ترامب مع ملك السعودية

القمة الأمريكية العربية الإسلامية فى الرياض بين ترامب وملك السعودية سلمان

كتب- عبد المنعم منيب

سألنى أكثر من صديق عن رأى بوثيقة حماس، وسألنى غير واحد عن رأى فى القمة الأمريكية العربية الإسلامية فى الرياض بين ترامب وسلمان وآخرين، لكنى لا أهتم بالكتابة عن هذه الأمور الجزئية لأنى أتمثل دائما قول الشاعر العربى:

من كان أبصر شيئا أو رأى عجبا … فإنني عشت دهرا لا أرى عجبا
الناس كالناس والأيام واحدٌ … و الهر كالهر والدنيا لمن غلبا

واقع العالم الإسلامى في النظام الدولي المعاصر

وبعيدا عن تقعرات السياسيين وتنظيرات المتفلسفين، فإننى لا أفهم واقع العالم الإسلامى بل وكل دول ما يسمى بالعالم الثالث سوى أنها محتلة من قبل قوى النظام الدولى، الذى أنشأته أوروبا المسيحية على أنقاض قوة الامبراطورية العثمانية التى كانت إسلامية، فمنذ تدهور قوة العثمانيين وبقية الممالك الإسلامية فى آسيا وأفريقيا وطرد المسلمين من الأندلس نسقت الممالك الأوروبية المسيحية هجومها على كل أرجاء العالم الاسلامى، واحتلت كافة أرجائه، ورسخت نظاما لهيمنتها الدولية على العالم الإسلامى منذ القرن الـ18 الميلادى، وأسمته “النظام الدولى” تختلف الوجوه الأوروبية، من أسبانيا والبرتغال إلى بلجيكا وهولندا وايطاليا إلى فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وأخيرا إلى الولايات المتحدة وروسيا والناتو، ولكن الهيمنة واحدة إنها الهيمنة الأوروبية المسيحية على دول العالم الإسلامى.
التحليل السياسى الماركسى أطلق علي هذه الهيمنة اسم الإستعمار الجديد أو الامبريالية أو الإستعمار الإقتصادى، وهناك تحليلات لعلماء اجتماع واقتصاد غير ماركسيين سموها التبعية، وأخذوا يسوقون النظريات لما أطلق عليه “نظريات الاستقلال والتبعية”.
ومن هنا فأى حدث يجرى فى الدول الإسلامية لابد أن يفهم فى هذا الإطار، وما لم نفهم هذا الإطار جيدا فلن يمكننا فهم ما يجرى من أحداث فهما صحيحا، ولن يمكننا فهم مفردات الواقع والتعامل معها بشكل وأسلوب صحيح.

تضمن الولايات المتحدة استقرار واستمرار حكومات علمانية فى العالم الاسلامي

وفى هذا الإطار لا تتعجب من مبدأ الرئيس الأمريكى ريجان عن وجوب أن تضمن الولايات المتحدة استقرار واستمرار حكومات علمانية فى المنطقة من باكستان وحتى المغرب، ولاتستغرب من تصريحات كل ساسة أوروبا والولايات المتحدة عن وجوب أن يكون نظام الحكم القادم فى سوريا حكما علمانيا (إذا انتصرت الثورة)، فالمنطقة الإسلامية تابعة لهم وهم من يحددون نظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية وأنساقها الثقافية والأخلاقية، وعلى الجميع الانبطاح لهذه الهيمنة، وإلا فهو سيواجه نظام الهيمنة الدولية (المسمى بالنظام الدولى وما يتبعه من قانون يسمى بالدولى) مواجهة ساخنة أو باردة، سواء كان معارض الهيمنة هذا عقلانيا أو متهورا أو مُتَلَكَّأ أو متسرعا.

ترامب

هل حكم دونالد ترامب لأمريكا الآن سيجلب النصر للمسلمين؟؟.. آراء وردود

كتب- عبد المنعم منيب

يفرح كثير من الأخوة بحكم دونالد ترامب الآن فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكتب بعضهم منوها بما سيأتى من نصر للمسلمين بسببه، وكتب أحد الأفاضل مؤيدا لهذا الرأى وقال: ” وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
الرجل يحارب معقل النظام العالمي الجديد نيابة عنا ههههه
من مسقط الرأس والنَّاس متشائمة ههههه”.
فعلقت عليه وقلت: “نعم لكن هو يريد أن يحل محله نظاما عالميا آخر على هواه هو ومن معه”.
فهو ضدنا أيضا لكن بطريقة أخرى.
فرد على شارحا رأيه وقال: “أقصد أن الفائدة ستحصل لنا قبل أن ينجح في فرض نظامه الجديد، أو قد ينجحون هم في مواجهته و تثبيت نظامهم العالمي الحالي، فهذا الصدام سيأخذ جهد و خسائر مالية هامة، وعلينا نحن المسلمين استغلال الظرف أفضل استغلال والا لن تتاح لنا فرصة كهذه أبدا”.
فرددت عليه متسائلا تساؤلا استنكاريا، وقلت: “كيف نستفيد ونحن لسنا عندنا لا موارد ولا أدوات، وأهم الموارد والأدوات هي الفكر الاستراتيجى السليم الموضوعى المبدع، والقيادة الاستراتيجية الذكية المبدعة ووحدة الصف؟؟؟!!!!”
فأجابنى مقترحا الحل من وجهة نظره: “هذا ما يجب العمل عليه، بجمع العلماء و المفكرين و المثقفين الشرفاء المؤمنين، و تكوين إطار سياسي يجمعهم و يبدأ في وضع خريطة لاسترداد أوطاننا، ويجب ان ننظر الى مصر و ليبيا و تونس كقطر واحد و نعمل على ذلك الأساس”.انتهى رده علي.
وفى واقع الأمر فالحل بالتوافق وتوحيد النخب الموجودة فعلا هو أمر حاوله كثيرون، فى مصر وفى بقاع شتى من العالم، منذ بدايات القرن العشرين الميلادى وحتى اليوم، ولم يجنوا سوى الفشل لسبب بسيط جدا، وواضح جدا، وهو أن هذه النخب المراد توحيدها هى هى التى صنعت هذا التشرذم، لأهواء بعضها، ولجهالة بعضها الآخر، فكيف سيخرجون من جلدهم الأصلى (أى الأهواء والجهالات) ويمحون واقعا هم صانعوه وهم حراسه؟؟!!
لذلك كله رددت على صديقنا ذى الظن الحسن وقلت له: “لافائدة ولا أمل فى النخب الحالية فى العالم الاسلامى، فلو فيها أى فائدة لما وصل الواقع لما نحن عليه الآن، وإنما الأمل فى نشوء نخب جديدة، ترتقي إلى مستوى التحديات علميا ودينيا، رغم أنه أمل ضعيف بسبب ما نراه من تمرد كثير من الشباب على خبرات التاريخ، وإعراضهم عن التحصيل العلمى المتخصص.. لكن ان كان هناك أمل فهو فى تكون نخب علمية وحركية جديدة”… والله الموفق والمستعان.

رفسنجاني و الثورة الايرانية

المحطات المهمة فى حياة رفسنجانى حارس الثورة الإيرانية وصانع الملوك

كتب- عبد المنعم منيب


رحل على أكبر هاشمى رفسنجانى عن عمر يناهز الـ 83 عاما بعدما صنع وقاد معظم الانعطافات الكبرى فى دولة الثورة الإيرانية منذ نجاح الثورة عام 1979 وحتى وفاته منذ أيام، بدءا من إقناعه الخمينى بإلغاء تحريمه تأسيس حزب مرورا بوقف الحرب مع العراق والتعاون مع الشيطان الأكبر “الولايات المتحدة” وروسيا والصين وصولا لتعيينه خامنيئ خليفة للخمينى بدون الانتخابات التى ينص عليها الدستور.

الذراع اليُمنى للخمينى

كان رفسنجانى أحد أذرع الخمينى المهمة (إن لم يكن الأهم) داخل إيران بعد نفي الخمينى للخارج، حتى يمكن القول بأنه صار دينامو الثورة منذ منتصف السبعينات، وعندما نجحت الثورة عام 1979 ضد شاه إيران وعاد الخمينى إلى إيران اتخذ رفسنجانى مقرا له ولزملائه الموالين للخمينى بالقرب من منزل الخمينى، وذلك بهدف حماية الخميني من ناحية وتسهيل التواصل معه حول قرارات الدولة والثورة من ناحية أخرى، ورغم أن رفسنجانى شهد رفض الخمينى طوال السنوات السابقة لإنشاء أى حزب أو تنظيم سياسى إلا أنه دخل على الخمينى فزعا وقال له “مش عارفين نمسك البلد لازم ننشئ منظمة”، فرد عليه الخمينى متجهما وقال له: اذهب واعمل حزب”، بحسب رواية رفسنجانى فى مذكراته الشخصية الصادرة فى 2005، وأسس ساعتها رفسنجانى حزبا يمثل خط الامام الخمينى قاد به الصراعات التى انتهت بالتمكين للخمينى ورجاله من الحكم المطلق فى إيران، ولا نعلم ما إذا كانت هذه هى أول مرة يدفع فيها رفسنجانى “إمامه الخمينى” لتغيير رأيه أم لا؟ ولكننا نعلم أنها لم تكن المرة الأخيرة.

فى عام 1988 عندما كان رفسنجانى يتولى رئاسة البرلمان الإيرانى ويتولى قيادة الجيش بأمر من الخمينى، خشى رفسنجانى أن يموت الخمينى دون إيقاف الحرب مع العراق فلا يمكن لأى خليفة له أن يوقفها، لأن الإمام مات وهو مصمم على استمرارها بحسب عقيدتهم وقتها، فتوجه للخمينى وأقنعه أن استمرار الحرب هو فى غير مصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأنه ينبغى إيقافها على الفور، ووقتها ظهر صوت الخمينى واهنا عبر إذاعة طهران ليقول: “كان أهون على أن أتجرع السم بدلا من أن أوقف الحرب مع العراق ولكن إيثارا لمصلحة الجمهورية الإسلامية فقد قررت إيقافها” وبعد هذا الحدث بقليل مات الخمينى.

صانع الملوك

بموت الخمينى دخلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية فى إشكالية من يخلف الإمام كمرشد أعلى للدولة، يقود الدولة بصلاحيات واسعة مدى حياته خلفا للخمينى وفقا للدستور الذى باركه وسار عليه الخمينى أصلا، وقبل أن تطبق إيران الآلية الدستورية التى تقضى بانتخاب المرشد الأعلى التالى للخمينى، برز هاشمى رفسنجانى الذراع اليمنى للخمينى ليعلن أن الخمينى أسر له بأن “على خامنيئ هو أولى شخص بتولى منصب المرشد الأعلى كخليفة له”، وأذعن الجميع لرواية رفسنجانى، وأصبح على خامنيئ المرشد الأعلى للدولة خلفا للخمينى بدون أن ينتخبه أحد، ليكتسب رفسنجانى لقبا جديدا هو لقب “صانع الملوك”.

صفقة مع الشيطان الأكبر بعهد ريجان

وفى حين تولى خامنئي منصب المرشد فاز رفسنجانى فى الإنتخابات، ليتولى منصب رئيس الجمهورية خلفا لخامنئي، واستمر “صانع الملوك” فى رئاسة الجمهورية لمدتين متتاليتين ليرسخ اتجاهات جديدة فى سياسة إيران الداخلية والخارجية، ففى السياسة الخارجية واصل رفسنجانى توطيد تعاون إيران مع كل من روسيا والصين منافستا الولايات المتحدة، ليعيد بناء الجيش ويسلحه بعد حرب الثمانى سنوات مع العراق، والتى عانى ايران فيها من حصار عالمى يمنع تسليح إيران، ولم يكن تعاونه مع كل من “الاتحاد السوفيتى/روسيا” والصين فى التسلح وفى صناعة السلاح سهلا، إذ كانت الثورة الإيرانية تعتبر الاتحاد السوفيتى والصين مثلهما مثل الولايات المتحدة مجرد شياطين، ولا يجوز التعامل معهم، ومن هنا كافح رفسنجانى منذ قيادته للبرلمان والجيش الإيرانى فى حياة الخمينى من أجل توجيه الدولة الإيرانية للتعامل مع الصين والاتحاد السوفيتى، خاصة بعدما توقفت الولايات المتحدة عن مسايرة رفسنجانى طويلا بعد فضيحة “إيران- كونترا” التى كشفت حصول رفسنجانى على سلاح أمريكى، وذلك ضمن صفقة سرية شاركت فيها “CIA” وتاجر سلاح إسرائيلى بعهد الرئيس الأمريكى ريجان، وكان هذا مقابل الافراج عن رهائن أمريكيين، رغم أن الاسم الرسمى لأمريكا وقتها فى إيران كان هو الشيطان الأكبر بحسب شعارات الخمينى والثورة الإيرانية.

تقارب مع السعودية وانتقد سب الصحابة

وفى مجال السياسة الخارجية أيضا، سعى رفسنجانى للتقارب مع السعودية وتحسين علاقاته بدول الجوار السنية، دون أن يخل بالتزامات الثورة الإيرانية تجاه المنظمات الشيعية العراقية واللبنانية واليمنية وغيرها، تلك المنظمات التى ظلت تنمو منذ عهد الخمينى، لنرى حصادها اليوم فى المحور الشيعى الممتد بالمنطقة العربية والعالم اليوم.

وفى السياسة الداخلية، عمل رفسنجانى على تطوير الاقتصاد الإيرانى، ليصبح إقتصادا مختلطا تتسع فيه رقعة القطاع الخاص، ليسير مساندا لإقتصاد الدولة الذى ظل بعد الثورة مهيمنا على أغلب القطاعات، وفى نفس الوقت أسس لصناعات مدنية وعسكرية، ولكن جاءت العسكرية أكثر لاسيما صناعة الصواريخ، كما سعى لتطوير برنامجا نوويا إيرانيا.

وذكر رفسنجانى فى مذكراته أنه دافع عن أهل السنة ذات مرة أيام شاه إيران عندما رد على علامة شيعى ذكر أن يهودى واحد أفضل من كل أهل السنة، فهاجمه رفسنجانى ورد عليه، كما أن رفسنجانى انتقد علنا فى العام الماضى قيام الشيعة بسب الصحابة، والاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)، ودعا الشيعة لعدم استثارة أهل السنة بهذه الممارسات كما دعاهم للسعى لرأب الصدع بين الشيعة والسنة.

وكما ظل رفسنجانى زعيما للاصلاحيين الشيعة فقد ظل فى نفس الوقت قريبا من المحافظين، لذلك وصفه المراقبون بأنه إصلاحى بقلب محافظ، وعند اشتداد الصراع بين الجناحين كان ينفر المحافظون منه لدرجة أنه تم منعه من خوض الانتخابات الرئاسية عام 2013، بدعوى تقدم عمره لكن مساندته لروحانى أدت لفوز الأخير بمنصب رئيس الجمهورية.

ولكن هل فعلا تنقسم نخبة إيران الحاكمة لاصلاحيين ومحافظين؟؟ أم أنه مجرد توزيع أدوار؟؟.. وهذا موضوع آخر يمكنك قراءته هنا على هذا الرابط.

الفيلد مارشال رومل

المنطقة العربية والحرب العالمية الثانية فى مذكرات ثعلب الصحراء رومل (2 من 2)

نواصل كتابة محاور رئيسة عن انطباعى بعد قراءة مذكرات رومل، وأوضحها بنقاط فى السطور التالية.

لكن قبل تقديم هذه الانطباعات يجدر بى الايضاح أن هذا المقال (بحلقتيه) ليس عرضا لمذكرات رومل ولكنه إلتقاط لدروس تكتيكية وإستراتيجية وأحيانا إدارية ونادرا سياسية اقتطعتها من كلام رومل تارة واستخلصتها من مرامى كلامه فى هذه المذكرات تارة أخرى.

-تظهر هذه المذكرات كيف أن سوء الإدارة والنزاعات بين الإيطاليين والألمان من جهة وأيضا سوء الإدارة والتحاسد والإهمال الإدارى داخل القيادة الألمانية نفسها لعب ذلك كله الدور الرئيسى فى هزيمة رومل في أفريقيا ومن ثم هزيمة ألمانيا بشكل كامل في الحرب العالمية الثانية لأن رومل كان يعانى من تقتير ألمانيا وإيطاليا في إمداده بالامدادات اللوجستية التى يحتاجها رغم قصر المسافة بينه وبين إيطاليا وكذا ألمانيا ورغم أنه كان مرصود لحملته بأفريقيا آلاف المركبات والدبابات والمدافع وعشرات آلاف الأطنان من الذخائر والبترول وكان بعضها مخزن لحساب رومل في إيطاليا والبعض الآخر في ألمانيا ولكن كل هذه الكميات لم تصل إلى رومل أبدا رغم إلحاحه ومقابلته المباشرة لموسيلينى وهتلر عدة مرات لهذا الغرض، وعاق وصولها سوء الإدارة وتنازع أقطابها وتحاسدهم فضلا عن الإهمال الإدارى والسياسي في هذا المجال.

-كشف رومل في بداية مذكراته أن نجاح الألمان (وكان هو من قادة الحملة الرئيسيين) فى احتلال فرنسا وبلجيكا ليس كما ظن ليدل هارت (أحد أبرز القادة وعلماء الإستراتيجية البريطانيين بالعصر الحديث وبالحرب العالمية) من أن قوات الألمان كانت متفوقة فى العدد والتسليح، وأثبت أن سبب النصر الألمانى هو سرعة الحركة واعتماد تكتيكات المباغتة والسرعة والمحافظة على استمرار الإمساك بالمبادرة مع انهيار معنويات الفرنسيين وارتفاع معنويات الألمان وذكر أدلة وتفاصيل هذا كما ذكر أرقام القوات حيث كانت القوات الألمانية مكونة من ١٣٦ فرقة بينما كان للفرنسيين وحلفاءهم البريطانيين ١٥٠ فرقة.. وربما ذكر إحسان الألمان لاستخدام النيران المركزة والقصف الجوى.

-من تحليلات رومل لانتصاراته على البريطانيين في أفريقيا أن أسلحة الألمان كانت أحدث وأقوى ونيرانها أقوى وأكثف ودبابتهم أعلى تدريعا كما اجاد الألمان تكتيكات حرب الدبابات الثقيلة وأبدعوا فيها بينما ظل البريطانيون لسنوات لا يجيدون ذلك فضلا عن خفة تدريع دباباتهم إلى أن صنعوا الدبابة “الجرانت” وجاءتهم الدبابة الامريكية “شيرمان” كما أشار بهذا الصدد أيضا إلى ضعف المدافع البريطانية والإيطالية.

-لاحظ رومل وأشار الى قلب سلاح الطيران الأمريكى والبريطانى للموازين في نهاية الحرب مما ساعد في هزيمة الألمان في أفريقيا ثم في إيطاليا ونورماندى وإلى نهاية الحرب حيث تمكنت أمريكا من صناعة كميات كبيرة من الطائرات وبمستوى يضاهى المستوى التقنى للطائرات الألمانية، كما وفرت الولايات المتحدة أعدادا أكبر حتى كانت توفر ٤٠٠ طائرة قاذفة تهاجم في وقت واحد القوات الألمانية بمعركة واحدة، وهكذا ضربت إستراتيجية القصف الجوى الكثيف والمركز الإستراتيجية الألمانية التى تميزوا بها لسنوات والمرتكزة على القوات المميكنة سريعة الحركة المكونة من البانزر والقوات المحمولة.

-أوضح رومل وعيه بأهمية المنطقة العربية لحسم الحرب كلها (ويسميها أفريقيا) ويؤكد على أنه لو احتلها الألمان لتمكنوا من هزيمة الحلفاء لأنها ستمكنهم من السيطرة عل البحر المتوسط وخنق الاتحاد السوفيتى فضلا عن توفيرها النفط بوفرة للألمان وهو لازم لحركة الدبابات والطائرات والمركبات مما سيمكنهم من شن هجمات أكثر والمناورة تكتيكيا بالقوات كما يشاءون (لأن المناورة تحتاج حركة بالدبابات والآليات والطائرات وهذه كلها تحتاج مزيدا من الوقود للقيام بهذه التحركات).

-أظهر روميل وعيا بأهمية وخطورة إستراتيجية القصف الجوى وأهمية احتلال القواعد اللازمة لتوفير السيطرة الجوية على مناطق المعارك وتوفير كميات كثيفة من الطائرات القاذفة وتوفير البترول اللازم لحركتها.

-أكد على أهمية حسم معركة الأطلنطى عبر الغواصات ليتمكن الألمان من منع الإمدادات الضخمة الآتية للحلفاء من أمريكا واعتبر أن هذا هو ما سيحدد نتيجة الحرب كلها.

-ظهر تقدير رومل البالغ لأهمية الموارد الاقتصادية وكونها حاسمة فى تحديد نتيجة الحرب عندما اعتبر أن فرصة ألمانيا فى الفوز بالنصر فيى الحرب العالمية الثانية أصبحت ضئيلة بعد دخول الولايات المتحدة للحرب بسبب الموارد الاقتصادية الضخمة لأمريكا خاصة فى الصناعة.

-أوضح رومل تحليله للطبيعة الشخصية للتفكير العسكرى عند “مونتجمرى” وسلوكه بالحرب فقال: “ومن مبادئه ألا يدخل معركة ما لم يتأكد من انتصاره فيها وبالطبع هذا أسلوب لا ينجح إلا إذا صحبه التفوق المادى مع إحرازه لهذا التفوق بالفعل.

وكان حذرا للغاية بل إنى أعتقد أنه كان مبالغا فى حذره ولكنه استطاع استخدام هذه الصفة لمصلحته وقد كان يتمتع بصفات استراتيجية أكثر منها تكتيكية، إلا أنه لم يكن ممتازا فى قيادة القوات فى المعارك الميكانيكية بالرغم من معرفته لأهمية تطبيق هذه المبادئ، اما فى مجال التخطيط الاستراتيجى فقد كان رائعا وخاصة فى معارك الغزو التى قادها، ومن الصعب أن نجد له خطأ إستراتيجيا واحد.

وفى الحقيقة كانت القاعدة العامة بالنسبة للقادة البريطانيين الكبار أن أغلبهم كانوا يفكرون بأسلوب استراتيجى أكثر منه تكتيكيا، وعند وضعهم للخطط وقعوا فى خطأ وهو أنهم كانوا يهدفون للحصول على ما يمكنهم القيام به تكتيكيا.”أ.هـ. بالنص كلام رومل. 

-من تحليل رومل السابق لمونتجمرى والقادة البريطانيين يظهر أن رومل يتبنى رؤية استراتيجية تجيز التحرك بامكانات قليلة لتحقيق أهداف كبرى والانتصار بمعارك كبرى اعتمادا على المناورة والابداع الاستراتيجي والتكتيكى كى تعوض كل من المناورة والابداع نقص الإمكانات المادية، فما رأيكم هل هذه رؤية صحيحة؟؟

إقرأ الحلقة الأولى من هذا الموضوع هنا..

 
 

الملك فاروق

كيف كانت مصر عشية 1952 ولماذا أخذ العسكر الحكم وما دور أمريكا في الانقلاب؟ (1)

كانت مصر عشية عام 1952 مهيئة موضوعيا للثورة، فهى محتلة من الامبراطورية البريطانية العجوز التى خرجت من الحرب العالمية الثانية محطمة ومثخنة بالجراح، وكان فساد الملك فاروق قد انتبه له أغلب عقلاء الشعب رغم محاولات الملك المستمرة للتمرد على الاحتلال البريطانى، وكان الشعب قد فقد الثقة فى الأحزاب التقليدية القائمة بما فيها حزب الوفد الذى كان سابقا له شعبية كاسحة وكان يمثل أمل الكثيرين، فأغلب الأحزاب كانت تابعة للمك واستبداده كما كانت فاسدة فى نفسها، أما الوفد فقد انكشف ولاؤه للاحتلال بعد حادثة 2 فبراير 1942 عندما أذل الوفد الملك بحراب الانجليز تلبية لرغبة بريطانيا العظمى، كما انكشف فساد الوفد وولعه بالسلطة بشكل مطرد منذ هذه الحادثة، هذا كله على المستوى السياسى.

حالة مصر الاقتصادية

أما على المستوى الاقتصادى والاجتماعى فقد كان 2% من الملاك يملكون 98% من الأراضى الزراعية بمصر (وكانت الأراضى الزراعية وقتها هى رأس المال الرئيس بالبلد) بينما كان 98% من الملاك يملكون 2% فقط من الأراضى، وكان القطاع المصرفى كله تقريبا مملوكا للأجانب وكذلك أغلب المؤسسات التجارية والصناعية الكبرى كانت مملوكة للأجانب، وكان التعليم حكرا على من يملك المال لأن التعليم لم يكن مجانيا، كما كانت المدارس قليلة ولم يكن هناك سوى جامعة واحدة هى جامعة القاهرة (وقتها كان اسمها جامعة فؤاد الأول) وإن لحقت بها جامعتان أخرتان للتو هما جامعة فاروق الأول (عين شمس حاليا) والاسكندرية.

أحوال الصحة

ولم تكن أحوال الصحة بأحسن حالا فقد كانت المستشفيات نادرة، كما كانت عملية الرعاية الصحية مكلفة ولا تتم إلا لمن يملك مصاريفها وهم نسبة ضئيلة من الشعب.

القوى الدولية بعد الحرب العالمية الثانية

نحن الآن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقد انتهت قدرة القوى العظمى القديمة بريطانيا وفرنسا (فضلا عن ألمانيا وايطاليا) وصعدت قوة الاتحاد السوفيتى قائد الماركسية وقوة الولايات المتحدة كقائدة للقوى الرأسمالية بالعالم، لم تعترف فرنسا وبريطانيا بتخلفهما بعد عن مصاف القوى الأولى بالعالم (سنرى أنهما لم يقنعا بالرجوع للصف التالى لأمريكا إلا بعد إنذار الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى ضدهما ابان العدوان الثلاثى على مصر 1956)، وفى ظل هذا الوضع الدولى الجديد قررت الولايات المتحدة أن تنغمس بنفوذها فى أقاليم العالم المختلفة بما فيها إقليم الشرق الأوسط وبالطيع يأتى على رأس دول هذا الإقليم مصر، فجاءت بعثة من عناصر الـ CIA الى مصر لدراسة الوضع، وكتبت تقريرها.. “شعب مصر مهيأ حاليا لثورة تطيح بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية ولا أحد مهيأ لقيادة مثل هذه الثورة سوى قوتين هما الماركسيون والاخوان المسلمون”.

صراع الولايات المتحدة مع القوى الماركسية 

طبعا الأمر كان خطيرا للولايات المتحدة فهى فى صراع كونى مع الماركسية التى يقودها الاتحاد السوفيتى، وقيام الماركسيين المصريين بالثورة معناه تحول مصر الى النفوذ السوفيتى بما يضعف الاستراتيجية الدولية الأمريكية فى صراعها مع السوفيت، كما أن الاخوان هم متطرفون بحسب التصنيف الأمريكى حينئذ فأمريكا لا تريد عودة الحكم الاسلامى بعد قضاء الغرب على السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

خوف المخابرات الأمريكية من اندلاع ثورة ماركسية أو إسلامية فى مصر

ووضعت المخابرات الأمريكية خطة لتلافى ثورة ماركسية أو إسلامية فى مصر، وتقوم هذه الخطة على “تلميع” الملك فاروق أمام الشعب ودفعه للقيام بثورة يقودها هو ضد الأحزاب وضد أصحاب الأموال وملاك الأراضى مستخدما ضباط جيش شباب، فيلغى الأحزاب ويصادر الأراضى ويوزعها على الفلاحين ويجعل التعليم مجانيا، ويقوم باصلاحات اجتماعية ضد الفقر، ويطرد البريطانيين ويحكم البلاد كملك مستبد بدعوى فساد الأحزاب (ويكون تابعا فى السر للأمريكان طبعا).

وحاول ضباط المخابرات الأمريكية مقابلة الملك لاقناعه بهذه الخطة وإخباره أنه بفعله هذا سيكون قد ضرب واحتوى شعارات الماركسيين والإسلاميين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويكسب تأييد الشعب وذلك كله بظل المساندة الأمريكية، ولكن الملك كان مشغولا دائما بالقمار والنساء فلم يعطهم إلا موعدا بعيدا وعندما حان الموعد كان هذا الموعد فى ملهى ليلى كان يحب الملك السهر فيه دائما وهو ملهى “الأوبرج” بشارع الهرم وكان الموعد بعد نهاية السهرة أى قبيل الفجر بقليل وعندما جلس ضباط الـ CIA مع الملك وبدأوا فى شرح الخطة له فوجئوا بأنه غط فى نوم عميق وعلا صوت شخيره لأنه كان سكران “طينة”، وهنا قرر ضباط الـCIA الاجتماع مع جمال عبد الناصر ورفاقه بعد أن كانوا يماطلونه منذ فترة…

وهذه قصة اخرى سنتابعها معكم فى الحلقة القادمة إن شاء الله.

القوات الأمريكية في العراق

الوجود العسكري الأمريكي والتركي في العراق وسوريا وموضعه من السنة الربانية

منذ عدة أيام لاحظت خبر وصول قطع بحرية روسية إلى قرب سواحل سوريا وتحمل صواريخ كروز يزيد مداها عن ألفي كم، وقالت روسيا أن هدفها دفاعي وما أن رجعت للبيت حتى وجدت خبر وصول قوات أمريكية الى العراق يصل عددها لأكثر من 1800 مقاتل بمعداتهم، أول تساؤل كان قفز لذهني مع الوصول الصاروخي الروسي ولكن سرعان ما جاء اول طرف للاجابة مع الوصول الامريكي، فروسيا عرفت نية الولايات المتحدة للتواجد العسكري لمزاحمة الاجندة الروسية وربما جانب من الاجندة الايرانية/الشيعية فعززت روسيا وجودها لتحد من مخاطر هذه المزاحمة، وتتابعت بعد ذلك بيوم او يومين الأخبار لتؤكد هذا الظن، فأمريكا تقرر ارسال الفرقة ١٠١ للعراق وهي فرقة محمولة جوا لها خبرة بالعراق وشاركت بدور فعال في غزو العراق أيام بوش الابن، ونجد جون بايدن يعلن من تركيا أنه إذا لم ينجح الحل السياسي في ‫سوريا‬ فإن الولايات المتحدة وتركيا‬ لن تسكتا وستتدخلان عسكريا لضرب الارهاب في سوريا وأردوغان يعلن ان ‫‏أكراد‬ سوريا وتركيا هم كداعش سواء وان تركيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا و ‫قطر‬ لن تسمح للإرهاب بالتمدد في سوريا وأن تركيا لن تسمح بتموضع روسي في شمال سوريا.
ليس هدفي هنا سوق التحليل السياسي وانما هدفي أن أتخذه مدخلا لذكر قاعدة مهمة في مجال فهم فلسفة حركة الأحداث أو ماهو القانون الذي تتحرك الأحداث وفقه (وهي نفسها ما تسمى بفلسفة التاريخ) ومن ثم نفهم مستقبل أي أحداث او نتوقع مسارها العام على الأقل، فعندما دخلت روسيا بغشمها وإجرامها الى سوريا وسفكت دماء اهلنا هناك اسودت الدنيا في أعيننا جميعا ولكنني كنت أعلم بل أيقن أن أمرهم وأمر إيران/الشيعة لن يتم و سوف تسحقهم عجلة التاريخ وربما كتبت عن هذا كثيرا وقتها، الآن تتضح صورة سنن الله الثابتة التي لا تتبدل في مجال حركة الأحداث وأول معلم من معالم هذه السنة هي قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [سورة آل عمران ١٤٠- ١٤١]
فلا مناص من هذه المداولة (بغض النظر عن تفاصيل حكمة وأسباب المداولة).
ولعل مما يوضح المدوالة هذه أيضا قوله صلى الله عليه وآله وسلم (حق على الله أن لا يرتفع شئ من الدنيا إلا وضعه) [رواه البخاري وأبوداود والنسائي].
وهنا يبرز سؤال مهم وهو: ما هي آليات تحقق هذه المداولة؟
ولا شك انه توجود عدد من الآليات التفصيلية في هذا المجال وردت في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إلا أن أبرز هذه الآليات وأكثرها كلية هي آلية المدافعة (أي الصراع)، قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [سورة البقرة 251].
وقال سبحانه أيضا: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [سورة الحج 40].
وقد كتبنا تفصيلا عن مفهوم هذا التدافع أو الصراع و ركائزه أو أنساقه الفرعية في مقال سابق هنا.
وبعيدا عن أي تفصيلات اخرى فإننا نريد أن نشير إلى أنه اذا شاهدنا علوا للظلم أو الظالم فلا ينبغي أن نظن أن هذه هي نهاية المطاف فالأيام دول، وما ارتفع شئ إلا وضعه الله، فإن نازعتنا أنفسنا متسائلة: كيف؟ فلنرد عليها بقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).

الحرب في سوريا - صوررة أرشيفية

مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان (1من 5)

الكل يراقب و يترقب محاولا معرفة الاجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان؟..
و تأتي أهمية إجابة هذا السؤال من أن إجابته ستحدد مصائر ليس فقط  المنطقة و شعوبها و أفرادها فردا فردا بل و ستحدد مصير و شكل العالم و النظام الدولي كله.
لقد كتبنا سابقا هنا في ديسمبر 2014  عن “خريطة الصراع السياسي في المنطقة العربية الآن” و شرحنا أهداف أغلب القوى المتصارعة، و وعدنا بشرح أهداف بقية القوى في حلقة تالية و لكن قعد بنا ضيق الوقت عن الاكمال، كما أن بعض الأمور تغيرت بموت ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز و تولي الملك سليمان و فريقه للحكم بالمملكة، و إجراءه بعض التغيرات في تحالفات وسياسات المملكة، و موضوعنا اليوم ليس هو التكملة التي وعدنا بها و لكنه موضوع آخر و ان حمل في طياته – ضمن ما يحمل- التكملة.  
و ذكرنا في المقال السابق المذكور أن هناك احتدام للصراع بين عدة مشاريع للسيطرة بالمنطقة هي:
 
-المشروع التركي بقيادة أردوغان.
 
-المشروع الإيراني.
 
-المشروع الأمريكي.
 
-حلفاء المشروع الأمريكي و هم مصر و الأردن و دول الخليج العربي.
 
-مشروع شبكة القاعدة و التي تغيرت أسماء منظماتها الى جبهة النصرة في سوريا و أنصار الشريعة باليمن و ليبيا و تونس.
 
-مشروع داعش في المنطقة خاصة في سوريا و العراق.
 
-مشروع الاخوان المسلمون في مصر و تونس و اليمن و سوريا.
 
-مشاريع جهادية إسلامية محلية في سوريا (كأحرار الشام كمثال) و ليبيا (كفجر ليبيا و نحوها كمثال) و في أفغانستان حركة طالبان كمثال .

 
و لكن طرأ تغير الآن حيث بلور الملك سلمان و فريقه مشروعا سعوديا في المنطقة بالتحالف مع عدد من الحلفاء أبرزهم دول الخليج (عدا عُمان و الامارات) بالإضافة للمغرب و السودان و غيرهما.  
و كي نفهم مستقبل هذا الصراع لابد أن نعيد توصيف هذه القوى و أهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلا من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط و حينئذ سنجد هذه القوى هي:
 
-المشروع التركي بقيادة أردوغان
 
 و جوهره الارتقاء بتركيا لتصير قوة عظمى دوليا (هي الآن قوة عظمى اقليمية فقط) بجانب معارضة و افشال أو على الأقل حصار المشروعين الايراني و الاسرائيلي، و يتوسل لذلك بعدة وسائل هي:
-تنمية تركيا اقتصاديا لأقصى حد يمكنه تحقيقه و ذلك لحيازة القوة الشاملة كدولة و للحصول على تأييد الشعب التركي داخليا لحزب أردوغان بما يتيح له اطلاق يده في العمل السياسي و الاقتصادي داخليا و خارجيا.
-اكتساب التأييد الأمريكي و الأوروبي لخطواته الاقليمية و الدولية و يتوسل لهذا بحيل شتى آخرها محاربة ارهاب داعش.
-اقامة شراكات و تحالفات اقليمية مهمة تساعده على تحقيق سياسته الاقليمية و الدولية مثل تحالفه مع قطر و حماس و أكراد العراق و اخيرا السعودية.
-الحفاظ على شعرة معاوية مع أغلب غرمائه مثل علاقاته مع إيران و علاقته السرية مع إسرائيل و هدنته لسنتين متصلتين مع تنظيم العمال الكردي.
و يوثق أردوغان علاقاته بالقوى التي تناهض المشروعين الأمريكي و الإيراني بالمنطقة و يساندها لكنه يلعب في الملعب المأمون له فقط (بحسب ما استخلصته من المعلومات المعلنة) فيصعب أن يجازف بما يثبت علاقة له أو مساندة لقوى مصنفة أنها إرهابية بشكل قاطع لدى أميركا و أوروبا (باستثناء مساندته القوية العلنية و الخفية لحماس) و لكنه قوي و أداءه السياسي قوي فربما يغض الطرف عن دعم لهذا أو ذاك بشكل يصعب على خصومه إثباته عليه.
 
-المشروع الجهادي العالمي
 
تيار الجهاد العالمي متمثل في منظمة القاعدة و فروعها ، و قد مر بثلاثة أطوار و آخرها هو طور رأت فيه الفروع المحلية لشبكة القاعدة أن ضغوط الواقع و مقتضياته (من حيث زيادة أعداد أعضائها في بقاع جغرافية محددة و حاجة هذا العدد لحيز جغرافي يأمن فيه على نفسه و أسرته و يخزن فيه معداته و يستقبل فيه الوافدين و المتعاطفين الجدد و لا يمكن أن يتأتى له ذلك في بيت أو مزرعة فقط كما كان الحال سابقا) تجعله محتاجا الى التحيز جغرافيا لبقعة من الأرض يحميها و يتحصن بها و تكون معروفة ليلوذ بها داعموه و من هنا نشأت امارات تابعة للقاعدة بعضها معلن و بعضها غير معلن مثلما حدث في العراق أيام أبو أيوب المصري و أبو حمزة المهاجر و في اليمن و الصومال و مالي و غيرها.
و من هنا تظهر استراتيجية التنظيمات التابعة للقاعدة في الصراع الحالي
و هو سعيها لتكوين دولة اسلامية في مكان ما في المنطقة العربية أو أفريقيا كي تتمكن أن تأمن على نفسها فيها و تحقق النموذج الاسلامي في الحكم الذي طال انتظاره منذ بداية حربهم مع أمريكا (بداية من الصومال في بداية التسعينات من القرن العشرين و حتى الآن) ، و رغم أن مثل هذه الدولة قد تكون قاعدة و منطلقا لمواصلة الحرب ضد الولايات المتحدة الا أنها قد تلين موقفها من الولايات المتحدة كما فعلت النصرة مؤخرا أو قد تهدئ من اطلاق الهجمات كما هو الحال في الصحراء الأفريقية و الصومال و اليمن مؤخرا و غيرها.
و هكذا بات الهدف العملي و الأقرب للتطبيق في الصراع الدائر بالمنطقة بالنسبة لفروع القاعدة هو إقامة الدولة الاسلامية في بقعة جغرافية ما كلما أمكن و سوف يستمرون في الحرب حتى يتحقق لهم ذلك.
 
-مشروع تنظيم الدولة
 
نشأ تنظيم الدولة عبر الاستقلال عن القاعدة و هذا الاستقلال و ما واكبه من تغير فكري له أسبابه و طبيعته و ليس هنا مناسبة تفصيله و لكن على كل حال فتنظيم الدولة خرج من عباءة القاعدة بعد طورها الأخير و هو طور اقامة الدولة لكن تنظيم الدولة أخذ يعطي اقامة الدولة زخما إعلاميا كبيرا كي يلعب على وتر المشاعر الجياشة للمسلمين الذين يعانون من الظلم و الاستضعاف أو الاغتراب و يتشوقون لدولة تجسد مبادئهم يعيشون في ظلها آمنين، و من هنا فتنظيم الدولة قاتل و يقاتل للحفاظ على صورته كدولة لأنه جعلها مبرر وجوده و مصدر شرعيته و أعلن أن أمير التنظيم هو خليفة المسلمين.
 
-المشروع الجهادي المحلي
 
هو تيار اسلامي جهادي رأى أن من الصعب الدخول في حرب مع النظامين الاقليمي و الدولي بجانب حربه مع النظام المحلي الحاكم و لذلك فهو لا يعلن مشروعا أو أهدافا لا اقليمية و لا دولية و إنما يركز على أهداف و مشروع محلي قائم على اقامة حكم إسلامي محلي داخل دولته مستخدما الجهاد المسلح لتحقيق مشروعه و قد رأينا تبلور هذا الاتجاه في عدد من المنظمات المهمة بكل من سوريا و ليبيا و أفغانستان و غيرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و نواصل التحليل في الحلقة التالية غدا إن شاء الله.

إقرأ الحلقة الثانية هنا

و إقرأ الحلقة الثالثة هنا

و إقرأ الحلقة الرابعة هنا

و إقرأ الحلقة الخامسة و الأخيرة هنا

اسياس أفورقي رئيس إريتريا

أريتريا واللعب مع الكبار في الشرق الأوسط

الكلام عن أريتريا ودورها الإقليمي سيَجُرُّنا للكلام عن أطراف عديدة، مثل إسرائيل وإيران وأثيوبيا والغرب، والعديد من الدول العربية، والعديد من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، وكثرة هذا الأطراف رغم صغر مساحة وموارد أريتريا تقودُنَا لحقيقة واضحة، هي أن أريتريا تريد أن تلعب دورًا أكبر من إمكاناتها الجيوسياسية، وهي بذلك تريد أن تلعب مع الكبار في جزء من العالم الإسلامي، تَمَّتْ تسميته دوليًّا بمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة في شرق إفريقيا أو القرن الإفريقي.

جوانب من تاريخ تحرير أريتريا وأثرها في التحليل السياسي

استقلت أريتريا عن أثيوبيا في 23 من مايو 1993م ولن نقف كثيرًا عند التفاصيل التاريخية، لكنّ هناك أربعَ جوانب من تاريخ تحرير أريتريا لها دلالة مهمة في مجال التحليل السياسي، لا بد لنا في البداية من الإشارة إليها:

الجانب الأول: أن حركة التحرير هذه نشأتْ أوَّلَ أمرها في السودان عام 1961م، ولم تكن تملك مقاتلين داخل أريتريا سوى 13 مقاتلًا، ولم تملك كوادِرَ خارج السودان سوى أقل من عشرةٍ، أكثر من ثلثهم هم من السودانيين. وأعطى هذا الجانب الثوار الأريتريين ثقةً كبيرة في أنفسهم ومكانتهم، حتى بعد وصولهم للحكم، بسبب تحقيقهم إنجازَ التحريرِ من العدم- إن جاز التعبير- على الأقلِّ حسب رأْيِهِم هم!

كما أن تجربتهم الثورية هذه منحتهم خبرةَ ممارسةِ السياسة بأسلوبها الكفاحي, ومن ثَمَّ نرى لجوءَهُم المتكرِّرَ للأساليب العسكرية في علاقاتهم مع الأطراف الأخرى، كما حدث مع اليمن وأثيوبيا السودان.

الجانب الثاني- أن المساندة الأهَمَّ لحركة التحرير هذه منذ البداية وحتى بعد إقامة الدولة الأريترية المستقلةِ كانتْ من الدول العربية، خاصةً سوريا ولبنان والسودان والسعودية، لاسيما أن أثيوبيا التي اعتُبِرَتْ دولة محتلة لأريتريا، هي دولةٌ حليفة بشكل أساسي لإسرائيل، كما كانت بجانب ذلك حليفةً للاتحاد السوفيتي السابق.

ويعكس هذا الجانب أهميةَ منطقة القرن الإفريقي، وكذلك السواحل الإفريقية للبحر الأحمر بالنسبة للدول العربية, كما يعكس قلقَ العرب من الوجود الإسرائيلي، سواء في أثيوبيا (مُهَدِّدًا بذلك مصر، والسودان، والصومال، واليمن، وغرب وجنوب السعودية) أم في الساحل الشرقي لإفريقيا؛ حيث يُطِلُّ على بحرٍ، كُلُّ المطلين عليه من العرب، عدا هذا الجزء من ساحل البحر الأحمر الذي أصبح الآن أريتريا.

الجانب الثالث- أنه قد تحالَفَ الثوار الأريتريون مع ثوار التجراي الأثيوبين، ابتداءً من عام 1975م, وكان الأخيرون يَسْعَوْن لاستقلال إقليم التجراي عن أثيوبيا (يمثل التجراي 7 % من سكان أثيوبيا) لكنهم تحت ضغط ثوار أريتريا غيَّرُوا وُجْهَتَهم لحكم كُلِّ أثيوبيا.. وقد وصل هذا الضغط الأريتري ذِرْوَتَهُ بحصار عسكري، وتصفياتٍ دمويَّةٍ قادها أسياس أفورقي ضدهم عام 1985م, كما دعم هذا التوجُّهَ ضغطٌ سياسي أمريكي في نفس الاتجاه، بهدف إسقاط نظام “منجستو هيلامريام” المتحالفِ مع السوفيت في ذلك الوقت.

وفي هذا الجانب نضع يَدَنَا على العُقْدَةِ التي ربما تكون نفسيَّةً بين كُلٍّ من “ملس زيناوي” (أحد قادة التيجراي وقتها، ورئيس وزراء أثيوبيا الآن)، و”أسياس أفورقي” (الأمين العام المساعد لجبهة تحرير أريتريا وقتها، والرئيس الحالي لأريتريا)؛ حيث كانت جبهة أفورقي لها اليَدُ العليا والفضل على التيجراي الإثيوبيين في دَفْعِهِم لحُكْمِ كُلِّ أثيوبيا، كما كانت جبهة أفورقي بمثابة السيد على منظمة زيناوي (جبهة تجراي أثيوبيا)، بما لها من خِبْرَاتٍ وعلاقات وموارِدَ، وقوةٍ عسكريةٍ، بينما كانت منظمة زيناوي أشبهَ بالتابع لها بدرجةٍ ما, لكن بعد حكم زيناوي لأثيوبيا بكامل مواردها الاقتصادية والبشرية (تعداد أثيوبيا نحو 70 مليون نسمة، وجيشها نحو نصف مليون).. تغَيَّرَ الوضع، وتغيَّرَت موازين القوى إزاء دولة أريتريا التي لا تملك أيّ موارد اقتصادية ذات بال، كما أن تعدادها لا يزيد عن 4 مليون نسمة، ولا تملك جيشًا بحجمِ ولا تسليح الجيش الأثيوبي, ومن هنا ثارت المشاكل بين الدولَتَيْنِ، تُغَلِّفُها مشاكل ومنازعات الحدود؛ حيث بدا أنّ كُلًّا من الدولتين يسعى لاستِتْبَاع الأخرى، والاستئثار بالدور الإقليمي الأكبر في شرق إفريقيا، وفي القرن الإفريقي ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة.

الرابع- تحالُفُ ثوار أريتريا مع أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل قَبْلَ التحرير, ومن الطبيعي أنّ تَحَالُفَ نظام “منجستو هيلامريام” مع السوفيت سَهَّلَ على معارضيه الحصولَ على الدعم الغربي, ومصادر جبهة التحرير الأريترية تزعم أنهم لم يستطيعوا الحصولَ على الدعم الغربي، لولا الدخولُ من البوابة الإسرائيلية, وهذا هو تبريرهُم الدائِمُ لعلاقاتهم الوثيقة مع الكيان الصهيوني منذئذ, ومن هنا نرى التناقُضَ بين علاقات الأريتريين بإسرائيل وعلاقاتهم بالعرب.

نعم، قد تغيَّرَ موقف العرب من مسألة العلاقة مع الكيان الصهيوني، نظرًا لوجود علاقاتٍ لعدد من الدول العربية والإسلامية مع الكيان الغاصب، لكنْ لا شك أن أريتريا وأثيوبيا حتى الآن تتنافسان في الحصول على رضا إسرائيل, وفي واقع الأمر فإن إسرائيل لا يمكنها الاستغناءُ عن أريتريا بموقعها على البحر الأحمر، من حيث إنها الدولةُ الوحيدة التي لا تنتمي للجامعة العربية، وتُطِلُّ على البحر الأحمر؛ إذ كل الدول المطلة عليه عربية, وفي نفس الوقت لا يمكن لإسرائيل الاستغناءُ عن أحد أكبر دول إفريقيا من حيث القوة الشاملة، كأثيوبيا، ولاسيما أن لها حدودًا لصيقةً مع العالم العربي, وهكذا تعتبر علاقة أريتريا مع الغرب بعامةٍ، وإسرائيل بخاصةٍ أمرًا جوهريًّا وأساسيًّا حتى الآن, ومن هنا ليس مستغربًا أن الغواصاتِ الإسرائيليةَ التي أعدَّتْهَا إسرائيل لتوجيه ضربة نووية ثانية للعرب، ترتكز في جزءٍ أساسي من إمداداتها على موانئ أريتريا، إن لم تكن أريتريا هي قاعدتها الوحيدة في المنطقة.

انحياز الغرب وإسرائيل لأثيوبيا

انحاز الغرب وإسرائيل بشكلٍ كبيرٍ لأثيوبيا في نِزَاعِها ضد أريتريا، منذ الحرب التي دارت بينهما عام 1998م, وهذا أضْفَى شيئًا من التوتُّرِ على علاقة أريتريا مع الغرب، والمفترض أن يسري هذا الأمر على إسرائيل أيضًا، لكنّ كل الدلائل تشير إلى أن العلاقاتِ بينهما ما زالت استراتيجيةً لحاجة كُلٍّ منهما للآخر, وإن كانت إسرائيل تميل أكثرَ لأثيوبيا، بسبب قيمتها من ناحية الجغرافيا السياسية والعسكرية, هذا إذا تعارضتْ علاقتها بإثيوبيا مع علاقتها بأريتريا.

وأريتريا دولةٌ فقيرةٌ جِدًّا، سواء من حيث مواردها الاقتصادية، أم من حيث اقتصادُهَا الكلي, كما أنها لا تتمتَّعُ بتاريخ خاص عريقٍ، لا في الماضي القريب، ولا البعيد, ورُغْمَ ذلك فلدى قادَتِها طُمُوح ضَخْمٌ في لَعِبِ دور كبير في شرق إفريقيا، وفي الشرق الأوسط على حَدٍّ سواء، يفوق كثيرًا من أدوار القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة.

وقد استغل قادة أريتريا أهمية موقعها على البحر الأحمر بالنسبة للاستراتيجية الإسرائيلية؛ كي يقيموا علاقاتٍ قويَّةً مع إسرائيل، ويحصلوا منها على دعم اقتصادي وعسكريٍّ هام, كما استغلوا موقعهم الجغرافي كمَنْفَذٍ شِبْهِ وحيدٍ لأثيوبيا على البحر؛ كي يضغطوا عليها، ويحوزوا قُدْرَةَ توجيه السياسة الخارجية الأثيوبية كما يشاءون، لكن أثيوبيا لم تَرْضَخْ لهم، ودخلتْ معهم حربين ساخنتين عامي 1998 و2000 , والحرب الباردة مندلعةٌ بينهما منذئذ وحتى الآن، خاصةً عبر الساحة الصومالية؛ إذْ تدعم أثيوبيا الحكومة الانتقالية، بينما تدعم أريتريا معارضي الحكومة.

وفي نفس الوقت استخدمت أريتريا قُوَّةَ التحالف الأثيوبي مع إسرائيل لِتُسَوِّقَ نفسها لدى الدول العربية، خاصةً الغنية منها على أن أريتريا هي حليفٌ للعرب، لاسيما أن العديد من أعراق أريتريا يَرْجِع إلى العرب، أو على الأقل اختلطَ بالعرب، كما أن أغلب الأريترين هم من المسلمين (أكثر من 75%), وتحتاج أريتريا للدول العربية النفطية لانقاذ اقتصادها المتداعي, ورُغْمَ حُسْنِ علاقات عددٍ من الدول العربية بأريتريا، إلا أنها ليست بالقوة، ولا الفوائد التي كانت تأملها أريتريا.

ضغط أريتريا على مصر والسودان

ومن ناحيةٍ أخرى مارست أريتريا ضغْطًا عسكريًّا غير مباشر على كلٍّ من السودان ومصر, فبالنسبة لمصر دأبتْ على احتجازِ سفن الصيد المصرية لفترات طويلة، أو مَنْعِهَا من الصيد أمام سواحلها، رُغْمَ وجود فائضٍ لديها من الأسماك، وعدم وجود سُفُنِ صيد أريترية قادرةٍ على صيد هذا الفائض, وكان الغرض من هذا الضغط تحصيلَ ضريبةٍ باهظةٍ من الصيادين المصريين.

أما بالنسبة للسودان، فقد دعمتْ أريتريا سياسيًّا وعسكريًّا منظماتِ التمرُّدِ في جنوب السودان وشَرْقِهِ وغَرْبِهِ (دارفور)، وما زالت حتى الآن, وهدفها في ذلك المساهمةُ في المخطط الغربي والصهيوني لإضعاف السودان وتفتيته، والتقَرُّب بذلك لإسرائيل والغربِ بعامة.

إريتريا تضغط على اليمن

كما مارست أريتريا ضَغْطًا عسكريًّا على اليمن عبر استيلائها بالقوةِ على جزيرة أبو حنيش الاستراتيجية في البحر الأحمر، وادِّعَاءِ امتلاكها, وأرادتْ من ذلك تعزيزَ مكانتها الاستراتيجية في البحر الأحمر بهدف المساومة بهذه المكانة مع قوة كبرى إقليمية (كإسرائيل مثلًا) أو دولية (كفرنسا والولايات المتحدة مثلًا) كي تُقَدِّمَ هي التسهيلات الاستراتيجيةَ في البحر الأحمر لهذه القوة، في مُقَابِلِ تقديم هذه القوة الْمُقَابِلَ في شكلِ دَعْمٍ سياسِيٍّ واقتصادي لأريتريا.

إريتريا وإيران

و ربما يمكننا في هذا الإطار فَهْمُ ما يُقَالُ عن وجود تسهيلاتٍ عسكرية لإيران في موانئ أريتريا، سواءٌ صَحَّتْ هذه المعلومات أم لا.

ومن ذلك كُلِّهِ يمكننا أن نفهم كيف تلعب أريتريا مع الكبار في الشرق الأوسط ،وفي شرق إفريقيا، وفي القرن الإفريقي.

أسس استراتيجية في تجربة اريتريا

ورُغْمَ خلافنا مع عقيدة أريتريا وأهدافها السياسية، فإنه لا بُدَّ من التأمل في الكيفية التي تمكَّنَتْ بها أريتريا من اكتساب مكانةٍ ودورٍ إقليميٍّ، واللعب مع الكبار في الشرق الأوسط، والقرن الإفريقي، بل والتفوق عليهم في هذا اللعب في بعض الأوقات، وتتلخَّصُ هذه الكيفية في عدةِ أُسُسٍ، نوجزها على النحو التالي:

أولا- الإدراك الكامل لمكامن القوة الذاتية أو المميزات الذاتية التي يملكها الكيان السياسي، واستخدامها لتحقيق أهدافه العليا, وهذا ما فعلته أريتريا، فهي- رُغْمَ فَقْرِهَا في الموارد الاقتصادية والبشرية- قد أدركت أنّ موقعها الجغرافي له مميزاتٌ من الممكن استغلالها في علاقاتها مع العديد من القوى الكبرى، سواءٌ سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو استراتيجيًّا, وللأسف فالعديد من القوى العربية والإسلامية لها العديدُ من المميزات، ولكنها لا تُدْرِكُها أو لا تستخدمها.

ثانيا- التصميم على تحقيق الأهداف، وسلوكُ أسلوب السياسة الكفاحِيَّةِ لتحقيق هذا الغرض، وتَحَمُّل مخاطِرِ هذا السلوك، والتعامُل مع هذه المخاطِرِ بثبات.

ثالثا- ابتكارُ الوسائل والأساليب المناسبة لتحقيقِ ذلك كُلِّه، مهما كانت هذه الأساليب جديدةً وغيرَ معتادةٍ، فأريتريا- رُغْمَ صِغَرِ جيشِهَا وضَعْفِ تسليحِه، وضَعْفِهَا الاقتصادي- تمكَنَتْ من التَصَدِّي عسكريًّا بشكل أو بآخر للعديد من القوى الأكبر منها في المنطقة، عبر حروبٍ مباشرة حِينًا، وعبر حروبٍ بالوَكَالَةِ في أحيان أخرى.

وهكذا تَمَكَّنَتْ أريتريا من اللَّعِبِ مع الكبار.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

نشر في موقع الاسلام اليوم و كذلك في مدونتي القديمة وعدد من مواقع الانترنت و أثار جدلا واسعا و تعليقات كثيرة وقتها.

الأزمة المالية العالمية

المسلمون و الأزمة المالية العالمية

عصفت الأزمة المالية العالمية بالنظام المالي الدولي الراهن و لن يخرج العالم من الأزمة الا و قد تغيرت الخريطة المالية الدولية بما يسستتبعه ذلك من تغيير خريطة النظام السياسي الدولي بدرجة ما.

النظام الدولي الجديد

و تشير ملامح الأزمة المالية الحالية و متغيرات الواقع السياسي الدولي إلى أن النظام الدولي الجديد سيكون متعدد الأقطاب حيث ستتوزع القوة الدولية بين عدة أقطاب بعدما كانت مركزة في قطب واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية, صحيح أن التغيرات الاقتصادية و التطورات في عالم الاتصال لن تجعل الصراع او التنافس الدولي بالشكل الذي ألفه العالم على مر تاريخه, بسبب تداخل و تشابك المصالح الاقتصادية و المالية و بسبب ثورة وسائل الاتصال التي يصعب على أي أحد أن يوقفها, و لكن لا شك أن عناصر القوة و التأثير لن تظل رهنا لارادة الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بل ستتوزع فيه بين عواصم دول عدة كروسيا و الصين و الهند و اليابان و الاتحاد الأوروبي بجانب الولايات المتحدة, و من الطبيعي أن تزداد استقلالية حكومات العالم الاسلامي في صنع القرار خاصة فيما يخص سياستها مع شعوبها بعدما يترسخ النظام الدولي الجديد, و تعطي هذه الاستقلاالية لهذه الحكومات قدرات أكبر في البطش بمعارضيها.

و ان كان هناك عامل أخر مضاد و لكنه أقل تأثيرا و هو انتعاش الاتجاهات الدولية المدافعة عن الحريات و حقوق الانسان.و هذه الاستقلالية سوف تؤدي إلى مزيد من الضغط على الحركات الاسلامية عبر التدابير الحكومية القمعية و السياسية على حد سواء, لكن ستظل هذه الحكومات معرضة لضغوط المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الانسان مما يخفف قليلا من قمعها و لكنها قد تقل حساسيتها لهذه الضغوط بسبب أنه لا توجد حكومات من الأقطاب الدولية ممكن أن تدعم هذه المنظمات سوى الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة, بينما يمكن لحكومات الدول الاسلامية أن تلجأ لأقطاب دولية أخرى لا يهمها منظمات حقوق الانسان من قريب و لا من بعيد مثل الصين و روسيا و الهند أو حتى ايران أو اسرائيل (فكلتاهما قوة اقليمية عظمى) كى تستند إليها في مواجهة الغرب المساند (و لو شكليا) لقضايا الديمقراطية و حقوق الانسان.

قدرة الحكومات على القمع و الاستبداد

و رغم ذلك كله فلابد من رصد العديد من المتغيرات السياسية و الاقتصادية و تأثيرها على النحو التالي:

كما أن التعددية القطبية في النظام الدولي ستتيح لحكومات العالم الاسلامي منفذا تقاوم به الضغوط الغربية بشأن تقليل القمع و الاستبداد تجاه شعوبها, فإن الأزمة المالية و ما يتبعها من خلل اقتصادي مؤثر سيضعف قدرة هذه الحكومات على القمع و الاستبداد كل بقدر درجة أزمته لأنه من المتفق عليه أن ضعف حكومة ما اقتصاديا يتبعه ضعفها سياسيا, كما أنه كلما قلت انجازات حكومة ما الاقتصادية و السياسية كلما تآكلت شرعيتها السياسية أمام شعبها, و هذا الضعف طبعا إذا أصاب المستبدين فإنه يخدم قضية الحريات و تخفيف قبضة الاستبداد و تقليل القمع.

سيخف الضغط الدولي بدرجة ما عن الحركات الاسلامية بصفة عامة و السلمية منها بصفة خاصة كجزء من نتائج الهزائم الأمريكية و الغربية و هزائم حلفائهم في أفغانستان و العراق و الصومال, و كذلك بسبب نتائج الأزمة المالية العالمية و ما يتبعها من مشاكل اقتصادية, و هذا سيصب في مصلحة حركة هذه التيارات سياسيا كل في محيطه, كما أن هزائم الغرب و حلفائهم ستستخدم دعويا اسلاميا لضم مزيد من الأنصار للحركات الاسلامية بكافة اتجاهاتها.

بعد الهزائم و الأزمات التي مني بها الغرب و حلفاؤه ستتعلم “اسرائيل” أنها يجب أن تتعامل مع الحركات الاسلامية و بالتالي ستفضل التعامل مع التيارات ذات الطبيعة السلمية, كما أنها ستتعامل مع التيارات المسلحة التي لن تجد بدا من التعامل معها كـ”حماس”, كما أنها لن تمانع من التفاهم و التعاون مع جهات لديها نمط من البرجماتية يدفعها للتفاهم مع اسرائيل و أبرز مثال على ذلك هو ايران و حزب الله و القوى الشيعية العراقية و نحوها, و لن تتفاهم اسرائيل (و لا الغرب بطبيعة الحال) مع القاعدة أو الجهاد المصري أو السلفية الجهادية في أي مكان لأنها غير مضطرة لذلك لا الآن و لا في المدى المنظور, لكنها (هي و الغرب) قد تضطر للتفاهم مع طالبان في أفغانستان و شباب المجاهدين في الصومال إذا انتصرتا و سيطرتا على البلد, لاسيما و أن طالبان و شباب المجاهدين أكثر عقلانية و رغبة في التفاهم من القاعدة و من السلفية الجهادية.

الحركات الجهادية السنية

ستستمر ايران في غض الطرف عن الحركات الجهادية السنية ما دامت تستنزف الغرب و حلفائهم في المنطقة بما لا يهدد مصالح ايران و لا أتباعها و لا مناطق نفوذها, كما ستستمر ايران بنجاح في السعي لتقسيم المصالح و مناطق النفوذ في المنطقة بينها و بين الولايات المتحدة و الغرب , و عندما تستقر مناطق النفوذ الايرانية و تتراضى عليها مع الغرب و يتم ترسيم حدود نفوذ كل منهم بدقة فإن ايران ستحاول منع الحركات الاسلامية السنية من الحركة في مناطق نفوذها و حينئذ إما تتحول حراب الحركة الاسلامية السنية إلى ضرب ايران بدل الغرب داخل هذه المناطق أو تنسحب الحركة الاسلامية السنية من هذه المناطق تاركة لمتشددي الشيعة حرية تحويل جماهير السنة في هذه المناطق إلى التشيع كما حدث في العصر الصفوي, كما ستتعاون ايران (في حالة ترسيم خطوط مناطق النفوذ هكذا) مع الغرب لضرب الحركة الاسلامية السنية المسلحة.

هل يتغير جوهر الرأسمالية؟

سيضع العالم بقيادة الغرب تدابيرا مالية جديدة للتقليل من مخاطر تكرار الأزمات المالية المماثلة, و ستمثل هذه التعديلات تغييرا هيكليا في جوهر الرأسمالية, و رغم أنهم سيضعونها تحت مسمى “تطوير النظام الرأسمالي المعاصر” إلا أن بعضا من هذه التدابير ستقترب كثيرا من تعاليم و أحكام اقتصادية اسلامية موجودة في نص السنة النبوية المطهرة, و رغم أنهم وصلوا لها بالتجربة و الخطأ إلا أنه سيمكن للدعاة الاسلاميين الاستدلال بذلك على صلاحية أحكام الاسلام لكل زمان و مكان, و على كون الاسلام قد جاء بما فيه تحقيق مصالح البشر الدنيوية بجانب الأخروية على حد سواء, و انتهاز هذه الفرصة سيمكن دعاة الحركة الاسلامية من التوغل في فئات مجتمعية و مناطق جغرافية لم يكونوا متمكنين من الانتشار فيها من قبل, مما سيعطي الحركة الاسلامية مزيدا من القوة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية.

سيؤدي تعدد أقطاب النظام الدولي الجديد إلى اتاحة الخيارات أمام الحركة الاسلامية سواء على المستوى الدعوي (الفضائيات و النت و نحوهما) أو على مستوى الحركة الإقتصادية و السياسية, مما يقلل (و لا يزيل) مخاطر الحصار الدولي على الأقل تجاه الحركات الاسلامية السلمية.

ستتضرر شعوب العالم الاسلامي (و أغلبها من الفقراء) من الأزمة المالية الدولية في بعض الميادين, و لكنها قد تكون أقل تضررا من الغرب, و كما أنها قد تعودت على شظف العيش, مما يعني أن انتفاع الشعوب الاسلامية من فوائد الأزمة المالية العالمية أكبر من ضررها و معظم الانتفاع سيكون سياسيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع لمجلة البيان الشهرية الصادرة في لندن و نشر بعدد جمادى الآخرة 1430هـ ، كما نشرته في مدونتى القديمة.

الرئيس الأمريكي أوباما

من هم اللاعبون الجدد في الشرق الأوسط ؟

أشارت المصافحة الشهيرة بين هيلاري كلينتون ـ وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ـ ووزير خارجية سوريا وليد المعلم في المؤتمر الدولي لإعمار غزة في شرم الشيخ بمصر مؤخرًا إلى الخريطة الجديدة لللاعبين في الشرق الأوسط.

فسياسة القطيعة الأمريكية ضد عدد من القوى السياسية المؤثرة في المنطقة بهدف الضغط عليها لإخضاعها لم تأت للولايات المتحدة بالنتيجة التي هدفت إليها، وجاء باراك أوباما على رأس الحزب الديمقراطي لحكم الولايات المتحدة ليحاول اعتماد سياسة جديدة قائمة على الاعتراف بدور ما لعدد من القوى بالمنطقة؛ بهدف إخراج أمريكا وحلفائها من ورطتهم في عدد من الملفات الساخنة بالمنطقة، التي صارت كلها ساخنة ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

من الصومال التي نجح فيها المجاهدون في طرد أثيوبيا حليفة الولايات المتحدة، إلى العراق التي غاصت في مستنقعه القوات الأمريكية وحلفاؤها حتى الركب، إلى لبنان التي تصدر فيها حزب الله وحلفاؤه المشهد السياسي والعسكري، إلى فلسطين الذي استعصت فيها حماس على الكسر أو التطويع أمام آلة الحرب الإسرائيلية العملاقة، وأخيرًا أفغانستان التي يجمع المراقبون على أنها في طور التحول إلى فيتنام جديدة بالنسبة لقوات الناتو التي تقودها الولايات المتحدة هناك ضد حركة طالبان وحلفائها.

جاء أوباما ليعترف لأغلب القوى التي أحرجت الولايات المتحدة وقواتها في المنطقة بدور ما، مقابل دخولها في النسق السياسي العام الذي رسمته الولايات المتحدة للمنطقة.

فهو يعرض إمكانية الاعتراف بدور سوريا الإقليمي مقابل الحد من تحالفها مع إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، أو حتى مجرد حث إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية بقوة على التفاهم مع أمريكا لدخول النسق الأمريكي للمنطقة، كما يمكن التفاهم مع حزب الله والسماح له بدور قوي في لبنان مقابل تخفيفه للعداء مع “إسرائيل”، ونفس الشيء سيحدث مع إيران، الاعتراف والسماح لها بممارسة دور إقليمي مقابل التفاهم في ملفات المنطقة الهامة؛ كالنووي والعراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان.

أما المنظمات التي يستحيل تقديم تنازلات لها مثل طالبان_ التي تسعى لاسترداد حكمها لأفغانستان_ والمنظمات الإسلامية المجاهدة، التي تريد حكمًا إسلاميًّا خالصًا في الصومال، فهذه لا يمكن أن تتساهل معها الولايات المتحدة بشكل مباشر الآن؛ لأنها لن تسمح بتحقيق مثل هذه الأهداف بسهولة؛ ولذلك فهي_ أي الولايات المتحدة الأمريكية_ بحثت في الصومال عن بديل اعتبرته معتدلًا، وهو رئيس المحاكم الإسلامية السابق “شيخ شريف شيخ أحمد”، وستحاول من خلاله احتواء بقية القوى الإسلامية الأكثر تمسكًا بالشريعة.

طالبان أفغانستان

ونفس الشيء تحاوله مع طالبان في أفغانستان، وهو إحداث انشقاق في الصف الطالباني يتيح لأمريكا بديلًا لطالبان من داخلها، يمكنه أن يقدم نسقًا سياسيًّا مقبولًا لدى أمريكا، وفي نفس الوقت قادر على احتواء طالبان والقوى الإسلامية الأفغانية، وهذا الخيار هو ما أسماه أوباما في خطاب له مؤخرًا بـ “الحوار مع القوى المعتدلة في طالبان”.

على كل حال، فنحن هنا لسنا بصدد الكلام عن تفصيلات السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط، إنما يعنينا الكلام عن اللاعبين الجدد الذين من المحتمل أن تدشنهم ـ مع أشياء أخرى ـ هذه السياسة.

إيران

وأول وأقوى اللاعبين الجدد الذين ستعترف بهم السياسة الأمريكية ـ ومن ورائها سياسة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ـ في المنطقة هو إيران بقوتها العسكرية، وعلاقاتها السياسية المتشابكة، لكن بشرط أن تكف أو على الأقل تقلل من إثارة المتاعب في وجه “إسرائيل” وفي وجه النفوذ الأمريكي بالمنطقة، وربما يصبح الشكل الجديد قائم على أن تظل معاداة إيران للغرب و”إسرائيل” على المستوى النظري فقط وليس على المستوى العملي، ولكن ذلك مرهون بالتفاهم على شكل للبرنامج النووي الإيراني يكون مقبولًا لدى أمريكا وإيران و”إسرائيل”.

سوريا

أما ثاني اللاعبين الذين ستعترف لهم الولايات المتحدة بدور بارز في الشرق الأوسط فهي سوريا، ولكن لا بد وأن يتم ذلك طبعًا في إطار النسق الأمريكي التي تزمع الولايات المتحدة إرساءه في المنطقة بالتعاون مع حلفائها، وفي هذا الإطار يمكن إدراك المغزى من سعي الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة لمد الجسور مرة أخرى مع سوريا تحت دعاوى مختلفة.

حزب الله اللبناني

ويأتي حزب الله اللبناني كثالث اللاعبين الجدد في النسق الأمريكي في المنطقة، بعدما أضنت سياساته حلفاء أمريكا في لبنان و”إسرائيل”، وبعدما ظهر للولايات المتحدة ارتباطه العضوي بإيران.

وعلى كل حال، فإذا كانت هذه رغبة الولايات المتحدة بشأن هؤلاء اللاعبين الجدد، فإن لهؤلاء اللاعبين رغبات ومطالب، ونجاح الصياغة الأمريكية الجديدة في المنطقة مرهون بقدرة كل من الولايات المتحدة وهؤلاء اللاعبين على التوافق على سقف موحد للمطالب، التي سيتم الوفاء بها لهؤلاء اللاعبين الطموحين.

تركيا وقطر

أما تركيا التي ظهرت على مسرح أحداث الشرق الأوسط بقوة في الفترة الأخيرة، ويليها دولة قطر فهما قد انتزعتا دورًا ما بارزًا بالمنطقة لكنه تم تحت سمع وبصر الحليف الأمريكي و”الإسرائيلي”، كما أن الولايات المتحدة تقبل هذا الدور وستعمل على استغلاله في ترويض سوريا وإيران وغيرهما بهدف تحقيق السياسات الأمريكية الجديدة بالمنطقة.

وإذا كان هؤلاء جميعًا هم أبرز اللاعبين الجدد الذين تعمل السياسة الأمريكية الجديدة في عهد أوباما على إدخالهم في الصياغة الأمريكية للمنطقة مقابل الاعتراف بأدوارهم الإقليمية، فإن هناك لاعبَيْن آخرَيْن من خارج المنطقة دخلا لحلبة الصراع لكن بقوتهما الذاتية السياسية والاقتصادية والعسكرية، بجانب إرادتهما وتصميمهما على لعب دور بارز في إقليم الشرق الأوسط، وهذان اللاعبان هما روسيا الاتحادية والصين الشعبية، لكن تأتي قضية قرار الجنائية الدولية باعتقال البشير أحد أبرز حلفاء الصين في إفريقيا كاختبار قوي لصدق الرغبة الصينية في لعب دور قوي في المنطقة.

ولاشك أن للولايات المتحدة هدفًا من صياغتها الجديدة للشرق الأوسط، والتي ترغب في إرسائها في عهد أوباما، وهو كما قلنا في صدر المقال: الخروج من أزماتها المختلفة في المنطقة، وهذا يعني أنها تنشئ تحالفات جديدة لتواجه بها صراعاتها في أفغانستان وفلسطين والصومال والعراق والسودان وغيرها من ملفات المنطقة الساخنة.