الشريعة الاسلامية - صورة تعبيرية

أغلبية الأقباط يؤيدون تطبيق الشريعة الاسلامية في مصر

يؤيد 96.2% من المصريين تطبيق الشريعة الاسلامية في الحكم خاصة الحدود بينما يعارض تطبيقها 3.2%، و يطالب 64% من المصريين أن تكون الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد للتشريع.

هذا ما أكده استطلاعان للرأي أجريا على عينة متنوعة من الشعب المصري.

استطلاع المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بالقاهرة 

ففي استطلاع للرأي أجراه المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية بالقاهرة، واعتمد على عينة تم انتقائها بدقة كي تكون ممثلة لكافة فئات و طبقات الشعب المصري، حول موقف الشعب المصري من تطبيق الشريعة الإسلامية و تحديدا الموقف من “الحدود”.

و قد بلغ حجم العينة التي أجريت عليها عملية استطلاع الرأي 2427 شخصا، منهم %93.3من المسلمين و6.3 % من الأقباط ، على اعتبار أن هذه هي نسبة الأقباط في اجمالي تعداد السكان الذي أجري عام 1976م، و قد تنوعت العينة لتشمل كافة الفئات من حيث الطبقة و العمر و التعليم و المهنة و الحالة الإجتماعية و محال الإقامة التي شملت القاهرة و الإسكندرية و بور سعيد و عواصم حضر بحري و عواصم حضر قبلي إلى جانب مواطن النشأة التي شملت ما سبق، بالإضافة إلى ريف بحري و ريف قبلي.

و رغم وجود جوانب عديدة للشريعة الإسلامية غير عقوبات الحدود، إلا أن هيئة البحث اختارت لسبب ما أن يدور بحثها حول الرأي في عقوبات الحدود الشرعية التي تتمثل في:

1- الزنا

2- القذف

3- شرب الخمر

4- السرقة

5- قطع الطريق

6- الردة (أي خروج المسلم من الدين الإسلامي).

 و قد طبع المركز القومي للبحوث نتيجة الإستطلاع في كتاب مكون من نحو 400 صفحة، و لكننا هنا لن نطيل على القارئ بذكر المؤشرات و الأرقام الكثيرة التي احتوتها هذه الدراسة القيمة، بل سنقتصر على ذكر أهم المؤشرات و الإتجاهات التي حوتها الدراسة و ما يدعمها من أرقام.

 ما هوالموقف من تطبيق الشريعة الإسلامية؟

وافقت أغلبية العينة الكلية على تطبيق الحدود و ذلك بنسبة 96.2% و عارض تطبيقها 3.2%، و في عينة المسلمين على حدة ترتفع نسبة الموافقين إلى 98% في مقابل 1.3% معارضون و 0.3% محايدون، أما عينة المسيحيين على حدة فإن نسبة الموافقة فيها تنخفض إلى 63% و ترتفع نسبة المعارضين إلى 31% و كذلك المحايدين حيث بلغت نسبتهم 6%.هل نطبق الشريعة فوريا أم تدريجيا؟

31% من العينة الإجمالية تقف مع التطبيق الفوري، بينما رأى 69% أن التطبيق يجب أن يكون تدريجيا.أما عينة المسلمين منفردة فنسبة المؤيديين للتدرج 69%، و نفس الشئ في عينة المسيحيين منفردة حيث أيد 68% منهم التدرج، لكن عينة المسلمين رأى 75% منهم أن هذا التدرج لا ينبغي أن يتجاوز 5 سنوات كحد أقصى للمرحلة الإنتقالية بينما أيد فكرة الخمس سنوات 69% فقط من العينة المسيحية.

الطبقة الإجتماعية و تطبيق الشريعة

 أيدت أغلبية الطبقة العاملة تطبيق الحدود بنسبة 90% أما أغلبية الكتابيين و الطلاب فايدت بنسبة 83% أما الإداريين و المهنيين فنزلت النسبة إلى 77%.لكن لماذا تطبيق الشريعة ؟ رأى البحث أن دوافع الموافقة لدى كل من المسحيين و المسلمين مختلفة فعلى سبيل المثال رأى 43% من المسلمين وجوب تطبيقها لأنها شريعة الله بينما رأى 23% من المسيحيين أنها شريعة الله.

هل يتم تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها أم مع غيرها من القوانين؟

رأى 65% من المسلمين تطبيق الشريعة الإسلامية وحدها بينما رأى الباقون (35%) تطبيقها مع بعض القوانين الحالية بينما رأى 27% من المسيحين تطبيقها وحدها و إختار 73% من عينة المسيحيين تطبيقها مع بعض القوانين الحالية.

أما مبررات تطبيق الشريعة مع بعض القوانين الحالية فإن المسيحيين كانوا أميل لتقديم مبررات ذات طبيعة علمانية فكان ترتيب المبررات لديه كالآتي:

1- لأن بعض أفراد من الديانات الأخرى سيرفضون هذا التطبيق

2- لأن بعض القوانين الحالية تتفق مع الشريعة الإسلامية

3- لأنه من الصعب التخلي عن بعض القوانين المطبقة حاليا

4- حتى التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل للشريعة

5- حتى تتم معالجة أوجه القصور.و نذكر القارئ ان هذه هي آراء المسيحيين و ليس المسلمين.

كما يرصد البحث أن أول المبررات لدى المسيحيين كان يمثل أخرها لدى المسلمين، بينما كان أول المبررات لدى المسلمين (و هو: حتى يتم التمهيد لتقبل الناس للتطبيق الكامل) هو رابع المبررات لدى المسيحيين.لكن هل تطبيق الشريعة على كل جرائم الحدود أم على بعضها فقط؟؟

أيد 92.4% من المسلمين تطبيقها على كل الجرائم بينما انخفضت نسبة هذا التأييد لدى المسيحيين إلى 72%. وإذا طبقنا الشريعة فهل يتم تطبيقها على الجميع مسلمين و مسيحيين أم على المسلمين فقط؟

رأى 69% من المسلمين تطبيقها على الجميع، بينما رأى 31% تطبيقها على المسلمين فقط.كان هذا رأى الشعب المصري وفق استطلاع المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر.

استطلاع مؤسسة غالوب الأمريكية

أما مؤسسة غالوب الأمريكية فقد أجرت هي الأخرى استطلاعا أخر خلال لقاءات مباشرة مع عينة ضمت أكثر من 1800 من المصريين البالغين، وذلك خلال شهري مايو ويوليو 2007، كما شملت أكثر من 1000 تركي، خلال شهري مايو ويوليو 2007 أيضاً.

و أظهر الإستطلاع أن أكثر من 90% من الشعب المصري يؤيد تحكيم الشريعة الإسلامية، بينما يطالب ثُلثا المصريين تقريباً بجعلها المصدر الوحيد للتشريع.وبحسب الاستطلاع الواسع الذي أُجري في مصر وتركيا ومناطق أخرى، فقد جاء الشعب المصري في المقدمة من حيث المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية، حيث قال 91% من المصريين: إن الشريعة ينبغي أن يكون لها دور في تشريع القوانين، وهو رأي وافقهم فيه 90% من الأتراك.

وبحسب الاستطلاع الذي نشرت نتائجه وكالة أنباء “أمريكا إن أرابيك” فإن حوالي ثلثي المصريين (64 %) يعتقدون أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المصدر الوحيد للتشريع، وهو الرأي الذي عبّر عنه 7% فقط من الأتراك.لكن حوالي ثلث الأتراك (32 % فقط) رأوا أن الشريعة ينبغي أن تكون “أحد” مصادر التشريع، وهو ما أشار إليه أكثر من ثلث المصريين (35%).

كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية المشاركين في الاستطلاع في هاتين الدولتين لديهم أفكار إيجابية عن الشريعة.

ومن بين المطالبين بأن تكون الشريعة أحد مصادر التشريع، رأى 97% من المصريين أن الشريعة توفر العدالة للمرأة، في مقابل 69% من الأتراك.

كما قال 85 % من المصريين المطالبين بأن تكون الشريعة مصدرًا من مصادر التشريع: إنها تحمي الأقليات، وهو ما دعمه 51% من الأتراك.

واعتبر 96% من المصريين من هذه الشريحة أن الشريعة الإسلامية تعزز من وجود نظام قضائي عادل، في مقابل 63% من الأتراك.وعبّر 97% من المصريين في هذه الفئة عن اعتقادهم بأن الشريعة تحمي حقوق الإنسان، وهو ما أشار إليه 62% من الأتراك.

كما قال 94% من المصريين المؤيدين للشريعة كأحد مصادر التشريع: إنها تعزز العدالة الاقتصادية، في حين انخفضت هذه النسبة إلى 55% بين الأتراك.

واعتبر 94% من المصريين في هذه المجموعة أن الشريعة من شأنها أن تقلل الجريمة في المجتمع، وهو نفس الرأي الذي عبر عنه 68% من الأتراك.

وأظهر الاستطلاع أن هؤلاء الذين يؤيدون تطبيق الشريعة كمصدر من مصادر التشريع لا يميلون إلى ربط الشريعة بأفكار سلبية.هذه هي ارادة أغلبية الشعب المصري و فق استطلاعات الرأي.

وهي ارادة ينبغي الإذعان لها إن كنا نتحدث عن أسلوب حكم ديمقراطي، و لكن دائما نجد من يزعم انه يتكلم باسم الشعب مدعيا تحقيقه لإرادة الأغلبية، لكنه في حقيقة الأمر لا يتحدث الا بلسان نفسه فقط.

إن رأي الشعب في تطبيق الشريعة قضية مغيبة عن النقاش الدائر حول تطبيق الشريعة، بل في بعض الأحيان زعم علمانيون أن الشعب لا يريد الشريعة.

النقاش حول تطبيق الشريعة في مصر والعالم الإسلامي

و في هذا الإطار نتابع دائما في مصر و في سائر أنحاء العالم الإسلامي نقاشا لا ينتهي و جدالا لا ينقطع بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع في الدول الإسلامية.

و إن كان الإسلاميون و العلمانيون هما طرفا النقاش فإن كلا الطرفين يدعي أنه يبتغي تحقيق مصلحة الشعوب العربية و الإسلامية و حمايتها من الديكتاتورية و حكم الإستبداد.الإسلاميون ألصقوا كل الشرور بالعلمانين بصفتهم استلموا الحكم في العالم الإسلامي منذ أتم تحرره من الإحتلال العسكري الغربي، و بالتالي فهم مسئولون عما آل إليه أمر الأمة منذئذ و حتى الآن.أما العلمانيون فظلوا يحذرون الأمة العربية و الإسلامية من شرور ما أسموه بالحكم الديني و الديكتاتورية و الإستبداد باسم الدين و الحكم الإلهي، لكن الاسلاميين ردوا عليهم بأن الحكم بالحق الالهي و الحكم الكهنوتي المرتكز على رجال الدين منافي لتعاليم الدين الاسلامي في نظام الحكم بل الحاكم في الاسلام مسئول أمام الشعب حتى قال قائل من الشعب لأفضل رجل في الأمة الاسلامية بعد رسول الله و هو أبو بكر الصديق “لو اعوججت لقومناك بسيوفنا” فامتدحه أبو بكر، كما لم يوجد أبدا في التاريخ الاسلامي نظام حكم قائم على الحق الالهي أو رجال الدين باستثناء نظرية المذهب الشيعي في الحكم و أتباعه أقل من 10% من تعداد كل مسلمي العالم، كما أنه لم يطبق في أرض الواقع الا في حالات قليلة.

كما أعلن الإخوان المسلمون أن الشريعة الإسلامية لا تتنافى مع الديمقراطية و أكدوا أنهم عندما يصلون للحكم بالإنتخاب فإنهم سيحكمون وفق قواعد الديمقراطية في اطار المرجعية الإسلامية.لكن العلمانيين قالوا أن الإسلاميين غير صادقين في توجههم الديموقراطي، و أن طرحهم للديمقراطية كأسلوب حكم مجرد ذريعة للإستيلاء على الحكم و بعدها سيمارسون الديكتاتورية الدينية و ينقلبوا على الديمقراطية.

و اعتبر العلمانيون أن معارضتهم لتطبيق الشريعة الإسلامية هو دفاع عن الديمقراطية و حقوق الشعب، و قالوا أيضا أنه دفاع عن العقل و العلم و حقوق الإنسان و حقوق الأقباط.وطالب الإسلاميون بالإحتكام لرأي الشعب في تحديد من يحكم البلاد و ذلك عبر صناديق الإقتراع في انتحابات حرة.

و رد العلمانيون بأنه من غير المنطقي أن نعطي فرصة لأعداء الديمقراطية للوصول للحكم عبر الديمقراطية لينقلبوا عليها بعد ذلك.

فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات

قلة نادرة من العلمانيين وافقوا على فكرة الإحتكام إلى صناديق الإنتخابات، مثل نجيب محفوظ الذي أيد انشاء حزب اسلامي و رأى أن السماح بحزب للإسلاميين لا يمثل خطرا لأنهم لن يصلوا عبره للحكم لأن كل الأحزاب الأخرى ستتوحد في جبهة واحدة دفاعا عن العلمانية (عدم تطبيق الشريعة) لمنع وصول الإسلاميين للحكم و منع تطبيق الشريعة، و سينجح العلمانيون في منع تطبيق الشريعة، بينما سيفشل الإسلاميون في الإنتخابات حسب رأيه.و من العلمانيين من صرح بأن الشريعة غير مناسبة للعصر الحديث لأنها حسب رأيهم خاصة بزمان محدد و هو زمن النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم و مكان محدد هو شبه الجزيرة العربية و بيئتها القبلية و الصحراوية، و رد عليهم الاسلاميون بأن الاسلام صالح لكل زمان و مكان حسب نص القرآن {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107، و قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28، فكافة للناس تشمل جميع البشر في كل زمان ومكان، و كذلك رحمة للعالمين، فالعالمين تشمل كل البشر في كل زمان و مكان.كما كان بعض العلمانيين أكثر صراحة عندما انتقدوا أحكام الحدود في الشريعة الاسلامية و اعتبروها مهينة وغير انسانية، لكنهم لم يصغوا لردود الاسلاميين على هذا الاتهام، رغم أن الردود الاسلامية كانت واضحة و قوية حيث رأى الاسلاميون أن الحدود ليست هي كل الشريعة بل هي مجرد جزء من منظومة كبيرة ومتكاملة، و هذه المنظومة تعتمد على التربية النفسية و التنشئة الاجتماعية أكثر من اعتمادها على الحدود، بدليل أن الحدود لم تطبق في عصر النبي صلى الله عليه و آله وسلم الا نادرا، كما أن تطبيق كل حد له شروط تكاد تكون مستحيلة التحقيق في كثير من الأحيان، هذا كله فضلا عن القاعدة العامة و الأساسية في تطبيق الحدود و هو قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم “ادرأوا الحدود بالشبهات” بمعنى أن أي ظن يرد ببراءة المتهم في حد ما فانه يفسر لصالح براءته، و هذا كله يعزز فكرة أن الحدود هي أحد أدوات الشريعة لتقويم المجتمع و ليست هي الوسيلة الوحيدة، بل إن الوسائل الأخرى تحتل مكانة أكبر و أوسع من وسيلة اقامة الحدود، و ان كان هذا لا يقلل من اهمية الحدود كعقاب رادع يتم التلويح به وإن لم يطبق إلا قليلا، كما اعتبر الاسلاميون أن اتهام الحدود بأنها مهينة و غير انسانية هو طعن في ثوابت الدين الاسلامي الثابتة في القرآن الكريم، بل طعن في الدين نفسه لأن الله هو الذي شرعها والله نعالى يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك14، و يقول {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} فاطر31، فالله هو خبير بصير بعباده يعلم ما يصلحهم و قد أنزل شريعته وفق ما يصلحهم لا ما يهينهم أو ينتهك انسانيتهم، فما دام الأمر كذلك فالحدود لابد أنها غير مهينة و غير منافية لحقوق الانسان، لاسيما و أن الذين يعتبرونها مهينة انما ينظرون لمصلحة الشخص الذي سيقام عليه الحد و يهملون مصلحة المجتمع التي تضررت من جريمة هذا الجاني، خاصة أن إقامة الحد هي أخر المطاف في تقويم الجاني و ليس أوله.

الشريعة و استقلال القضاء

و ركز الاسلاميون في شرحهم لمنظومة الشريعة على جوانب متعددة مغايرة للحدود مثل استقلال القضاء و عدالته، و مثل العدالة الاجتماعية، و مثل الاقتصاد الاسلامي، و مثل التربية الاسلامية، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و مكافحة ظلم الحكام و الجهر بالحق في وجوههم، و قد اهتم الاسلاميون بذلك كثيرا حتى ان الدكتور على جريشة خصص جزءا من رسالته للدكتوراه لذلك تحت عنوان “شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها”، فضلا عن كتب كثيرة عامة في ذلك مثل “بينات الحل الاسلامي” للقرضاوي، و كتب اخرى كثيرة خاصة بأحد هذه الجزئيات مثل العدالة الاجتماعية أو الاقتصاد الاسلامي أو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و غيرها كثير.

لكن يبدو أن العلمانيين وجدوا أنهم سيخسرون لو أنهم استمروا في مناقشة أمر تطبيق الشريعة على هذا النحو فلجأوا لأسلوبين آخرين لمنازلة دعاة تطبيق الشريعة:

الأسلوب الأول- و قد تبناه العلمانيون ذوو الثقافة الدينية، و يتلخص هذا الأسلوب في التشكيك في العديد من مصادر الأحاديث النبوية و أقوال الصحابة لا سيما التي تفسر القرآن، و لم يكن غريبا أن ينصب الطعن على صحيح البخاري الذي يعتبر أهم و أصح كتاب لدى المسلمين بعد كتاب الله، لأنه لو انهدم أقوى كتاب سنة فلن يصمد أي كتاب سنة غيره، و لم ينزعج الاسلاميون و علماء الدين من رد حديث هنا أو هناك حتى لو كان صحيحا، لأن هذا الأمر رغم عدم موافقته للمعايير العلمية و الأسس الموضوعية للبحث في الدراسات الاسلامية فإنه ليس طريقا لهدم سائر الشريعة، لكن مكمن الخطورة الذي لاحظوه يرجع إلى أن هؤلاء الطاعنين يطعنون بلا قواعد و لا منهج محدد سوى موافقة الأمر لعقولهم كل حسب منطقه العقلي الخاص به، و من ثم فلو انتشر هذا المسلك فسيحكم كل شخص عقله في نصوص الشرع بلا مناهج بحث و بلا قواعد علمية موضوعية.. فقط وفق رأي الشخص الخاص و الذي يسميه العقلانية، و طبعا هذا الكلام غير موجود في أي علم في العالم فكل علم له قواعده و مناهج بحثه المتكاملة.. فكيف يكون الأمر في دين يتمتع بأرقى و أقوى مناهج بحث شهدها التاريخ.

ومن هنا فان الاسلاميين قالوا ان هؤلاء يريدون تقييم و نقد الاسلام وفق معايير لادينية، و الأجدر بهم بدل هذا التخفي بعباءة العقلانية أن يعلنوا أنهم يريدون تطويع الاسلام للعلمانية أو اللادينية.

الأسلوب الثاني- يقوم على المقارنة بين أقوال و برامج دعاة تطبيق الشريعة و بين المواثيق الدولية لحقوق الانسان و المعايير الديمقراطية الغربية، و الخروج من هذه المقارنة بالقول أن الدعوة لتطبيق الشريعة تقود إلى مخالفة للديمقراطية و حقوق الانسان بالمعايير الغربية و من ثم فينبغي رفض دعوة تطبيق الشريعة هذه.

و قد اهتم الاسلاميون بالرد على أهل الأسلوب الأول بينما أهملوا الرد على أهل الأسلوب الثاني.

و على كل حال فهذا الجدل المحتدم وصل لحد التراشق اللفظي الحاد بل وصل أحيانا لحد التكفير و القتل أو محاولة القتل (كما حدث مع فرج فودة الكاتب العلماني المشهور و مكرم محمد أحمد الكاتب الصحفي المعروف)، و لكن رغم سخونة هذا الجدل فإن رأي الشعب المصري بمسلميه و أقباطه ظل غائبا أو مغيبا عن ساحة الصراع الفكري حول هذه القضية خاصة من قبل العلمانيين الذين زعموا دائما حرصهم على المصلحة العامة و حقوق الإنسان و مع ذلك لم يسعوا يوما للإستماع إلى صوت الشعب الذي يزعمون الدفاع عنه.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الموضوع نشرته في جريدة الدستور المصرية (العدد الأسبوعى) ثم فى موقع لواء الشريعة و مدونتي القديمة.

انور السادات

هل كان أنور السادات ديمقراطيا ؟؟

عندما شعر جمال عبد الناصر أن الاتحاد السوفيتي يماطل في اعطائه أسلحة هجومية من النوع الذي يمكنه من تحرير الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو1967م، راوده الأمل في أن يتمكن من الحصول على أسلحة غربية متقدمة بطريقة ما، و حرض عددا من حكام الدول العربية و على رأسهم القذافي للحصول على أسلحة غربية متقدمة، و من ثم حصل القذافي على الميراج من فرنسا، كما حصلت السعودية و العراق على مقاتلات غربية أصبح لها دور فيما بعد في حرب أكتوبر 1973م، لكن الأمر لم يقتصر لدى جمال عبد الناصر على مرارات و عقبات السلاح السوفيتي أو الغربي بل إن جمال عبد الناصر عانى من مرارات الحصار الإقتصادي الغربي على مصر، و ربما يظن البعض أن هذه المرارات قاصرة على الضعف الإقتصادي الذي عانى منه الإتحاد السوفيتي و كتلته الشرقية، و الذي انعكس تدهورا و ضعفا في قدرته على تقديم المساعدات و الإستثمارات لمصر، لكن المرارات الأبرز كانت من شعور جمال عبد الناصر من أنه صار مقيدا و ممنوعا من أن يلعب لعبته السياسية المفضلة.

تلك اللعبة التي اعتاد أن يلعبها منذ أن كان رئيسا لمجلس قيادة تنظيم الضباط الأحرار، حتى من قبل أن ينجح في القيام بثورة يوليو 1952م، بل ربما كانت هذه اللعبة المفضلة هي السبب الرئيسي في نجاح هذه الثورة، تلك اللعبة تتمثل في فتحه قنوات اتصال و اقامة علاقات مع كل القوى الدولية، و استغلاله لتعدد هذه القوى و خلافاتها من أجل تحقيق أهدافه السياسية و الإقتصادية، و كان يضم ضمن تنظيم الضباط الأحرار ضباطا من مختلف التوجهات السياسية و الأيدولوجية لتحقيق هذا الغرض، فمن الضباط الإخوان إلى الضباط الشيوعيين إلى الضباط ذوي التوجه الغربي ممن يميلون للتعاون مع انجلترا أو أمريكا أو حتى الملك فاروق، لكن الحصار الغربي على مصر منذ ستينات القرن العشرين منع جمال عبد الناصر من ممارسة اللعبة الدولية التي يفضلها للفوز على حساب الخلافات بين القوى الدولية المتعددة.

فماذا فعل جمال عبد الناصر؟؟

يحكي البعض أن جمال عبد الناصر في إحدى لحظات الغضب من السوفيت قال: “أنا سأجيب لهم اللي يعرف يتعامل مع الغرب”، و هكذا صعد أنور السادات إلى واجهة المشهد السياسي في مصر بعدما وضعه جمال عبد الناصر في صدارة المرشحين لخلافته.

لكن هل كان لأنور لسادات نفس رأي جمال عبدالناصر أم كان له رأي آخر؟؟

الإجابة تأتي واضحة في المشهد التالي: بعد توليه لرئاسة مصر بفترة وجيزة جدا سأل السادات ابراهيم سعد الدين قائلا: “كم قوة دولية كبرى في العالم يا ابراهيم؟؟

فرد ابراهيم: ما سيادتك عارف يا ريس.

قال له السادات: لكن أنا أريد أن أسمع الإجابة منك.

قال ابراهيم: اثنتان يا ريس الإتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة.

فرد السادات مستنكرا: خطأ يا ابراهيم، هناك قوة دولية واحدة هي الولايات المتحدة فقط”.

و قد يستغرب البعض من هذا التقدير السياسي لسبب أو لأخر لكن من يقرأ مذكرات الدكتور مراد راغب الذي ظل سفيرا لمصر في الاتحاد السوفيتي لفترة طويلة حتى صار من أكبر الخبراء في شئونه يدرك نفاذ بصيرة أنور السادات السياسية في هذه المسألة لا سيما و أن عددا من قادة السوفيت كانوا منذ الستينات قلقين على مستقبل الإتحاد السوفيتي بسبب تأخره التكنولوجي و الإقتصادي.

وهكذا بدأ أنور السادات حقبة رئاسته لمصر انطلاقا من هذه القناعة.

أنور السادات في الحكم

عندما تولى أنور السادات الحكم كان أمامه عقبات عديدة لكنه تغلب عليها واحدة تلو الأخرى وكانت مواجهة كل من هذه العقبات تقوده لطريق واحد سنراه بعد قليل.

في البداية كان علي أنور السادات أن يحل مشكلة الأراضي المصرية و العربية المحتلة إن سلما أو حربا، وفتح أنور السادات قناة اتصال سرية مع الولايات المتحدة محاولا حل المشكلة سلما لكن محاولاته باءت بالفشل، فلم يجد بدا من العزم على خوض الحرب ثم خاضها فعلا في أكتوبر 1973م.

السادات و الصراع على السلطة

كان على أنور السادات مواجهة مشكلة الصراع على السلطة بعيد توليه الحكم مباشرة، و فعلا حسمه لصالحه بمساعدة العديدين و منهم الفريق صادق و الذي عينه وزيرا للدفاع بعد حسم الصراع، لكنه لم ينس أن هؤلاء الذين واجهوه هم من اليسار الناصري و قريب منهم اليسار الماركسي، ولم يكد أنور السادات يقضي على خصومه داخل هيكل السلطة نفسه حتى بدأت الحركة اليسارية (بشقيها الناصري و الماركسي على حد سواء) تتحرك بفاعلية في الجامعات و التجمعات، و كان على أنور السادات الذي يعد البلاد للحرب أن يواجه هذا المد اليساري لكن باسلوب سياسي أكثر منه بوليسي فشجع الحركة الإسلامية التي كان نشاطها يتصاعد هي الأخرى كي يوازن المد اليساري المتصاعد، البعض يبالغ في تصوير هذا الإستغلال و يزعم أن أنور السادات هو الذي أنشأ هذه الجماعات الإسلامية أصلا لكن المصادر الموثوقة تؤكد أنه حاول أن يستغل الحركتين الصاعدتين باشغالهما ببعضهما البعض لا أكثر و لا أقل.

السادات والإخوان المسلمين

كان أنور السادات رغم مشاركته في عضوية محكمة الثورة التي قمعت الإخوان المسلمين و أعدمت بعضهم قد ذاق مرارة السجن السياسي، كما كان أنور السادات لصيقا بالسياسة أكثر منه بالعسكرية فهو لم يمكث في الجيش إلا حتى رتبة رائد و بعدها تمرس في مناصب سياسية و صحفية لنحو عشرين عاما حتى صار رئيسا لمصر، و حتى الفترة القصيرة نسبيا التي قضاها في الجيش كان يمارس خلالها السياسة من خلال عضويته في عدد من التنظيمات السياسية و منها تنظيم الإخوان المسلمين كما تخللتها فترة هروب من الجيش بل و رفد منه.

كان عزم أنور السادات على التوجه للتحالف مع الكتلة الغربية من أجل تحقيق أهداف مصر السياسية و الإقتصادية يقتضي أن يرتب الأوضاع الداخلية سياسيا و اقتصاديا بالشكل الذي يتفهمه المجتمع الغربي و مؤسساته و حكوماته الليبرالية، كما كان الشعب المصري قد مل الحكم البوليسي و القمع و التعذيب وبدأ يتململ ومن ثم عبر الطلبة و العمال عن نبض الشعب في مظاهرات فيراير 1966م ثم في تحركات طلابية أخرى في يناير 1972م انتهت بمصادمات بين الشرطة و الطلبة و اعتقل على اثرها عدد كبير من الطلبة و حينئذ تضامنت نقابات المهندسين و الأطباء و الصحفيين مع الطلبة المعتقلين، كما طالب العديد من المفكرين اليساريين والليبرالين بالحريات و التعددية السياسية في العديد من المواقف و المناسبات، و كان أنور السادات بحكم تكوينه و خبراته السياسية قادرا على قيادة الدولة للتحول نحو مزيد من الإنفتاح السياسي و حرية التعبير و التعددية السياسية الشكلية أو الديكورية، لا سيما و أن أنور السادات كان مطلعا على الأزمات التي كانت تعصف بالبلاد منذ نهايات حكم جمال عبد الناصر من أول الأزمة الاقتصادية التي بدأت بوادرها منذ عام 1966م وحتى أزمة المشاركة السياسية التي تبلورت بوضوح، و مرورا طبعا بأزمة الهزيمة العسكرية في يونيو 1967م فضلا عن حرب اليمن.

و هكذا بدأ أنور السادات حكمه باخراج الإخوان المسلمين من السجن و اتاحة الفرصة لهم للتحرك بشكل عملي دون أي اعتراف رسمي أو وجود قانوني، و كان ذلك كله في اطار شئ من الترتيبات السياسية مع قيادة الإخوان المسلمين.

شرعية نظام أنور السادات

لكن كان على أنور السادات أن يضع الأطر القانونية لحكمه و يؤسس لشرعيته الجديدة و من هنا كان اصداره للدستور الدائم عام 1971م و طرح شعاري سيادة القانون و دولة المؤسسات، لكن ظلت الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية و من خلفه السلطة التنفيذية من سمات دستور 1971م أسوة بحال الحقبة الناصرية.

و في ابريل 1974م أصدر أنور السادات ورقة أكتوبر و التي و إن أقرت التنظيم الواحد فإنها أشارت إلى ضرورة أن تعبر كل قوى تحالف الشعب العامل عن مصالحها المشروعة و آرائها بحيث تتضح الإتجاهات التي تحظى بتأييد الأغلبية و التي يجب أن تتبناها الدولة (و كان وقتها الإتحاد الإشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الوحيد المسموح له بالوجود و العمل و كان بمثابة الحزب الواحد الحاكم و منه تاتي الحكومة).

و بعدها بأربعة شهور أصدر أنور السادات ورقة تطوير الإتحاد الإشتراكي و دعا فيها إلى اعادة النظر في شكل التنظيم السياسي و حدد هدفه من التطوير في أن يكون الإتحاد الإشتراكي بوتقة حوار تنصهر فيها الأفكار المتعارضة و تتبلور فيها الإتجاهات.

و استطرد أنور السادات قائلا في هذه الوثيقة: ان طبيعة الأشياء أن يختلف الناس حول القضايا السياسية و الاجتماعية، و ان الاتحاد الإشتراكي الذي يمثل قوى الشعب العامل أولى به أن يأخذ بأسلوب تمثيل الاتجاهات المختلفة في قيادته حتى لا يحس اتجاه له تأييد بين القواعد أنه مبعد تماما عن المشاركة في قيادة التنظيم فيفقد شعوره بالإنتماء إليه.

و إذا كانت ورقة أكتوبر قد مهدت للتعددية السياسية التي كان أنور السادات عازما عليها فإن ورفة تطوير الإتحاد الإشتراكي كانت بمثابة الشرارة التي أطلقت العنان لعملية التحول نحو التعددية السياسية الشكلية التي شهدتها مصر لأول مرة منذ ثورة يوليو 1952م.

في البداية استغرق البحث و التقصي في لجان خاصة بالإتحاد الإشتراكي نحو السنة لتخرج في النهاية اللجنة بعدة توصيات كان أغلبها يميل لعدم التعددية الحزبية فقد كانت أغلب الأراء تميل إلى عمل منابر للرأي داخل الإتحاد الإشتراكي.

 و بعدها بنحو العام أي في مارس عام 1976م قرر أنور السادات اقامة ثلاثة منابر في الإتحاد الإشتراكي العربي لتمثل اليمين و الوسط و اليسار، فاليمين باسم “تنظيم الأحرار الإشتراكيين” و الوسط باسم “تنظيم مصر العربي الإشتراكي” و اليسار باسم “التجمع الوطني التقدمي الوحدوي” و دخلت هذه المنابر انتخابات مجلس الشعب في صيف نفس العام، و في أول اجتماع لمجلس الشعب بعد هذه الإنتخابات “11 نوفمبر 1976م” أعلن أنور السادات تحويل التنظيمات السياسية الثلاثة إلى أحزاب، ثم صدر قانون الأحزاب السياسية في يونيو 1977م.

تعدد الأحزاب

و كانت الفكرة السائدة وقتها أن أنور السادات سار بهذا التدرج الطويل ليصل بعد سبع سنوات من حكمه لنظام حزبي تعددي يحل محل الإتحاد الإشتراكي العربي بسبب المعارضة الشديدة لذلك الإجراء من قبل قادة الإتحاد الإشتراكي و النقابات العمالية حينذاك.

وعلى كل حال فقد كان تعددا حزبيا شكليا فلم يحدث أبدا أن وصل حزب معارض لأغلبية الثلثين في مجلس الشعب، و ظلت هذه الأغلبية دائما من نصيب حزب الرئيس حتى أن السادات لما أنشأ حزبا جديدا و تخلى عن عضويته لحزب مصر العربي الإشتراكي في 1978م هرول جميع أعضاء الحزب الحاكم من حزبهم “حزب مصر العربي الإشتراكي” و تركوه وانضموا للحزب الجديد الذي أنشأه الرئيس تحت “اسم الحزب الوطني الديمقراطي” وصارت للحزب الذي نشأ للتو أغلبية الثلثين بمجلس الشعب بقدرة قادر تلك الأغلبية التي كانت من دقائق هي أغلبية حزب مصر العربي الإشتراكي كما تحولت جميع المقرات التي يمتلكها حزب مصر إلى مقرات للحزب الوطني الديمقراطي و التي مازال يمتلكها حتى اليوم.

وهكذا تكون النظام الحزبي التعددي على يد رئيس مصر السابق محمد أنور السادات لكن بشكله المقيد و الديكوري، فمنذ البداية كان السادات يميل لتقييد هذه التجربة الحزبية، فتم حل مجلس الشعب الذي أفرزته انتخابات 1976م و قد كانت هذه الانتخابات بها حد كبير من النزاهة فضاق أنور السادات ذرعا بهذا المجلس و حله في عام 1979م وأجرى انتخابات أخرى لم يسمح فيها بنجاح أحد من المعارضة باستثناء ممتاز نصار الذي أفلت من مقصلة التزوير بأعجوبة.

ديمقراطية لها أنياب

و مع مرور الوقت بدأ أنور السادات يضيق بالديمقراطية التي أقامها و بدأ يتكلم عن ديمقراطية لها أنياب، و أصدر العديد من القوانين التي أطلقت عليها المعارضة “ترسانة القوانين سيئة السمعة” و منها قانون الإشتباه و قانون حماية الجبهة الداخلية و غيرها من القوانين المقيدة للحريات كما ألغى اللائحة الطلابية الصادرة عام 1976م و وضع بدلا منها لائحة عرفت بلائحة 1979م لتقييد النشاط الطلابي و منع الطلبة من خوض غمار العمل السياسي.

وأدخل تعديلات على قانون الصحافة ليقيد من حرية الصحافة التي كانت شهدت قدرا من الإزدهار بدءا من 1978م، و لم يكتف أنور السادات بذلك بل حل مجلس نقابة المحامين و اصدر قرارا بتحويل نقلبة الصحفيين إلى نادي.

و ظل التدهور هو سيد الموقف في العلاقة بين أنور السادات و بين حركات المعارضة السياسية العلمانية من يمين كالوفد و يسار كحزبي العمل و التجمع و كذلك حركات المعارضة الدينية الإسلامية و المسيحية على حد سواء مما أدى لصدور قرارات 5 سبتمبر 1981م و التي بموجبها اعتقل السادات 1500 من قادة كافة أطياف المعارضة المصرية و صادر صحف المعارضة الحزبية بالإضافة لعدد من الصحف المستقلة الناصرية و الإسلامية و المسيحية.

لحظة الغليان

و سرعان ما وصلت درجة حرارة الشارع السياسي المصري إلى درجة الغليان مما فجر الأوضاع في حادث المنصة الشهير ذلك الحادث الذي وضع نهاية لعصر الرئيس أنور السادات.

لكن أيا كانت حسنات أو سيئات رئيس مصر السابق محمد أنور السادات فيظل التاريخ يذكر له أنه الوحيد الذي عاشت مصر في عهده (في أخر سنة من عهده تحديدا) بلا قانون الطوارئ منذ ثورة يوليو 1952م، كما أدخل نوعا من التعددية الحزبية المقيدة و أطلق عنان الحرية لصحف المعارضة والصحف المستقلة في أحد مراحل حكمه كما تمتع المعارضون بقدر واسع من حرية التعبير و الحركة في أواخر عهده و حتى قرارات 5 سبتمبر 1981م بل إن المعتقلين الذين اعتقلهم ضمن هذه القرارات لم يلقوا أي تعذيب حتى مقتله بعدها بشهر و حينئذ خرج من خرج و تعرض للتعذيب من بقي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشرته في جريدة الدستور المصرية بعددها الأسبوعى وفي مدونتى القديمة.

جمال عبد الناصر في الحج

جمال عبد الناصر و الإسلام

هل كان جمال عبد الناصر متدينا أم علمانيا؟؟
و إذا كان متدينا فلماذا حارب الإخوان المسلمين و قتلهم و سجنهم عبر محاكم عسكرية قاسية و ضيق على العديد من الدعاة الإسلاميين و لماذا ألغى المحاكم الشرعية؟؟
و إذا كان علمانيا فلماذا سجن و عذب الشيوعيين و الليبراليين و لماذا قام بدعم أنشطة إسلامية من قبيل تأسيس إذاعة القرآن الكريم و إنشاء جامعة الأزهر و دعم دور الأزهر الخارجي بل و لماذا استخدم الإسلام كثيرا في خطابه السياسي؟؟
و إذا كان لنا أن نناقش موقف جمال عبدالناصر من الإسلام فلابد أن نتعرض لموقفه إزاء عدد من المؤسسات و القضايا.
و أول هذه المؤسسات هي جماعة الإخوان المسلمين الذين وثق جمال عبد الناصر علاقاته و تحالفاته معهم عشية الثورة ثم سرعان ما دخل معهم في صراع على الحكم و النفوذ, و بدأ هذا الصراع في الظهور عندما طلب الإخوان المسلمون من جمال عبدالناصر تطبيق استحقاقات هذا التحالف و المتمثلة في تطبيق الشريعة و إقامة الحكم الإسلامي, و رفض جمال عبدالناصر و تنكر لأي إتفاقات مع الإخوان تلزمه بذلك, و بدلا من ذلك طلب منهم أن يرشحوا له اثنين ليشاركو في الوزارة واحد للتعليم و آخر للأوقاف, لكن الإخوان قرروا عدم التعاون مطلقا مع عبدالناصر, كما قرروا مقاطعته من منطلق أنهم يرون أنه خانهم بإعتبار أنه تنكر لهم, و عندما خالف أحد قادة الجماعة قرار الجماعة في هذا المجال و هو الشيخ الباقوري ووافق على تولي وزارة الأوقاف قامت الجماعة بفصله من عضويتها.
و منذ ذلك الحين اشتعل الصراع بين الإخوان و عبدالناصر.
لكن على ماذا كان الصراع؟؟
من جانب عبدالناصر كان الصراع مع الإخوان المسلمين جزءا من صراع واسع على السلطة خاضه جمال عبدالناصر على عدة أصعدة مع حلفاء و زملاء الأمس مثل الشيوعيين و عدد من قادة تنظيم الضباط الأحرار مثل محمد نجيب و خالد محي الدين و يوسف صديق و عبدالمنعم عبدالرؤف و غيرهم من قادة الجيش وتنظيم الضباط الأحرار, و في هذا الإطار أحبط العديد من محاولات الإنقلاب التي قام بها ضباط في الجيش يميلون للإخوان أو الشيوعيين أو الليبرالية, و في هذا الإطار أيضا جاء صراع عبدالناصر مع الإخوان كي يستحوذ على السلطة وحده على النحو الذي آل إليه الأمر فيما بعد عندما أمكنه التخلص من أخر زملائه الأقوياء و هو عبدالحكيم عامر غداة هزيمة 1967م بعد أن كان قد تخلص من الإخوان و الشيوعيين و الليبرالين و سائر قادة الضباط الأحرار.
و هكذا كان عبدالناصر واضحا في أهدافه كما حدد وسائله بدقة و دون تردد.

الإخوان المسلمون و عبد الناصر

أما الإخوان المسلمون فقد ترددوا ما بين داعيين للرضى بما يعرضه عليهم عبدالناصر و الإستمرار في التحالف معه, و ما بين معارضين له داعيين لمقاطعته و ممارسة النضال ضده حتى إسقاطه.
و هؤلاء المعارضون لعبد الناصر من الإخوان المسلمين انقسموا أيضا إلى قسمين قسم رأى أنه يمكن معارضته و إسقاطه عبر العمل السياسي السلمي كالإضرابات و المظاهرات و نحو ذلك, بينما رأى القسم الثاني أن الأفضل هو عمل إنقلاب عسكري على عبدالناصر.
كما رأى فريق أخر من الإخوان المسلمين أن على الإخوان ترك العمل السياسي إلى حين بما في ذلك عدم اتخاذ أي مواقف مؤيدة أو معارضة تجاه جمال عبدالناصر, و ذلك بهدف التفرغ لإصلاح جماعة الإخوان المسلمين و ترتيب أوضاعها الداخلية التي كانت تعصف بها الخلافات و التناحرات لاسيما و أن عبدالناصر قد بدأ يؤجج هذه الصراعات الداخلية و يشجع فريق على حساب أخر.
و على كل حال فقد أدى تردد الإخوان و اختلافهم حول ماهية و طبيعة علاقتهم بكل من جمال عبدالناصر و الثورة, و حول الوسائل و الأساليب الواجب اتباعها في إدارة هذه العلاقة إلى ضعف و تفكك أصابا أجهزة جماعة الإخوان المسلمين مما مكن عبدالناصر من هزيمة تنظيم الإخوان المسلمين الضخم و تفكيكه ووضعه في السجن عام 1954م, و ذلك لأن جمال عبدالناصر حدد ما يريده بدقة و حزم, و نفذه عبر أجهزة الدولة السياسية و الإعلامية و الأمنية التي أجاد السيطرة عليها و تطويرها لا سيما و أنه حرص على أن يحتفظ لنفسه بمنصب وزير الداخلية بجانب منصبه الأساسي كرئيس وزراء في بداية سنوات حكم الثورة, بجانب سيطرته على الجيش و المخابرات عبر صديقه الحميم في ذلك الحين عبدالحكيم عامر.
لكن هل وجه جمال عبد الناصر ضربته للأجهزة السياسية و الأمنية للإخوان المسلمين فقط وترك الأجهزة الإعلامية و الدعوية؟؟!
في الواقع فإن جمال عبدالناصر قد وجه للإخوان ضربة شاملة ساحقة و قاسية شملت حتى الذين لم يكونوا يميلون لخوض أي مواجهة سياسية أو عسكرية مع جمال عبدالناصر و الثورة, بل إن الذين كانوا على صلة بعبدالناصر و استغلهم لتأجيج الصراع داخل أجهزة وتنظيمات الإخوان المسلمين قبيل هذه الضربة لم يسمح لهم جمال عبدالناصر بعد الضربة بأي نشاط دعوي اللهم إلا دور الشيخ الباقوري الذي كان في إطار الحكم الناصري و لصالحه.

جمال عبد الناصر و الأزهر الشريف

أما الأزهر الشريف الذي يعد أهم مؤسسة إسلامية على الإطلاق في مصر و العالم الإسلامي، فقد كان لجمال عبدالناصر معه شأن أخر ممكن أن نعتبره إستمرارا للنهج الثابت الذي بدأ الحكام في مصر ينهجونه منذ نابليون بونابرت و حتى الآن و هو نهج الإحتواء و السيطرة تحت ستار التطوير و التجديد, و في هذا الإطار نتذكر ما فعله محمد علي و من بعده خلفائه مع الأزهر الشريف و ذلك النهج تلخصه كلمة الخديو عباس حلمي التي قال فيها محددا دور الأزهر: “أول شئ أطلبه أنا و حكومتي أن يكون الهدوء سائدا في الأزهر و الشغب بعيدا عنه فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد و شغب الأفكار لأنه مدرسة دينية قبل كل شئ.إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه. و أطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائما بعيدين عن الشغب و أن تحثوا إخوانكم العلماء و كذلك الطلبة على ذلك.و من يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الجرائد و الأخذ و الرد فيها فيكون بعيدا عن الأزهر” (يقصد أن من يفعل ذلك عليه أن يبتعد عن الإنتماء للأزهر)
فالحكام منذ نابليون حتى الآن حرصوا على منع الأزهر من العمل السياسي, كما حرصوا في نفس الوقت على توظيف الإسلام و علماء الإسلام لتحقيق أهداف الحاكم السياسية كلما أمكن ذلك.
ولم يشذ جمال عبد الناصرعن ذلك النهج فاتخذ العديد من الخطوات للسيطرة على الأزهر و توظيفه لصالح أهداف نظام ثورة يوليو1952م.
و نجد عبدالناصر يحدد دور العلماء في “ارشاد المواطنين إلى حقيقة و أهداف الثورة” و “تعبئة الرأي العام في كل البلاد الإسلامية و كافة دول العالم على اعتبار أن الجهد الذي يبذله علماء المسلمين في العالم الإسلامي أو الأمة العربية في مجال مواجهة إسرائيل مازال جهدا متواضعا”.
و قد دعى جمال عبد الناصر في اطار ذلك إلى “عمل لجان في كل بلد اسلامي من أجل متابعة العمل لنصرة القضايا العربية و ذلك في إطار مواجهة إسرائيل و الإستعمار العالمي الذي يقف خلفها”.
ولكن كيف وظف جمال عبدالناصر الأزهر لتحقيق أهدافه هذه؟؟
تضمن المرسوم بقانون رقم 180 لعام 1952م أي في أول خمس شهور من حكم الثورة إلغاء الوقف الأهلي، كما كانت هناك اجراءات صحبت ذلك كله و أخرى تتابعت في السنوات التالية، أدت فيما أدت إلى وضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف، وذلك عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بأخر إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي, حتى أن الهيئة تسلمت 137 ألف فدان من أراضي الأوقاف بسعر 17.5 مثلا لضريبة الأطيان المربوطة عليها أي أن قيمة الفدان بلغت خمسين جنيها في حين زادت قيمته الحقيقية بسعر السوق في ذلك الحين على ألف جنيه, و لذلك عجزت وزارة الأوقاف عن تأدية رسالتها لأن هذه الأراضي كانت تدر على الأزهر في السنة الواحدة 8 ملايين جنيه، و بتطبيق هذه القوانين إنخفضت الإيرادات إلى 800 ألف جنيه إذ أن الريع تم تحديده بـ3% و 4% من قيمة سندات سلمت لها كبديل للأرض، فضلا عن امتناع الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن سداد الريع المستحق، الأمر الذي جعلها مدينة لوزارة الأوقاف بمبالغ مالية هائلة.

هذا فضلا عن تبديد الهيئة لأغلب هذه الأوقاف لا سيما أوقاف الخيرات الموقوفة على المساجد, و بهذا ضربت ثورة 23 يوليو الركيزة الإقتصادية لعلماء الأزهر الشريف، تلك الركيزة التي كانت تجعلهم في غنى عن أموال الحكومة، الأمر الذي كان يكفل لهم الإستقلال عن الحكومة، و يتيح لهم معارضتها دون الخوف من قطع مرتباتهم أو تشريد أسرهم من بعدهم. وعلى حين عوملت اوقاف المسلمين هذه المعاملة استثنيت أوقاف غير المسلمين من أحكام هذه القوانين، حيث وضعت لها قوانين خاصة و تركت لكل كنيسة أوقافها في حدود مائتي فدان، و ما زاد عن هذا كانت الدولة تأخذه و تدفع ثمنه بسعر السوق، و هو ما ادى في أواخر السبعينات إلى مناداة عدد من الأصوات في مجلس الشعب بمساواة أوقاف المسلمين بأوقاف المسيحيين.

إلغاء المحاكم الشرعية في مصر

ثم كان إلغاء المحاكم الشرعية في مصر خطوة بارزة قامت بها ثورة يوليو لتقليص دور الأزهر الشريف في الحياة العملية للمصريين خارج توجيه الحكومة إذ أن ممارستها لنشاطها كانت تتمتع بقدر كبير من الإستقلالية عن الحكومة خاصة في مجال المنطلقات الأيدولوجية, و عبدالناصر و ثورة يوليو كانا يهدفان لتأميم الدين لصالح نظام الحكم فكان لزاما القضاء على هذه المحاكم التي كان يستحيل تأميمها لصالح النظام الحاكم, و كانت ثورة يوليو واعية بذلك منذ البداية إذ ألغيت هذه المحاكم بقانون رقم 462 لعام 1955م, وبذا بدأت هيمنة ثورة 23 يوليو على القوة الإسلامية الأكبر في مصر و في العالم الإسلامي و هي الأزهر الشريف و علماؤه, حيث شكل إلغاء المحاكم الشرعية تحديا لنظام الشريعة الإسلامية نفسه في دولة اسلامية يعلن دستورها أن دينها الرسمي هو الإسلام.
وبإلغاء المحاكم الشرعية و بالهيمنة على إدارة الأوقاف نجح الرئيس جمال عبد الناصر فيما فشل فيه الإحتلال الغربي من الهيمنة على أبرز مؤسسة لعلماء الإسلام في العالم كله.
و قد شنت أجهزة إعلام الدولة-الثورة حملة إعلامية صاحبت ذلك كله, ووصفته بأنه ثورة جديدة تجري داخل الأزهر و تقودها الدولة من أجل التجديد و التقدم لخدمة الأزهر و الإسلام, و بلغ الأمر أن هاجم د. محمد البهي في جلسات مجلس الشعب (1961م) ما وصفه بأنه جو العداوة و الجمود الذي يسود الأزهر وقال: “إن الثورة أعطت الإصلاح للأزهر لأن الشيوخ لم يريدوه”, و كان محمد البهي أحد المواليين لعبد الناصر داخل الأزهر.
و بعد أن هيمن عبدالناصر على الأزهر و موارده الإقتصادية كان عليه ان يكرس هذه الهيمنة بقانون رسمي محدد المعالم فتم اصدار قانون تنظيم الأزهر (103 لسنة 1961م). و كي يتضح المدى الذي كبلت به الحكومة مؤسسة الأزهر قبل هذا القانون لابد أن نعود لأحداث جلسة مجلس الأمة (البرلمان) التي أقرت قانون تنظيم الأزهر, يقول فتحي رضوان: “لإجبار المجلس على الموافقة حضر رجال الثورة و جلسوا أمامنا على المنصة, و تحديدا كان على المنصة أنور السادات و كمال حسين و كمال رفعت, و هدد أنور السادات المجلس عندما علت أصوات تعارض مشروع القانون قائلا: كانت ثورة في 23 يوليو 1952م و الذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام و اليوم ثورة جديدة و سيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير”.
و وفقا للوثائق الرسمية فإنه تغيب عن جلسة إقرار القانون بمجلس الأمة 179 عضوا أي ما يعادل 49% من إجمالي أعضاء المجلس, ووفقا لنفس الوثائق الرسمية فإنه لم يعترض من الأعضاء الحاضرين سوى النائب صلاح سعده, بينما ذكر فتحي رضوان أن أكثر من نصف الحاضرين عارضوا القانون.
وهذا القانون و إن كان أعاد تنظيم الأزهر فعلا و قسمه إلى هيكل تنظيمي جديد لكنه ربط هذا التنظيم كله بجهاز الدولة و خاصة رئاسة الجمهورية بشكل مباشر, فشيخ الأزهر ووكيل الأزهر و رئيس جامعة الأزهر يعينهم رئيس الجمهورية, كما أن كافة أجهزة الأزهر الرئيسية كالمجلس الأعلى للأزهر و جامعة الأزهر و مجمع البحوث الإسلامية ينفرد رئيس الجمهورية بتعيين القيادات العليا فيها, فمجمع البحوث يرأسه شيخ الأزهر وأعضاء المجمع يعينهم رئيس الجمهورية, أما جامعة الأزهر فبالإضافة لإنفراد رئيس الجمهورية بتعيين رئيس جامعة الأزهر فعمداء الكليات يعينهم أيضا رئيس الجمهورية, و بصفة عامة فالهيكل العام الإداري و المالي للأزهر أصبح وفقا لقانون تنظيم الأزهر جزءا من الهيكل المالي و الإداري للحكومة (أي السلطة التنفيذية).

مواقف الأزهر الشريف بعد هيمنة جمال عبد الناصر عليه

و بعد كل هذا فكيف للأزهر الشريف أن يعصي لرئيس الجمهورية أمرا فضلا عن أن يعارضه؟؟
و لكن ما النتيجة العملية لهيمنة نظام ثورة يوليو على الأزهر؟؟

النتيجة أن الأزهر الشريف لم تصدر من داخله أي مواقف أو تصريحات تعارض النظام الحاكم لا من قريب ولا بعيد, بل بالعكس وقف إلى جانب جمال عبد الناصر في كل مواقفه، و من ذلك على سبيل المثال لا الحصر الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر يساند بها جمال عبدالناصر في صراعه مع محمد نجيب (الأهرام 17 فبراير 1954م), و أيضا التأييد الذي قدمه الأزهر لنظام حكم جمال عبدالناصر فيما يتعلق باتفاقية الجلاء (الأهرام 26 فبراير 1954م), و كذلك المساندة التي قدمها الأزهر لنظام حكم جمال عبد الناصر إثر الأزمة مع اسرائيل التي سبقت هزيمة يونيو1967م بإعلان تأييده لجمال عبدالناصر و مباركته لخطواته في صد عدوان الصهيونية و الإستعمار(الأهرام 25 مايو 1967م).

جمال عبد الناصر و الطرق الصوفية

أما الطرق الصوفية التي كانت تمثل وقتها نحو 3 ملايين منتسب ينتظمون في 60 طريقة فكان لها شأن أخر مع جمال عبد الناصر, إذ أيدته بوضوح في القضايا السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية الداخلية و الخارجية من البداية فعلى سبيل المثال وقفت مشيخة الطرق الصوفية مع عبدالناصر في صراعه ضد الإخوان و أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية محمد علوان بيانا في مولد الرفاعي عام 1965م أبرز فيه هذا الموقف, كما أصدر المجلس الأعلى للطرق الصوفية بيانا استنكر فيه ما أسماه المؤامرات الرجعية التي يدبرها الملك فيصل (ملك السعودية) و شاه إيران و الملك حسين (ملك الأردن) و رئيس تونس الحبيب بورقيبة (الأهرام 12ابريل 1967م), وكذلك أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية بيانا يبرر فيه و يؤيد قرارات عبدالناصر بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء في مايو 1967م (الأهرام 27مايو 1967م), و في ديسمبر 1967م سار أكبر موكب صوفي رسمي في مصر تأييدا لعبدالناصر في أعقاب هزيمة يونيو.

جمال عبد الناصر و أنصار السنة و الجمعية الشرعية و غيرها

أما الجمعيات الإسلامية المستقلة كأنصار السنة و الجمعية الشرعية و غيرها من الجمعيات المسجلة وفقا لقانون الجمعيات فقد وضعها جمال عبدالناصر تحت وصاية الدولة و عين أحد ضباط الجيش للإشراف عليها جميعا, و تندر الكثيرون من أن ضابط جيش ليس متخصصا في الدين أصبح يشرف على الجمعيات الدينية, كما كانت بعض هذه الجمعيات متعارضة في أهدافها و مناهجها مثل أنصار السنة و الجمعية الشرعية من جهة و الجمعيات الصوفية من جهة أخرى و مع ذلك أشرف هذا الضابط على هذه الجمعيات المتعارضة في آن واحد, و قد شغل هذا المنصب لبعض الوقت كمال الدين رفعت أحد الضباط الأحرار.
و هكذا نجد أن جمال عبد الناصر كما أمم الإقتصاد لصالح رأسمالية الدولة (أو ما أسماه بالإشتراكية العربية) أمم علماء الإسلام لصالح نظام حكمه, و كما أدارت ديكتاتورية دولة جمال عبدالناصر الإقتصاد و السياسة أدارت مؤسسات علماء الإسلام, و العجيب أنه منذ عصر الإنفتاح و حتى الآن تراجع الرئيسان السادات و حسني مبارك عن أغلب إجراءات الحقبة الناصرية إلا أنهما استمرا في ترسيخ تأميم الإسلام و علماء الإسلام و مساجد و جمعيات الإسلام.
و لكن ماذا عن الأنشطة و الجهود التي بذلها جمال عبدالناصر في المجال الإسلامي مثل إنشاء إذاعة القرآن الكريم (1964م) و جامعة الأزهر (1961م) و توسع المعاهد الأزهرية و إنشاء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف (1960م) و في الخارج إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (1954م)؟؟
 لقد فعل الرئيس جمال عبد الناصر ذلك كله في إطار استثماره للرأسمال الديني الذي امتلكه بالتأميم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الموضوع نشرته في جريدة الدستور الورقية بعددها الأسبوعى، و أيضا في مدونتي القديمة

مبارك و السادات و جمال عبد الناصر

ثورة 23 يوليو و سيطرة رأس المال على الحكم

كان ضمن الأهداف الستة المشهورة التي أعلنتها ثورة 23 يوليو 1952م منذ اللحظة الأولى من إندلاع شرارتها “القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم”, فكيف حققت الثورة هذا الهدف و ما الذي بقي منه بعد مرور 56 عاما على بدء الثورة؟؟

تقليص نفوذ كبار ملاك الأراضي الزراعية

لجأت حكومة الثورة إلى تقليص نفوذ كبار ملاك الأراضي الزراعية في مصر عبر قانون الإصلاح الزراعي الأول في سبتمبر 1952م, و التي قلصت بمقتضاه الحد الأقصى للملكية الزراعية إلى 200 فدان للفرد تقلصت إلى 100 فدان للفرد في قانون الإصلاح الزراعي الثاني عام 1961م.

و في الفترة من 1952م و حتى 1956م سعت حكومات الثورة إلى إشراك رأس المال المصري و الأجنبي في خطط و جهود التنمية الكبرى التي سعت الثورة لتنفيذها و كان معظمها صناعيا بالإضافة لمشروع السد العالي, و لا حظت الثورة تقاعس الرأسماليين الأجانب عن ضخ إستثمارات حقيقية في خطط التنمية الوطنية, و عندئذ بدأت الدولة في تمصير الإقتصاد المصري عبر التأميم و جاء ذلك في إطار خياراتها السياسية المعادية نسبيا للغرب بعيد فشل العدوان الثلاثي على مصر.

كما لاحظت حكومات الثورة تردد الرأسمالية المصرية الكبيرة في الدخول كمنفردين أو كشركاء للدولة في مشاريع إقتصادية ضخمة تتسم بقلة الربح و تأخره مما دفعها لحركة تأميمات واسعة في الستينيات فيما عرف بقرارات يوليو الإشتراكية عام 1961م, بهدف توفير رأس المال اللازم للتنمية الوطنية المخططة مركزيا على نمط الإقتصاد الإشتراكي.كانت هذه هي الدوافع التي أعلنتها الثورة لإجراءات التمصير و التأميم حينئذ, عندما لم يكن هناك صوت يعلو على صوت الثورة, و لكن عند تحليل هذه الأحداث بتأني بعيدا عن صخب الثورة و الثوار نجد أن الثورة لم تفهم طبيعة النظام الإقتصادي و السياسي الدولي الذي يرتب نتائج إقتصادية كبيرة وواضحة على أي خيار سياسي أو إقتصادي تتخذه أي وحدة من الوحدات المكونة للنظالم الدولي, و بالتالي كانت ردود أفعال نظام الثورة في مصر على السلوك الغربي إزائها تظهر حقيقة أنهم فوجئوا بها ولم يكن مرتبا لها في إطار إستراتيجية محددة طويلة الأمد قد توقعت الأحداث مسبقا.

هذا بشأن تفسير مواقف الرأسمالية الأجنبية.

الرأسمالية المصرية

أما بشأن الرأسمالية المصرية فإن الثورة لم تفهم البناء الإقتصادي الإجتماعي للمجتمع المصري, حيث أن الرأسمالية المصرية كان لها قدمان اليمنى في الزراعة و الأخرى في الصناعة و التجارة و المصارف, فعندما قطعت الثورة القدم اليمنى للرأسمالية المصرية بقوانين الإصلاح الزراعي خافت تلك الرأسمالية على قدمها الأخرى و هرولت بها تؤمنها خشية أن ينالها الثوار بالقطع هي الأخرى, هذا إذا أحسنا الظن بالثورة و الثوار, و صدقنا مقولة أن الثورة أممت الرأسماليين المصريين بسبب عزوفهم عن المشاركة في خطط التنمية الوطنية. أما إذا أسأنا الظن بالثورة و الثوار لإن بعض الظن إثم و بعضه الأخر ليس إثما و إنما كما قال الحكماء “سوء الظن من حسن الفطن” فإن التحليل الموضوعي لما حدث عشية قرارات يوليو الإشتراكية يرى أن الرأسمالية المصرية إستفادت من حركة تمصير الإقتصاد (التي شنتها الثورة في منتصف الخمسينات) كما حصدت الكثير من أرباح عملية التنمية الوطنية عبر القيام بعمليات المقاولات و توريد المعدات و قطع الغيار و الصيانة فعظمت من أرباحها و ثروتها, و جعلها ذلك في موقف قوي أعطاها القدرة و الرغبة في السعي إلى المشاركة في صنع القرار بناء على ميزان القوة الإقتصادية القائم فعلا على الأرض مما دفع جمال عبدالناصر لتوجيه هذه الضربة الإشتراكية للرأسمالية المصرية بهدف تقليص نفوذها و إضعاف قوتها لتكف عن السعي للمشاركة في صنع القرار الوطني.

و أيا كانت دوافع جمال عبد الناصر هل هذا أم ذاك أم كليهما معا، فإن التخطيط الاقتصادي المركزي أسهم في تنمية الاقتصاد المصري و تنويع مجال النشاط الإقتصادي ما بين الزراعة و الصناعة و الخدمات بعكس ما كان عليه الحال قبل الثورة, كما أنه أسهم في ضرب القوى الرأسمالية القديمة و تقليص نفوذها, و إن كانت قوى أخرى قد بدأت تظهر بالتدريج من التكنوقراط و السياسيين و العسكريين السابقين الذين أصبحوا قادة القطاع العام الذي ورث الرأسمالية المصرية و الأجنبية في مصر على حد سواء, و سنرى بعد ذلك أن أبناء و أسر هؤلاء و المتحالفين معهم من الرأسمالية القديمة أو من الحرافيش ذوي الطموح هم الذين تسيدوا الموقف بدءا من عام 1977م تاريخ بدء الإنفتاح الإقتصادي الذي أطلقه الرئيس الراحل أنور السادات.

ور غم كل التنمية التي قام بها جمال عبد الناصر فقد استلم جمال عبدالناصر الدولة المصرية و هي دائنة لبريطانيا بثلاثة ملايين جنيه استرليني و تركها و هي مدينة بثلاثة مليارات, كما استلمها و هي تشمل أقاليم مصر و السودان و غزة و تركها و قد انفصلت عنها السودان و احتلت اسرائيل غزة و سيناء كاملة (أكثر من ثلث مساحة مصر) و تحطم الجيش المصري بالكامل مرتين مرة في عام 1956م و أخرى في 1967م فضلا عن خسائر و هزائم حرب اليمن.

انور السادات يتحول إلى نظام اقتصاد السوق

و في عام 1977م قرر الرئيس أنور السادات التحول إلى نظام إقتصاد السوق فيما سمي وقتها بسياسة الإنفتاح الإقتصادي, و كما برر النظام الناصري سلوك النهج الإقتصادي الإشتراكي في رغبته لإحداث تنمية شاملة تقضي على الفقر و البطالة و التخلف و أن النظام الرأسمالي له مساؤه و لن يفي بالغرض, فإن النظام الساداتي رفع نفس الشعارات و لكنه عكسها بأن النظام الإشتراكي هو السئ الذي لا يفي بالغرض بينما النظام الرأسمالي هو الحل.و بكل سهولة و دون أي معارضة جدية تحول نظام حكم ثورة يوليو الساداتي إلى إقتصاد السوق و بقيادة نفس رجال النظام الناصري, بل لعل هؤلاء القادة هم الذين دفعوا لهذا الإتجاه بعدما أصبحوا هم الرأسماليين الجدد, فالرأسمالية المصرية الجديدة تكونت من التكنوقراط و السياسيين و العسكريين السابقين الذين أصبحوا قادة القطاع العام وأبناءهم و أسرهم و المتحالفين معهم من الرأسمالية القديمة أو من الحرافيش ذوي الطموح الذين دفعهم طموحهم للإلتصاق بهؤلاء أو هؤلاء.

الصورة الإقتصادية في مصر منذ 1977م و حتى 2008م

و أصبحت ملامح الصورة الإقتصادية منذ 1977م و حتى 2008م على النحو التالي:

تشير توجهات البنوك وسياسات الإقراض أنه فى 1979 كان كل ما حصل عليه رجال المال من قروض البنوك لا يزيد عن 800 مليون جنيه أى 15% من إجمالى القروض من البنوك التجارية الأربعة المملوكة للحكومة فى ذلك الوقت، بينما في 2001 يقفز حجم القروض الى 213 مليار جنيه ربعها تقريبا بالعملات الصعبة خرقا لكل الأعراف المصرفية وأصبح ما حصل عليه هؤلاء يمثل 80% من إجمالى القروض والتسهيلات الائتمانية التى منحتها جميع البنوك العاملة فى مصر, و تكشفت عام 2000 فضيحة هروب كبار رجال المال والأعمال بأكثر من 40 مليار جنيه، فسمعنا شعارات من قبيل تعويم العملاء و مساندة المتعثرين و التصالح مع الهاربين.

كما ظهر أن 333 رجل أعمال فقط حصلوا وحدهم على نحو 80 مليار جنيه فى صورة قروض وتسهيلات ائتمانية أى حوالى 45% من إجمالى القروض والتسهيلات التى قدمتها البنوك لرجال المال بدعم من ذوي النفوذ.كما تشير المؤشرات الإقتصادية إلى تآكل قطاع الإنتاج السلعى للدولة والمجتمع مثل الصناعة والزراعة، بل واتجهت الدولة الى التخلص من شركات القطاع العام فى أكبر عملية بيع اتهمت بالنهب وأحيطت بالشكوك والفساد الذى لم تشهد مصر مثيلا له ولا فى عهد الخديوى إسماعيل, إذ تشيرالأرقام الرسمية إلى أنه عند الشروع فى تقييم أصول شركات القطاع العام الثلاثمائة والثمانين فى عام 1991 وبمعرفة مكاتب وشركات تقييم أمريكية وغربية قدروا أصولها بنحو 100 مليار جنيه، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على تطبيق برنامج الخصخصة، باعوا نصف هذه الشركات (194 شركة) بمبلغ لا يزيد على 16.6 مليار جنية، أى أن إجمالى عمليات البيع بعد اكتمالها لن تتجاوز 35 مليار جنية.. فأين ذهب الباقى؟ ولمصلحة من؟ وما علاقتهم برجال الحكم وأبنائهم؟

واستمرارا لسياسات السادات، جرى منح المزايا الضرائبية والجمركية للمستثمرين والمستوردين، وعدلت قوانين الضرائب أكثر من خمس مرات من أجل تخفيض العبء الضريبى على أرباحهم، وألغيت ضرائب تمس دخول الأغنياء مثل ضريبتى التركات ورسم الأيلولة، كما أن الدارس المتعمق فى هيكل النظام الضريبى المصرى طوال عقد التسعينات يكتشف أن الضرائب المتحصلة من الأغنياء فى مصر لم تزد فى أفضل الأحوال على 15% من جملة الحصيلة الضريبية سنويا، وتحملت شركات القطاع العام والفقراء والحرفيين نسبة 85% من العبء الضريبي.

أما الإعفاءات الجمركية فقد قدرتها بعض الدراسات الجادة منذ عام 1974 وحتى عام 2004 بأكثر من 80 مليار جنيه استفاد بها أصحاب المشروعات ولم تنعكس بدورها إيجابيا على هيكل الأسعار فى الداخل.

و أخيرا جاء تزعم الرأسماليين الجدد للحزب الوطني و لجنة السياسات ووزارة الدكتور أحمد نظيف ليلقي الضوء على إجابة السؤال الذي بدأنا به المقال و هو ماذا تبقى من أهداف ثورة يوليو؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموضوع نشر في جريدة الدستور الورقية بعددها الأسبوعى، و أيضا في مدونتي القديمة.

دارفور

مشكلة دارفور فرصة للنظر في أنفسنا بعمق.. ملاحظات شاملة

يقال إن مؤامرة غربية صهيونية لتفتيت السودان كخطوة نحو تفتيت وإضعاف العالم العربي هى التى تجرى فى دارفور، فبغض النظر عن تفصيل هذه المؤامرة لوصدقناها، وبغض النظر عن نفيها لونفيناها، فإن المشكلة الحقيقية واقعة فعلا وإستغلها من إستغلها لتحقيق أهدافه وأجندته الخاصة، ولكن لابد قبل أن نقذف بكل سلبياتنا نحو غيرنا أو نعلقها على شماعة غيرنا أن ننظر بعمق فى أنفسنا أولا.

وإننا نلاحظ حول مشكلة دارفور وغيرها ما يلى:

الملاحظةالأولى: إهمال الحكومات المركزية العربية لتنمية ورعاية المناطق الريفية و الأطراف رغم أننا ننتمى للحضارة الإسلامية وتعاليم الفقه الإسلامى تقضى بأن تصرف الزكاة فى البلد الذى خرجت منه.

الملاحظة الثانية: كما نلاحظ أن الدولة العربية المعاصرة رغم أن أمد إستقلالها قارب على النصف قرن، ورغم حديثها وحديث مثقفيها المتواصل عن التقدم والتنوير والحداثة…..الخ فإنها ما زالت عاجزة عن حماية أمنها الوطنى فى معناه الشامل سياسيا وإقتصاديا وعسكريا وأمنيا وإجتماعيا(ولن أقول القومى لأن الحال ما نرى) حتى رأينا زوال دولة عربية كبرى قديمة الإستقلال كالعراق وتآكل دولة شاسعة كالسودان التى إستقلت من نصف قرن، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

الملاحظة الثالثة: هل التنسيق العربى أو التعاون العربى فى أوقات الخطر الداهم هو أمر ميئوس منه، ففى الماضى إعتقد المحللون السياسيون والإستراتيجيون العرب أن حالة الخطر ستوحد العرب أو على الأقل ستدفعهم لتعاون واسع يشبه تدريجيا الإتحاد الأوروبى أو حلف الناتو، لكن أحداث السنوات العشر الأخيرة أثبتت أن ذلك لن يحدث أبدا فى ظل الأوضاع الراهنة.

الملاحظة الرابعة: أن المجتمع العربى والشعوب العربية رغم أنها مازالت تنبض بالحياة لكنها ضعيفة الوعى وضعيفة الحركة فقد راينا فى تاريخنا العربى البعيد والقريب حركات شعبية تمنع قادتها من التعاون مع الأعداء وتقف حائطا صلدا ضد إختراق الأعداء لجسد المجتمع، وبينما تجتر ذاكرتنا هذا التاريخ المجيد فإننا نرى اليوم قوى إجتماعية وحركات سياسية ذات شعبية تنادى بالتدخل الأجنبى أو تهلل وتصفق له بل وتحض عليه.

الملاحظة الخامسة: نلاحظ أيضا عقم العقل العربى وجموده فالأزمات غير النمطية تحتاج لحلول غير نمطية تتولد من تفكير خلاق وغير نمطى.و مشكلتنا السياسية لاحل لها إلا بالإنفتاح والعدل فى توزيع جميع الموارد السياسية و الإقتصادية والإستراتجية، ورغم أن الحالة ستؤل إلى الأحسن حينئذ إلا ان ذلك كله يحتاج حلولا غير نمطية أيضا.وهذه الجملة هى مفتاح الحل لكل المشاكل، ومفتاح كل الأبواب المغلقة لكن بالأفعال وليس بالأقوال.

ـــــــــــــــــــــــــــ

هذا المقال كنت قد كتبته فى المعتقل تعليقا على أحداث دارفور عام 2004 م وتم نشره فى جريدة القدس العربى فى لندن بالعدد4781 بتاريخ 6 أكتوبر2004م.