.
الجرأة أو الحذر.
 اللعب أو الجد أو المزاح و الهزل.
 الحماس والعاطفة أو التعقل و الحكمة.
 العلم أو الجهل.
 الذكاء أو السفه.
 الحلم أو الحمق والجهالة.
….الخ 
فكل شيء وارد ويستخدمه الساسة العباقرة الأذكياء وليس أشباه الساسة ولا أغبياء السياسة.
وقد رأينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وأصحابه ضعفاء يعانون التعذيب والتنكيل من قريش 13 عاما ومع هذا لم يرفعوا سيفا ثم فى العشر سنوات التالية نرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقيم دولته ويمارس الحرب والسلم والتحالف والهدنة والاتفاقات والمعاهدات المؤقتة والدائمة كما مارس الحصار الاقتصادي وحروب الكلام عبر الشعر والخطابة والحرب النفسية وكل ذلك كان إزاء قريش الوثنية وقبائل عدة منها الوثني ومنها أهل الكتاب من يهود ونصارى.

وفى النهاية نفهم إجابة السؤال المشهور: ماذا نفعل الآن؟

فلاشك أن المقال أوضح لنا أن ما يجب علينا فعله هو كل عمل يحقق لنا هدفنا أو يقربنا من تحقيقه ولا يخرجنا من الطريق المؤدي لتحقيقه، كما أصبح واضحا أن كل عمل يبعدنا عن هدفنا فهو عمل ينبغى علينا أن نقلع عنه، ولا ننسى أن البلاء الذى لا يماثل ” غزوة أحد ” (حيث عاد المسلمون لطريق الانتصار فى اليوم التالي لهزيمة ” غزوة أحد ” عبر غزوة حمراء الأسد) ولا يماثل غزوة حنين (حيث انهزم المسلمون ثم انتصروا فى نفس اليوم) فهذا البلاء سنجده يبعد عن تحقيق الهدف كثيرا وحينئذ فلنخشى أن يكون عقوبة على ذنوب وتقصير اقترفناه فقط وليس رفعا للدرجات بعكس ما يظن كثر.

رؤساء ايران اصلاحيون ومتشددون

هل يوجد فرق بين الإصلاحيين والمتشددين فى إيران؟

كتب- عبد المنعم منيب

منظومة الصواريخ الأشد فتكا والمشروع النووى أسسهما “رفسنجانى” وطورهما “خاتمى”

“روحانى” أضفى الشرعية على الصناعة النووية بمعاهدة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ومجلس الأمن

شهدت إيران الجمعة الفائتة انتخابات الرئاسة الإيرانية وكما هو المعتاد احتدم التنافس فيها بين ممثلى التيار الاصلاحى والتيار المحافظ أو المتشدد بحسب ما اصطلح عليه بشأن القوى السياسية الإيرانية، وعندما أعلن فوز حسن روحانى الزعيم الإصلاحى لمدة رئاسة ثانية فرح كثيرون فى العالم العربى بل فى العالم أجمع باعتبار أن التيار الاصلاحى فى ايران هو تيار معتدل، وهذا الفرح يطرح سؤالا مهما وهو: ما الفرق بين الاصلاحى والمتشدد فى إيران؟؟.

وكى نجيب على هذا السؤال لابد أن نسترجع معا سياسة الإصلاحيين فى الحكم ونقارنها بسياسة المتشددين أو المحافظين فى القضايا الرئيسة التى تهم العالم العربى وأغلب القوى الكبرى فى العالم وهى:

المشروع النووى.
التمدد السياسى والعسكرى فى دول المنطقة.
بناء ترسانة صواريخ ضخمة كما ونوعا.

وسوف نتناول كل محور منها على حدة فى السطور التالية:

المشروع النووى الإيرانى تحت مسئولية رفسنجانى وخاتمى وروحانى

بداية المشروع النووى الإيرانى بعد الثورة الخمينية جاءت مع حكومة هاشمى رفسنجاني التى سعت إلى إعادة تشغيل المعامل النووية التي أغلقت مُنْذُ زمن الشاه بعد تحسينها ، وعليه فَقَدْ فاتحت حكومة إيران برئاسة رفسنجاني في أبريل عام 1990 شركة كرافت ورك لإكمال عملها في مشروع بوشهر الثلاثي، الذي نفذت منه مشروعين أحدهما بواقع 90% والآخر بواقع 50% وكلاهما دمرته الحرب مع العراق إلا أن الشركة رفضت التجاوب تحت ضغط أمريكي فطلبت حكومة رفسنجاني من الحكومة الألمانية التدخّل لحل المشكلة، ولكن لم تفلح الدبلوماسية في إقناع شركة كرافت ورك التابعة لشركة سمينز لتنفيذ المشروع.

واستمرت محاولات رافسنجانى لإطلاق المشروع النووى الإيراني فحاول تنفيذ المشروع مع شركات أوروبية متعددة فى ايطاليا واسبانيا وبولندا وبلجيكا وغيرها فى الفترة من 1990 وحتى 1994 إلا أن الولايات المتحدة وقفت له بالمرصاد وأفشلت جميع هذه الاتفاقات والعقود، ومن هنا استغل رافسنجانى انهيار الاتحاد السوفيتى وبزوغ دولة روسيا الاتحادية وحاجتها للمال فتعاقد معها عام 1990 على استكمال مشروع بوشهر وبناء مفاعلين آخرين كما تعاقد مع الصين لتزويد إيران بالوقود النووى اللازم لها.

أصبح المشروع النووي الإيراني يأخذ صورة أكثر واقعية للتنفيذ مهما كانت الظروف الإيرانية الاقتصادية بدءا 1995م، حيث وقعت عقدًا مَعَ روسيا لتنفيذ مشروع بوشهر تحت إشراف وكالة الطاقة النووية الدولية، وكان العقد ينص على إنشاء عدة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية لها القابلية على إنتاج 180 كيلوغرامًا من البلتونيوم في السنة من الوقود النووي المستنفذ، كما كان العقد ينص على ضرورة إنجاز روسيا عملها في أول مفاعل نووي في بوشهر لتوليد 30-50 ميجاواط خلال أربع سنوات، وأن تدرب خمسة عشر خبيرًا نوويًا إيرانيًا في السنة. بالإضافة إِلى بناء وحدة لإنتاج الغاز النووي القاذف لتخصيب اليورانيوم.

واستمر البرنامج النووى الإيرانى ينمو ويتطور سرا وعلنا بمدتى رئاسة رافسنجانى أغسطس 1989- أغسطس 1997 ثم فى مدتى رئاسة خاتمى  أغسطس 1997- أغسطس 2005، وهما الرئيسان المصنفان على أنهما إصلاحيان ومنفتحان تجاه العرب والعالم، وحتى بعد عصر الرئيس المحافظ نجاد عندما توصل خليفته الرئيس حسن روحانى المصنف كإصلاحى لإتفاق “ما” مع أوروبا والولايات المتحدة حول حل وسط بشأن البرنامج النووى الإيرانى فإن الاتفاق فى حقيقته يضمن استمرار ونمو وتطور البرنامج النووى الإيراني بكل جوانبه وإن اشترط السلمية فإن هذه السلمية وصفها المراقبون بأنها غير مضمونة اللهم إلا لعشر سنوات فقط وبعدها لن يمنع أحد إيران من إنتاج سلاحا نوويا، وفى إيران اعتبر هذا انجاز قدمه الاصلاحى روحانى للمشروع النووى الإيرانى، كما تعتبر الاتفاقية بمثابة إضفاء الشرعية الدولية على مشاريع إيران النووية بموافقة الإتحاد الأوروبى والولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولى.

التمدد السياسى والعسكرى فى المنطقة

فى عهد الرئيسين رافسنجانى وبعده خاتمى وفى الولاية الأولى لحسن روحانى واصلت إيران سياساتها الخارجية تجاه القوى المتحالفة أو التابعة لها فى كل من البحرين ولبنان والأراضى الفلسطينية المحتلة وسوريا واليمن والعراق فلم يجر أى تغيير إيراني تجاه هذه القوى، ورغم أن الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس محمد خاتمي تقدمت إلى الولايات المتحدة عبر وسطاء باقتراح سري عن “صفقة كبرى”  تقوم على  إجراء محادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية وفتح كل ملفات المنطقة للتفاهم عليها وتطبيع العلاقات الدبلوماسية وأوضحت إيران أن هذا الاقتراح يشمل ملف إسرائيل وحماس وحزب الله والعراق والمشروع النووى الإيراني بشروط خمسة هى:

-التوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة يشتمل على إنهاء العقوبات الأمريكية.
-احترام المصالح الوطنية الإيرانية في العراق.
-دعم المطالب الإيرانية بالحصول على تعويضات الحرب.
-احترام حق إيران في الحصول الكامل علي التكنولوجيا البيولوجية والنووية والكيميائية.
– الاعتراف بمصالح إيران الأمنية المشروعة في المنطقة.
 إلا أن الرئيس بوش الابن رفض هذه الرسالة الإيرانية ومن ثم استمرت السياسات الإيرانية فى المنطقة العربية والشرق الأوسط كما هى حتى يومنا هذا.

بل إن التورط الإيرانى العسكرى المباشر  زاد فى كل من سوريا وإيران واليمن وأفغانستان بالمدة الرئاسية الأولى للرئيس حسن روحانى، صحيح أن هذه الزيادة تأتى متماشية مع تطور الصراع العسكرى فى هذه المناطق إلا أن وجود حسن روحانى لم يمنع من هذه الزيادة ولم يقدم بديلا سياسيا أو سلميا عن انغماس الحرس الثورى الإيرانى أكثر وأكثر بالمناطق المذكورة.

ترسانة الصواريخ الإيرانية

تمتلك إيران منظومات صاروخية متعددة سواء أرض-أرض أو أرض-سطح  أو أرض- جو أو سطح – سطح أوغيرها، وبرامج الصناعات الصاروخية الإيرانية تكتنفه السرية والغموض ولا يعلم عنه إلا ما تعلن عنه إيران من حين إلى آخر ومن الملاحظ أن أهم المنظومات الصاروخية الإيرانية الصنع جرى الإعلان عنها بعهد مدتى رئاسة رفسنجانى وخاتمى ثم بالمدة الرئاسية الأولى لروحانى فصاروخ شهاب 1 (مداه 300 كم) أعلن عنه فى 1991 ثم شهاب 2 (مداه 500 كم) فى 1993 ثم شهاب 3 (مداه 1500 كم) جرت تجارب عليه فى الفترة 1998-2001 أى كلها بعهد خاتمى وطبعا كان تطويرا لما جرى بعهد رفسنجانى، و اختبرت إيران خلال مناورات نظمتها في ديسمبر 2016 سبع منظومات دفاعية محلية الصنع، وهى منظومة “مرصاد” الصاروخية، وهي منظومة متوسطة المدى ومطورة عن منظومة “هاغ” الأميركية.

كما تم اختبار منظومة أخرى محلية الصنع وقصيرة المدى أطلق عليها اسم “زهراء3”.

وكشفت وكالة “تسنيم” للأنباء أن وزارة الدفاع الإيرانية أعلنت فبراير 2017 عن صواريخ جديدة، هي: صاروخ فجر 5 الموجه، ومنظومة صواريخ ميثاق 3 المحمولة على الكتف.

وهذه هى أبرز أنواع  الصواريخ التى تضمها ترسانة الصواريخ الإيرانية وكلها صنعت فى عهد الرؤساء الإصلاحيين الثلاثة رفسنجانى وخاتمى وروحانى، بل إن روحانى قال: “صواريخنا موجودة من أجل الدفاع عن أنفسنا ومن أجل السلام، وليست هجومية، اعلموا بأنه فى حال كانت هناك حاجة تقنية لإجراء تجارب صاروخية، فسنقوم بذلك ولن نطلب اذن أحد” وجاء هذا التصريح له بأول مؤتمر صحفى يعقده بعيد إعادة انتخابه لمدة رئاسية جديدة.

الفرق بين المتشددين والاصلاحيين الإيرانيين

ومن هنا يتضح أنه لافرق بين المتشددين والإصلاحيين من قادة إيران إلا فى أسلوب التنفيذ بينما هم جميعا ينفذون استراتيجية واحدة مستمرة من بداية الثورة الخمينية عام 1979 وحتى الآن ولها محاورها الثابتة، وهذا الثبات فى المحاور الاستراتيجية والاستمرار فى تنفيذها هو أمر يتماشى منطقيا مع إنجازات إيران بكافة ملفاتها الاستراتيجية إذ لو أن كل رئيس ينقض ما بدأه من قبله لما وصلوا لما وصلوا له الآن لاسيما وأن الرؤساء الذين استقروا فى منصب الرئاسة منذ الثورة حتى الآن هم على خامنئى ثم رفسنجانى ثم خاتمى ثم نجاد ثم روحانى أى خمسة منهم ثلاثة من الإصلاحين، هذا فضلا عن كون الرئيس بمثابة رئيس تنفيذى فقط بينما المرشد الأعلى للدولة هو من يصنع استراتيجيات الأمن والدفاع والإعلام والسياسة الخارجية.

ولعل أبرز ما يلخص الفرق بين الإصلاحيين والمتشددين من ساسة إيران هو وصف آية الله محمد علي تسخيري مستشار آية الله علي خامنئىي مرشد الدولة لكل من الفريقين (الاصلاحى والمحافظ أو المتشدد) عندما قال: “إن كلا الخطين يؤمنان بالثورة الإسلامية، ويؤمنان بمبادئ الإمام الخميني، ويؤمنان بمبادئ الدستور، ويؤمنان بأهم مادة في هذا الدستور، وهي لزوم أن يكون القائد فقيهًا أو ما يعبر عنه بولاية الفقيه، وأنهما معًا يؤمنان بهذه المبادئ، ويختلفان في أساليب التطوير وآلياته”.

ترامب مع ملك السعودية

القمة الأمريكية العربية الإسلامية فى الرياض بين ترامب وملك السعودية سلمان

كتب- عبد المنعم منيب

سألنى أكثر من صديق عن رأى بوثيقة حماس، وسألنى غير واحد عن رأى فى القمة الأمريكية العربية الإسلامية فى الرياض بين ترامب وسلمان وآخرين، لكنى لا أهتم بالكتابة عن هذه الأمور الجزئية لأنى أتمثل دائما قول الشاعر العربى:

من كان أبصر شيئا أو رأى عجبا … فإنني عشت دهرا لا أرى عجبا
الناس كالناس والأيام واحدٌ … و الهر كالهر والدنيا لمن غلبا

واقع العالم الإسلامى في النظام الدولي المعاصر

وبعيدا عن تقعرات السياسيين وتنظيرات المتفلسفين، فإننى لا أفهم واقع العالم الإسلامى بل وكل دول ما يسمى بالعالم الثالث سوى أنها محتلة من قبل قوى النظام الدولى، الذى أنشأته أوروبا المسيحية على أنقاض قوة الامبراطورية العثمانية التى كانت إسلامية، فمنذ تدهور قوة العثمانيين وبقية الممالك الإسلامية فى آسيا وأفريقيا وطرد المسلمين من الأندلس نسقت الممالك الأوروبية المسيحية هجومها على كل أرجاء العالم الاسلامى، واحتلت كافة أرجائه، ورسخت نظاما لهيمنتها الدولية على العالم الإسلامى منذ القرن الـ18 الميلادى، وأسمته “النظام الدولى” تختلف الوجوه الأوروبية، من أسبانيا والبرتغال إلى بلجيكا وهولندا وايطاليا إلى فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وأخيرا إلى الولايات المتحدة وروسيا والناتو، ولكن الهيمنة واحدة إنها الهيمنة الأوروبية المسيحية على دول العالم الإسلامى.
التحليل السياسى الماركسى أطلق علي هذه الهيمنة اسم الإستعمار الجديد أو الامبريالية أو الإستعمار الإقتصادى، وهناك تحليلات لعلماء اجتماع واقتصاد غير ماركسيين سموها التبعية، وأخذوا يسوقون النظريات لما أطلق عليه “نظريات الاستقلال والتبعية”.
ومن هنا فأى حدث يجرى فى الدول الإسلامية لابد أن يفهم فى هذا الإطار، وما لم نفهم هذا الإطار جيدا فلن يمكننا فهم ما يجرى من أحداث فهما صحيحا، ولن يمكننا فهم مفردات الواقع والتعامل معها بشكل وأسلوب صحيح.

تضمن الولايات المتحدة استقرار واستمرار حكومات علمانية فى العالم الاسلامي

وفى هذا الإطار لا تتعجب من مبدأ الرئيس الأمريكى ريجان عن وجوب أن تضمن الولايات المتحدة استقرار واستمرار حكومات علمانية فى المنطقة من باكستان وحتى المغرب، ولاتستغرب من تصريحات كل ساسة أوروبا والولايات المتحدة عن وجوب أن يكون نظام الحكم القادم فى سوريا حكما علمانيا (إذا انتصرت الثورة)، فالمنطقة الإسلامية تابعة لهم وهم من يحددون نظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية وأنساقها الثقافية والأخلاقية، وعلى الجميع الانبطاح لهذه الهيمنة، وإلا فهو سيواجه نظام الهيمنة الدولية (المسمى بالنظام الدولى وما يتبعه من قانون يسمى بالدولى) مواجهة ساخنة أو باردة، سواء كان معارض الهيمنة هذا عقلانيا أو متهورا أو مُتَلَكَّأ أو متسرعا.

القدس

من وراء الهجمة التى يقودها يوسف زيدان ضد صلاح الدين الأيوبى

كتب- عبد المنعم منيب

هناك الآن هجمة على صلاح الدين الأيوبى يشنها كل ديوث أحمق بمصر فهو ديوث لأنه يجامل بها أعداء الإسلام وهو أحمق لأنه يخوض معركة خاسرة ستكبده خسائر كبرى بالدنيا وبالآخرة.

هذه حملة أشعل شرارتها الأولى أحقر ديوث بمصر ( يوسف. ز ) فإذا أردتم أن تعرفوا من وراء هذه الحملة فتذكروا من هم أعداء صلاح الدين الأيوبى رحمه الله.. إنهم الصليبيون الذين هزمهم وطردهم من القدس وغيرها وأسس لتحرير المشرق العربى منهم نهائيا، وأيضا أعداؤه الشيعة  خاصة الاسماعيلية الذين قضى صلاح الدين على إمبراطوريتهم بمصر والشام والحجاز واليمن و ملحقاتها. 
 فانظروا إلى أى الفريقين ينتمى المشاركون فى هذه الحملة ضد صلاح الدين الأيوبى اليوم.

ترامب

هل حكم دونالد ترامب لأمريكا الآن سيجلب النصر للمسلمين؟؟.. آراء وردود

كتب- عبد المنعم منيب

يفرح كثير من الأخوة بحكم دونالد ترامب الآن فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكتب بعضهم منوها بما سيأتى من نصر للمسلمين بسببه، وكتب أحد الأفاضل مؤيدا لهذا الرأى وقال: ” وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
الرجل يحارب معقل النظام العالمي الجديد نيابة عنا ههههه
من مسقط الرأس والنَّاس متشائمة ههههه”.
فعلقت عليه وقلت: “نعم لكن هو يريد أن يحل محله نظاما عالميا آخر على هواه هو ومن معه”.
فهو ضدنا أيضا لكن بطريقة أخرى.
فرد على شارحا رأيه وقال: “أقصد أن الفائدة ستحصل لنا قبل أن ينجح في فرض نظامه الجديد، أو قد ينجحون هم في مواجهته و تثبيت نظامهم العالمي الحالي، فهذا الصدام سيأخذ جهد و خسائر مالية هامة، وعلينا نحن المسلمين استغلال الظرف أفضل استغلال والا لن تتاح لنا فرصة كهذه أبدا”.
فرددت عليه متسائلا تساؤلا استنكاريا، وقلت: “كيف نستفيد ونحن لسنا عندنا لا موارد ولا أدوات، وأهم الموارد والأدوات هي الفكر الاستراتيجى السليم الموضوعى المبدع، والقيادة الاستراتيجية الذكية المبدعة ووحدة الصف؟؟؟!!!!”
فأجابنى مقترحا الحل من وجهة نظره: “هذا ما يجب العمل عليه، بجمع العلماء و المفكرين و المثقفين الشرفاء المؤمنين، و تكوين إطار سياسي يجمعهم و يبدأ في وضع خريطة لاسترداد أوطاننا، ويجب ان ننظر الى مصر و ليبيا و تونس كقطر واحد و نعمل على ذلك الأساس”.انتهى رده علي.
وفى واقع الأمر فالحل بالتوافق وتوحيد النخب الموجودة فعلا هو أمر حاوله كثيرون، فى مصر وفى بقاع شتى من العالم، منذ بدايات القرن العشرين الميلادى وحتى اليوم، ولم يجنوا سوى الفشل لسبب بسيط جدا، وواضح جدا، وهو أن هذه النخب المراد توحيدها هى هى التى صنعت هذا التشرذم، لأهواء بعضها، ولجهالة بعضها الآخر، فكيف سيخرجون من جلدهم الأصلى (أى الأهواء والجهالات) ويمحون واقعا هم صانعوه وهم حراسه؟؟!!
لذلك كله رددت على صديقنا ذى الظن الحسن وقلت له: “لافائدة ولا أمل فى النخب الحالية فى العالم الاسلامى، فلو فيها أى فائدة لما وصل الواقع لما نحن عليه الآن، وإنما الأمل فى نشوء نخب جديدة، ترتقي إلى مستوى التحديات علميا ودينيا، رغم أنه أمل ضعيف بسبب ما نراه من تمرد كثير من الشباب على خبرات التاريخ، وإعراضهم عن التحصيل العلمى المتخصص.. لكن ان كان هناك أمل فهو فى تكون نخب علمية وحركية جديدة”… والله الموفق والمستعان.

الحرب في سوريا

هل خلافات المسلمين لا تحسم إلا بالقتال وسفك الدماء ؟؟

تثير أحداث اقتتال عدد من الفصائل والحركات الإسلامية فى سوريا هذه الأيام مسألة غاية فى الأهمية وهى: كيف يدير المسلمون بعامة والحركات الاسلامية بخاصة خلافاتهم؟؟

ظاهرة الاقتتال الإسلامى/الإسلامى
لأن ظاهرة الاقتتال الإسلامى/الإسلامى هذه تكررت وبشكل خطير فى العصر الحديث، فاقتتلت فصائل مسماة بالإسلامية فى أفغانستان بعدما انتصروا على الاحتلال الروسى وتحولت أفراح النصر إلى بحور من دماء الشعب الأفغانى، وعاشت أفغانستان حالة من الفتن المسلحة وسفك الدماء لعدة سنوات إلى أن تشكلت حركة طالبان وقهرت جميع الأطراف وحكمت أفغانستان كدولة واحدة (تقريبا) لكن لم تعترف بها أى دولة فى العالم سوى باكستان والسعودية، إلى أن داهمها الغزو الأمريكى بنهاية عام 2001 فقضى عليها ونصب نظاما عميلا له هناك.
واقتتل الإسلاميون المختلفون أيضا فى الصومال حيث جرت بحور من دم بين “المحاكم الاسلامية” التى حكمت الصومال لفترة وبين حركة “الشباب المجاهدين”.
وتكرر ويتكرر مشهد صراعات الإسلاميين فى كل مكان بالعالم بأشكال شتى، فحين يكون هناك سلاح يستخدم السلاح، وعندما لا يكون هناك سلاح فهناك أساليب لا تقل فى فداحة ضررها عن السلاح مثل التشهير وإطلاق التهم الباطلة، ومثل إبلاغ أجهزة معادية بأن الشخص أو الجهة هذه أو تلك هى إرهابية أو متطرفة، ومثل الصمت عن ذبح فصيل إسلامى ما بدعوى أنه إرهابى أو متطرف، وفى كثير من الأحيان جرى الإعلان عن تأييد هذا الذبح وفى بعض الأحيان جرت المشاركة فى الذبح، ووصل الأمر فى حالات أخرى لمشاركة جهات لا خلاف فى عدم إسلامها وعدواتها للاسلام وللأمة الإسلامية (مثل أمريكا والناتو) فى غزو دول إسلامية كأفغانستان والعراق وغيرها، أو إطلاق الفتاوى بوجوب أو جواز مشاركتها فى العدوان على المسلمين.
فهل معنى هذا أن حل الاقتتال الإسلامى/الإسلامى هو أن يفوز فصيل على الجميع ويقهرهم ويمنع اقتتالهم؟؟ 
وبتعبير أكثر تجريدا وتعميما: هل خلافات المسلمين وبالأخص الحركات الاسلامية لا تحسم إلا بالقتال ولا ينتهى اقتتالهم وسفكهم للدماء إلا بإنتصار أحد الفصائل وهيمنتها على الباقين بقوة السلاح؟؟   

التعصب الحزبى والمذهبى
لا نجد بالدراسات المنشورة (فى حد علمى) دراسة علمية موضوعية محايدة لهذه الظاهرة وتصور علمى شرعى لسبل حل هذه الأزمة، وكل الذى نجده (فى حدود ما اطلعت عليه) دراسات وكتابات تعميمية عن أدب الخلاف وفقه الخلاف والحوار والتعدد والتنوع الفقهى ونحو ذلك، وهذا سببه أمران:
الأول-اعتلاء أشخاص لايهتمون بالعلم ولا الموضوعية لمناصب القيادة والتأثير والتوجيه فى الحركات الاسلامية بالعالم كله، فهم إما ممن لايعلمون أو أنهم ممن يعلمون علما غطى على نوره التعصب الحزبى والمذهبى فذهب بفائدته وثمرته فصاروا مثلهم مثل من لا يعلمون فى قراراتهم وسلوكهم، وبالتالى فكلا النوعين لا يهتمون بدراسة هذه “الظاهرة/الأزمة” علميا وإيجاد الحلول العلمية والموضوعية لها.
الثانى-تصميم جميع مفكرى وعلماء وكتاب وقادة كافة الحركات الإسلامية القائمة (أو أغلبها) على أن لايروا إلا أنفسهم فهم يعتبرون أن أى جماعة أو شخص من خارج جماعتهم لا يمثل عملا إسلاميا ولا يفيد الأمة الإسلامية ويعتبرون مسلكه خاطئ ويعطل انتصار العمل الإسلامى، (ويقصدون بالعمل الإسلامى ما تقوم به جماعتهم فقط) ويعتبرون أن أى عمل يقوم به من سواهم يجر الويلات والانتكاسات على الأمة الإسلامية، حتى لو كان هذا العمل هو نفس عملهم إلا أنه لا يرفع رايتهم، ومن هنا فكل فريق لايعترف بأى فريق إسلامى آخر، ولذا كل منهم يرى أنه لا حل إلا بإزاحة الآخرين من الوجود لأنه يرى أنه لامبرر لوجودهم بل ويرى أن وجودهم يعطله.

ما هو الحل؟
ومن هنا فالحل يحتاج أن يقوم الباحثون المستقلون عن الجماعات والأحزاب ممن تجردوا من التعصب الحزبى والفكرى بدراسة الظاهرة علميا موضوعيا فى إطار السياسة والاستراتيجية الشرعية، وأن يروجوا هذه الدراسات التى تحمل حلولا عملية بين شباب المسلمين ليخلقوا رأيا عاما ضاغطا على هذه الجماعات المتحزبة المتعصبة.
كما ينبغى أن يسعى الكتاب والناشطون وأصحاب المنابر بجانب الباحثين والعلماء إلى ترسيخ فكرة أن واقع العمل الإسلامى والحركات الإسلامية هو واقع متعدد ومتنوع وأن هذا التعدد والتنوع هو من قبيل المذاهب الفقهية التى يعذر فيها بالتأويل والتى ينبغى التعايش معها فهى لا حل لها لا فكرى ولا فقهى ولا عسكرى، فجميع أراء العلماء الموجودة حتى الآن بكتب الفقه الموسوعية منذ عهد الصحابة والتابعين وحتى يومنا هذا مازالت موجودة وظلت موجودة وتجد من يتبناها ويدرسها ويعمل بها عبر جميع العصور الإسلامية ولم يتمكن بحث فقهى أو فكرى مهما بلغ من قوة أن يزيل رأيا مخالفا له من منظومة الفقه الإسلامى فطبيعة الحياة وطبيعة الإسلام تقبل وتتعايش مع التعدد والتنوع وهكذا ازدهرت حضارة المسلمين وسادوا الدنيا لقرون كثيرة متتالية.

مذاهب العمل الإسلامى
وكى نكون صرحاء فنحن نحدد هنا بكل وضوح أن مذاهب العمل الإسلامى الآن هى من قبيل الاجتهاد فى السياسة الشرعية التى هى فرع من علم الفقه، وهذه المذاهب الآن تبلورت كالتالى:
-مذهب الفريق الأكبر من الإخوان المسلمين ومن نحا نحوهم فى كل أرجاء العالم ممن يرون أنه لاسبيل لوجود إسلامى إلا بالتعايش مع النظم القائمة بما فيها النظام الدولى الذى تهيمن عليه الآن الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبى وما تفرع عنه من نظم إقليمية وحكام لدول العالم، ويرون أنه لايجوز مناوئة هذا النظام ولا حمل السلاح ضده.
-مذهب شبكة القاعدة وفروعها المختلفة والتيار العام من “الجهاديين العالميين” الذين يرون أن هذا النظام الدولى هو نظام معادى ومحارب للاسلام والمسلمين ولا سبيل لنهضة الأمة إلا بتحطيمه عبر الدخول فى حرب دائمة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والناتو حتى ولو لم تمتلك إمكانات وموارد ذات بال اقتصادية أو تسليحية أو سياسية.
-مذهب الإسلاميين القُطريين (ومنهم من انبثقوا عن الإخوان ومنهم جهاديون) الذين رأوا أنهم لو ساروا على نهج المذهب الأول (مذهب الإخوان) فلن يقيموا دولة أو لن يحققوا أى من أهدافهم لأن النظام الدولى لن يسمح لهم بذلك، وأنهم لو سلكوا مسلك مذهب القاعدة فإن النظام الدولى والإقليمى سيسحقهم لضعفهم وقلة مواردهم، ومن هنا تولد مذهبهم القائم على إقامة دولة إسلامية قُطرية ليس لها أهداف أو شعارات دولية، ولا حتى إقليمية معلنة، فهم يعلنون أن هدفهم هو إصلاح واقعهم القُطرى على النهج الإسلامى وفقط، وذلك هروبا من الدخول فى صدام مع قوى دولية او إقليمية.

ومثال ذلك الاتجاه متمثل فى حركة حماس فى غزة وأحرار الشام بسوريا وحركة طالبان أفغانستان منذ نشأتها وحتى الآن، بما فى ذلك فترة حكمها لأفغانستان كدولة حتى بداية الغزو الأمريكى عام 2001، وهناك قُوى إسلامية مشابهة عدة فى أماكن أخرى، وهم يرون أنهم وإن كان النظام الدولى والنظم الإقليمية لم يتغاضوا عنهم وعارضوهم معارضات شتى إلا أن هذه المعارضات هى أقل من معارضتهم لشبكة القاعدة، ويعتبرون أن هذا يثبت صحة مذهبهم القُطرى هذا.
-مذهب الاسلاميين الدعويين وهؤلاء يرون أن الانغماس فى أى عمل سياسى سيجر عليهم متاعب تعرقل عملهم الدعوى (وهو عمل دعوى وخيرى وعلمى ونحوه) كما أنه سيجبرهم على تبنى إما تملق النظام الدولى والإقليمي والمحلى وهو ما قد يتحرجون منه شرعا، وإما معارضة هذه النظم وهو ما سيؤدى لنهايتهم بحسب رأيهم فالأسلم لهم (بحسب مذهبهم هذا) هو البعد عن السياسة والانشغال بالعمل الدعوى، وهؤلاء مثل جماعات التبليغ والدعوة وجمعيات إسلامية كثيرة بكافة أنحاء العالم لها أسماء شتى مثل أنصار السنة المحمدية بمصر والسودان والجمعية الشرعية بمصر وغير ذلك.
وكل مذهب من هذه الأربعة له تفريعات شتى.
ولكن بداية الحل هو أن نعترف أن كل مذهب من هذه المذاهب هو مذهب إسلامى نشأ وسيستمر موجودا بالواقع بشكل أو بآخر سواء قلنا بصحته أو جزمنا بخطأه، وأنه لا مناص من التعامل معه تعاملا يحقق مصالح الأمة الإسلامية ودين الإسلام ولا سبيل لتصفيته وجوديا وإزالته نهائيا من الواقع، لأن هذا الاعتراف والتعامل بالتعايش وبشكل من أشكال التعاون هو السبيل الذى سار عليه المسلمون فى أزمنة عزهم ومجدهم وهذا هو الواقع الذى لن يتغير حتى لو خبطنا رأسنا فى الصخر، وخبط الرأس فى الصخر هو والاقتتال  بالسلاح بين المسلمين وبعضهم البعض سيان. 
وصدق الشاعر:
كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها…. فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ