محمد بن زايد مع وزير خارجية إيران - صورة أرشيفية

مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان (3 من 5)

ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للاجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان؟ و قلنا أنه كي نتمكن من الاجابة على هذا السؤال فلابد أولا أن نعيد توصيف هذه القوى و أهدافها لنعبر عنها بجوهر وصفها بدلا من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط ، و شرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي و مشاريع الجهاد العالمي و الجهاد المحلي و تنظيم الدولة الاسلامية كما ذكرنا في الحلقة الثانية المشروع السعودي و المشروع الاخواني و نواصل في هذه الحلقة توصيف بقية المشاريع بالمنطقة على النحو التالي:

-مشروع السيسي/الامارات

بغض النظر عن الكثيرمن التفاصيل فإن هذا المشروع يعبر عن غلاة العلمانية في المنطقة العربية، و لا شك أن صعود الاسلاميين سياسيا بعد الربيع العربي أوضح أن الغالبية العظمى من العلمانيين العرب خاصة في مصر هم غلاة جدا في علمانيتهم، و لا يقبلون الا بإقصاء كل ما هو إسلامي حتى و ان لم يكن سياسيا، و لم يتضح هذا الاتجاه بين كتاب و اعلامي العلمانية فقط بل برز أنه اتجاه مهيمن على الأجهزة الأمنية بشقيها العسكري و الشرطي، و قد أجج الصعود السياسي الاسلامي في مصر الأحقاد لدى هذه القوى تجاه الحركات الاسلامية، بل تجاه التدين الاجتماعي أيضا فأطلقوا حربا لا هوادة فيها تجاه الاسلاميين كما هو معروف و مشاهد لكل متابع للشئون العربية في السنوات الثلاث الأخيرة.

هذا المشروع الذي يقوده رئيس مصر الحالي المشير عبد الفتاح السيسي و رجل الامارات القوي ولي العهد الأمير محمد بن زايد يهدف الى اقصاء الاسلاميين بمختلف تياراتهم عن أي وجود سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو فكري ثقافي في الساحة العربية، و أدى هذا لصدامات مع المتظاهرين المعارضين في مصر، و كذلك اشتباكات مسلحة مع معارضين مسلحين بعضهم أعلن انتمائه لتنظيم الدولة، و بعضهم لم تعرف امتداداته التنظيمة بعد، كما حدثت صدامات مسلحة بين موالين للسيسي و بن زايد (قوات حفتر) و قوى اسلامية مسلحة في أنحاء متفرقة في ليبيا.

و أبرز إشكاليات هذا المشروع أنه كي يبلغ مداه فلابد له من أن يتصادم مع البنى الاجتماعية الأصلية في مواطن تمدده بما في ذلك أكبر دولة عربية سكانيا و هي مصر بجانب دول قبلية كاليمن و ليبيا و هي دول تدعم قبائل مهمة فيها تيارات اسلامية متعددة ، و كيف سيتصرف هذا المشروع مع بنى اجتماعية راسخة تؤمن بالخطاب الديني الذي يصمه بالارهاب مثل المؤسسة الدينية السعودية و قواعدها الاجتماعية التي تكاد تشمل كل قبائل و عائلات المملكة.

و من هنا فهذا المشروع يتصادم ليس مع كافة المشاريع الاسلامية (الاخوان ، الجهاد العالمي ، الجهاد المحلي) بالإضافة الى المشروع التركي و لكنه يسير إن عاجلا أو أجلا للصدام مع المشروع السعودي أيضا و لا يوجد من هو أقرب اليه الا المشروع الايراني المدعوم روسيا إلا انه حتى مع هذا المشروع سيكون مهددا لأن هذا المشروع لا يقبل الا التبعية المطلقة و هذا سيفتح عليه أبواب ضغوط أخرى تتعلق بخريطة التمدد المسموح به لايران أمريكيا و اسرائيليا كي لا تتطغى على النفوذ الاسرائيلي بالمنطقة.

و فضلا عن هذا كله فإن المحور الامارتي المصري لا يقوى وحده على تمويل مشروعه السياسي و الاستراتيجي اقتصاديا.

-مشروع إيران

مشروع ماكر جدا و يعمل بدهاء كبير جدا في العالم الإسلامي بكامله بل في العالم كله من أجل نشر التشيع بين جميع المسلمين السُنَّة و السيطرة على العالم العربي سياسيا.

و قد تمكنت إيران في الفترة الأخيرة من قطف كثير من ثمار ما زرعته منذ نحو أربعين عاما من العمل في المنطقة العربية من تمكين لحزب الله في لبنان و تمكين للحوثيين في اليمن و قبلها كان تمكين الشيعة في العراق و كادت تأخذ البحرين لولا تدخل القوات السعودية و الإماراتية كما نجحت إيران مع تابعها بشار في سوريا من تحجيم الثورة السورية بدرجة ما أو على الأقل عرقلة نجاحها الذي كان وشيكا في فترة ما.

و إذا كان أردوغان يعمل على خداع أمريكا و أوروبا ليفلت بمشروعه -بالتحول إلى دولة عظمى- إلى بر الأمان دون الاصطدام بأمريكا عبر إيهامها بأنه صديقها و انه معتدل و يحارب التطرف و الإرهاب الإسلامي فإن إيران تفعل نفس الشئ لكن عبر تصوير كل الحركات الإسلامية السنية بأنها إرهابية بل و تصوير أردوغان نفسه بأنه إرهابي و بأن إيران نفسها هي دولة معتدلة و متعاونة مع أميركا و أوروبا ضد الإرهاب الإسلامي.. و فرصة الثقة بين أميركا و إيران في هذا المجال أكبر من فرصة أردوغان.

و تأتي فرص إيران الأوفر لأسباب عديدة و منها على سبيل المثال التالي:

1-إيران عاونت أميركا كثيرا جدا في ضرب الإسلاميين في أفغانستان و باكستان بينما أردوغان رفض التعاون هناك.

2-نفس الشئ فعلته إيران في العراق بينما رفض أردوغان معاونة أميركا هناك بل و بعد ذلك ظل يساند التركمان و السنة العرب ضد شيعة العراق بدرجة ما كما وثق علاقاته الاقتصادية و السياسية و الأمنية مع أكراد العراق ضد شيعة العراق و ضد إرادة إيران.

3-إيران تضرب السنة من القبائل الحاضنة لأنصار الشريعة الآن في اليمن عبر الحوثيين و تجعلهم يعلنون أنهم بذلك يحاربون الإرهاب و تساندهم أميركا بطائراتها و عملائها اليمنيين.

و أهم شئ في العلاقة بين إيران و أمريكا من وجهة نظري هو ان أميركا تنخدع لإيران في كل هذه الأمور و غيرها لهدف أكبر من ذلك كله و هو هدف استراتيجي يتمثل في أن أميركا تريد لإيران أن تقوى بدرجة معينة و تتمدد في المنطقة لما هو “آتي” و هو أن أميركا تعلم جيدا أن خلافة أو دولة إسلامية سنية واعية و ناضجة و مدركة لطبيعة العصر الذي نعيشه سوف تنشأ خلال السنوات القادمة و بالتالي فهي تعد إيران من طرف خفي للتصدي لهذه الدولة عسكريا و سياسيا لتجهضها أو على الأقل تستنزفها.

و هذا نوع من اعادة ما جرى في التاريخ العثماني عندما أمدت ممالك أوروبا المملكة الصفوية بالمال ممولة لحروبها ضد العثمانيين مما أوقف الزحف و الفتوحات العثمانية في أوروبا بعد أن كانت القوات العثمانية قد حاصرت فيينا و قضمت نصف أوروبا الشرقي.. و نجحت بذلك أوروبا -وقتها- في إيقاف الزحف العثماني في اتجاه أوروبا لأن العثمانيين اضطروا لنقل مجهودهم الحربي كله الى الشرق للتصدي للهجمات الصفوية في المشرق العربي.

و تريد إيران توطيد نفوذ ذيولها في العراق و لبنان و اليمن و القضاء على معارضيهم هناك كما تسعى إلى تصعيد نشاط شيعة البحرين وصولا للاستحواذ على الحكم إذا سنحت الفرصة كما تريد أن تهزم الثورة السورية لتوطد حكم العلويين و تلجأ إيران لحيل عديدة في سوريا من أجل تحقيق هذا، فبجانب مجهودها العسكري فإنها قد تلجأ لحل سياسي ما بالتوافق مع المحور الخليجي و الولايات المتحدة .

و يضاف لذلك نشاطها الكبير عبر الشيعة داخل الكويت و السعودية و مصر و أفغانستان و باكستان و غيرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و نواصل التحليل في الحلقة التالية غدا إن شاء الله.

و إقرأ الحلقة الأولى هنا

و إقرأ الحلقة الثانية هنا

و إقرأ الحلقة الرابعة هنا

و إقرأ الحلقة الخامسة و الأخيرة هنا

اعتصام رابعة - صورة أرشيفية

مستقبل الصراع السياسي و العسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان (2 من 5)

ذكرنا في الحلقة الأولى أننا نسعى للإجابة عن سؤال: ما هو مستقبل الصراع السياسي والعسكري في المنطقة العربية و أفريقيا و أفغانستان ؟

وقلنا أنه كي نتمكن من الاجابة على هذا السؤال فلابد أولاً أن نعيد توصيف هذه القوى وأهدافها لنعبرعنها بجوهر وصفها بدلاً من الوقوف عند حد توصيفها بأسمائها فقط، وشرحنا في الحلقة الأولى توصيف كل من المشروع التركي ومشاريع الجهاد العالمي والجهاد المحلي وتنظيم الدولة الاسلامية ونواصل في هذه الحلقة توصيف بقية المشاريع بالمنطقة على النحو التالي:

  • المشروع السعودي :

السعودية ترجع تركيبة نظامها السياسي أنه تحالف بين الوهابية وقيادة آل سعود كقيادة سياسية ثم حدث الصدام بين عبد العزيز آل سعود وجناح ما في الوهابية وهو الجناح الذي كان يريد أن يصطدم بالنظام الدولي عبر مواصلة فتوحات الدولة السعودية بالإقليم العربي مما يتصادم مع النظام الدولي الذي كانت تقوده انجلترا وفرنسا وقتها.

ورغم هذا الصدام فإن عبد العزيز لم يستغل هذا الحدث كي يقصي الحركة الاسلامية بشكل كامل لكنه أقصى فقط الجناح الذي يرغب في الصدام الدولي بينما أقر وجود ونفوذ الجناح الذي يترك الشؤون الدولية للملك ويركز على الشأن الداخلي.

ظلت السعودية كنظام حكم هي نظام حكم إسلامي يتماشى مع النظام الدولي ولا يصطدم به إلا في إطار المسموح به ولكنه نظام إسلامي سني تقليدي وليس ثورياً وتنبئنا خبرة التاريخ أنه يصعب (ولا يستحيل) على النظام السعودي التوافق مع القوى الإقليمية إذا كانت تعاند ثوابت الإسلام الكبرى فقد تعكرت الأجواء دائماً بينهم وبين قوى الحداثة اليسارية واليمينية حتى أواخر السبعينات (نماذج بورقيبة وناصر والبعث والقذافي).

وأيا كانت التفسيرات فإن النظام السعودي تأقلم مع التدين إقليميًا والعكس بالعكس ولكن كان لسان حاله أن الذنب جهة العرب مغفور لكنه تجاه ملوك الروم غير مغفور. أذكر الأثر في ذلك موجة السفاهة والحمق الأخيرة ضد كل ما هو اسلامي التي قادها وغذاها الإمارات وعلماني مصر تحالف معها عبدالله بن عبد العزيز وطاقمه الملكي وكان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تغير تاريخي في التوجهات السعودية إلا أنه سرعان ما عاد الملك سلمان بالدفة السعودية إلى توجهاتها المعتادة لكن الضغط الإماراتي والمصري المدعوم من الغرب (أمريكا وأوروبا) وإيران متواصل للدفع بالسعودية في اتجاه معاداة التيار الإسلامي وهو أمر يستحيل أن تسير عليه السعودية لأن البناء الاجتماعي وأغلبية هياكل القوة الاجتماعية (العائلات والقبائل) والاقتصادية (أصحاب المال) لا تقبل إقصاء كل ما هو إسلامي كما يريد غلاة العلمانية فضلاً عن أننا في زمن صعود سياسي وعسكري بالمنطقة للتيار الإسلامي وهو ما تريد أن تستفيد منه المملكة لمواجهة القوة الإيرانية الكاسحة بالمنطقة والمدعومة عسكريًا وسياسيًا من قبل روسيا والصين ومدعومة بغض طرف من أوروبا والولايات المتحدة، وقد وصل الملك سلمان وطاقمه إلى حقيقة مؤداها أنه لابد للمملكة أن تبرز أنيابها لحماية أمنها القومي.

ومن هنا فالسعودية تسعى لمواجهة النفوذ الايراني بقدراتها الذاتية وعبر التحالف مع المحور التركي القطري وكذلك التحالف مع الكثير من القوى الإسلامية خاصة الأقل خطورة مثل الإخوان المسلمون وتيار الجهاد المحلي، ولا تريد السعودية من ذلك السيطرة على المنطقة (بعكس إيران وتنظيم الدولة والقاعدة) وإنما يكفيها تأمين مناطق أمنها القومي التقليدية مثل الخليج وجنوب الجزيرة العربية (اليمن وبحر العرب وباب المندب) والبحر الأحمر والشام وجنوب العراق عبر وجود قوى صديقة مسيطرة على هذه المناطق وبعيدة عن نفوذ ايران.

  • مشروع الإخوان المسلمين :

وجوهره الإرتقاء بدوله اقتصاديًا واجتماعيًا مع تطبيق تدريجي على مدى بعيد للغاية للشريعة الإسلامية في الحكم بما لا يغضب النظام الدولي وقواه المتحكمة فيه ولا يسبب صدامًا معها (خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) وهم يفترقون مع أردوغان من حيث أنه يشد أحيانًا ويرخي أحياناً أخرى مع النظام  الدولي (بما في ذلك مع أمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل) لأنهم مهادنين دائمًا للنظام الدولي.

كما أن محور الإخوان المسلمون يختلف مع التيار الجهادي الدولي وداعش حيث تقوم استراتيجياتهما الدولية والإقليمية على الصدام مع النظام الدولي والإقليمي.

ويختلف الإخوان المسلمون مع التيار الجهادي المحلي لأنه يقوم على مخالفة النظامين الإقليمي والدولي لإيمانه أنهما لا يخدمانه ولا يسمحان له بالعمل وإن كان يبتعد قدر إمكانه عن الصدام معهما إلا إذا فرض عليه الصدام فهو حينئذ لا يتردد في الصدام معهما بينما يتهرب الإخوان من أي صدام كهذا بل ويتبرئون منه فضلاً عن كون تيار الإخوان لا يظهر أي خلاف مع النظامين الإقليمي والدولي بل ويسعى دائمًا للاندماج فيهما، كما أن تيار الإخوان يعمل وفق الآليات التي يتيحها النظام الدولي والإقليمي له للعمل ولا يتخطاها ورغم أن معارضة هذا التيار لانقلاب السيسي تخرج عن هذه القاعدة وكانت سابقة هي الأولى من نوعها لتيار الإخوان وكان من الممكن أن تؤسس لتطور جديد لدى جماعة الاخوان (وبلغت المعارضة ذروتها في اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة) إلا أن هذه المعارضة لم تأخذ مداها في التكتيكات الاحتجاجية لتكون كافية لتحقيق نتيجة مهمة أو على الاقل التأسيس لتطور ما جديد في سياسات الإخوان المسلمون.. لذلك ليس لمعارضتهم للسيسي تأثير في تغير قواعد التحرك لدى الجماعة حتى الآن بل هم في معارضته يتوسلون بالنظم الإقليمية والدولية لإزاحته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ونواصل التحليل في الحلقة التالية غدًا إن شاء الله.

و إقرأ الحلقة الأولى هنا.

و إقرأ الحلقة الثالثة هنا.

و إقرأ الحلقة الرابعة هنا.

و إقرأالحلقة الخامسة و الأخيرة هنا

الحرب في سوريا - صورة أرشيفية

التقليد هو الأوجب الآن قبل الهجرة الى ساحات الجهاد

نشر العلم مع تقليد الأكفاء الثقات كلا في تخصصه في الأمور الدقيقة التي يصعب فهمها هو الحل و الأوجب الآن للقضاء على فتن الغلو و الانحلال و الكفر و محاربة الدين جميعا، بمعنى أن نمتنع عن الهجرة الفردية للساحات المنتشرة الآن، و يبحث كل أهل بلد أو مدينة عن من يعرفونه من أهل الدين و الصلاح و العلم و الثقة في بلدهم أو مدينتهم فيقلدونه في مجال تخصصه في الأمور التي يصعب عليهم فهمها ، لأن كل أهل مدينة يصعب عليهم الانخداع بأي من مواطنيهم لطول المعايشة و معرفة تاريخ و سلوك بعضهم البعض، و لعل مما يلمح لتأييد هذه الفكرة قول جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه للنجاشي : “جعفر بن أبي طالب فقال له : أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله” ..الخ الحديث (رواه أحمد و صحح أحمد شاكر و الألباني سنده)  و الشاهد فيه قوله ” منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه”.

أما الهجرة للساحات الآن فرديا فتفتح باب الافتتان لأن الشخص يدخل على من لا يعرفهم و يتوجب عليه أن يسمع لهم و يطيع في أمور يصعب عليه هو نفسه تقييمها و تقديرها لقلة العلم العميق بين المسلمين في هذا الزمان في مجالات الفقه و السياسة الشرعية و الاستراتيجية و الاقتصاد و الادارة العامة فضلا عن العلم بالواقع الجديد الذي انتقل اليه و جغرافيته السياسية و العسكرية و الاسلامية، إن اكتساب العلم في هذه الأشياء بدرجة عميقة و راسخة قد يأخذ من 3 سنوات الى 10 في التخصص الواحد اذا توافرت المناهج و المراجع و المعلمين، فالحل العاجل هو تقليد من هو معروف و موثوق في علمه و صلاحه و هذه الموثوقية يعرفها كل أهل بلد عن بعضهم البعض.

استخدام عالمية العمل الإسلامي بشكل فردي الآن تتيح لأهل الجهل و الغلو أن يقودوا الشباب الى المهالك و يستنزفوا موارد الأمة البشرية و الاقتصادية ليس فقط في عبث بل و في تمزيق الأمة نفسها و نشر الفتن فيها، فينبغي أن تكون “عالمية العمل الإسلامي” الآن عملية لها معايير و ضوابط محددة و محدودة الى أن تنصلح الأمور و يصير للمسلمين مرجعية عالمية متفق عليها و لا يختلف عليها أي من أهل الصلاح.

و بجانب هذا يجب نشر العلم بين الشباب و بين جميع الناس لأنه من المؤسف أن أبجديات الاسلام في الفقه و العقيدة شبه منعدمة الآن فضلا عن انعدام العلم في أدوات التفكير العلمي الاسلامي المتمثل في أصول الفقه و القواعد الفقهية و علوم الحديث… و هذا بين نشطاء الاسلاميين و الحركيين المهتمين منهم (الا من رحم الله) فما بالنا بغير ذلك.

هامش

تعريف التقليد لدى علماء أصول الفقه هو : اتباع قول الغير بغير حجة ، و انما قالوا به لأن العوام أو من هم من غير أهل العلم يصعب أو أحيانا يستحيل عليهم فهم الدليل أو فهم دلالته على الحكم ، و رغم اختلاف العلماء سلفا و خلفا على حكم التقليد بين من يجيزه و من يحرمه و من يوجبه إلا أنهم أجمعوا على أشياء فيه منها تقليد المستفتي للمفتي في حادثة نزلت به ، و منها من تحقق عجزه عن إدراك دلالة الدليل على الحكم فإنه يقلد المجتهد فيه و حتى من حرموا التقليد كالشوكاني اتفقوا على جواز التقليد في هذه الحالة ، و نحن نرى أن التقليد الذي اعتبرناه حلا الآن هو من هذا النوع الآخير.

أوباما رئيس الولايات المتحدة - محمد مرسي رئيس مصر السابق

كيف ولماذا طلب الإخوان المسلمون العون من أوباما ضد السيسي؟

في أيام حكم د. محمد مرسي .. لما ذهب عصام الحداد لأمريكا و قابل أوباما و جلس معه 45 دقيقة منفردا طلب منه نصائح و معلومات لكيفية السيطرة على الجيش ديمقراطيا فقال له أوباما لما ترجع مصر سأرسل لك فايل عن هذا الأمر عبر البنتاجون و لما رجع الحداد مصر فوجئ باحد أعضاء المجلس العسكري يقول له “بقى أنت رايح لحد أمريكا وأوباما علشان تقوله عاوز نصيحة في التحكم في القوات المسلحة… السيسى عرف بالموضوع، يا راجل عيب كده”.

هذه رواية محمد فهمي مراسل الجزيرة نقلا عن حوار دار بينه وبين عصام الحداد لما تقابل معه في السجن.. والعهدة على الراوي.

***

لو كانت هذه الواقعة صحيحة فأظن أن عصام الحداد لم يكن مقصده أخذ مشورة أوباما انما كان مقصده حض اوباما على دعم حكم الاخوان و الرئيس مرسي ضد العسكر و لكنه طلب هذا الدعم بصيغة المشورة حول الطرق الديمقرطية للسيطرة عليهم .. الخ .

وقد قرأت في مكان ما (لا أذكر الآن أين) أن رجب طيب أردوغان أرسل لمحمد مرسي رئيس المخابرات التركية قبل عزل مرسي بفترة وجيزة ليحذره من انقلاب وشيك، كما أن العديد من قادة الاسلاميين المصريين ذوي الرأي و الخبرة حذروا الاخوان مرارا منذ بداية حكم مرسي من انقلاب عسكري.. و الشائع بين شباب الاسلاميين في مصر أن حازم أبو اسماعيل هو من انفرد بادراك هذا الخطر العسكري و التحذير منه، لكن هذا مخالف للحقيقة فأكثر ذوي الرأي و الخبرة من الاسلاميين حذروا الاخوان من هذا الخطر، لكن الفارق أن حازم كانت أضواء الاعلام مسلطة عليه فشاع رأيه، بينما الآراء المماثلة من غيره من القادة كانت تقال في غرف مغلقة موجهة لكافة قادة الاخوان، و ممن وصلت له رسالة الاسلاميين واضحة في هذا المر كل من د. بديع و مهندس خيرت الشاطر و د. محمد مرسي نفسه في قصر الرئاسة ..

ثم ان معرفة محمد مرسي بنتيجة لجنة تقصي الحقائق و ان الاستخبارات بقيادة السيسي هي المسئولة عن قتلى التحرير وقت الثورة أو المتسترة على القناصة ألم تكن هذه كافية لتحذير مرسي و الاخوان بالخطر المحدق بوجودهم في الحكم؟؟!! ..

و هذا كله يوضح أن المشكلة ليست في عدم ادراك الخطر فكل القادة (اخوان و غير اخوان) كانوا يعرفونه جيدا و لكن المشكلة في منهج التعامل مع هذا الخطر، فالاخوان منهجهم املى عليهم اللعب بثلاث ورقات لا ثالث لهم و هم:

(1)محاولة اقناع امريكا بتأيدهم و مساندتهم ضد العسكر بتقديم أنفسهم على أنهم الاسلام المعتدل الذي سيفيد أميركا لأنه أكبر ضمانة لمكافحة المتطرفين (يقصد بهم الجهاديين كافة). 

(2)مهادنة أجهزة الدولة العميقة أمن و مخابرات و جيش و بيروقراطية فاسدة و اعلام متحالف مع كل هذه الأجهزة باقرارهم على اوضاعهم وامتيازاتهم على أمل أن يقبلوا بحكم الاخوان و لا يناهضوه.

(3)التلويح بورقة السيطرة على الشارع و القدرة على حشد مئات الألوف في مظاهرات و اعتصامات. 

و رغم أن هذه الورقات الثلاث فشلت فشلا ذريعا في تثبيت حكم الاخوان فمازال الاخوان يعتمدون عليها وحدها بهدف اسقاط حكم السيسي و اعادة د. مرسي و الاخوان الى الحكم.

***

و يرتبط بهذه الطريقة في التفكير السياسي لدى الاخوان المسلمون في مصر ما فعله اخوان اليمن مؤخرا عندما توسع الحوثيون عسكريا حتى سيطروا على معظم اراضي اليمن..

فالكثيرون يتعجبون من موقف اخوان اليمن حيث رفضوا مقاومة الحوثي بالسلاح في اليمن عندما توحش و هاجم صنعاء و مقار الاصلاح و جامعة الايمان و بيوت قادته ثم عاد الاخوان عند اندلاع عاصفة الحزم ليتخذوا موقفا مختلفا بتأييد العاصفة علنا….

و اعتبر البعض أن هذا موقف متناقض اذ لو انك تقول سلمية أو منهج اصلاحي فاستمر عليه فما هذا التناقض؟؟

يوجد أمر .. لا يلاحظه أكثرنا.. و هو أن السلمية أو ما يصطلح عليه بالمنهج الاصلاحي ليس هو ثابت الاخوان المسلمون الأساسي، لكن لديهم ثوابت أهم من ذلك و هو أن ترضى عنهم أمريكا و ما تمثله من نظام دولي فلا يتهمهم النظام الدولي بأنهم ارهابييون أو متطرفون، و من هنا حرصهم على عدم حمل السلاح هنا او هناك..

البعض يفهمهم خطأ فيتهمهم بالجبن و آخرون يتهمونهم بأنهم يحافظون على مصالحهم الاقتصادية، و كل هذا غير صحيح فالاخوان ليسوا جبناء و لا يضنون بانفسهم و أموالهم في سبيل مبادئهم و لكنهم مهتمون و مصممون على ان يرضى عنهم النظام الدولي، و يعتبرهم البديل المعتدل عن الحركات الاسلامية الأخرى، و مصممون أن ينفذوا أهدافهم عبر التفاهم مع النظام الدولي، و دون الاصطدام به و لذلك رفضوا حمل السلاح ضد الحوثي اولا، و لكن عندما أعطى النظام الدولي الضوء الأخضر للسعودية للحرب في اليمن فحينها أيد الاخوان المسلمون ما أيده النظام الدولي.

 
 

صورة أرشيفية لقوات داعش

الإطار العام للنظر في الظاهرة السياسية أو الإستراتيجية

هذا المقال يوضح الإطار العام الذي أحلل به ظاهرة سياسة او إستراتيجية ما لأن بعض من لم يعرفوني لا يظهر لهم هذا الإطار بوضوح..

أول قاعدة عندي هي النظرة الكلية الشاملة للموضوع و الى مآلاته فمثلا عندما انتقدت داعش .. البعض هاجمني إذ كيف أهاجم نكايتهم للرافضة ..الخ، و في الواقع أنا لم أحكم على معركة أو اثنتين أو عشرة انتصرت فيها داعش على هذا أو ذلك و إنما أنظر و أقيم ما سيؤل إليه الوضع بعد عدة سنوات..و نفس الشئ ينطبق على نقدي لأداء الاخوان في الحكم بمصر مع الشهر الأول لحكم مرسي و وقتها شتمني البعض على صفحتي على الفيس بوك..

و ثاني قاعدة تحكم نظرتي عند التحليل هو المقارنة بالقوى المناظرة او المشابهة أو المرجو الوصول لمستواها في جانب ما .. فمثلا عندما تبث داعش أو القاعدة فيديو يظهر عشرات من مقاتليها يحملون أسلحة متوسطة (مدفع 14 بوصة مثلا أو جرينوف ثقيل أو بيكا أو غيره أيا كانت الأسماء) و يمتطون سيارات دفع رباعي فأنا لا أنتشي كما ينتشي الكثيرون.. لماذا؟؟

 لأن طموحي و تطلعاتي هي أن تكون دار الإسلام الحقيقية تمتلك تسليحا متقدما و رادعا استراتيجيا في مستوى فرنسا أو الصين أو بريطانيا (الدول الثالثة و الرابعة و الخامسة في الردع الاستراتيجي حول العالم)، فلا أنتشي لمدفع 14 بوصة لا لطموحي في 24 بوصة، و لكن في صاروخ بالستي أو طائرة بدون طيار تصل لأي نقطة في العالم متى تشاء دار الإسلام، و لا أنتشي لسيارة دفع رباعي لطموحي في سرب قاذفات إستراتيجية مثل البي 52 تمتلكها دار الإسلام..

 و أيضا من ضمن المقارنات المقارنة الجزئية أي المقارنة بجزئية واحدة ما عند جهة ما أنت تنتقدها في جزئيات أخرى لكن ترى انها ناجحة في هذا الجانب الذي تقارن به أو تستشهد ب،ه و هذه قاعدة علمية و موضوعية و مشروعة في هدي النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقد قال عن الغيلة “لو ضرت لضرت فارس و الروم” رغم أنه يكفر و يعادي و ينتقد فارس و الروم، في جوانب أخرى كما قال للصحابة عن الرمي “لكنهم أرمى منكم” يقصد فارس.

فعندما أستشهد أحيانا بأن القاعدة أو داعش تمكنت من انجاز أشياء معينة رغم معاداة العالم كله لها لا يعني أني أنتقدهم بمزاجي، و أستشهد بهم بمزاجي، و لكن يعني أني أنتقدهم في جوانب و أمدحهم و أستشهد بهم في جوانب أخرى غير الأولي، و نفس الشئ فعندما استشهد بشئ فعلته إيران او الحوثيون أو حزب الله أو أمريكا ، فهذا كله ليس هوى و لكنه موضوعية قال تعالى ” وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” المائدة 8، لكن الهوى أن أنتقدهم في شئ ثم استدل بنفس الشئ الذي انتقدتهم فيه.

و النظر الشامل و النظر الى المآلات و المقارنة بين الظاهرة ومثيلاتها أو شبيهاتها هذه الثلاثة ونحوها تمثل الفرق بين نظرة المتفرج العادي و نظرة التحليل العلمي للظاهرة.

و هناك أمر آخر و هو خاص بكتابتي في الفيسبوك أو أي مقالة قصيرة و هو أنه من المستحيل أنني سأناقش و أقوم كافة جوانب ظاهرة ما (خاصة ان كانت كبيرة مثل الإخوان او داعش أو القاعدة أو ايران أو الحوثيون) في مقال قصير، فعادة تكون أغلب جوانبها في ذهني و لكن تسطيرها كاملة يحتاج وقت و كتابة كتاب، و لكن أسطر جانب واحد منها باختصار لمناسبة هذا للمقال القصير، فمن يرد تفتيش ذهني و الحكم على شخصي الضعيف بشأن كافة جوانب الظاهرة عليه أن يتابع كافة ما اكتبه حتى يتمكن من وضع يده على رؤيتي الكاملة بشأنها.

و الله المستعان.

اسباب النصر

ما هي أسباب نصر و هزيمة المسلمين؟ رد على مقال مهم

كتبت المقال التالي تعليقا على مقال لأحد الاخوة يبرز دور القيادة و الأسباب المادية في النصر و ينتقد التعويل على اعمال البر و الطاعات و الدعاء فقط لتحصيل النصر، و هو بوست طويل جدا لا يمكنني اعادته هنا، و حفل بأمثلة تاريخية من الفتوحات و حروب الردة.. فإلى نص تعليقي عليه:
 
لقد كتبت كثيرا من قبل عن أن الأخذ بالأسباب الدنيوية هو سنة الله القدرية بشأن حركة التاريخ فبها النصر أو الهزيمة بحسب مقاييس الواقع الذي نعيشه، و انتقدت ما أسميته بالدراسة الملحمية للتاريخ الاسلامي التي تجعل النصر رهين الدعاء و اخلاص القلب فقط، و لا تلقي الضوء على أسباب النصر المادية العملية الواقعية في تاريخنا.
(أخر مقال لي عن هذا هنا)
 
و لكن رغم هذا كله فانني اخالف الكاتب في مقاله هذا في أمرين:
 
الأمر الأول- أنه أناط النصر بالقائد في جزء كبير من مقاله، وذلك رغم أن الدراسة الدقيقة في حالة خالد بن الوليد التي استشهد بها و غيرها تقول ان النصر كان بسبب استراتيجية الاقتراب غير المباشر، و هي ما استخدمها خالد دائما منذ كان كافرا (في غزوة أحد ضد المسلمين)، و استخدمها أغلب قادة الفتوحات الاسلامية بسبب أنها الأنسب لقلة عدد جيوش المسلمين، و ضعف أو قلة معداتهم.
 
كما ان نجاح محمد الفاتح في فتح القسطنطينية (الذي استدل به على فيصلية القيادة في تحقيق النصر) لم يكن لبراعة القيادة بقدر ما كان لتحصيله لتقدم تكنولوجي غير مسبوق، و غير موجود عند أحد آخر في عصره في مجال المدفعية، فضلا عن حيلة تقريب المدفعية من سور القسطنطينية.
 
و احراز النصر بسبب سبق صناعي في مجال السلاح متكرر في حروب كبرى كثيرة، مثلما نجح ليو الاسيوري في صد هجوم بحري خطير للمسلمين كاد يفتح القسطنطينية قبل محمد الفاتح بمئات السنين بسبب اختراع النار الاغريقية.
 
و الشاهد انني لا أوافق على اختزال الأمر في القائد كشخصية ستحل مشاكلنا، و إن كنت لا أنكر أهميتها في مجال الأخذ بالاسباب، لكنها ليست السبب الوحيد بل هي أحد الأسباب، فينبغي التعمق في فهم تفاصيل اسباب النصر الواقعية العملية المادية كي نعيد النسج على منوالها و نطور و نبتكر منطلقين من خبراتها.
 
اما خلافي الثاني مع المقال فهو: تقليله من التأثير السلبي لسيئات الشهوات على تحصيل النصر، فأنا أرى أن لها تأثيرا سلبيا بالغا، ليس بدليل ذكر آيات الربا قريبة من آيات أسباب هزيمة أحد في سورة ال عمران فقط، و لا فقط لمقولة عمر بن الخطاب لو استويتم مع عدوكم في الذنوب لغلبوكم لأنهم أكثر منكم عددا و عدة، و لكن أيضا لأن الكفار لهم نسق سلوكي و أخلاقي متعايش مع الشهوات و ذنوبها، فيقل تأثيرها السلبي على مجال اسبابهم الدنيوية للنصر، وذلك بعكس المسلمين، فنسق المسلمين السلوكي و الأخلاقي غير متوافق مع الشهوات و ذنوبها، فاذا انغمسوا فيها اضطربت منظومتهم السلوكية و الأخلاقية بقدر درجة ومستوى هذا الانغماس، فيضطرب انتفاعهم بالأسباب المادية للنصر، و على كل حال فالله ربط النصر و التمكين بالاستقامة الايمانية بقوله تعالى ” الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ”، فيكون الأدق أن نقول أن كلاهما مهم السبب المادي و السبب الايماني و الاخلاقي و لكن إن نقص احدهما كان هناك خلل. 
 

محمد حسان و محمد حسين يعقوب و أبو اسحاق الحويني

السلفيون و السياسة في مصر

المطَّلِع على طبيعة التيار السلفي وخطابه العام وخطابه السياسي يمكنه أن يطِلَّ بسهولة على تأثير التيار السلفي على المجال العام في مصر, كما يمكنه فهم علاقة التيار السلفي وتأثيره على الحالة السياسية في مصر بعامة، وكذلك تأثيره على حالة تيار إسلامي آخر اصطلح البعض على تسميته بتيار الإسلام السياسي بشكل خاص.

رفض الانتخابات البرلمانية

ومن الواضح أن التيار السلفي مهتم بالشئون السياسية والشئون العامة، ومشتبك بشكل ما مع القضايا السياسية المحلية والدولية, لكنه عازف من جهة أخرى عن التفاعل مع بعض جوانب الحياة السياسية؛ باعتباره لا يؤيد الانتخابات البرلمانية، وذلك الموقف يأتي من منظور عقائدي, وإن كان السلفيون يرون أن موقفهم هذا هو موقف خلافي يسعى الإسلاميون بصدده أن تتعدد آراؤهم، فيشارك منهم من شاء في الانتخابات البرلمانية ناخبًا ومرشحًا، ويمتنع منهم مَن شاء عن هذه المشاركة, ولكن السلفيين المصريين مع ذلك لا يشاركون هم وأتباعهم في الانتخابات البرلمانية ويحرمون هذه المشاركة.

رفض المظاهرات 

ونفس الموقف الرافض للانتخابات البرلمانية نجده إزاء المظاهرات, ومن هنا فقد السلفيون أداتين مهمَّتين للتعبير عن مواقفهم السياسية وللضغط على النظام الحاكم لتحقيق مطالبِهم وأهدافِهم.

لكن هذا لا يقلِّل من القيمة -الكمية والنوعية- للوعي السياسي الذي رسخه ويرسخه السلفيون في الحياة السياسية المصرية عبر تأثيرهم البالغ في المجال العام المصري عبر الفضائيات الإسلامية وشبكة الإنترنت والأقراص المدمجة وشرائط الكاسيت.

من الطبيعي أن لا نلمس الآثار المباشرة لهذا الوعي السياسي الآن؛ لأن انتشار هذا الوعي لم يأخذ مداه بعد؛ بسبب أنه لم يبدأ في أخذ المنحى الجماهيري، إلا ربما في السنوات الخمس الأخيرة، عندما بدأ متصفحو الإنترنت في مصر يشكِّلون جمهورًا ذا قيمة عددية ذات شأن بدرجة ما, وكذلك عندما بدأت القنوات التليفزيونية السلفية تأخذ حيِّزًا من الوجود، وهذا كله لا يتعدى السنوات الخمس الأخيرة, لكن لا شك أنه مع مرور الوقت، وفي غضون السنوات القليلة القادمة سنبدأ في تلمُّس أثر الفكر السياسي السلفي في المجال العام المصري, صحيح أن هذا سيتمُّ بمعدلات بطيئة، لكنه بلا شك سيتم, ورغم ذلك فيمكننا القول باطمئنان أن التيار السلفي هو حركة إصلاح وتغيير اجتماعي وسياسي مؤجلة.. لكن لماذا نرى ذلك؟

أولًا بالنسبة لكونها حركة تغيير سياسي واجتماعي فهذا واضح, لكن لماذا هي مؤجلة؟

هي ليست مؤجلة بسبب أن دعوتها لم تبدأ في أخذ المنحى الجماهيري إلا ربما في السنوات الخمس الأخيرة، ولكنها مؤجلة بسبب أن التيار السلفي لا يملك الأدوات والتكتيكات اللازمة لتحقيق الاستراتيجية التي خطَّها السلفيون لأنفسهم, فضلًا عن أن الاستراتيجية السلفية نفسها فيها قدرٌ من القصور، وتحديدًا في الحلقة التي تربط بين مرحلتي التصفية والتربية من ناحية، وبين مرحلة إقامة الدولة الإسلامية (أو أسلمة المجتمع) فهذه الحلقة غائمةٌ تمامًا في الفكر السلفي؛ إذ لم يذكر أي من مشايخ السلفيين أي إيضاح أو تفصيل حول هذه المرحلة، ولا يمكن لأي محلِّل أن يتلمس أي لمحات تشير لطبيعة هذه المرحلة أو حتى إطارها العام.

الاستراتيجية والتكتيك عند السلفيين

وبصفة عامة فالسلفيون لديهم استراتيجية وليس لديهم تكتيك جدير بتحقيق هذه الاستراتيجية، فضلًا عما أشرنا إليه آنفًا من قصور في نفس هذه الاستراتيجية.

ولكن ما التأثير المرتقب للسلفيين على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المصرية؟

تأثيرهم سيظلُّ مقتصرًا على مظاهر التدين التي تلون وجه المجتمع بشكل أو بآخر في كافة المجالات, أما التأثير الجوهري والفعلي فسيظلُّ مؤجلًا إلى حين يقتنع بالعقيدة والفكر السلفي عدد من الشخصيات ذات الخصائص القيادية التي تمتلك قدرًا من ملكات الزعامة، مع قدر وافر من الخبرات السياسية والاستراتيجية، وحينئذ ستقوم هذه الشخصيات بمعالجة جوانب القصور في الاستراتيجية السلفية، كما ستبتكر التكتيكات المناسبة لها، وتسعى بذلك لإحداث تأثير عميق في المجتمع المصري على كل المستويات, أما قبل ذلك فسيظل التيار السلفي نخبةً عددُها محدودٌ من العلماء الدينيين والدعاة وطلبة العلم والباحثين إذا قارناه بتعداد الشعب المصري, وإن تمحور حول هذا التيار مئات الآلاف أو حتى بضعة ملايين ممن يتدينون تدينًا أغلبه تديُّنٌ مظهري فقط, لأن الدعوة السلفية العامة عبر الفضائيات وشبكة الإنترنت لا تكفي لإجراء تعديل جذري في سلوكيات وعقائد الأشخاص دون أن يكون لها رديفٌ من القيود والكوابح الاجتماعية التي تنتج عادة من شبكة العلاقات الاجتماعية المتشابكة في الأسرة والمسجد والنادي والنقابة ومكان العمل أو المدرسة أو الجامعة، وهذه الشبكة لا توفرها الدعوة السلفية التي لا تنطلق قوتُها العظمى الضاربة إلا من الفضائيات وشبكة الإنترنت والكتب وشرائط الكاسيت، ولا يمكن للسلفيين توفير هذه الشبكة في ظلّ الظروف السياسية الراهنة، ولا في ظل طبيعة تكتيكاتهم الدعوية والتربوية الحالية بما فيها من خَلَل وقصور.

السلفيون و اتجاهات المجال العام

وباعتبار أن المجال العام هو أشبه ما يكون بالمجال الذي يتكون فيه الرأي العام بعيدًا عن القيود الرسمية أو الطبقية, فإن الواقع السلفي بسِماتِه العامة التي ذكرناها له تأثيرٌ ما على اتجاهات هذا المجال العام, إلا أنه نظرًا لأننا نعيش واقعًا سياسيًّا ديكتاتوريًّا لا يُلقي بالًا لاتجاهات المجال العام أو الرأي العام حيث لا يشكِّل الرأي أو المجال العام أي عامل ضغط على صانع القرار، فإنه لا ينتظر أن يساهم التيار السلفي في تغيير اتجاهات صانع القرار إذا ظلَّت جميعُ المتغيرات السياسية الحالية ثابتةً كما هي.

كما لا ينتظر أن يغير النظام الحاكم من سياسته تجاه السلفيين، باعتبار أن سياسته هذه هي وليدة حسابات ومعادلات سياسية عديدة أملت على النظام هذه السياسة، لأن السلفيين يمثلون حائط صد وصمام أمان فكري ضد مد التيار الجهادي ومد جماعة الإخوان المسلمين، وأيضًا مد المذهب الشيعي الجعفري الذي يمثله حزب الله اللبناني في المنطقة العربية, فلو قمع النظام الحاكم السلفيين قادةً ودعاةً فإن جمهورهم الواسع قد يمثِّل تربة خصبة للاتجاهات الفكرية الثلاثة المذكورة, ومن هنا جاء السماح الحكومي للسلفيين بالعمل بقيود وضوابط أمنية وسياسية عديدة, فهو اضطرارٌ سياسي حكومي وليس مجاملة للسلفيين أو رضا عنهم.

السلفيين و حركات الإسلام السياسي

ومن هنا اعتبر البعض أن السلفيين يعطِّلون حركات الإسلام السياسي، لكننا نعتبر أن الذي عطل حركات الإسلام السياسي (جهاديين كانوا أم إخوانًا مسلمين) هو ما شاب استراتيجيات وتكتيكات هذه الحركات من قصور وخَلَل, لأن الساحة المصرية ساحةٌ واسعة وخصبة على كل مستويات العمل السياسي والاجتماعي والديني، ولم تبلغ بعد أي من التيارات السياسية أو الدينية مبلغ أن تؤدي منافستُها لتعطيل نظرائها من الحركات الأخرى, إذا كانت هذه الأخرى ذات حركة فعالة, إنما التعطيل الحادث والذي تعزف السلطة على أوتاره إنما ينتج من عدم فاعلية الجميع بشكل يجعل الجميع يعرقل بعضهم بعضًا, ومن هنا يمكن القول بأن الإخوان المسلمين والجهاديين يعطل كل منهما الآخر وهم يعطلون السلفيين أيضًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر هذا الموضوع في موقع الاسلام اليوم وغيره.

التجربة الناصرية

الإخوان المسلمون و خيارات جماعة مسجونة في تجربتها الناصرية

كتب- عبد المنعم منيب

تعرض الاخوان المسلمون لحملة اعتقالات كبيرة في الأونة الأخيرة من حيث حجم و وزن الأشخاص الذين تم اعتقالهم إذ شملت الاعتقالات ثلاثة من أعضاء مكتب الارشاد البارزين لا سيما الدكتور محمود عزت الأمين العام للجماعة سابقا و الرجل القوي في الجماعة و الدكتور عصام العريان المتحدث الاعلامي البارز في الجماعة و بينما كان الاخوان المسلمون يلملمون أطرافهم و يضمدون جراحهم من تأثير هذه الحملة أعلن بعض رموز جماعة الاخوان المسلمين في صبر و جلد -اعتاده الشارع السياسي منهم- أنهم لا يستبعدون تحويل عدد من رموزهم المعتقلين إلى محاكمة عسكرية, كما أعلنوا أن هذا لن يفت في عضدهم و لن يوقف شيئا من نشاطهم, و لم يكد الاخوان المسلمون يلتقطون أنفاسهم من جراء هذه الاعتقالات حتى داهمتهم أجهزة الأمن باعتقالات ثانية ثم ثالثة ثم تسارعت وتيرة الاعتقالات ضد أعضاء و قادة جماعة الاخوان المسلمين في عدد كبير من محافظات مصر فقوات الأمن استهدفت زعماء الجماعة فى القاهرة والجيزة، منذ شهر فبراير الماضي وحتى اليوم، وكذلك زعماء المحافظات الأخرى، مثل الإسكندرية، وأسيوط، والشرقية، والغربية، و احتجزت رموزا إخوانية بارزة و هامة, و كان دائما هناك كثير من الزخم الذي صاحب أحداث الاعتقالات فمن تأييد الاخوان المسلمين للبرادعي إلى مظاهراتهم احتجاجا على التهويد الجاري حاليا لمدينة القدس المحتلة و المسجد الأقصى الأسير, لكن على كل حال كانت الاعتقالات متسارعة و منتظمة بشكل دائم في الشهور الأخيرة, و رغم أن اعتقالات الأجهزة الأمنية للاخوان المسلمين صارت شيئا معتادا و منتظما و مستمرا منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي, كما أنها اتسعت جدا منذ عام 2005 , لكن لاشك أن الحملة الأخيرة اتسمت بقدر جديد من الفجاجة و القسوة و اللامعقول, فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن أجهزة الأمن اجتاحت الجمعة الماضى ست محافظات، وألقت القبض على العديد من أعضاء الجماعة، مضاعفة بذلك أعداد الذين احتجزتهم في الشهور الماضية فقط، كي يبلغ عدد معتقلي الاخوان المسلمين في السجون المصرية حتى الآن نحو 350 معتقلا, و من هنا جاءت تعليقات الكثير من المراقبين التي ترددت بين الاستهجان و التعجب تارة و بين اعتبار هذه الاعتقالات بلا جدوى و لا معنى تارة أخرى.

وقد انتقدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فى تقرير لمراسلها فى القاهرة حملة الاعتقالات المستمرة التى شنتها الحكومة المصرية ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، و اعتبرت أن هذه الاعتقالات بدأت مبكرة هذا العام، لأن الانتخابات البرلمانية لن تجرى قبل عدة أشهر.

و رأى الكاتب الصحفي سلامة أحمد سلامة أن حملة الاعتقالات هذه هي نفس الحملة المستمرة التى تحاول منع الجماعة من الانخراط في الساحة السياسية قبل الانتخابات لمنعهم من ترشيح أعضائهم بكثافة في الانتخابات القادمة.

كما تعجب الدكتور ضياء رشوان الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية من هذه الاعتقالات و اعتبر أنه أمر نادر أن تحدث حملة اعتقالات كهذه بعد تعيين المرشد العام الجديد مباشرة، و الغرض منها على ما يبدو، هو تعطيل القيادة الجديدة قبل أن يتسنى لها الوقت حتى لتتنفس.

و أيا كانت الأهداف الحكومية من هذه الحملة فإن هناك آلافا من الأشخاص من مختلف الأنحاء في طول البلاد و عرضها صوتوا للإخوان المسلمين وساعدوهم في الانتخابات، وهناك آلاف آخرون من المؤيدين و المتعاطفين، و لا شك أن عملية التأييد و التعاطف هذه مع جماعة الاخوان المسلمين مستمرة و من الصعب جدا أن تتوقف الآن بسبب هذه الاعتقالات.

الاعتقالات المكثفة وردود الأفعال عليها

و في سياق متصل أثارت الاعتقالات المكثفة التي تعرض لها قادة و أعضاء الاخوان المسلمين في الشهور و الأيام الأخيرة العديد من التعليقات و ردود الأفعال فمن قائل إنها هجمة حكومية تستبق معركة الانتخابات البرلمانية القادمة و التي لم يتبق عليها إلا عدة شهور و من قائل أنها رسالة تحذير شديدة اللهجة ترسلها الحكومة عبر أجهزتها الأمنية الباطشة لتوقف الاندفاع الاخواني في اتجاه مساندة الدكتور محمد البرادعي في مساعيه لتعديل الدستور و تغيير وجه الحياة السياسية المصرية, و أيا كانت التحليلات و التعليقات فإن جماعة الاخوان المسلمين نفسها لم تسلم من الانتقادات في الفترة الأخيرة إن على مستوى موقفهم و رد فعلهم على هذه الاعتقالات و إن على مستوى موقفهم السياسي بصفة عامة في خضم الأحداث السياسية الهامة التي تشهدها الساحة السياسية المصرية حكومة و معارضة على حد سواء, الكثيرون اعتبروا موقف الاخوان من هذه الاعتقالات سلبيا هذا الموقف الذي اكتفى بتنظيم مجموعة من محامي جماعة الاخوان ليشكلوا هيئة الدفاع عن الاخوان المسلمين المعتقلين, بجانب تسهيل امداد معتقليهم بمستلزمات المعيشة في السجن من الطعام و الملابس و البطاطين, هذا الموقف الذي يعد هزيلا جدا إذا تمت مقارنته بموقف أنصار الدكتور أيمن نور عندما كان مسجونا, فعلى سبيل المثال كثيرا ما قام أنصار الدكتور أيمن نور بمظاهرات تأييد له و احتجاج على حبسه في مناسبات كثيرة و عديدة تزامن كثير منها مع عرض الدكتور أيمن على النيابة أو الطب الشرعي و نحو ذلك, هذا في الوقت الذي لا يمكن فيه مقارنة أنصار الدكتور نور بأنصار الاخوان المسلمين لا في العدد و لا في الانضباط التنظيمي و القدرات على التعبئة و نحو ذلك, فهل تخاذلت جماعة الاخوان المسلمون عن مناصرة أعضائها الذين ضحوا من أجلها و اعتقلوا بسببها؟ و هذا الموقف الذي اعتبره العديدون سلبيا أو على الأقل غير مناسب و غير كاف هل يؤثر على الانضباط التنظيمي لأعضاء الاخوان المسلمين أو على الأقل هل يؤثر على معنوياتهم؟ و ما هو وزن ذلك كله و تأثيره في معادلة الصراع السياسي على الساحة السياسية المصرية؟ هل تضعف هذه الاعتقالات و تلك الحملات الأمنية المكثفة جماعة الاخوان المسلمين أو على الأقل هل تدفع الكثير من أنصارها إلى الانفضاض عنها؟ أم هل يؤدي البطش الأمني إلى ارتعاش اليد أو الأيدي التي تمسك بزمام الأمور داخل جماعة الاخوان المسلمين فتكف عن التنافس السياسي مع الحزب الحاكم أو الأقل تخفف من حدة و ضراوة هذا التنافس؟

الحراك السياسي الجديد

أسئلة كثيرة لا مناص من الاجابة عليها في ظل الحراك السياسي الجديد الذي طرأ على الشارع السياسي المصري الآن مع دخول الدكتور محمد البرادعي بقوة لحلبة الصراع السياسي المصري و قلبه للعديد من معادلات هذا الصراع التي استمرت راسخة منذ عقود.

بداية لابد من التذكير بتصريحات قادة و رموز الاخوان المسلمين التي أكدت على استمرار الإخوان المسلمين في ممارسة السياسة من خلال معارضة النظام الحاكم مثل قول د.محمد البلتاجي “نحن ليس لدينا طريق آخر سوى النضال السياسى والدستورى، فنحن نريد الإصلاح السياسى، لذا لا أستطيع أن أتخيل عدم المشاركة فى الحياة السياسية” و كذلك التصريحات التي أشارت إلى ما يشبه ترحيب الجماعة بالاعتقالات مثل تصريح المهندس سعد الحسيني عضو الكتلة البرلمانية للاخوان المسلمين الذي اعتبر فيه أن هذه الاعتقالات بمثابة وسام على صدر جماعة الاخوان المسلمين.

طبيعة المعادلات السياسية التي تحكم العمل السياسي 

و بعد ذلك لابد لنا من تفحص طبيعة المعادلات السياسية الدقيقة و الصارمة التي تحكم العمل السياسي في ظل نظام الحكم الحالي منذ عقود حتى نعرف موقع هذه الاعتقالات منها و نعرف موضع الاخوان المسلمين و مواقفهم في هذه المعادلات. لقد نجحت الديكتاتورية القائمة في مصر منذ الاحتلال البريطاني 1882م في ترسيخ توازن قُوَىَ مجتمعي قائم على وجود نسبة محدودة من المتدينين (الذين بات يطلق علي نشطائهم اسم “الاسلاميون”) لا تملك القيام بتأثير فعال في مجريات الأمور العامة مهما كان نشاطها و ارتفاع صوتها, مع وجود نخبة محدودة من العلمانيين المرتبطين بقوى غربية (صورة الاستعمار الجديد) و يملكون مقاليد السلطة و القوة, مع وجود كتل اخرى من القوميين و الليبرالين و الماركسيين كلها تعارض الحكم لكنها معزولة لسبب أو لأخر و بدعم مباشر من النظام لهذا العزل عن أمرين:

الأول- الامساك بزمام القوة السياسية في الدولة.

و الأمر الثاني- امكانيات تعبئة و تنظيم عامة الجماهير في البلاد.

أما بقية المجتمع فقد حافظ نظام الحكم على جعله كتلة صامتة و سلبية إزاء الشئون العامة خاصة شئون الحكم و السياسة.

التوازن داخل التيارات السياسية

و لقد أقام النظام الحاكم عدة توازنات أخرى داخل كل كيان أو تكتل سياسي فالاسلاميون بين جماعاتهم المختلفة توازن, فهناك توازن بين السلفيين و الاخوان و بعضهما البعض و بين الاثنين من جهة و بين الجهاديين من جهة اخرى توازن آخر و هناك توازن بين هؤلاء جميعا من جهة و بين جماعات التكفيريين, و نفس الشئ نجده داخل القوى السياسية العلمانية المعارضة فهناك توازن بين فصائل الناصريين و القوميين المتعددة و المختلفة و جميعهم من جهة يحكمهم توازن ما مع الماركسيين بكافة مجموعاتهم و الكل يتوازن بشكل أو بآخر مع المعارضة الليبرالية و جميع المعارضة غير الاسلامية يحكمها توازن مع كل الاسلاميين……. و هكذا سلسلة لا تكاد تنتهي من التوازنات يأكل بعضها بعضا لصالح النظام الحاكم إذ لا يمسك بمفاتيح هذه السلسلة من التوازنات غير النظام الحاكم و أجهزته الأمنية و السياسية وحدها, و كلما لاح في الأفق نذير اختلال لهذا التوازن فإن قوى الحكم الداخلية و كذلك القوى الخارجية المساندة لنظام الحكم و الساهرة علي سلامة هذا التوازن تقوم بإعادة التوازن إلى سابق عهده بالحيلة حينا و بالقوة و القمع في أغلب الأحيان, مع ملاحظة أن هذا القمع قد يتستر بغطاء من القوانين و القرارات الرسمية.

معادلات اللعبة السياسية الدولية

و هناك عملية سياسية اخرى تستخدم ورقة وجود هذه القوى المختلفة في معادلات اللعبة السياسية الدولية و الاقليمية, حيث يستخدم النظام وجود الاسلاميين السياسي و الدعوى للضغط على الغرب لكسب تأييد الأخير المطلق للنظام الحاكم تحت تهديد أن البديل هم الاسلاميون, و كذلك التذرع بالوجود القوي للاسلاميين بالشارع السياسي المصري لرفض العديد من الاملاءات الغربية في مجالات كبعض الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية المخالفة لثوابت المجتمع الشرقي أو الاسلامي, و من هنا فالنسبة التي حصل عليها الاخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة لم تكن مفاجأة للنظام بل مقصودة لتحقيق اهداف عديدة, و نفس الشئ بالنسبة لوجود المعارضة الليبرالية أو القومية أو اليسارية فهى موظفة من قبل النظام لمخاطبة الغرب بأن هناك حريات و ممارسات ديمقراطية و تقدم مطرد في الاصلاح السياسي.

الاخوان المسلمون في مصر طوال القرن الأخير

الاخوان المسلمون في مصر طوال القرن الأخير تحركوا في أغلب الأوقات في إطار لم يهدد هذا التوازن القائم و هذه المعادلات السياسية المكرسة, فعمل الاخوان المسلمين لم ينجح في إختراق المنظومة المسيطرة على مقدرات القوة السياسية في البلاد اللهم الا في حالات نادرة و حتى في الحالات النادرة التي نجح الاخوان المسلمون في ذلك فإنهم لم يستعملوا هذه القوة السياسية بالشكل المناسب, حتى أطلق البعض على جماعة الاخوان المسلمين جماعة الفرص الضائعة.

و كذلك فجماعة الاخوان المسلمين لم تنجح في تحقيق اختراق واسع و فعال للكتلة الصامتة من أغلبية الشعب, و ربما كاد هذا الاختراق أن يحدث مرة واحدة في تاريخنا المعاصر في نهاية السبعينات من القرن الميلادي الماضي بفعل الحركة الدعوية التي قامت بها كل من “جماعة التبليغ و الدعوة” و مجموعات اسلامية عديدة استخدمت التكتيكات الدعوية لـ “جماعة التبليغ و الدعوة”, لكن سرعان ما أدت أحداث صدام الجهاديين مع النظام الحاكم بجانب عوامل عديدة إلى ترسيخ سياسات حكومية تقيد حركة الدعوة بصفة عامة و تمنع هذه التكتيكات بصفة خاصة, و ذلك كله في إطار استراتيجية حكومية ضد الحركة الاسلامية مستمرة بشكل واضح منذ عام 1986 و حتى الآن و هي أشبه ما تكون بمزيج من استراتيجيتي “الاحتواء” و “الردع المرن” المعروفتان في الصراع الدولي.

هل الاخوان المسلمون جماعة كبيرة ذات عقل صغير؟

و بسبب التزام الاخوان المسلمين اختيارا أو اكراها بمقتضيات هذه المعادلات السياسية التي رسخها النظام الحاكم فإنهم لا يستطيعون دفع صراعهم مع الحكم إلى أبعد من هذه المعادلات بانشاء معادلات جديدة أو الاخلال بتوازن القُوَىَ القائم, و هذه الحالة من التفكير السياسي و الاستراتيجي لدى الاخوان المسلمين دفع البعض لاعتبار جماعة الاخوان المسلمين جماعة كبيرة ذات عقل صغير رغم ما في هذا التعبير من مبالغة.

و مما لا شك فيه أيضا أن هذا الالتزام الاخواني بالمعادلات السياسية التي كرسها و يكرسها النظام لا يأتي فقط خوفا من زيادة جرعة البطش من قبل النظام بقدر ما هو تعبير عن طبيعة التفكير السياسي و الاستراتيجي داخل المطبخ السياسي لجماعة الاخوان المسلمين فالعقليات التي تحكم هؤلاء القادة اعتادت على عدم الاكتراث بآثار القمع الحكومي فقد اعتادوا ادارة الجماعة تحت القصف القمعي للنظام بكل درجات هذا القصف الذي شهدوه منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي كما أن القسوة التي تم قمع جماعة الاخوان المسلمين بها منذ ثورة يوليو 1952 و حتى عهد الرئيس السادات خلقت لدى قادة الجماعة السياسيين حذرا ربما نراه زائدا عن الحد المناسب لمثل هذا العمل السياسي الذي يتصدى له الاخوان المسلمون الآن و في مثل هذه الظروف من الحراك السياسي و فرص التغيير و الفشل و التردي الذريع الذي وصل له النظام السياسي المصري, فهل مازالت عقول قادة جماعة الاخوان المسلمين مسجونة في التجربة المريرة للجماعة مع عبدالناصر أم أن الجماعة تعايشت مع القصف الحكومي بقدر تعايشها مع وجود نظام الحكم نفسه و استمراره؟

هذا السؤال يحتاج اجابة واضحة من قيادة الاخوان المسلمين ليس بالقول و لكن بالفعل, فلا أحد يطالبهم بما وراء الممكن لكن الجميع يطالبونهم باستغلال أقصى ما يمكن لا سيما و أن السياسة هي فن الممكن.

و تبقى أسئلة تتعلق بتأثير هذه الاعتقالات على جماعة الاخوان المسلمين من قبيل هل يتفلت الأعضاء تاركين كيان الاخوان المسلمين بسبب القمع؟ و من قبيل هل تتمكن الجماعة من القيام بنفس أدوارها التي كانت تقوم بها قبل الاعتقالات؟ و هل تتصاعد الاعتقالات أم تنحسر؟

في الواقع ربما يتفلت القليل من أعضاء الجماعة الحديثي عهد بها و لكن الجماعة سرعان ما ستعوض هذه التفلت بمزيد من الأعضاء الجدد الأكثر التزاما و انضباطا تنظيميا .

و ستظل جماعة الاخوان المسلمين تقوم بأدوارها المحصورة في المعادلات السياسية الراسخة و المكرسة في مصر منذ عقود.

أما تصاعد الاعتقالات أو انحسارها فهو محصور في القرار الحكومي الملتزم بحفظ توازن القُوَىَ القائم على ألا تخرج كل قوة سياسية في مصر عن الدور المرسوم لها بعناية داخل أروقة الحكم المصري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشر في موقع الاسلام اليوم و في جريدة الدستور المصرية اليومية الورقية.

الاخوان المسلمون

الإخوان المسلمون و اللعبة السياسية في مصر الآن

كلما اشتد القمع الحكومي ضد المعارضة السياسية في مصر اتجهت الأنظار إلى الاخوان المسلمين انتظارا لأن يتمكنوا من التصدي لهذا القمع و الاستبداد الحكومي باعتبار الاخوان هم اكبر قوى المعارضة و أقواها, و لكن في كل مرة يخيب ظن القوى الوطنية في الاخوان المسلمين.

عدد من رموز القوى الوطنية يرون ان الاخوان المسلمين يتخاذلون في مواجهة النظام الحاكم, أما الاخوان فيرون أنهم عاجزون عن التصدى للقمع الحكومي بطريقة و بدرجة يمكنها ايقافه.

معادلات الحياة السياسية في مصر

هي معادلة قديمة قِدَم الاخوان و القوى الوطنية في حياتنا السياسية, فالقوى الوطنية تنظر لحجم الاخوان الظاهر على سطح الحياة السياسية, بينما الاخوان ينظرون لحقيقة قدرتهم الذاتية و قدرة النظام الحاكم على تصفية الجماعة عبر الوسائل الأمنية كما حدث أيام اغتيال حسن البنا على أيدي حكومة النقراشي و كذلك تكرر على أيدي جمال عبدالناصر و يمكن ان يتكرر على أيدي أي حاكم.

القوى الوطنية لا تلاحظ التواطؤ الدولي مع قمع اي تيار اسلامي في مصر و لا تلاحظ الفيتو الدولي على تولي أي قوة اسلامية للحكم في مصر بينما الاخوان يلاحظون ذلك كله.

و ادراك الاخوان المسلمين لكل هذه التحديات جعلهم يتقوقعون ازاءاها لا سيما و أنها تحديات معقدة يختلط بها عناصر الدولي و المحلي, البعض يحسن الظن بالاخوان المسلمين و يرى أنهم يصبرون حتى تزداد قدراتهم و يتحينون فرصة يأتي بها القدر فتتغير المعادلات الدولية و الاقليمية و من ثم تتغير معادلات السياسة الداخلية المصرية, البعض الآخر يسئ الظن بالاخوان المسلمين و يرى أنهم يقدمون مصلحة بقائهم ككيان على مصلحة المخاطرة بالسعي الجاد لتغيير النظام الحاكم.

الاصلاح السياسي في مصر

على كل حال فإن اتهام الاخوان المسلمين أو الدفاع عنهم هنا لن يفيد لا الاخوان و لا المعارضة الوطنية و لا قضية الاصلاح السياسي في مصر, انما الذي قد يفيد هو التفكر و التأمل السياسي في سبل الخروج من الأزمة الراهنة الا و هي أزمة المعارضة المصرية كلها سواء الأحزاب او القوى المعارضة خارج الأحزاب و على رأسها الاخوان المسلمون.

فالأحزاب التي تم اختراقها من قبل الحكومة لا أمل فيها فهي صارت حكومية أكثر من الحكومة و صار قادتها اكثر استبدادا و ديكتاتورية من قيادة الحزب الحاكم نفسه, هذه الأحزاب سقطت من معادلة المعارضة واقعيا و لا يملك أي تصور لعمل معارض إلا أن يسقطها من حساباته المستقبلية اللهم إلا إذا طهر أحد هذه الأحزاب نفسه من عملاء الحكومة و تحول إلى خندق المعارضة الحقيقية.

أحزاب و قوى المعارضة الحقيقية

أما أحزاب و قوى المعارضة الحقيقية من غير الاخوان المسلمين فهي ضعيفة و عليها أن تقوي نفسها عبر البناء التنظيمي الذي يتسم بالعلمية و الشجاعة على حد سواء, فالعلمية تعني الاهتمام بالخبرات و القواعد العلمية المعروفة التي ينبغي أن يقوم عليها عمل الأحزاب الجماهيرية مثل بناء القواعد الجماهيرية و التغلغل في قطاعات الشعب المختلفة في النقابات و الجامعات و المدارس و المصانع و المدن و القرى, و ذلك عبر الاختلاط المباشر بالجماهير و تنظيمها في هذه الأماكن, و الشجاعة التي نقصدها هي تحمل عواقب ذلك من مضايقات حكومية سوف تصل للاعتقال و لكن عليهم الاستمرار في عملهم كما يفعل الاخوان المسلمون و سائر التيارات الاسلامية فهذا العمل هو أحد العوامل التي وفرت القوة للاخوان المسلمين و غيرهم من الاسلاميين و تقاعس المعارضة عن هذا العمل الجماهيري خوفا من العواقب تارة أو جهلا بأهمية مثل هذا العمل تارة أخرى هو من أسباب ضعفها و تأخرها كثيرا عن الاخوان المسلمين و عن سائر الاسلاميين, و العمل عبر الانترنت الذي يركز عليه أكثر شباب المعارضة الآن لا يكفي لبناء حركات سياسية قوية هو فقط مجرد مرحلة تتلوها مراحل عديدة ربما هي أهم منه كما أنه يمثل أحد أدوات العمل و ليس كلها, فلابد من الالتحام المباشر مع الجماهير, و هذا الالتحام لا يتم عبر المظاهرات بل عبر التثقيف و التعبئة الشعبية كما قلنا, فقبل أن تطلب المعارضة من الجماهير المشاركة في مظاهرة أو اضراب لابد أن تقنعهم بجدوى و أهمية و أهداف العمل السياسي النضالي بكل صوره.

عقبات أمام الاخوان المسلمين

تبقى مشكلة الاخوان المسلمين هي الأعقد و الأهم على حد سواء, فالاخوان المسلمون أكثر قوى المعارضة تهيئا لخوض صراع التغيير السياسي و من ثم تسلم الحكم, لكن القمع الحكومي يمنع ذلك بتواطؤ دولي واضح, ففي هذه المعادلة عقبتان:

 عقبة القمع الحكومي الذي لا يقف عند حد و المستعد للذهاب لأبعد مدى مع اي قوة اسلامية بما في ذلك الاخوان المسلمين.

 عقبة التواطؤ الدولي مع هذا السلوك الحكومي المستبد الغاشم, هذا التواطؤ الذي يتم ترجمته لكل أشكال المساندة الدولية لهذا الاستبداد و القمع.

فكيف يمكن للاخوان المسلمين تجاوز هاتين العقبتين؟

الصراع السياسي وقواعده

عقبة القمع الحكومي لن يتسنى للاخوان تجاوزها إلا بتهيئة أنفسهم و حياتهم و منظماتهم لخوض صراع سياسي مرير و طويل سيكون سلميا من ناحيتهم بينما سيكون قمعيا جدا من ناحية النظام الحاكم, و اذا كان الصبر و المصابرة هما أهم السمات التي سيرتكز عليها الاخوان في هذا الصراع فإن الابتكار و المخاطرة لابد أن يكونا من أبرز أسلحتهم في هذا الصراع, يتحتم على الاخوان استخدام جميع الأوراق المتاحة في اللعبة السياسية الراهنة عبر هذا الصراع و لابد ألا يدخر الاخوان وسعا في الضغط على الحزب الحاكم بكل السبل و في كل مناسبة, بل عليهم اختلاق المناسبات و ابتكار السبل لتحقيق ذلك كله بشرط عدم التورط في أي عنف أو مخالفة شرعية, لكن لن يمكنهم طبعا فعل ذلك الا بعدما يكونوا قد استعدوا لذلك و أعدوا للصمود و الاستمرار على ذلك, و لن يقوم الاخوان المسلمون بذلك كله ما لم يقتنعوا بأن الصراع (أي صراع) لا يمكن الانتصار فيه الا عبر المخاطرة المحسوبة و الابتكار و امتلاك زمام المبادءة دائما, كما ان الاخوان المسلمين لن يقتنعوا بخوض هذا الصراع أصلا ما لم يدركوا أنه لم يحدث أبدا عبر التاريخ أن تنازل مستبد أو ديكتاتور عن سلطاته و أرجعها لشعبه دون صراع سياسي محموم انتهى بهزيمة المستبد.

الاخوان المسلمون بين التميع والتردد

ليس من مصلحة الاخوان الاستمرار على حالتهم الراهنة لأنها حالة تتسم بالتميع في علاقتهم مع الحكومة من حيث أن الحكومة لا تدخر وسعا في قمعهم و استنزاف قواهم بينما هم مترددون في خوض الصراع الذي اصبح مفروضا عليهم من قبل الحكومة قبل أن يكون واجبا اسلاميا عليهم لازالة منكر الاستبداد الجاسم على صدر مصر منذ قرون, الاخوان المسلمون حتى يكون موقفهم السياسي واضحا ليس أمامهم سوى خيارين لا ثالث لهما إما التحالف مع الحزب الحاكم و الخضوع لشروط ذلك الحزب و اما الصراع معه, الحالة الحالية المترددة بين الصراع تارة (عبر الانتخابات و البرلمان و النقابات و الجامعات..ألخ) و الصمت و الكمون تارة أخرى حتى تمر موجة القمع الغاشم… هذه الحالة ليست في مصلحة الاخوان المسلمين و لا في مصلحة قضيتهم و أهدافهم و سيظل النظام الحاكم يستنزفهم و لن يني عنهم, و معروف أن الاخوان المسلمين كيان ملتزم دينيا و بالتالي لن يمكنه تقديم تنازلات للنظام الحاكم على حساب أهداف الجماعة و عقيدتها الاسلامية فلا يبقى أمامهم سوى الصراع السياسي من أجل عقيدتهم و أهدافهم.

التواطؤ الدولي مع الاستبداد الحاكم

أما عقبة التواطؤ الدولي مع الاستبداد الحاكم ضد التيار الاسلامي فمن المعلوم أن القوى الدولية تلوح دائما بامكانية التعاطف مع الاخوان بل مع وصولهم للحكم إذا ما عدَّلوا افكارهم و أهدافهم و تبنوا القيم الغربية في ثوب اسلامي الأمر الذي يحلو للبعض ان يعتبره بمثابة دعوة لظهور أردوغان جديد من بين الاخوان المسلمين في مصر, و لكن على كل حال فإن إخوان مصر شئ و حزب العدالة و التنمية في تركيا شئ آخر, و جماعة الاخوان في مصر كتلتها الرئيسية ملتزمة دينيا و لا يمكن أن تقدم على تنازلات دينية حتى لو كانت ذات صبغة سياسية و ما يقال عن معتدلين و متشددين داخل قيادة الاخوان المسلمين فهو فهم خاطئ لطبيعة التنوع في الاجتهاد الفكري و السياسي داخل الجماعة و هذا التنوع في واقع الأمر لا يعني بأي حال أن الجماعة ستقدم تنازلات عن ثوابتها الدينية الراسخة, و تجربة حزب الوسط ليست عنا ببعيد فبمجرد أن سحبت جماعة الاخوان المسلمين دعمها له ظهر حزب الوسط كقوة سياسية صغيرة و لا يمكن أن يضاهي بأي درجة من الدرجات جماعة الاخوان المسلمين فضلا عن أن يصير هو أو أي محاولة أخرى مشابهة له بديلا عنها.

و لكن قد يتمكن الاخوان المسلمون من تجاوز العقبة الدولية عبر التحالف الوثيق مع الأحزاب و القوى الوطنية التي تمثل المعارضة الحقيقة التي تكلمنا عنها في بداية الموضوع, لأن الاخوان لابد أن يدركو الخطأ الذي وقعت فيه حماس عند تشكيلها حكومتها الأولى في الضفة و القطاع, فقد اعمت نشوة النصر حماس عن ادراك حقيقة الأوضاع الدولية و الاقليمية, هل كان الموقف الدولي و الاقليمي من حكومة حماس سيكون هو نفس الموقف الحالي لو كانت القوى الوطنية الأخرى (من غير فتح) شاركت فيها بحجم مناسب و خاصة القوى ذات الصلات العربية و الدولية المرموقة؟

بالطبع لا.

هذا في الحالة الفلسطينية التي لا تتمتع قواها الوطنية بنفس الدرجة العالية من القبول الدولي و العربي الذي تتمتع به قوى وطنية مصرية كحزب الغد او حزب الجبهة أو حزب الكرامة (تحت التأسيس) او حركة كفاية أو تيار استقلال القضاء أو غيرهم.

الاخوان المسلمين هل هم قاطرة لقوى المعارضة؟

إن الاخوان المسلمين لا يحتاجون لشراكة قوية و دائمة مع سائر قوى المعارضة الوطنية من أجل تجاوز عقبة عدم القبول الدولي و الاقليمي فقط بل أيضا من أجل أن الاخوان المسلمين تقع على عاتقهم مسئولية القيام بدور القاطرة لقوى المعارضة المصرية بكافة توجهاتها, فالاخوان المسلمون من مصلحتهم أن تزداد القوة الذاتية لهذه القوى المعارضة بالقدر الذي يتيح لها القدرة على معارضة النظام الحاكم و مناوءته و منازلته بقوة فهذا لن يخفف الضغط الحكومي القمعي عن الاخوان فقط بل أنه سيسهل مهمتهم في تحقيق عملية التغيير و الاصلاح السياسي, و تطوير قوى المعارضة هذه لقدراتها من الممكن أن يساعد و يشارك فيه الاخوان المسلمون بفاعلية و نجاح.

و بعد ذلك سيكون من السهل أن تستمر الشراكة حتى في حالة فوز الاخوان المسلمين بأغلبية مقاعد مجلس الشعب, فحتى في هذه الحالة من مصلحة نجاح اهداف و منهج الاخوان المسلمين ان يشركوا في مثل هذه الحكومة كل القوى المعارضة الحقيقية.

القوى المعارضة ترفض التعاون مع الاخوان

لكن تبقى هنا مشكلة أن بعض أو أكثر هذه القوى المعارضة ترفض التعاون مع الاخوان بشكل أو بآخر أو تشترط لقيام هذا التعاون شروطا يعجز الاخوان عن الوفاء بها, مثل رغبة هذه القوة أو تلك من قوى المعارضة في أن تضع جماعة الاخوان المسلمين كل امكاناتها تحت تصرف هذه القوة المعارضة في القيام بأعمال احتجاجية لا توافق عليها جماعة الاخون أو لا تقتنع بجدواها مثلما دعاها البعض للسعي لاسقاط النظام الحاكم عبر مظاهرة في القاهرة تزيد على المائة ألف و كان من المسلم به أن 99% من المتظاهرين مطلوب أن تحشدهم جماعة الاخوان لأنها هي الوحيدة التي يمكنها حشد مثل هذا العدد و هذا مجرد مثال على الأعباء التي كثيرا ما تطالب بها القوى الوطنية الاخوان المسلمين.

مزاج الشارع المصري

و غني عن البيان أن مزاج الشارع المصري يميل للناحية الاسلامية بدرجة أو بأخرى و من ثم فمستقبل النجاح السياسي الحقيقي تميل كفته للقوى الاسلامية أكثر من غيرها و بالتالي فمصلحة القوى الوطنية الليبرالية و القومية و اليسارية أن تدفع نحو تغيير سياسي متسامح يأخذ بعين الاعتبار خبرات و امكانات و علاقات هذه القوى في اطار من التنوع و التعددية حتى لو كان هذا التنوع و تلك التعددية في اطار من المرجعية الاسلامية التي يقودها الاخوان المسلمون.

و لا شك أن رفض هذه القوى للدور السياسي الاسلامى بدعوى الدفاع عن العلمانية أو الليبرالية ليس من شأنه أن يعرقل الاصلاح السياسي السلمي فقط بل إنه يهدد تطور هذه القوى الوطنية و يلقى بظلال قاتمة على مستقبل وجودها في الشارع السياسي المصري و بين صفوف القاعدة الجماهيرية العريضة و حينئذ سيقتصر وجودها على نخبة ضئيلة تتقابل في ردهات الفنادق المكيفة و تشرح أفكارها في الصالونات الفخمة في حراسة جنود الأمن المركزي بينما ستموج الشوارع حولها بصحوة لمعارضة اسلامية صلبة يكافحها النظام الحاكم و من ورائه من حلفائه الدوليين.

ان شراكة المعارضة الوطنية الجادة الصادقة مع الاخوان المسلمين ضرورة لكل من الاخوان المسلمين و المعارضة الوطنية بكافة أطيافها و هذا التحالف من المؤكد أنه سيكون في صالح انقاذ مصر من الحزب الديكتاتوري الحاكم, و يا ليت الوطنيون الحقيقيون من الحزب الحاكم نفسه يدركون ذلك و يدخلون في مثل هذه الشراكة للنهوض بمصر من الهاوية السحيقة التي تتردى فيها الآن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبت هذا الموضوع لجريدة الدستور المصرية.